دعائي الي ربي

قلت المدون تم بحمد الله وفضله ثم قلت: اللهم فكما ألهمت بإنشائه وأعنت على إنهائه فاجعله نافعاً في الدنيا وذخيرة صالحة في الأخرى واختم بالسعادة آجالنا وحقق بالزيادة آمالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا واجعل إلى حصنك مصيرنا ومآلنا وتقبل بفضلك أعمالنا إنك مجيب الدعوات ومفيض الخيرات والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين اللهم لنا جميعا يا رب العالمين .وسبحان الله وبحمده  عدد خلقه وزنة عرشه  ورضا نفسه ومداد كلماته} أقولها ما حييت وبعد موتي  والي يوم الحساب وارحم  واغفر اللهم لوالديَّ ومن مات من اخوتي واهلي والمؤمنين منذ خَلَقْتَ الخلق الي يوم الحساب آمين وفرِّجِ كربي وردَّ اليَّ عافيتي وارضي عني في الدارين  واعِنِّي علي أن اُنْفِقها في سبيلك يا ربي اللهم فرِّج كربي واكفني همي واكشف البأساء والضراء عني وعنا.. وردَّ إليَّ عافيتي وثبتني علي دينك الحق ولا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وتوفنا مع الأبرار وألِّفْ بين قلوبنا اجمعين.يا عزيز يا غفار ... اللهم واشفني شفاءاً لا يُغَادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني وفرج كربي واكفني همي واعتقني مما أصابني من مكروه أنت تعلمه واعتقني من النار وقني عذاب القبر وعذاب جهنم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم ومن غلبة الدين وقهر الرجال اللهم آمين /اللهم ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عُقَد لساني واغنني بك عمن سواك يارب.والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين آمين.

الأحد، 10 أبريل 2022

مجمع الأمثال الإمام أبو الفضل الميداني الجزء الأول

 

مجمع الأمثال الإمام أبو الفضل الميداني

الجزء الأول

يعد هذا الكتاب أفضل كتاب صنف في موضوعه ، أورد فيه المصنف ما يقرب من (5000) مثل من الأمثال العربية القديمة ، سوى آلاف أخرى من الأمثال المولدة ، ذاكرًا مضرب كل مثل ومورده ، وقد ختم كتابه بذكر أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين التي جرت مجرى الأمثال ، وبالجملة فهو كتاب حسن التأليف كثير النفع جم الفوائد جدير بالمطالعة.

ترجمة الميداني

  الباب الأول : فيما أوله همزة

  الباب الثاني : فيما أوله باء

  الباب الثالث : فيما أوله تاء

  الباب الرابع فيما أوله ثاء

  الباب الخامس: فيما أوله جيم

  الباب السادس : فيما أوله حاء

  الباب السابع: فيما أوله خاء

  الباب الثامن: فيما أوله دال

  الباب التاسع: فيما أوله ذال

  الباب العاشر: فيما أوله راء

  الباب الثاني عشر : فيما أوله زاي

  الباب الثالث عشر : فيما أوله سين

  الباب الرابع عشر : فيما أوله صاد

  الباب الخامس عشر : فيما أوله ضاد معجمة

  الباب السادس عشر : فيما أوله طاء

  الباب الثامن عشر : فيما أوله عين

  الباب التاسع عشر فيما أوله غين

  الباب العشرون : فيما أوله فاء

  الباب الحادي والعشرون : فيما أوله قاف

  الباب الثاني والعشرون : فيما أوله كاف

  الباب الثالث والعشرون : فيما أوله لام

  الباب الرابع والعشرون : فيما أوله ميم

  الباب الخامس والعشرون : فيما أوله نون

  الباب السادس والعشرون : فيما أوله واو

  الباب السابع والعشرون : فيما أوله هاء

  الباب الثامن والعشرون : فيما أوله ياء

  الباب التاسع والعشرون : في أسماء أيام العرب

  الباب الثلاَثون‏:‏ في نُبَذ من كلام النبي وخُلَفَائه الراشدين

ترجمة المؤلف

  مراجع عامة لترجمة المؤلف

  نبذة عن الكتاب

  مقدمة المؤلف

*1* الجزء الأول‏.‏

*2* ترجمة الميداني صاحب ‏"‏مجمع الأمثال‏"‏‏.

‏[‏ص حـ‏]‏ & بسم اللّه الرحمن الرحيم‏.‏ الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه‏.‏

-1- قال ياقوت في ‏"‏معجم الأدباء‏"‏‏:‏

أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم، الميداني، أبو الفضل، النيسابوري، والمَيْدَانُ‏:‏

مَحِلَّة من مَحَالِّ نَيْسَابُورَ كان يسكنها فنُسِب إليها، ذكر ذلك عبد الغافر‏.‏ وهو أديبٌ فاضلٌ، عالم، نحويّ، لُغَوي‏.‏ مات - فيما ذكره عبد الغافر بن إسماعيل في السِّياَق - في رمضان سنة ثمان عَشْرَةَ وخمسمائة، ليلَةَ القَدْر، ودُفِنَ بمقبرة المَيْدَان‏.‏ قرأ عَلَى أبي الحسن علِيّ بن أحمد الواحِدِيّ، وعَلَى يعقوب بن أحمد النيسابوري‏.‏ وله من التصانيف‏:‏ كتاب جامع الأمثال، جَيِّد نافع، كتاب السامي في الأسامي، كتاب الأنموذج في النحو، كتاب الهادي للشادي، كتاب النحو المَيْدَاني، كتاب نزهة الطَّرْف في علم الصَّرْف، كتاب شرح المفضليات، كتاب مُنْيَة الراضي في رسائل القاضي‏.‏ وفي كتاب السامي في الأسامي يقول أسعد بن محمد المرساني‏:‏

هذا الكتابُ الذي سَمَّاه بالسَّامِي * دَرْجٌ من الدُّرِّ، بل كنز من السَّامِ

ما صَنَّفَتْ مثْله في فَنِّهِ أبداً * خَوَاطِرُ الناس من حَامٍ ومن سَامٍ

فيه قَلاَئدُ ياقُوتٍ مُفَصَّلة * لكل أرْوَع َماضي العَزْم بَسَّامِ

فكعْبُ أحمَدَ مولاي الأمام سَمَا * فوق السَّماكين من تصنيفه السَّامِي

وسمعت في المُفَاوضة ممَّنْ لا أحصي أن المَيداني لما صنف كتاب الجامع في الأمثال وقف عليه أبو القاسم الزمخشري، فحسَدَه على جَوْدة تصنيفه، وأخذ القلم و زاد في كلمة الميداني نوناً قبل الميم فصار ‏"‏النميداني‏"‏ ومعناه بالفارسية الذي لا يعرف شيئاً، فلما وقف الميداني على ذلك أخذ بعض تصانيف الزمخشري، فصيَّر ميم نسبته نوناً فصار ‏"‏الزنخشري‏"‏ ومعناه مشتري زوجته‏.‏ ‏[‏ص د‏]‏

وذكر محمد بن أبي المعالي بن الحسن الخواري في كتابه ‏"‏ ضالة الأديب، من الصحاح والتهذيب‏"‏ - وقد ذكر الميداني - قال‏:‏ سمعت غير مرة من كتَّابِ أصحابه يقولون‏:‏ لو كان للذكاء والشهامة والفضل صورة لكان الميداني تلك الصورة، ومَنْ تأمل كلامه واتقفى أثره علم صدق دعواهم‏.‏

وكان ممن قرأ عليه وتخرج به‏:‏ الإمامُ أبو جعفر أحمد بن علي المقرىء البيهقي، وابنه ‏(‏أي ابن الميداني‏)‏ سعيد، وكان إماماً بعده‏.‏

قال عبد الغافر بن إسماعيل‏:‏ ومن أشعاره‏:‏

تنفَّس صُبْحُ الشيب في ليل عارضي * فقلت‏:‏ عَساَهُ يكتفي بِعِذَارِي

فلما فشا عاتبته فأجابني * ألا هل يُرَى صُبْحٌ بغير نهارِ‏؟‏

وذكره أبو الحسن البيهقي في كتاب ‏"‏ وِشاح الدُّمْيَةِ‏"‏ فقال‏:‏ الإمامُ، أستاذنا، صَدْرُ الأفاضل، أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد الميداني، صَدْرُ الأدباء، وقدوة الفضلاء، قد صاحَبَ الفضل في أيام نَفِدَ زاده، وفنى عَتَاده، وذهبت عُدَّتهُ، وبطلت أُهْبَتهُ، فقوَّمَ سِنادَ العلوم بعد ما غيَّرتها الأيامُ بصُرُوفها، ووضع أنامل الأفاضل على خُطُوطها وحُرُوفها، ولم يخلق اللّه تعالى فاضلاً في عَهْده إلا وهو في مائدة آدابه ضَيْف، وله بين بابِهِ وداره شتاء وصَيْف، وما على مَنْ عام لجج البحر الخِضَمّ واسْتَنْزَف الدرر ظُلْمٌ وحَيْف، وكان هذا الإمامُ يأكُلُ من كَسْب يَدِه، ومما أنشدني - رحمه اللّه - لنفسه‏:‏

حَنَنْتُ إليهم والدِّيارُ قريبة * فكيف إذا سار المَطِيُّ مَرَاحلا‏؟‏

وقد كنتُ قبل البَيْن، لا كان بَيْنُهُمْ، * أُعَايِنُ للهِجْرَانِ فيهم دلائلا

وتحت سُجُوف الرقم أغْيَدُ ناعِمٌ * يَمِيسُ كخوطِ الخيزرانة مائلا

ويَنْضُو علينا السيف من جَفْن مقلة * تريق دَمَ الأبطال في الحب باطلا

وتكسرنا لَحْظاً ولفظاً، كأنما * بِفِيه وعَيْنَيْهِ سُلاَفَةُ بَابِلاَ

وله أيضاً‏:‏

شَفَةٌ لَمَاهَا زادَ في آلامي * في رَشف ريقتها شِفَاءُ سَقَامِي

قد ضَمَّنَا جنحُ الدُّجى وللثمنا * صَوْتٌ كقَطِّكَ أرْؤس الأقلام

وذكر البيتين اللذين أولهما* تنفس صبح الشيب في ليل عارضي * ثم قال‏:‏ وله أيضاً‏:‏ ‏[‏ص هـ‏]‏

يا كاذباً أصبح في كِذْبِهِ * أعْجُوبَةً أيَّةَ أعْجُوبَهْ

وناطقاً ينطق في لفظة * واحِدَةٍ سبعين أكذوبَهْ

شَبَّهَك الناسُ بعُرْقُوبهم * لَّما رَأوْا أخْذَكَ أسْلُوبَهْ

فقلت‏:‏ كلا‏!‏ إنه كاذبٌ * عُرْقُوبُ لا يبلغ عُرْقُوبَهْ

-2- وقال قاضي القضاة ابن خلكان في ‏"‏وفَيَات الأعيان‏"‏‏:‏

أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم، المَيْدَاني، النيسابوري، الأديبُ، كان أديباً فاضلاً، عارفاً باللغة، اختصَّ بصحبة أبي الحسن الواحدي صاحب التفسير، ثم قرأ على غيره، وأتْقَنَ فنَّ العربية خصوصاً اللغة وأمثال العرب، وله فيها التصانيف المفيدة، منها كتاب الأمثال المنسوب إليه، ولم يعلم مثله في بابه، وكتاب‏"‏السامي، في الأسامي‏"‏ وهو جيد في بابه، وكان قد سمع الحديث ورَوَاه، وكان ينشد كثيراً، وأظنهما له‏:‏

تنفس صبح الشيب في ليل عارضي * فقلت‏:‏ عَسَاه يكتفي بعذاري

فلما فشا عاتبته فأجابني * أيا هَلْ ترى صبحاً بغير نهار‏؟‏

وتوفي يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة ثمان عشرة وخمسمائة، بنيسابور، ودفن على باب ميدان زياد‏.‏

والميداني - بفتح الميم، وسكون الياء المُثَنَّاة من تحتها، وفتح الدال المهملة، وبعد الألف نون - هذه النسبة إلى ميدان زياد بن عبد الرحمن، وهي مَحِلَّة في نيسابور‏.‏

وابنه أبو سعد سعيدُ بن أحمد كان فاضلا ديناً، وله كتاب ‏"‏الأسْمى، في الأسما‏"‏ وتوفي سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، رحمه الله تعالى‏:‏

-3- ولأبي الفضل أحمد بن محمد بن أحمد الميداني - غير ما أثرناه - ترجمة في المراجع الآتية‏:‏

الأنساب، للسمعاني 548

تاريخ ابن كثير المعروف باسم البداية والنهاية 12/194

نزهة الألباب للأنباري 466

الفلاكة والمفلوكون 99

شذرات الذهب لابن العماد 4/58

بغية الوعاة للسيوطي 155 ‏[‏ص و‏]‏

كشف الظنون 974 و 1597 و 1703 ‏(‏طبع الآستانة‏)‏

الإنباه للقفطي 1/121

ونحن نجتزي من كل هذه المراجع بعبارة جاءت في كشف الظنون ‏(‏1598‏)‏ لأنها لم ترد فيما أثرناه عن ياقوت وعن ابن خلكان، قال‏:‏

ويحكى أن الزمخشري - بعد ما ألف ‏"‏المستقصى في الأمثال‏"‏ - اطَّلع على ‏"‏مجمع الأمثال‏"‏ للميداني، فأطال نظره فيه، وأعجبه جداً، ويقال‏:‏ إنه ندم على تأليفه المستقصي لكونه دون مجمع الأمثال في حسن التأليف والوَضْع وبَسْط العبارة وكثرة الفوائد‏.‏

وقد اختصر ‏"‏مجمعَ الأمثال‏"‏ شهابُ الدين محمد القضاعي، الخوبي، من تلاميذ الميداني‏.‏

-4- وبعد فإن كتاب ‏"‏مجمع الأمثال‏"‏ أحَدَ تصانيف أبي الفضل أحمد بن محمد الميداني أفْضَلُ كتاب صنف في موضوعه حُسْنَ تأليف، وبَسْطَ عبارة، وكثرة فائدة، حتى إن الإمام الزمخشري حين تأمله نَدِمَ على أن ألفَّ كتاباً جامعاً في الأمثال، فقد ظن أنه حَشَد فيه وجَمَع ما لم يتهيأ لغيره من أدباء العربية وعلمائها وباهى بأن سماه ‏"‏المستقصي‏"‏ ثم تبين له أنه أقل فائدة وأهْوَنُ جمعاً مما صنفه الميداني، وقد رأيت في كلام ابن خلكان أنه سمى الكتاب ‏"‏كتاب الأمثال‏"‏ ورأيت في كلام ياقوت أنه سماه ‏"‏جامع الأمثال‏"‏ ورأيت في كلام صاحب كشف الظنون أنه سماه ‏"‏مجمع الأمثال‏"‏ على ما هو المشهور في اسم الكتاب‏.‏

وقد طبع الكتابُ مراراً في مصر، في بولاق وفي غير بولاق، ولم يظهر في طبعة من هذه الطبعات سليما من التحريف والتصحيف، بل شاع المسخ في طبعاته الحديثة حتى بعد عن أصله بعد الفيل من رحم الأتان، ولعلنا - بعد أن حققنا أصله، وضبطنا غرائبه، ورقمناه ترقيما دقيقاً - نكون قد أعدنا له بهاءه، وجَدَّدنا رُوَاءه، ونَفَيْنَا عنه عَبَث العابثين، ويَسَّرناه للانتفاع به، والله وحده المسئول أن يجعل هذا العملَ مقروناً بالقبول، وأن ينفع به إنه أكرم مسئول‏.‏

محمد محي الدين ‏[‏ص ز‏]‏

‏[‏ص 1‏]‏&بسم اللّه الرَحمنِ الرَحيم

إن أحسن ما يُوَشَّحُ به صَدْرُ الكلام، وأجملَ ما يفصَّل به عِقْدُ النِّظام، حَمْدُ الله ذي الجلال والإكرام، والإفضال والإنعام، ثم الصلاة على خير الأنام، المبتَعثِ من عُنْصُر الكرام، وعلى آلِهِ أعلامِ الإسلام، وأصحابِهِ مصابيحِ الظلام، فالحمد لله الذي بدأ خَلْقَ الإنسان من طين، وجَعَله ذا غَوْرٍ بعيد وشَأوٍ بَطِين، يستنبط الكامِنَ من بديع صَنْعته بذكاء فِطْنَته، ويستخرج الغامضَ من جَليل فِطْرته بدقيق فِكْرته، غائصا في بحر تصرُّفه على دررِ مَعَان، أحْسَنَ من أيام مُحْسن معان، وأبْهَجَ من نيل أمان، في ظل صحةٍ وأمان، مودِعاً إياها أصْدَافَ ألفاظٍ، أخْلَبَ للقلوب من غمزات ألحاظ، وأسْحَرَ للعقول من فَتَرات أجفانٍ نواعسَ أيْقَاظ، ناظما من محاسنها عُقُودَ أمثال، يحكم أنها عَديمةُ أشْبَاهٍ وأمثال، تتحلّى بفرائدها صدورُ المحافل والمحاضر، وتتسلَّى بشواردها قلوبُ البادي والحاضر، وتُقَيَّد أَوَابِدُها في بطون الدفاتر والصحائف، وتطير نواهضُها في رءوس الشواهق وظهور التنَائِف، فهي تُوَاكبُ الرياحَ النُّكْبَ في مَدَارجِ مهابِّهَا، وتُزَاحم الأراقمَ الرُّقْشَ في مضايق مَدَابِّها، وتحوج الخطيبَ المِصْقَع والشاعر المُفْلِقَ إلى إدماجها وإدراجها، في أثناء متصرِّفاتها وأدراجها، لاشتمالها على أساليب الحسن والجمال، واستيلائها في الْجَوْدَة على أمَدِ الكمال، وكفاها جلالَةَ قدر، وفَخَامة فخر، أنَّ كتاب الله عز وجل - وهو أشرفُ الكتب، التي أنزلت على العجم والعرب - لم يَعْرَ من وشاحها المفصل ترائبُ طِواله ومُفَصَّله، ولا من تاجها المُرَصَّعِ مفارقُ مجمله ومُفَصَّله، وأن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم - وهو أفصح العرب لسانا، وأكملهم بيانا، وأرْجَحُهم في إيضاح القول ميزانا - لم يَخْلُ في إيراده وإصداره، وتبشيره وإنذاره، من مَثَل يحوز قَصَبَ السَّبْق في حَلْبة الإيجاز، ويستولي على أمَدِ الْحُسْن في صَنْعَة الإعجاز، أما الكتابُ فقد وُجد فيه هذا النهج لَحِباً مسلوكا، حيث قال عز من قائل‏:‏ ‏{‏ضَرَبَ الله مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏ضَرَبَ الله مَثَلاً كلمةً طيبةً‏}‏ يعني كلمة التوحيد ‏{‏كشجرة طيبة‏}‏ يعني النخلَةَ ‏{‏أصلها ثابت وفرعها في السماء‏}‏ شَبَّه ثَبَاتَ الإيمان في قلب المؤمن بثَبَاتها، وشَبَّهَ صُعُود عمله إلى السماء، بارتفاع ‏[‏ص 2‏]‏ فروعها في الهواء، ثم قال تعالى ‏{‏تؤتي أكُلَهَا كلَّ حينٍ‏}‏ فشبه ما يكتسبه المؤمن من بركة الإيمان وثوابه في كل زمان، بما ينال من ثمرتها كل حين وأوان، وأمثالُ هذه الأمثال في التنزيل كثير، وهذا الذي ذكَرْتُ عن طَويلها قصير، وأما الكلام النبوي من هذا الفن فقد صنف العسكريُّ فيه كتابا براسه، ولم يأل جَهْداً في تمهيد قواعده وأساسه، وأنا أقتصر ههنا على حديث صحيح وقَعَ لنا عاليا، وهو ما أخبرنا الشيخ أبو منصور بن أبي بكر الْجَوْزِي أنبأنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم، أنبأنا أبو طاهر محمد بن الحسن، أنبأنا أبو البحتري أنبأنا أبو أسامة، أنبأنا يزيد بن أبي بُرْدَةَ عن أبي موسى الأشْعَرِيِّ رضي اللّه تعالى عنه، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنما مَثَلُ الجليسِ الصالِح وجليسِ السوء كحامل المِسْكِ ونافخُ الكِيرِ، فحاملُ المسكِ إما أن يُحْذِيَكَ ‏(‏أحذاه يحذيه‏:‏ أعطاه‏)‏ وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبا، ونافخُ الكِيرِ إما أن يحرق ثيابك وإما أن تَجِدَ منه ريحا خبيثة‏"‏ رواه البخاري عن أبي كريب عن أبي أسامة، فكأن شيخ شيخي سمعه من البخاري‏.‏

وبعد، فإن من المعلوم أن الأدب سُلَّم إلى معرفة العلوم، به يُتَوَصَّل إلى الوقوف عليها، ومنه يتوقَّع الوصولُ إليها، غير أن له مَسَالكَ ومَدَارج، ولتحصيله مَرَاقِيَ ومَعَارج، من رَقِيَ فيها درَجاً بعد درج، ولم تهمّ شمسُ تشميره بِعَرَج، ظفِرَتْ يَدَاه بمفاتح أغلاقه، وملكت كفاه نفائس أعْلاَقه، ومن أخطأ مِرْقَاةً من مَرَاقيه، بقي في كد الكَدْحِ غيرَ مُلاَقيه، وإنَّ أعلى تلك المراقي وأقصاها، وأوْعَرَ هاتيك المسالك وأعصاها، هذه الأمثالُ التي هي لُمَاظَاتُ حَرَشَةِ الضِّبَاب، ونُفَاثات حَلَبة اللِّقَاح وحَمَلَة العِلاَب، من كل مرتضعٍ دَرَّ الفصاحة يافعا ووليدا، مرتكضٍ في حجر الذَّلاَقة توأما ووَحيدا، قد ورد مَنَاهل الفطنة يَنْبوُعا فينبوعا، ونزف مناقع الحكمة لَدُوداً ونَشُوعا، فنطق بما يُسِرُّ المعبِّر عنها حبوا في ارتقاء ‏(‏هكذا وقع في جميع المطبوعات، وأراه محرفا عن ‏"‏حسوا في ارتغاء‏"‏ وهو مأخوذ من المثل ‏"‏يسر حسوا في ارتغاء‏"‏ وسيأتي في حرف الياء مشروحا‏)‏ والمشير إليها يمشي في خَمَر ويدبُّ في ضَراء، ولهذا السبب خفيَ أثرُها، وظهر أقلُّها وبطن أكثرها، ومن حَامَ حول حِمَاها، ورام قَطْفَ جَنَاها، علم أن دون الوصول إليها خَرْطَ القَتَاد، وأن لا وقوف عليها إلا للكامل العَتَاد، كالسَّلَف الماضِينَ الذين نظموا ‏[‏ص 3‏]‏ من شَمْلها ما تشتَّت، وجمعوا من أمرها ما تفرَّق، فلم يبقوا في قوس الإحسان مَنْزعا، ولا في كِنانة الإتقان والإيقان أهْزَعا، والناس اليوم كالمجمِعِين على تقاصُرِ رغباتهم، وتقاعُدِ همَّاتهم، عما جاوز حد الإيجاز، وإن حرك في تلفيقه سلسلة الإعجاز، إلا ما نشاهده من رغبةِ مَنْ عَمَرَ معالم العلم وأحياها، وأوضَحَ مناهج الفضل وأبداها، وهمةِ مَنْ تجمعت في فؤاده همم ملءُ فؤاد الزمان إحداها، وهو الشيخ العميد الأجل السيد العالم ضياء الدولة منتخب المُلْك شمس الْحَضْرة صفيُّ الملوك أبو علي محمد بن أرسلان، أدام الله علوّه، وكبَتَ حاسده وعدوّه، فإنه الذي جَذَب بضَبْع الأدب من عَاثُوره، وغالى بقيمة منظومه ومنثوره، وأقبل عليه، وعلى من يُرَفْرِفُ حواليه، إقبالَ مَنْ ألقت خزائن الفضل إليه مقاليدها، ووقفت مآثرُ المجد عليه أسانيدها، فأبرز محاسن الآداب في أضْفَى ملابسها، وبَوَّأها من الصُّدور أعلى منازلها ومجالسها، بعد أن حَلَّقت بها العنقاء في بَنَاتِ طَمَار، وتضاءلت كتضاؤل الحسناء في الأطْمَار، فالحمدُ لله الذي جعل أيامه للحسن والإحسان صورة، وعلى الفضل والإفضال مقصورة، وجعلها موقوفَة الساعات، على صنوف الطاعات، محفوفَةَ الساحات، بوفود السعادات، موصوفة الحركات والسكنات، بوفور البركات والحسنات، حتى أصبحت حُلِيَّاً على لَبَّة الدولة الغراء، وتاجا في قِمَّةِ الحضرة الشمَّاء، وحِصْنا لملك الشرق حصينا، ورُكْنا يؤوي إليه ركينا، وأمست على معصمه ومعتصمه سورا وسِوَارا، ولوَجْهِ دولته وحُسام سَطْوته غرةً وغِرارا، يُسْتَمْطَر النُّجْحُ ببركات أيامه، ويستودَعُ المللك حركات أقلامه، فلله دره من عالم زرَّ بُرْدَاهُ على عالم، وأمين بانتظام الملك ضمين، ومُطَاع عند ذي الأمر مَكِين، يزين بحضوره ديوان عماله، ولا يشين بمحظوره ديوان أعماله، فعل من تَنَبَّه له الجد، فنظرت نفسه ما قدمت لغد، وتمكَّن منه الجد، فلا الدَّدُ منه ولا هو من دَد، وعليه عينة من سيد جُمِعَ له إلى القُدْرة العصمة، وإلى التواضع الرفعة والحِشْمة، فرَفَلَ من السيادة في أغلى أثوابها، وأتى بيوتَ المجدِ من أبوابها، وباشَرَ أبكار المكارم فالتزمها واعْتَنَقها، وباكر أقداح المحامد فاصطَحَبَها واغتَبَقَهَا، فأصبح لا يَطْرَبُ إلا على معنى تكد له الأفهام، دون مؤثر تأتي له الإيهام، ولا يَعْشَق إلا بناتِ الخواطر والأفكار، دون العذَارَى الخُرَّد الأبكار، ولا يثافن إلا مَنْ أخلق جَدِيدَيْهِ، حتى ملأ من الفضل بُرْدَيه، وكَحَّلَ بإثمِدِ السهر جَفْنيه، حتى أقرَّ بنيل القرب منه عينيه، فتبوَّأ من حضرته ‏[‏ص 4‏]‏ المأنوسة جنة حُفَّتْ بالمكارم لا المكاره، وروضةً خُصَّت بالمجد الزاهر لا بالأزاهر، تنثال عليها أفراد الدهر من كل أوْب، وتنصبُّ إليها آحاد العصر من كل صَوْب، لا سَلَب الله أهل الأدب ظلَّه، ولا بلغ هَدْىُ عمرِه مَحِلّه، ما طَلَع نَجْم، ونَجَم طَلْع، بمنه وكرمه‏.‏

هذا، ولما تقدر ارتحالي عن سُدَّته، عمرها الله بطول مُدَّته، أشار بجَمْع كتاب في الأمثال، مبرِّزٍ على ما لَه من الأمثال، مشتمل على غَثِّها وسَمينها، محتوٍ على جاهليها وإسلاميها، فعُدت إلى وطني رَكْضَ المنزع شمره الغالي، مشمراً عن ساق جِدِّي في امتثال أمره العالي، فطالعت من كتب الأئمة الأعلام، ما امتد في تقصِّيه نَفَسُ الأيام، مثل كتاب أبي عُبَيدة وأبي عُبَيد، والأصمعي وأبي زَيْد، وأبي عَمْرو وأبي فَيْد، ونظرتُ فيما جمعه المفضَّلُ بن محمد والمفضَّلُ بن سَلَمَةَ‏.‏ حتى لقد تصفحت أَكْثَرَ من خمسين كتاباً، ونَخَلْتُ ما فيها فصلاً فصلاً وباباً باباً، مفتشاً عن ضَوَالِّها زوايا البقاع، مشذِّباً عنها أُبَنَهَا بصارِمِي القَطَّاع، علماً مني أني أمَتُّ به الدينار في كف ناقد، وأجلو منه البدر لطرف غير راقد، يزيده بالنظر فيه رونقاً وبهاء، ويكسبه بالإقبال عليه سَناً وسناء، ونقلتُ ما في كتاب حمزة بن الحسن إلى هذا الكتاب، إلا ما ذكره من خَرَزَات الرُّقَى وخُرَافات الأَعْرَاب، والأمثال المزدوجة لاندماجها في تضاعيف الأبواب، وجعلتُ الكتابَ على نظام حروف المعجم في أوائلها، ليسهل طريق الطلب على مُتَنَاولها، وذكرتُ في كل مَثَل من اللغة والإعراب ما يفتح الغَلَق، ومن القَصَصِ والأسباب ما يوضِّح الغرض ويُسيغ الشَّرَق، مما جمعه عُبَيْد بن شَرِيَّة وعطاء بن مصعب والشَّرقِيُّ بن القُطَامي وغيرهم، فإذا قلت ‏"‏المفضل‏"‏ مطلقاً فهو ابنُ سَلَمة، وإذا ذكرتُ الآخَرَ ذكرتُ اسمَ أبيه، وأفتتح كل باب بما في كتاب أبي عُبَيد أو غيره، ثم أعقبه بما على أَفْعَلَ من ذلك الباب، ثم أمثال المولدين، حتى آتي على الأبواب الثمانية والعشرين على هذا النَّسَق، ولا أعدُّ حرفي التعريف ولا ألفَ الوصل والقطع والأمر والاستفهام، ولا ألفَ المخبِرِ عن نفسه، ولا ما ليس من أَصْلِ الكلمة حاجزاً إلا أن يكون قبل هذه الحروف ما يُلاَزم المَثَل، نحو قولهم ‏"‏كالمستغيث من الرمضاء بالنار‏"‏ أو بعدها نحو ‏"‏المستشار مؤتمن‏"‏ ‏"‏والمحسن مُعَان‏"‏ فإني أورِدُ الأول في الكاف، والثاني والثالث في الميم، وأثبت الباقي على ما ورد، نحو ‏"‏تَحْسَبُهَا حمقاء‏"‏ و ‏"‏بيدين ما أوردها زائدة‏"‏ يكتبان في بابي التاء والباء، وجعلتُ الباب التاسع والعشرين في أسماء أيام العرب ‏[‏ص 5‏]‏ دون الوقائع، فإن فيها كتباً جَمَّةَ البدائع‏.‏ وإنما عُنِيتُ بأسمائها لكثرة ما يقع فيها من التصحيف، وجعلت الباب الثلاثين في نُبَذٍ من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وكلام خُلَفَائه الراشدين، رضي الله تعالى عنهم أجمعين، مما ينخرط في سِلْكِ المواعظ والحكم والآداب‏.‏

وسميت الكتاب ‏"‏مجمع الأمثال‏"‏ لاحتوائه على عظيم ما وَرَدَ منها، وهو ستة آلاف ونيف، والله أعلم بما بقي منها، فإن أنفاس الناس لا يأتي عليها الحصر، ولا تَنْفَدُ حتى يَنْفَدَ العصر‏.‏

وأنا أعتذر إلى الناظر في هذا الكتاب من خَلَل يَرَاه، أو لفظ لا يرضاه، فأنا كالمنكر لنفسه، المغلوب على حِسِّه وحَدْسه، منذ حط البياض بعارِضِي رحالَه، وحال الزمانُ على سوادهما فأحَالَه، وأطار من وَكْرِ هَامَتِي خُدَارِيَّه، وأنحى على عُود الشَّباب فمصَّ رِيَّه، وملكَتْ يدُ الضعفِ زمامَ قُوَاي، وأسلمني مَنْ كان يَحْطِبُ في حبل هَوَاي‏.‏ وكأني أنا المعنيُّ بقول الشاعر‏:‏

وَهَتْ عَزَمَاتُكَ عند المشِيبِ * وما كان من حَقِّهَا أن تَهيَ

وأنكَرْتَ نفسَكَ لما كَبِرْتَ * فلا هِيَ أَنْتَ ولا أَنْتَ هِي

وإن ذكرت شَهَوَاتُ النفوسِ * فما تشتهي غيرَ أن تشتهى

وأعيذه أن يَرِدَ صَفْوَ منهلِهِ التقاطا، ويشرب عَذْب زُلاله نقاطا، ثم يتحزَّم لتَغْوِير مَنَابعه بالتعيير، ويتشمر لتكدير مَشَارِعه بالتغيير، بل المأمولُ أن يسد خَللَه، ويُصْلح زَلَله، فقلما يخلو إنسان من نِسيان، وقلم من طغيان‏.‏

وهذا فصل يشتمل على معنى المثل وما قيل فيه‏.‏

قال المبرد‏:‏ المثَلُ مأخوذ من المِثال، وهو‏:‏ قولٌ سائرٌ يُشَبَّه به حالُ الثاني بالأول، والأصل فيه التَّشْبِيه، فقولُهم ‏"‏مَثَلَ بَيْنَ يَدَيه‏"‏ إذا انتصب معناه أَشْبَهَ الصورةَ المنتصِبة، و ‏"‏فلان أَمْثَلُ من فلان‏"‏ أي أَشْبَهُ بما لَه ‏(‏من‏)‏ الفضل‏.‏ والمِثالُ القِصاصُ لتشبيه حالِ المقتَصِّ منه بحال الأول، فحقيقة المَثَلِ ما جُعل كالعلم للتشبيه بحال الأوَّل، كقول كعب ابن زهير‏:‏

كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَهَا مَثَلاً * وَمَا مَوَاعِيدُهَا إِلاَّ الأبَاطِيلُ ‏[‏ص 6‏]‏

فمواعيد عرقوب عَلَم لكل ما لا يصح من المواعيد‏.‏

قال ابن السِّكِّيتِ‏:‏ المَثَلُ‏:‏ لَفْظٌ يخالفُ لفظَ المضروب له، ويوافق معناه معنى ذلك اللفظ، شَبَّهُوه بالمثال الذي يُعْمَلُ عليه غيره‏.‏

وقال غيرهما‏:‏ سُمِّيت الحكَمُ القائمُ صدقُها في العقول أمثالا لانتصاب صُوَرِها في العقول، مشتقَّة من المثُول الذي هو الانتصاب‏.‏

وقال إبراهيم النظام‏:‏ يجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام‏:‏ إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحُسْن التشبيه، وجَوْدة الكناية، فهو نهاية البلاغة‏.‏

وقال ابن المقفع‏:‏ إذا جعل الكلام مثلا كان أوضح للمنطق، وآنَقَ للسمع، وأَوْسَعَ لشُعُوب الحديث‏.‏

قلت‏:‏ أربعة أحرف سمع فيها فَعَلٌ وفِعْلٌ، وهي مَثَلٌ ومِثْلٌ، وَشَبَه وَشِبْه، وَبَدَل وبِدْل، ونكَل ونِكْل، فمَثَلُ الشئ ومِثلُه وشَبَهه وشِبْهُه‏:‏ ما يماثله ويشابهه قدراً وصفةً، وبَدَل الشيء وبِدْلُه‏:‏ غيره، ورجل نَكَل ونِكْل للذي ينكل به أعداؤه‏.‏ وفَعيل لغةٌ في ثلاثة من هذه الأربعة، يقال‏:‏ هذا مَثِيله وشَبِيهه وبَدِيله، ولا يقال نكيله، فالْمَثَلُ ما يُمَثَّلُ بِهِ الشيء‏:‏ أي يُشّبَّه، كالنَّكَل من يُنَكًّل به عدوّه، غير أن المِثْلَ لا يوضع في موضع هذا المَثَل وإن كان المَثَلُ يوضع موضعه، كما تقدم للفرق، فصار المَثَل اسماً مصرحاً لهذا الذي يضرب ثم يردُّ إلى أصله الذي كان له من الصفة، فيقال‏:‏ مَثَلُكَ ومَثَلُ فلانٍ‏:‏ أي صفتك وصفته، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَثَلُ الجنَّة التي وُعِدَ المتقون‏}‏ أي صفتها، ولشدة امتزاج معنى الصفة به صح أن يقال‏:‏ جعلتُ زيداً مثلا، والقوم أمثالا، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ساء مثلاً القومُ‏}‏ جعل القوم أنفسهم مثلا في أحد القولين، والله أعلم‏.‏ ‏[‏ص 7‏]‏

الباب الأول فيما أوله همزة‏

  باب ما جاء على أفعل من هذا الباب‏

الباب الأول فيما أوله همزة‏.

1- إنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْراً

قاله النبي صلى الله عليه وسلم حين وَفَدَ عليه عَمْرو بن الأهتم والزِّبْرِقَانُ بن بدر وقَيْسُ بن عاصم، فسأل عليه الصلاة والسلام عمرَو بن الأهتم عن الزِّبْرِقان، فقال عمرو‏:‏ مُطَاع في أَدْنَيْه ‏(‏هكذا في جميع أصول هذا الكتاب، والأدنون‏:‏ جمع الأدنى بمعنى الأقرب، ووقع في بعض الأمهات ‏"‏مطاع في أذينه‏"‏ والأذين - بوزن الأمير - النداء، يعني أنه إذا نادى قومه لحرب أو نحوها أطاعوه‏)‏ شدِيدُ العارِضة، مانعٌ لما وَرَاء ظهره، فقال الزبرقان‏:‏ يا رسول اللّه إنه لَيَعْلَم مني أكثَرَ من هذا، ولكنه حَسَدني، فقال عمرو‏:‏ أما واللّه إنه لَزَمِرُ المروءة، ضَيّق العَطَن، أحمق الوالد، لئيم الخال، واللّه يا رسول اللّه ما كَذَبْتُ في الأولى، ولقد صدقْتُ في الأخرى، ولكني رجل رَضِيت فقلت أحسنَ ما علمت، وسَخِطْتُ فقلت أقبحَ ما وجدت، فقال عليه الصلاة والسلام ‏"‏إنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْراً‏"‏ يعني أن بعض البيان يعمل عمل السحر، ومعنى السحر‏:‏ إظهار الباطل في صورة الحق، والبيانُ‏:‏ اجتماعُ الفصاحة والبلاغة وذكاء القلب مع اللسَنِ‏.‏ وإنما شُبِّه بالسحر لحدَّة عمله في سامعه وسرعة قبول القلب له‏.‏

يضرب في استحسان المنطق وإيراد الحجَّة البالغة‏.‏

2- إنَّ المُنْبَتَّ لاَ أرْضاً قَطَعَ وَلاَ ظَهْراً أبْقَى‏.‏

المنبتُّ‏:‏ المنقطع عن أصحابه في السفَر، والظَّهْرُ‏:‏ الدابة‏.‏

قاله عليه الصلاة والسلام لرجل اجتَهَد في العبادة حتى هَجَمت عيناه‏:‏ أي غارَتَا، فلما رآه قال له ‏"‏إنَّ هذَا الدينَ مَتِينٌ فأوْغِلْ فيه بِرِفْقٍ، إنَّ المُنْبَتَّ‏"‏ أي الذي يجدُّ في سيره حتى ينبتَّ أخيراً، سماه بما تؤول إليه عاقبتُه كقوله تعالى ‏{‏إنَّكَ مَيِّت وإنهم ميتون‏}‏‏.‏

يضرب لمن يُبالغ في طلب الشيء، ويُفْرِط حتى ربما يُفَوِّته على نفسه‏.‏ ‏[‏ص 8‏]‏

3- إنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطاً أوْ يُلِمُّ‏.‏

قاله عليه الصلاة والسلام في صفة الدنيا والحثِّ على قلة الأخذ منها‏.‏

والْحَبَطُ‏:‏ انتفاخُ البطن، وهو أن تأكل الإبلُ الذُّرَقَ فتنتفخ بطونها إذا أكثرت منه، ونصب ‏"‏حَبَطاً‏"‏ على التمييز، وقوله ‏"‏أو يلم‏"‏ معناه يقتل أو يَقْرُبُ من القتل، والإلمام‏:‏ النزولُ، والإلمام‏:‏ القرب، ومنه الحديث في صفة أهل الجنة ‏"‏لولا أنه شيء قضاه اللّه لألم أن يذهب بصرهُ لما يرى فيها‏"‏ أي لقَرُبَ أن يذهب بصره‏.‏

قال الأزهري‏:‏ هذا الخبر - يعني إن مما ينبت - إذا بُتر لم يكد يُفْهَم، وأوّلُ الحديث ‏"‏إني أخَافُ عليكم بعدي ما يُفْتَح عليكم من زَهْرة الدنيا وزينتها‏"‏ فقال رجل‏:‏ أوَ يأتِي الخيرُ بالشرِّ يا رسول اللّه‏؟‏ فقال عليه الصلاة والسلام ‏"‏إنَّهُ لا يأتي الخيرُ بالشر، وإن مما يُنْبِتُ الربيعُ ما يقتل حَبَطا أو يلم، إلا آكلة الْخَضِرِ فإنها أكلَتْ حتى إذا امْتَلأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ فَثَلطَتْ وَبَالَتْ ثم رَتَعَتْ‏"‏ ‏(‏في جميع أصول هذا الكتاب ‏"‏ثم رتعته‏"‏ والفعل لازم‏)‏ هذا تمام الحديث‏.‏

قال‏:‏ وفي هذا الحديث مثلان‏:‏ أحدهما للمُفْرِطِ في جمع الدنيا وفي منعها من حقها، والآخر للمقتصد في أخْذِها والانتفاع بها، فأمّا قولُه ‏"‏وإن مما ينبت الربيعُ ما يقتل حَبَطاً أو يُلمُّ‏"‏ فهو مثل المُفْرِط الذي يأخذها بغير حق، وذلك أن الربيعَ يُنْبِتُ أحْرَار العُشْب فتستكثر منها الماشية حتى تنتفخَ بطونُها إذا جاوزَتْ حدَّ الاحتمال، فتنشق أمعاؤها وتهلك، كذلك الذي يجمع الدنيا من غير حِلِّها ويمنع ذا الحق حقَّه يهلك في الآخرة بدخوله النار‏.‏ وأما مَثَلُ المتقصد فقوله صلى اللّه عليه وسلم ‏"‏إلا آكلة الْخَضِر‏"‏ بما وصفها به، وذلك أن الْخَضِرَ ليست من أحرار البقول التي يُنْبتها الربيع، ولكنها من الْجَنْبَة التي ترعاها المواشي بعد هَيْج البقول، فضرب صلى اللّه عليه وسلم آكلةَ الخضِر من المواشي مثلاً لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجَمْعها، ولا يَحْمله الحرصُ على أخذها بغير حقها، فهو ينجو من وَبَالها كما نَجَتْ آكلةُ الخضِر، ألا تراه قال عليه الصلاة والسلام ‏"‏ فإنها إذا أصابَتْ من الْخَضِرِ استقبلت عينَ الشمس فَثَلَطَتْ وبالت‏"‏ أراد أنها إذا شبعت منها بَرَكَتْ مستقبلةَ الشمس تستمرىء بذلك ما أكَلَتْ وتجترُّ وتَثْلِط، فإذا ثَلَطته فقد زال عنها الْحَبَط، ‏[‏ص 9‏]‏ وإنما تَحْبَطُ الماشيةُ لأنها لا تثلِطُ ولا تبول‏.‏ يضرب في النهي عن الإفراط‏.‏

4- إنَّ الْمُوَصَّيْنَ بَنُو سَهْوَانٍَ‏.‏

هذا مثل تخبَّط في تفسيره كثيرٌ من الناس، والصوابُ ما أثْبِتُهُ بعد أن أحكي ما قالوا

قال بعضهم‏:‏ إنما يحتاج إلى الوصية من يَسْهو ويَغْفُل، فأما أنت فغيرُ محتاج إليها، لأنك لا تسهو‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ يريد بقوله بنو سَهْوان جميعَ الناس، لأن كلهم يسهو‏.‏

والأصْوَبُ في معناه أن يقال‏:‏ إن الذين يُوَصَّوْنَ بالشيء يستولِي عليهم السهوُ حتى كأنه مُوَكَّل بهم، ويدل على صحة هذا المعنى ما أنشده ابن الأعرابيّ من قول الراجز ‏(‏روى صاحب اللسان أولها في ‏(‏ع ل ا‏)‏ غير منسوب، وآخرها في ‏(‏س ه ا‏)‏ منسوبا إلى زربن أو في الفقيمي‏)‏‏:‏

أنشد من خَوّارةٍ عِلْيَانْ * مَضْبُورَة الكَاهِلِ كالبُنْيَانْ

ألْقَتْ طَلاً بمُلْتَقَى الْحَوْمَانْ * أكثر ما طافت به يَوْمَانْ

لم يُلْهِهَا عن هَمِّها قَيْدَانْ * ولا الموصَّوْنَ مِنَ الرُّعْيَانْ

إن الموصَّيْنَ بنو سَهْوَانْ

يضرب لمن يسهو عن طلب شيء أمر به والسَّهْوان‏:‏ السهو، ويجوز أن يكون صفة‏:‏ أي بنو رجُلٍ سَهْوَان، وهو آدم عليه السلام حين عُهِد إليه فسَهَا ونسى، يقال‏:‏ رجل سَهْوَانُ وسَاهٍ، أي إن الذين يُوَصَّوْن لابِدْعَ أن يَسْهُوا لأنهم بنو آدم عليه السلام‏.‏

5- إنَّ الجوَادَ عَيْنُهُ فُرَارُهُ

الفِرار بالكسر‏:‏ النظر إلى أسنان الدابة لتعرُّفِ قدر سِنِّها، وهو مصدر، ومنه قول الحجاج ‏"‏فُرِرْتُ عَنْ ذكاء‏"‏ ويروى فُرَاره بالضم، وهو اسم منه‏.‏

يضرب لمن يدلُّ ظاهره على باطنه فيغني عن اختباره، حتى لقد يقال‏:‏ إنَّ الخبيثَ عينه فُرَاره‏.‏

6- إنَّ الشَّقِيَّ وَافِدُ البَرَاجِمِ

قاله عمرو بن هند الملك، وكان سُوَيْدُ ابن ربيعة التميمي قتلَ أخاه وهَرَب، فأحرق به مائةً من تميم‏:‏ تسعةً وتسعين من بني دارم وواحداً من البَرَاجم، فلقِّبَ بالمحرِّقِ، وستأتي القصة بتمامها في باب الصاد، وكان الحارث بن عمرو ملك الشأم من آل جَفْنة يدعى أيضا بالمحرِّق، لأنه أول من حَرَّق العرب في ديارهم، ويدعى امرؤ القيس بن عمرو بن عَدِيٍّ الَّخْمِي محرِّقاً أيضا‏.‏ يضرب لمن يُوقِع نفسه في هَلَكة طمعا‏.‏ ‏[‏ص 10‏]‏

7- إنَّ الرَّثيئَةَ تَفْثَأُ الغَضَبَ

الرثيئة‏:‏ اللبنُ الحامض يُخْلَط بالحلو، والفَثْء‏:‏ التسكينُ‏.‏

زعموا أن رجلا نزل بقوم وكان ساخِطاً عليهم، وكان مع سخطه جائعا، فسَقَوْهُ الرثيئة، فسكن غضبه

يضرب في الهَدِيَّة تُورِث الوِفَاقَ وإن قلَّت‏.‏

8- إنَّ البُغَاثَ بأَرْضِنَا يَسْتَنْسِرُ

البغاث‏:‏ ضربٌ من الطير، وفيه ثلاث لغات‏:‏ الفتح، والضم، والكسر، والجمع بِغْثَان، قالوا‏:‏ هو طير دون الرَخمة، واستنسر‏:‏ صار كالنسر في القوّة عند الصيد بعد أن كان من ضعاف الطير

يضرب للضعيف يصير قويا، وللذليل يعزّ بعد الذل‏.‏

9- إنَّ دَوَاءَ الشَّقِّ أنْ تَحُوصَهُ

الْحَوْصُ‏:‏ الخياطةُ

يضرب في رَتْق الفَتْق وإطفاء النائرة

10- إنَّ الجبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ

الحتفُ‏:‏ الهلاك، ولا يُبْنَى منه فِعل، وخص هذه الجهة لأن التحرُّزَ مما ينزل من السماء غير ممكن، يُشير إلى أن الحَتْفَ إلى الجَبَان أسرعُ منه إلى الشجاع، لأنه يأتيه من حيث لا مَدْفَع له‏.‏

قال ابن الكلبي‏:‏ أولُ من قاله عمرو ‏(‏الشعر في اللسان منسوب لعامر ابن فهيرة‏)‏ ابن أمامة في شعرٍ له، وكانت مُرَادٌ قتلته، فقال هذا الشعر عند ذلك، وهو قوله‏:‏

لَقَدْ حَسَوْتُ الموتَ قبل ذَوْقِهِ * إنَّ الجبانَ حَتْفُه مِنْ فَوْقِهِ

‏[‏كُلُّ امْرِئٍ مُقَاتِلٌ عَنْ طَوْقِهِ‏]‏ * وَالثَّوْرُ يَحْمِي أنْفَهُ بِرَوْقِه

يضرب في قلة نفع الحذر من القدر

وقوله ‏"‏حسوت الموت قبل ذَوْقِهِ‏"‏ الذوق‏:‏ مقدمة الحَسْو، فهو يقول‏:‏ قد وطنّت نفسي على الموت، فكأني بتوطين القلب عليه كمن لقيه صُرَاحا‏.‏

11- إنَّ المُعَافَى غَيْرُ مَخْدُوعٍ

يضرب لمن يُخْدَع فلا يَنْخَدع والمعنى أن مَنْ عوفي مما خدع به لم يَضُره ما كان خُودِع به‏.‏

وأصلُ المثل أن رجلا من بني سُلَيم يسمى قادحا كان في زمن أمير يكنى أبا مظعون، وكان في ذلك الزمن رجل آخر من بني سليم أيضا يقال له سُلَيْط، وكان عَلِقَ امرأة قادح، فلم يزل بها حتى أجابته وواعدته، فأتى سُلَيْطٌ قادحاً وقال‏:‏ إني ‏[‏ص 11‏]‏ علقت جارية لأبي مظعون، وقد واعدتني، فإذا دخلتَ عليه فاقْعُدْ معه في المجلس، فإذا أراد القيامَ فاسبقه، فإذا انتهيت إلى موضع كذا فاصفر حتى أعلم بمجيئكما فآخذ حَذَري، ولك كل يوم دينار، فخدعه بهذا، وكان أبو مظعون آخر الناس قياما من النادي ففعل قادح ذلك، وكان سُلَيْط يختلف إلى امرأته، فجرى ذكر النساء يوما، فذكر أبو مظعون جواريه وعَفَافهن، فقال قادح وهو يعرض بأبي مظعون‏:‏ ربما غُرّ الواثق، وخُدِع الْوَامق، وكذب الناطق، ومَلَّتِ العاتق، ثم قال‏:‏

لا تَنْطِقَنَّ بأمرٍ لا تَيَقَّنُهُ * ياعمرو، إنَّ المُعَافى غيرُ مخدوعِ

وعمرو‏:‏ اسم أبي مظعون، فعلم عمرو أنه يعرّض به، فلما تفرق القوم وثَب على قادح فخنقه وقال‏:‏ اصدقني، فحدثه قادح بالحديث، فعرف أبو مظعون أن سُلَيطا قد خدَعه، فأخذ عمرو بيد قادح ثم مر به على جَوَاريه فإذا هن مُقْبلات على ماوكلن به لم يفقِدْ منهن واحدةً، ثم انطلق آخذا بيد قادح إلى منزله فوجد سُلَيطا قد افترش امرأته، فقال له أبو مظعون‏:‏ إن المعافى غير مخدوع، تهكما بقادح، فأخذ قادح السيفَ وشدَّ على سُلَيط، فهرب فلم يدركه، ومال إلى امرأته فقتلها‏.‏

12- إنَّ فيِ الشَّرِّ خِيَاراً

الخير‏:‏ يجمع على الخِيار والأخيار، وكذلك الشر يجمع على الشِّرَار والأشرار‏:‏ أي أن في الشر أشياء خيارا‏.‏ ومعنى المثل - كما قيل - بعض الشر أهون من بعض، ويجوز أن يكون الخيار الاسم من الاختيار‏:‏ أي في الشر ما يُخْتَار على غيره‏.‏

13- إنَّ الْحَديِدَ بالْحَدِيِدِ يُفْلَحُ

الفَلْح‏:‏ الشَّقُّ، ومنه الفلاَّح للحَرَّاث لأنه يشق الأرض‏:‏ أي يُسْتعان في الأمر الشديد بما يشاكله ويقاويه‏.‏

14- إنَّ الْحَمَاةَ أُولِعَتْ بالْكَنَّهْ * وَأُولِعَتْ كَنَّتُهَا بالظِّنَّهْ

الحماة‏:‏ أم زوج المرأة، والكَنَّة‏:‏ امرأة الابن وامرأة الأخ أيضاً، والظنة‏:‏ التهمة، وبين الحماة والكنة عداوة مستحكمة يضرب في الشر يقع بين قوم هو أهلٌ لذلك‏.‏

15- إن للّهِ جُنُوداً مِنْهَا العَسَلُ

قاله معاوية لما سمع أن الأشْتَر سُقِيَ عسلاً فيه سم فمات‏.‏

يضرب عند الشَّماتة بما يصيب العدو‏.‏ ‏[‏ص 12‏]‏

16- إن الْهَوى لَيَمِيلُ بِاسْتِ الرَّاكِبِ

أي مَنْ هوى شيئاً مال به هواه نحوه، كائناً ما كان، قبيحاً كان أو جميلا، كما قيل‏:‏ إلى حيثُ يَهْوَى القَلْب تَهْوِي به الرجل*

17- إنَّ الْجَوَادَ قَدْ يَعْثُرُ

يضرب لمن يكون الغالبُ عليه فعلَ الجميل، ثم تكون منه الزَّلَّة‏.‏

18- إنَّ الشَّفِيقَ بِسُوءِ ظَنٍّ مُولَعُ

يضرب للمَعْنِيِّ بشأن صاحبه، لأنه لا يكاد يظن به غير وقوع الحوادث، كنحو ظُنُون الوالدات بالأولاد‏.‏

19- إنَّ المَعَاذيرَ يَشُوبُها الكَذِبُ

يقال‏:‏ مَعْذِرة ومَعَاذِر ومَعَاذِير‏.‏

يحكى أن رجلا اعتذر إلى إبراهيم النَّخَعي، فقال إبراهيم‏:‏ قد عذرتك غير معتذر، إن المعاذير، المثلَ‏.‏

20- إنَّ الْخَصَاصَ يُرَى فِي جَوْفِها الرَّقَمُ

الْخَصَاص‏:‏ الفُرْجَة الصغيرة بين الشيئين‏.‏ والرقَم‏:‏ الداهية العظيمة، يعني أن الشيء الحقير يكون فيه الشيء العظيم‏.‏

21- إنَّ الدَّوَاهِيَ في الآفاتِ تَهْتَرِس

ويروى ‏"‏ترتهس‏"‏ وهو قلبُ تهترس من الهَرْسِ، وهو الدقّ، يعني أن الآفات يموج بعضها في بعض ويدق بعضها بعضاً كثرة‏.‏

يضرب عند اشتداد الزمان واضطراب الفتن‏.‏

وأصله أن رجلا مر بآخر وهو يقول‏:‏ يا ربِّ إما مهرةً أو مهراً، فأنكر عليه ذلك، وقال‏:‏ لا يكون الجنين إلا مهرةً أو مهراً، فلما ظهر الجنين كان مُشَيَّأَ الْخَلْقِ مختلفه، فقال الرجل عند ذلك‏:‏

قَدْ طَرَّقَتْ بجنينٍ نصفُهُ فَرَسٌ * إن الدواهِيَ في الآفاتِ تهترس

22- إنَّ عَلَيْكَ جُرَشْاً فَتَعَشَّه

يقال‏:‏ مضى جُرْشٌ من الليل، وجَوْش‏:‏ أي هزيع‏.‏

قلت‏:‏ وقوله ‏"‏فتعشه‏"‏ يجوز أن تكون الهاء للسكت، مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لم يَتَسَنّهْ‏}‏ في أحد القولين، ويجوز أن تكون عائدة إلى الْجَرْش على تقدير‏:‏ فتعشَّ فيه، ثم حذف ‏"‏في‏"‏ وأَوْصَلَ الفعلَ إليه، كقول الشاعر‏:‏

وَيَوْمٍ شَهدْنَاهُ سُلَيْماً وَعَامِراً * قَلِيلٌ سِوَى الْطعنِ الدِّرَاكِ نَوَافِلُهْ ‏[‏ص 13‏]‏

أي شهدنا فيه‏.‏

يضرب لمن يؤمر بالاتّئاد والرفق في أمرٍ يبادره، فيقال له‏:‏ إنه لم يَفُتْكَ، وعليك ليل بعدُ، فلا تعجل‏.‏

قال أبو الدقيش‏:‏ إن الناس كانوا يأكلون النسناس، وهو خَلْقٌ لكل منهم يدٌ ورجل، فرعى اثنان منهم ليلا، فقال أحدهما لصاحبه‏:‏ فَضَحك الصبحُ، فقال الآخر‏:‏ إن عليك جَرْشاً فتعشَّهْ‏.‏ قال‏:‏ وبلغني أن قوما تبعوا أحد النسناس فأخذوه فقال للذين أخذاه‏:‏

يارُبَّ يَوْمٍ لَوْ تَبِعْتُمَانِي * لمتُّمَا أَوْ لَتَركْتُمَانِي

فأدرِكَ فذُبح في أصل شجرة فإذا في بطنه شَحْم، فقال آخر من الشجرة‏:‏ إنه آكِلُ ضَرْوٍ، فقال الثالث‏:‏ فأنا إذن صُمَيْمِيت، فاستنزل فذبح‏.‏

23- إنَّ وَرَاءَ الأكَمةِ مَا وَرَاءَهَا

أصله أن أَمَةً واعدت صديقها أن تأتيه وراء الأكمة إذا فرغَت من مهنة أهلها ليلا، فشغلوها عن الإنجاز بما يأمرونها من العمل، فقالت حين غلبها الشوقُ‏:‏ حبستموني وإن وراء الأكَمَة ما وراءها‏.‏

يضرب لمن يُفْشِي على نفسه أَمْرَاً مستوراً‏.‏

24- إنَّ خَصْلَتَينِ خَيْرُهُما الكَذِبُ لَخَصْلَتَا سُوءٍ

يضرب للرجل يعتذر من شيء فَعَله بالكذب‏.‏

يحكى هذا المثل عن عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه تعالى، وهذا كقولهم‏:‏ عذرُهُ أَشَدُّ من جُرْمِه‏.‏

25- إنَّ مَنْ لا يَعْرِفُ الوَحْيَ أحْمَقُ

ويروى الْوَحَى مكان الوَحْيِ‏.‏

يضرب لمن لا يَعْرف الإيماء والتعريضَ حتى يجاهر بما يراد إليه‏.‏

26- إنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً عَنِ الْكَذِبِ

هذا من كلام عِمْرَان بن حصين‏.‏

والمعاريض‏:‏ جمع الْمِعْرَاض، يقال‏:‏ عرفتُ ذلك في معراض كلامه، أي فَحْوَاه‏.‏ قلت‏:‏ أجود من هذا أن يقال‏:‏ التعريض ضدُّ التصريح، وهو أن يُلْغِزَ كلامه عن الظاهر، فكلامه مَعْرض، والمعاريض جمعه‏.‏ ثم لك أن تثبت الياء وتحذفها، والْمَندُحة‏:‏ السَّعَة، وكذلك النُّدْحَة، يقال‏:‏ إن في كذا نُدْحَةً‏:‏ أي سَعَة وفُسْحة‏.‏

يضرب لمن يحسب أنه مضطر إلى الكذب ‏[‏ص 14‏]‏

27- إنَّ الْمَقْدِرَةَ تُذْهِبُ الْحفِيظَةَ

المَقْدِرة ‏(‏ذكر لغتين وترك ثالثة، وهي بفتح الميم وسكون القاف ودالها مثلثة‏)‏ والمَقْدُرة‏:‏ القدرة، والحفيظة‏:‏ الغضب‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ بلغنا هذا المثلُ عن رجل عظيم من قريش في سالف الدهر كان يطلب رجلا بِذَحْلٍ ‏(‏الذحل - بفتح الذال وسكون الحاء - الثأر‏)‏ فلما ظفر به قال‏:‏ لولا أن المقدرة تذهب الحفيظة لانتقمت منك، ثم تركه‏.‏

28- إنَّ السَّلاَمَةَ مِنْهَا تَرْكُ ما فيها

قيل‏:‏ إن المثل في أمر اللَقطة توجَد، وقيل‏:‏ إنه في ذم الدنيا والحثِّ على تركها، وهذا في بيت أولهُ‏:‏

والنفسُ تَكْلَفُ بالدنيا وقد علمت * أنَّ السلامة منها تَرْكُ ما فيها

29- إنَّ سِوُادَها قَوَّمَ لِي عِنَادَهَا

السِّواد‏:‏ السِّرار، وأصله من السَّواد الذي هو الشخص، وذلك أن السِّرار لا يحصل إلا بقرب السواد من السواد، وقيل لابنة الْخُسِّ وكانت قد فَجَرت‏:‏ ما حملكِ على ما فعلتِ‏؟‏ قالت‏:‏ قُرْبُ الوِسَاد وطُولُ السِّواد‏.‏ وزاد فيه بعضُ المُجَّان‏:‏ وحُبُّ السِّفَاد‏.‏

30- إنَّ الهَوَان لِلَّئيمِ مَرْأمَة

المَرْأَمة‏:‏ الرِّئْمَانُ، وهما الرأفة والعطف‏.‏ يعني إذا أكرمْتَ اللئيم استخفَّ بك، وإذا أهنته فكأنك أكرمته، كما قال أبو الطيب‏:‏

إذا أَنْتَ أكرمْتَ الكريمَ ملكتَهُ * وإنْ أَنْتَ أكرمْتَ اللئيمَ تمرَّدَا

وَوَضْعُ النَّدَى في مَوْضِع السيفِِ بالعُلاَ *مُضِرّ كوضعِ السيف في موضع النَّدَى

31- إنَّ بَنِيَّ صِبْيَةٌ صَيْفِيُّونْ * أفْلَحَ مَنْ كانَ لَهُ رِبْعِيُّونْ

يضرب في التندم على ما فات‏.‏

يقال‏:‏ أَصَافَ الرجلُ، إذا وُلد له على كبر سنه، وولده صَيْفيون، وأَرْبَعَ الرجل إذا وُلد له في فَتَاء سنه، وولدُهُ رِِبْعِيُّون، وأصلُها مستعار من نِتاج الإبل، وذلك أن رِبْعِيَّة النِّتَاج أولاه، وَصَيْفيته أخراه، فاستعير لأولاد الرجل‏.‏

يقال‏:‏ أول من قال ذلك سعد بن مالك بن ضُبَيعة، وذلك أنه ولد له على كبر السن، فنظر إلى أولاد أَخَوَيْه عمرو وعَوْف، وهم رجال، فقال البيتين، وقيل‏:‏ بل قاله معاوية ابن قُشَيْر، ويتقدمهما قولهُ‏:‏ ‏[‏ص 15‏]‏

لَبِّثْ قَلِيلاً يَلْحَقِ الداريُّونْ * أَهْلُ الْجِبَابِ البُدَّنُ المَكْفِيُّونْ

سَوْفَ تَرَى إن لَحِقُوا ما يُبْلُونْ * إنَّ بَنِيَّ صِبْيَةٌ صَيْفِيُّونْ

وكان قد غزا اليمن بولدهِ فقُتِلوا ونجا وانصرف ولم يبق من أولاده إلا الأصاغر، فبعث أخوه سَلَمَةُ الخير أولاده إليه، فقال لهم‏:‏ اجلسوا إلى عمكم وحَدِّثوه ليسلو، فنظر معاوية إليهم وهم كبار وأولاده صغار، فساءه ذلك، وكان عَيُوناً فردَّهم إلى أبيهم مخافة عينه عليهم وقال هذه الأبيات‏.‏

وحكى أبو عبيد أنه تمثل به سليمانُ بن عبد الملك عند موته، وكان أراد أن يجعل الخلافة في ولده فلم يكن له يومئذ منهم مَنْ يصلح لذلك إلا مَنْ كان من أولاد الإماء، وكانوا لا يَعْقِدُون إلا لأبناء المَهَائر‏.‏ قال الجاحظ‏:‏ كان بنو أمية يرون أن ذهاب ملكهم يكون على يد ابن أم ولد، ولذلك قال شاعرهم‏:‏

ألم تَرَ للخلاَفَةِ كَيْفَ ضَاعَتْ * بأن جُعِلَتْ لأبْناء الإمَاءِ

32- إنَّ الْعَصَا مِنَ الْعُصَيَّةِ

قال أبو عبيد‏:‏ هكذا قال الأصمعي، وأنا أحسبه العُصَية من العَصَا، إلا أن يُرَاد أن الشيء الجليلَ يكون في بَدْء أمره صغيرا، كما قالوا‏:‏ إن القَرْم من الأفِيل ‏(‏القرم - بفتح القاف وسكون الراء - الفحل من الإبل، والأفيل - بوزن الأمير - ابن المخاض فما دونه، وهذا مثل سيأتي‏)‏، فيجوز حينئذ على هذا المعنى أن يقال‏:‏ العَصَا من العُصَية‏.‏

قال المفضل‏:‏ أول من قال ذلك الأفْعَى الْجُرْهُمي، وذلك أن نِزَاراً لما حَضْرَتْه الوفاة جَمَع بنيه مضر وإيادا وربيعة وأنمارا، فقال‏:‏ يا بني، هذه القبة الحمراء - وكانت من أدَم - لمضر، وهذا الفرس الأدهم والخِباء الأسود لربيعة، وهذه الخادم - وكانت شَمْطَاء - لإياد، وهذه البدرة والمجلس لأنمار يجلس فيه، فإن أشكل عليكم كيف تقتسمون فائتوا الأفعى الجرهمي، ومنزلُه بنَجْرَان‏.‏ فتشاجروا في ميراثه، فتوجَّهُوا إلى الأفعى الجرهمي، فبيناهم في مسيرهم إليه إذ رأى مُضَر أثَرَ كلأ قد رُعِىَ فقال‏:‏ إن البعير الذي رَعَى هذا لأعْوَر، قال ربيعة‏:‏ إنه لأزْوَرُ، قال إياد‏:‏ إنه لأبتَرُ ‏(‏الأزور‏:‏ الذي اعوج صدره أو أشرف أحد جانبي صدره على الآخر، والأبتر‏:‏ المقطوع الذنب‏)‏ قال أنمار‏:‏ إنه لَشَرُود، فساروا قليلا فإذا هم برجل يَنْشُد جَمَله، فسألهم عن البعير، فقال مضر‏:‏ أهو أعور‏؟‏ قال‏:‏ نعم، ‏[‏ص 16‏]‏ قال ربيعة‏:‏ أهو أزور‏؟‏ قال‏:‏ نعم، قال إياد‏:‏ أهو أبتر‏؟‏ قال‏:‏ نعم، قال أنمار‏:‏ أهو شَرُود‏؟‏ قال‏:‏ نعم، وهذه واللّه صفة بعيري فدُلوني عليه، قالوا‏:‏ واللّه ما رأيناه، قال‏:‏ هذا واللّه الكذبُ‏.‏ وتَعَلَّق بهم وقال‏:‏ كيف أصَدِّقكم وأنتم تَصِفون بعيري بصفته‏؟‏ فساروا حتى قَدِموا نَجْران، فلما نزلوا نادى صاحبُ البعير‏:‏ هؤلاء أَخَذوا جَمَلي ووصَفوا لي صفته ثم قالوا‏:‏ لم نَرَهُ، فاختصموا إلى الأفْعَى، وهو حَكَم العرب فقال الأفعى‏:‏ كيف وصفتموه ولم تَرَوْه‏؟‏ قال مضر‏:‏ رأيته رَعَى جانبا وتَرَك جانبا فعلمتُ أنه أعور، وقال ربيعة‏:‏ رأيت إحدى يديه ثابتة الأثَر والأخرى فاسدته، فعلمت أنه أَزْوَر، لأنه أفسَده بشدةِ وَطُئه لازوراره، وقال إياد‏:‏ عرفت أنه أبتر باجتماع بَعَره، ولو كان ذَيَّالا لَمَصَع به، وقال أنمار‏:‏ عرفت أنه شَرُود لأنه كان يرعى في المكان الملفتِّ نَبْتُه ثم يَجُوزُه إلى مكان أرقَّ منه وأخبثَ نَبْتاً فعلمت أنه شَرُود، فقال للرجل‏:‏ ليسوا بأصحاب بعيرك فاطلبه، ثم سألهم‏:‏ مَنْ أنتم‏؟‏ فأخبروه، فرحَّب بهم، ثم أخبروه بما جاء بهم، فقال‏:‏ أتحتاجون إليَّ وأنتم كما أرى‏؟‏ ثم أنزلهم فَذَبَحَ لهم شاة، وأتاهم بخَمْر‏:‏ وجلس لهم الأفعى حيث لا يُرَى وهو يسمع كلامهم، فقال ربيعة‏:‏ لم أَرَ كاليوم لحماً أطيبَ منه لولا أن شاته غُذِيت بلبن كلبة‏!‏ فقال مضر‏:‏ لم أر كاليوم خمراً أطيَبَ منه لولا أن حُبْلَتَها نبتت على قَبر، فقال إياد‏:‏ لم أر كاليوم رجلا أسْرَى منه لولا أنه ليس لأبيه الذي يُدْعَى له‏!‏ فقال أنمار‏:‏ لم أر كاليوم كلاما أَنْفَعَ في حاجتنا من كلامنا، وكان كلامُهم بأذُنِهِ، فقال‏:‏ ما هؤلاء إلا شياطين ثم دعا القَهْرَمَان فقال‏:‏ ما هذه الخمر‏؟‏ وما أمرها‏؟‏ قال‏:‏ هي من حُبْلَة غرستُها على قبر أبيك لم يكن عندنا شرابٌ أطيبُ من شرابها، وقال للراعي‏:‏ ما أمر هذه الشاة‏؟‏ قال‏:‏ هي عَنَاق أرضَعْتُها بلبن كلبة، وذلك أن أمها كانت قد ماتت ولم يكن في الغنم شاة ولدت غيرها، ثم أتى أمه فسألها عن أبيه، فأخبرته أنها كانت تحت ملك كثير المال، وكان لا يولد له، قالت‏:‏ فخفتُ أن يموت ولا ولد له فيذهب الملك، فأمكنت من نفسي ابنَ عم له كان نازلا عليه، فخرج الأفعى إليهم، فقصَّ القومُ عليه قصتهم وأخبروه بما أوصى به أبوهم، فقال‏:‏ ما أشْبَهَ القبة الحمراء من مال فهو لمضر، فذهب بالدنانير والإبل الحمر، فسمى ‏"‏مضر الحمراء‏"‏ لذلك، وقال‏:‏ وأما صاحب الفرس الأدهم والخِباء الأسود فله كل شيء أسود، فصارت لربيعة الخيلُ ‏[‏ص 17‏]‏ الدُّهْمُ، فقيل ‏"‏ ربيعة الفرس‏"‏ وما أشبه الخادمَ الشمطاء فهو لإياد، فصار له الماشية البُلْقُ من الحَبَلَّقِ والنَّقَدِ ‏(‏الحبلق‏:‏ غنم صغار لا تكبر، والنقد‏:‏ جنس من الغنم قبيح الشكل‏)‏، فسمى ‏"‏ إياد الشَّمْطَاء‏"‏ وقضى لأنمار بالدراهم وبما فَضَل فسمى ‏"‏ أنمار الفضل‏"‏ فصَدَروا من عنده على ذلك، فقال الأفعى‏:‏ إن العصا من العُصَية، وإن خُشَيْناً من أخْشَن، ومُسَاعدة الخاطل تعد من الباطل، فأرسلهن مُثُلاً، وخُشَيْن وأخشن‏:‏ جَبَلاَن أحدهما أصغر من الآخر، والخاطل‏:‏ الجاهل، والْخَطَل في الكلام‏:‏ اضطرابه، والعُصَيَّة‏:‏ تصغير تكبير مثل ‏"‏ أنا عُذَيْقُها المرَجَّبُ وجُذَيْلُها المُحَكَّكُ‏"‏ والمراد أنهم يشبهون أباهم في جَوْدة الرأي، وقيل‏:‏ إن العصا اسم فرس، والعُصَيَّة اسم أمه، يراد أنه يحكي الأم في كَرَم العِرْق وشرف العِتْق‏.‏

33- إنَّ الكَذُوبَ قَدْ يَصْدُقُ

قال أبو عبيد‏:‏ هذا المثل يضرب للرجل تكون الإساءة الغالبةَ عليه، ثم تكون منه الهَنَةُ من الإحسان‏.‏

34- إنَّ تَحْتَ طِرِّيقَتِكَ لَعِنْدَأْوَةً

الطِّرَقُ‏:‏ الضعف والاسترخاء، ورجل مَطْروق‏:‏ فيه رخوة وضعف، قال ابن أحمر‏:‏

ولا تَصِلِي بمَطْرُوقٍ إذا ما * سَرَى في القوم أصبح مستكينا

ومصدره الطِّرِّيقة بالتشديد‏.‏ والعِنْدَأوَة‏:‏ فِعْلأَوة من عَنَد يَعْنُد عُنُوداً إذا عَدَل عن الصواب، أو عَنَدَ يَعْنِدُ إذا خالف وردَّ الحق‏.‏ ومعنى المثل أن في لينه وانقياده أحياناً بعضَ العسر‏.‏

35- إنَّ الْبَلاَءَ مُوَكَّلٌ بالمَنْطِقِ

قال المفضل‏:‏ يقال‏:‏ إن أول من قال ذلك أبو بكر الصديق رضي اللّه تعالى عنه فيما ذكره ابن عباس، قال‏:‏ حدثني علي ابن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه لما أمِرَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يَعْرِضَ نفسَه على قبائل العرب خرج وأنا معه وأبو بكر، فَدُفِعْنَا إلى مجلسٍ من مجالس العرب، فتقدم أبو بكر وكان نَسَّابة فسَلَّم فردُّوا عليه السلام، فقال‏:‏ ممن القوم‏؟‏ قالوا‏:‏ من ربيعة، فقال‏:‏ أمِنْ هامتها أم من لَهَازمها‏؟‏ قالوا‏:‏ من هامتها العظمى، قال‏:‏ فأيُّ هامتها العظمى أنتم‏؟‏ قالوا‏:‏ ذُهْلٌ الأكبر، قال‏:‏ أفمنكم عَوْف الذي يقال له لاَحُرّ بِوَادِي عَوْف‏؟‏ قالوا‏:‏ لا، قال‏:‏ أفمنكم بِسْطَام ذُو اللَّواء ومنتهى الأحياء‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏؟‏ قال‏:‏ أفمنكم جَسَّاس بن مُرَّةَ ‏[‏ص 18‏]‏ حامي الذِّمار ومانِعُ الجار‏؟‏ قالوا‏:‏ لا، قال‏:‏ أفمنكم الحَوْفَزَان قاتل الملوك وسالبها أنفَسها‏؟‏ قالوا‏:‏ لا، قال‏:‏ أفمنكم المزدَلف صاحب العِمَامة الفَرْدة‏؟‏ قالوا‏:‏ لا، قال‏:‏ أفأنتم أخوال الملوك من كِنْدَة‏؟‏ قالوا‏:‏ لا، قال‏:‏ فلستم ذُهْلا الأكبر، أنتم ذهل الأصغر، فقام إليه غلام قد بَقَلَ وَجْههُ يقال له دغفل، فقال‏:‏

إنَّ عَلَى سِائِلِناَ أنْ نَسْأَلَه * وَالْعِبْءُ لاَ تَعْرِفُهُ أوْ تَحْمِلَهُ

يا هذا، إنك قد سألتنا فلم نكتمك شيئاً فمن الرجل أنت‏؟‏ قال‏:‏ رجل من قريش، قال‏:‏ بخ بخ أهل الشرف والرياسة، فمن أي قرش أنت‏؟‏ قال‏:‏ من تَيْم بن مُرَّة، قال‏:‏ أمْكَنْتَ واللّه الرامي من صفاء الثغرة، أفمنكم قُصَيّ بن كلاب الذي جَمَعَ القبائل من فِهْر وكان يُدْعَى مُجَمِّعاُ‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ أفمنكم هاشم الذي هَشَم الثريدَ لقومه ورجالُ مكة مُسْنتُونَ عِجَاف‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ أفمنكم شَيْبَةُ الحمدِ مُطْعم طير السماء الذي كأن في وجهه قمراً يضيء ليل الظلام الداجي‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ أفمن المُفِيضينَ بالناس أنت‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ أفمن أهل النَّدْوَة أنت‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ أفمن أهل الرِّفادة أنت‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ أفمن أهل الحِجَابة أنت‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ أفمن أهل السِّقَاية أنت‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ واجتذبَ أبو بكر زِمام ناقته فرجع إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال دغفل‏:‏ صادَفَ دَرأ السيل دَرْأً يصدعُهُ، أما واللّه لو نبتَّ لأخبرتك أنك من زَمَعَات قريش أو ما أنا بدغفل، قال، ‏:‏ فتبسَّم رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال علي‏:‏ قلت لأبي بكر‏:‏ لقد وقَعْتَ من الأعرابي على باقِعَةٍ، قال‏:‏ أجَلْ إن لكل طامة طامة، وإن البلاء مُوَكَّل بالمنطق‏.‏

36- إنَّما سُمِّيتَ هَانِئاً لِتَهْنَأ

يقال‏:‏ هَنَأْتُ الرجل أهْنَؤُه وأهْنِئهُ هَنأْ إذا أعطيته، والاسم الهِنْء - بالكسر - وهو العطاء‏:‏ أي سميت بهذا الاسم لتُفْضِلَ على الناس، قال الكسائي‏:‏ لتهنأ أي لتَعُولَ، وقال الأموي‏:‏ لتَهْنِئَ أي لِتُمْرِئَ

37- إنَّهُ لَنِقَابٌ

يعني به العالم بمُعْضِلات الأمور، قال أوس بن حجر‏:‏

جَوَادٌ كَرِيمٌ أخُو مَاقِطٍ * نِقَابٌ يحدث بالغائب

ويروى عن الشعبي أنه دخل على ‏[‏ص 19‏]‏ الحجاج بن يوسف فسأله عن فريضة من الجد فأخبره باختلاف الصحابة فيها، حتى ذكر ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما، فقال الحجاج‏:‏ إن كان ابنُ عباس لَنِقَاباً‏.‏

38- إنَّهُ لَعِضٌّ

أي دَاهٍ، قال القطامي‏:‏

أحَادِيث مِنْ أنْباء عَادٍ وَجُرْهُم * يُثَوِّرُهَا العِضَّانِ زَيْدٌ وَدغْفلُ

يعني زيد بن الكيس ‏(‏في القاموس‏:‏ زيد بن الحارث‏)‏ النمري ودغفلا الذهلي، وكانا عالمي العرب بالأنساب الغامضة والأنباء الخفية‏.‏

39- إنَّهُ لوَاهًا مِنَ الرِّجَالِ

يروى واها بغير تنوين‏:‏ أي أنه محمودُ الأخلاق كريم، يعنون أنه أهل لأن يقال له هذه الكلمة، وهي كلمة تعجب وتلذذ، قال أبو النجم‏:‏

واهاً لريَّا ثمَّ وَاهاً وَاهاَ*

ويروى ‏"‏وَاهاً‏"‏ بالتنوين، ويقال للئيم‏:‏ إنه لغَيْرُ وَاها‏.‏

40- إنَّمَا خَدَشَ الْخُدُوشَ أَنُوشُ

الخَدْش‏:‏ الأثر، وأنوش‏:‏ هو ابن شيث ابن آدم صلى اللّه عليهما وسلم، أي أنه أول من كَتَبَ وأثر بالخط في المكتوب‏.‏

يضرب فيما قَدُمَ عهدُه‏.‏

41- إنَّ العَوَانَ لا تُعَلَّم الْخِمْرَةَ

قال الكسائي‏:‏ لم نسمع في العَوَان بمصدر ولا فعل‏.‏ قال الفراء‏:‏ يقال عَوَّنَتْ تَعْوِينا وهي عَوَان بينةُ التعوين‏.‏ والْخِمْرَة‏:‏ من الاختمار كالجِلْسة من الْجُلُوس اسم للهيئة والحال‏:‏ أي أنها لا تحتاج إلى تعليم الاختمار‏.‏ يضرب للرجل المجرب‏.‏

42- إنَّ النِّسَاءَ لَحْمٌ عَلَى وَضَمْ

الوَضَم‏:‏ ما وُقِيَ به اللحمُ من الأرض بارِيَّةٌ ‏(‏البارية‏:‏ الحصير المنسوج من القصب ونحوه‏)‏ أو غيرها، وهذا المثل يروى عن عمر رضي اللّه عنه حين قال‏:‏ لا يخلُوَنَّ رجل بِمُغِيبَةٍ، إن النساء لحمٌ على وضم‏.‏

43- إنَّ الْبَيْعَ مُرْتَخَصٌ وَغَالٍ

قالوا‏:‏ أول مَنْ قال ذلك أُحَيْحَةُ بن الجُلاَح الأوْسِيُّ سيد يثرب، وكان سبب ذلك أن قيس بن زهير العبسي أتاه - وكان صديقا له - لما وقع الشر بينه وبين بني عامر، وخرج إلى المدينة ليتجَهَّز لقتالهم حيث قتل خالدُ بن جعفر زهيرَ بن جَذِيمة، فقال قيس لأحَيْحَة‏:‏ يا أبا عمرو، نُبِّئت أن عندك دِرْعا فبِعْنِيهَا أو هَبْها لي، فقال‏:‏ يا أخا بني عَبْس ليس مثلي يبيع السلاح ولا يفضل ‏[‏ص 20‏]‏ عنه، ولَولا أني أكره أن أستلئم إلى بني عامر لوهبتها لك ولحملتك على سَوَابق خيلي، ولكن اشْتَرِها بابن لَبُون فإن البيع مرتخص وغال، فأرسلها مثلا، فقال له قيس‏:‏ وما تكره من استلآمك إلى بني عامر‏؟‏ قال‏:‏ كيف لا أكره ذلك وخالد بن جعفر الذي يقول‏:‏

إذا ما أرَدْتَ العزَّ في دار يثرب * فنادِ بصوتٍ يا أحَيْحَةُ تُمْنَعِ

رأينا أبا عَمْرٍ وأحَيْحَةَ جَارُهُ * يَبيتُ قريرَ العين غيرَ مُرَوّعِ

ومن يأتِهِ من خائِفٍ يَنْسَ خوفَه * ومن يأته من جائِعِ البطنِ يَشْبَعِ

فضائلُ كانت للجُلاَح قديمة * وأكْرِمْ بفَخْرٍ من خصالك أربع

فقال قيس‏:‏ يا أبا عمرو ما بعد هذا عليك من لوم، ولهى عنه‏.‏

44- إلاَّ حَظِيَّةً فَلا أَلِيَّةً

مصدر الحَظِيَّة‏:‏ الحُظْوَة، والحِظْوَة والحِظَة، والألِيَّة‏:‏ فَعيلة من الألْو، وهو التقصير، ونصب حظيَّةً وأليَّةً على تقدير إلاّ أكُنْ حظيةً فلا أكون أليَّةً، وهي فَعيلة بمعنى فاعلة، يعني آليةً، ويجوز أن يكون للازدواج، والحَظِية‏:‏ فعيلة بمعنى مفعولة، يقال‏:‏ أحْظَاها اللّه فهي حَظِية، ويجوز أن تكون بمعنى فاعلة، يقال‏:‏ حَظِىَ فلانٌ عند فلان يَحْظَى حُظْوَةً فهو حَظِيّ، والمرأة حَظِية، قال أبو عبيد‏:‏ أصل هذا في المرأة تَصْلَفُ عند زوجها فيقال لها‏:‏ إن أخطأتْكِ الحُظْوة فلا تألِي أن تتودَّدي إليه‏.‏

يضرب في الأمر بمُداراة الناس ليدرك بعضَ ما يحتاج إليه منهم‏.‏

45- أمَامَها تَلْقَى أَمَةٌ عَمَلَها

أي إن الأمة أيْنَمَا توجهت ليقتْ عملا

46- إنَّهُ لأََخْيَلُ مِنْ مُذَالَةٍ

أخْيَلُ‏:‏ أفْعَلُ من خَالَ يَخَالُ خَالاً إذا اختال، ومنه‏:‏

وَإنْ كُنْتَ لِلْخَالِ فَاذْهَبُ فَخَلْ* والمُذَالة‏:‏ المُهَانة‏.‏ يضرب للمختال مهانا

47- إنِّي لآكُلُ الرَّأْسَ وَأَنَا أعْلَمُ ما فِيهِ

يضرب للأمر تأتيه وأنت تعلم ما فيه مما تكره

48- إذَا جاءَ الْحَيْنُ حارَتِ العَيْنُ

قال أبو عبيد‏:‏ وقد روى نحو هذا عن ابن عباس، وذلك أن نَجْدَة الحَروُرِيّ أو نافعا الأزْرَقَ قال له‏:‏ إنك تقول إن الهدهد إذا نَقَر الأرض عرف مسافة ما بينه وبين ‏[‏ص 21‏]‏ الماء وهو لا يبصر شعيرة الفَخَّ، فقال‏:‏ إذا جاء القَدَر عمى البصر

49- إنَّهُ لشَدِيدُ جَفْنِ العَيْنِ

يضرب لمن يَقْدر أن يصبر على السهر

50- أنْفٌ في السَّماءِ واسْتٌ فِي الماءِ

يضرب للمتكبر الصغير الشأن‏.‏

51- أنْفُكَ مِنْكَ وَإِنْ كانَ أذَنَّ

الَّذنِين‏:‏ ما يسيل من الأنف من المُخَاط وقد ذَنّ الرجلُ يَذِنُّ ذَنِيناُ فهو أذَنٌّ، والمرأة ذَنَّاء‏.‏

وهذا المثل مثلُ قولهم‏:‏ أَنْفُكَ منك وإن كان أجْدَعَ‏.‏

52- إِنَّهُ لَخَفِيفُ الشُّقَّةِ

يريدون إنه قليلُ المسألة للناس تعفُّفاً

53- إذَا ارْجَعَنَّ شَاصِياً فَارْفَعْ يَدا

وروى أبو عبيد ‏"‏ارْجَحَنّ‏"‏ وهما بمعنى مَالَ، ويروى ‏"‏اجرعن‏"‏ وهو قلب ارجعن وشاصيا‏:‏ من شَصَا يَشْصُو شُصُوّا إذا ارتفع‏.‏ يقول‏:‏ إذا سقط الرجل وارتفعت رجلهُ فاكْفُفْ عنه، يريدون إذا خَضَع لك فكفّ عنه‏.‏

54- إِنَّ الذَّلِيلَ الَّذِي لَيْسَتْ لَهُ عَضُدُ

أي‏:‏ أنصار وأعوان، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما كُنْتُ متخذَ المضِّلين عَضُداً‏}‏ وفَتّ في عضده‏:‏ أي كسر من قوته‏.‏

يضرب لمن يَخْذُلُه ناصِرُه‏.‏

55- إِنْ كُنْتَ بي تَشُدُّ أزْرَكَ فَأَرْخِهِ

أي إن تَتَّكل عليَّ في حاجتك فقد حُرِمْتَهَا‏.‏

56- إِنْ يَدْمَ أظَلُّكَ فَقَدْ نَقِبَ خُفِّي

الأظَلُّ‏:‏ ما تحت مَنْسِمِ البعير‏.‏ والخفُّ‏:‏ واحد الأخفاف، وهي قوائمه‏.‏

يضربه المشكّو إليه للشاكي‏:‏ أي أنا منه في مثل ما تشكوه‏.‏

57- أتَتْك بحَائِنٍ رِجْلاَهُ

كان المفضَّل يخبر بقائل هذا المثل فيقول‏:‏ إنه الحارث بن جَبَلَة الغَسَّاني، قاله للحارث بن عيف العبدي، وكان ابن العيف قد هَجَاه، فلما غزا الحارث بن جَبَلة المنذرَ ابن ماء السماء كان ابن العيف معه، فقُتِل المنذر، وتفرقت جموعُه، وأسِرَ ابنُ العيف، فأتى به إلى الحارث بن جَبَلة، فعندها قال‏:‏ أتتك بحائن رجلاه، يعني مسيرَه مع المنذر إليه، ثم أمر الحارث سيافه الدلامص فضربه ضربةً دقت منكبه، ثم برأ منها وبه خَبَل وقيل‏:‏ أول مَنْ قاله عَبيدُ بن الأبْرَصِ حين عَرَض للنعمان بن المنذر في يوم بؤسه، وكان قَصده ليمدحه، ولم يعرف أنه يومُ ‏[‏ص 22‏]‏ بؤسه، فلما انتهى إليه قال له النعمان‏:‏ ما جاء بك يا عَبيد‏؟‏ قال‏:‏ أتتك بحائن رجلاه، فقال النعمان‏:‏ هلا كان هذا غَيْرَك‏؟‏ قال‏:‏ الْبَلاَيا على الْحَوَايا، فذهبت كلمتاه مثلا، وستأتي القصة بتمامها في موضع آخر من الكتاب إن شاء اللّه تعالى‏.‏

58- إِيَّاكَ وَأهْلَبَ الْعَضْرَطِ

الأهْلَبُ‏:‏ الكثيرُ الشعر‏.‏ والْعَضْرَط‏:‏ ما بين السَّهِ والمذاكير، ويقال له العِجَان، وأصل المثل أن امرأة قال لها ابنها‏:‏ ما أجِدُ أحداً إلا قهرْتُه وغلبته، فقالت‏:‏ يا بني إياك وأهْلَبَ العَضْرَطِ، قال‏:‏ فصرعَه رجل مرة، فرآى في استه شَعْرا، فقال‏:‏ هذا الذي كانت أمي تحذرني منه‏.‏

يضرب في التحذير للمُعْجَب بنفسه‏.‏

59- أنْتَ كالْمُصْطادِِ بِاسْتهِ

هذا مثل يضرب لمن يطلب أمرا فيناله من قرب‏.‏

60- أنا ابْنُ بَجْدَتِهَا

أي أنا عالم بها، والهاء راجعة إلى الأرض، يقال‏:‏ عنده بَجْدَةُ ذاك، أي علم ذاك، ويقال أيضاً‏:‏ هو ابن مدينتها، وابن بجدتها، من ‏"‏مَدَنَ بالمكان‏"‏ و ‏"‏بَجَدَ‏"‏ إذا أقام به، ومَنْ أقام بموضع علم ذلك الموضع، ويقال‏:‏ البَجْدَةُ الترابُ، فكأنَّ قولَهم ‏"‏أنا ابن بجدتها‏"‏ أنا مخلوق من ترابها، قال كعب بن زهير‏:‏

فيها ابنُ بجدتِهَا يكاد يُذِيبه * وَقْدُ النهار إذا اسْتَنَارَ الصَّيْخَدُ

يعني بابن بجدتها الحِرْبَاء، والهاء في قوله ‏"‏ فيها‏"‏ ترجع إلى الفَلاَة التي يصفها‏.‏

61- إِلَى أُمِّه يَلْهَفُ الَّلهْفَانُ

يضرب في استعانة الرجل بأهله وإخوانه والَّلهْفَان‏:‏ المتحسر على الشيء، واللَّهِيف‏:‏ المضطر، فوضع اللهفان موضع اللهيف، ولَهِفَ معناه تلَّهفَ أي تحسر، وإنما وصَل بإلى على معنى يلجأ ويفر، وفي هذا المعنى قال القُطَامي‏:‏

وإذا يُصيبك والحوادثُ جَمَّةٌ * حَدَثٌ حَدَاك إلى أخيك الأوْثَقِ

62- أُمٌّ فَرَشَتْ فَأَنامَتْ

يضرب في بر الرجل بصاحبه، قال قُرَاد‏:‏

وكنت له عَمًّا لطيفا، ووالدا * رَءُوفاً، وأمّا مَهَّدَتْ فأنَامَتِ

63- إِذا عَزَّ أَخُوكَ فَهُنْ

قال أبو عبيد‏:‏ معناه مُيَاسَرتَكُ صديقَك ليست بضَيْم يركبك منه فتدخلك ‏[‏ص 23‏]‏ الحميَّة به، إنما هو حسن خلُق وتفضّل، فإذا عاسَرَك فياسره‏.‏

وكان المفضل يقول‏:‏ إن المثل لهُذَيل ابن هُبَيرة التَّغْلبي، وكان أغار على بني ضبة فغنم فأقبل بالغنائم، فقال له أصحابه‏:‏ اقْسِمْهَا بيننا، فقال‏:‏ إني أخاف إن تشاغلتم بالاقتسام أن يدرككم الطلب، فأبوا، فعندها قال‏:‏ إذا عزَّ أخوك فهُنْ، ثم نزل فقسم بينهم الغنائم، وينشد لابن أحمر‏:‏

دَبَبْتُ له الضَّرَاء وقُلْتُ‏:‏ أبْقَى * إذا عَزَّ ابنُ عمك أنْ تَهُونَا

64- أخاكَ أَخَاكَ إِنَّ مَنْ لا أَخالَهُ * كَسَاعِ إلَى الهَيْجا بِغَيْرِ سِلاَحِ

نصَب قوله ‏"‏أخلك‏"‏ بإضمار فعل‏:‏ أي الزم أخاك، أو أكرم أخاك، وقوله ‏"‏ إن من لا أخا له‏"‏ أراد لا أخَ له، فزاد ألِفاً لأن في قوله ‏"‏له‏"‏ معنى الإضافة، ويجوز أن يحمل على الأصل أي أنه في الأصل أخَوٌ فلما صار أخا كعَصاً ورحىً ترك ههنا على أصله‏.‏

65- أيُّ الرِّجَالِ المُهَذَّبُ

أول من قاله النابغةُ حيث قال‏:‏

ولَسْتَ بِمُسْتَبْقِ أخاً لا تَلُمُّهُ * على شَعَثٍ، أيُّ الرجالِ المهذَّبُ‏؟‏

66- أَنا عُذَلَةٌ وَأَخِي خُذَلَة * وكلاَنا لَيْسَ بِابْنِ أمَةٍ

يضرب لمن يَخْذُلك وتَعْذِله‏.‏

67- إِنَّهُ لَحَثِيثُ التَّوالِي

ويقال‏:‏ لَسَريعُ التوالي‏.‏ يقال ذلك للفرس، وتواليه‏:‏ مآخيرُهُ رِجْلاه وذَنَبه، وتَوَالِي كل شيء‏:‏ أواخره‏.‏

يضرب للرجل الجادّ المسرع‏.‏

68- أّخُوكَ مَنْ صَدَقَكَ النَّصِيحَةَ

يعني النصيحة في أمر الدين والدنيا‏:‏ أي صدقك في النصحية، فحذف ‏"‏في‏"‏ وأوصل الفعل، وفي بعض الحديث ‏"‏الرجُلُ مِرْآة أخيه‏"‏ يعني إذا رأى منه ما يكره أخْبَره به ونهاه عنه، ولا يوطئه العَشْوَة‏.‏

69- إِنْ تَسْلَمِ الْجِلَّةُ فَالنَّيبُ هَدَر

الجِلَّة‏:‏ جميع جَليل، يعني العظامَ من الإبل‏.‏ والنِّيب‏:‏ جمع نَابٍ، وهي الناقة المسنَّة، يعني إذا سلم ما يُنتفع به هان مالا ينتفع به‏.‏

70- إِذَا تَرَضَّيْتَ أَخَاكَ فَلاَ أَخَا لَك

الترضِّي‏:‏ الإرضاء بجَهْد ومشقة‏.‏ يقول‏:‏ إذا ألجأك أخوك إلى أن تترضَّاه وتداريه فليس هو بأخ لك ‏[‏ص 24‏]‏

71- إِنَّ أَخَاكَ لَيُسَرُّ بأنْ يَعتَقلَ

قاله رجل لرجل قُتل له قَتيل فعُرِض عليه العَقْل فقال‏:‏ لا آخذه، فحدَّثَ بذلك رجلٌ فقال‏:‏ بل واللّه إن أخاك ليُسَرُّ بأن يعتقل، أي يأخذ العَقْل، يريد أنه في امتناعه من أخذ الدية غير صادق‏.‏

72- أصُوصٌ عَلَيْهَا صُوصٌ

الأصوص‏:‏ الناقة الحائلُ السمينة، والصُّوص‏:‏ اللئيم، قال الشاعر‏:‏

فألفيتكم صُوصاً لُصُوصاً إذا دجا ال * ظلامُ ‏(‏الظلامُ‏)‏ وهَيَّابِينَ عند البَوَارِقِ

يضرب للأصل الكريم يظهر منه فرع لئيم‏.‏ ويستوي في الصُّوص الواحدُ والجمع‏.‏

73- أخَذَتِ الإِبِلُ أسْلِحَتَها

ويروى ‏"‏ رِمَاحَهَا‏"‏ وذلك أن تسمن فلا يجد صاحبُها من قلبه أن يَنْحَرَها

74- إَنَّهُ يَحْمِي الحَقِيقَةَ، ويَنْسِلُ الوَدِيقَةَ، ويَسُوقُ الوَسِيقَةَ

أي يحمي ما تحقُّ عليه حمايتُه، وينسل‏:‏ أي يُسْرع العَدْوَ في شدة الحرِ، وإذا أخذ إبلا من قوم أغار عليهم لم يَطْرُدْها طَرْداً شديداً خوفاً من أن يُلْحق، بل يسُوقها سَوْقاً على تُؤَدة ثقةً بما عنده من القوة‏.‏

75- إِنَّ ضَجَّ فَزِدْهُ وِقْراً

ويروى ‏"‏ إن جَرْجَرَ فزده ثقلا‏"‏ أصلُ هذا في الإبل، ثم صار مثلا لأن تُكَلِّفَ الرجلَ الحاجةَ فلا يضبطها بل يَضْجَر منها فيطلب أن تخفف عنه فتزيده أخرى، كما يقال‏:‏ زيادة الإبرام، تُدْنيك من نيل المرام‏.‏ ومثلُه‏.‏

76- إنْ أعْيَا فَزِدْهُ نَوْطاً

النَّوْطُ‏:‏ العِلاَوة بين الجُوَالَقَيْنِ‏.‏ يضرب في سؤال البخيل وإن كرهه‏.‏

77- إنَّما يَجْزِي الفَتى لَيْسَ الجَملَُ

يريد ‏"‏لا الجمل‏"‏ يضرب في المكافأة، أي إنما يَجْزِيك مَنْ فيه إنسانية لا من فيه بهيمية، ويروى ‏"‏الفتى يجزيك لا الجمل‏"‏ يعنى الفتى الكَيِّس لا الأحمق‏.‏

78- إِنَّما القَرْمُ مِنَ الأفيِلِ

القَرْم‏:‏ الفحل‏.‏ والأفِيل‏:‏ الفَصِيلُ يضرب لمن يعظم بعد صغره‏.‏

79- إذَا زَحَفَ البَعيرُ أعْيَتْهُ أُذُناهُ

يقال‏:‏ زَحَفَ البعير، إذا أعيا فَجَرَّ فِرْسِنَهُ عَياء، قاله الخليل‏.‏

يضرب لمن يثقل عليه حمله فيضيق به ذَرْعاً‏.‏ ‏[‏ص 25‏]‏

80- إحْدَى نَوادِهِ البَكْرِ

وروى أبو عمرو ‏"‏ إحدى نواده النكر‏"‏ النَّدْهُ‏:‏ الزجر، والنواده‏:‏ الزواجر‏.‏

يضرب مثلا للمرأة الجريئة السَّلِيطة، وللرجل الشَّغِب‏.‏

81- إنَّما أُكِلْتُ يَوْمَ أُكِل الثَّوْرُ الأبْيَضُ

يورى أن أمير المؤمنين عليا رضي اللّه تعالى عنه قال‏:‏ إنما مَثَلي ومثلُ عثمان كمثل أنوار ثلاثة كنَّ في أَجَمةٍ أبيضَ وأسودَ وأحمرَ، ومعهن فيها أسد، فكان لا يقدِرُ منهن على شيء لاجتماعهن عليه، فقال للثور الأسود والثور الأحمر‏:‏ لا يُدِلُّ علينا في أَجَمتنا إلا الثورُ الأبيضُ فإن لونه مشهور ولوني على لونكما، فلو تركتماني آكُلُه صفَتْ لنا الأَجمة، فقالا‏:‏ دونَكَ فكُلْه، فأكله، ثم قال للأحمر‏:‏ لوني على لونك، فَدَعْني آكل الأسود لتصفو لنا الأجَمة، فقال‏:‏ دونَكَ فكُلْه، فأكله، ثم قال للأحمر‏:‏ إني آكِلُكَ لا مَحاَلة، فقال‏:‏ دني أنادي ثلاثا، فقال‏:‏ افْعَلْ، فنادى ألاَ إني أكِلْتُ يوم أكِلَ الثورُ الأبيض، ثم قال علي رضي اللّه تعالى عنه‏:‏ ألا إني هُنْتُ - ويورى وَهَنْتُ - يوم قتل عثمان، يرفع بها صوته‏.‏

يضربه الرجل يُرْزَأ بأخيه‏.‏

82- إنْ ذَهَبَ عَيْرٌ فَعَيْرٌ في الرِّبَاطِ

الرِّباط‏:‏ ما تشد به الدابة، يقال‏:‏ قَطع الظبْي رِباطَه، أي حِبالته‏.‏ يقال للصائد‏:‏ إن ذهب عَيْر فلم يَعْلَقْ في الحِبالة فاقتصر على ما علق‏.‏

يضرب في الرضا بالحاضر وترك الغائب‏.‏

83- إنَّما فُلاَنٌ عَنْزٌ عَزُوزٌ لَها دَرٌّ جمٌّ

العَزُوز‏:‏ الضيقة الإحليل‏.‏ يضرب للبخيل الموسِرِ‏.‏

84- إنَّما هُوَ كَبَارحِ الأَرْوَى، قَلِيلاً ما يُرى

وذلك أن الأرْوَى مساكنُها الجبالُ فلا يكاد الناس يرونها سانحةً ولا بارحةً إلا في الدهر مرة‏.‏ يضرب لمن يرى منه الإحسان في الأحايين‏.‏ وقوله ‏"‏هو‏"‏ كناية عما يبذل ويعطى، هذا الذي يضرب به المثل‏.‏

85- أوَّلُ الصَّيْدِ فَرَعٌ

الْفَرَعُ‏:‏ أول وَلَد تنتجه الناقة، كانوا يذبحونه لآلهتهم يتبركون بذلك، وكان الرجل يقول‏:‏ إذا تمت إبلي كذا نَحَرْتُ أول نتيج منها، وكانوا إذا أرادوا نحره زَيَّنُوه ‏[‏ص 26‏]‏ وألبسوه، ولذلك قال أوس يذكر أزمة في شدة البرد

وَشُبِّهَ الهَيْدَبُ العَبَامُ من الْ * أقْوَامِ سَقْباً مُجَلِّلاً فَرَعَا

قال أبو عمرو‏:‏ يضرب عند أول ما يرى من خير في زَرْع أو ضَرْعٍ وفي جميع المنافع‏.‏ ويروى‏:‏ أول الصيد فَرَع ونِصَاب‏.‏ وذلك أنهم يُرْسِلون أول شيء يصيدونه يتيمنون به، ويروى‏:‏ أولُ صيدٍ فَرَعَه ‏(‏فرعه في هذا التفسير‏:‏ فعل ماض معناه أراق دمه‏)‏‏.‏

يضرب لمن لم ير منه خير قبل فعلته هذه‏.‏

86- أخَذَهُ أخْذَ سَبعُةٍ

قال الأصمعي‏:‏ يعني أخذ سَبُعَةٍ - بضم الباء - وهي اللَّبُؤة، وقال ابن الأعرابي‏:‏ أخذ سَبْعَة أراد سَبْعَةً من العدد، قال‏:‏ وإنما خص سبعة لأن أكثر ما يستعملونه في كلامهم سبع، كقولهم‏:‏ سبع سَموات، وسبع أرضين، وسبعة أيام، وقال ابن الكلبي‏:‏ سَبُعة رجلٌ شديدُ الأخذ يضرب به المثل، وهو سَبُعة ابن عَوْف بن ثعلبة بن سَلاَمَان بن ثُعَل بن عمرو بن الغَوْث‏.‏

87- إِنَّما أنْتَ خِلاَفَ الضَّبُعِ الرَّاكِبَ

وذلك أن الضبع إذا رأتْ راكباً خالَفَتْه وأخَذَت في ناحية أخرى هرباً منه، والذئب يعارضُه مضادةً للضبع‏.‏

يضرب لمن يخالف الناسَ فيما يصنعون‏.‏ ونصب ‏"‏خلاف‏"‏ على المصدر‏:‏ أي تخالف خلاف الضبع ‏(‏وإضافة خلاف للضبع من إضافة المصدر لفاعله، والراكب مفعوله‏)‏

88- إذا نامَ ظالِعُ الكِلاَبِ

قال الأصمعي‏:‏ وذلك أن الظالع منها لا يقدر أن يُعَاظِل مع صحاحها لضعفه، فهو يؤخر ذلك وينتظر فراغ آخرها، فلا ينام حتى إذا لم يَبْقَ منها شيء سَفَد حينئذ ثم نام يضرب في تأخير قضاء الحاجة‏.‏

قال الحطيئة‏:‏

أَلاَ طرقَتْنَا بعدَ ما نام ظالعُ ال* كلابِ وأَخْبى نَارَهُ كلُّ مُوقِدِ

89- إِنَّما هُوَ ذَنَبُ الثَّعْلَبِ

أصحاب الصيد يقولون‏:‏ رَوَاغ الثعلب بذَنَبه يميله فتتبع الكلاب ذَنَبه، يقال‏:‏ أروغ من ذَنَبِ الثعلب‏.‏

90- إذا اعْتَرَضْتَ كاعْتِراضِ الهِرَّهْ * أوْشَكْتَ أنْ تَسَقُطَ في أُفُرَّهْ

اعترض‏:‏ افْتَعَلَ من العرض وهو النشاط‏.‏ والأفُرَّة‏:‏ الشدة‏.‏

يضرب للنشيط يغفل عن العاقبة‏.‏ ‏[‏ص 27‏]‏

91- إِنْ تَكُ ضَبًّا فإنِّي حِسْلُه

يضرب في أن يَلْقَى الرجلُ مثلَه في العلم والدهاء‏.‏

92- أَخَذَهُ أَخْذَ الضَّبِّ وَلَدَهُ

أي أخذه أخذةً شديدة، أراد بها هلَكَته، وذلك أن الضب يحرس بيضه عن الهوامّ، فإذا خرجت أولادُه من البَيْض ظنَّها بعض أحناش الأرض، فجعل يأخذ ولده واحداً بعد واحد ويقتله، فلا ينجو منه إلا الشريد‏.‏

93- إِنَّهُ لَصِلُّ أَصْلاَلٍ

الصِّل‏:‏ حية تقل لساعتها إذا نَهَشَت‏.‏ يضرب للداهي‏.‏قال الشاعر ‏(‏نسبه في الصحاح إلى النابغة الذبياني وفيه ‏"‏نضناضة بالرزايا‏"‏ ‏)‏‏:‏

ماذا رُزِئْنَا به من حَيَّةٍ ذَكَرٍ * نَضْنَاضَةٍ بالمنايا صِلِّ أصْلاَلِ

94- إذَا أَخَذْتَ بِذَنَبَةِ الضَّبِّ أغْضَبْتَهُ

ويروى ‏"‏برأس الضب‏"‏ والذَّنَبة والذنب واحد، وقيل‏:‏ الذَّنبة غير مستعملة‏.‏ يضرب لمن يُلْجئ غيرَه إلى ما يكره‏.‏

95- إِنَّهُ لَهِترُ أهْتَارٍ

الهِتْر‏:‏ العجب والداهية‏.‏ يضرب للرجل الداهي المنكر‏.‏ قال بعضهم‏:‏ الهِتْر في اللغة العَجَب فسمي الرجل الدَّاهِي به، كأن الدَّهْر أبدَعَه وأبرزه للناس ليعجبوا منه، والهِتْر‏:‏ الباطل، فإذا قيل ‏"‏فلان هتر‏"‏ أي من دَهَائه يَعْرِض الباطلَ في معرض الحق، فهو لا يخلوا أبداً من باطل، فجعلوه نفس الباطل، كقول الخنساء‏:‏

فإنما هِيَ إقْبَالٌ وَإِدْبَارُ*

وأضافه إلى أجناسه إشارة إلى أنه تميَّز منهم بخاصية يفْضُلهم بها، ومثله ‏"‏صِلُّ أَصْلاَل‏"‏ وأصله الحية تكون في الصّلة وهي الأرض اليابسة‏.‏

96- إِنَّهُ لَيُقَرِّدُ فُلاناً

أي يَحْتال له ويَخْدَعه حتى يستمكن منه، وأصله أن يجئ الرجلُ بالخِطام إلى البعير الصَّعْب وقد ستَره عنه لئلاَّ يمتنع، ثم ينتزع منه قُرَاداً حتى يستأنسَ البعيرُ ويُدْنِىَ إليه رأسه، فيرمي بالخِطام في عنقه، وفيه يقول الحُطَيئة‏:‏

لعمرك ما قُرَادُ بني كُلَيْبٍ * إذا نُزِعَ القراد بمستطاع

أي‏:‏ لا يُخْدَعون‏.‏

97- الإثْمُ حَزَّازُ القُلوبِ

يعني ما حَزَّ فيها وحَكَّها‏:‏ أي أثَّرَ، كما قيل‏:‏ الإثم ما حَكَّ في قلبك وإن أَفْتَاكَ ‏[‏ص 28‏]‏ الناسُ عنه وأَفْتَوْكَ‏.‏ والحَزَاز‏:‏ ما يتحرك في القلب من الغم، ومنه قول ابن سيرين حين قيل له ما أشد الورع فقال‏:‏ ما أيْسَرَه إذا شككت في شيء فدَعْه‏.‏

98- أيُّهَا المُمْتَنُّ عَلَى نَفْسِكَ فَلْيَكُن المَنُّ عَلَيْكَ

الامتنان‏:‏ الإنعام والإحسان، يقال لمن يحسن إلى نفسه‏:‏ قد جَذَبْتَ بما فعلتَ المنفعةَ إلى نفسك فلا تَمُنَّ به على غيرك‏.‏

99- الأَوْبُ أوْبُ نَعَامَةٍ

الأوْبُ‏:‏ الرجوع‏.‏ يضرب لمن يعجل الرجوع ويُسْرع فيه‏.‏

100- إِنَّه لَوَاقِعُ الطَّائِرِ

قال الأصمعي‏:‏ إنما يضرب هذا لمن يوصَفُ بالحلم والوقار‏.‏

101- إِذَا حَكَكْتُ قَرْحَةً أدْمَيْتُها

يحكى هذا عن عمرو بن العاص، وقد كان اعتزل الناسَ في آخر خلافة عثمان بن عفان رضي اللّه تعالى عنه، فلما بلغة حَصْره ثم قَتْله قال‏:‏ أنا أبو عبد اللّه إذا حككتُ قَرْحَةً أدميتها‏.‏

روى عن عامر الشعبي أنه كان يقول‏:‏ الدُّهاة أربعة‏:‏ معاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزِياد بن أبِيهِ‏.‏

102- إِنَّمَا هُوَ كَبَرْقِ الْخُلَّبِ

يقال‏:‏ بَرْقٌ خُلَّبٌ، وبرقُ خُلَّبٍ بالإضافة، وهما البرق الذي لا غَيْثَ معه كأنه خَادِع‏.‏ والخلَّبُ أيضاً‏:‏ السحاب الذي لا مَطر فيه، فإذا قيل‏:‏ برق الخلب، فمعناه برقُ السحابِ الخلب‏.‏

يضرب لمن يَعِدُ ثم يخلف ولا ينجز‏.‏

103- إِنْ يَبْغِ عَلَيْكَ قَوْمُكَ لاَ يَبْغِ عَلَيْكَ القَمَرُ

قال المفضل بن محمد‏:‏ بلغنا أن بني ثعلبة ابن سعد بن ضبة في الجاهلية تَرَاهنوا على الشمس والقمر ليلة أربع عشرة، فقالت طائفة‏:‏ تطلع الشمس والقمر يُرَى، وقالت طائفة‏:‏ بل يغيب القمر قبل أن تطلع الشمس فتراضَوْا برجل جَعَلوه بينهم، فقال رجل منهم‏:‏ إن قومي يبغون علي، فقال العَدْل‏:‏ إِنْ يَبْغ عليك قومُك لا يبغ عليك القمر، فذهب مثلاً‏.‏ هذا كلامه‏.‏

والبغي‏:‏ الظلم، يقول‏:‏ إن ظلمك قومُك لا يظلمك القمر، فانظر يتبين لك الأمر والحق‏.‏

يضرب للأمر المشهور‏.‏ ‏[‏ص 29‏]‏

104- إذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ فيكَ مِنَ الْخَيْرِ ما لَيْسَ فِيكَ فَلا تَأْمَنْ أنْ يَقولَ فِيكَ مِنَ الشَّر مَا لَيْسَ فِيكَ

قاله وَهْب بن مُنَبه رحمه اللّه‏.‏

يضرب في ذم الإسراف في الشيء‏.‏

105- إذَا اتَّخَذْتُمْ عِنْدَ رَجُلٍ يَداَ فانْسَوْهَا

قاله بعض حكماء العرب لبنيه‏.‏ قال أبو عبيد‏:‏ أراد حتى لا يقع في أنفسكم الطَّوْل على الناس بالقلوب، ولا تذكروها بالألسنة، وقال‏:‏

أَفْسَدْتَ بالمنِّ ما أصلَحْتَ من يُسُرِ ‏(‏بوزن عنق هنا، ويسر بوزن قفل، وهي بمعنى الغنى، والمحفوظ ‏"‏من نعم‏"‏‏)‏ * ليس الكريم إذا أَسْدى بمنَّانِ

106- إِنَّه لَمُنَجَّذٌ

أي مُحَنَّك، وأصله من الناجذ، وهو أقصى أسنان الإنسان، هذا قول بعضهم‏.‏ والصحيح أنها الأسنان كلها لما جاء في الحديث ‏"‏فَضَحِكَ حتى بَدَتْ نَوَاجِذُه‏"‏ قال الشمَّاخ‏:‏ نَوَاجِذُهُنَّ كالحدَإِ الوَقِيع*

ويروى ‏"‏إنه لمنجد‏"‏ بالدال غير معجمة من النَّجْد وهو المكان المرتفع، أو من النَّجْدَة، وهي الشجاعة‏:‏ أي أنه مقوى بالتجارب‏.‏

107- أكْلاً وَذَمًّا

أي يؤكل أكلا ويذم ذماً‏.‏

يضرب لمن يذم شيئاً قد ينتفع به، وهو لا يستحق الذم‏.‏

108- النِّسَاءُ شَقَائِقُ الأَقْوَامِ

الشقائق‏:‏ جمع شقيقة، وهي كل ما يشق باثنين، وأراد بالأقوام الرجالَ، على قول من يقول‏:‏ القوم يقع على الرجال دون النساء، ومعنى المثل إن النساء مثلُ الرجال وشقت منهم، فلهن مثل ما عليهن من الحقوق‏.‏

109- إذا أدْبَرَ الدَّهْرُ عَنْ قَوْمٍ كَفَى عَدُوَّهُم

أي إذا ساعدهم كفاهم أمر عدوهم‏.‏

110- إِذَا قَطَعْنَا عَلَمَاً بَدَا عَلَمٌ

الجبلُ يقال له العَلَم‏:‏ أي إذا فرغنا من أمر حَدَث أمر آخر‏.‏

111- إذا ضَرَبْتَ فأَوْجِعَ وَإِذَا زَجَرْتَ فَأسْمِعْ

يضرب في المبالغة وترك التَّواني والعَجْز‏.‏

112- إِذا سَأَلَ ألْحَفَ وَإنْ سُئِل سَوَّف

قاله عَوْن بن عبد اللّه بن عتبة في رجل ذكره‏.‏ ‏[‏ص 30‏]‏

113- إنْ كُنْتَ رِيحاً فَقَدْ لاَقَيْتَ إِعْصارا

قال أبو عبيدة‏:‏ الإعصار ريحٌ تهبّ شديدة فيما بين السماء والأرض‏.‏

يضرب مثلا للمُدِلّ بنفسه إذا صُلِىَ بمن هو أدهى منه وأشدّ‏.‏

114- أمْرُ نَهارٍ قُضِيَ لَيْلاً

يضرب لما جاء القومَ على غِرَّة منهم ممن لم يكونوا تأهَّبُوا له‏.‏

115- أمْرٌ سُرِيَ عَلَيْهِ بِلَيْلٍ

أي قد تقدم فيه وليس فَجْأة، وهذا ضد الأول‏.‏

116- أمْرَ مُبْكِيَاتِكِ لا أمْرَ مُضحِكاتِكِ

قال المفضل‏:‏ بلَغَنا أن فتاة من بنات العرب كانت لها خالات وعمات، فكانت إذا زارت خالاتها أَلْهَيْنَها وأضحكنها، وإذا زارت عماتها أَدَّبْنها وأّخَذْن عليها، فقالت لأبيها‏:‏ إن خالاتي يلطفنني، وإن عماتي يبكينني، فقال أبوها وقد علم القصة‏:‏ أَمْرَ مبكياتك، أي الزمي واقبلي أمر مبكياتك، ويروى ‏"‏أَمْرُ‏"‏ بالرفع، أي‏:‏ أمر مبكياتك أَوْلى بالقَبول والاتباع من غيره‏.‏

117- إِنَّ الَّليْلَ طَوِيلٌ وَأنْتَ مُقْمِر

قال المفضل‏:‏ كان السُّلَيْك بن السُّلَكَة السَّعْدي نائماً مشتملاً، فبينا هو كذلك إذ جَثَم رجُلٌ على صَدْره، ثم قال له‏:‏ استأسِر، فقال له سليك‏:‏ الليلُ طويل وأنت مقمر، أي في القمر، يعني أنك تجد غيري فَتَعَدّني، فأبى، فلما رأى سُلَيك ذلك الْتَوَى عليه وتسنَّمه‏.‏

يضرب عند الأمر بالصبر والتأنيّ في طلب الحاجة‏.‏

118- إِنَّ مَعَ اليَوْمِ غَداً يا مُسْعِدَة

يضرب مثلا في تنقُّلِ الدوَل على مر الأيام وكَرِّها‏.‏

119- إِحْدَى لَيَاليكِ فَهِيسِي هِيسِي

قال الأموي‏:‏ الهَيْسُ السيرُ أَيَّ ضَرْب كان، وأنشد‏:‏

إِحْدى لياليكِ فَهِيسِي هِيسِي * لا تَنْعَمِي الليلَةَ بالتَّعْرِيس

يضرب للرجل يأتى الأمر يحتاج فيه إلى الجدّ والاجتهاد، ومثله قولهم‏:‏

إِحْدَى لياليكِ منَ ابْنِ الْحُر * إذا مَشَى خلْفَكِ لم تَجْتَرّي

إِلاَّ بقَيْصُومٍ وشِيح مُرِّ*

يضرب هذا في المبادرة، لأن اللصَّ إذا طَرَد الإبلَ ضربها ضرباً يُعْجِلها أن تجتَرَّ‏.‏ ‏[‏ص 31‏]‏

120- أنَا ابْنُ جَلاَ

يضرب للمشهور المتعالمَ، وهو من قول سُحَيم بن وَثيل الرِّياحيّ‏:‏

أنا ابْنُ جَلاَ وطَلاَّع الثَّنَايَا * مَتَى أضَعِ العِمَامَةَ تَعْرِفُونِي

وتمثل به الحجاج على منبر الكوفة‏.‏

قال بعضهم‏:‏ ابن جلا النهار، وحكى عن عيسى بن عُمَر أنه كان لا يصرف رجلا يسمى بضَرَبَ، ويحتج بهذا البيت، ويقول‏:‏ لم ينون جلا لأنه على وزن فَعَل، قالوا‏:‏ وليس له في البيت حجة، لأن الشاعر أراد الحكاية، فحكى الاسمَ على ما كان عليه قبل التسمية، وتقديره‏:‏ أنا ابنُ الذي يقال له جَلاَ الأمورَ وكشَفها‏.‏

121- إِنَّهُ لأَريَضٌ لِلْخَيْرِ

يقال‏:‏ أَرُضَ أَرَاضَة فهو أريض، كما يقال‏:‏ خَلُق خَلاَقة فهو خَلِيق‏.‏

يضرب للرجل الكامل الخير، أي‏:‏ أنه أهلٌ لأن تأتى منه الخصال الكريمة‏.‏

122- أخَذَتِ الأَرْضُ زُخَارِيَّها

وذلك إذا طال النبتُ والتفَّ وخرج زهره، و ‏"‏مكان زخَارِيّ النباتِ‏"‏ إذا كان نبتُه كذلك، من قولهم زَخَر النبتُ، قال ابن مُقْبل‏:‏

زخَاريّ النباتِ كأنَّ فيه * جياد العَبْقَرِيَّة والقطوع

يضرب لمن صَلُح حالُه بعد فساد‏.‏

123- إِنْ جَانِبٌ أعْيَاكَ فَلْحقْ بِجانِب

يضرب عند ضِيق الأمر والحثِّ على التصرّف، ومثله‏"‏ *وفي الأرض للحرّ الكريم مَنَادِحُ* أي مُتَّسَع ومرتزق‏.‏

124- أنَا إِذَنْ كالخَاتِلِ بالْمَرْخَة

المَرْخُ‏:‏ الشجر الذي يكون منه الزِّناد، وهو يطول في السماء حتى يُسْتَظَلّ به، قالوا‏:‏ وله ثمرة كأنها هذه الباقلاء‏.‏ ومعنى المثل‏:‏ أنا أباديك وإن لم أفعل فأنا إذن كمن يَخْتِلُ قِرْنَه بالمَرْخَة في أن لها ظلا وثمرة ولا طائل لها إذا فتش عن حقيقتها‏.‏

يضرب في نَفْي الْجُبْن‏:‏ أي لا أخَافُكَ‏.‏

125- أنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ وَعُذَيْقُها المُرَجَّبُ

الْجُذَيْل‏:‏ تصغير الْجِذْل، وهو أصل الشجرة‏.‏ والمحكَّكُ‏:‏ الذي تتحكك به الإبل الْجَرْبى، وهو عُود ينصب في مَبَارك الإبل تتمرَّسُ به الإبل الْجَرْبى‏.‏ والعُذَيْق‏:‏ تصغير العَذْق - بفتح العين - وهو النخلة، والمرجَّب‏:‏ الذي جعل له رُجْبَة وهي دِعامة ‏[‏ص 32‏]‏ تُبْنَى حولَها من الحجارة، وذلك إذا كانت النخلة كريمةَ وطالت تخوَّفوا عليها أن تنقعر من الرياحِ العواصِفِ، وهذا تصغير يراد به التكبير، نحو قول لَبيد‏:‏

وكلُّ أناسٍ سَوْفَ تَدْخُلُ بَيْنَهُم * دُوَيْهِيَةٌ تَصْفَرّ مِنْهَا الأنامل

يعني الموت‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ هذا قول الْحُبَاب بن المنذِر بن الْجَمُوح الأنصاريّ، قاله يوم السَّقيفة عند بَيْعة أبي بكر، يريد أنه رجل يُسْتَشْفَي برأيه وعَقْله‏.‏

126- إِيَّاكُمْ وَخَضْرَاءَ الدِّمَنِ

قاله رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقيل له‏:‏ وما ذاك يا رسول الله‏؟‏فقال‏:‏ المرأةُ الحسناء في مَنْبِتِ السوء‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ نُرَاه أراد فساد النَّسَب إذا خيف أن يكون لغير رِشْدَة، وإنما جعلها خضراء الدِّمَن - وهي ما تُدَمِّنُه الإبلُ والغنم من أبوالها وأبعارها - لأنه ربما نَبَتَ فيها النباتُ الحسنُ فيكون منظره حسناً أنيقاً ومنبِته فاسداً، هذا كلامه‏.‏

قلت‏:‏ إن ‏"‏إيا‏"‏ كلمة تخصيص، وتقدير المثل‏:‏ إياكم أخصُّ بنُصْحي وأُحَذِّرُكم خضراءَ الدمن، وأدخل الواو ليعطف الفعلَ المقدر على الفعل المقدر‏:‏ أي أخصكم وأحذركم ولهذا لا يجوز حذفها إلا في ضرورة الشعر، لا تقول ‏"‏إياك الأسَدَ‏"‏ إلا عند الضرورة، كما قال‏:‏

وإياكَ الَمَحايِنَ أن تَحِينَا*

127- إنَّكَ لَعَالِمٌ بِمَنَابِتِ القَصِيصِ

قالوا‏:‏ القَصِيص جمعُ قَصِيصة وهي شُجَيْرة تنبت عند الكَمْأة، فيستدل على الكمأة بها‏.‏

يضرب للرجل العالم بما يحتاج إليه‏.‏

128- إِنَّهُ لأَحْمَرُ كأنَّهُ الصَّرْبَةُ

قال أبو زياد‏:‏ ليس في العَضَاة أكْثَر صمْغاً من الطَّلْح، وصمغه أحمر يقال له‏:‏ الصَّرْبَة‏.‏

يضرب في وَصْف الأحمر، إذا بولغ في وصفه‏.‏

129- أَنْ تَرِدِ المَاءَ بمَاءٍ أكْيَسُ ‏(‏ضبط في كل الأصول بضبط القلم على أن ‏"‏إن‏"‏ أوله شرطية، وأحسب أن ضبطها على أن تكون مصدرية خير، والتقدير‏:‏ ورودك الماء ومعك ماء أكيس، ويؤيده تقدير المؤلف في آخر كلامه‏)‏ أي مع ماء، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ‏}‏ يعني إن تَرِدَ الماء ومعك ماء إن احتجْتَ إليه كان معك خيٌر لك من أن تفرّط في حمله ولعلك تهجم على غير ‏[‏ص 33‏]‏ ماء، وهذا قريب من قولهم ‏"‏عَشِّ إبلَكَ ولا تَغْتَرّ‏"‏ يضربان في الأخذ بالحزم‏.‏

وقالوا في قوله ‏"‏أكيس‏"‏ أي أقرب إلى الكَيْسِ‏.‏ قلت‏:‏ هذا لا يصح، لأنك لو قلت ‏"‏زيد أحسن‏"‏ كان معناه أن حُسْنه يزيد على حسن غيره، لا أنه أقرب إلى الحسن من غيره، ولكن لما كان الوارد منهم يحتاج إلى كَيْسٍ لخفاء مَوَاردهم قالوا‏:‏ إذا كان معك شيء من الماء وقصدت الورود فلا تُضِعْ ما معك ثقةً بورودك ليزيد كَيْسُك على كَيْس مَنْ لم يصنع صنيعَكَ، هذا وجه ويجوز أن يقال‏:‏ إنهم يَضَعون أفعل موضعَ الاسم كقولهم ‏"‏أشْأَمُ كلِّ امرىء بين فَكَّيه‏"‏ أي شُؤْم كل امرىء، وكقول زهير * فتنتج لكم غلمان أشأم* أي غلمانَ شُؤْم، فيكون معنى المثل على هذا التقدير‏:‏ ورودُكَ الماء مع ماء أكيسُ‏:‏ أي كِيَاسَة وحَزْم‏.‏

130- إِنَّمَا أخْشَى سَيْلَ تَلْعَتِي

التَّلْعة‏:‏ مَسِيلُ الماء من السنَد إلى بطن الوادي ‏(‏لأن من نزل التلعة فهو على خطر أن يجيء السيل فيجرفه‏)‏، ومعنى المثل إني أخاف شرَّ أقاربي وبني عمي‏.‏

يضرب في شكوى الأقرباء‏.‏

131- أخَذَهُ بِرُمَّتِهِ

أي بجُمْلته، الرُّمَّة‏:‏ قطعة من الحبل بالية والجمع رُمَم ورِمَام‏.‏

وأصل المثل أن رجلا دَفَع إلى رجل بعيرا بحَبْل في عنقه، فقيل لكل مَنْ دفع شيئا بجملته‏:‏ دفَعه إليه برُمّته، وأخذه منه برمته، والأصل ما ذكرنا‏.‏

132- إنَّهُ لَمُعْتَلِثُ الزِّنَادِ

العَلْث‏:‏ الخلط، وكذلك الغَلْث بالغين المعجمة، والمثل يروى بالوجهين

وأصله أنيعترض الرجل الشجر اعتراضا، فيتخذ زِناده مما وَجَد، واعتلث بمعنى عَلَث، والمعتلث المخلوط‏.‏

يضرب لمن لم يتخير أبوه في المنكح‏.‏

133- إنَّه لأَلْمَعِيُّ

ومثله لَوْذَعي‏.‏ يضرب للرجل المصيب بظنونه، قال أوس بن حجر‏:‏

الألْمَعِيّ الذِي يَظُنُّ بِكَ ال * ظَّنَّ كأنْ قَدْ رَأَى وَقَدْ سَمِعَا

وأصله من لَمَعَ إذا أضاء، كأنه لمع له ما أظلم على غيره‏.‏ وفي حديث مرفوع أنه عليه الصلاة والسلام قال‏:‏ لم تكن أمَّةٌ إلا كان فيها مُحَدَّث، فإن يَكُنْ في هذه الأمة ‏[‏ص 34‏]‏ مُحَدَّث فهو عمر، قيل‏:‏ وما المحدَّث‏؟‏ قال‏:‏ الذي يَرَى الرأيَ ويظن الظنّ فيكون كما رأى وكما ظن، وكان عمر رضي الله تعالى عنه كذلك‏.‏

134- أيُّ فَتىً قَتَلَهُ الدُّخَانُ

أصله أن امرأة كانت تبكي رجلا قَتَله الدخان، وتقول‏:‏ أيُّ فتى قتله الدخان‏؟‏ فأجابها مجيبٌ فقال‏:‏ لو كان ذا حيلة لتَحَوّل يضرب للقليل الحيلة‏.‏

135- إِنّ الغَنِيِّ طَويلُ الذّيْلِ مَيَّاسُ

أي‏:‏ لا يستطيع صاحبُ الغنى أن يكتمه، وهذا كقولهم ‏"‏أبَتِ الدَّرَاهِمُ إلا أن تُخْرِجَ أعْنَاقَها‏"‏ قاله عمر رضي الله عنه في بعض عُمَّاله‏.‏

136- إِنّ لَمْ تَغْلِبْ فَاخْلُبْ

ويروى ‏"‏ فَاخْلِبْ‏"‏ بالكسر، والصحيح الضم، يقال‏:‏ خَلَبَ يَخْلُبُ خِلاَبة وهي الخديعة‏.‏ ويراد به الْخُدْعَة في الحرب، كما قيل‏:‏ نَفَاذُ الرأي في الحرب، أنفذ من الطعن والضرب‏.‏

137- إِنَّ أخَا الْهَيْجَاءِ مَنْ يَسْعى مَعَكْ * وَمَنْ يَضُرُّ نَفْسَهُ لِيَنْفَعَكْ

يضرب في المساعدة‏.‏

138- إنَّي لأَنْظُرُ إلَيْهِ وَإلَى السَّيْفِ

يضرب للمَشْنُوء المكروه الطَّلْعَةِ‏.‏

139 - الأَمْرُ سُلْكَى وَلَيْسَ بمَخْلوجَةٍ

السُّلْكَى‏:‏ الطعنة المستقيمة، والمَخْلُوجة‏:‏ الْمُعْوَجَّة، من الخَلْجِ وهو الجَذْب وأنث الأمر على تقدير الجمع أو على تقدير‏:‏ الأمر مثل سُلْكى أي مثلُ طعنةٍ سُلْكى، وإن كان لا يوصف بها النكرة، فلا يجوز‏:‏ امرأة صُغْرى، وجارية طُولى، وقد عِيب على أبي نُوَاس قولُه‏:‏

كأَنَّ صُغْرَى وكُبْرَى من فَوَاقِعِها*

‏(‏هذا صدر بيت، وعجزه قوله‏:‏ حصباء در على أرض من الذهب*‏)‏

إلا أن يجعل اسماً كقوله

وإنْ دَعَوْتِ إلى جُلَّى ومَكْرُمَةٍ* ‏(‏هذا صدر بيت لشاعر من شعراء الحماسة وصدره قوله‏:‏ يوما سراة كرام الناس فادعينا*‏)‏

قالوا‏:‏ الْجُلَّى الأمر العظيم، فكذلك السُّلْكى الأمر المستقيم، والأصل في هذا قول امرىء القيس‏:‏

نَطْعَنُهُمْ سُلْكَى ومَخْلُوجَةً* ‏(‏هذا صدر بيت، وعجزه قوله‏:‏ كرك لأمين على نابل*‏)‏ ‏[‏ص 35‏]‏

أي طعنةً مستقيمةً وهي التي تقابل المطعون فتكون أسلك فيه‏.‏

يضرب في استقامة الأمر ونفي ضدها‏.‏

140- أزِمَتْ شَجَعَاتُ بِمَا فِيها

الأزْمُ‏:‏ الضيق، يقال‏:‏ أزَمَ يأزِمُ إذا ضاق والمأزِمُ‏:‏ المَضِيق في الحرب وشَجَعَات‏:‏ ثَنِيَّةٌ معروفة، ولهذا المثل قصة ذكرتها عند قوله ‏"‏أنجَزَ حُرّ ما وعد‏"‏ في باب النون‏.‏

141- إنّهُ لأَنْفَذُ مِنْ خازِقٍ

الخازق والخاسق‏:‏ السِّنان النافذ يوصَف به النافذُ في الأمور‏.‏

142- إحْدَى حُظَيَّاتِ لُقْمَانَ

الْحُظَيَّة‏:‏ تصغير الْحَظْوَة بفتح حائه، وهي المرماة ‏(‏هي سهم صغير قدر ذراع‏)‏، قال أبو عبيد‏:‏ هي التي لا نَصْلَ لها، ولقمان هذا هو‏:‏ لُقْمان بن عادٍ، وحديثه أنه كان بينه وبين رجلين من عاد، يقال لهما عمرو وكعب ابنا تِقْن بن معاوية قتال، وكانا رَبَّيْ إبل، وكان لقمان ربّ غنم فأعجبت لقمانَ الإبلُ، فراودهما عنها، فأبَيَا أن يبيعاه، فعمد إلى ألبان غَنَمه من ضأن ومِعْزًى وأنافِحَ من أنافح السَّخْل، فلما رأيَا ذلك لم يلتفتا إليه ولم يرغبا في ألبان الغنم، فلما رأى ذلك لقمان قال‏:‏ اشتَرِياها ابْنَيْ تِقْن، أقبلَتْ مَيْسا، وأدبَرتْ هَيْسا، وملأت البيتَ أقِطاً وحَيْسا‏.‏ اشترياها ابْنَيْ تِقْن، إنها الضأن تُجَزّ جفَالاَ، وتُنْتَج رِخَالا، وتحلب كثَباً ثِقالا‏.‏ فقالا‏:‏ لا نشريها يالُقْمَ، إنها الإبل حملْنَ فاتسقْنَ، وجرَيْنَ فأَعْنَقْنَ، وبغير ذلك أفلتن، يَغْزُرْن إذا قطن‏.‏ فلم يبيعاه الإبل ولم يشريا الغنم، فجعل لقمان يُدَاوِرهما، وكانا يَهَابانه، وكان يلتمس أن يغفلا فيشدّ على الإبل ويَطْرُدها، فلما كان ذاتَ يوم أصابا أرنباً وهو يَرْصُدهما رجاء أن يصيبهما فيذهب بالإبل، فأخذا صفيحة من الصَّفا، فجعلها أحدُهما في يده، ثم جعل عليهما كومةً من تراب قد أَحْمَيَاه فملاَّ الأرنب في ذلك التراب فلما أَنْضَجَاها نَفَضَا عنها التراب فأكلاها، فقال لقمان‏:‏ ياويله أنِيئةً أكلاها، أم الريح أَقْبَلاَها، أم بالشِّيح اشتَوَيَاها، ولما رآهما لقمان لا يغفلان عن إبلهما، ولم يجد فيهما مطمعاً لقيهما ومع كل واحد منهما جَفير مملوء نَبْلاً وليس معه غير نَبْلَين، فخدعهما فقال‏:‏ ما تصنعان بهذه النبل الكثيرة التي معكما‏؟‏ إنما هي حَطَب، فوالله ما أحمل معي غير نَبْلِين، فإن لم أُصِبْ بهما فلستُ بمصيب، فعمدا إلى نبلهما فنثَراها غير سهمين، فعمد إلى النبل فحواها، ولم يُصب لقمان منهما بعد ذلك غِرّة وكان فيما يذكرون لعمرو بن تِقْن امرأة فطلقها، ‏[‏ص 36‏]‏ فتزوجها لقمان، وكانت المرأة وهي عند لقمان تكثر أن تقول‏:‏ لافَتًى إلا عمرو، وكان ذلك يغَيظ لقمان، ويسوءه كثرة ذكرها، فقال لقمان‏:‏ لقد كثَرْتِ في عمرو، فوالله لأقتلنَّ عمراً، فقالت‏:‏ لا تفعل‏.‏ وكانت لابني تِقْن سمُرة يستظلاَّن بها حتى ترد إبلهما فيسقيانها، فصعدها لقمان، واتخذ فيها عُشٍّا رجاء أن يصيب من ابني تِقْن غِرَّة، فلما وردت الإبل تجرَّد عمرو وأَكَبَّ على البئر يستقي، فرماه لقمان من فوقه بسَهْم في ظهره، فقال‏:‏ حَسّ، إحدى حُظَيات لقمان، فذهب مثلا، ثم أَهْوَى إلى السهم فانتزعه، فوقع بصره على الشجرة، فإذا هو بلقمان، فقال‏:‏ انزل، فنزل، فقال‏:‏ اسْتَقِ بهذه الدلو فزعموا أن لقمان لما أراد أن يرفع الدلو حين امتلأت نَهَضَ نهضةً فضَرَط، فقال له عمرو‏:‏ أَضَرَطا آخِرَ اليوم وقد زال الظهر‏؟‏ فأرسلها مثلاً‏.‏ ثم إن عمراً أراد أن يقتل لقمان، فتبَّسم لقمان‏:‏ فقال عمرو‏:‏ أضَاحِك أَنْت‏؟‏ قال لقمان‏:‏ ما أَضْحَكُ إلا من نفسي، أما إني نُهِيتُ عما ترى‏!‏ فقال‏:‏ ومَنْ نهاك‏؟‏ قال‏:‏ فلانة، قال عمرو‏:‏ أَفَلِي عليك إن وَهَبْتُك لها أن تُعْلمها ذلك‏؟‏ قال‏:‏ نعم، فخلّى سبيله، فأتاها لقمان فقال‏:‏ لا فَتًى إلا عمرو، فقالت‏:‏ أقد لقيته‏؟‏ قال‏:‏ نعم لقيته فكان كذا وكذا ثم أَسَرَني فأراد قتلي ثم وَهَبني لك، قالت‏:‏ لا فَتًى إلا عمرو‏.‏

يضرب لمن عُرِف بالشر، فإذا جاءت هَنَةٌ من جنس أفعاله قيل‏:‏ إحْدَى حُظَيات لقمان أي أنه فَعْلَة من فَعَلاَته‏.‏

143- إنَّهُ لَيكْسِرُ عَلَّيَّ أرْعَاظَ النَّبْلِ غَضَباً

الرُّعْظ، مدخّلُ النصل في السهم، وإنما يكسره إذا كامته بكلام يغَيظه فيخط في الأرض بسهامه فيكسر أرعاظها من الغيظ قال قَتَادة اليَشْكُريّ يحذّر أهلَ العراق الحجاجَ‏:‏

حَذَارِ حَذَار الليثَ يحرق نابه * ويكسر أَرْعَاظاً عليك من الْحِقْدِ

يضرب للغضبان‏.‏

144- إنَّهُ لَيَحْرِقُ عَلَيَّ الأُرَّمُ

أي الأسنان، وأصله من الأَرْم وهو الأكل، وقال‏:‏

بذي فرقين يوم بنو حبيب * نيوبَهُمُ علينا يَحْرِقُونَا

ويروى ‏"‏هو يَعَضُّ على الأرَّمَ‏"‏ قال الأصمعي‏:‏ يعني أصابعه، وقال مؤرّج‏:‏ يقال في تفسيرها إنها الحصى، ويقال‏:‏ الأضراس، وهو أبعدها‏.‏ ‏[‏ص 37‏]‏

145- إنَّكَ خَيْرٌ مِنْ تَفَارِيقِ العَصا

قالوا‏:‏ هذا من قول غُنَيَّة الأعرابية لابنها وكان عَارِما كثيرَ التلفت إلى الناس مع ضعف أَسْرٍ ودقة عظم، فواثب يوماً فتى فقطع الفتى أنفه، فأخذت غُنيَة دِيةَ أنفه، فحَسُنت حالها بعد فقر مُدْقِع، ثم واثب آخر فقطع أذنه، فأخذت دِيَتَها، فزادت حُسْنَ حال، ثم واثب آخر فقطع شَفَته، فأخذت الدية، فلما رأت ما صار عندها من الإبل والغنم والمَتَاع، وذلك من كَسْب جوارح ابنها حَسُن رأيها فيه وذكرته في أرجوزتها فقالت‏:‏

أَحْلِفُ بالْمَرْوَةِ حَقَّاً وَالصَّفَا * أَنَّكَ خَيْرٌ مِنْ تَفَارِيقِ الْعَصَا

قيل لأعرابي‏:‏ ما تَفَاريق العصا‏؟‏ قال‏:‏ العصا تُقْطع ساَجورا، والسَّوَاجير تكون للكلاب وللأسْرَى من الناس، ثم تقطع عصا الساجور فتصير أوتاداً، ويفرق الوتد، فتصير كل قطعة شِظَاظا، فإن جعل لرأس الشِّظَاظ كالفَلَكة صار للبُخْتي مِهَارا، وهو العود الذي يدخل في أَنْفِ البُخْتى، وإذا فرق المِهار جاءت منه تَوَادٍ، وهي الخشبة التي تشد على خِلْفِ الناقة إذا صُرَّت، هذا إذا كانت عصاً، فإذا كانت قَنَاة فكل شَق منها قَوْس بندقٍ، فإذا فرقت الشقة صارت سهاماً، فإن فرقت السهام صارت حِظاء، فإن فرقت الحظاء صارت مغازل، فإن فرقت المغازل شَعَبَ به الشَّعَّابُ أقداحه المَصْدُوعَةَ وقِصَاعه المشقوقة على أنه لا يجد لها أصلح منها وأليق بها‏.‏

يضرب فيمن نَفْعُه أَعَمَّ من نفع غيره‏.‏

146- إنَّ العَصا قُرِعَتْ لِذِي الْحِلْم

قيل‏:‏ إن أول من قُرِعت له العصا عمرُو بن مالك بن ضُبَيْعة أخو سعدِ بن مالك الكِناني، وذلك أن سعداً أتى النعمانَ بن المنذر ومعه خيل له قادها، وأخرى عَرَّاها، فقيل له‏:‏ لم عَرّيت هذه وقُدْت هذه‏؟‏ قال‏:‏ لم أقد هذه لأمْنَعَهَا ولم أعر هذه لأهَبَهَا‏.‏ ثم دخل على النعمان، فسأله عن أرضه، فقال‏:‏ أما مَطَرها فغَزير، وأما نَبْتها فكثير، فقال له النعمان‏:‏ إنك لَقَوَّال، وإن شئت أتيتك بما تَعْيا عن جوابه، قال‏:‏ نعم، فأمر وَصيفاً له أن يَلْطِمَهُ، فلطَمه لَطْمة، فقال‏:‏ ما جواب هذه‏؟‏ قال‏:‏ سَفِيه مأمور، قال‏:‏ الْطِمْه أخرى، فلطمه، قال‏:‏ ما جوابُ هذه‏؟‏ قال‏:‏ لو أَخِذ بالأولى لم يعد للأخرى، وإنما أراد النعمان أن يتعدَّى سعد في المنطق فيقتله، قال‏:‏ الطمه ثالثة، فلطمه، قال‏:‏ ما جواب هذه‏؟‏ قال‏:‏ رَبٌّ يؤدب عبده، قال‏:‏ الْطِمْه ‏[‏ص 38‏]‏ أخرى، فلطمه، قال‏:‏ ما جواب هذه‏؟‏ قال‏:‏ مَلَكْتَ فأسْجِحْ، فأرسلها مثلاً، قال النعمان‏:‏ أصَبْتَ فامكُثْ عندي، وأعجبه ما رأى منه، فمكث عنده ما مكث‏.‏ ثم إنه بَدَا للنعمان أن يبعث رائداً، فبعث عمراً أخا سَعْد، فأبطأ عليه، فأغضبه ذلك فأقسم لئن جاء ذامّاً للكلأ أو حامداً له ليقتلنه، فقدم عمرو، وكان سعد عند الملك، فقال سعد‏:‏ أتأذن أن أُكلمه‏؟‏ قال‏:‏ إذَنْ يقطع لسانك، قال‏:‏ فأشير إليه‏؟‏ قال‏:‏ إذن تقطع يدك، قال‏:‏ فأقرع له العصا‏؟‏ قال‏:‏ فَاقْرَعْها، فتناول سعد عَصَا جليسِه وقَرَع بعصاه قرعةً واحدة، فعرف أنه يقول له‏:‏ مكانك، ثم قرع بالعصا ثلاث قرعات، ثم رفعها إلى السماء ومَسَح عَصَاه بالأرض، فعرف أنه يقول له‏:‏ لم أَجد جَدْباً، ثم قرع العصا مراراً ثم رفعها شيئاً وأومأ إلى الأرض، فعرف أنه يقول‏:‏ ولا نَبَاتاً، ثم قرع العصا قرعةً وأقبل نحو الملك، فعرف أنه يقول‏:‏ كَلِّمه، فأقبل عمرو حتى قام بين يدي الملك، فقال له‏:‏ أخْبِرْنِي هل حمدت خِصْباً أو ذممت جَدْبا‏؟‏ فقال عمرو‏:‏ لم أذمم هُزْلا، ولم أحمد بَقْلا، الأرضُ مُشْكِلة لا خِصْبُها يعرف، ولا جَدْبُها يوصف، رائدُها واقف، ومُنْكِرها عارف، وآمنُها خائف‏.‏ قال الملك‏:‏ أَوْلى لك، فقال سعد بن مالك يذكر قَرْع العصا‏:‏

قَرَعْتُ العَصَا حتى تبيَّنَ صاحِبِي * ولم تَكُ لولا ذاك في القوم تُقْرَعُ

فقال‏:‏ رأيتُ الأرضَ ليس بمُمْحِل * ولا سارح فيها على الرعْيِ يَشْبَعُ

سَوَاء فلا جَدْب فيعرفَ جَدْبُها * ولا صَابَهَا غَيْثٌ غَزير فتُمْرِعُ

فَنَجَّى بها حَوْباء نَفْسٍ كريمةٍ * وقد كاد لولا ذَاكَ فِيهِمْ تقطعُ

هذا قول بعضهم‏.‏ وقال آخرون في قولهم ‏"‏ إن العصا قرعت لذي الحلم‏"‏‏:‏ إن ذا الحلم هذا هو عامر بن الظَّرِبِ العَدْوَاني، وكان من حكماء العرب، لا تَعْدِل بفهمه فهماً ولا بحكمه حكماً، فلما طَعَنَ في السن أنكر من عقله شيئاً، فقال لبنيه‏:‏ إنه قد كبرَتْ سِنِّي وعرض لي سَهْو، فإذا رأيتموني خرجْتُ من كلامي وأخذت في غيره فاقرعوا لي المِجَنَّ بالعصا، وقيل‏:‏ كانت له جارية، يقال لها خصيلة، فقال لها‏:‏ إذا أنا خُولِطْتُ فاقرعي لي العصا، وأُتيَ عامر بِخُنْثَى ليحكم فيه، فلم يَدْر ما الحكم، فجعل ينحَر لهم ويُطعمهم ويدافعهم بالقضاء، فقالت خصيلة‏:‏ ما شأنك‏؟‏ قد أتلفْتَ مالك، فخبرها أنه لا يدري ما حكم الخنثى، فقالت‏:‏ أَتْبِعْهُ مَبَاله‏.‏ قال الشعبي‏:‏ فحدثني ابن عباس بها ‏[‏ص 39‏]‏ قال‏:‏ فلما جاء الله بالإسلام صارت سنة فيه‏.‏

وعامر هو الذي يقول‏:‏

أرى شَعَراتٍ على حاجِبَيّ * بيضاً نبتن جميعاً تُؤَامَا

ظَلْلتُ أهاهي بهنَّ الكلا * ب أَحْسَبُهُنَّ صِوَاراً قِياما

وأَحْسِبُ أَنْفِي إذا ما مَشَيْ * تُ شَخْصاً أمامي رآني فقاما

يقال‏:‏ إنه عاش ثلثمائة سنة، وعو الذي يقول‏:‏

تقول ابنتي لما رأتني كأنني * سَليمُ أَفَاعٍ ليلهُ غير مودع

وما الْمَوْتُ أفناني، ولكن تتابَعَتْ * على سِنُونَ مِنْ مَصيف ومَرْبَعِ

ثَلاَثُ مِئِينَ قد مَرَرْنَ كوامِلاً * وها أنا هذا أرتجي مَرّ أَرْبَعِ

فأصبحتُ مثلَ النَّسْر طارَتْ فراخُه * إذا رام تَطْياراً يقال له‏:‏ قَعِ

أُخَبِّر أَخْبَارَ القرونِ التي مَضَتْ * ولا بدَّ يوماً أن يُطَار بمَصْرَعِي

قال ابن الأعرابي‏:‏ أول من قرعت له العصا عامر بن الظَّرِب العَدْوَاني، وربيعة تقول‏:‏ بل هو قيس بن خالد بن ذي الجَدَّيْن وتميم تقول‏:‏ بل هو ربيعة بن مُخَاشِن أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم، واليمن تقول‏:‏ بل هو عمرو بن حُمَمَة الدوسيّ‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏ذكر المجد في ‏(‏ص ح ر‏)‏ أنها أخت لقمان، وتعقبوه، وذكر هو نفسه في ‏(‏ح ك م‏)‏ أنها بنت لقمان، وقد ذكر في الموضع الثاني حكام العرب، وزاد عمن ذكرهم المؤلف هنا فارجع إليه إن شئت‏)‏ وكانت حكام تميم في الجاهلية أَكْثَمُ بن صَيْفي، وحاجب بن زُرَارة، والأقْرَع بن حَابس، وربيعة بن مُخَاشن، وضَمْرة بن ضَمْرة، غير أن ضمرة حكم فأخذ رِشْوة فغَدَر‏.‏ وحُكام قَيْس‏:‏ عامر بن الظَّرِب، وغَيْلاَن بن سَلَمة الثقفي، وكانت له ثلاثة أيام‏:‏ يوم يحكم فيه بين الناس، ويوم ينشد فيه شعره، ويوم ينظر فيه إلى جماله، وجاء الإسلام وعنده عشر نسوة، فخيره النبي صلى الله عليه وسلم، فاختار أربعاً، فصارت سنة‏.‏ وحكام قريش‏:‏ عبدُ المطلب، وأبو طالب، والعاصي بن وائل‏.‏ وحكيمات العرب‏:‏ صُحْرُ بنت لقمان ‏(‏ذكر المجد في ‏(‏ص ح ر‏)‏ أنها أخت لقمان، وتعقبوه، وذكر هو نفسه في ‏(‏ح ك م‏)‏ أنها بنت لقمان، وقد ذكر في الموضع الثاني حكام العرب، وزاد عمن ذكرهم المؤلف هنا فارجع إليه إن شئت‏)‏، وهند بنت الْخُسّ، وجمعة بنت حابس، وابنة عامر بن الظَّرِبِ الذي يقال له ‏"‏ذو الحلم‏"‏ قال المتلمس يريده‏:‏

لِذِي الْحِلْم قبل اليوم ما تُقْرَعُ العصَا * وما عُلِّم الإنسان إلا لِيَعْلَمَا

والمثل يضرب لمن إذا نُبِّه انتبه‏.‏ ‏[‏ص 40‏]‏

147- أهْلُ القَتِيلِِ يَلُونَهُ

قال أبو عبيد‏:‏ يعني أنهم أشدُّ عنايةً بأمره من غيرهم‏.‏

148- أبَى قائِلُهَا إلاَّ تَيِمُاًّ

يروى ‏"‏تما‏"‏ بالرفع والنصب والخفض ‏(‏يريد أن تاء ‏"‏تما‏"‏ تحرك بالحركات الثلاث، وعبارته سقيمة‏)‏

والكسرُ أفصحُ، والهاء راجعة إلى الكلمة‏.‏

يضرب في تتابُع الناس على أمرٍ مختلَف فيه‏.‏

والمعنى‏:‏ مضى على قوله ولم يرجع عنه‏.‏

149 إنْ أرَدْت المُحَاجَزَة فَقَبْلَ الْمُنَاجَزَة‏.‏

المحاجزة‏:‏ الممانعة، وهو أن تمنعه عن نفسك ويمنعك عن نفسه، والمناجزة‏:‏ من النَّجْز وهو الفَنَاء، يقال‏:‏ نجز الشئ، أي فَنِيَ، فقيل للمقاتلة والمبارزة‏:‏ المناجزة، لأن كلا من القِرْنَيْنِ يريد أن يُفْنى صاحبه، وهذا المثل يروى عن أَكْثَمَ بن صَيْفّيٍ‏.‏ قال أبو عبيد‏:‏ معناه انْجُ بنفسك قبل لقاء مَنْ لا تقاومه‏.‏

150- أوَّلُ الْغَزْوِ أخْرَقُ

قال أبو عبيد‏:‏ يضرب في قلة التجارب كما قال الشاعر‏:‏

الحربُ أولَ ما تكون فَتِيَّةٌ * تَسْعَى بزينتها لكل جَهُولِ

حتَّى إذا اسْتَعَرَتْ وشَبَّ ضِرَامُهَا * عادت عَجُوزا غَيْرَ ذات حَلِيلِ

وصف الغزو بالخرق لخرق الناس فيه، كما قيل ‏"‏ليل نائم‏"‏ لنوم الناس فيه‏.‏

151- إنَّهُ نَسِيجُ وَحْدِهِ‏.‏

وذلك أن الثوب النفيس لا يُنْسَج على مِنْواله عدةُ أثوابٍ، قال ابن الأعرابي‏:‏ معنى ‏"‏نَسِيجَ وَحْدِهِ‏"‏ أنه واحد في معناه، ليس له فيه ثان، كأنه ثوب نُسج على حِدَته لم ينسج معه غيره، وكما يقال نسيج وحده يقال ‏"‏رَجُلُ وَحْدِهِ‏"‏ ويروى عن عائشة أنها ذكرت عمر رضي الله عنهما فقالت‏:‏ كان والله أحْوَذِيّاً، ويروى بالزاء، نَسِيجَ وَحْدِهِ قد أعدّ للأمور أقرانها، قال الراجز‏:‏

جاءت به مُعْتَجِراً بِبُرْدِهِ * سَفْوَاء تردى بنَسِيجِ وَحْدِهِ

152- إنّ الشِّرَاكَ قُدَّ مِنْ أدِيمِهِ‏.‏

يضرب للشيئين بينهما قُرْبٌ وشَبَه‏.‏

153- إنّمَا يُعَاتَبُ الأدِيمُ ذُو البَشَرةِ‏.‏

المعاتبة‏:‏ المعاودة، وبَشَرة الأديم‏:‏ ظاهره الذي عليه الشَّعَر، أي أن ما يُعاد إلى الدباغ من الأديم ما سلمت بشرته‏.‏ ‏[‏ص 41‏]‏

يضرب لمن فيه مُرَاجعة ومُسْتَعْتَب‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ كل ما كان في الأديم محتمل ما سلمت البشرة، فإذا نَغِلَتْ البشرةُ بطل الأديم‏.‏

154- إنّ بَيْنَهُمْ عَيْبَةً مَكْفُوفَةً‏.‏

العَيْبَة‏:‏ واحدة العِياب والعِيَبِ، وهي ما يجعل فيه الثياب‏.‏ وفي الحديث ‏"‏الأنصار كرشي وعَيْبَتي‏"‏ أي موضع سرى‏.‏ ومكفوفة‏:‏ مُشَرَّجَة مشدودة‏.‏ ومعنى المثل أن أسباب المودة بينهم لا سبيل إلى نقضها‏.‏

155- إذَا سَمِعْتَ بِسُرَى القَيْنِ فَاْعْلَمْ أنّهُ مُصَبِّحٌ‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ أصله أن القَيْنَ بالبادية يتنقل في مياههم، فيقيم بالموضع أياما، فيكسد عليه عمله، ثم يقول لأهل الماء‏:‏ إني راحِل عنكم الليلة، وإن لم يرد ذلك، ولكنه يُشيعه ليستعمله مَنْ يريد استعمالَه، فيكثر ذلك من قوله حتى صار لا يصدق‏.‏

يضرب للرجل يعرفه الناس بالكذب فلا يقبل قوله وإن كان صادقا، قال نَهْشَل ابن حَرِّيٍّ‏:‏

وعَهْدُ الغانياتِ كعَهْدِ قَيْنٍ * وَنَتْ عنه الْجَعائِلُ مستذاق

كبَرْقٍ لاح يُعْجِبُ مَنْ رآه * ولا يَشْفِي الْحَوَاثِمَ مِن لماق

حدث أبو عبيدة عن رؤبة قال‏:‏ لقي الفرزدقُ جريرا بدمشق، فقال‏:‏ يا أبا حَزْرة أراك تَمَرَّغ في طواحين الشأم بعد، فقال جرير‏:‏ أيهاه إذا سمعت بسُرَي القين فإنه مصبح، قال‏:‏ فعجبت كيف تأتَّي لهما، يعني لفظ التمرغ ولفظ القَيْن، وذلك أن الفرزدق كان يقول لجرير ‏"‏ابن المراغة‏"‏ وهو يقول للفرزدق ‏"‏ابن القَيْن‏"‏‏.‏

156- الأكْلُ سَلَجَانٌ والقَضَاءُ لَيَّانٌ‏.‏

السَّلْج‏:‏ البَلْع‏.‏ يقال‏:‏ سَلَجْتُ اللقمة أي بَلَعْتُهَا‏.‏ والليَّان‏:‏ المدافعة، وكذلك اللَّيُّ، ومنه ‏"‏ليُّ الوَاجِدِ ظلم‏"‏ ولم يجئ من المصادر شيء على فَعْلاَن بالتسكين إلا اللَّيَّان والشَّنْآن‏.‏

يضرب لمن يأخذ مال الناس فيسهل عليه، فإذا طولب بالقضاء دافع وصَعُبَ عليه، ومثلُه‏.‏

157- الأَخْذُ سُرَّيْطٌ والقَضَاءُ ضُرَّيْطٌ‏.‏

ويروى سُرَّيْطَي وضُرّيْطَي، والمعنى واحد، أي إذا أخذ المال سَرَطَ وإذا طولب أضرط بصاحبه‏.‏

158- آخِرُهَا أقَلُّهَا شُرْباً‏.‏

أصله في سَقْي الإبل‏.‏ يقول‏:‏ إن المتأخر عن الورود ربما جاء، وقد مضى ‏[‏ص 42‏]‏ الناس بِعِفْوَةِ الماء ‏(‏عفوة كل شيء‏:‏ صفوته‏)‏ وربما وافق منه نفادا، فكن في أول من يُورد، فليس تأخير الورد إلا من العجز والذل، قال النجاشيّ أحَدُ بني الحارث بن كعب يذم قوماً‏:‏

ولا يَردُونَ الماء إلا عشيةً * إذا صَدَرَ الوُرَّادُ عن كل مَنْهلِ

159- أكَلَ عَلَيْه الدَّهْرُ وَشَرِبَ‏.‏

يضرب لمن طال عمره، يريدون أكلَ وشرب دهرا طويلا، وقال‏:‏

كم رأينا من أناسٍ قَبْلَنَا * شربَ الدهْرُ عَلَيْهِمْ وأَكَلْ

160- أبَى الْحَقِينُ العِذْرَةَ‏.‏

الحقين‏:‏ اللبن المَحْقُون، والعِذْرة‏:‏ العُذْر‏.‏ قال أبو زيد‏:‏ أصله أن رجلا ضاف قوما فاستسقاهم لبنا وعندهم لبن قد حَقَنوه في وَطْب، فاعتلّوه عليه واعتذروا، فقال‏:‏ أبى الحقين قبول العذر، أي إنه يُكَذّبهم‏.‏

161- أتَاكَ رَيَّانَ بِلَبَنِهِ‏.‏

يضرب لمن يعطيك ما فضل منه استغناء، لا كرما، لكثرة ما عنده‏.‏

162- أثَرُ الصِّرَارِ يَأْتِي دُونَ الذِّيَارِ‏.‏

الصِّرار‏:‏ خيط يُشَدّ فوق الْخِلْف والتودية لئلا يرضع الفصيل، والذِّيار‏:‏ بعر رَطْب يلطخ به أطْبَاء الناقة لئلا يرتضعها الفصيل أيضا، فإذا جعل الذِّيار على الْخَلْف ثم شدّ عليه الصِّرار فربما قطع الْخَلْف‏.‏

يضرب هذا في موضع قولهم ‏"‏بلغ الْحِزاُم الطُّبْيَيْنِ‏"‏ يعني تجاوز الأمر حدّه‏.‏

163- أنَا مِنْهُ كَحَاقِنِ الإِهَالَةِ‏.‏

يقال للشحم والوَدَك المُذَاب‏:‏ الإهالة، وليس يحقنها إلا الحاذق بها، يحقنها حتى يعلم أنها قد بَرَدَتْ لئلا تحرق السقاء‏.‏ يضرب للحاذق بالأمر‏.‏

164- إنَّهُ لَيَعْلَمُ مِنْ أيْنَ تُؤْكَلُ الكَتِفُ‏.‏

ويروى ‏"‏من حيث تؤكل الكتف‏"‏ يضرب للرجل الداهي‏.‏

قال بعضهم‏:‏ تؤكل الكتف من أسفلها، ومن أعلى يشق عليك، ويقولون‏:‏ تجرى المَرَقَة بين لحم الكتف والعظم، فإذا أخذتها من أعلى جَرَت عليك المرقة وانصبَّتْ، وإذا أخذتها من أسفلها انْقَشَرَتْ عن عظمها وبقيت المرقة مكَانَها ثابِتَةً‏.‏

165- آكُلُ لَحْمِي وَلاَ أدَعُهُ لآكِلٍ‏.‏

أول من قال ذلك العَيَّار بن عبد الله الضبيّ ثم أحد بني السِّيد بن مالك بن بكر بن سَعْد بن ضبة، وكان من حديثه فيما ذكر المفضل أن العَيَّار وفَد هو وحُبَيْش ‏[‏ص -43‏]‏ ابن دُلَف وضِرَار بن عَمْرو الضَّبّيَّان على النعمان، فأكرمهم وأجرى عليهم نُزُلاً، وكان العيار رجلا بطالا يقول الشعر ويضحك الملوك، وكان قد قال‏:‏

لا أذْبَحُ النازيَ الشَّبوب ولا * أسْلَخُ يومَ المُقَامة العُنُقَا

وكان منزلهم واحدا، وكان النعمان باديا فأرسل إليهم بجُزُرٍ فيهن تيس فأكلوهن غير التيس فقال ضِرار للعَيَّار وهو أحدثهم سنا‏:‏ إنه ليس عندنا من يسلخ هذا التيس فلو ذبحته ‏[‏وسلخته‏]‏ وكفيتنا ذلك، قال العيار‏:‏ ما أبالي أن أفعل، فذبح التيس وسَلَخه، فانطلق ضِرار إلى النعمان فقال‏:‏ أبيت اللعن‏!‏ إن العيار يسلخ تيسا، قال‏:‏ أبعد ما قال‏؟‏ قال‏:‏ نعم، فأرسل إليه النعمان فوجَده الرسولُ يسلخ تيسا فأتى به، فقال له‏:‏ أين قولك*لا أذبح النازي الشبوب*‏؟‏ وأنشده البيت، فخجِل العَيَّار، وضحك النعمان منه ساعة، وعَرَف العيار أن ضِرارا هو الذي أخبر النعمان بما صنع، وكان النعمان يجلس بالهاجرة في ظل سُرَادقه، وكان كسا ضرار حلةً من حُلَله، وكان ضرار شيخا أعرج بادنا كثير اللحم، قال‏:‏ فسكت العيار حتى كانت ساعة النعمان التي يجلس فيها في ‏[‏ظل‏]‏ سُرَادقه ويؤتى بطعامه عمد العيار إلى حُلَّة ضرار فلبسها، ثم خرج يتعارج حتى إذا كان بحيال النعمان كشف عنه فخرئ، فقال النعمان‏:‏ ما الضرار قاتله الله لا يَهَابُني عند طعامي‏؟‏ فغضب على ضرار، فخلف ضرار ما فعل، قال‏:‏ ولكني أرى أن العَيَّار فعل هذا من أجل أني ذكرت سَلْخه التيسَ، فوقع بينهما كلام حتى تشاتما عند النعمان، فلما كان بعد ذلك ووقع بين ضرار وبين أبي مَرْحَبٍ أخي بني يَرْبُوع ما وقع تناول أبو مَرْحَب ضرارا عند النعمان والعيار شاهد، فشتم العيار أبا مرحب وزجَره فقال النعمان‏:‏ أتشتم أبا مَرْحَب في ضرار وقد سمعتك تقول له شرا مما قال له أبو مرحب‏؟‏ فقال العيار‏:‏ أبيت اللعن وأسعدك إلهك، آكل لحمي ولا أدعه لآكل، فأرسلها مثلا، فقال النعمان‏:‏ لا يملك مَوْلىً لمولى نصرا، فأرسلها مثلا‏.‏

166- إنَّ أخِي كانَ مَلِكي‏.‏

قال أبو عمرو‏:‏ إن أبا حَنَش التغلبي لما أدْرَكَ شَرَحْبيل عمّ امرئ القيس، وكان شَرَحْبيل قتل أخا أبي حَنَش قال‏:‏ يا أبا حَنَش اللَّبَن اللَّبَن، أي خُذْ مني الديَةَ، فقال له أبو حنش‏:‏ هَرَقْتَ لبناً كثيراً، أي قتلت أخي، فقال له شرحبيل‏:‏ أمَلِكاً بسُوقة‏؟‏ أي أتقتلُ ملكا بدل سوقة، فقال أبو حنش‏:‏ إن أخي كان مَلِكِي‏.‏ ‏[‏ص 44‏]‏

167- إنّهُ لأَشْبَهُ بِهِ مِنَ التَّمْرَةِ بالتَّمْرَةِ‏.‏

يضرب في قرب الشبه بين الشيئين‏.‏

168- إنَّ الْحَبِيبَ إلَى الإِخْوَانِ ذُو المَالِ‏.‏

يضرب في حفظ المال والإشفاق عليه‏.‏

169- إنَّ في الْمَرْنَعَةِ لِكُلِّ كَرِيمٍ مَنْفَعَة‏.‏

المرنعة‏:‏ الخِصْب‏.‏ والمنفعة‏:‏ الغنى والفَضْل، ويروى ‏"‏مقنعة‏"‏ من القَنَاعة، وبالفاء من قولهم ‏"‏مَنْ قَنَع فَنَع‏"‏ أي استغنى، ومنه قوله‏:‏

أظِلّ بيتيَ أم حَسْنَاء نَاعِمَةً * حَسَدْتَنِي أم عَطَاء اللّه ذَا الْفَنَعِ

170- إِذَا طَلَبْتَ الْباطِلَ أُبْدِعَ بِكَ‏.‏

يقال‏:‏ أُبْدِعَ بالرجل، إذا حَسَرَ عليه ظهره، أو قام به، أو عطبت راحلته، وفي الحديث ‏"‏ إني أُبْدِِعَ بي فَاحْمِلْنِي‏"‏‏.‏

ومعنى المثل إذا طلبت الباطل لم تَظْفَر بمطلوبك وانقطع بك عن الغرض، ويروى ‏"‏أنجح بك‏"‏ أي صار الباطل ذا نجح بك، ومعناه أن الباطل يعطي الأعداء منك مُرَادهم، وفي هذا نهي عن طلب الباطل‏.‏

171- إِذَا نَزَا بِكَ الشَّرُّ فَاقْعُدْ بِه‏.‏

يضرب لمن يؤمر بالحلم وترك التسرّع إلى الشرّ‏.‏ ويروى ‏"‏ إذا قام بك الشر فاقعد‏"‏‏.‏

172- إيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ‏.‏

أي لا ترتكب أمراً تحتاج فيه إلى الاعتذار منه‏.‏

173- إذَا زَلّ العَالِمُ زَلَّ بِزَلَّتِهِ عَالَمٌ‏.‏

لأن للعالم تبعاً فهم به يقتدون، قال الشاعر‏:‏

إن الفقيه إذا غَوَى وأطاعه * قومٌ غَوَوْا معه فَضَاع وَضَيَّعَا

مثل السفينة إن هَوَتْ في لجة * تَغْرَقْ ويَغْرَقْ كُلُّ ما فيها مَعَا

174- أَنْتَ أعْلَمُ أَمْ مَنْ غُصَّ بِها‏.‏

الهاء للقمة‏.‏ يضرب لمن جرّب الأمور وعَرَفها‏.‏

175 إنَّهُ لَدَاهِيَةُ الغَبَرِ‏.‏

قال الكذاب الحِرْمَازِيّ‏:‏

أنْتَ لها مُنْذِرُ مِنْ بيْنِ البَشَرْ * داهية الدَّهْر وَصَمَّاء الغَبَرْ

أنْتَ لها إذا عَجَزَتْ عَنْهَا مُضَرْ‏.‏

قالوا‏:‏ الغَبَر الداهية العظيمة التي لا يهتدى لها، قلت‏:‏ وسمعت أن الغَبَر عينُ ماء بعينه تألَفُها الحيَّاتُ العظيمة المنكرة، ولذلك قال الحرمازيّ ‏"‏وصماء الغَبَرْ‏"‏ أضاف ‏[‏ص 45‏]‏ الصماء إلى الغَبَر المعروفة، وأصل الغبر الفساد، ومنه العِرْقُ الغَبِر، وهو الذي لا يزال ينتقض، فصماء الغبر بلية لا تكاد تنقضي وتذهب كالعرق الغبر‏.‏

176- إلاَّ دَهٍ فَلاَ دَهٍ‏.‏

روى ابن الأعرابي ‏"‏ إلاَّ دَهْ فلا دَهْ‏"‏ ساكن الهاء، ويروى أيضاً ‏"‏إلا دِهِ فلا دِهِ‏"‏ أي إن لم تعط الاثنين لا تعط العشرة، قال أبو عبيد‏:‏ يضربه الرجل يقول أريد كذا وكذا، فإن قيل له‏:‏ ليس يمكن ذا، قال‏:‏ فكذا وكذا، وقال الأصمعيّ‏:‏ معناه إن لم يكن هذا الآن فلا يكون بعد الآن، وقال‏:‏ لا أدري ما أصله، قال رؤبة *وَقُوّل إلاَّ دَهِ فَلا دَهِ* قال المنذري‏:‏ قالوا معناه إلا هذه فلا هذه، يعني أن الأصل إلا ذه فلا ذه - بالذال المعجمة - فعربت بالدال غير المعجمة، كما قالوا‏:‏ يَهُوذا، ثم عرب فقيل‏:‏ يَهُودا، وقيل‏:‏ أصله إلا دهي أي إن لم تضرب، فأدخل التنوين فسقط الياء، قال رؤبة‏:‏

فاليومَ قد نَهْنَهَنِي مُنَهْنِهِي * وَأَوْلُ حِلْمٍ لَيْسَ بِالْمُسَفَّهِ

وَقُوَّلٌ إلاَّ دهِ فَلاَ ده * وحَقَّةٌ لَيْسَتْ بقول التُّرَّهِ

يقول‏:‏ زَجَرني زواجر العقل ورجوعُ حلم ليس يُنْسب إلى السَّفَه وقُوّل، أي ورجوع قُوَّل يقلن‏:‏ إن لم تتب الآن مع هذه الدواعي لا تَتُبْ أبداً وقَوْلة حَقَّة، أي وقَالَة حقة، يقال‏:‏ حَقٌّ وحَقة كما يقال‏:‏ أهْلٌ وأهْلَة، يريد الموتَ وقربه‏.‏

روى هشام بن محمد الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن عَقيل عن أبي طالب قال‏:‏ كان عبد المطلب بن هاشم نديماً لحرْبِ بن أمَيَّة حتى تنافَرَا إلى نُفَيل بن عبد العُزَّى جدّ عمر بن الخطاب، فأنفر عبدَ المطلب فتفرقا، ومات عبد المطلب وهو ابن عشرين ومائة سنة، ومات قبل الفِجَار في الحرب التي بين هَوَضازن، ويقال‏:‏ بل تَنَافرا إلى غزى سلمة الكاهن، قالوا‏:‏ كان لعبد المطلب ماء بالطائف يقال له ذو الهرم، فجاء الثَّقَفِيُّون فاحتفروه، فخاصمهم عبد المطلب إلى غزىّ أو إلى نُفَيْل فخرج عبد المطلب مع ابنه الحارث، وليس له يومئذ غيره، وخرج الثقفيون مع صاحبهم، وحَرْبُ بن أمية معهم على عبد المطلب، فنفِدَ ماءُ عبد المطلب، فطلب إليهم أن يَسْقوه فأبوا، فبلغ العَطَشُ منه كل مبلغ، وأشرف على الهلاك، فبينا عند المطلب يثُير بَعيره ليركب إذ فَجَّرَ الله له عَيْناً من تحت جِرَانِه، فحمِدَ الله، وعلم أن ذلك منه، فشرب وشرب أصحابه رِيَّهُمْ، وتزوَّدُوا منه حاجتهم، ونَفِدَ ماء الثقفيين ‏[‏ص 46‏]‏ فطلبوا إلى عبد المطلب أن يَسْقيهم، فأنعم عليهم، فقال له ابنه الحارث‏:‏ لأنحيَنّ على سيفي حتى يخرج من ظهري، فقال عبد المطلب‏:‏ لأسقينَّهم فلا تفعل ذلك بنفسك، فسقاهم، ثم انطلقوا حتى أتوا الكاهن وقد خَبَؤُا له رأسَ جرادة في خَرَزَة مَزَادة، وجعلوه في قِلادة كلبٍ لهم يقال له سَوّار، فلما أتوا الكاهنَ إذا هم ببقرتين تَسُوقان بينهما بَخْرَجاً ‏(‏البخرج - بزنة جعفر - ولد البقرة‏)‏ كلتاهما تزعم أنه ولدها، ولدتا في ليلة واحدة فأكل النمر أحد البَخْرَجَيْنِ، فهما تَرْأمان الباقي، فلما وقَفَتَا بين يديه قال الكاهن‏:‏ هل تدرون ما تريد هاتان البقرتان‏؟‏ قالوا‏:‏ لا، قال الكاهن‏:‏ ذهَبَ به ذو جسد أربد، وشدق مرمع، وناب معلق، ما للصغرى في ولد الكبرى حق، فقضى به للكبرى، ثم قال‏:‏ ما حاجتكم‏؟‏ قالوا‏:‏ قد خَبأْنا لك خَبْأً فأنبئنا عنه ثم نخبرك بحاجتنا، قال‏:‏ خبأتم لي شيئاً طار فَسطَع، فتصوَّب فوقع، في الأرض منه بُقَع، فقالوا‏:‏ لاده، أي بينه، قال‏:‏ هو شيء طار فاستطار، ذو ذَنَب جرار، وساق كالمنشار، ورأس كالمسمار، فقالوا‏:‏ لاده، قال‏:‏ إن لاده فلا ده، هو رأس جرادة، في خرز مَزَادة، في عنق سوّار ذي القلادة، قالوا‏:‏ صدقت فأخبرنا فيما اختصمنا إليك فأخبرهم، وانتسبوا له، فقضى بينهم ورجعوا إلى منازلهم على حكمه‏.‏

177 إِذا كانَ لَكَ أَكْثَرِي فَتَجافَ ليِ عَنْ أَيْسَرِي‏.‏

يضرب للذي فيه أخلاق تُسْتَحْسن وتَبْدُر منه أحياناً سَقْطة‏:‏ أي احتمل من الصديق الذي تحمده في كثير من الأمور سيئةً يأتي بها في الأوقات مرة واحدة‏.‏

178- أَنا غَرِيرُك مِنْ هذَا الأمْرِ‏.‏

أي أنا عالم به فاغْتَرَّنِي، أي سَلْنِي عنه على غرة أخبرك به من غير استعداد له، وقال الأصمعي‏:‏ معناه أنك لست بمغرور من جهتي، لكن أنا المغرور، وذلك أنه بلغني خبر كان باطلاً فأخبرتك به، ولم يكن ذاك على ما قلت لك‏.‏

179- أَنا مِنْهُ فالِجُ بْنُ خَلاَوَةَ‏.‏

أي أنا منه بريء، وذلك أن فالج بن خلاوة الأشجعي قيل له يوم الرقم لما قتل أنيس الأسْرَى‏:‏ أتنصر أنيساً‏؟‏ فقال‏:‏ أنا منه بريء، فصار مثلا لكل مَنْ كان بمعزِلٍ عن أمر، وإن كان في الأصل اسْماً لذلك الرجل‏.‏ ‏[‏ص 47‏]‏

180- أَنْتَ تَئِقٌ، وَأَنا مَئِقٌ، فَمَتَى نَتَّفِقُ‏؟‏

قال أبو عبيد‏:‏ التَّئِقُ السريعُ إلى الشر، والمئِق‏:‏ السريعُ إلى البكاء، وقال الأصمعي‏:‏ هو الحديد يعني التئق، قال الشاعر يصف كلباً‏:‏

أصْمَع الكَعْبين مَهْضُوم الْحَشَا * سرطم اللَّحْيَيْن معاج تَئِقْ

والمَأَق بالتحريك‏:‏ شبيه الفُوَاق يأخذ الإنسان عند البكاء والنَّشِيج، كأنه نَفَس يقلعه من صدره‏:‏ وقد مَئِقَ مأقا‏.‏ والتَّأق‏:‏ الامتلاء من الغضب‏.‏ يضرب للمختلفين أخلاقا‏.‏

181- إِنَّهُ لَنَكِدُ الْحَظِيرَةِ‏.‏

النَّكَد‏:‏ قلة الخير، يقال‏:‏ نَكِدَتِ الركيَّة، إذا قل ماؤها، وجمع النكِدِ أنكاد ونكد قال الكميت‏.‏

نزلت به أنف الربيـ * ع ‏(‏الربيع‏)‏ وزايلت نُكْدَ الحظائر

قال أبو عبيد‏:‏ أراه سمى أمواله حَظِيرة لأنه حَظَرها عنده ومَنَعها، فهي فَعيلة بمعنى مَفْعُولة‏.‏

182- أنْتَ مَرَّةً عَيْش، وَمَرَّةً جَيْش‏.‏

أي أنت ذو عيش مرة وذو جيش أخرى، قال ابن الأعرابي‏:‏ أصله أن يكون الرجل مرة في عيش رَخِيّ ومرة في شِدَّة‏.‏

183- إنْ لَمْ يَكُنْ شَحْمٌ فَنَفَشٌ‏.‏

النَّفَشُ‏:‏ الصوف، قاله ابن الأعرابي، يعني إن لم يكن فعل فرياء، وقال غيره‏:‏ النفَش القليل من اللبن‏.‏

يضرب عند التَّبَلُّغِ باليسير‏.‏

184- آهَةً وَمَيهَة‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ الآهة التأوّه والتوجع، قال المُثَقَّبُ العَبْدِيُّ‏:‏

إذَا ما قُمْتُ أَرْحَلُهَا بِلَيْلٍ * تأوَّهُ آهَةَ الرَّجُلِ الْحَزِينِ

وقال بعضهم‏:‏ الآهة الحَصْبَة‏.‏ والميَهة‏:‏ الجدَرِي، يعني جُدَرِيَّ الغنم‏.‏ قال الفراء‏:‏ هي الأمِيهة أسقطت همزتها لكثرة الاستعمال، كما أسقطوا همزة هو خَيْرٌ مني وشَرٌ مني، وكان الأصل أخْيَر وأشَرُّ‏.‏ ويقال من ذلك‏:‏ أُمِهَت الغنم فهي مَأمُوهة‏.‏ وقال غيره‏:‏

مِيهة وأمِيهة واحد، قال الشاعر‏:‏

طَبيخ نُحَاز أو طبيخ أمِيَهة * صَغِير العِظام سَيِّء الْقِشْمِ أمْلَط ‏(‏النحاز - بالضم - داء يصيب الإبل‏.‏ والأميهة‏:‏ جدري الغنم كما قال المؤلف‏.‏ والقشم بالكسر - الجسد‏.‏ والأملط‏:‏ الذي ليس على جسده شعر‏)‏ ‏[‏ص 48‏]‏

185- إلَيْكَ يُسَاقُ الْحَدِيثُ‏.‏

زعموا أن رجلا أتى امرأةً يخطُبها، فأنعظ وهي تكلمه، فجعل كُلَّما كلمتْهُ ازداد إنعاظا، وجعل يستحي ممن حضرها من أهلها، فوضع يده على ذكره وقال‏:‏ إلَيْكَ يُسَاقُ الحديثُ، فأرسلها مثلا‏.‏ وقال ابن الكلبي‏:‏ جَمَع عامر بن صَعْصَعَة بنيه ليُوصِيَهم عند موته، فمكث طويلاً لا يتكلم، فاستحثهُ بعضهم، فقال له‏:‏ إليك يساق الحديث‏.‏

186- أنَا النذَّيِرُ الْعُرْيانُ‏.‏

قال ابن الكلبي‏:‏ من حديث النذير العريان أن أبا دُوَاد الشاعرَ كان جاراً للْمُنْذر ابن ماء السماء، وأن أبا دُوَاد نازَع رجلا بالحِيرة من بَهْراء يقال له رقبة بن عامر، فقال له رقبة‏:‏ صالحني وحالفني، قال أبو داود‏:‏ فمن أين تعيش أبا داود‏؟‏ فواللّه لولا ما تصيب من بَهْرَاء لهلكت، ثم افترقا على تلك الحالة، وإن أبا دُوَاد أخرج بَنِينَ له ثلاثةً في تجارة إلى الشام، فبلغ ذلك رقبة، فبعث إلى قومه فأخبرهم بما قال له أبو دُوَاد عند المنذر، وأخبرهم أن القوم وَلَدُ أبي دُوَاد، فخرجوا إلى الشام فقتلوهم وبعثوا برءوسهم إلى رقبة، فلما أتته الرءوس صنَع طعاماً كثيراً، ثم أتى المنذر فقال له‏:‏ قد اصطنعت لك طعاماً فأنا أحب أن تَتَغَدّى، فأتاه المنذر وأبو دُوَاد معه، فبينا الجِفان تُرْفَع وتوضع إذ جاءت جَفْنة عليها أحد رؤس بني أبي دُوَاد، فقال أبو داود‏:‏ أبَيْتَ اللَّعْنَ إني جارُكَ وقد ترى ما صنع بي، وكان رقبة جارا للمنذر، قال فوقعَ المنذر منهما في سوأة، وأمر برقبة فحبس، وقال لأبي دُوَاد‏:‏ ما يرضيك‏؟‏ قال‏:‏ أن تبعث بكتيبتيك الشَّهْباء والدَّوْسَر إليهم، فقال له المنذر‏:‏ قد فعلْتُ، فوجَّه إليهم الكتيبتين، قال‏:‏ فلما رأى ذلك رقبة مِنْ صُنْع المنذر قال لامرأته‏:‏ الْحَقِي بقومك فأنذريهم، فعمدت إلى بعض إبل البَهْرَاني فركبته ثم خرجت حتى أتت قومها فعرّفت، ثم قالت‏:‏ أنا النَّذِيرُ العُرْيَان، فأرسلتها مثلا، وعرف القومُ ما تريد، فَصَعدوا إلى علياء الشام، وأفبلت الكتيبتان فلم تصيبا منهم أحدا، فقال المنذر لأبي دواد‏:‏ قد رأيتَ ما كان منهم، أفيُسْكِتك عني أن أعطيك بكل رأس مائتي بعير‏؟‏ قال‏:‏ نعم، فأعطاه ذلك، وفيه يقول قيس بن زهير العبسي‏:‏

سأفْعَلُ مَا َبَدا لِيَ ثُمَّ آوِي * إلى جارٍ كَجَارِ أبِي دُوَاد

وقال غيره‏:‏ إنما قالوا ‏"‏النذير العريان‏"‏ لأن الرجل إذا رأى الغارة قد فَجَأتْهم وأراد إنذار قومه تجرَّد من ثيابه وأشار بها ليعلم أنه ‏[‏ص 49‏]‏ قد فجأهم أمر، ثم صار مثلاً لكل أمر تُخَاف مفاجأته، ولكل أمر لا شبهة فيه‏.‏

187- إِيَّاكِ أعْنِي وَأسْمَعِي يَا جَارَهْ‏.‏

أول من قال ذلك سَهْل بن مالك الفَزَاري، وذلك أنه خرج يريد النعمان، فمر ببعض أحياء طيء، فسأل عن سيد الحي، فقيل له‏:‏ حارثة بن لأم، فأمَّ رَحْلَه فلم يُصِبْه شاهدا فقالت له أخته‏:‏ انْزِلْ في الرَّحْب والسَّعَة، فنزل فأكرمته ولاطفته، ثم خرجت من خِبائها فرأى أجْمَلَ أهل دهرها وأكملهم، وكانت عَقِيلَةَ قومِها وسيدة نسائها، فرقع في نفسه منها شيء، فجعل لا يَدْرِي كيف يرسل إليها ولا ما يوافقها من ذلك، فجلس بِفناء الخِباء يوماً وهي تسمع كلامه، فجعل ينشد ويقول‏:‏

يَا أخْتَ خَيْرِ الْبَدْوِ وَالْحَضَارَهْ * كَيْفَ تَرَيْنَ فِي فَتَى فَزَارَهْ

أصْبَحَ يَهْوَى حُرَّةً مِعْطَارَهْ * إيَّاكِ أعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَهْ

فلما سمعت قوله عرفت أنه إياها يعني، فقالت‏:‏ ماذا بِقَوْلِ ذي عقل أريب، ولا رأيٍ مصيب، ولا أنف نجيب، فأقِمْ ما أقَمْتَ مكرَّما ثم ارْتَحِلْ متى شئت مسلماً، ويقال أجابته نظماً فقالت‏:‏

إنِّي أقُولُ يَا فَتَى فَزَارَهْ * لاَ أبْتَغِي الزَّوْجَ وَلاَ الدَّعَارَهْ

وَلاَ فِرَاقَ أَهْلِ هذِي الْجَارَهْ * فَارْحَلْ إلىَ أهْلِكَ بِاسْتِخَارَهْ

فاسْتَحْيا لفتى وقال‏:‏ ما أردتُ منكرا واسوأتاه، قالت‏:‏ صدقْتَ، فكأنها اسْتَحْيَتْ من تسرُّعها إلى تُهمَته، فارتحل، فأتى النعمان فَحَبَاه وأكرمه، فلما رجع نزل على أخيها، فبينا هو مقيم عندهم تطلَّعت إليه نفسُها، وكان جميلا، فأرسلت إليه أنِ اخْطُبني إن كان لك إليَّ حاجة يوما من الدهر فإني سريعة إلى ما تريد، فخطبها وتزوجها وسار بها إلى قومه‏.‏

يضرب لمن يتكلم بكلام ويريد به شيئاً غيره‏.‏

188- أبِي يَغْزو، وأُمِّي تُحَدِّثُ‏.‏

قال ابن الأعرابي‏:‏ ذكروا أن رجلا قدِم من غَزَاة، فأتاه جيرانُه يسألونه عن الخبر، فجعلت امرأته تقول‏:‏ قَتَل من القوم كذا، وهَزَم كذا، وجُرِح فلان، فقال ابنها متعجبا‏:‏ أبي يغزو وأُمي تحدث‏.‏

189- إنّمَا هُمْ أكَلَةُ رَأْسٍ‏.‏

يضرب مثلا للقوم يَقِلّ عددهم‏.‏

190- أُكْلَةُ الشّيْطَانِ‏.‏

قالوا‏:‏ هي حَيَّةٌ كانت في الجاهلية ‏[‏ص 50‏]‏ لا يقوم لها شيء، وكان يأتي بيتَ اللّه الحرامَ في كل حين فيضرب بنفسه الأرضَ فلا يمرُّ به شيء إلا أهلكه، فضُرب به المثل في كل شيء ذهب فلم يوجد له أثر‏.‏ وأما قولهم ‏"‏إنما هو شَيْطان من الشياطين‏"‏ فإنما يُرَاد به النشاط والقوة والبَطَر‏.‏

191- إلَيْكَ أُنْزِلَتِ الْقِدْرُ بِأحْنائِهَا ‏.‏

أي‏:‏ جوانبها‏.‏ هذا مثلُ قولهم ‏"‏إليك يُسَاق الحديث‏"‏ ‏(‏مضى برقم 187‏)‏

192- الأمْرُ يَعْرِضُ دُونَهُ الأمْرُ‏.‏

ويورى ‏"‏يحدث‏"‏‏.‏ يضرب في ظُهُور العَوَائق‏.‏

193- إحْدَى عَشِيَّاتِكِ مِنْ نَوْكَى قَطَنٍ‏.‏

النَّوْكى‏:‏ جمع أنْوَكَ، وقَطَن‏:‏ هو قَطَنُ ابن نَهْشَلْ بن دارم النَّهْشَلي، وحَمْقَاهم أشدُّ حُمْقاً من غيرهم، ولعل إبل هذا القائل لقيَتْ منهم شرا فضرب بهم المثل، وهذا مثل قولهم ‏"‏إحدى لياليك من ابن الحرّ‏"‏ ‏(‏مضى برقم 119‏)‏ ‏"‏ و ‏"‏إحدى لياليك فَهِيسِي‏"‏‏(‏مضى في رقم 119- أيضا‏)‏

194- أحَدَ حِمارَيْكِ فَازْجُرِي‏.‏

أصْلُه في خطاب امرأة‏.‏ يضرب لمن يتكلف ما لا يَعْنيه‏.‏

195- إحْدَى عَشِيَّاتِكَ مِنْ سَقْىِ الإِبِلِ‏.‏

يضرب للمُتْعَب في عمل‏.‏

196- أخَذُوا في وَادِي تُوُلِّهَ‏.‏

من الوَلَه، وهو مثل تُضُلِّل - بضم التاء والضاد وكسر اللام - في وزنه ومعناه، والوَلَه‏:‏ التحير‏.‏ يضرب لمن وقع فيما لا يهتدي للخروج منه ‏.‏

197- أخُوكَ أمِ الذِّئْبُ‏.‏

أي‏:‏ هذا الذي تَرَاه أخوك أم الذئب، يعني أن أخاك الذي تختاره مثل الذئب فلا تأمنه‏.‏ يضرب في موضع التَّمَارِي والشك‏.‏

198- أدَّى قِدْراً مُسْتَعِيرُهَا‏.‏

يضرب لمن يعطي ما يلزمه من الحق‏.‏

199- إذَا كَوَيْتَ فَأنْضِجْ وإذا مَضَغْتَ فَادْقِقْ‏.‏

يضرب في الحثِّ على إحكام الأمر‏.‏

200- إنَّكَ لَتُمَدُّ بِسُرْمِ كرِيمٍ‏.‏

ويروى ‏"‏بشلو كريم‏"‏ وأصله أن رجلاً ‏[‏ص 51‏]‏ امتنع من الأكل أنَفَةً من الاستفراغ حتى ضعف، فافترسه الذئب وجعل يأكله وهو يقول هذا القول حتى هلك‏.‏ يضرب لمن يفتخر بما لا افتخار به‏.‏

201- إنَّكَ ما وَخَيْراً‏.‏

‏"‏ما‏"‏ زائدة، ونصب ‏"‏خيرا‏"‏ على تقدير إنك وخيرا مجموعان أو مقترنان‏.‏

يضرب في موضع البشارة بالخير وقُرْب نَيْل المطلوب‏.‏

202- إن الهَوَى يَقْطَعُ العَقَبَةَ ‏.‏

أي‏:‏ يحمل على تحمُّل المشقَّة، وهو كقولهم ‏"‏إن الهَوَى ليميلُ‏"‏‏.‏

203- إنَّ في مِضُِّ َلسِيما‏.‏

ويروى ‏"‏لمَطْمعاً‏"‏‏.‏

مضّ‏:‏ كلمة تستعمل بمعنى لا، وليست بجواب لقضاء حاجة ولا ردّ لها، ولهذا قيل‏:‏ إن فيه لمطمعا، وإن فيه لعلامة، قال الراجز‏:‏ سألت هَلْ وَصْلٌ فَقَالَتْ مِضِّ ‏(‏وبعده*وحركت لي رأسها بالنغض‏)‏ وسِيَما‏:‏ فِعْلى من الوَسْم، والأصل فيه وِسْمى، فحُوِّلَت الفاء إلى العين فصارت سِوْمى، ثم صارت سِيَما، فهي الآن عِفْلى‏.‏ ومعنى المَثل إن في مض لعلامة درك‏.‏ يضرب عند الشك في نيل شيء‏.‏

204- إنْ تَنْفِرِي لَقَدْ رَأَيْتِ نَفْراً ‏.‏

يقال‏:‏ نَفَر يَنْفِر ويَنْفُرُ نِفَاراً ونُفُورا، وأما النَّفْر فهو اسمٌ من الإنفار‏.‏

يضرب لمن يَفْزَع من شيء يحقّ أن يُفْزَع منه‏.‏

205- إنْ لَمْ يَكُنْ وِفَاق فَفِراق ‏.‏

أي‏:‏ إن لم يكن حَبٌّ في قَرْب فالوجه المفارقة‏.‏

206- إنِّي مُنَثِّرٌ وَرِقي فَمَنْ شاءَ أبْقَى وَرِقَهُ ‏(‏يروى ‏"‏فمن شاء ألقى ورقه‏"‏‏)‏‏.‏

وذلك أن رجلا فاخَر رجلا فنحَر أحدهما جَزورا، ووضع الجِفان، ونادى في الناس، فلما اجتمعوا أخذ الآخر بَدْرَة وجعل ينثر الوَرِق، فترك الناسُ الطعام واجتمعوا إليه‏.‏ يضرب في الدَّهَاء‏.‏

207- أوْمَرِناً ما أُخْرَى‏.‏

المَرِنُ - بكسر الراء - الخُلُق والعادة، يقال‏:‏ ما زال ذلك مَرِنِي، أي عادتي، و ‏"‏ما‏"‏ صلة، وأخرى‏:‏ صفة للمرِن على معنى العادة ونصب ‏"‏مرنا‏"‏ بتقدير فعل مضمر، كأنه جواب مَنْ يقول قولاً غير موثوق به، فيقول ‏[‏ص 52‏]‏ السامع‏:‏ أومَرِنا، أي وآخذ مرنا غيرَ ما تحكي، يريد الأمر بخلاف ذلك‏.‏

208- أهْلَكَ وَاللَّيْلَ‏.‏

أي أذكر أهلك وبُعْدهم عنك، واحذر الليل وظلمته، فهما منصوبان بإضمار الفعل‏.‏ يضرب في التحذير والأمر بالحَزْم‏.‏

209- إِنَّكَ لا تَجْنِي مِنَ الشَّوْكِ العِنَبَ‏.‏

أي‏:‏ لا تجد عند ذي المَنْبِتِ السوء جميلاً، والمثلُ من قول أكْثَم، يقال‏:‏ أراد إذا ظُلمت فاحذر الانتصار فإن الظلم لا يَكْسِبُكَ إلا مثلَ فعلك‏.‏

210- إنَّكَ بَعْدُ في العَزَازِ فَقُمْ‏.‏

العَزَاز‏:‏ الأرض الصُّلْبة، وإنما تكون في الأطراف من الأرَصِينَ‏.‏

يضرب لمن لم يَتَقَصَّ الأمر ويظن أنه قد تقصَّاه‏.‏

قال الزُّهْري‏:‏ كنت أختلف إلى عبيد اللّه بن عبد اللّه بن مسعود، فكنت أخْدُمه، وذَكَر جَهْده في الخدمة، ثم قال‏:‏ فقدرت أني استنطقت ما عنده، فلما خرج لم أقُمْ له، ولم أظهر له ما كنت أظهره من قبلُ، قال‏:‏ فنظر إليَّ وقال‏:‏ إنك بعدُ في العَزَاز فقم‏:‏ أي أنت في الطَّرَف من العلم لم تَتَوَسَّطه بعدُ‏.‏

211- إنَّما يُضَنُّ بالضَّنِينِ‏.‏

أي‏"‏ إنما يجب أن تتمسك بإخاء مَنْ تَمَسَّكّ بإخائك‏.‏

212- إذَا أخَذْتَ عَمَلاً فَقَعْ فيه، فاِنَّما خَيْبَتُهُ تَوَقِّيهِ‏.‏

ويروى ‏"‏إذا أردت عملاً فخُذْ فيه‏"‏ أي إذا بدأت بأمرٍ فمارِسْهُ ولا تَنْكُلْ عنه، فإن الخيبة في الهيبة‏.‏

213- إذَا تَوَلَّى عَقْدَ شَيٍْ أوْثَقَ‏.‏

يضرب لمن يوصَفُ بالحزم والجد في الأمور‏.‏

214- أوَّلُ العِيِّ الاخْتِلاَطُ‏.‏

يقال ‏"‏اختلط‏"‏ إذا غضب، يعني إذا غضب المخاطَبُ دلَّ ذلك على أنه عَيَّ عن الجواب يقال‏:‏ عَىّ ‏(‏يقال‏:‏ عى وعي، الأول بالإدغام، والثاني بالفك على مثال رضى‏)‏ يَعْيا عِيّاً بالكسر فهو عَىّ بالفتح‏.‏

215- أوَّلُ الحَزْمِ المَشُورَةُ‏.‏

ويروى المَشْوَرَة، وهما لغتان، وأصلُهما من قولهم‏:‏ شُرْتُ العَسَلَ واشْتَرْتُهَا، إذا جَنَيْتَهَا واستخرجتها من خَلاَياها، والمَشُورة معناها استخراجُ الرأي، والمثلُ ‏[‏ص 53‏]‏ لأكْثَمَ بن صَيْفي‏.‏ ويروى عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنه قال‏:‏ الرجالُ ثلاثة‏:‏ رجلٌ ذو عقلٍ ورأيٍ، ورجلٌ إذا حَزَبه أمر أتى ذا رأيٍ فاستشاره، ورجل حائر بائر لا يأتمر رَشَدَا ولا يطيع مُرْشِدًا‏.‏

216- أنَا دُونَ هَذَا، وَفَوْقَ ما فيِ نَفْسِكَ‏.‏

قاله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لرجل مَدَحه نِفَاقا‏.‏

217- إياكَ وَأنْ يَضْرِبَ لِسَانُكَ عُنُقَكَ‏.‏

أي‏:‏ إياك أن تَلْفِظَ بما فيه هلاكك، ونُسِبَ الضربُ إلى اللسان لأنه السبب كقوله تعالى ‏{‏يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِباَسَهُمَا‏}‏‏.‏

218- أيْنَمَا أُوَجِّهْ ألْقَ سَعْداً‏.‏

كان الأضْبَطُ بن قُرَيْع سيدَ قومه، فرأى منهم جَفْوة، فرحَل عنهم إلى آخرين، فرآهم يصنعون بساداتهم مثلَ ذلك، فقال هذا القول‏.‏ ويروى ‏"‏في كُلِّ وَادٍ سَعْدُ ابْنُ زَيْدٍ‏"‏‏.‏

219- إنَّكَ لَتَحْسِبُ عَلَيَّ الأَرْضَ حَيْصاً بَيْصاً‏.‏

وحَيْصَ بَيْصَ‏:‏ أي ضَيّقة‏.‏

220- إسْتَاهِلِي إِهَالَتيِ، وَأحْسِنِي إيَالَتِي‏.‏

أي‏:‏ خُذِي صَفْو مالي، وأحسني القيام به عليَّ‏.‏

221- أُلْتُ اللِّقَاحَ وَأيلَ عَلَيَّ‏.‏

قالته امرأة كانت راعيةً ثم رُعِي لها، وأُلْتُ‏:‏ من الإيالة وهي السياسة، ومثله ‏"‏قد أُلْنَا وإيلَ عَلَيْنَا‏"‏ قاله زِياد ابن أَبِيِه‏.‏

222- أنْتَ مِمَّنْ غُذِىَ فأَرْسِلْ‏.‏

يضرب لمن يُسْأل عن نسبه فَيَلْتَوِي به‏.‏

223- أنْتِ الأَمِيرُ فَطَلِّقي أوْ رَاجِعِي‏.‏

يضرب في تأكيد القُدْوة تهكُّماً وَهُزُؤا‏.‏

224- إذَا حَزَّ أخُوكَ فَكُلْ‏.‏

يضرب في الْحَثَّ على الثقة بالأخ‏.‏

225- إمَّا عَلَيْهَا وَإمَّا لَها‏.‏

أي ارْكَبِ الخطر على أي الأمرين وَقَعْتَ من نجْح أو خَيْبة، والهاء في ‏"‏عليها‏"‏ و ‏"‏لها‏"‏ راجعة إلى النفس، أي‏:‏ إما أن تحمل عليها وإنا أن تتحمل الكَدَّ لها‏.‏

226- إنَّهُ لَرَابِطُ الْجَاشِ عَلَى الأغْبَاشِ‏.‏

الجأش‏:‏ جأش القلب وهو رُوَاعُهُ‏:‏ أي موضع رَوْعه إذا اضطرب عند الفَزَع، ومعنى ‏"‏ رابط الجأش‏"‏ أنه يَرْبِطُ نفسَه عن الفرار ‏[‏ص 54‏]‏ لشجاعته‏.‏ والأغباش‏:‏ جمع غَبَش، وهو الظلمة ‏.‏

يضرب للجَسُور على الأهوال‏.‏

227- إمَّا خَبَّتْ وَإمَّا بَرَكَتْ‏.‏

الْخَبَبُ والْخَبِيبُ والخبّ‏:‏ ضرب من العَدْو، وذلك إذا راوح بين يديه ورجليه‏.‏

يضرب للرجل يُفرط مرة في الخير ومرة في الشر، فيبلغ في الأمرين الغاية‏.‏

228- إنَّهُ مَاعِزٌ مَقْرُوظٌ‏.‏

الماعز‏:‏ واحد المَعْز، مثل صَاحِب وصَحْب، والماعز أيضا‏:‏ جلد المعز، قال الشماخ‏:‏

وَبُرْدَانِ مِنْ خَالٍ وَسَبْعُونَ دِرْهَماً * عَلَى ذَاكَ مَقْرُوظٌ مِنَ القِدّ مَاعِزُ

والمقروظ‏:‏ المدبوغ بالقَرَظ‏.‏

يضرب للتامّ العقل الكامل الرأي‏.‏

229- إنَّ أُضَاحاً مَنْهَلٌ مَوْرُودٌ‏.‏

أُضَاح - بالضم - موضع، يذكر ويؤنث يضرب مثلاً للرجل الكثير الغاشية ‏(‏الغاشية‏:‏ الزوار والخلان والسؤال والخدم‏)‏ الغزير المعروف‏.‏

230- امْرَأً وَمَا اخْتَارَ، وَإنْ أبى إلاَّ النَّارَ‏.‏

أي‏:‏ دَعْ امرأً واختياره‏.‏

يضرب عند الحضِّ على رَفْض مَنْ لم يقبل النصح منك‏.‏

231- أنْتَ في مِثْلِ صاحِبِ البَعْرَةِ‏.‏

وذلك أن رجلا كانت له ظِنَّة في قوم، فجمعهم ليستبرئهم، فأخذ بَعَرَة، فقال‏:‏ إني أَرْمِي ببعرتي هذه صاحبَ ظِنَّتي، فجَفَل لها أحدُهم، فقال‏:‏ لا تَرْمِنِي ببعرتك فأخْصَمَ على نفسِه‏.‏

يضرب لكل مُظْهِر على نفسه ما لم يُطَّلَعْ عليه‏.‏

232- أخُو الكِظَاظِ مَنْ لا يسْأَمُهُ‏.‏

المُكَاظَّة‏:‏ المُمَارسة الشديدة في الحرب، وبينهم كِظاظ، قال الراجز‏:‏

إذْ سَئِمَتْ ربيعةُ الكِظَاظَا* يضرب لمن يؤمر بمشارّة القوم، أي أخو الشَّرِّ مَنْ لا يملّه‏.‏

233- أنْتَ لَها فَكُنْ ذَا مِرَّةٍ‏.‏

الهاء للحرب، أي أنت الذي خُلِقْتَ لها فكن ذا قُوَّة‏.‏

234- إنْ لَمْ أنْفَعْكُمْ قَبَلاً لَم أنْفَعْكُمْ عَلَلا‏.‏

القَبَل والنَّهَل‏:‏ الشُّرْبُ الأولُ‏.‏ والعَلَل‏:‏ الشرب الثاني، والدِّخَالُ‏:‏ الثالث، يقول‏:‏ إن لم أنفعكم في أول أمركم لم أنفعكم في آخره‏.‏ ‏[‏ص 55‏]‏

235- إِنَّ العِرَاكَ في النَّهَلِ‏.‏

العِرَاكُ‏:‏ الزحامُ‏.‏ يضرب مثلا في الخصومة، أي أول الأمر أشَدُّه، فعاجِلْ بأخذ الْحَزْم‏.‏

236- إِنَّ الهَزِيلَ إِذَا شَبِعَ ماتَ‏.‏

يضرب لمن استغنى فتجبَّر على الناسِ‏.‏

237- أَمْرٌ فَاتَكَ فَارْتَحِلْ شَاتَكَ‏.‏

يضرب للرجل يسألك عن أمر لا تُحِبُّ أن تخبره به، يريد أنك إن طلبته لا تَقْدِرُ عليه كما لا تقدر أن ترتحل شاتك‏.‏

238- إلَى ذَلِكَ ما أوْلاَدُها عِيسٌ‏.‏

‏"‏ذلك‏"‏ إشارة إلى الموعود، والهاء في ‏"‏أولاها‏"‏ للنوق، و ‏"‏ما‏"‏ عبارة عن الوقت يضرب للرجل يَعِدُك الوَعْدَ، فيطول عليك فتقول‏:‏ إلى أن يحصل هذا الموعود وقت تصير فُصْلاَن النوق فيه عِيسا‏.‏ ومثله قولهم‏.‏

239- إِلَى ذَاكَ ما باضَ الحمَامُ وَفَرَّخَا‏.‏

يضرب للمطول الدفاع‏.‏

240- إِنْ كنْتِ غَضْبَى فَعَلَى هَنِكِ فَاغْضَبِي‏.‏

قال يونس بن حبيب‏:‏ يقال‏:‏ زَنَتْ ابنةٌ لرجل من العرب وهي بكر، فناداها أبوها يا فلانة، فقالت‏:‏ إني غَضْبَى، قال لها أبوها‏:‏ ولم‏؟‏ قالت‏:‏ إني حُبَيْلى، قال‏:‏ إن كنت غضبى، المَثَلَ، أي هذا ذنبك‏.‏

يضرب في موضع قولهم ‏"‏يَدَاكَ أَوْكَتَا وَفُوكَ نَفَخَ‏"‏‏.‏

241- أنَا أشْغَلُ عَنْكَ مِنْ مُوضِعِ ‏(‏يقال‏:‏ وضع الرجل بهمه، أي ألزمها المرعى، فالثلاثي متعد، فكان ينبغي أن يقال‏"‏من واضع بهم - الخ‏)‏ بَهْمٍ سَبْعِين‏.‏

لأن صاحب البَهْم أكْثَرُ شغلا من غيره لصغر نتاجه‏.‏

242- أخُو الظَّلْمَاءَ أعْشى باللَّيْلِ‏.‏

يضرب لمن يُخْطئ حجتَه ولا يُبْصِر المَخْرَجَ مما وقع فيه‏.‏

243- إِنْ كُنْتَ عَطْشَانَ فَقَدْ أنَى لَكَ‏.‏

يضرب لطالب الثأر، أي قد أَنَى لك أن تنتصر، وأنى وآنَ لغتان في معنى حَانَ‏.‏

244- إِنَّ أخَا العَزَّاءِ مَنْ يَسْعَى مَعَك‏.‏

العَزَّاء‏:‏ السَّنَة الشديدة، أي إن أخاك مَنْ لا يَخْذُلُكَ في الحالة الشديدة‏.‏

245- أنْتَ مِنِّي بيْنَ أُذُنِي وَعَاتِقي‏.‏

أي بالمكان الأفضل الذي لا أستطيع رفع حقه‏.‏

246- إِنَّ مِنَ اليَوْمِ آخِرَهُ‏.‏

يَضربه مَنْ يُستبطأَ فيقال له‏:‏ ضَيَّعْتَ ‏[‏ص 56‏]‏ حاجتك، فيقول‏:‏ إن من اليوم آخره، يعني أن غُدُوَّهُ وَعَشِيَّه سواء‏.‏

247- إِبِلِي لَمْ أَبِعْ وَلَمْ أهَبْ‏.‏

أي لم أبعها ولم أهبها‏.‏ يضرب للظالم يخاصمك فيما لا حَقَّ له فيه ‏.‏

248- إِنْ لاَ تَلِدْ يُولَدْ لَكَ‏.‏

يعني أن الرجل إذا تزوج المرأة لها أولاد من غيره جَرَّدُوه‏.‏ يضرب للرجل يُدْخِلُ نفسَه فيما لا يَعْنيِه فيبتلي به‏.‏

249- إِنَّ مِنَ الحُسْنِ شِقْوَةً‏.‏

وذلك أن الرجل ينظر إلى حسنه، فيَخْتَال فيَعْدُو طًوْرَه فيشقيه ذلك ويبغّضه إلى الناس‏.‏

250- إِنها الإبِلُ بِسَلاَمَتِهَا‏.‏

قال يونس‏:‏ زعموا أن الضبع أخذت فصيلا رازما في دار قوم ارتحلوا وخَلَّوْه، فجعلت تخليه للكلأ، وتأتيه فتغارّه إياه ‏(‏تغاره إياه‏:‏ تطعمه إياه‏)‏، حتى إذا انتلأ بطنه وسمن أتته لتستاقه، فركضها ركضة دَقَمَ ‏(‏دقم فاها‏:‏ كسر أسنانها‏)‏ فاها، فعند ذلك قالت الضبع‏:‏ إنها الإبل بسلامتها‏.‏

يضرب لمن تزدريه فأخلف ظنك‏.‏

251- أخُوكَ أمِ اللَّيْلُ‏.‏

أي المرئى أخوك أم هو سواد الليل‏.‏

يضرب عند الارتياب بالشيء في سواد وظلمة‏.‏

252- إِنَّهَا مِنِّي لأَصِرَّي‏.‏

قال ابن السكيت‏:‏ يقال‏:‏ أَصِرَّي، وأَصِرِّى، وصِرَّى، وصُرَّى ‏(‏وبقى لغتان‏:‏ تشديد الراء مكسورة مع ضم الصاد أو فتحها‏)‏ واشتقاقها من قولهم ‏"‏أصْرَرْتُ على الشىء‏"‏ أي أقمت ودُمْت، والهاء في ‏"‏إنها‏"‏ كناية عن اليمين أو العزيمة‏.‏ يقوله الرجل يعزم على الأمر عزيمةً مؤكدةً لا يَثْنِيه عنها شىء‏.‏

253- أَخَذَتِ الإِبِلُ رِمَاحَهَا‏.‏

ويروى ‏"‏أسلحتها‏"‏ وذلك إذا سَمِنت فلا يجد صاحبُها من نفسه أن يَنْحَرَها‏.‏

254- أنْتَ عَلَى المُجَرَّبِ‏.‏

يراد به على التَّجْربة، ولفظ المفعول من المنشعبة يصلح للمصدر وللموضع وللزمان وللمفعول، و‏"‏على‏"‏ مِن صلة الإشراف‏:‏ أي إنك مُشْرِف على ما تجرّبه، قيل‏:‏ أصْلُ المثل أن رجلا أراد مقاربة امرأة، فلما دنا منها قال‏:‏ أبكر أنت ثم ثيب‏؟‏ فقالت‏:‏ أنت على المجرب، أي أنك مُشْرِف على التجربة‏.‏ يضرب لمن يسأل عن شيء يَقْرَبُ ‏[‏ص 57‏]‏ علمه منه، أي لا تسأل فإنك ستعلم‏.‏

255- إِنَّكَ لَوْ صاحَبْتَنَا مَذِحْتَ‏.‏

يقال‏:‏ مَذِحَ الرجلُ إذا انسحج فَخِذَاه يضربه الرجل مرت به مَشَقَّة ثم أخبر صاحبه أنه لو كان معه لقي عناء كما لقبه هو‏.‏

256- إنَّكَ لَتُكْثِرُ الْحَزَّ وَتُخْطِئُ الْمَفصِلَ‏.‏

الحزّ‏:‏ القَطْع والتأثير، والمفاصل‏:‏ الأوصال، الواحد مَفْصِل‏.‏

يضرب لمن يجتهد في السعي ثم لا يظفر بالمراد‏.‏

257- إنَّكَ لَتَحْدُو بِجَمَلٍ ثَقَالٍ، وَتَتَخَطَّى إلَى زَلَقِ المَرَاتِبِ‏.‏

يقال‏:‏ جمل ثَقَال، إذا كان بطيئا، ومكان زَلَق - بفتح اللام - أي دَحْض، وصف بالمصدر‏.‏

يضرب لمن يجمع بين شيئين مكروهين‏.‏

258- إِنَّهُ لَحُوَّلٌ قُلَّبٌ‏.‏

أي‏:‏ دَاهٍ مُنْكر يحتال في الأمور ويقلبها ظَهْراً لبَطْنٍ، قال معاوية عند موته وحُرَمُه يبكين حوله ويقلبنه‏:‏ إنكم لتقلبون حُوَّلاً قُلَّباً لو وقى هول المطلع - أى القيامة - ويروى إن وُقىَ النارَ غداً‏.‏ قال الأصمعي‏:‏ المطلع هو موضع الاطِّلاَع من إشراف إلى انحدار، فشبه ما أشْرَفَ عليه من أمر الآخرة بذلك، قال الفراء‏:‏ يقال رجل له حُولَةٌ، وحُوَلَةٌ أي داهٍ مُنْكر، وكذلك حُوَّلِىٌّ وينشد‏:‏

فتىً حُوَّلِيٌّ مَا أرَدْتَ أرَادَهُ * مِنَ الأمْرِ إلاَّ أنْ تُقَارِفَ مَحْرَمَا

قيل‏:‏ كان الأصمعي يعجبه هذا البيت‏.‏

259- أَكْلٌ وَحَمْدٌ خَيْرٌ مِنْ أكْلٍ وَصَمْتٍ‏.‏

يضرب في الحث على حمد مَنْ أحسن إليك‏.‏

260- إنَّمَا تَغُرُّ مَنْ تَرَى، وَيَغُرُّكَ مَنْ لا تَرَى‏.‏

أي‏:‏ إذا غَرَرْتَ مَنْ تراه ومكرت به أو غدرت فإنك المغرورُ لا هو، لأنك تجازَى ويروى بالعين والزاي، يعني أنك تَغْلِبُ من تراه ويغلبك اللّه جل جلاله‏.‏

261- إنْ تَعِشْ تَرَ ما لَمْ تَرَه‏.‏

هذا مثلُ قولهم ‏"‏عِشْ رَجَباً تَرَ عَجَباً‏"‏ قال أبو عُيَيْنَةَ المهلبيّ‏:‏

قل لِمَنْ أبْصَرَ حالا مُنْكَرَهْ * وَرَأَى مِنْ دَهْرِهِ ما حَيَّرَهْ ‏[‏ص 58‏]‏

ليس بالمنكر ما أبصرته * كل من عاش يَرَى ما لم يَرَهْ

ويروى رأى ما لم يره‏.‏

262- أيْنَ يَضَعُ الْمَخْنُوقُ يَدَهُ‏.‏

يضرب عند انقطاع الحيلة، وذلك أن المخنوق يَحْتَاط في أمره غاية الاحتياطِ، للندامة التي تصيبه بعد الخنق‏.‏

263- إِنَّ خيْراً مِنَ الْخَيْرِ فَاعِلُهُ، وَإِنَّ شَرَّاً مِنَ الشَّرِّ فَاعِلُهُ‏.‏

هذا المثل لأخٍ للنعْمَان بن المنذر يقال له عَلْقَمة، قاله لعْمرو بن هند في مواعظ كثيرة، كذا قاله أبو عبيد في كتابه‏.‏

264- أخَذُوا طَرِيقَ الْعُنْصُلَيْنِ‏.‏

ويروى ‏"‏أخذ في طريق العُنْصُلَيْنِ‏"‏ قالوا‏:‏ طريقُ العنصلِ هو طريقٌ من اليمامة إلى البصرة‏.‏

يضرب للرجل إذا ضَلَّ‏.‏

قال أبو حاتم‏:‏ سألتُ الأصمعي عن طريق العنصلين، ففتح الصاد وقال‏:‏ لا يقال بضم الصاد ‏(‏في القاموس أنه بوزن قنفذ‏)‏ قال‏:‏ وتقول العامةُ إذا أخطأ الإنسان الطريقَ‏:‏ أخذ فُلاَنٌ طريق العنصلين، وذلك أن الفرزدق ذكر في شعره إنسانا ضلّ في هذا الطريق فقال‏:‏

أرَادَ طَرِيقَ العُنْصُلَيْنِ فياسَرَتْ * بِه العِيسُ فِي نَائِي الصُّوَى مُتَشَائِم

أي متياسر، فظنت العامة أن كل مّنْ ضل ينبغي أن يقال له هذا، وطريق العنصلين طريق مستقيم، والفرزدق وصَفه على الصواب، فظن الناس أنه وصفه على الخطأ، وليس كذلك‏.‏

265- إِنَّكَ لاَ تَدْرِي عَلاَمَ يُنْزَأُ هَرِمُكَ‏.‏

ويروى ‏"‏بِمَ يُولع هَرِمُك‏"‏ أي نفسك وعقلك، قاله ابن السِّكِّيت، ونزِئ الرجل إذا أولِعَ نزأ، ورجل مَنْزوء بكذا‏:‏ مُولَع به‏.‏

يضرب لمن أخذ فيما يكره له بعد ما أسن وأهتربه‏.‏

ذكروا أن بُسْرَ بن أرْطاَة العامِرِيَّ من بني عامر بن لؤي خَرِف، فجعل لا يسكن ولا يستقرّ حتى يسمع صوت ضرب، فحُشى له جلد، فكان يضرب قدّامه فيستقر، وكان النَّمِرُ بن تَوْلَب خَرِف، فجعل يقول‏:‏ ضيفكم ضيفكم لا يضع إبلكم إبلكم، وأهترت امرأة على عهد عمر رضي الله تعالى عنه فجعلت تقول‏:‏ زوّجوني زوّجوني، فقال عمر‏:‏ ما أهتر به النَّمِرُ خير مما أهترت به هذه‏.‏ ‏[‏ص 59‏]‏

266 إِنَّ الْحُسُومَ يُورِثُ الحُشُومَ‏.‏

قالوا‏:‏ الحسوم الدؤوب والتتابع، والحشوم‏:‏ الإعياء، يقال‏:‏ حَشَمَ يَحْشِمُ حُشُوماً إذا أعيا، وهذا في المعنى قريب من قوله عليه الصلاة والسلام ‏"‏إنَّ الْمُنْبَتَّ - الحديث‏"‏ وقال الشاعر ‏(‏نسبة في اللسان ‏(‏ح ش م‏)‏ لمزاحم‏)‏ يصف قطاة‏:‏

فَعَنَّتْ عُنُوناً وَهْيَ صَغْوَاء مَا بِهَا * وَلاَ بالْخَوَافِي الضَّارِبَاتِ حُشُوُم

267- أوَّلُ الشَّجَرَةِ النَّوَاةُ‏.‏

يضرب للأمر الصغير يتولد منه الأمرُ الكبير‏.‏

268- آفَةُ الْعِلْمِ النِّسْيَانُ‏.‏

قال النسابة البكريّ‏:‏ إن للعلم آفة ونكدا وهُجْنَة واستجاعة، فآفته نسيانه، ونكده الكذب فيه، وهُجْنته نَشْره في غير أهله، واستجاعته أن لا تشبع منه‏.‏

269- آفَةُ الْمُرُوءَةِ خُلْفُ الْمَوْعِدِ‏.‏

يروى هذا عن عَوْف الكلبي‏.‏

270- أكَلَ رَوْقَهُ‏.‏

يضرب لمن طال عمره وتَحَاتَّت أسنانه، والرَّوْقُ‏:‏ طولُ الأسنان، والرجل أرْوُق، قال لبيد‏:‏

تُكْلِحُ الأرْوَقَ مِنْهُمْ وَالأَيَلّْ*

271- ألْفُ مُجِيزٍ وَلاَ غَوَّاصٌ‏.‏

الإجازة‏:‏ أن تعبر بإنسان نهراً أو بحراً يقول‏:‏ يوجد ألف مجيز ولا يوجد غَوَّاصٌ لأن فيه الخطر‏.‏

يضرب لأمرين أحدهما سَهْل والآخر صَعْب جدا‏.‏

272- الإِينَاسُ قَبْلَ الإِبْسَاسِ‏.‏

يقال‏:‏ آنَسَهُ أي أوْقَعَه في الأنس، وهو نقيض أوْحَشَه، والإبساس‏:‏ الرِّفْقُ بالناقة عند الْحَلب، وهو أن يقال‏:‏ بس بس، قال الشاعر‏:‏

وَلقَدْ رَفَقْتُ فَما حَلِيتُ بِطَائِلٍ * لا ينفع الإبْسَاُس بِالإِينَاسِ

يضرب في المُدَاراة عند الطلب‏.‏

273- إِذَا نُصِرَ الرَّأْيُ بَطَلَ الْهَوَى‏.‏

يضرب في اتباع العقل‏.‏

274- إِنَّا لَنَكْشِرُ ‏(‏كذا،وأظنه ‏"‏إنا لنبش‏"‏‏)‏ في وُجُوهِ أقْوَامٍ وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَقْلِيهِمْ‏.‏

ويروى ‏"‏وإن قلوبنا لتلعنهم‏"‏ هذا من كلام أبي الدَّرْدَاء‏.‏

275- إِنَّهُ لَعُضْلَةٌ مِنَ الْعُضَلِ‏.‏

أي دَاهِية من الدواهي، وأصله من العَضْل، وهو اللحم الشديد المكتنز‏.‏ ‏[‏ص 60‏]‏

276- إِنَّهُ لَذُو بَزْلاَءَ‏.‏

البَزْلاَء‏:‏ الرأي القوي الجيد، وقال‏:‏

إني إذَا شَغَلَتْ قَوْمًا فُرُوجُهُمُ * رَحْبُ الْمسَالِكِ نَهَّاضٌ بِبَزْلاَءِ

أي بالأمر العظيم، وأنَّثَ على تأويل الخطة‏.‏ قلت‏:‏ ويجوز أن يكون المعنى نَهَّاض إلى الأمر ومعي رأيي، وأصله من البازل، وهو القويُّ التام القوة، يقال‏:‏ جمل بازل، وناقة بازل، كذلك‏.‏

277- إنَّكَ لاَ تَسْعَى بِرِجْلِ مَنْ أبَى‏.‏

يضرب عند امتناع أخيك من مساعدتك‏.‏

278- إنْ كُنْتَ ذُقْتَهُ فَقَدْ أكَلْتُهُ‏.‏

يَضْرِبُه الرجلُ التام التجربة للأمور‏.‏

279- إيَّاكَ والبَغْيَ فَإِنَّهُ عِقَالُ النَّصْرِ‏.‏

قاله محمد بن زُبَيْدة لصاحب جيش له ‏.‏

280- إنَّها لَيْسَتْ بخُدْعَةِ الصَّبِيَّ‏.‏

يقال‏:‏ أرسل أميرُ المؤمنين علي رضي الله عنه جريرَ بن عبد الله البَجَلي إلى معاوية ليأخذه بالبيعة، فاستعجل عليه، فقال معاوية‏:‏ إنها ليست بخُدْعَة الصبيّ عن اللبَنِ‏.‏ هو أمر له ما بعده، فأبْلِعْنِي ريقي، والهاء في ‏"‏إنها‏"‏ للبَيْعَة، والخُدْعة‏:‏ ما يخدع به، أي ليس هذا الأمر أمرا سهلا يُتَجَوَّزُ فيه‏.‏

281- إنْ لَمْ تَعَضَّ عَلَى القَذَى لَمْ تَرْضَ أبَداً‏.‏

يضرب في الصبر على جفاء الإخوان‏.‏

282- إذَا كُنْتَ فيِ قَوْمٍ فَاحْلُبْ في إنَائِهمْ‏.‏

يضرب في الأمر بالمُوَافقة، كما قال الشاعر‏:‏

إذا كُنْتَ في قَوْمٍ عِدىً لَسْتَ منهمُ * فكُلْ ما عُلِفْتَ مِنْ خَبِيثٍ وَطَيِّبِ

283- إذَا أتْلَفَ النَّاسُ أخْلَفَ الياسُ‏.‏

الناس - بالنون - اسم قَيْس عَيْلاَن ابن مُضَر، والياس - بالياء - أخوه، وأصله إلياس بقطع الألف، وإنما قالوا الياس لمزاوجة الناس‏.‏

يضرب عند امتناع المطلوب‏.‏

284- إذَا حَانَ القَضَاءُ ضاقَ الفَضاءُ‏.‏

285- إذَا ظَلَمْتَ مَنْ دُونَكَ فَلا تَأمَنْ عَذَابَ مَنْ فوْقَك‏.‏

286- إِنْ لا أكُنْ صِنْعاً فَانِّي أعْتَثِمُ

أي‏:‏ إن لم أكن حاذقا فإني أعمل على قَدْر معرفتي‏.‏

يقال‏:‏ عَثَمَ العَظْمَ، إذا أساء الجَبْر، ‏[‏ص 61‏]‏ واعْتَثَمَتِ المرأةُ المزادَةَ، إذا خرزَتْها خَرْزا غير محكم‏.‏

287- إنما نَبْلُكَ حِظاءٌ‏.‏

الحِظَاء‏:‏ جمع الحَظْوَة، وهي المرماة‏.‏ يضرب للرجل يُعَيَّر بالضعف‏.‏

288- إِنَّهُ لَيُفْرِغُ مِنْ إِناءٍ ضَخْمٍ في إناءِ فَعْمٍ‏.‏

أي ممتلئ‏.‏ يضرب لمن يحسن إلى مَنْ لا حاجة به إليه‏.‏

289- إِنَّ مَعَ الْكَثْرَةِ تَخاذُلاً، وَمَعَ الْقِلَةِ تَماسُكا‏.‏

يعني في كثرة الجيش وقلته‏.‏

290- إِذَا تَكَلَّمْتَ بِلَيْلٍ فَاخْفِضْ، وإذَا تَكَلمْتَ نَهَاراً فَانْفُضْ‏.‏

أي التفت هَلْ ترى مَنْ تكرهه‏.‏

291- إِذا قامَ جُنَاةُ الشَّرِّ فَاقْعُدْ‏.‏

هذا مثل قولهم ‏"‏إذا نَزَا بك الشَّرُّ فاقعد‏"‏‏.‏

292- إِن المنَاكِحَ خَيرُهَا الأبْكارُ‏.‏

المناكح‏:‏ جمع المَنْكُوحة، وحَقُّها المناكيح فحذف الياء، ومعنى المثل ظاهر‏.‏

293- إِنْ كنْتَ مُنَاطِحاً فَناطِحْ بِذَواتِ القُرُونِ‏.‏

هذا مثل المثل الآخر ‏"‏زاحِمْ بِعوْدٍ أو فَدَعْ‏"‏‏.‏

294- إِذَا صَاحَتِ الدَّجاجَةُ صِياحَ الدِّيكِ فَلْتُذْبَحْ‏.‏

قاله الفرزدق في امرأة قالت شعراً‏.‏

295- إِياكَ وَعَقِيلَةَ الْمِلْحِ‏.‏

العقيلة‏:‏ الكريمة من كل شيء، والدرة لا تكون إلا في الماء الملح، يعني المرأة الحسناء في مَنْبِتِ السوء‏.‏

296- إِذَا جَاذَبَتْهُ قَرِينَتُهُ بَهَرَهَا‏.‏

أي‏:‏ إذا قُرِنت به الشديدةُ أطَاقَهَا وغَلَبها‏.‏

297- إنَّهُ لَيَنْزُو بَيْنَ شَطَنَيْنِ‏.‏

أصله في الفرس إذا استعصى على صاحبه فهو يَشُدُّه بحبلين‏.‏

يضرب لمن أخذ من وجهين ولا يدري‏.‏

298- إِذَا قُلْتَ لَهُ زِنْ، طَأطَأ رَأْسَهُ وَحَزِنْ‏.‏

يضرب للرجل البخيل‏.‏

299- إذَا رَآني رَأى السِّكِّينَ في الماءِ‏.‏

يضرب لمن يخافك جدّا‏.‏

300- أُمُّ الجَبانِ لاَ تَفْرَحُ وَلاَ تَحْزَنُ‏.‏

لأنه لا يأتي بخير ولا شر أينما توجه لجبنه‏.‏ ‏[‏ص 62‏]‏

301- أُمُّ الصَّقْرِ مِقْلاَتٌ نَزُور‏.‏

يضرب في قِلَّة الشيء النفيس‏.‏

302- أُمُّ قُعَيْسٍ وَأَبُو قُعَيْسٍ، كِلاهُمَا يَخْلِطُ خَلْطَ الْحَيْسِ‏.‏

يقال‏:‏ إن أبا قُعَيْس هذا كان رجلاً مُرِيباً، وكذلك امرأته أم قعيس، فكان يُغْضِي عنها وتغضي عنه، والحَيْسُ عند العرب‏:‏ التمر والسمن والأقِط غير المختلط، قال الراجز‏:‏

التمر والسمن جميعاً وَالأَقِطْ * الحيْسُ إلاَّ أنه لم يختلط

303- إِذَا أتاكَ أحَدُ الخَصْمَيْنِ وَقَدْ فقئَتْ عَيْنُهُ فَلاَ تَقْضِ لَهُ حَتَّى يَأتِيَكَ خَصْمُهُ فَلَعَلَّهُ قَدْ فُقِئَتْ عَيْنَاهُ جَمِيعَا‏.‏

هذا مثل أورده المنذريّ وقال‏:‏ هذا من أمثالهم المعروفة‏.‏

304- أوَّلُ ما أطْلَعَ ضَبُّ ذَنَبَهُ‏.‏

قال أبو الهيثم‏:‏ يقال ذلك للرجل يصنع الخير ولم يكن صَنَعه قبل ذلك، قال‏:‏ والعرب ترفع أوَّل وتنصب ذَنَبَه على معنى أول ما أطلع ذَنَبَه‏.‏ قلت‏:‏ رفع أول على تقدير هذا أول ما أطلع ضب ذنبه‏:‏ أي هذا أولُ صنيعٍ صنَعَه هذا الرجل، قال‏:‏ ومنهم من يرفع أول ويرفع ذنبه، على معنى أولُ شيء أطلعه ذنُبه،ومنهم من ينصب أول وينصب ذنبه على أن يجعل أول صفة، يريد ظرفاً على معنى في أول ما أطلع ضب ذنبه‏.‏

305- إِنْ فَعَلْتَ كَذَا فبِهَا ونِعْمَتْ‏.‏

قال أبو الهيثم‏:‏ معنى ‏"‏بها‏"‏ تعجب كما يُقَال‏:‏ كفاك به رجلا، قال‏:‏ المعنى ما أحْسَنَهَا من خَصْلة، ونعمت الخصلة هي، وقال غيره‏:‏ الهاء في ‏"‏بها‏"‏ راجعة إلى الوثيقة، أي إن فعلتَ كذا فبالوثيقة أخذتَ، ونعمت الخصلة الأخذ بها‏.‏

306- أهْلَكَ فَقَدْ أعْرَيْتَ‏.‏

أي بَادِرْ أهلَكَ وعَجِّل الرجوعَ إليهم فقد هاجت ريح عرية - أي‏:‏ باردة - ومعنى أعريْتَ دخلت في العَرِيَّة ‏(‏العرية‏:‏ الريح الباردة‏)‏ كما يقال ‏"‏أمسيت‏"‏ أي دخلْتَ في المساء‏.‏

307- إسْتَأصَلَ اللّهُ عَرْقاتَهُ‏.‏

قال أبو عمرو‏:‏ يقال استأصل الله عَرْقَاتَ فلانٍ، وهي أصله، وقال المنذري‏:‏ هذه كلمة تكلمت بها العرب على وجوه، قالوا‏:‏ استأصل الله عَرْقَاتَه وعِرْقَاتَه وعِرْقَاتِهِ وعِرْقَاتَه، قلت‏:‏ لم يزيدا على ما حكيت، وأرى أنها مأخوذة من العِرْقَة، ‏[‏ص 63‏]‏ وهي الطرة تنسج فتدار حول الفسطاط، فتكون كالأصل له، ويجمع على عِرْقَات، وكذلك أصل الحائط يقال له‏:‏ العرق، فأما سائر الوجوه فلا أرى لها ذكراً في كتب اللغة، إلا ما قاله الليث فإنه قال‏:‏ العِرْقَاة من الشجر أرُومَة الأوسط، ومنه تتشعب العروق وهو على تقدير فِعْلاَة، وقال ابن فارس والأزهري‏:‏ العرب تقول في الدعاء على الإنسان‏:‏ استأصل الله عِرْقَاتَه ينصبون التاء لأنهم يجعلونها واحدةً مؤنثة مثل سِعْلاَة، وقال آخرون‏:‏ بل هي تاء جماعة المؤنث، لكنهم خَفَّفوه بالفتح، قال الأزهري‏:‏ من كسر التاء في موضع النصب وجعلها جمع عِرْقَة فقد أخطأ‏.‏

308- أخَذَهُ بِأبْدَحَ وَدُبَيْدَحَ‏.‏

إذا أخذه بالباطل، قاله الأصمعي، ويقال‏:‏ أَكَلَ مالَه بأبْدَحَ ودبيدح، قال الأصمعي‏:‏ أصله دُبَيْح فقالوا‏:‏ دُبَيْدَح بفتح الدال الثانية‏.‏ قلت‏:‏ تركيب هذه الكلمة يدل على الرخاوة والسهولة والسعة، مثل البَدَاح للمتسع من الأرض، ومثله تَبَدَّحَت المرأة إذا مشت مشية فيها استرخاء، فكأن معنى المثل‏:‏ أكل ماله بسهولة من غير أن ناله نَصَب، ودُبَيْح - على ما قاله الأصمعي - تصغير أدْبَحَ مرَّخما، حكى الأصمعي‏:‏ أن الحجاج قال لجبلة‏:‏ قل لفلان أكلْت مال الله بأبْدَحَ ودُبَيْدَح ‏(‏يضرب للأمر الذي يبطل ولا يكون‏)‏ فقال له جبلة‏:‏ خواستة ايزد بخورى بلاش وماش‏.‏

309- إِيّاكَ وَأَعْرَاضَ الرِّجالِ‏.‏

هذا من كلام يزيد بن المَهلَّب فيما أوصى ابنه مَخْلدا‏:‏ إياك وأعراض الرجال، فإن الحر لا يُرْضِيه من عرضه شيء، واتَّقِ العقوبة في الأبشار، فإنها عار باقٍ وَوِتْرٌ مطلوب‏.‏

310- إِنّهُ لَشَدِيدُ النّاظرِ‏.‏

أي بريء من التُّهمَةَ ينظر بملء عينيه‏.‏

311- إِنّهُ لَغَضِيضُ الطّرْفِ‏.‏

أي يَغُضُّ بصره عن مال غيره، ة و‏"‏نقيُّ الطرف‏"‏ أي ليس بخائن‏.‏

312- إِنّهُ لَضَبُّ كَلَدَةٍ لاَ يُدْرَكُ حَفْرا وَلاَ يُؤْخَذُ مُذَنّبا‏.‏

الكَلَدة‏:‏ المكان الصُّلْب الذي لا يعمل فيه المِحْفَار، وقوله ‏"‏لا يؤخذ مذنباً‏"‏ أي ولا يؤخذ من قِبَلِ ذَنَبه من قولهم ‏"‏ذَنَّب البسر‏"‏ إذا بدا فيه الإرطاب من قبل ذنبه‏.‏ يضرب لمن لا يدرك ما عنده‏.‏ ‏[‏ص 64‏]‏

313- إِنّهُ لَزَحَّارٌ بِالدَّوَاهِي‏.‏

يضرب للرجل يولِّد الرأيَ والحيلَ حتى يأتي بالداهية، وقال ‏(‏البيت لشيم بن خويلد كما في الصحاح ‏(‏خ ف ق‏)‏ وأنشده هناك‏:‏

وقد طلقت ليلة كلها * فجاءت به مودنا خنفقيقا

والمودن‏:‏ الضاوي، والخنفقيق‏:‏ الداهية‏)‏‏.‏

زحَرْتِ بها ليلةً كلَّهَا * فجئْتِ بها مودناً خَنْفقيقا

314- إِنّهُ لَغَيْرُ أبْعَدَ‏.‏

يضرب لمن ليس له بُعْدُ مذهبٍ‏:‏ أي غَوْر‏.‏

قال ابن الأعرابيّ‏:‏ إن فلاناً لذُو بعدة‏:‏ أي لذو رأيٍ وحَزْم، فإذا قيل ‏"‏إنه غير أبعد‏"‏ كان معناه لا خَيْرَ فيه‏.‏

315- إِنَّما أنْتَ عَطِينَةٌ، وَإِنَّما أنْتَ عَجينَةٌ‏.‏

أي إنما أنت مُنْتِن مثل الإهَاب المَعْطُون ‏.‏

يضرب لمن يذم في أمر يتولاه‏.‏

أنشد ابن الأعرابي‏:‏

يا أيها المُهْدِي الخَنَا من كَلاَمِهِ * كأنك يَضْعو فِي إزارِك خِرْنِقُ

وأنت إذا انضمَّ الرجال عطينة * تُطَاوح بالآنافِ ساعة تَنْطِقُ

316- إِنّهُ لَمُنْقَطِعُ القِبالِ‏.‏

قالوا‏:‏ القِبَال ما يكون من السير بين الأصبعين إذا لبستَ النعلَ، ويراد بهذه اللفظة أنه سيء الرأي فيمن استعان به في حاجة‏.‏

317- إِنّهُ لَمَوْهُونُ الفَقَارِ‏.‏

وَهَنَ يَهِنُ وَهْناً إذا ضعف، ووَهَنْتُُه أضْعَفْته، لازم ومتعدّ، قال الليث‏:‏ رجل واهن في الأمر والعمل، وموهون في العظم والبدن، قال طَرَفة‏:‏

وَإِذَا تَلْسُنُنِي ألْسُنُهَا * إِنَّني لَسْتُ بِمَوْهُونٍ فقر

يضرب للرجل الضعيف‏.‏

318- إِنّما نُعْطِي الَّذِي أُعْطِيناَ‏.‏

أصله كما رواه ابن الأعرابي عن أبي شبيل قال‏:‏ كان عندنا رجل مئناث، فولدت له امرأته جارية فصبر، ثم ولدت له جارية فصبر، ثم ولدت له جارية فهجرها وتحوَّلَ عنها إلى بيت قريب منها، فلما رأت ذلك أنشأت تقول‏:‏

ما لأبي الذَّلْفَاء لا يأتينا * وَهُوَ فِي الْبَيْتِ الذي يَلِيَنا

يَغْضَبُ إنْ لَمْ نَلِدِ الْبَنِيَنا * وإنَّما نُعْطِي الذي أُعْطينَا ‏[‏ص 65‏]‏

فلما سمع الرجل ذلك طابت نفسه ورجع إليها‏.‏ يضرب في الاعتذار عما لا يملك‏.‏

319- إيّاكُمْ وَحَمِيَّةَ الأوْقابِ‏.‏

قال أبو عمرو‏:‏ الأوقاب والأوغابُ الضعفاء، ويقال الحمقى، يقال‏:‏ رجل وَقْب ووَغْب، قال‏:‏ وهذا من كلام الأحنف ابن قيس لبني تميم وهو يوصيهم‏:‏ تَبَاذَلُوا تحابُّوا، وتهادوا تذهب الإحَنُ والسَّخَائم، وإياكم وحَمِيَّةَ الأوقاب، وهذا كقولهم‏:‏ أعود بالله من غلبة اللئام ‏(‏في نسخة ‏"‏إياكم وغلبة اللئام‏"‏‏)‏‏.‏

320- إِنّهُ لَهُوَ أوِ الجِذْلُ‏.‏

الجِذْلُ‏:‏ أصل الشجرة‏.‏ يضرب هذا إذا أشكل عليك الشيء فطننت الشخص شخصين، ومثله‏.‏

321- إِنّهُمْ لَهُمْ أوِ الحرَّةُ دَبِيباً‏.‏

أي في الدبيب‏.‏

يضرب عند الإشكال والتباس الأمر‏.‏

322- إِنَّ الشقِيَّ يُنْتَحَي لَهُ الشّقِي

أي‏:‏ أحدهما يُقَيَّضُ لصاحبه فيتعارفان ويأتلفان‏.‏

323- أمْرُ اللّهُ بَلْغٌ يَسْعَدُ بِهِ السُّعدَاءُ وَيَشْقَى بِهِ الأشْقِياءُ‏.‏

بَلْغ‏:‏ أي بالغ بالسعادة والشقاوة، أي نافذ بهما حيث يشاء‏.‏

يضرب لمن اجتهد في مَرْضَاة صاحبه فلم ينفعه ذلك عنده‏.‏

324- إنْ كُنْتِ تُرِيدِينِي فَأنا لَكِ أرْيَدُ‏.‏

قال أبو الحسن الأخفش‏:‏ هذا مثل، وهو مقلوب، وأصله أرْوَدُ، وهو مثل قولهم‏:‏ هو أحْيَلُ الناس، وأصله أحْوَلُ من الحَوْل‏.‏

325- إنَّ جُرْفَكَ إلىَ الْهَدْمِ‏.‏

الجُرْفُ‏:‏ ما تجرفته السيول، والمعنى إن جُرْفَك صائر إلى الهدم‏.‏

يضرب للرجل يُسْرِع إلى ما يكرهه، ومثله قولُهم‏.‏

326- إِنَّ حَبْلَكَ إلَى أُنْشُوطَةٍ‏.‏

الأُنْشُوطة‏:‏ عُقْدة يَسْهُل انحلالها كعقدة تِكَكِ السراويل، وتقديره‏:‏ إن عُقْدَةَ حبلك تصير وتنسب إلى أنشوطة‏.‏

327- إِيَّاكَ وَقَتِيلَ العَصَا‏.‏

يريد إياك وأن تكون القتيلَ في الفتنة ‏[‏ص 66‏]‏ التي تفارق فيها الجماعة، والعصا‏:‏ اسم للجماعة، قال‏:‏

فَلِلّه شعبا طية صَدَعَا الْعَصَا * هِيَ الْيَوْمَ شَتَّى وَهْيَ أمْسِ جَمِيعُ

يريد فرّقا الجماعة الذين كانوا متجاورين، وكان حقه أن يقول صدعت على فعل الطية لكنه جعله فعل الشعبين توسعاً، وقوله ‏"‏هي اليوم‏"‏ يعني العصا، وهي الجماعة، وشَتَّى أي متفرقة‏.‏

328- إِنَّكَ لاَ تَهْدِي الْمُتَضَالَّ‏.‏

أي من ركب الضلالَ على عمدٍ لم تقدر على هدايته‏.‏ يضرب لمن أتى أمراً على عمد وهو يعلم أن الرشاد في غيره‏.‏

329- إِنَّ القَلُوصَ تَمْنَعُ أَهْلَهَا الْجَلاَءَ‏.‏

وذلك أنها تنتج بطنا فيشرب أهلها لبنها سَنَتَهم ثم تنتج رُبَعاً فيبيعونه، والمراد أنهم يتبلَّغون بلبنها وينتظرون لِقاحها‏.‏

يضرب للضعيف الحال يجاور مُنْعِماً‏.‏

330- إنَّكَ إلىَ ضَرَّةِ مالٍ تَلْجَأ‏.‏

قال ابن الأعرابي‏:‏ أي إلى غنىّ‏.‏ والضرة‏:‏ المال الكثير، والمضرّ‏:‏ الذي تَرُوحُ عليه ضرة من المال، قال الأشعر‏:‏

بِحَسْبِكَ في القوم أن يَعْلَمُوا * بأنَّكَ فيهم غَنِيّ مُضِرّْ

331- إِذا شَبِعَتِ الدَّقِيقَةُ لَحِسَت الجَلِيلَة‏.‏

الدقيقة‏:‏ الغنم، والجليلة‏:‏ الإبل، وهي لا يمكنها أن تشبع، والغنم يُشْبعها القليل من الكلأ فهي تفعل ذلك‏.‏ يضرب للفقير يخدُمُ الغنيَّ‏.‏

332- إذا أَخْصَبَ الزَّمانُ جاءَ الغَاوِي وَالهاوِي‏.‏

يقال‏:‏ الغاوي الجراد، والغوغاء منه، والهاوي‏:‏ الذباب تهوي أي تجيء وتقصد إلى الخِصْب‏.‏ يضرب في ميل الناس إلى حيث المال‏.‏

333- إذا جاءَتِ السَّنَةُ جاءَ مَعَهَا أَعْوَانُهَا‏.‏

يعني الجراد والذباب والأمراض، يعني إذا قَحِطَ الناسُ اجتمع البلايا والمحن‏.‏

334- إنَّ اطِّلاَعاً قَبْلَ إينَاسٍ‏.‏

يضرب في ترك الثقة بما يورد المنهي دون الوقوف على صحته، يعني أن نظرا ومطالعة بصحة معرفتك قبل إشعارك التيقن‏.‏ أنشد ابن الأعرابي‏:‏

وإنْ أَتَاكَ امرؤ يَسْعَى بكَذْبَتِهِ * فانْظُرْ فإنَّ اطِّلاَعا قبل إيناسِ

الاطلاع‏:‏ النظَر، والإيناس‏:‏ التيقن‏.‏ ‏[‏ص 67‏]‏

335- إِنّمَا يُهْدَمُ الحَوْضُ مِنْ عُقْرِهِ ‏.‏

العُقْر‏:‏ مؤخر الحوض، يريد يؤتى الأمر من وجهه‏.‏

336- أنَا أعْلَمُ بِكَذَا مِنَ المائِحِ بِاسْتِ الماتِحِ‏.‏

المايح بالياء‏:‏ الذي في أسفل البئر، والماتح‏:‏ الذي يستقي من فَوْقُ، وقال‏:‏

يا أَيُّهَا المَائِحُ دَلْوِي دُونَكَا*

337- إِنَّهُ سَرِيعُ الإِحارَةِ‏.‏

أي سريع اللُّقَم كبيرُها، والإحارة‏:‏ ردُّ الجواب ورَجْعه، ومنه‏:‏

‏"‏أَرَاكَ بَشْر ما أَحَاَر مِشْفَرُ‏"‏ ‏(‏هذا مثل، وقد فسره الجوهري بقوله‏:‏ أغناك الظاهر عن سؤال الباطن، وأصله في البعير‏)‏ أي ما ردّه ورجَعه مِشفَرُه إلى بطنه‏.‏

338- أَنْ أُصْبِحَ عِنْدَ رَأْسِ الأَمْرِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنَ َأَنْ أُصْبِحَ عِنْدَ ذَنَبِهِ‏.‏

يضرب في الحث على التقدم في الأمور‏.‏

339- إِنَّ أكْلَهُ لَسَلَجانٌ، وَإِنَّ قَضَاءَهُ لَليَّانٌ، وَإِنَّ عَدْوَهُ لرَضَمانٌ‏.‏

أي يحبُّ أن يأخذ ويكره أن يَقْضي وقوله ‏"‏لرضمان‏"‏ معناه بطئ، مأخوذ من قولهم برذون مَرْضُوم العصب إذا كان عصبه قد تشنَّج وإذا كان كذلك بَطُؤ سيره‏.‏

340- إنْ لاَ تَجِدْ عَارِماً تَعْتَرِمْ‏.‏

يضرب للمتكلف ما ليس من شأنه‏.‏ وأصله من عَرَمَ الصبُّي ثديَ أمه، وأنشد يونس‏:‏

ولا تًلْفَيَنَّ كذاتِ الغلا * م إِنْ لم تَجِدْ عَارِماً تَعْتَرِمْ

يعني أن الأم المرضع إن لم تجد من يمصُّ ثديَهَا مَصَّته هي‏.‏ قال‏:‏ ومعنى المثل لا تكن كمن يهجو نفسه إذا لم يجد من يهجوه‏.‏

341- إنَّ كَثِيرَ النّصِيحَةِ يَهجُمُ عَلَى كَثِيرِ الظِّنَّةِ‏.‏

أي إذا بالَغْتَ في النصيحة اتَّهمك من تنصحه‏.‏

242- أَتاهُ فَمَا أبْرَدَ لَهُ ولا أَحَرَّ‏.‏

أي ما أطعمه بارداً ولا حارّاً‏.‏

343- أَنْتَ كَبَارِحِ الأرْوَى‏.‏

البارح‏:‏ الذي يكون في البَرَاح، وهو الفضاء الذي لا جَبَلَ فيه ولا تلّ، والأروى‏:‏ الإناث من المِعْزَى الجبلية، وهي لا تكون إلا في الجبل فلا تُرَى قط في البَرَاح‏.‏يضرب لمن تطول غيبته‏.‏ ‏[‏ص 68‏]‏

344- إذَا العَجُوزُ ارْتَجَبَتْ فَارْجُبْهَا‏.‏

يقال‏:‏ رَجَبْته إذا هِبته وعظّمته، ومنه رَجَبُ مُضَرَ، لأن الكفار كانوا يهابونه ويعظمونه ولا يقاتلون فيه‏.‏ ومعنى المثل إذا خوفَتْكَ العجوز نفسَها فخَفْها لا تذكر منك ما تكره‏.‏

345- إِنَّمَا هُوَ الفَجْرُ أَو الْبَجْرُ‏.‏

أي إن انتظرت حتى يُضيء لك الفجر الطريقَ أبصرتَ قدرك، وإن خبطت الظَّلْماء وركبت العَشْواء هَجَما بك على المكروه‏.‏

يضرب في الحوادث التي لا امتناع منها‏.

346 أنْتَ أنْزَلْتَ القِدْرَ بأَثَافِيِّهَا‏.‏

يضرب لمن يركب أمراً عظيما ويُوقِع نفسه فيه‏.‏

347- أتَتْكُمْ فَالِيَةُ الأفاعِي‏.‏

الفالية، وجمعها الفوالي‏:‏ هنات كالخنافس رُقْط تألف العقارب في جِحَرة الضبّ، فإذا خرجت تلك علم أن الضب خارج لا محالة، ويقال‏:‏ إذا رِيئَتْ في الجحر علم أن وراءها العقارب والحيات‏.‏

يضرب مثلا لأول الشر يُنْتَظَر بعده شر منه‏.‏

348- أتَى عَلَيْهِمْ ذُو أَتى‏.‏

هذا مَثَل من كلام طيء، و‏"‏ذو‏"‏ في لغتهم تكون بمعنى الذي، يقولون ‏"‏نحن ذو فعلنا كذا‏"‏ أي نحن الذين فعلنا كذا، و ‏"‏هو ذو فعل كذا‏"‏ و ‏"‏هي ذو فعلَتْ كذا‏"‏ قال شاعرهم‏:‏

فإنَّ الماء ماءُ أبي وجَدِّي * وبئري ذُو حَفَرْتُ وذو طَوَيْتُ

ومعنى المثل‏:‏ أتى عليهم الذي أتى على الخلق، يعني حَوَادِثَ الدهر‏.‏

349- أبُو وَثِيل أبِلَتْ جِمَاُلُه‏.‏

يقال‏:‏ أبِلَتِ الإبلُ والوحشُ، إذا رَعَتِ الرُّطبْ ‏(‏الرطب - بوزن قفل أو عنق - الأخضر من البقل‏)‏ فسمنت‏.‏

يضرب لمن كان ساقطا فارتفع‏.‏

350- أُمٌّ سَقَتْكَ الغَيْلَ مِنْ غَيْر حَبَلٍ‏.‏

الغَيْل‏:‏ اللبن يُرْضَعه الرضيع والأم حامل، وذلك مَفْسَدة للصبي‏.‏

يضرب لمن يُدْنيك ثم يجفوك ويُقْصِيك من غير ذنب‏.‏

351- آثَرْتُ غيري بِغُرَاقَاتِ القِرَبِ‏.‏

الغُرْقَة والغُرَاقة‏:‏ القليلُ من الماء واللبن وغيرهما، يَدّخره المرءُ لنفسه ثم يُؤْثر على نفسه غيره‏.‏ ‏[‏ص 69‏]‏

يضرب لمن تتحمل له كل مكروه ثم يستزيدك ولا يرضى عنك‏.‏

352- أوَي إلَى رُكْنٍ بِلا قَوَاعٍدَ‏.‏

يضرب لمن يأوِي إلى من له بقبقة، ولا حقيقة عنده‏.‏

353- آبَ وقِدْحُ الفَوْزَةِ المَنِيحُ‏.‏

المَنِيحُ من قِدَاح الميسر‏:‏ ما لا نصيب له، وهو‏:‏ السَّفيح، والمنيح، والوَغْد‏.‏

يضرب لمن غاب ثم يجيء بعد فَرَاغ القوم مما هم فيه فهو يعود بخيبة‏.‏

354- إِنْ كَذِبٌ نَجَّى فَصِدْقٌ أخْلَقُ‏.‏

تقديره‏:‏ إن نجى كذب فصدق أجْدَرُ وأولى بالتنجية‏.‏

355- أَخٌ أرَادَ البِرَّ صَرْحاً فاجْتَهَدَ‏.‏

أراد صَرَحاً بالتحريك فسكن، والصرح‏:‏ الخالص من كل شيء، قال الشاعر‏:‏

تَعْلُو السيوفُ بأيدينا جماجِمَهُمْ * كما يعلق مروَ الأمعز الصَّرَحُ

أي الخالص، يقال‏:‏ صَرُحَ صَرَاحة فهو صَرِيح وَصَرحَ وَصُرَاح‏.‏

يضرب لمن اجتهد في برّك، وإن لم يبلغ رضاك‏.‏

356- إِنِّي مَلِيطُ الرَّفْدِ مِنْ عُوَيْمر‏.‏

المليط‏:‏ السِّقْطُ من أولاد الإبل قبل أن يُشْعِر، والرفد‏:‏ العطاء، يريد إني ساقطُ الحظِّ من عطائه‏.‏

يضرب لمن يختص بإنسان ويقل حظه من إحسانه‏.‏

357- إنْ حالَتِ القَوْسُ فَسَهْمِي صائِبٌ‏.‏

يقال‏:‏ حالت القوسُ تَحُول حُؤُولا إذا زالَتْ عن استقامتها، وسهم صائب‏:‏ يصيب الغرض‏.‏

يضرب لمن زالت نعمته ولم تزل مروءته‏.‏

358- أيَّ سَوَادٍ بِخدَامٍ تَدْرِي‏.‏

السَّواد‏:‏ الشخص، والخِدام‏:‏ جمع خَدَمة وهي الخلخال، وادّرى وَدَرَى‏:‏ إذا خَتَل‏.‏

يضربه مَنْ لا يعتقد أنه يخدع ويختل‏.‏

359- إِنَّهُ لاَ يُخْنَقُ عَلَى جِرَّتِهِ‏.‏

يضرب لمن لا يُمْنَع من الكلام فهو يقول ما يشاء‏.‏

360- إنَّهُ لَفي حُورٍ وفي بُورٍ‏.‏

الحُور‏:‏ النقصان، والبَوْرُ‏:‏ الهلاك بفتح الباء، وكذلك البَوَار، والبور بالضم‏:‏ الرجلُ الفاسد الهالك، ومنه قول ابن الزِّبَعْرَي ‏[‏ص 70‏]‏ ‏"‏إذ أنا بُورٌ‏"‏ يقال‏:‏ رجل بُور، وامرأة بُور، وقوم بُور، وإنما ضم الباء في المثل لازدواج الحور‏.‏

يضرب لمن طلب حاجة فلم يضنع فيها شيئاً‏.‏

361- إِنّ غَداً لنَاظِرِهِ قَرِيبُ‏.‏

أي لمنتظره، يقال‏:‏ نَظَرْتُه أي انتظرته وأول من قال ذلك قُرَاد بن أجْدَعَ، وذلك أن النعمان بن المنذر خرج يتصيد على فرسه اليَحْمُوم، فأجراه على أثَر عَيْر، فذهب به الفرس في الأرض ولم يقدر عليه، وانفرد عن أصحابه، وأخذته السماء، فطلب مَلْجأ ياجأ إليه، فدُفِع إلى بناء فإذا فيه رجل من طيء يقال له حَنْظَلة ومعه امرأة له، فقال لهما‏:‏ هل من مَأوًى، فقال حنظلة‏:‏ نعم، فخرج إليه فأنزله، ولم يكن للطائي غير شاة وهو لا يعرف النعمان، فقال لامرأته‏:‏ أرى رجلاً ذا هيئة وما أخْلَقَه أن يكون شريفاً خطيراً فما الحيلة‏؟‏ قالت‏:‏ عندي شيء من طَحين كنت ادّخرته فاذبح الشاةَ لأتخذ من الطحين مَلَّة، قال‏:‏ فأخرجت المرأة الدقيق فخبزت منه مَلَّة، وقام الطائيّ إلى شاته فاحتلبها ثم ذبحها فاتخذ من لحمها مَرَقة مَضِيرة، وأطعمه من لحمها، وسقاه من لبنها، واحتال له شراباً فسقاه وجعل يُحَدثه بقية ليلته، فلما أصبح النعمان لبس ثيابه وركب فرسه، ثم قال‏:‏ يا أخا طيء اطلب ثَوَابك، أنا الملك النعمان، قال‏:‏ أفعل إن شاء الله، ثم لحق الخيل فمضى نحو الحِيرة، ومكث الطائي بعد ذلك زماناً حتى أصابته نَكْبة وجَهْد وساءت حاله، فقالت له امرأته‏:‏ لو أتيتَ الملك لأحسن إليك، فأقبلَ حتى انتهى إلى الحِيرَة فوافق يومَ بؤس النعمان، فإذا هو واقف في خَيْله في السلاح، فلما نظر إليه النعمان عرفه، وساءه مكانه، فوقف الطائيّ المنزولُ به بين يدي النعمان، فقال له‏:‏ أنت الطائيّ المنزول به‏؟‏ قال‏:‏ نعم، قال‏:‏ أفلا جِئْتَ في غير هذا اليوم‏؟‏ قال‏:‏ أبَيْتَ اللعن‏!‏ وما كان علمي بهذا اليوم‏؟‏ قال‏:‏ والله لو سَنَحَ لي في هذا اليوم قابوسُ ابني لم أجد بُدّا من قتله، فاطلب حاجَتَكَ من الدنيا وسَلْ ما بدا لك فإنك مقتول، قال‏:‏ أبَيْتَ اللعنَ‏!‏ وما أصنع بالدنيا بعد نفسي‏.‏ قال النعمان‏:‏ إنه لا سبيل إليها، قال‏:‏ فإن كان لا بدّ فأجِّلْني حتى أُلِمَّ بأهلي فأوصي إليهم وأهيئ حالهم ثم أنصرف إليك، قال النعمان‏:‏ فأقم لي كَفيلاً بموافاتك، فالتفت الطائي إلى شريك بن عمرو بن قيس من بني شيبان، وكان يكنى أبا الحَوْفَزَان وكان صاحب الردافة، وهو واقف بجنب النعمان، فقال له‏:‏ ‏[‏ص 71‏]‏

يا شريكا يا ابن عمرو * هل من الموت مَحَالة

يا أخا كل مُضَافٍ * يا أخا مَنْ لا أخا له

يا أخا النعمان فُكَّ الــــيوم ضَيْفاً قد أتى له

طالما عالج كرب الـــــــموت لا ينعم باله

فأبى شريك أن يتكفل به، فوثب إليه رجل من كلب يقال له قُرَاد بن أجْدَع، فقال للنعمان‏:‏ أبيت اللَّعْن‏!‏ هو عليّ، قال النعمان‏:‏ أفعلت‏؟‏ قال‏:‏ نعم، فضمّنه إياه ثم أمر للطائي بخمسمائة ناقة، فمضى الطائيّ إلى أهله، وجَعَلَ الأجَلَ حولا من يومه ذلك إلى مثل ذلك اليوم من قابل، فلما حال عليه الحولُ وبقي من الأجل يوم قال النعمان لقُرَاد‏:‏

ما أراك إلا هالكاً غَداً، فقال قُرَاد‏:‏

فإن يَكُ صَدْرُ هذا اليوم وَلىّ * فإنَّ غَداً لناظرهِ قَريبُ

فلما أصبح النعمان ركب في خيله ورَجْله متسلحاً كما كان يفعل حتى أتى الغَرِيَّيْنِ فوقف بينهما، وأخرج معه قُرَادا، وأمر بقتله، فقال له وزراؤه‏:‏ ليس لك أن تقتله حتى يستوفي يومه، فتركه، وكان النعمان يشتهي أن يقتل قُرَادا ليُفْلَتَ الطائي من القتل، فلما كادت الشمس تَجِبُ وقُرَاد قائم مُجَرَّد في إزار على النِّطَع والسيافُ إلى جنبه أقبلت امرأته وهي تقول‏:‏

أيا عَيْنُ بكى لي قُرَاد بن أجْدَعَا * رَهينا لقَتْلٍ لا رهينا مُوَدّعا

أتته المنايا بَغْتةً دون قومه * فأمسى أسيراً حاضر البَيْتِ أضْرَعَا

فبينا هم كذلك إذ رفع لهم شخص من بعيد، وقد أمر النعمان بقتل قراد، فقيل له‏:‏ ليس لك أن تقتله حتى يأتيك الشخص فتعلم من هو، فكفَّ حتى انتهى إليهم الرجلُ فإذا هو الطائي، فلما نظر إليه النعمان شَقَّ عليه مجيئه، فقال له‏:‏ ما حملك على الرجوع بعدَ إفلاتك من القتل‏؟‏ قال‏:‏ الوفاء، قال‏:‏ وما دَعَاك إلى الوفاء‏؟‏ قال‏:‏ دِينِي، قال النعمان‏:‏ فاعْرِضْهَا عليّ، فعرضها عليه، فتنصر النعمان وأهلُ الحِيرة أجمعون، وكان قبل ذلك على دين العرب، فترك القتلَ منذ ذلك اليوم، وأبطل تلك السُّنَّة وأمر بهدم الغَرِيّيْن، وعفا عن قُرَاد والطائي، وقال‏:‏ والله ما أدري أيها أوفى وأكرم، أهذا الذي نجا من القتل فعاد أم هذا الذي ضمنه‏؟‏ والله لا أكون ألأمَ الثلاثة، فأنشد الطائيّ يقول‏:‏

ما كُنْتُ أُخْلِفُ ظنه بعد الذي * أسْدَى إلىّ من الفَعَال الخالي

ولقد دَعَتْنِي للخلاف ضَلاَلتي * فأبَيْتُ غيرَ تمجُّدِي وفعالي ‏[‏ص 72‏]‏

إني امرؤ منِّي الوفاءُ سَجِية * وجزاء كل مكارم بَذَّالِ

وقال أيضاً يمدح قُرَادا‏:‏

ألا إنما يسمو إلى المجد والعُلا * مَخارِيقُ أمثال القُرَاد بْنِ أجْدَعَا

مخاريقُ أمثال القراد وأهله * فإنهمُ الأخيار من رَهْطِ تبعا

362- إِنّ أَخاكَ مَنْ آسَاكَ‏.‏

يقال‏:‏ آسيت فلانا بمالي أو غيره، إذا جعلته أُسْوَةَ لك، ووَاسَيْتُ لغة فيه ضعيفة بَنَوْهَا على يُوَاسي، ومعنى المثل إن أخاك حقيقةً مَنْ قدمك وآثَرَك على نفسه‏.‏

يضرب في الحثّ على مراعاة الإخوان وأول من قال ذلك خُزَيم بن نَوْفل الهَمْداني، وذلك أن النعمان بن ثَوَاب العبديّ ثم الشنيّ كان له بنون ثلاثة‏:‏ سعد، وسعيد، وساعدة، وكان أبوهم ذا شرف وحكمة، وكان يوصي بنيه ويحملهم على أدَبِه، أما ابنه سعد فكان شجاعاً بطلاً من شياطين العرب لا يُقَام لسبيله ولم تَفُتْه طَلِبَتهُ قطّ، ولم يفرَّ عن قِرْن‏.‏ وأما سعيد فكان يشبه أباه في شرفه وسؤدده‏.‏ وأما ساعدة فكان صاحب شراب ونَدَامى وإخوان، فلما رأى الشيخ حالَ بنيه دعا سعدا وكان صاحب حرب فقال‏:‏ يا بُنَي إن الصارم يَنْبو، والجواد يَكْبُوُ، والأثر يعفو، فإذا شهدت حرباً فرأيت نارها تستعر، وبطلها يحظر، وبحرها يزخر، وضعيفها ينصر، وجبانها يجسر، فأقْلِلِ المكث والانتظار، فإن الفرار غير عار، إذا لم تكن طالبَ ثار، فإنما ينصرون هم، وإياك أن تكون صَيْدَ رماحها، ونطيح نطاحها، وقال لابنه سعيد وكان جوادا‏:‏ يا بني لا يبخل الجواد، فابذل الطارف والتِّلاد، وأقلل التَّلاح، تُذْكَرُ عند السماح، وأبْلُ إخوانك فإن وَفِيَّهم قليل، واصنع المعروف عند محتمله‏.‏ وقال لابنه ساعدة وكان صاحب شراب‏:‏ يا بني إن كثرة الشراب تفسد القلب، وتقلل الكسب، وتجدّ اللعب، فأبصر نَديمك، واحْمِ حريمك، وأعِنْ غريمك، واعلم أن الظمأ القامح، خير من الري الفاضح، وعليك بالقَصْد فإن فيه بلاغا‏.‏ ثم إن أباهم النعمان بن ثَوَاب توفي، فقال ابنه سعيد وكان جوادا سيدا‏:‏ لآخذنّ بوصية أبي ولأبلُوَنَّ إخواني وثقاتي في نفسي، فعمد إلى كبش فذبحه ثم وضعه في ناحية خِبائه، وغَشَّاه ثوباً، ثم دعا بعض ثقاته فقال‏:‏ يا فلان إن أخاك مَنْ وفَى لك بعهده، وحاطك بِرِفده، ونصرك بوده، قال‏:‏ ‏[‏ص 73‏]‏ صدقت فهل حدث أمر‏؟‏ قال‏:‏ نعم، إني قتلت فلاناً، وهو الذي تراه في ناحية الخِباء، ولابد من التعاون هليه حتى يُوَارَى، فما عندك‏؟‏ قال‏:‏ يالَهَا سَوْأة وقعتَ فيها، قال‏:‏ فإني أريد أن تعينني عليه حتى أغيبه، قال‏:‏ لستُ لك في هذا بصاحب، فتركه وخرج، فبعث إلى آخر من ثقاته فأخبره بذلك وسأله مَعُونته، فردّ عليه مثل ذلك، حتى بعث إلى عَدَد منهم، كلهم يردّ عليه مثل جواب الأول، ثم بعث إلى رجل من إخوانه يقال له خُزَيم بن نَوْفل، فلما أتاه قال له‏:‏ يا خُزَيم مالي عندك‏؟‏ قال‏:‏ ما يسرّك، وما ذاك‏؟‏ قال‏:‏ إني قتلت فلاناً وهو الذي تراه مُسَجًّى، قال‏:‏ أيْسَرُ خَطْبٍ، فتريد ماذا‏؟‏ قال‏:‏ أريد أن تعينني حتى أغيبه، قال‏:‏ هان ما فَزِعْتَ فيه إلى أخيك، وغلامٌ لسعيد قائم معهما، فقال له خزيم‏:‏ هل اطلع على هذا الأمر أحدٌ غير غلامك هذا‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ انظر ما تقول، قال‏:‏ ما قلت إلا حقا، فأهْوَى خزيم إلى غلامه فضربه بالسيف فقتله، وقال‏:‏ ليس عبدٌ بأخٍ لك، فأرسلها مثلا، وارتاع سعيد وفزع لقتل غلامه، فقال‏:‏ ويحك‏!‏ ما صنعت‏؟‏ وجعل يلومه، فقال خزيم‏:‏ إن أخاك من آساك، فأرسلها مثلا، قال سعيد‏:‏ فإني أردْتُ تجربتك، ثم كشف له عن الكَبْش، وخبره بما لقي من إخوانه وثقاته وما ردوا عليه، فقال خزيم‏:‏ سَبَقَ السيفُ العَذَلَ، فذهبت مثلا‏.‏

363- ألاَ مَنْ يَشْترِي سَهَراً بِنَوْمٍ‏.‏

قالوا‏:‏ إن أول مَنْ قال ذلك ذو رُعَيْن الْحِمْيَري، وذلك أن حِمْيَر تفرقت على ملكها حسان، وخالفت أمره لسوء سيرته فيهم، ومالوا إلى أخيه عمرو، وحملوه على قَتْل أخيه حَسَّان وأشاروا عليه بذلك ورغبوه في المُلْك، ووَعَدوه حسن الطاعة والموازرة، فنهاه ذو رُعَيْن من بين حمير عن قتل أخيه، وعلم أنه إن قتل أخاه ندم ونَفَر عنه النوم وانتقض عليه أموره، وأنه سيعاقِبُ الذي أشار عليه بذلك، ويعرف غشهم له، فلما رأى ذو رُعَيْن أنه لا يقبل ذلك منه وخشي العواقب قال هذين البيتين وكتبهما في صحيفة وختم عليها بخاتم عمرو، وقال‏:‏ هذه وديعة لي عندك إلى أن أطلبها منك، فأخذها عمرو فدَفَعها إلى خازنه وأمَرَه برفعها إلى الخزانه والاحتفاظ بها إلى أن يَسْأل عنه، فلما قَتَلَ أخاه وجلس مكانه في الملك مُنِعَ منه النومُ، وسُلِّط عليه السهر، فلما اشتد ذلك عليه لم يَدَعْ باليمن طبيبا ولا كاهنا ولا منجما ولا عرّافا ولا عائفا إلا جمعهم، ثم أخبرهم بقصته، وشكا إليهم ما به، فقالوا له‏:‏ ما قَتَلَ ‏[‏ص 74‏]‏ رجل أخاه أو ذا رَحِم منه على نحو ما قتلت أخاك إلا أصابه السهر ومنع منه النوم، فلما قالوا له ذلك أقبل على مَنْ كان أشار عليه بقتل أخيه وساعده عليه من أقْيَال حِمْير فقتلهم حتى أفناهم، فلما وصل إلى ذي رُعَين قال له‏:‏ أيها الملك إن لي عندك بَرَاءة مما تريد أن تصنع بي، قال‏:‏ وما براءتك وأمانك‏؟‏ قال‏:‏ مُرْ خازنك أن يخرج الصحيفة التي استودعتكها يوم كذا وكذا، فأمر خازِنه فأخرجها فنظر إلى خاتمه عليها ثم فَضَّها فإذا فيها‏:‏

ألاَ مَنْ يَشْتَري سَهَراً بِنَوْمٍ * سَعِيدٌ مَنْ يبيتُ قَرِيرَ عَيْنِ

فإمَّا حِمْيَر غَدَرَتْ وخانت * فَمَعْذِرَةُ الإله لِذِي رُعَيْنَ

ثم قال له‏:‏ أيها الملك قد نَهيتك عن قتل أخيك، وعلمتُ أنك إن فعلت ذلك أصابك الذي قد أصابك، فكتبت هذين البيتين بَرَاءة لي عندك مما علمت أنك تصنع بمن أشار عليك بقتل أخيك، فقبل ذلك منه، وعفا عنه، وأحسن جائزته‏.‏

يضرب لمن غمط النعمة وكره العافية‏.‏

364- إِنَّكَ لاَ تُهَرِّشُ كَلْباً‏.‏

يضرب لمن يحمل الحليم على التوثُّب‏.‏

365- إنَّ الذَّلِيلَ مَنْ ذَلَّ في سُلْطانِهِ‏.‏

يضرب لمن ذلّ في موضع التعزز وضَعُفَ حيث تنتظر قدرته‏.‏

366- إنْ كُنْتَ كَذُوباً فَكُنْ ذَكوراً‏.‏

يضرب للرجل يكذب ثم ينسى فيحدث بخلاف ذلك‏.‏

367- إذا اشْتَرَيْتَ فاذْكُرِ السُّوقَ‏.‏

يعني إذا اشتريت فاذكر البيع لتجتنب العيوب‏.‏

368- إِنّهُ لَقُبَضَةٌ رُفَضَةٌ‏.‏

يضرب للذي يتمسك بالشيء ثم لا يلبث أن يدعه‏.‏

369- إنْ لَمْ يكُنْ مُعْلَماً فَدَحْرِجْ‏.‏

أصل هذا المثل أن بعض الْحَمْقَى كان عُرْيانا فقعد في حُبّ وكان يدحرج، فحضره أبوه بثوب يلبسه، فقال‏:‏ هل هو مُعْلم‏؟‏ قال‏:‏ لا، فقال‏:‏ إن لم يكن معلما فَدَحرج فذهب مثلا‏.‏

يضرب للمضطر يقترح فوق ما يكفيه‏.‏

370- إياكَ وَالسَّآمَةَ في طَلَبِ الأمُورِ فَتَقْذِفُكَ الرِّجالُ خَلْفَ أعْقابِهَا‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ يروى عن أبجر ‏[‏ص 75‏]‏ بن ‏(‏في نسخة‏"‏أبجر بن عامر‏"‏‏)‏ جابر العجلي أنه قال فيما أوصى به ابنه حجازا‏:‏ يا بني إياك والسآمة‏.‏

يضرب في الحث على الجدّ في الأمور وتَرْك التفريط فيها‏.‏

371- إذَا ما القارِظُ العَنَزِيُّ آبا‏.‏

قال ابن الكلبي‏:‏ هما قارظان كلاهما من عَنَزة، فالأكبر منهما هو يَذْكر بن عَنَزة لصلبه، والأصغر هو رهم ‏(‏في القاموس‏"‏ عامر بن رهم‏"‏‏)‏ بن عامر ابن عَنَزة، كان من حديث الأول أن خزيمة ابن نهد - ويروى حزيمة، كذا رواه أبو الندى في أمثاله - كان عَشِقَ فاطمة ابنة يَذْكر، قال‏:‏ وهو القائل فيها‏:‏

إذ الْجَوْزَاء أردفَتِ الثريَّا * ظننْتُ بآل فاطمة الظنونا

قال‏:‏ ثم إن يَذْكرُ وخزيمة خرجا يطلبان القَرَظَ، فمرا بهُوَّة من الأرض فيها نحل، فنزل يذكر يَشْتَار عَسَلا ودَلاَّه خزيمة بحبل، فلما فرغ قال يذكر لخزيمة‏:‏ امددني لأصعد، فقال خزيمة‏:‏ لا واللّه حتى تزوجني ابنتك فاطمة، فقال‏:‏ أعلى هذه الحال‏؟‏ لا يكون ذلك أبدا، فتركه خزيمة فيها حتى مات، قال‏:‏ وفيه وقَع الشر بين قُضَاعة وربيعة‏.‏ قال‏:‏ وأما الأصغر منهما فإنه خرج لطلب القَرَظ أيضاً، فلم يرجع، ولا يُدْرَى ما كان من خبره، فصار مثلا في امتداد الغَيْبة، قال بشر بن أبي خازم لابنته عند موته‏:‏

فَرَجِّي الخيرَ وانتظِرِي إيابي * إذا ماالْقَارِظُ العَنَزِيُّ آبا‏.‏

372- إِنّهُ لَمِشَلُّ عُونٍ‏.‏

المِشَلّ‏:‏ الطرد، والعُون‏:‏ جمع عانة، أي إنه ليَصْلُح أن تشل عليه الحمر الوحشية‏.‏ يضرب لمن يصلح أن تُنَاط به الأمور العظام‏.‏

373- إنّهُ لَمِخْلَطٌ مِزْيَلٌ‏.‏

يضرب للذي يخالط الأمور ويُزَايلها ثقةً بعلمه واهتدائه فيها‏.‏

374- إنّهُ الَّليْلُ وأضْواجُ الْوادِي‏.‏

الضوج بالضاد المعجمة والجيم‏:‏ مُنْعَطَفُ الوادي، والصُّوحُ بالصاد المضمومة والحاء‏:‏ حائط الوادي وناحيته‏.‏

وهذا المثل مثل قولهم ‏"‏الليل وأهضام الوادي‏"‏‏.‏

375- إنَّكَ لاَ تَعْدُو بِغَيْرِ أُمكَ‏.‏

يضرب لمن يُسْرِف في غير موضع السَّرَف‏.‏ ‏[‏ص 76‏]‏

376- إنَّكَ لَوْ ظَلَمْتَ ظُلْماً أمَماً‏.‏

الأمَمُ‏:‏ القرب، أي لو ظلمت ظلماً ذا قرب لعفونا عنك، ولكن بلغت الغاية في ظلمك‏.‏

377- إنْ كُنْتِ الحَالِبَةَ فاسْتَغْزِرِي‏.‏

أي إن قصدتِ الحلب فاطلبي ناقة غزيرة‏.‏

يضرب لمن يُدَلُّ على موضع حاجته‏.‏

378- إِنَّ أَخَا الخِلاَطِ أعْشَى بالَّليْلِ

الخِلاط‏:‏ أن يخلط إبله بإبل غيره ليمنع حَقَّ الله منها، وفي الحديث ‏"‏لا خِلاَطَ ولا وِرَاط‏"‏ أي لا يجمع بين متفرقين، والوارط‏:‏ أن يجعل غنمه في وَرْطة وهي الهُوَّة من الأرض لتخفى، والذي يفعل الخلاط يتحير ويدهش‏.‏

يضرب مثلا للمُرِيب الخائن‏.‏

379- إنَّ أمامِي مَالاَ أُسامِي‏.‏

أي مالا أساميه ولا أقاومه‏.‏ يضرب للأمر العظيم يُنْتَظَر وقوعه‏.‏

380- إنْ كُنْتِ حُبْلَى فَلِدِي غُلاَماً‏.‏

يضرب للمتصلِّف يقول‏:‏ هذا الأمرُ بيدي‏.‏

381- إنّما طَعَامُ فُلاَنٍ القَفْعَاءُ وَالتَّأوِيلُ‏.‏

القفعاء‏:‏ شجرة لها شَوْك، والتأويل‏:‏ نبت يعتلفه الحمار‏.‏

يضرب لمن يُسْتَبْلَدُ طبعه، أي إنه بهيمة في ضعف عقله وقلة فهمه‏.‏

382- إيَّاكَ وَصَحْرَاءَ الإِهالَةِ‏.‏

أصل هذا أن كِسْرَى أغْزَى جيشاً إلى قبيلة إياد، وجعل معهم لَقِيطاً الإيادي ليَدُلَّهم، فَتَوَّه بهم لقيط في صحراء الإهالة، فهلكوا جميعاً، فقيل في التحذير ‏"‏إياك وصَحْرَاء الإهالة‏"‏‏.‏

383- إنَّهُ لَيَنتْجِبُ عِضاهَ فُلاَنٍ‏.‏

الانتجاب أخذ النَّجَبَة، وهي قشر الشجر‏.‏

يضرب لمن ينتحل شعر غيره‏.‏

384- آخِ الأْكْفَاءَ وداهِن الأعْدَاءَ‏.‏

هذا قريب من قولهم ‏"‏خالِصِ المؤمنَ وخالِقِ الفاجِر‏"‏

385- إذَا قَرِحَ الجَنَانُ بَكَتِ العَيْنَانِ‏.‏

هذا كقولهم ‏"‏البغض تُبْديِه لك العَيْنَانِ‏"‏

386- إنَّمَا يُحْمَلُ الْكَلُّ عَلَى أَهْلِ الْفَضْلِ‏.‏

الكَلُّ‏:‏ الثقل‏.‏ أي تُحَملُ الأعباء على أهل القدرة‏.‏ ‏[‏ص 77‏]‏

387- إذَا تَلاَحَتِ الْخُصُومُ تَسَافَهَتِ الحُلُوُم‏.‏

التَّلاَحِي‏:‏ التشاتُم، أي عنده يصير الحليم سفيها‏.‏

388- إنَّهُ يَنْبَحُ النَّاسَ قَبَلاً‏.‏

يضرب لمن يشتم الناس من غير جُرْم، ونصب ‏"‏قبلا‏"‏ على الحال‏:‏ أي مقابلا‏.‏

389- إِنَّ السِّلاَءَ لِمَنْ أَقَامَ وَوَلَّدَ‏.‏

يقال‏:‏ سَلأْتُ السمن سلأ إذا أذَبْته، والسِّلاء بالمد‏:‏ المسلوء، يعني أن النتاج ومنافِعَه لمن أقام وأعان على الولادة، لا لمن غَفَل وأهمل‏.‏

يضرب في ذم الكسل‏.‏

390- أَنْتَ بَيْنَ كَبِدِي وَخِلْبِي‏.‏

يضرب للعزيز الذي يشفق عليه، والخِلْبُ‏:‏ الحِجَابُ الذي بين القلب وسواد البطن‏.‏

391- آخِرُ سَفَرْكَ أَمْلَكُ‏.‏

يضرب لمن يَنْشَط في السفر أولا، أي ننظر كيف يكون نشاطك آخرا، وقوله ‏"‏أمْلَكُ‏"‏ أي أحق بأن يملك فيه النشاط‏.‏

392- إنَّكَ رَيَّانُ فَلاَ تَعْجَلْ بِشُرْبِكَ‏.‏

يضرب لمن أشرف على إدراك بِغْيَته فيؤمر بالرفق‏.‏

393- إنْ كنْتَ ناصِرِي فَغَيِّبْ شَخْصَكَ عَنِّي‏.‏

يضرب لمن أراد أن ينصرك فيأتي بما هو عليك لا لك‏.‏

394- أَخَذَهُ عَلَى قِلِّ غَيْظِهِ‏.‏

أي على أثَرِ غَيْظٍ منه في قلبه‏.‏

395- إذَا لَمْ تُسْمِعْ فَألْمِعْ‏.‏

أي إن عَجَزْتَ عن الإسماع لم تعجز عن الإشارة‏.‏

396- إِنَّ مِنَ ابْتِغَاءِ الخَيْرِ اتِّقاءَ الشَّرِّ‏.‏

يروى هذا عن ابن شِهاب الزُّهري حين مدَحه شاعر فأعطاه مالا وقال هذا القول‏.‏

397- إنَّما الشَّيْءُ كَشَكْلِهِ‏.‏

قاله أكْثَمُ بن صَيْفي‏.‏

يضرب للأمرين أو الرجلين يتفقان في أمرٍ فيأتلفان‏.‏

398- أَتَتْ عَلَيْهِ أُمُّ اللُّهَيْمِ‏.‏

أي أهلكته الداهية، ويقال المنِيَّةُ‏.‏

399- أَكَلْتُمْ تَمْرِي وَعَصَيْتُمْ أَمْرِي‏.‏

قاله عبدُ الله بن الزُّبَير‏.‏

400- أَيْنَ بَيْتُكِ فَتُزَارِي‏.‏

يضرب لمن يبطئ في زيارتك‏.‏ ‏[‏ص 78‏]‏

401- إِنَّ الهَوَى شَرِيكُ العَمَي‏.‏

هذا مثل قولهم ‏"‏حُبُّكَ الشيءَ يُعْمِي ويُصِمُّ‏"‏‏.‏

402- إِذَا أَعْيَاكِ جاراتُكِ فَعُوكِي عَلَى ذِي بَيْتِكِ‏.‏

قال رجل لامرأته‏:‏ أي إذا أعياك الشيءُ من قبل غيركِ فاعتمدي على ما في ملكك، وعُوكِي‏:‏ معناه أقبلي‏.‏

403- أَخَذَنِي بِأطِيرِ غَيْرِي‏.‏

الأَطِيرُ‏:‏ الذنْبُ، قال مسكين الدَّارِمِيُّ‏:‏

أتَضْرِبُني بأطِيرِ الرَجالِ * وَكَلَّفْتَنِي مَا يَقُولُ الْبَشَرْ

404- إنَّ دُونَ الطُّلْمَةِ خَرْطَ قَتَادِ هَوْبَرٍ‏.‏

الطُّلْمة‏:‏ الخبزة تُجْعَل في المَلَّة، وهي الرماد الحار، وهَوْبَر‏:‏ مكان كثير القَتَاد‏.‏ يضرب للشيء الممتنع‏.‏

405- إَّنُه دِيْسٌ مِنَ الدِّيَسَةِ‏.‏

أصل دِيس دوس من الدَّوْسِ والدِّيَاسة أي أنه يَدُوس من يُنَازله‏.‏

يضرب للرجل الشجاع‏.‏

وبَنَى قوله من الدِّيَسَة على قوله دِيس وإلاّ فحَقُّه الواو‏.‏

406- إنَّ الرَّأْيَ لَيْسَ بالتَّظَنِّي‏.‏

يضرب في الحث على التَّرْوِية في الأمر‏.‏

407- أَنا ابْنُ كُدَيِّهَا وكَدَائِهَا‏.‏

وكُدَى وكَدَاء‏:‏ جبلان بمكة، والهاء راجعة إلى مكة أو إلى الأرض‏.‏

وهذا مثل يضربه مَنْ أراد الافتخار على غيره‏.‏

408- آخِرُ البَزِّ عَلَى القَلُوصِ‏.‏

البَزُّ‏:‏ الثيابُ‏.‏ والقَلُوص‏:‏ الأنثى من الإبل الشابة‏.‏ وهذا المثل مذكور في قصة الزَّبَّاء في حرف الخاء‏.‏

*3*باب ما جاء على أفعل من هذا الباب‏.

اعلم أن لأفْعَلَ إذا كان للتفضيل ثلاثة أحوال‏:‏ الأول‏:‏ أن يكون معه ‏"‏مِنْ‏"‏ نحو‏:‏ زيد أفْضَلُ من عمرو، والثاني‏:‏ أن تدخل عليه الألف وللام، نحو‏:‏ زيد الأفْضَلُ، والثالث‏:‏ أن يكون مضافا، نحو‏:‏ زيدٌ أفضلُ القَوْمِ، وعمرو أفْضَلُكم‏.‏

فإذا كان مع ‏"‏مِنْ‏"‏ استوى فيه الواحد والتثنية والجمع والمذكر والمؤنث، تقول‏:‏ زيد أفضل منك، والزيدان أفضلُ منك، والزيدون أفضل منك، وكذلك ‏[‏ص 79‏]‏ هند أفضل من دعد، والهندانِ أفضلُ، والهندات أفضل، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏هؤُلاَءِ بَنَاتِي هُنَّ أطْهَرُ لكم‏}‏ وإنما كان كذلك لأن تَمَامه بمن، ولا يثنى الاسم ولا يجمع ولا يؤنث قبل تمامه، ولهذا لا يجوز أن تقول ‏"‏زيد أفضل‏"‏ وأنت تريد من، إلا إذا دلَّت الحالُ عليه، فحينئذ إن أضمرْتَه جاز، نحو قولك‏:‏ زيد أفضل من عمرو وأعْقَلُ، تريد وأعْقَلُ منه، وعلى هذا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَعْلَمُ السِّرَّ وأخْفَى‏}‏ أي وأخْفَى من السر، وجاء في التفسير عن ابن عباس ومُجَاهد وقَتَادة‏:‏ السرُّ ما أسررت في نفسك، وأخفى منه ما لم تحدث به نفسك مما يكون في غدٍ، علم الله فيهما سواء، فحذف الجار والمجرور لدلالة الحال عليه، وكذلك‏:‏ ‏{‏هُنَّ أَطْهَرُ لكم‏}‏ أي من غيرها‏.‏

وإذا كان مع الألف واللام ثُنِّي وَجُمِع وأنِّثَ، تقول‏:‏ زيد الأفْضَل، والزيدان الأفضلان، والزيدون الأفضلون، وإن شئت‏:‏ الأفاضِلُ، وهند الفُضْلَى، وهندان الفُضْلَيَانِ، وهندات الفُضْلَيَاتُ، وإن شئت‏:‏ الفُضَّلُ، قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّهَا لإِحْدَى الكُبَر‏}‏ والألف واللام تُعَاقِبَانِ مِنْ، فلا يجوز الجمع بينهما، لا يقال‏:‏ زيد الأفضلُ من عمرو، ولا يستعمل فُعْلى التفضيل إلا بالألف واللام، لا يقال‏:‏ جاءتني فُضْلَى، وقد غَلَّطوا أبا نُوَاس في قوله‏:‏

كأن صُغْرَى وكُبرَى من فَوَاقعها * حَصْباء درٍّ على أرضٍ من الذهب

وإنما استُعْمِلَ من هذا القبيل أخرى قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ومنها نُخْرِجُكم تارةً أُخْرَى‏}‏ وقالوا‏:‏ دُنْيا في تأنيث الأدنى، ولا يجوز القياسُ عليهما، قال الأخفش‏:‏ قرأ بعضهم ‏{‏وقولوا للناس حُسْنَى‏}‏ وذلك لا يجوز عند سيبويه وسائر النحويين‏.‏

وإذا كان أفعل مضافا ففيه وجهان‏:‏ أحدهما أن يجري مَجْرَاه إذا كان معه مِن فيستوي فيه التثنية والجمع والتذكير والتأنيث، تقول‏:‏ زيد أفضلُ قومِك، والزيدان أفضلُ قومِك، والزيدون أفضلُ قومِك، وهندُ أفضل بناتِك، والهندانِ أفضلُ بناتك، والهنداتُ أفضلُ بناتِك، وهذا الوجه شائع في النثر والشعر، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ولَتجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ الناسِ عَلَى حَيَاةٍ‏}‏ ولم يقل أَحْرَصِي وقال ذو الرمة‏:‏

وَمَيَّةُ أَحْسَنُ الثَّقَلَيْنِ جِيداً * وَسَاِلَفَةً وَأَحْسَنُهُ قَذَالا

ولم يقل‏:‏ حُسْنى الثقلين، ولا حُسْنَاه، وقال جرير‏:‏ ‏[‏ص 80‏]‏

يَصْرَعْنَ ذَا اللبِّ حَتَّى لاَ حَراكَ بِهِ * وَهُنَّ أَضْعَفُ خَلْقِ اللّهِ إِنْسَانَا

وعلى هذا قولُ الناسِ‏:‏ أوْلى النِّعم بالشكر وأَجَلُّ النعم عندي كذا وكذا، والوجه الثاني في إضافته‏:‏ أن يعتبر فيه حال دخول الألف واللام فيثنى ويجمع ويؤنث، فيقال‏:‏ زيد أفضلُ قومِك، والزيدان أَفْضَلا قومِك، والزيدون أَفْضَلُو قومِك، وهند فُضْلى بَنَاتِك، والهندان فُضْلَيَا بناتك، والهندات فُضْلَيَات بناتِك‏.‏

فهذه الأحوال الثلاثة أثبتها مُسْتَقْصَاة‏.‏ ومن شرط أَفْعَلَ هذا أن لا يضاف إلا إلى ما هو بعضٌ منه، كقولك‏:‏ زيد أفضلُ الرجالِ، وهند أفضل النساء، ولا يجوز على الضد، ولهذا لا يجوز ‏"‏زيد أفضل إخوته‏"‏ لأن الإضافة تخرجُه من جملتهم، ويجوز‏:‏ زيد أفضل الإخوة، والإضافة في جميع هذا ليست بمعنى اللام، ولا بمعنى من، ولكن معناها أن فَضْلَ المذكور يزيد على فضل غيره، فإن أدخلت مِنْ جاز أن تقول‏:‏ الرجال أفضل من النساء، والنساء أضعف من الرجال فإذا قلت ‏"‏زيد أفضل القوم‏"‏ كان زيد واحداً منهم، وإذا قلت ‏"‏زيد أفضل من القوم‏"‏ كان خارجاً من جملتهم، فهذا هو الفرق بين اللفظين‏.‏

ومن شرط أفْعَلَ هذا أيضاً أن يكون مَصُوغا من فعل ثلاثي نحو‏:‏ زيد أفضل وأكرم وأعلم من عمرو، وذلك أن بعض ما زاد على ثلاثة أحرف يمتنع أن يُبْنَى منه أفعل، نحو دَحْرَج واستخرج وتَدَحْرَج وتَخَرَّجَ وأشباهها، وبعضه يؤدِّي إلى اللبس، كقولك‏:‏ زيد أكرم وأفضل وأحسن من غيره، وأنت تريد بها الزيادة في الإفضال والإكرام والإحسان، فأتوا بما يزيل اللَّبْسَ والامتناع، وهو أنهم بَنَوْا من الثلاثي لفظاً يُنْبيء عن الزيادة وأوقعوه على مصدر ما أرادوا تفضيلَه فيه، فقالوا‏:‏ زيد أكثر إفضالاً وإكراماً، وأَعَمُّ إحساناً، وأشد استخراجاً، وأسرع انطلاقا، وما أشبه ذلك‏.‏ ولا يبنى أفعل من المفعول إلا في النُّدْرَةِ، نحو قولهم‏:‏ أَشْغَلُ من ذات النِّحْيَين، وأَشْهَرُ من الأبلق، والعَوْدُ أحمد، وما أشبهها، وذلك أن المفعول لا تأثير له في الفعل الذي يحلّ به حتى يتصور فيه الزيادة والنقصان، وكذلك حكم ما كان خِلَقَةً كالألوان والعُيُوب، لا تقول زيد أَبْيَضُ من عمرو، ولا أَعْوَرُ منه، بل تقول‏:‏ أشد بياضاً، وأقبح عَوَراً، لأن هذه الأشياء مستقرة في الشخص ولا تكاد تتغير، فجَرَتْ مَجْرَى الأعضاء الثابتة التي لا معنى للفعل فيها، نحو اليد ‏[‏ص 81‏]‏ والرِّجْل، لا تقول‏:‏ زيد أَيْدَى من عمرو، ولا فلان أَرْجَلُ من فلان، قال الفراء‏:‏ إنما ينظر في هذا إلى ما يجوز أن يكون أقل أو أكثر، فيكون أَفْعَلُ دليلاً على الكثرة والزيادة، ألا ترى أنك تقول‏:‏ زيد أَجْمَلُ من فلان، إذا كان جمالُه يزيد على جماله، ولا تقول للأعميين‏:‏ هذا أَعْمَى من ذاك، فأما قوله تعالى ‏{‏ وَمَنْ كان فِي هذِهِ أَعْمَى فهو في الآخرة أَعْمَى‏}‏ فإنما جاز ذلك لأنه من عَمَى القلب، تقول‏:‏ عَمِىَ يَعْمَى عَمًى فهو عَمٍ وأَعْمى وهم عَمُون وعُمْىٌ وعُمْيَان، قال الله تعالى ‏{‏بل هُمْ منها عَمُونَ‏}‏ وقال تعالى ‏{‏صُمٌّ بَكْمٌ عَمْيٌ‏}‏ وقال ‏{‏لم يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعَمْيانَاً‏}‏ فالأول في الآية اسمٌ، والثاني تفضيل، أي مَنْ كان في هذه - يعني في الدنيا - أعمى القلب عما يرى من قُدْرة الله في خلق السموات والأرض وغيرها مما يُعَانيه فلا يؤمن به فهو عما يَغِيبُ عنه من أمر الآخرة أَعْمَى أن يؤمن به‏.‏ أي أشدُّ عمًى‏.‏ ويدل على هذا قوله تعالى ‏{‏وأضل سبيلا‏}‏ وقرأ أبو عمرو ‏{‏ومن كان في هذه أعمى‏}‏ بالإمالة ‏{‏فهو في الأخرة أعمى‏}‏ بالتفخيم، أراد أن يفرق بين ما هو اسم وبين ما هو أفعل منه بالإمالة وتركها، وكل ما كان على أفعل صفةً لا يبنى منه أفعل التفضيل، نحو قولهم‏:‏ جَيْشٌ أَرْعَن، ودينار أَحْرَش، فأما قولهم‏:‏ فُلاَن أَحْمَق من كذا، فهو أفعل من الحمق، لأنه يقال‏:‏ رجل حمَقِ كما يقال‏:‏ رجل أحمق، ومنه قول يزيد بن الكحم‏:‏

قد يقتر الحول التقيّ * ويكثر الحمق الأثيم

وكذلك قولُه تعالى ‏{‏فهو في الآخرة أعمى‏}‏ من قولك هذا عَمٍ وهذا أَعْمَى منه‏.‏

وحكم ما أَفْعَلَهُ وأفْعِلْ به في التعجب حكم أَفْعَلَ في التفضيل في أنه أيضاً لا يبنى إلا من الثلاثي، ولا يتعجب من الألوان والعيوب إلا بلفظ مَصُوغ من الفعل الثلاثي كما تقدم، فلا يقال‏:‏ ما أَعْوَرَهُ ولا ما أَعْرَجَه، بل يقال‏:‏ ما أشدَّ عوَره، وَأَسْوَأَ عَرَجَه، وما أشد بَيَاضَه وَسَوَاده، وقول من قال‏:‏

أَبْيَضُ مِنْ أُخْتِ بَنِي أَبَاضِ* وقول الآخر‏:‏

أَمَّا المُلُوكُ فأَنْتَ الْيَوْمَ أَلأَمُهُمْ * لُؤْمًا وَأَبْيَضُهُمْ سِرْبَالَ طَباخِ

محمولان على الشذوذ، وكذلك قولهم‏:‏ ما أعطاه، وما أَوْلاَه للمعروف، وما أَحْوَجَه، يريدون ما أشد احتياجَه، على أن بعضهم قال‏:‏ ما أَحْوَجَه من حَاجَ يَحُوجُ حَوْجاً، أي احتاج، وقال بعضهم‏:‏ إنما فعلوا هذا ‏[‏ص 82‏]‏ بعد حذف الزيادة وردِّ الفعِل إلى الثلاثي، وهذا وَجْه حَسَن‏.‏

وحكم أَفْعِلْ به في التعجب حكم ما أفعله لا يقال‏:‏ أَعْوِرْ به، كما لا يقال‏:‏ ما أَعْوَرَه، بل يقال‏:‏ أشْدِدْ بعَوَرِهِ، ويستوي في لفظ أَفْعِلْ به المذكرُ والمؤنث والتثنية والجمع، تقول‏:‏ يا زيد أكْرِمْ بعمرو، ويا هند أكرم بزيد، ويا رجلان أكرم، ويا رجال أكرم، كما كان في مَا أَحْسَنَ زيداً، وما أَحْسَنَ هنداً، وما أَحْسَنَ الزيدين، وما أحسن الهندات‏.‏

كذلك قال أبو عبد الله حمزة بن الحسن في كتابه المُعَنْون بأفعل حاكياً عن المازني أنه قال‏:‏ قد جاءت أَحْرُف كثيرة مما زاد فعله على ثلاثة أحرف فأدخلت العربُ عليه التعجب، قالوا‏:‏ ما أَتْقَاه الله، وما أَنْتَنه، وما أَظْلَمَها، وما أَضْوَأَها، وللفقير‏:‏ ما أفقْرَه، وللغني‏:‏ ما أَغْنَاه، وإنما يقال في فعلهما‏:‏ افتقر واستغنى، وقالوا للمستقيم‏:‏ ما أَقْوَمَه، وللمتمكن عند الأمير‏:‏ ما أَمْكَنه، وقالوا‏:‏ ما أَصْوَبه، وهذا على لغة من يقول‏:‏ صَابَ بمعنى أصاب، وقالوا ‏"‏ماأَخْطَأه‏"‏ لأن بعض العرب يقولون خَطِئْتُ في معنى أخطأت وقال‏:‏ يَا لَهْفَ هِنْدٍ إذ خَطِئْنَ كَاهِلاَ* ‏(‏هو من كلام امرئ القيس بن حجر الكندي‏)‏

وقالوا‏:‏ ما أَشْغَلَه، وإنما يقولون في فعله شُغِلَ، وما أزهاه وفعله زُهِيَ‏.‏ وقالوا‏:‏ ماآبَلَه يريدون ما أكثر إبِلَه، وإنما يقولون‏:‏ تأبَّلَ إبلا إذا اتخذها، وقالوا‏:‏ ما أبْغَضَه لي، وما أَحَبَّه إلي، وما أَعْجَبَه برأيه، وقال بعض العرب‏:‏ ما أملأ القِرْبة، هذا ما حكاه عن المازني، ثم قال‏:‏ وقال أبو الحسن الأخفش‏:‏ لا يكادون يقولون في الأرْسَح ما أَرْسَحَه، ولا في الأسْتَه ما أَسْتَهَه، قال‏:‏ وسمعت منهم من يقول‏:‏ رَسِحَ وَسَتِه، فهؤلاء يقولون‏:‏ ما أرْسَحَه وما أسْتَهَه‏.‏

قلت‏:‏ في بعض هذا الكلام نظر، وذلك أن الحكم بأن هذه الكلمات كلها من المَزِيد فيه غيرُ مسلم، لأن قولهم ‏"‏ما أتقاه لله‏"‏ يمكن أن يحمل على لغة من يقول‏:‏ تَقَاه يَتْقِيه، بفتح التاء من المستقبل وسكونها، حتى قد قالوا‏:‏ أتقى الأتقياء، وبنوا منه تَقِي يَتْقِي مثل سَقَى يَسْقِي إلا أن المستعمل تحريك التاء من يتقي، وعليه ورد الشعر، كما قال‏:‏

زِيَادَتَنَا نَعْمَانُ لاَ تَنْسَيَنَّهَا * تَقِ اللّه فِينَا والكتابَ الذي تَتْلُو

وقال آخر‏:‏

جَلاَهَا الصّيْقَلُونَ فأَخْلَصُوهَا * خفَافاً كُلُّهَا يَتْقِي بأثْرِ ‏[‏ص 83‏]‏

وقال آخر‏:‏

وَلاَ أَتَقِي الغَيُورَ إذا رَآنِي * وَمثْلِي لزَّ بالحمس الرَّبِيسِ

فلما وجدوا الثلاثي منه مستعملا بنوا عليه فعل التعجب، وبنوا منه فَعِيلا كالتقيّ وقالوا منه على هذه القضية‏:‏ ما أتقاه لله‏.‏

وقولهم ‏"‏ما أَنْتَنَه‏"‏ لإنما حملوه على أنه من باب نَتَنَ يَنْتنُ نَتناً، وهي لغة في أَنْتَن يُنْتِنُ فمن قال‏:‏ نتن قال في الفاعل مُنْتن، ومن قال منتن بناه على أنْتَنَ‏.‏ هذا قول أبي عبيد عن أبي عمرو، وقال غيره‏:‏ مُنْتِن في الأصل مُنْتِين فحذفوا المدة فقالوا‏:‏ مُنْتِن، والقياس أن يقولوا‏:‏ نَتَن فهو نَاتِن أو نَتِين، ولو قالوا نَتُنَ فهو نَتْنٌ على قياس صَعُبَ فهو صَعْب كان جائزاً‏.‏

وقولهم ‏"‏ما أظلهما وأضوأها‏"‏ من هذا القبيل أيضاً، لأن ظَلِمَ يَظْلَم ظلمة لغة في أظلم، وكذلك ‏"‏ما أضوأها‏"‏ يعنون الليلة إنما هو من ضَاء يَضُوء ضَوْءاً وضُوَاء، وهي لغة في أضاء يُضِيء إضاءة، وإذا كان الأمر على ما ذكرت كان التعجب على قانونه‏.‏

وأما قوله‏:‏ قالوا للفقير ‏"‏ما أفْقَرَهُ‏"‏ فيجوز أن يقال‏:‏ إنهم لما وجدوه على فَعِيل توهموه من باب فَعُلَ بضم العين مثل صَغُر فهو صَغير وكبر فهو كبير، أو حملوه على ضده فقدَّروه من باب فَعِل بكسر العين كغَنِى فهو غَنِيّ، كما حملوا عَدُوَّة الله على صَدِيقة، وذلك من عادتهم‏:‏ أن يحملوا الشيء على نقيضه، كقوله‏:‏

إِذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ * لَعَمْرُ اللّهِ أَعْجَبَنِي رِضَاهَا

فوصَلَ رضيَتْ بعلي لأنهم قالوا في ضده‏:‏ سَخِط عَلَيَّ، ومثل هذا موجود في كلامهم، أو حملوه على فَعيل بمعنى مفعول، فقد قالوا‏:‏ إنه المكسورُ الفَقَار، وإذا حُمل على هذا الوجه كان في الشذوذ مثله إذا حمل على افتقر‏.‏

وأما قولهم ‏"‏ما أغناه‏"‏ فهو على النَّهْج الواضح، لأنه من قولهم غَنِيَ يَغْنَي غِنًى فهو غَنِيّ، فلا حاجة بنا إلى حَمْله على الشذوذ‏.‏

وأما قولهم للمستقيم ‏"‏ما أَقْوَمَه‏"‏ فقد حملوه على قولهم‏:‏ شيء قَوِيم، أي مستقيم، وقام بمعنى استقام صحيحٌ، قال الراجز‏:‏ وقَامَ مِيزَانُ النَّهَارِ فَاعْتَدَلْ*

ويقولون‏:‏ دينار قائم، إذا لم يزد على مثقال ولم ينقص، وذلك لاستقامة فيه، فعلى هذا الوجه ما أَقْوَمَه غيرُ شاذ‏.‏

وقولهم للمتمكن عند الأمير ‏"‏ما أمْكَنَه‏"‏ إنما هو من قولهم ‏"‏فلان مَكِين عند فلان‏"‏ و ‏"‏له مكانة عنده‏"‏ أي منزلة، فلما رأوا ‏[‏ص 84‏]‏ المكانة وهي من مَصَادر فَعَل بضم العين، وسمعوا المكِيَن وهو من نعوت هذا الباب نحو كَرُم فهو كريم وشَرُف فهو شريف، توهموا أنه من مَكُنَ مَكَانة فهو مَكِين مثل مَتُن مَتَانة فهو مَتِين، فقالوا‏:‏ ما أَمْكَنه، وفلان أَمْكَنُ من فلان، وليس توهمهم هذا بأغْرَبَ من توهمهم الميم في التمكن والإمكان والمكانة والمكان وما اشتقَّ منها أصلية، وجميعُ هذا من الكون، وهذا كما أنهم توهموا الميم في المِسْكِين أصلية فقالوا‏:‏ تَمَسْكَنَ، ولهذا نظائر ‏.‏

وأما قولهم ‏"‏ما أصْوَبَه‏"‏ على لغة من يقول صَاب يعني أصاب ولم يزيدوا على هذا فإني أقول‏:‏ هذا اللفظ أعني لفظ صاب مبُهْم لا يُنْبئ عن معنى واضح، وذلك أن صاب يكون من صَابَ المطرُ يَصُوب صَوْباً، إذا نزل، وصَابَ السهمُ يَصُوب صَيْبُوبة، إذا قصد ولم يَجْرُ، وصاب السهمُ القرطاسَ يَصِيبه صَيْباً لغة في أصاب، ومنه المثل ‏"‏ مَعَ الخواطئ سهم صَائِب‏"‏ فإن أرادوا بفولهم صاب هذا الأخيَر كان من حقهم أن يقولوا‏:‏ ما أصْيَبَه، لأنه يائي، وإن أرادوا بقولهم‏:‏ أصاب أي أتى بالصواب من القول فلا يقال فيه صَاب يَصِيب‏.‏

وأما قوله ‏"‏قالوا ما أَخْطَأه‏"‏ لأن بعض العرب يقول‏:‏ خَطِئت في معنى ‏"‏أخطأت‏"‏ فهو على ما قال‏.‏

وأما ‏"‏ ما أشْغَلَه‏"‏ فلا رَيْبَ في شذوذه، لأنه إن حُمل على الاشتغال كان شاذا، وإن حمل على أنه من المفعول فكذلك‏.‏

وأما ‏"‏ما أزْهَاهُ‏"‏ وحمله على الشذوذ من قولهم زُهِيَ فهو مَزْهُوٌّ فإن ابن دُرَيد قال‏:‏ يقال زَهَا الرجلُ يَزْهُو زَهْواً أي تكبر ومنه قولهم‏:‏ ما أزْهَاه، وليس هذا من زُهِىَ لأن ما لم يسم فاعله لا يتعجب منه، هذا كلامه، وأمر آخر، وهو أن بين قولهم ‏"‏ما أشغله‏"‏ و ‏"‏ما أزهاه‏"‏ إذا حمل على زُهى فرقاً ظاهراً، وذلك أن المزهُوَّ وإن كان مفعولا في اللفظ فهو في المعنى فاعل، لأنه لم يقع عليه فعل من غيره كالمشغول الذي شَغَله غيره، فلو حمل ‏"‏ما أزْهَاه‏"‏ على أنه تعجب من الفاعل المعنوي لم يكن بأس‏.‏

وأما قولهم ‏"‏ما آبَلَه‏"‏ أي ما أكثر إبلَه، ثم قوله ‏"‏وإنما يقولون تأبَّلَ إبلا إذا اتخذها‏"‏ ففي كل واحد منهما خلل، وذلك أن قولهم ‏"‏ما آبله‏"‏ ليس من الكثرة في شيء، إنما هو تعجب من قولهم أبِلَ الرجلُ يأبل إباله مثل شكس شكاسة فهو أَبِل وآبِل أي حاذق بمصلحة الإبل، وفلان من آبَل الناس، أي من أشدهم تأنقا في رعْيَةِ الإبل وأعلمهم بها، فقولهم ‏"‏ما آبَلَهُ‏"‏ معناه ما أحْذَقَه وأعْلَمَه بها، وإذا صح هذا فحملُه ‏[‏ص 85‏]‏ ما آبله على الشذوذ سهو، ثم حمله على معنى كثر عنده الإبل سهوٌ ثانٍ، وقوله ‏"‏تأبَّلَ أي اتخذ إبلا‏"‏ سهو ثالث، وذلك أن التأبل إنما هو امتناع الرجل من غِشْيان المرأة ومنه الحديث ‏"‏لقد تأبَّلَ آدمُ على ابنه المقتول كذا عاما‏"‏ وتأبلت الإبل‏:‏ اجتزأت بالرطب عن الماء، والصحيح في اتخاذ الإبل واقتنائها قولُ طُفَيل الْغَنَوي‏.‏

فأبَّل واسترخى به الْخَطْبُ بعدما * أسَافَ ولولا سَعْيُنا لم يُؤَبِل

أي لم يكن صاحب لإبل ولا اتخذها قِنْوَة‏.‏

وقولهم ‏"‏ما أبغضه لي‏"‏ ويروى ‏"‏ما أبغضه إلي‏"‏ وبين الروايتين فرق بين، وذلك أن ‏"‏ما أبغضه لي‏"‏ يكون من المبغِض أي ما أشَدَّ إبْغَاضَه لي، وما‏"‏ أبْغَضَه إلي‏"‏ يكون من البغيض بمعنى المُبْغَضِ‏:‏ أي ما أشد إبغاضي له، وكلا الوجهين شاذ، وكذلك ‏"‏ما أحبه إلي‏"‏ إن جعلته من حَبَبْتُه أحِبُّه فهو حَبيب ومَحْبُوب كان شاذا، وإن جعلته من أحْبَبْتُه فهو مُحِب فكذلك‏.‏

وقولهم ‏"‏ما أعْجَبَهُ برأيه‏"‏ هو من الإعجاب لاغير، يقال‏:‏ أُعْجِبَ فلان برأيه، على ما لم يسم فاعله، فهو مُعْجَب‏.‏

وأما قول بعض العرب ‏"‏ما أملأ القِرْبَة‏"‏ فهو إن حملته على الامتلاء أو على المملوء كان شاذا‏.‏

وأما قول الأخفش ‏"‏لا يكادون يقولون في الأرْسَح ما أرْسَحَه، ولا في الأسْتَهَ ما أَسْتَهَه‏"‏ فكلام مستقيم، لأنه من العيوب والخِلَق، وقد تقدم هذا الحكم‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏وسمعت منهم من يقول رَسِحَ وسَتِه فهؤلاء يقولون ما أرسحه وما أستهه‏"‏ قلت‏:‏ إنهم إذا بَنَوْا من فَعِلَ يَفْعَلُ صفةً على فَعِلٍ قالوا في مؤنثه فَعِلَة نحو أسِفَ فهو أسِف، والمرأة أسِفَة، وسحاب نَمِر ‏(‏قالوا ‏"‏ماء نمر‏"‏ أي زاك كثير‏)‏ وللمؤنث نمِرة، ولم يسمع امرأة رَسِحة ولا سَتِهة، بل قالوا‏:‏ رَسْحَاء وسَتْهاء، فهذا يدل على أن المذكر أرْسَح وأسْتَه‏.‏

هذا، وقد شذ أحرف يسيرة في كتابي هذا عن باب أفعل من كذا كان من حقها أن تكون فيه، نحو قولهم‏:‏ أقبح هزيلين المرأة والفرس، وأسوأ القول الإفراط، وأشباههما، لكنها لما زالت عن أماكنها تجوزت فيها إذ لم تكن مقرونة بمن كما تجوز حمزة في إيراد قولهم‏:‏ أكْذَبُ مَنْ دَبَّ ودَرَج، وأعلم بمَنْبَتِ القَصيص، وأسَدُّ قويس سهما في أفعل من كذا، ولا شك أن الجميع في حكم أفعل التفضيل‏.‏ ‏[‏ص 86‏]‏

الباب الثاني فيما أوله باء‏

  ما جاء على أفعل من هذا الباب‏

الباب الثاني فيما أوله باء‏.

428- بِيَدَيْنِ مَا أَوَرَدَهَا زَائِدَةُ‏.‏

‏"‏بيدين‏"‏ أي بالقوة والْجَلاَدة، يقال‏:‏ مالي به يَدٌ، ومالي به يَدَانِ، أي قوة، و‏"‏ما‏"‏ صلة، وزائدة‏:‏ اسم رجل، يريد بالقوة والْجَلاَدة أورد إبلَه الماءَ، لا بالعجز، ويجوز أن يريد بقوله ‏"‏بيدين‏"‏ أنه أَضْبَطُ يعمل بكِلْتَا يديه‏.‏

يضرب في الحثّ على استعمال الجد‏.‏

429- بِهِ لا بِظَبْيٍ أَعْفَرَ

الأعْفَر‏:‏ الأبيض، أي لَتَنْزِلْ به الحادثة لا بظبي‏.‏ يضرب عند الشماتة‏.‏

قال الفرزدق حين نُعي إليه زياد بن أبيه، فقال‏:‏

أقول لَهُ لمَّا أتانِي نَعِيُّهُ * به لا بِظَبْيٍ بالصَّرِيمَةِ أَعْفَرَا

ومثله‏:‏

430- بِهِ لا بِكَلْبٍ نابحٍ بالسَّبَاسِبِ‏.‏

431- بِبَقَّةَ صُرِمَ الأمْرُ‏.‏

بَقَّةُ‏:‏ موضع بالشام، وهذا القول قاله قصير بن سَعْد اللَّخْمِي لجَذِيمة الأبْرَشِ حين وقع في يد الزبَّاء، والمعنى قُطِع هذا الأمر هناك، يعني لما أشار عليه أن لا يتزوَّجها فلم يقبل جَذِيمة قوله، وقد أوردتُ قصةَ الزباء وجَذِيمة في باب الخاء عند قوله ‏"‏خطب يسير في خطب يسير‏"‏‏.‏

432- بَقِّ نَعْلَيْكَ وَابْذُلْ قَدَمَيْكَ‏.‏

يضرب عند الحِفْظ للمال وبَذْل النفس في صَوْنه‏.‏

433- بَدَلٌ أَعْوَرٌ‏.‏

قيل‏:‏ إن يزيد بن المُهَلَّب لما صُرِفَ عن خُرَاسان بقُتَيْبة بن مُسْلم الباهلي - وكان شَحِيحاً أعور - قال الناس‏:‏ هذا بَدَل أَعْوَر فصار مثلاً لكل من لا يُرْتَضَى بدلاً من الذاهب، وقد قال فيه بعض الشعراء‏:‏

كانَتْ خراسانُ أرضاً إِذْ يَزِيدُ بها * وكلُّ باب من الخيرات مَفْتُوحُ

حتى أتانا أبو حَفصٍ بأسْرَتِهِ * كأنما وَجْهُه بالْخَلِّ مَنْضُوحُ

434- بَرِّقْ لِمَنْ لا يَعْرِفُكَ‏.‏

أي هَدِّد مَنْ لا علم له بك، فإن من ‏[‏ص 91‏]‏ عرفك لا يعبأ بك، والتبريق‏:‏ تحديدُ النظر ويروى ‏"‏برّقي‏"‏ بالتأنيث، يقال‏:‏ بَرَّقَ عينيه تَبْرِيقاً، إذا أوسعهما، كأنه قال بَرّق عينيك، فحذف المفعول، ويجوز أن يكون من قولهم‏:‏ رَعَد الرجل وَبَرَق إذا أوعد وتهدَّد، وشدد إرادة التكثير، أي كثر وعيدَك لمن لا يعرفك‏.‏

435- بَرْدُ غَدَاةٍ غَرَّ عَبْداً مِنْ ظَمإِ‏.‏

هذا قيل في عبد سَرَحَ الماشية في غداة باردة ولم يتزود فيها الماء، فهلك عَطَشاً، و‏"‏مِن‏"‏ في قوله ‏"‏من ظمأ‏"‏ صِلَة غَرَّ، يقال‏:‏ مَنْ غرك مِنْ فلان‏؟‏ أي مَنْ أَوْطَأَك عَشْوة من جهته‏؟‏ يعني أن البرد غره من إهلاك الظمأ إياه فَاغْتَرَّ، ويجوز أن يكون التقدير‏:‏ غر عبداً مِنْ فقد ظمأ، أي قَدَّر في نفسه أنه يفقد الظمأ فلا يظمأ‏.‏ يضرب في الأخذ بالحزم‏.‏

436- بَلَغَ السَّيْلُ الزُّبَى‏.‏

هي جمع زُبْيَة‏.‏ وهي حُفْرة تُحْفَر للأسد إذا أرادوا صَيْده، وأصلُها الرابية لا يَعْلُوها الماء، فإذا بلغها السيلُ كان جارفا مُجْحفاً‏.‏ يضرب لما جاوز الحد‏.‏

قال المؤرج‏:‏ حدثني سعيد بن سماك بن حَرْب عن أبيه عن ابن النعتنر قال‏:‏ أُتِيَ مُعاذُ بن جبل بثلاثة نَفَر فتلهم أسد في زُبْيَة فلم يدر كيف يفتيهم، فسأل علياً رضي الله عنه وهو مُحْتَبٍ بفِناء الكعبة، فقال‏:‏ قُصُّوا عليَّ خبركم، قالوا‏:‏ صِدْنا أَسَداً في زُبْية، فاجتمعنا عليه، فتدافع الناسُ عليها، فَرَمَوُا برجل فيها، فتعلق الرجل بآخَرَ، وتعلق الآخر بآخر، فَهَووْا فيها ثلاثتهم، فقضَى فيها عليٌّ رضي الله عنه أن للأول رُبُعَ الدية، وللثاني النصف، وللثالث الدية كلها، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقضائه فيهم، فقال‏:‏ لقد أَرْشَدَكَ الله للحق‏.‏

437- بَصْبَصْنَ إِذْ حُدِينَ بالأذْنَابِ‏.‏

البَصْبَصَة‏:‏ التحريك، أي حركت الإبلُ أذنابها لما حُدِين‏.‏

يضرب مثلاً في الخضوع والطاعة من الجبان‏.‏

والباء في ‏"‏بالأذناب‏"‏ مقحمة‏.‏

438- باءَتْ عَرَارِ بِكَحْلَ

يقال‏:‏ هما بَقَرَتَانِ انتطحتا فماتتا جميعاً، وَعَرارِ‏:‏ مبنى على الكسر مثل قَطَام‏.‏

يضرب لكل مستويين، يقع أحدهما بإزاء الآخر‏.‏

يقال‏:‏ كان كثير بن شهاب الحارثي ضرب عبد الله بن الحجاج الثعلبي من ‏[‏ص 92‏]‏ بني ثعلبة بن ذبيان بالرى، فلما عزل كثير أقيد منه عبد اللّه فهتَم فاه وقال‏:‏

باءَتْ عَرَارِ بكَحْلَ فيما بَيْنَنَا * وَالحَقُّ يَعْرِفُه أُولُو الأَلْبَابِ

439- بَعْدَ خِيَرَتِها تَحْتَفِظُ‏؟‏

ويورى بعد ‏"‏خَيْرَاتها‏"‏ والهاء راجعة إلى الإبل‏:‏ أي بعد إضاعة خِيارها تحتفظ بحواشيها وشرارها‏.‏

يضرب لمن يتعلق بقليل ماله بعد إضاعة أكثره‏.‏

440- بَعْدَ الَّلتَيَّا وَالَّتِي‏.‏

هما الداهية الكبيرة والصغيرة، وكَنَى عن الكبيرة بلفظ التصغير تشبيهاً بالحيَّة، فإنها إذا كثر سمها صغرت لأن السم يأكل جَسَدها، وقيل‏:‏ الأصل فيه أن رجلاً من جَدِيس تزوج امرأة قصيرة، فقاسى منها الشدائد، وكان يعبر عنها بالتصغير، فتزوج امرأة طويلة، فقاسى منها ضعف ما قاسى من الصغيرة، فطلقها، وقال‏:‏ بعد اللَّتَيَّا والَّتِي لا أتزوج أبدا، فجرى ذلك على الداهية، وقيل‏:‏ إن العرب تصغِّر الشيء العظيم، كالدُّهَيْم والُّلهَيْم، وذلك منهم رَمْز‏.‏

441- بِعِلَّةِ الوَرَشَانِ يأْكُلُ رُطَبَ المُشَانِ‏.‏

بالإضافة، ولا تقل الرطب المشان، وهو نوع من التمر، يقولون‏:‏ إنه يشبه الفَأر شكلاً‏.‏ يضرب لمن يظهر شيئا، والمُرَاد منه شيء آخر‏.‏

442- بَيْتِي يَبْخَلُ لاَ أَنَا‏.‏

قالته امرأة سُئلت شيئاً تعذَّر وجودُه عندها، فقيل لها‏:‏ بَخِلْتَ، فقالت‏:‏ بيتي يبخل لا أنا‏.‏

443- بَيْنَ العَصَا وَلِحائِهَا‏.‏

اللِّحاء‏:‏ القِشْر‏.‏ يضرب للمتحابين الشَّفيقين‏.‏

ويروى ‏"‏لا مَدْخَلَ بين العصا ولحائها‏"‏ و ‏"‏لا تدخل بين‏"‏ وكله إشارة إلى غاية القرب بينهما‏.‏

444- بَيْنَ المُمِخَّةِ والعَجْفَاء‏.‏

يقال ‏"‏شاة مُمِخَّة‏"‏ إذا بَدا في عظامها المخُّ‏.‏ يضرب مثلا في الاقتصاد‏.‏

445- بَيْنَ الرَّغِيفِ وَجَاحِمِ التَّنُّورِ‏.‏

الجاحِم‏:‏ المكانُ الشديد الحر، قال أبو زيد‏:‏ جاحمه جَمْره‏.‏

يضرب للإنسان يُدَّعى عليه‏.‏ ‏[‏ص 93‏]‏

446- بَيْنَ القَرِينَيْنِ حَتَّى ظَلَّ مَقْروُنَا‏.‏

أي نَزَأ بينهما ‏(‏نزأ بينهما‏:‏ أفسد وحرش‏)‏ حتى صار مثلهما‏.‏

يضرب لمن خالط أمرا لا يَعْنيه حتى نَشِب فيه‏.‏

447- بَيْنَهُمْ دَاءُ الضَّرائِر‏.‏

هي جمع ضَرَّة، وهو جمع غريب، ومثله كَنَّة وكَنَائن‏.‏

يضرب للعداتوة إذا رَسَخت بين قوم، لأن العصبية بين الضرائر قائمة لا تكاد تسكن‏.‏

448- بَيْنَهُمْ عِطْرُ مَنْشِمَ‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ مَنْشِم - بكسر الشين - ‏(‏في القاموس كمجلس ومقعد‏)‏ اسمُ امرأةٍ عطَّارة كانت بمكة، وكانت خُزَاعة وجُرْهم إذا أرادوا القتالَ تطيَّبُوا من طيبها، وإذا فعلوا ذلك كثرت القتلى فيما بينهم، فكان يقال‏:‏ أشْأَمُ مِنْ عِطْرِ مَنْشِمَ‏.‏ يضرب في الشر العظيم‏.‏

449- بِهِ دَاءُ ظَبْىٍ‏.‏

أي أنه لا داء به كما لا داء بالظبي، يقال‏:‏ إنه لا يمرض إلا إذا حان موته، وقيل‏:‏ يجوز أن يكون بالظبي داء ولكن لا يعرف مكانه، فكأنه قيل‏:‏ به داء لا يُعْرَف‏.‏

450- بَلَغَتِ الدِّماءُ الثُّنَنَ‏.‏

الثّنَّة‏:‏ الشَّعَرات التي في مؤخر رُسْغ الدابة‏.‏

يضرب عند بلوغ الشر النهاية، كما قالوا ‏"‏بَلَغَ السيْلُ الزُّبى‏"‏‏.‏

451- بِجَنْبِهِ فَلْتَكُنِ الوَجْبَةُ‏.‏

أي السَّقْطَة، يقال هذا عند الدعاء على الإنسان، قال بعضهم‏:‏ كأنه قال رماه الله بداء الجَنْبِ، وهو قاتل، فكأنه دعا عليه بالموت‏.‏

452- بَلَغ في العِلْمِ أَطْوَرَيْهِ‏.‏

أي حَدَّيْه، يعني أوله وآخره، وكان أبو زيد يقول‏:‏ بلغ أطْوَرِيِه - بكسر الراء - على معنى الجمع، أي أقْصَى حدوده ومنتهاه‏.‏

453- بِأبِي وُجُوهَ الْيَتامَى‏.‏

ويروى ‏"‏وا، بأبي‏"‏ يشير بقوله ‏"‏وا‏"‏ إلى التوجُّع على فقدهم، ثم قال ‏"‏بأبي‏"‏ أي أفْدِي بأبي وجوهَهم‏.‏

يضرب في التحنن على الأقارب‏.‏

وأصله أن سعد القَرْقَرة - وهو رجل ‏[‏ص 94‏]‏ من أهل هَجَر - كان النعمان بن المنذر يضحك منه، وكان للنعمان بن المنذر فرس يقال له اليحموم يُرْدِى من ركبه، فقال يوماً لسعد‏:‏ ارْكَبْهُ واطلب عليه الوحْشَ، فامتنع سعد، فقهره النعمان على ذلك، فلما ركبه نظر إلى بعض ولَده وقال هذا القول، فضحك النعمان وأعفاه من ركوبه، فقال سعد‏:‏

نَحْنُ بغَرْسِ الوَدِىِّ أعْلَمُنَا * مِنَّا بِجَرْىِ الْجِيَادِ فِي السَّلَفِ

يَا لَهْفَ أمِّي فَكَيْفَ أطْعَنُهُ * مُسْتَمْسِكاَ وَالْيَدَانِ فِي الْعُرُفِ

ويروى ‏"‏بجر الجياد في السَّدَفِ‏"‏ ويروى ‏"‏السُّدَف‏"‏ والسُّلَف، والسُّدَف، فالسَّدَف‏:‏ الضوء والظلمة أيضاً، والحرفُ من الأضداد، والسَّدَفُ‏:‏ جمع سُدْفَة‏:‏ وهي اختلاط الضوء والظلمة، والسَّلَفَ‏:‏ جمع سالف مثل خادم وخَدَم وحارس وحَرَس، وهو آباؤه المتقدمون، والسُّلَفُ‏:‏ جمع سُلْفة وهي الدبرة ‏(‏هي القطعة المستوية من الأرض‏)‏ من الأرض، وقوله ‏"‏أعلمنا‏"‏ أراد أعلم منا وهى لغة أهل هَجَر، يقولون‏:‏ نحن أعلمنا بكذا منا، وأجود هذه الروايات هذه الأخيرة أعني ‏"‏في السُّلَفِ‏"‏ لأن سعدا كان من أهل الحِراثة والزِّراعة، فهو يقول‏:‏ نحن بغرس الودىّ في الديار والمشارات أعلم منا بِجَرْىِ الجياد‏.‏

454- بِاُذُنِ السَّماعِ سُمِّيتَ‏.‏

يضرب للرجل يذكر الجودَ ثم يفعله‏.‏ وتقدير الكلام بسماع أذنٍ شأنها السماع سميت بكذا وكذا، أي إنما سميت جوادا بما تسمع من ذكر الجود وتفعله، وهذا كقولهم ‏"‏إنما سميت هانئا لتهنئ‏"‏ وأضاف الأذن إلى السماع لملازمتها إياه، والتسمية تكون بمعنى الذكر كما قال‏:‏

وَسَمِّهَا أحْسَنَ أسمائها* أي واذكرها بأحسن أسمائها‏.‏

ومعنى المثل بما سُمِعَ من جودك ذكرت وشكرت، يحثه على الجود، قال الأموي‏:‏ معنها أن فعلك يصدِّقُ ما سمعته الأذنان من قولك‏.‏

455- بَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضٍ‏.‏

هذا من قول طَرَفة بن العبد حين أمَر النعمان بقتله، فقال‏:‏

أبا مُنْذِر أفْنَيْتَ فاسْتَبْقِ بَعْضَنَا * حَنَانَيْكَ بَعْضُ الشر أهْوَنُ من بَعْضِ

يضرب عند ظهور الشرين بينهما تفاوت‏.‏

وهذا كقولهم ‏"‏إنَّ من الشر خِيارا‏"‏‏.‏ ‏[‏ص 95‏]‏

456- بِبَطْنِهِ يَعْدُو الذَّكَرُ‏.‏

يقال‏:‏ إن الذكر من خيل يَعْدُو على حسب ما يأكل، وذلك أن الذكر أكثر أكلا من الأنثى فيكون عَدْوُهُ أكثر، ويقال‏:‏ إن أصله أن رجلا أتى امرأته جائعا، فتهيأت له، فلم يلتفت إليها ولا إلى ولدها، فلما شبع دعا ولده فقرّبهم، وأراد الباءة، فقالت المرأة‏:‏ ببطنه يعدو الذكر‏.‏ وقال أبو زيد‏:‏ زعموا أن امرأة سابَقَتْ رجلا عظيمَ البطنِ فقالت له ترهبه بذلك‏:‏ ما أعظَمَ بطنك‏!‏ فقال الرجل‏:‏ ببطنه يَعْدُو الذكر‏.‏

457- بِكُلِّ وَادٍ أَثَرٌ مِنْ ثَعْلَبَةَ‏.‏

هذا من قول ثعلبيّ رأى من قومه ما يسوءه، فانتقل إلى غيرهم، فرأى منهم أيضاً مثل ذلك‏.‏

458- بِالسَّاعِدَيْنِ تَبْطِشُ الكَفَّانِ‏.‏

يضرب في تعاوُنِ الرجلين وتساعُدِهما وتعاضُدِهما في الأمر‏.‏

ويروى ‏"‏بالساعد تبطش الكف‏"‏ قال أبو عبيدة‏:‏ أي إنما أقْوَى على ما أريد بالمقدرة والسعة، وليس ذلك عندي‏.‏ يضربه الرجل شيمتُه الكرم غير أنه مُعْدم مُقْتر، قال‏:‏ ويضرب أيضاً في قلة الأعوان‏.‏

459- بَدَا نَجِيثُ القَوْمِ‏.‏

أي‏:‏ ظهر سرهم، وأصْلُ النَّجِيث ترابُ البئر إذا استخرج منها، جعل كنايةً عن السر، ويقال لتراب الهدف نجيث أيضاً، أي صار سرهم هَدَفاً يُرمَى‏.‏

460- بَرِحَ الخَفاءُ‏.‏

أي زال، من قولهم ‏"‏ما برح يفعل كذا‏"‏ أي ما زال، والمعنى زال السر فوضح الأمر، وقال بعضهم‏:‏ الخفاء المتطأطئ من الأرض، والبراحُ‏:‏ المرتفعُ الظاهر، أي صار الخفَاء بَرَاحا، وقال‏:‏

بَرِحَ الخَفَاء فَبُحْتُ بالكتمان * وشَكَوْتُ ما ألقى إلى الإخْوان

لو كان ما بي هَيِّناً لكَتمْتُهُ * لكنّ مابي جَلَّ عن كِتْمَانِ‏.‏

461- بِمِثْلِ جَارِيَة فَلْتَزْنِ الزَّانِيَة‏.‏

هو جارية بن سُلَيط، وكان حَسَنَ الوجه، فرأته امرأة فمكنته من نفسها وحملت، فلما علمت به أمها لامتها، ثم رأت الأم جمالَ ابن سُلَيط فعذرت بنتها وقالت‏:‏ بمثل جارية، فلتزن الزانية، سراً أو علانية‏.‏

يضرب في الكريم يَخْدُمُه مَنْ هو دُونَه‏.‏ ‏[‏ص 96‏]‏

462 - بِفِيهِ مِنْ سارٍ إِلَى القَوْمِ البَرَى‏.‏

هذا قيل في رجل سَرَى إلى قوم، وخَبَّرهم بما ساءهم، والبرى‏:‏ الترابُ، ومنه المثل الآخر ‏"‏بفيه البَرَى، وعليه الدبَرَى، وحمى خَيْبَرى، وشر ما يرى، فإنه خَيْسَرَى‏"‏ الدبرى‏:‏ الهزيمة، والخيسرى‏:‏ الخسار، وأراد أنه ذو خيسرى أي ذو خسار وهلاك، والغرض من قولهم ‏"‏بفيه البَرى‏"‏ الخيبة، كما قال‏:‏

كلانا يا معاذُ نحبُّ لَيْلى * بِفِيّ وفيك من ليلى الترابُ

أي كلانا خائب من وصلها‏.‏

463- بَلَغَ السِّكِّينُ العَظْمَ‏.‏

هذا مثل قولهم ‏"‏بلغ السيلُ الزبى‏"‏ ومثلهما‏:‏

464- بَلَغَ مِنْهُ الْمُخَنَّقُ‏.‏

وهو الْحَنْجَرَة والْحَلْق‏:‏ أي بلغ منه الْجَهْدَ‏.‏

465- بِحَمْدِ اللّهِ لا ِبَحْمِدَك‏.‏

هذا من كلام عائشة رضي الله عنها حين بَشَّرَها النبي صلى اللّه عليه وسلم بنزول آية الإفْك‏.‏

يضرب لمن يَمُنُّ بما لا أثر له فيه‏.‏

والباء في ‏"‏ بحمد اللّه‏"‏ من صلة الإقرار، أي أقر بأن الحمد في هذا للّه تعالى‏.‏

466- بَيْضَةُ العُقْرِ‏.‏

قيل‏:‏ إنها بيضة الديك، وإنها مما يُخْتبر به عُذْرَة الجارية، وهي بَيْضَة إلى الطول‏.‏

يضرب للشيء يكون موة واحدة، لأن الديك يبيض في عمره مرة واحدة فيما يقال، قال بشار بن برد‏:‏

قد زُرْتِنِي زورةً في الدهر واحدةً * ثَنِّي ولا تَجْعَلِيهَا بيضةَ الديكِ

قال أبو عبيدة‏:‏ يقال للبخيل يعطي مرة ثم لا يعود‏:‏ كانت بيضَةَ الديكِ، فإن كان يعطى شيئاً ثم قطعه قيل للمرة الأخيرة‏:‏ كانت بيضةَ العُقْرِ، وقال بعضهم‏:‏ بيضة العقر كقولهم ‏"‏بَيْض الأنُوق، والأبْلَق العَقُوق‏"‏ يضرب مثلا لما لا يكون‏.‏

467- باقِعَةٌ مِنَ الْبَوَاقِعِ‏.‏

أي داهية من الدواهي، وأصلُه من البَقَع، وهو اختلاف اللون، ومنه الغراب الأبْقَع وَسَنة بَقْعَاء فيها خِصْب وجَدْب، وفي الحديث ‏"‏بِقْعَانُ الشأم‏"‏ قيل‏:‏ أراد سَبْي الروم، لاختلام بياضهم وصفرتهم، فسمى الرجل الداهي باقعة، لأنه يؤثر في كل ما يقصد ويتولَّى، والباقعة‏:‏ الداهية نفسها ‏[‏ص 97‏]‏ أمر يلصق حتى يُرَى أثره، وقيل‏:‏ الباقعة طائر حَذِر إذا شرب الماء نظر يَمْنة ويَسْرة‏.‏

يضرب للرجل فيه دَهَاء ونُكْر‏.‏

468- بَيْتُ الأَدِم‏.‏

يقال‏:‏ الأدَمُ جمع أدِيم، ويقال‏:‏ هو الأرض، وقالوا‏:‏ هو بيت الإسكاف، لأن فيه من كل جلد رقعة‏.‏

يضرب في اجتماع الأشخاص وافتراق الأخلاق، وينشد‏:‏

القومُ إخوانٌ وشَتَّى في الشَّيَمْ * وكلهم يَجْمَعُه بيتُ الأدَمْ

ويروى ‏"‏الناس‏"‏ و ‏"‏كلهم يجمعهم‏"‏ على إعادة الكناية ‏(‏الكناية‏:‏ أراد ضمير الغائب في ‏"‏يجمعهم‏"‏ وكل‏:‏ لفظة مفرد، ومعناه جمع‏)‏ إلى معنى كل، و ‏"‏يجمعه‏"‏ على إعادتها إلى اللفظ، قالوا‏:‏ وبيت الأدَم خِباء من أدَم‏:‏ أي يجمعهم على اختلاف ألوانهم وأخلاقهم خباء واحد، يريد أنهم يرجعون فيها إلى أساس واحد، وكلهم بنو رجل واحد، كما قيل‏:‏ الأرض من تربة والناس من رجل‏.‏

469- بِنْتُ الْجَبَلِ‏.‏

قالوا‏:‏ هي صوتٌ يرجع إلى الصائح ولا حقيقة له‏.‏

يضرب للرجل يكون مع كل واحد‏:‏ وإنما أنث فقيل ‏"‏بنت‏"‏ ذهابا إلى النتيجة‏:‏ أي أنها تنتج منه، أو إلى الصيحة‏.‏

470- بِئْسَ مَقَامُ الشَّيْخِ أَمْرِسْ أمْرِسْ‏.‏

يقال ‏"‏مَرَس الحبلُ يَمْرُسُ‏"‏ إذا وقع في أحد جانبي البكرة، فإذا أعَدْته إلى مجراه قلت ‏"‏أمْرَسْتُه‏"‏ وتقدير الكلام‏:‏ بئس مقام الشيخ المقام الذي يقال له فيه أمرس، وهو أن يعجز عن الاستقاء لضعفه‏.‏

يضرب لمن يحوجه الأمر إلى ما لا طاقة له به، أو يربأ به عنه‏.‏

471- باتَ بِلَيْلَةِ أنْقَدَ‏.‏

وهو القُنْفُذ، معرفة لا تدخله الألف واللام‏.‏ يضرب لمن سَهِرَ ليلَه أجمعَ‏.‏

472- بَرْضٌ مِنْ عِدٍّ‏.‏

البَرْضُ‏:‏ القليل، والعِدُّ‏:‏ الماء له مادة أي قليلٌ من كثير‏.‏

473- بَيْضَةُ البَلَدِ‏.‏

البَلَد‏:‏ أُدْحِيّ النَّعام، والنعامُ تترك بيضها يضرب لمن لا يُعْبأ به‏.‏

ويجوز أن يراد به المدح، أي هو واحد البلد الذي يُجْتمع إليه ويُقْبل قوله، وأنشد ‏[‏ص 98‏]‏ ثعلب لآمرأة ترثي عمرو بن ودّ حين قتله علي رضي الله عنه‏.‏

لو كان قاتلُ عمرٍو غيرَ قاتِلِه * بَكَيْتُه ما أقام الروحُ في جَسَدِي

لكنَّ قاتله مَنْ لا يُعَاب به * وكان يُدْعى قديما بيضَةَ البلدِ

474- بَرِئ حَيٌّ مِنْ مَيِّتٍ‏.‏

يضرب عند المفارقة، ومثله قول الخفير ‏"‏إذا بلغتُ بك مكانَ كذا ‏(‏بَرِئْتُ‏)‏‏"‏‏.‏

475- بَرِئَتْ قَائِبَةٌ مِنْ قُوبٍ‏.‏ ‏(‏هذا المثل من تتمة كلام الخفير الذي ذكره في آخر المثل السابق‏)‏

فالقائية‏:‏ البيضة، والقُوب‏:‏ الفرخ، يعني لا عهدة عليّ، قال أبو الهيثم‏:‏ القابة الفرخ، والقوبة البيضة، يقال‏:‏ تَقَوّبَتِ القابةُ عن قُوبها، قلت‏:‏ أصل القوب الشق والحفر، يقال‏:‏ قُبْتُ الأرضَ إذا حفرتها، فمن جعل القائبة البيضة جعل الفعل لها، يعني أنها شَقَّتْ عن الفرخ، وجعل القُوبَ مفعولا، ومن جعل القابةَ الفرخَ عَنَى أنه الذي قاب البيضَةَ فخرج منها، وحذف الياء من القابة كما حذفت من الحاجة، والقوبة على كلا القولين فعْلَة بمعنى مفعولة كالغُرْفَة من الماء والقبضة من الشيء وأشباههما‏.‏

476- بَالَ حِمَارٌ فاسْتَبَالَ أَحْمِرَةً‏.‏

أي حَمَلَهن على البول‏.‏

يضرب في تعاون القوم على ما تكهرهه‏.‏

477- بِئْسَ العِوَضُ مِنْ جَمَلٍ قَيْدُهُ‏.‏

وذلك أن راعياً أهلك جملا لمولاه، ثم أتاه بقَيْده، فقال‏:‏ بئس العوض - إلخ‏.‏

478- بِئْسَ الرِّدْفُ لاَ بَعْدَ نَعَمْ‏.‏

الرِّدْفُ‏:‏ الرَّديف، أنشد ابن الأعرابي

لا تُتْبِعَنَّ نَعَمْ لا طائعا أبداً * فإن لا أفْسَدَتْ من بعد ما نَعَمٍ

إن قلت يوماً نَعَمْ بَدْأ فتمَّ بها * فإن إمضاءها صِنْفٌ من الكَرَمِ

قال المهلب بن أبي صُفْرة لابنه عبد الملك‏:‏ يا بني إنما كانت وصية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عامَّتُهَا عِدَاتٌ أنفْذَهَا أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه، فلا تبدأ بنعم فإن مَوْرِدها سَهْل، ومَصْدَرها وَعْر، واعلم أن وإن قَبُحت فربما رَوّحت، وما قدرت فلا توجب الطمع، وقال سَمُرة بن جُنْدب‏:‏ لأن أقولَ للشيء أفعله ثم يبدو لي فأفعله أحبُّ إلي من أن أقول أفعله ثم أفعله، قال المثقَّبُ‏:‏

حَسَنٌ قولُ نَعَمْ من بعد لاَ * وقَبِيحٌ قولُ لا بعد نَعَمْ ‏[‏ص 99‏]‏

إنَّ لا بعد نَعَمْ فاحشَةٌ * فَبِلا فابدأ إذا خِفْتَ النَّدَمْ

وإذا قلت نَعَمْ فاصْبِرْ لها * بنَجَاح الوَعْدِ إن الْخُلْفَ ذَمّْ

479- بَطْنِي عَطِّري وَسَائِرِي ذَرِي‏.‏

قاله رجل جائع نزل بقوم فأمروا الجاريةَ بتطييبه، فقال هذا القول‏.‏

يضرب لمن يؤمر بالأهم‏.‏

480- بُغِيتُ لَكَ وَوُجِدْتَ لي‏.‏

يضرب للمؤتلفين المتوافقين‏.‏

481- بَقْلُ شَهْرٍ، وَشَوْكُ دَهْرٍ‏.‏

يضرب لمن يقصر خيره ويَطُول شره‏.‏

482- بِمَا تَجُوعِينَ وَيَعْرَى حِرُكِ‏.‏

يضرب لمن يَغْنَى بعد فقر، ثم يفخر بغناه، فيقال له هذا القول‏:‏ أي هذا الغنى بدلُ جوعِك وعُرْيك قبلُ‏.‏

483- بَرْقٌ لَوْ كانَ لَهُ مَطَرٌ‏.‏

يضرب لمن له رُوَاء ولا معنى وراءه‏.‏

484- بَقِّطِيهِ بِطِبِّكِ‏.‏

التَّبْقِيط‏:‏ التفريق، والبَقَطُ‏:‏ ما سقط وتفرق من التمر عند الصِّرام، وأصلُ المثل أن رجلا أتى عشيقَته في بيتها، فأخذه بطنُه فأحدث في البيت، ثم قال لها‏:‏ بقِّطيه بطِبِّكِ أي بحِذْقك وعلمك، أي فرقيه لئلا يُفْطَن له‏.‏

يضرب لمن يؤمر بإحكام أمرٍ بعلمه ومعرفته‏.‏

485- بَيْنَ الْحُذَيَّا والْخُلْسَةِ‏.‏

الحُذَيَّا‏:‏ العطية، وكذلك الحَذِيَّة، وكان ابنُ سيرين إذا عرض عليه رؤيا حسنة قال‏:‏ الحُذَيَّا، والحُذَيَّا، يعني هاتِ العطية أعَبِّرْهَا لك، والْخُلْسَة‏:‏ اسم المختَلَسِ‏.‏

يضرب لمن يستخرج منه عطاء برفق وتأنق في ذلك كأنه يقول‏:‏ تَحْذُونِي أو أختلس‏.‏

486- بَالَ فَادِرٌ فَبَالَ جَفْرُهُ‏.‏

الفادر‏:‏ الموَعِلُ المسِنُّ، وجَفْره‏:‏ ولده، ويقال لولد المعز أيضاً جَفْر، وذلك إذا قوِيَ وبلغ أربعة أشهر‏.‏

يضرب للولد يَنْسِج على مِنْوَال أبيه‏.‏

487- بِمِثلي تُطْرَدُ الأوَابِدُ‏.‏

أصلُ الأوابد الوَحْش، ثم استعيرت في غيرها، ومنه قول الناس ‏"‏أتى فلان في كلامه بأبِدَةًٍ‏"‏ أي بكلمة وَحْشية، وتأبَّدَ المكان‏:‏ توحش ‏.‏ ومعنى المثل‏:‏ بمثلي تطلب الحاجات الممتنعة‏.‏

488- بَلْدَة يَتَنَادَى أَصْرَمَاهَا‏.‏

يقال للذئب والغراب، الأصْرَمان، قال ابن السِّكِّيت‏:‏ لأنهما انصَرَما من ‏[‏ص 100‏]‏ الناس‏:‏ أي انقطعا، وأنشد للمرار‏:‏

على صَرْمَاء فيها أصْرمَاهَا * وخِرِّيتُ الفَلاَةِ بها مليل

والصَّرْمَاء‏:‏ المَفَازة التي لا ماء فيها‏.‏

ضرب لمن أخلاقه تنادي عليه بالشر‏.‏

489- بَكَّرَتْ شَبْوَةُ تَزْبَئِرُّ‏.‏

شَبْوة‏:‏ اسم للعقرب لا تدخلها الألف واللام مثل مَحْوَة للشمال ‏(‏في القاموس أن محوة اسم للدبور‏)‏ وخُضَارة للبحر‏.‏ وتزبئر‏:‏ تنتفش‏.‏

يضرب لمن يتشمر للشر، أنشد ابن الأعرابيّ‏:‏

قَدْ بَكَّرَتْ شَبْوَةُ تَزْبَئِرُّ * تَكْسُو اسْتَهَا لَحْماً وَتَقْمَطِرُّ

490- بَقِيَ أَشَدُّهُ‏.‏

ويروى ‏"‏بقى شدُه‏"‏ قيل‏:‏ كان من شأن هذا المَثَل أنه كان في الزمان الأول هِرّ أَفْنَى الجِرْذَانَ وشَرَّدها، فاجتمع ما بقي منها فقالت‏:‏ هل من حيلة نحتال بها لهذا الهر لعلنا ننجو منه ‏؟‏ فاجتمع رأيُهَا على أن تعلق في رقبته جُلْجُلا إذا تحرَّك لها سمعن صوت الجُلْجُل فأخَذْنَ حَذَرهن، فجئن بالجُلْجُل، فقال بعضهن‏:‏ أينا يُعَلِّق الآن، فقال الآخر‏:‏ بقي أشَدُه أو قال شَدُّه‏.‏

يضرب عند الأمر يبقى أصعبه وأهوله‏.‏

وهذا مما تمثل به العرب عن ألسُنِ البهائم‏.‏

491- باتَ هذَا الأعْرَابِيُّ مَقْرُوراً‏.‏

يضرب لمن يَهْزأ بمن هو دونه في الجاجة، كمن بات دَفيئا وغيرُهُ مَقْرور، يقال‏:‏ أقَرَّهُ اللّهُ فهو مَقْرُور على غير قياس‏.‏ وقريب من هذا المثل قولهم ‏"‏هَانَ عَلَى الأمْلَسِ ما لاقَى الدَّبِرُ‏"‏‏.‏

492- بُعْدُ الدَّارِ كَبُعْدِ النَّسَبِ‏.‏

أي إذا غاب عنك قريبُكَ فلم يَنْفَعْكَ فهو كمن لا نَسَبَ بينك وبينه‏.‏

493- بَلَغَ مِنْهُ المُخَنَّقَ‏.‏

يضرب لمن يُحْمل عليه حتى يبلغ منتهاه‏.‏

494- بِعَيْنٍ ما أَرَيَنَّكَ‏.‏

أي اعمل كأنِّي أنظر إليك‏.‏ يضرب في الحث على ترك البُطْء‏.‏

و ‏"‏ما‏"‏ صلة دخلت للتأكيد ولأجلها دخلت النون في الفعل، ومثله‏:‏

ومن عَضَةٍ ما ينبتَنَّ شَكِيرُهَا*

495- بِالرَّفَاءِ والبَنِينَ‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ الرِّفاء الالتحام والاتفاق، من رَفَيْتُ الثوب، قالوا‏:‏ ويجوز أن يكون من رَفَوْته إذا سكنته، قال أبو خراش الهُذَلي‏:‏

رَفَوْنِي وَقَالُوا‏:‏ يا خُوَيْلِدُ لا تُرَعْ * فقلْتُ وأنكَرْتُ الوجوهَ‏:‏ هُمُ هُمُ ‏[‏ص 101‏]‏

وَهَنَّأ بعضهم متزوجا فقال‏:‏ بالرفاء والثبات، والبنين لا البنات، ويروى ‏"‏بالنبات والثبات‏"‏‏.‏

496- ابْنُكَ ابْنُ بُوحِكَ‏.‏

يقال‏:‏ البُوحُ النفس، فإن صح هذا فيجوز كسر الكافين وفتحهما، ويقال‏:‏ البوح الذكرَ، فعلى هذا لا يجوز الكسر، يقال‏:‏ ابنُكَ ابن بُوحِك، يشرب من صَبُوحك، يعني ابنك من ولدته لا من تبنَّيْتَهُ، وقيل‏:‏ البُوحُ اسم من بَاحَ بالشيء إذا أظهره، أي ابنُك مَنْ بُحْت بكونه ولداً لك، وذلك أن بعض العرب كانوا يأتُونَ النساء فإذا وُلد لأحدهم ألحقته المرأة بمن شاءت، فربما ادَّعاه وربما أنكره، لأنها كانت لا تمتنع ممن ينتابها، فالمعنى ابنك من بُحْتَ به أنت وباحت به أمه بموافقتك، ويقال‏:‏ البوح جمع باحة، أي ابنُكَ من ولد في فِنائك، ومثل البُوح في الجمع نُوق وسُوح ولُوب في جمع ناقَة وسَاحَة ولاَبة‏.‏

497- بِنْتُ بَرْحٍ‏.‏

للشر والشدة، يقال‏:‏ لقيتُ منه بناتِ بَرْحٍ، وبني بَرْحٍ، أي شدةً وأذىً، وبَرَّحَ بي هذا الأمرُ إذا غلظ واشتد‏.‏ يضرب للأمر يُسْتَفْظع‏.‏

498- بَحَازِجُ الأرْوَى‏.‏

جمع بَحْزجٍ، وهو ولد البقرة الوحشية وغيرها يضرب لما لا يُرَى إلا فَلْتة‏.‏

499- بَرِّزْ نَارَكَ وَإِنْ هَزَلْتَ فارَكَ‏.‏

الفار ههنا‏:‏ عَضَلُ العَضُدَين تشبيها بالفار كما تشبه به أيضاً فارة المسك لانتفاخها‏.‏

يقول‏:‏ آثِرِ الضيفَ بما عندك وإن نَهَكْتَ جِسْمَك‏.‏

500- بَدتْ جَنَادِعُهُ‏.‏

يقال‏:‏ الجَنَادع دَوَابّ كأنها الجَنَادب تكون في جُحْر الضبّ، فإذا كاد ينتهي الحافر إلى الضبّ بَدَت الجنادعُ فيقال‏:‏ قد بدت جَنَادعهُ، واللّه جَادِعهُ، قالوا‏:‏ والجُنْدُع أسود له قرنان في رأسه طويلان‏.‏

يضرب مثلا لما يَبْدُو من أوائل الشرّ‏.‏

501- بَاتَتْ بِلَيْلةِ حُرَّةٍ‏.‏

العرب تسمي الليلة تُفْتَرَع فيها المرأة ليلة شيباء، وتسمى الليلة التي لا يقدر الزوج فيها على افتضاضها ليلة حرة، فيقال‏:‏ باتَتْ فلانةُ بليلة حرة، إذا لم يغلبها الزوج، وباتت بليلة شيباء، إذا غلبها فافتضَّها‏.‏

يضربان للغالب والمغلوب‏.‏

502- بِرِئْتُ مِنْهُ مَطَرَ السَّماءِ‏.‏

أي برئت من هذا الأمر ما كانت السماء تمطر، أي أبَداً‏.‏ ‏[‏ص 102‏]‏

503- بِسِلاَحٍ مَّا يُقْتَلَنَّ القَتِيلُ‏.‏

قاله عمرو بن هند حين بلَغه قتل عمرو ابن مامة، فغزا مُرَادا وهو قَتَلَة عمرو، فظفر بهم، وقتل منهم فأكثر، فأتى بابن الجعيد سلما، فلما رآه أمَرَ ‏(‏به‏)‏ فضُرب بالغِمْد حتى مات، فقال عمرو‏:‏ بسلاح مَّا يقتلَنَّ القتيلُ فأرسلها مثلا‏.‏يضرب في مكافأة الشر بالشر‏.‏

يعني يقتل مَنْ يُقْتل بأيّ سلاح كان، وقوله ‏"‏يقتلن‏"‏ دخلته النونُ لمكان ‏"‏ما‏"‏ وهي مؤكدة، ويجوز أن يكون أراد بسلاح ما يقتلن قاتل القتيل، فحذف، ويجوز أن يريد ابن الجعيد الذي قتل بين يديه، فتكون الألف واللام للعهد‏.‏

504- ابْدَأهُمْ بِالصُّرَاخِ يَفِرُّوا‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ هذا مثل قد ابتذلته العامة، وله أصل، وذلك أن يكون الرجل قد أساء إلى الرجل فيتخوَّفُ لائمةَ صاحبه فيبدؤه بالشكاية والتنجي ليرضى منه الآخر بالسكوت‏.‏ يضرب للظالم يتظلّم ليسكت عنه‏.‏

505- أَبْدَئِيِهنَّ بِعفَالِ سُبِيتِ ‏(‏انظر لسان العرب ‏(‏ع ف ل‏)‏‏)‏

أي ابدئيهن بقولك ‏"‏عفال‏"‏ قال المفضَّل‏:‏ سبب هذا المثل أن سَعْد بن زَيْد مَنَاة كان تزوج رُهْمَ بنت الخزرج بن تَيْم الله بن رُفَيْدة بن كلب بن وَبَرَةَ، وكانت من أجمل النساء، فولدت له مالك بن سعد، وكانت ضرائرها إذا سابَبْنَهَا يقلن لها‏:‏ يا عَفْلاء، فقالت لها أمها‏:‏ إذا سابَبْنَكِ فابدئيهن بعَفَال سُبيتِ، فأرسلتها مثلا، فسابتها بعد ذلك امرأة من ضرائرها، فقالت لها رُهْم‏:‏ يا عَفْلاَء، فقالت ضرتها‏:‏ رمَتْنِي بدائها وانْسَلَّتْ‏.‏

وعَفَالِ‏:‏ يجوز أن يكون كخَبَاثِ ودَفَارِ، ويجوز أن يكون أرادت عَفِّلِيهَا أي انْسُبيها إلى العَفَلَة، وهي القَرَن الذي اختصم فيه إلى شُرَيح في جارية بها قَرَن، فقال أقْعِدُوها فإن أصابَ الأرضَ فهو عيب، وإن لم يصب الأرضَ فليس بعيب، فجعلت عَفَالِ أمْراً كما يقال‏:‏ دَرَاكِ بمعنى أدْرِكْ، ويجوز أن يُنَوّن ويجعل مصدرا كالسَّرَاح بمعنى التَّسْريح والسَّلاَم بمعنى التسليم، وقولها ‏"‏سُبِيتِ‏"‏ دعاء عليها بالسَّبْي على عادة العرب، وبنو مالك بن سعد رَهْطُ العجاج كان يقال لهم بنو العفيلَى‏.‏

506- بَعْدَ الهِيَاطِ والمِيَاطِ‏.‏

قال يونس بن حبيب‏:‏ الهِياط الصِّياح، والمِياط الدفع، أي بعد شِدَّةٍ وأذًى، ويروى ‏[‏ص 103‏]‏ بعد الهَيْط والمَيْط، قال أبو الهيثم‏:‏ الهيط القَصْد، والميط الْجَوْر، أي بعد الشدة الشديدة، قال‏:‏ ومنهم من يجعله من الصياح والجلَبَة‏.‏

507- أَبْدَي الصَّرِيحُ عَنِ الرَّغْوَةِ‏.‏

أبدي‏:‏ لازم ومتعد، يقال‏:‏ أبدَيْتَ في منطقك، أي جُرْت، فعلى هذا يكون المعنى بدا الصريحُ عن الرِّغْوَة، وإن جعلته متعديا فالمفعول محذوف، أي أبْدَى الصريح نفسَه‏.‏

وهذا المثل لعبيد الله بن زياد، قاله لهانئ بن عُرْوة المرَادي، وكان مسلم بن عَقيل بن أبي طالب رحمه الله قد استخفى عنده أيام بعثه الحسين بن علي رضوان الله عليهما، فلما عرف مكانه عبيدُ الله أرسل إلى هانئ فسأله، فكتمه، فتوعده وخوّفه فقال هانئ‏:‏ هو عندي، فعندها قال عبيد الله‏:‏ أبدى الصريحُ عن الرِّغْوة، أي وضَحَ الأمر وباَنَ، قال نضلة‏:‏

ألم تَسلِ الفوارس يوم غول * بنَضْلَةَ وهو موتور مُشِيحُ

رأوه فازدَرَوْهُ وَهْو حُرٌ * وينفع أهلَه الرجلُ القَبيحُ

ولم يَخْشَوا مَصَالَتَهُ عليهم * وتحت الرَّغْوَة اللبَنُ الصَّرِيحُ

المَصَالة‏:‏ الصَّوْل، ومعنى البيت رأوني فازدروني لدَمَامتي، فلما كَشفوا عني وجدوا غير ما رأوا ظاهرا‏.‏ يضرب عند انكشاف الأمر وظهوره‏.‏

508- أَبَرَماً قَرُوناً‏.‏

البَرَمُ‏:‏ الذي لا يدخل مع القوم في الميسر لبُخْله، والقَرُون‏:‏ الذي يَقْرِن بين الشيئين‏.‏

وأصله أن رجلا كان لا يدخل في الميسر لبخله، ولا يشتري اللحم، فجاء إلى امرأته وبين يديها لحم تأكله، فأقبل يأكُلُ معها بَضْعَتين بضعتين ويَقْرِن بينهما، فقالت امرأته‏:‏ أبَرَماً قَرُوناً، أي أراك بَرَما وقَرُونا‏.‏ يضرب لمن يجمع بين خصلتين مكروهتين‏.‏

قال عمرو بن معدي كرب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو قوما نزل بهم‏:‏ أبرَامٌ يا أمير المؤمنين، قال‏:‏ وكيف ذاك ‏؟‏ قال‏:‏ نزلتُ بهم فما قَرَوْني غيرَ ثور وقَوْس وكَعْب، فقال عمر‏:‏ إن في ذلك لشِبَعاً‏.‏ الثور‏:‏ قطعة من الأقِطِ، والقوس‏:‏ بقية التمر يبقى في الجِلَّة، والكعب‏:‏ قطعة من السمن، أراد عمرو أنهم لم يذبحوا لي حين نزلتُ بهم‏.‏ ‏[‏ص 104‏]‏

509- بِعْتُ جَارِي وَلَمْ أَبِعْ دَارِي‏.‏

أي كنت راغبا في الدار، إلا أن جاري أساء جواري فبعت الدار‏.‏

قال الصقعب بن عمرو النهدي حين سأله النعمان ما الدَّاء العَيَاء، قال‏:‏ جارُ السوء الذي إن قاولته بَهَتَكَ، وإن غبت عنه سَبَعَكَ ‏(‏سبعك‏:‏ اغتابك‏)‏‏.‏

510- أَبادَ اللّهُ خَضْرَاءَهُمْ‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ معناه أذهب اله نعمتَهم وخِصْبَهم، ومنهم من يقول‏:‏ أباد الله غضراءهم، أي خَيْرَهم وخِصْبهم، وقال بعضهم‏:‏ أي بهجَتَهم وحُسْنهم، وهو مأخوذ من الغَضَارة وهي البهجة والحسن، قال الشاعر‏:‏

احْثُوا التُّرابَ على مَحَاسِنِهِ * وعلى غَضَارة وَجْهِهِ النَّضْرِ

511- بَرَزَ الصَّرِيحُ بِجانِبِ المتْنِ‏.‏

يضرب في جَلِيَّةِ الأمر إذا ظهرت ‏.‏ والمتن‏:‏ ما استوى من الأرض‏.‏

512- بَقْبَقة في زَقْزَقَةٍ‏.‏

البقبقة‏:‏ الصَّخَب، والزقزقة‏:‏ الضحك‏.‏ يضرب للنفَّاجِ الذي يأتي بالباطل‏.‏

513- بِحَسْبِهَا أَنْ تَمْتَذِقَ رِعاؤها‏.‏

امْتَذَق‏:‏ إذا شرب مَذْقَة من لبن، يقال هذا في الإبل المحَاَريد، وهي التي قَلَّت ألبانُها‏.‏ يضرب للرجل يُطْلَبُ منه النصر أو العُرْف‏.‏

أي حَسْبه أن يقوم بأمر نفسه‏.‏

514- بِسَالِمٍ كانَتِ الوَقْعَةُ‏.‏

سالم‏:‏ اسم رجل أخذ وعوقب ظلما‏.‏ يضرب في نجاة المستحق للوقعة وأخْذِ من لا يستحقها ظلما‏.‏

515- بَقِيَتْ مِنْ مَالِهِ عَنَاصٍ‏.‏

العناصى‏:‏ جمع عَنْصُوَة، وهي البقية من السيء‏.‏

يضرب لمن بقي من ماله بقية تنجيه من شدائد الدهر‏.‏

516- بِتْ عَلَى كَعْبِ حَذَرٍ قَدْ سُئِلَ بِكَ‏.‏

يضرب لمن عُمِلَ في هلاكه وهو غافل، أي كُنْ على حذر‏.‏

517- بَرَّزَ عُمانٌ فَلاَ تُمارِ‏.‏

عُمَان‏:‏ اسم رجل بَرّزَ على أقرانه بكرمه وخلقه، أي قد ظهرت شمائلُه فلا تُمَار فيه‏.‏ يضرب لمن أنكر شيئا ظاهرا جدا‏.‏

518- بِمِثْلِي يُنْكَأ القَرْحُ‏.‏

أي بمثلي يُدَاوَى الشر والحرب‏.‏ ‏[‏ص 105‏]‏ قال الشاعر‏:‏

لزاز حُرُوبٍ يَنْكأ القرحَ مِثْلُه * يُمَارسُها تَارًا وتَارًا يُضَاِرُس‏.‏

519- بَيْنَهُما بَطحَة الإنْسَانِ‏.‏

أي قَدْرُ طولِهِ على الأرض‏.‏ يضرب في القُرْب بين الشيئين‏.‏

520- بَيْنَ المُطِيعِ وَبَيْنَ المُدْبِرِ العَاصي‏.‏

يضرب لمن لا يكاشف بعداوة ولا يناصح بمودة‏.‏

521- بَيْنَهُمُ احْلِقِي وَقُومِي‏.‏

يضرب للقوم بينهم شر وعداوة‏.‏ وأصل المثل قول الراجز‏:‏

أيَا ابْن نَخاسية أَتُومِ * يومُ أدِيمِ بَقَّةَ الشَّرِيمِ

أحْسَنُ من يَوم احْلِقِي وَقُومِي* وهما يومان أحدهما شر من الآخر، وبقة‏:‏ اسمُ امرأة، والشريم‏:‏ المُفْضَاة‏.‏

522- َبَرَد عَلَى ذَلِكَ الأَمْرِ جِلْدُهُ‏.‏

أي استقر عليه واطمأن به، وبرد‏:‏ معناه ثَبَت، يقال‏:‏ بَرَدَ لي عليه حَقٌّ، أي ثبت، وسَمُوم بارد، أي ثابت دائم، وقال‏:‏

اليَوْم يَوْمٌ باردٌ سَمُومُه * مَنْ جَزِعَ اليوم فَلاَ نَلُومُهُ

523- بَعْضُ الْجَدْبِ أَمْرَأُ للهَزِيلِ‏.‏

يضرب لمن لا يحسن احتمالَ الغنى بل يَطْغَى فيه‏.‏

524- بِغَيْرِ اللَّهْوِ تَرْتَتِقُ الفُتُوقُ‏.‏

يضرب في الحث على استعمال الجد في الأمور‏.‏

525- بِكُلِّ عُشْبٍ آثَارُ رَعْيٍ‏.‏

أي حيث يكون المالُ يجتمع السؤال‏.‏

526- بِكُلِّ وَادٍ بَنُو سَعْدٍ‏.‏

هذا مثل قولهم ‏"‏بكل وادٍ أثر من ثعلبة‏"‏ وقد مر ذكره‏.‏

527- بَلَغَ الغُلاَمُ الْحِنثَ‏.‏

أي جرى عليه القَلَم، والِحْنثُ‏:‏ الإثم، ويراد به ههنا المعصية والطاعة‏.‏

528- بَقِيَ مِنْ بَنِي فُلاَنٍ إثْفِيَّة خَشْناءُ‏.‏

أي بقي منهم عدد كثير، والإثْفِية‏:‏ مَثَلٌ لاجتماعهم، والخشناء‏:‏ مثل لكثرتهم، ومنه ‏"‏كتيبة خشناء‏"‏ أي كثيرة السلاح‏.‏

529- بَعْضُ القَتْلِ إحْياءُ لِلْجَمِيع‏.‏

يعنون القِصَاص، وهذا مثل قولهم ‏"‏القَتْلُ أنْفى للقتل‏"‏ وكقوله تعالى ‏{‏ ولكم في القصاص حياة‏}‏‏.‏

530- البضاعَة تُيَسِّرُ الحاجَةَ‏.‏

يضرب في بذل الرِّشْوة والهدية لتحصيل المراد‏.‏ ‏[‏ص 106‏]‏

531- بينهُمْ رِمِّيَّا ثُمَّ حِجِّيزَى‏.‏

أي تَرَامَوْا بالحجارة أو بالنَّبْلِ ثم تحاجزوا‏:‏ أي أمسكوا‏.‏

532- أَبْدَى اللّه شِوَارَهُ‏.‏

هذه كلمة يقولها الشاتم والداعي على الإنسان ‏.‏ والشِوَّار‏:‏ الفَرْج‏.‏

533- البَغْلُ نَغُلٌ وَهُوَ لذَلِكَ أَهْلٌ‏.‏

يقال‏:‏ نَغِلَ الأديمُ فهم نَغِل، إذا فَسَد، وإنما خفف للازدواج، ويقال‏:‏ فلان نَغِل، إذا كان فاسدَ النسبِ‏.‏ يضرب لمن لؤم أصله فخبث فعله‏.‏

534- البِطْنَةُ تَأفِنُ الفِطْنَةَ‏.‏

يقال‏:‏ أفِنَ الفصيلُ ما في ضَرْع أمه، إذا شرب ما فيه‏.‏ يضرب لمن غَيَّر استغناؤه عقلَه وأفسده‏.‏

535- بِهِ الوَرَى وَحُمَّى خَيْبَرى‏.‏

الوَرْىُ - بسكون الراء - أكلُ القَيْحِ الجوفَ، وبالتحريك الاسم، وقال‏:‏

وَرَاهُنَّ ربِّي مثلَ ما قد وَرَيْنَنِي * وَأحْمى على أكبادِهِنَّ المَكَاوِيَا

536- بَعْضُ البِقاعِ أَيْمَنُ مِنْ بَعْضٍ‏.‏

قاله أعرابي تعرض لمعاوية في طريق وسأله، فقال معاوية‏:‏ مالك عندي شيء، فتركه ساعة ثم عاوده في مكان آخر، فقال‏:‏ ألم تسألني آنفاً، قال‏:‏ بلى، ولكن بعضُ البقاع أيْمَنُ من بعض، فأعجبه كلامه ووصَله‏.‏

537- بَعْدَ اطِّلاَعٍ إينَاسٌ‏.‏

قاله قَيْس بن زُهَير حين قال له حذيفة ابن بدر يوم داحِسٍ‏:‏ سبقتُكَ يا قيس، فقال قيس‏:‏ بعد اطلاع إيناس، يعني بعد أن يظهر أتعرف الخبر، أي إنما يحصل اليقين بعد النظر، أنشد ابن الأعرابي‏:‏

لبس بما ليس به بأسٌ باسُ * ولا يَضِيرُ البر ما قال الناسُ

وإنه بعد اطِّلاَع اينَاسُ* ويورى ‏"‏بعد طلوع‏"‏ ‏.‏

538- بُؤْساً لَهُ، وُتُوساً لَهُ، وَجُوساً لَهُ‏.‏

كله بمعنى، فالبؤس الشدة، والتوس إتْبَاع له، والجوس الجوع‏.‏

يقال عند الدعاء على الإنسان‏.‏

وانتصَبَ كلها على إضمار الفعل‏:‏ أي ألزَمَهُ الله هذه الأشياء‏.‏

539- بِئْسَ ما أَفْرَعْتَ بِهِ كَلاَمكَ‏.‏

أي بئس ما ابتدأت به كلامك به، ومنه افْتِرَاع المرأة لأول ما نُكِحت، والفَرَع‏:‏ أولد ولد تُنْتَجُه الناقة‏.‏ ‏[‏ص 107‏]‏

540- بِمِثْلِي زابِنِي‏.‏

أي دافعي، من الزَّبْن وهو الدَّفْع‏.‏ قيل‏:‏ مرَّ مُجَاشع بن مسعود السلمي بقريةٍ من قُرَى كَرْمَان، فسأل أهلُها القوم‏:‏ أين أميركم ‏؟‏ فأشاروا إليه، فلما رأوه ضحكوا منه - وكان دميما - وازدرَوْه، فلعنهم وقال‏:‏ إن أهلي لم يريدوني ليُحَاسِنوا بي، وإنما أرادوني ليُزَابنوا بي، أي ليدافعوا بي، أنشد ابن الأعرابي‏:‏

بِمثْلِي زَابِنِي حلما وجُودا * إذا التَقَتِ المجامِعُ والخُطُوبُ

بعيد حُوَّلِيٌّ قُلَّبِيٌّ * عظيمُ القَدْر مِتْلاف كَسُوبُ

فإن أهْلِكْ فقد أبلَيْتُ عُذْرا * وإن أمْلِكْ فمن عَضْبي قضيب

أي أن فرعي من أصلي، يريد أنه من أصل كريم‏.‏

541- البَطْنُ شَرُّ وعاءٍ صِفْراً، وَشَر وِعاءٍ مَلآنَ‏.‏

يعني إن أخْلَيته جُعت وإن مَلأَته آذاك يضرب للرجل الشرير إن أحسنت إليه آذاك، وإن أسأت إليه عاداك‏.‏

542- ابْنُكَ ابْنُ أَيْرِكَ، لَيْسَ ابْنَ غَيْرِكَ‏.‏

هذا مثل قولهم ‏"‏ابنُكَ ابن بُوحك‏"‏ ومثل ‏"‏ولَدُك من دمى عقيبك‏"‏‏.‏

543 بِألَمٍ مَّا تُخْتَنَنَّ‏.‏

أي لا يكون الحِتان إلا بألم، ومعناه أنه لا يُدْرَك الخيرُ ولا يُفْعل المعروف إلا باحتمال مشقة، ويروى ‏"‏بألم ما تُخْتَنِنَّهْ‏"‏ وهذه على خطاب المرأة، والهاء للسكت، ودخلت النون في الروايتين لدخول ما، على ما ذكرنا قبل، والعربُ تدخل نون التأكيد مع ما كقولهم‏:‏

ومن عضَةٍ مَايَنْبُتَنَّ شَكِيرُهَا*

544- أَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْناً مَّا‏.‏

البغيض‏:‏ بمعنى المبغَضِ كالحكيم بمعنى المحكَم، وهَوْنأ‏:‏ أي قليلا سهلا، ونصب على صفة المصدر، أي بغضا هَوْنا غير مستَقْصىً فيه، فلعلكما ترجعان إلى المحبة فتستحْيِيَا من بعضكما، ودخلت ما للتوكيد‏.‏

545- بِئْسَ السَّعَفُ أنْتَ يَا فَتَى‏.‏

قال النضر‏:‏ سُعُوف البيت التور والقَصْعة والقِدْر، وهي من مُحَقَّرات متاع البيت ‏.‏ ومعنى المثل‏:‏ بئس السلعة وبئس الخليط أنت‏.‏

546- بالأرضِ وَلَدَتْك أُمُّكَ‏.‏

يضرب عند الزَّجْر عن الخُيْلاء والبَغْي، وعند الحث على الاقتصاد‏.‏ ‏[‏ص 108‏]‏

547- بَنَانُ كَفِّ لَيْسَ فِيهَا سَاعِدٌ‏.‏

يضرب لمن له هِمَّة ولا مَقْدِرَةَ له على بلوغ ما في نفسه‏.‏

548- أَبَرَمُ طَلْحٍ نالَها سِرافٌ‏.‏

الطَّلْح‏:‏ شجر، والواحدة طَلْحة، والبَرَمَةُ‏:‏ ثمرة، وأبْرَمَ إذا خرجت بَرَمَتُه، والسِّرَاف‏:‏ من قولهم ‏"‏سَرَفَتِ الشجرة‏"‏ إذا وقعت فيها السُّرْفَة، وهي دُوَيْبَّة تتَّخذ لنفسها بيتاً مربعاً من دُقِاَق العيدان تضم بعضَها إلى بعض بلُعَابها ثم تدخل فيه وتموت، يقال‏:‏ سَرَفَتْ تَسْرُفُ سَرْفاً وسِرَافاً‏.‏

يضرب لمن ارتاشَتْ حاله وكثر ماله بعد القلة‏.‏

549- بَيْضَاءُ لاَ يُدْجِى سَنَاهَا العِظْلِمُ‏.‏

أي‏:‏ لا يسوِّد بياضَها العِظْلِمُ، وهو نبت يُصْبغ به، يقال‏:‏ هو النيل، ويقال الوَسْمَة، والعِظْلِمُ أيضاً‏:‏ الليلُ المظلم، وهو على التشبيه‏.‏

يضرب للمشهور لا يُخْفيه شيء‏.‏

550- بايِعْ بِعِزٍّ وَجْهُهُ مُلَثَّمٌ‏.‏

المغطى باللثام هو المُلَثّم، وأراد بقوله ‏"‏بايع بعز‏"‏ بع عزا ولا ترده يكون بهذه الصفة‏:‏ أي لا تَرْغَبْ في مُوَاصلة قوم لا قَديم لهم، فعزهم مستور لا يعرف إلا في هذا الوقت‏.‏

551- بِنْتُ صَفاً تَقُولُ عَنْ سَماعٍ‏.‏

بنت الصَّفَا‏:‏ مثل قولهم ‏"‏بنت الجبل‏"‏ يعنون بهما الصَّدَى، وهو صوت يُسْمع من الجبل وغيره‏.‏

يضرب لمن لا يُدْعَى إلى خير أو شرّ إلا أجَابَ، كما أن صدى الجبل يجيب كل صوت‏.‏

552- بِجنِّ قَلْعٍ يُغْرَسُ الوَدِىُّ‏.‏

جِنُّ العهدِ‏:‏ حِدثَانُه وأَوَّلُه، وكذلك جن كل شيء‏.‏ يضرب لمن يؤمر بطلب الأمر قبل فَوْته‏.‏

553- بِقَدْرِ سُرُورِ التَّوَاصُلِ، تَكُونُ حَسْرَةُ التَّفَاصُلِ‏.‏

554- البَلاَيَا عَلَى الْحَوايَا‏.‏

قاله عَبيدُ بن الأبْرَصِ يوم لقي النعمانَ ابن المنذر في يوم بُؤْسه، والْحَوِيَّةُ وَالسَّوِيَّةُ كِساء يُحْشى بالثُّمام ونحوه ويُدَار حول سَنام البعير، والْحَوِيَّة لا تكون إلا للجِمال، فأما السَّوِية فإنها تكون لغيرها‏.‏

ومعنى المثل‏:‏ البلايا تُسَاق إلى أصحابها على الْحَوْايا، أي لا يقدر أحد أن يَفِرَّ مما قُدِّرَ له‏.‏ ‏[‏ص 109‏]‏

555- البَغْىُ آخِرُ مُدَّة القَوْمِ‏.‏

يعني أن الظلم إذا امتدَّ مَدَاه آذَنَ بانقراض مُدَّتهم‏.‏

556- ابْنُ زَانِيَةٍ بِزَيْتٍ‏.‏

أصله أن قوماً من اللصوص جَلَبوا قَحْبة، فلما قَضَوْا منها أوطارهم أَعْطَوْها قِرْبَةَ زيتٍ كانت عندهم إذ لم يحضرهم غيرها، فقالت المرأة‏:‏ لا أريدها لأني أَحْسِبَني عَلِقْت من أحدكم، وأَكْرَه أن يكون مولودي ابنَ زانية بزيت، فذهب قولها مثلاً، قال الشاعر‏:‏

إذا ما الحىُّ هاجى حَشْوَ قبرٍ * فَذَلِكُمُ ابنُ زانيةٍ بزَيْتِ

557- بَاتَ فُلاَن يَشْوِي القَرَاحَ‏.‏

يعني الماء القَرَاح، وهو الخالص الذي لا يخُاَلطه شيء‏.‏

يضرب لمن ساءت حالُه ونَفِدَ مالُه، فصار بحيت يشوي الماء شهوة للطبيخ‏.‏

وأصله أن رجلاً اشتهى مَادُوما، ولم يكن عنده سوى الماء، فأوقد ناراً، ووضع القِدْر عليها، وجعل فيها ماء وأغلاه، وأَكَبَّ على الماء يتعلَّل بما يرتفع من بُخَاره، فقيل له‏:‏ ما تصنع ‏؟‏ فقال‏:‏ أشوي الماء، فضرب به المثل‏.‏

558- بِحَيْثُ العَيْنُ تَرْنُو ما يَضُرُّ‏.‏

يريد حيثُ تنظر العين ترى ما يضر، والباء في ‏"‏بحيث‏"‏ زائدة، كما تزداد في ‏"‏بحسبك‏"‏‏.‏ يضرب لمن إن جامَلْتَه أو جاملت عليه فهو لك مُنْكِر ومنك نَفْور‏.‏

559- بَيْتٌ بِهِ الْحِيَتانُ وَالأنُوقُ‏.‏

وهما لا يجتمعان‏.‏

يضرب لضدين اجْتَمَعَا في أمرٍ واحد‏.‏

560- بِئْسَ مَحَلاًّ بِتُّ في صَرِيمٍ‏.‏

الصَّرِيم‏:‏ الليلُ، والصريم‏:‏ الصبح، وهذا الحرف من الأضداد‏.‏

يريد بئس المحل محلا بت فيه، ثم حذف ‏"‏في‏"‏ فصار بته، ثم حذف الهاء‏.‏

يضرب لمن سكَن إلى مَنْ لا يُوثَقُ بمثله‏.‏

561- بِشْرٌ كَحَنَّةِ العَلُوقِ الرَّائِمِ‏.‏

البِشْر‏:‏ رَوْنَق الوجه وصفاء لونه، والعَلُوق‏:‏ الناقة التي ترأم الولد بأنفها، وتمنعه دَرَّها‏.‏

يضرب لمن يُحْسن القولَ ويقتصر عليه‏.‏

562- بَيْضُ قَطاً يَحْضُنُهُ أَجْدَلُ‏.‏

الأجْدَل‏:‏ الصَّقْر، والحَضْنُ والْحِضَانة‏:‏ ‏[‏ص 110‏]‏ أن يَحْضُن الطائرُ بَيْضَه تحت جناحه‏.‏ يضرب للشريف يُؤْوِي إليه الوضيع‏.‏

563- بَنِيكِ حَمِّرِي وَمَكِّكِينِي‏.‏

قيل‏:‏ أصاب الناسَ جَدْبٌ ومجاعة، وإن رجلاً من العرب جمع شيئاً من تمر في بيته، وله بَنُونَ صِغار وامرأة، فكانت المرأة تَقُوتهم من ذلك التمر، تسوِّي بينهم وتعطي كل واحد جمعة من التمر مثل الْحُمَّرَة، وإن الرجل لا يغني ذلك عنه شيئاً، فأرادت المرأة يوماً أن تَقْسِم بينهم، فقال‏:‏ حَمِّرِي بنيك ومككيني، أي أعطيني مثل المُكَّاء، وهو طائر أكبر من الْحُمَّرة‏.‏

يضرب لمن يُسَوِّي بين أصحابه في العطاء ويختص به قوم فيطمعون في تخصيصه إياهم بأكثَرَ من ذلك‏.‏

564- بَلَغَ اللّهُ بِكَ أَكْلأَ العُمُرِ‏.‏

يقال‏:‏ كَلأَ يَكْلأَ كُلُوأ، إذا تأخر، ومنه الكالئ للنَّسيئة لتأخرها، والمعنى‏:‏ بلَّغك اللّه أَطْوَلَ العمر وآخره‏.‏

565- بِئْسَ مَحَكُّ الضَّيْفِ اسْتُهُ‏.‏

يضرب للئيم، قاله أبو زيد، ولم يزد على هذا، ويروى ‏"‏محل‏"‏ باللام‏.‏

566- بَخٍ بَخٍ سَاقٌ بِخَلْخَالٍ‏.‏

بَخٍ‏:‏ كلمة يقولها المتعجب من حسن الشيء وكماله الواقع موقع الرضا‏,‏ كأنه قال‏:‏ ما أَحْسَنَ ما أراه، وهو ساق مُحَلاَّة بخَلْخال ويجوز أن يريد بالباء معنى مع، فيكون التعجب من حسنهما‏.‏

يضرب في التهكم والهزء من شيء لا موضع للتهكم فيه‏.‏

وأول من قال ذلك الوِرْثَةُ بنت ثَعْلَبَة امرأة ذُهْل بن شَيْبان بن ثعلبة، وذلك أن رَقَاشِ بنتَ عمرو بن عثمان من بني ثعلبة طلقَّها زوجُها كعبُ بن مالك بن تَيْم الله بن ثعلبة بن عُكَايَةَ، فتزوجها ذهل بن شيبان زوج الوِرْثَة ودخل بها، وكانت الوِرْثَةُ، لا تترك له امرأة إلا ضَرَبَتْها وأَجْلَتْها، فخرجت رقاشِ يوماً وعليها خلخالان، فقالت الوِرْثَة‏:‏ بخ بخ ساق بخلخال، فذهبت مثلا، فقالت رقاش‏:‏ أَجَلْ ساقٌ بخَلْخَال، لا كخالك المُخْتَال، فوثبت عليها الوِرْثَةُ لتضربها، فضبَطَتْها رقاشِ وضربتها وغلبتها حتى حُجِزَتْ عنها، فقالت الوِرْثَةُ‏:‏

يا وَيْحَ نَفْسِي اليومَ أدركني الكبر * أأبْكِي على نَفْسي العشيَّةَ أم أَذَرْ

فواللّه لو أدركْتِ فيَّ بقيةً * لَلاَقَيْتِ ما لاقى صَوَاحِبُكِ الأخَرْ

فولدت رقاشِ لذُهْل بن شيبان‏:‏ مُرَّة، وأبا ربيعة، ومحلِّما، والحارث بن ذهل‏.‏ ‏[‏ص 111‏]‏

*3*ما جاء على أفعل من هذا الباب‏.

567- أَبْلَغُ مِنْ قُسٍّ‏.‏

هو قُسُّ بن ساعدة بن حُذَافة بن زُهَير ابن إياد بن نِزَار، الإيادي، وكان من حكماء العرب، وأَعْقَلَ من سُمِع به منهم، وهو أول من كَتَب ‏"‏من فلان إلى فلان‏"‏ وأول من أَقَرَّ بالبعث من غير علم، وأول من قال ‏"‏أما بعد‏"‏ وأول من قال ‏"‏البينة على مَنْ ادَّعَى والميمينُ عَلَى من أنكر‏"‏ وقد عُمِّر مائةً وثمانين سنة، قال الأعشى‏:‏

وَأَبْلَغُ من قُسِّ وأَجْرَى مِنَ الذي * بِذِي الغيل مِنْ خفَّانَ أَصْبَحَ خَادِرَا

وأخبر عامر بن شَرَاحيل الشعبيُّ عن عبد الله بن عباس أن وَفْدَ بكر بن وائل قَدِمُوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فَرَغ من حوائجهم قال‏:‏ هل فيكم أحد يعرف قُسَّ بن ساعدة الإيادي ‏؟‏ قالوا‏:‏ كلنا نعرفه، قال‏:‏ فما فَعَلَ ‏؟‏ قالوا‏:‏ هلَكَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ كأني به على جَمَل أحمر بعُكَاظ قائماً يقول‏:‏ أيها الناس، اجْتَمِعُوا واسْتَمِعُوا وَعُوا، كل مَنْ عاش مات، وكل مَنْ مات فَاتَ، وكل ما هو آتٍ آت، إن في السماء لَخَبراً، وإن في الأرض لَعِبَراً، مِهَاد مَوْضُوع، وَسَقْف مَرْفوع، وبِحار تَمْوج، وتجارة تَرُوج، ولَيْل دَاجٍ، وسماء ذاتُ أَبْرَاجٍ، أَقْسَمَ قُسٌّ حقا لئن كان في الأرض رِضاً ليكونَنَّ بعده سخط، وإن للّه عَزَّتْ قُدْرته دِيناً هو أَحَبُّ إليه من دينكم الذي أنتم عليه، مالي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون ‏؟‏ أَرَضُوا فأقاموا، أو تُرِكُوا فناموا ‏؟‏ ثم أنشد أبو بكر رضي الله عنه شعراً حَفِظه له، وهو قوله‏:‏

في الذاهبين الأوَّلِيـ * ـنَ ‏(‏الأولين‏)‏ من القُرُونِ لنا بَصَائرْ

لما رأيت مَوَارِدا * للمَوْتِ ليس لها مَصَادِرْ

ورأيت قومي نَحْوَها * يَسْعَى الأصاغرُ والأكابرْ

لا يَرْجِعُ الماضي إِلىَّ * ولا من الباقين غَابِرْ

أَيْقَنْتُ أني لا مَحَـــــا * لَةَ ‏(‏محالة‏)‏ حيثُ صار القومُ صائرْ

568- أَبْخَلُ مِنْ مادِرٍ‏.‏

هو رجل من بني هِلال بن عامر بن صَعْصَعة، وبلغ من بُخْله أنه سقي إبله فبقي في أسفل الحوض ماء قليل، فسَلَح فيه ومَدَر الحوضَ به، فسمى مادراً لذلك، واسمه مُخَارق‏.‏ ‏[‏ص 112‏]‏

قال أبو الندى‏:‏ وذكروا أن بني فَزَارة وبني هِلال بن عامر تنافروا إلى أنَسِ بن مُدْرك الْخَثْعَمِيّ، وتراضَوْا به، فقالت بنو عامر‏:‏ يا بني فَزَارة أأكَلْتُم أيْرَ حمار، فقالت بنو فزارة‏:‏ قد أكَلْنَاه ولم نَعْرفه، وحديث ذلك أن ثلاثة نفر اصْطَحَبُوا فَزارِي وثَعْلَبيّ وكِلابيّ، فصادُوا حمارا، ومضى الفَزَاريّ في بعض حاجته، فطَبَخَا وأكَلاَ، وخَبَآ للفزاريّ جُرْدَانَ الحمار ‏(‏جردان الحمار وجوفانه - بضم جيمهما - قضيبه‏)‏ فلما رَجَع الفزاري قالا‏:‏ قد خَبَأنا لك، فكُلْ فأقبل يأكله ولا يكاد يُسِيغه، فقال‏:‏ أكُلُّ شِوَاء العَيْر جُوفَان ‏(‏جردان الحمار وجوفانه - بضم جيمهما - قضيبه‏)‏ يعني به الذَّكَر، وجَعَلا يضحكان، ففطن وأخَذَ السيف وقال‏:‏ لتأكلانِّهِ أو لأقتلنكما، ثم قال لأحدهما وكان اسمه مَرْقمة‏:‏ كُلْ منه، فأبى فضربه فأبَانَ رأسَه، فقال الآخر‏:‏ طاح مَرْقَمة، فقال الفزاري‏:‏ وأنت إن لم تَلْقَمه، قال محمد بن حبيب‏:‏ أراد إن لم تَلْقَمهَا، فلما ترك الألفَ ألقى الفتحة على الميم قبل الهاء، كما قالوا وَيْلُم الحيرة وأي رجال بَهْ‏:‏ أي بِهَا‏.‏ قلت‏:‏ إنما قَدَّر الهاء في تَلْقَمها إرادة المضغة أو البضعة، وإلا فليس في الكلام الذي مضى تأنيث ترجع الهاء إليه، فقالت بنو فزارة‏:‏ ولكن منكم يا بني هلال مَنْ قَرَى ‏(‏قرى - جمع‏)‏ في حوضه فسَقَى إبله فلما رَوِيَتْ سلَح فيه ومَدَره بخلاً به أن يُشْرَب فضلُه، فقضى أنسُ بن مُدْرِك على الهلاليين، فأخذ الفزاريون منهم مائة بعير، وكانوا تراهَنُوا عليها‏.‏

وفي بني فَزَارة يقول الكُمَيْت بن ثَعْلبة، والكميتُ من الشعراء ثلاثة‏:‏ أقدمهم هذا، ثم كميت بن معروف، ثم كميت ابن زيد، وكلمهم من بني أسد‏:‏

نَشَدْتُكَ يا فَزَارَ وأنت شَيْخٌ * إذا خُيِّرْتَ تخطئ في الخِيار

أَصَيْحَانية أُدِمَتْ بسمن * أَحَبُّ إليك أم أَيْرُ الحِمار

بلى أَيْرُ الحمار وخُصْيَتَاه * أَحَبُّ إلى فَزَارة من فَزَارِ

فحذف الهاء من فزارة كما تحذف في الترخيم، وإن كان هذا في غير النداء، ويجوز أن يكون أراد ‏"‏من فزاريٍّ‏"‏ فخفف ياء النسبة‏.‏

وفي بني هلال يقول الشاعر‏:‏

لقد جَلِّلَتْ خِزْياً هلالُ بنُ عامرٍ * بَنِي عامرٍ طُرَّا بسَلْحَة مادر

فأفٍّ لكم لا تَذْكُرُوا الفَخْرَ بعدها * بني عامر أنْتُمْ شِرَارُ المَعَاشِرِ

وفي بني فزارة يقول ابنُ دَارَةَ‏:‏

لا تأمنَنَّ فزاريَّا خَلَوْتَ به * على قَلُوصِك واكْتُبْهَا بأسْيَارِ ‏[‏ص 113‏]‏

لا تأمَنَنْهُ وَلاَ تَأْمَنْ بَوَائِقَهُ * بَعْدَ الذي امْتَلَّ أيْرَ العَيْرِ في النار

أطْعَمْتُمُ الضيفَ جُوفَاناً مُخَاتَلَةً * فلا سَقَاكُمْ إِلهِي الخالِقُ البارِي

قال حمزة‏:‏ وحدثني أبو بكر بن دُرَيد قال‏:‏ حدثني أبو حاتم عن أبي عُبَيدة أنه قرأ عليه حديثَ مادر فضحك، قال‏:‏ فقلت له‏:‏ ما الذي أضحكك‏؟‏ فقال‏:‏ تعجبني من تسيير العرب لأمثالٍ لها لو سَيَّرُوا ما هو أهَمُّ منها لكان أبلغ لها، قلت‏:‏ مثل ماذا ‏؟‏ قال‏:‏ مثل مادر هذا جعلوه علما في البخل بفَعْلَةٍ تحتمل التأويل، وتركوا مثل ابن الزُّبَير مع ما يُؤْثر على لفظه وفعله من دقائق البُخْل فتركوه كالغُفْل‏:‏ من ذلك أنه نظر إلى رجل من أصحابه وهو يومئذ خليفة يقاتل الحجاج ابن يوسف على دَوْلته وقد دَقََّ الرجل في صُدُور أهل الشأم ثلاثة أرماح، فقال له‏:‏ يا هذا اعْتَزِلْ عن حربنا فإن بيت المال لا يقوى على هذا‏.‏ وقال في تلك الحرب لجماعة من جُنْده‏:‏ أكلتم تَمْرِي وعَصَيْتم أمري، وسمع أن مالك بن أشعر الرزاميَّ من بني مازن أكَلَ من بعير وَحْده وحمل ما بقي على ظهره فقال‏:‏ دُلُّونِي على قبره أنبشه، وقال لرجل أتاه مُجْتَدِيا وقد أُبْدِعَ به، فشكا إليه حَفَى ناقته، قال‏:‏ اخْصِفْهَا بهلب، وارْقَعْهَا بسبت، وأنجِدْبها يَبْرُدْ خفها، فقال الرجل‏:‏ يا أمير المؤمنين جئتك مُسْتَوْصلا، ولم آتك مُسْتَوْصِفا، فلا بَقِيَتْ ناقة حملتني إليك، فقال‏:‏ إنَّ وصاحِبَهَا، ولهذا الرجل فيه شعر قد نسى‏.‏

قلت‏:‏ وفي بعض النسخ من كتاب أفعل‏:‏ كان هذا الرجل عبد الله بن فَضَالة ‏(‏المحفوظ أن اسم هذا الشاعر عبد الله ابن الزبير - بفتح الزاي وكسر الباء - الأسدي‏)‏ الأسدي، ولما انصرف من عنده قال‏:‏

أرَى الحاجاتِ عِندَ أبي خُبَيْب * نَكِدْنَ، ولا أمَيَّةَ بالبِلاَدِ

وَمَالِي حينَ أقْطَعُ ذاتَ عِرْقٍ * إلَى ابْنِ الكَاهِلِيَّةِ من مَعَادِ

في أبيات ‏.‏ وابن الكاهلية‏:‏ هو عبد اللّه بن الزُّبَيْر، كانت جدة من جداته من بني كَاهِل، فلما بلغ الشعرُ ابنَ الزُّبَير قال‏:‏ لو علم لي أما ألأَم من عمته لسبَّني بها قال أبو عبيدة‏:‏ فلو تكلف الحارث بن كَلَدة طبيبُ العرب أو مالك بن زيد مناة وحُنَيْف الْحَنَاتم آبلاَ العربِ من وصف علاج ناقة الأعرابي ما تكلَّفه هذا الخليفةُ لما كانوا يَعْشُرُونه، وكان مع هذا يأكل في كل أسبوع أكلة، ويقول في خطبته‏:‏ إنما بطني شِبْر في شِبْر، وعندي ما عسى يكفيني، فقال فيه الشاعر‏:‏ ‏[‏ص 114‏]‏

لو كان بَطْنُكَ شِبْرا قد شَبِعْتَ، وقد * أفْضَلْتَ فَضْلا كثيرا للمساكين

فإنْ تُصِبْكَ من الأيام جائحةٌ * لا نَبْكِ منك على دُنْيَا ولا دِينِ

569- أَبْخَلُ مِنْ كَلْبٍ‏.‏

570- أَبْخَلُ مِنْ ذِي مَعْذِرَة‏.‏

هذا مأخوذ من قولهم في مثل آخر‏:‏ المَعْذِرة طَرَفٌ من البخل‏.‏

571- أَبْخَلُ مِنَ الضَّنِينِ بِنَائِلِ غَيْرِهِ‏.‏

هذا مأخوذ من قول الشاعر‏:‏

وإنَّ امْرَأً ضَنَّتْ يَدَاه على امرئ * بنَيْل يدٍ من غيره لَبَخِيلُ

572- أَبَرُّ مِنَ فَلْحَسٍ‏.‏

هو رجل من بني شيبان، زعموا أنه حمل أباه - وكان خَرِفا كبيرَ السن - على عاتقه إلى بيت اللّه الحرام حتى أحَجَّه‏.‏

ويقال أيضاً‏:‏

573- أَبَرُّ مِنَ العَمَلَّس‏.‏

وهو رجل كان بَرَّا بأمه، وكان يحملها على عاتقه‏.‏

574- أبْصَرُ مِنْ زَرْقَاءِ اليَمَامَةِ‏.‏

واليَمَامة‏:‏ اسمُها، وبها سمي البلد، وذكر الجاحظ أنها كانت من بنات لُقْمَان ابن عاد، وأن اسمها عنز، وكانت هى زَرْقَاء وكانت الزبَّاء زَرْقَاء، وكانت البَسُوس زرقاء، قال محمد بن حبيبَ‏:‏ هى امرأة من جَدِيس، يعني زرقاء، كانت تُبْصِر الشيء من مسيرة ثلاثة أيام، فلما قَتَلَتْ جَدِيس طَسْماً خرج رجل من طَسْم إلى حَسَّان بن تُبَّع، فاستجاشه ورَغَّبه في الغنائم، فجهَّز إليهم جيشا، فلما صاروا من جَوّ على مسيرة ثلاث ليلٍ صعدت الزرقاء فنظرت إلى الجيش وقد أُمِرُوا أن يحمل كل رجل منهم شجرة يستتر بها ليلبِّسُوا عليها، فقالت‏:‏ يا قوم قد أتتكم الشَّجَر، أو أتتكم حمير، فلم يصدقوها، فقالت على مثال رجز‏:‏

أقْسِمُ باللّه لقد دَبَّ الشَّجَرْ * أو حِمْيَر قد أخَذَتْ شيئا يجر

فلم يصدقوها، فقالت‏:‏ أحلف باللّه لقد أرى رَجُل، يَنْهَسُ كتْفاً أو يَخْصِفُ النعل فلم يصدقوها، ولم يستعدُّوا حتى صَبَّحهم حَسَّان فاجتاحهم، فأخذ الزرقاء فشقّ عينيها فإذا فيهما عُرُوق سود من الإثمِدِ، وكانت أولَ من اكتحل بالإثمد من العرب، وهي التي ذكرها النابغة في قوله‏:‏

وَاحْكُمْ كَحُكْمِ فَتَاةِ الحيِّ إذْ نَظَرَتْ * إلى حمامٍ سِرَاعٍ وارِدِ الثَّمَدِ ‏[‏ص 115‏]‏

575- أَبْعَدُ مِنَ النّجْمِ، وَمِنْ مَنَاطِ الْعَيُّوقِ، وَمِنْ بَيْض الأَنُوقِ، وَمِنَ الكَوَاكِب‏.‏

أما النجم فإنه يُرَاد به الثريا، دون سائر الكواكب، ومنه قول الشاعر‏:‏

إذا النَّجْمُ وافَى مَغْرِبَ الشمس أجحرت*مقارى حيى وَاشْتَكَى العُذْرَ جَارُهَا

وأما العَيُّوق فإنه كوكب يطلُع مع الثريا، قال الشاعر‏:‏

وإن صُدَيّاً والمَلاَمة ما مشى * لَكالنَّجْمِ وَالْعَيُّوق ما طَلَعَا مَعَا

صُدَى‏:‏ قبيلة، أي هي أبدا مَلُومة، والملامة تمشي معها لا تفارقها‏.‏

وأما بَيْضُ الأنُوق فهو - أعني الأنوق - اسم للرخَمَة، وهي أبعد الطير وَكْرا، فضربت العرب به المثل في تأكيد بُعْدِ الشيء وما لا يُنَال، قال الشاعر‏:‏

وكُنْتُ إذا اسْتُودِعْتُ سرا كَتَمْتُهُ * كبيض أَنُوقٍ لا يُنَال لها وَكْرُ

576- أَبْصَرُ مِنْ فَرَس بَهْماء فِي غَلَسٍ‏.‏

وكذلك يضرب المثل فيه بالعُقَاب فيقال‏:‏

577- أَبْصَرُ مِنْ عُقَاب مَلاعِ‏.‏

قال محمد بن حبيب‏:‏ مَلاَع اسم هَضْبة، وقال غيره‏:‏ مَلاَع اسم للصحراء، قال‏:‏ وإنما قالوا ذلك لأن عُقَاب الصحراء أبْصَرُ وأسْرَع من عقاب الجبال، ويقال للأرض المستوية الواسعة‏:‏ مَلِيع، ومَيْلَع أيضا، قال الشاعر ‏(‏هو امرؤ القيس بن حجر الكندي‏)‏ يصف إبلا أُغِيرَ عليها فذهبت‏:‏

كان دِثَارًا حَلَّقَتْ بلَبُونِهِ * عُقَاب مَلاَع لا عُقَاب الْقَوَاعِلِ

دِثار‏:‏ اسم رَاعٍ، والقواعل‏:‏ الجبال الصغار، وقال أبو زيد‏:‏ عقاب مَلاع هي السريعة، لأن المَلْع السرعة، ومنه يقال‏:‏ ناقة مَلُوع ومَلِيع أي سريعة، وقال أبو عمرو بن العَلاَء‏:‏ العرب تقول‏:‏ أنت أخَفُّ يداً من عُقَيِّبِ ملاع، وهي عُقَاب تصطاد العصافير والْجُرْذَانَ‏.‏

578- أَبْصَرُ مِنْ غُرَابٍ‏.‏

زعم ابن الأعرابي أن العرب تسمي الغراب أعْوَر لأنه مُغْمِض أبدا إحدى عينيه مقتصر على إحداهما من قوة بَصَره، وقال غيره‏:‏ إنما سَمَّوه أعور لحدة بصره على طريق التفاؤل له، وقال بشار بن برد‏:‏

وقد ظَلَمُوه حين سَمَّوه سيدا * كما ظلم الناسُ الغرابَ بأعْوَرَا

قال أبو الهيثم‏:‏ يقال‏:‏ إن الغُرَاب ‏[‏ص 116‏]‏ يُبْصر من تحت الأرض بقَدْر منقاره‏.‏

579- أَبْصَرُ مِنَ الْوَطْوَاطِ بِالَّليْلِ‏.‏

أي أعرف منه، والوَطْواط‏:‏ الخُفَّاشُ ويقولون أيضا ‏"‏ أبْصَرُ ليلا من الوَطْواط‏"‏ ويقال أيضا للخطاف الوَطْواط، ويسمون الجبان الوطواط‏.‏

580- أَبْصَرُ مِنْ كَلْبٍ‏.‏

هذا المثل رواه بعض المحدثين ذاهبا إلى قول الشاعر وهو مُرَّة بن مَحْكان‏.‏

في ليلة من جُمَادَى ذَاتِ أنْدِيَةٍ * لا يُبْصِر الكلْبُ من ظَلْمائها الطُّنُبَا

581- أَبْأَي مِنْ حُنَيْفِ الْحَنَاتِمِ‏.‏

من البَأْى، وهو الفَخْر، وكان بلَغ من فخره أن لا يكلم أحدا حتى يَبْدَأه هو بالكلام‏.‏

582- أَبْأَي مِمَّنْ جاءَ بِرَأْسِ خَاقَان‏.‏

قال حمزة‏:‏ هذا مَثَل مولَّد حكاه المفضل بن سلَمة في كتابه المترجم بالكتاب الفاخر في الأمثال، قال‏:‏ والعامة تقول ‏"‏كأنه جاء برأس خَاقَان‏"‏ وخاقان هذا كان ملكا من ملوك الترك خرج من ناحية باب الأبواب، وظهر على أرمينية، وقتل الْجَرَّاح ابن عبد الله عاملَ هِشام بن عبد الملك عَلَيها، وغَلُظَت نكايته في تلك البلاد، فبعث هشامٌ إليه سعيدَ بن عمرو الْجَرَشِيَّ، وكان مَسْلَمة صاحب الجيش، فأوقع سعيد بخاقان، ففضّ جمعه، واحتزَّ رأسه، وبعث به إلى هشام، فعظُم أثره في قلوب المسلمين، وفَخُم أمره، ففخر بذلك حتى ضرب به المثل‏.‏

583- أَبَرُّ مِنْ هِرَّةٍ‏.‏

ويقال أيضا ‏"‏أعَقُّ من هرة‏"‏ وشرح ذلك يجيء في موضع آخر من هذا الكتاب‏.‏

584- أَبْغَضُ مِنَ الطَّلْيَاءِ‏.‏

هذا يفسَّر على وجهين، يقال‏:‏ الطَّلْياء الناقة الْجَرْباء المَطْلِيَّة بالهِنَاء، ويروى هذا المثل بلفظ آخر فيقال ‏"‏أبْغَضُ إلي من الجَرْبَاء ذات الهِنَاء‏"‏ وذلك أنه ليس شيء أبغض إلى العرب من الْجَرَبِ لأنه يُعْدِي، والوه الآخر أنه يعني بالطلياء خِرْقَة العارك ‏(‏العارك‏:‏ الحائض‏)‏ التي تَفْتَرِمُها من الافترام وهو الاعْتِبَاء والاحْتِشَاء، وكله بمعنى واحد ‏.‏ ويقولون هذا المثل بلفظة أخرى، وهي ‏"‏أقْذَرُ من مِعْبَأة‏"‏ ويقولون ‏"‏أهْوَنُ من مِعْبَأة‏"‏ وهي خِرْقَة الحائض، والجمع مَعَابئ‏.‏

585- أَبْرَدُ مِنْ عَضْرَس‏.‏

وهو الماء الجامد، والعُضَارِس بالضم مثله، قال الشاعر‏:‏ ‏[‏ص 117‏]‏

يارُبَّ بَيْضَاء من العَطَامِسِ * تَضْحَك عن ذي أشَرٍ عُضَاِرس ‏(‏العطامس‏:‏ جمع عطموس - بزنة عصفور - وهي المرأة الجميلة التامة الخلق، والأشر‏:‏ تحزيز يكون في الأسنان خلقة أو عن صنعة‏)‏

وفي كتاب العين‏:‏ العَضْرَس ضرب من النبات، قال ابن مُقْبل‏:‏

والْعَيْرُ ينفخ في الْمَكْنَان قد كَتِنَتْ * مِنْهُ جَحَافِلُه والعَضْرَسِ الثَّجِرِ

أي العريض‏.‏

586- أَبْرَدُ مِنْ عَبْقَر‏.‏

وبعضهم يقول ‏"‏من حبقر‏"‏ وهما البرد عند محمد بن حبيب، وأنشد فيهما‏:‏

كأن فَاهَا عَبْقَرِيٌّ بارِدٌ * أورِيحُ رَوْض مَسَّه تَنْضَاحُ رِكَ

التنضاح‏:‏ ما ترشَّش من المطر، والرك‏:‏ المطر الخفيف الضعيف، وأحسن ما تكون الروضة إذا أصابها مطر ضعيف، فمحمد بن حبيب يروي هذا المثل ‏"‏أبردُ من عَبْقَرٍ‏"‏ وأبو عمرو بن العلاء يرويه ‏"‏أبْرَدُ من عَبّ قَرّ‏"‏ قال‏:‏ والعَبْ اسمٌ للبَرْد، وأنشد البيت على غير ما رواه ابن حبيب فقال‏:‏

كأَنَّ فاها عَبُّ قُرٍّ بَارِد * أو ريحُ روض مَسَّهُ تَنْضَاحُ رِكْ

قال‏:‏ وبه سمى ‏"‏عَبْ شَمْس‏"‏ والمبرد يرويه ‏"‏عَبْقُر‏"‏ ذكر ذلك في كتابه المقتضب في أثناء أبنية الأسماء في الموضع الذي يقول فيه‏:‏ العَبْقُرُّ البرد والعرنقصان نبت ‏.‏ وقال غيرهم‏:‏ عَب الشمس ضوء الصبح، فهذا أغرب تصحيف وقع في روايات علماء اللغة، ومتى صحت رواية أبي عمرو وجَب أن يجري عبقر على هذا القياس فيقال ‏"‏عب قر‏"‏ وحجة من يجيز ذلك تسمية العرب البرد بحَبِّ المُزْن وحب الغَمَام، وجاء ابن الأعرابي فوافَقَ أبا عمرو في هذا المثَل بعضَ الوفاق وخالفه بعض الخلاف، زعم أن عب شمس بن زيد مناة بن تميم اسمُه عَبْءُ شمسٍ بالهمز‏:‏ أي عدلها ونظيرها، والعبآن‏:‏ العدْلاَنِ، قال‏:‏ وقال أبو عبيدة‏:‏ عب الشمس ضوؤها‏.‏

587- أَبْرَدُ مِنْ غِبِّ المَطَرِ‏.‏

يعني أبرد من غِبِّ يوم المطر‏.‏

588- أَبْرَدُ مِنْ جِرْبِياءَ‏.‏

الجِرْبِيَاء‏:‏ اسمٌ للشمال، وقيل لأعرابي‏:‏ ما أشدُّ البردِ ‏؟‏ فقال‏:‏ ريح جِرْبِياء، في ظل عماء، غبَّ سماء ‏.‏ قيل‏:‏ فما أطيبُ المِياه ‏؟‏ قال‏:‏ نُطْفة زرقاء، من سحابة غَرَّاء، في صَفَاة زَلاَّء ‏.‏ ويروى ‏"‏بلاء‏"‏ أي مستوية ملساء‏.‏

589- أَبْطَأُ مِنْ فِنْدٍ‏.‏

يعَنْوُن مولًى كان لعائشة بنت سعد ‏[‏ص 118‏]‏ ابن أبي وقَّاص، وسأذكر قصته في حرف التاء عند قولهم ‏"‏تَعِسَت العَجَلَة‏"‏

590- أَبْخَرُ مِنْ أَسَدٍ، وَمِنْ صَقْرٍ‏.‏

وفيه يقول الشاعر‏:‏

وله لحيةُ تَيْسٍ * وله مِنْقَارُ نَسْر

وله نَكْهَة لَيْثٍ * خالَطَتْ نكْهَةَ صَقْرِ

591- أَبْقَى مِنَ الدَّهْر‏.‏

ويقال أيضا‏:‏ ‏"‏أبْقَى عَلَى الدَّهْرِ مِنَ الدَّهْرِ‏"‏

ومن أمثال العرب السائرة‏:‏ البئر أبْقى من الرِّشَاء‏.‏

592- أَبْقَى مِنْ تَفَارِيقِ العَصَا‏.‏

هذا المثل قد ذكَرْناه في الباب الأول في قولهم ‏"‏إنك خيرٌ من تفاريق العصا‏"‏

593- أَبْطَشُ مِنْ دَوْسَرَ‏.‏

قالوا‏:‏ إن دَوْسر إحدى كَتَائب النعمان بن المنذر ملك العرب، وكانت له خمس كتائب‏:‏ الرهائن، والصنائع، والوضائع، والأشاهب، ودوسر، وأما الرهائن فإنهم كانوا خمسمائة رجل رَهَائن لقبائل العرب، يُقِيمون على باب الملك سنةً ثم يجيء بدلَهم خمسُمائة أخرى، وينصرف أولئك إلى أحيائهم، فكان الملكُ يغزو بهم ويُوَجِّههم في أموره‏.‏ وأما الصنائع فبنو قَيْس وبنو تَيْم اللاَّتِ ابني ثعلبة، وكانوا خَوَاصَّ الملك لا يَبْرَحُون بابه ‏.‏ وأما الوضائع فإنهم كانوا ألفَ رجلٍ من الفُرْس يضعهم ملكُ الملوك بالحِيرة نَجْدَةً لملك العرب، وكانوا أيضاً يقيمون سنةً ثم يأتي بدلَهم ألفُ رجلٍ، وينصرف أولئك ‏.‏ وأما الأشاهب فإخْوَةُ ملك العرب وبنو عمه ومَنْ يتبعهم من أعوانهم، وسموا الأشاهب لأنهم كانوا بيضَ الوجوه ‏.‏ وأما دَوْسَر فإنها كانت أخْشَنَ كتائبه وأشدَّها بطشاً ونكاية، وكانوا من كل قبائل العرب، وأكثرهم من ربيعة، سميت دوسر اشتقاقا من الدَّسْر، وهو الطعن بالثقل، لثقل وطأتها، قال الشاعر‏:‏

ضَرَبَتْ دَوْسَرُ فيهم ضربةً * أثبتَثْ أَوْتاد مُلْكٍ فاستقر

وكان ملك العرب عند رأس كل سنة - وذلك أيام الربيع - يأتيه وُجُوه العرب وأصحاب الرهائن، وقد صير لهم أكلا عنده، وهو ذوو الآكال، فيقيمون عنده شهراً، ويأخذون آكالهم، ويُبَدِّلون رهائنهم، وينصرفون إلى أحيائهم ‏.‏

594- أَبْرَدُ مِنْ أَمْرَدَ لا يُشْتَهى، وَمِنْ مُسْتَعْمِلِ النَّحْوِ في الحسابِ، وَمِنْ بَرْدِ الكَوَانِينِ‏.‏ ‏[‏ص 119‏]‏

595- أَبْغَضُ مِنْ قَدَحِ اللَّبْلاَبِ، ومِنْ الشَّيْبِ إلَى الغَوَانِي، ومِنْ رِيحِ السَّدَاب إلَى الْحَيَّاتِ، ومِنْ سَجَّاَدة الزَّانِيَةِ، وَمِنْ وُجُوهِ التُّجَّارِ يَوْمَ الكَسَادِ‏.‏

596- أَبْوَلُ مِنْ كَلْبٍ‏.‏

قالوا‏:‏ يجوز أن يُرَاد به البول بِعَيْنه، ويجوز أن يراد به كثرة الولد، فإن البول في كلام العرب يكنى به عن الولد‏.‏

قلت‏:‏ وبذلك عَبَّرَ ابْنُ سيرين رؤيا عبد الملك بن مروان حين بَعَثَ إليه‏:‏ إني رأيتُ في المنام أني قمتُ في محراب المسجد وبُلْت فيه خمس مرات، فكتب إليه ابنُ سيرين‏:‏ إن صَدَقَت رؤياك فسيقومُ من أولادك خمسة في المحراب، ويتقلدون الخلافة بعدك، فكان كذلك‏.‏

597- أَبيَنُ مِنْ فَلَقِ الصُّبْحِ، وَفَرَقِ الصُّبْحِ‏.‏

وهما الفجر، وفي التنزيل ‏{‏قل أعوذ برب الفلق‏}‏ يعني الصبح وبيانه‏.‏

598- أَبْطَأُ مِنْ مَهْدِيِّ الشِّيعَةِ، وَمِنْ غُرَابِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامَ‏.‏ُ

وذلك أن نوحا بعَثه لينظر هل غرقت البلاد‏؟‏ ويأتيه بالخبر، فوجد جيفَةً فوقع عليها فدعا عليه نوح بالخوف، فلذلك لا يألف الناس، ويضرب به المثل في الإبطاء‏.‏

599- أَبْقَى مِنْ وَحْىٍ في حَجَرٍ‏.‏

الَوْحى‏:‏ الكتابة، والمكتوب أيضاً، وقال‏:‏ كما َضِمَن الوُحِىَّ سِلاَمُهَا*

600- أَبْلَدُ مِنْ ثَوْرٍ، وَمِنْ سُلحَفْاَةٍ‏.‏

601- أَبْشَعُ مِنْ مَثَلٍ غَيْرِ سائِرٍ‏.‏

602- أَبْغَى منَ الإِبْرَةِ، وَمِنَ الزَّبِيبِ، وَمِنَ الْمِحْبَرَةِ‏.‏

وقال‏:‏

أَبْغَى من الإِبْرَةِ لكنَّه * يوهِمُ قوماً أنه لُوطِى

603- أَبْقَى مِنَ النَّسْرَيِنْ‏.‏

يعني النسر الطائر، والنسر الواقع، وَ ‏"‏مِنَ العَصْرَيْن‏"‏ يعني الغَدَاة والعَشِيَّ‏.‏

604- أَبْهَى مِنَ القَمَرَيْنِ‏.‏

يعني الشمسَ والقمر‏.‏

605- أَبْهَى مِنْ قُرْطَيْنِ بَيْنَهُمَا وَجْهٌ حَسَنٌ‏.‏

606- أَبْكَرُ مِنْ غُرَابٍ‏.‏ ‏[‏ص 120‏]‏

وهو أشد الطير بُكُوراً‏.‏

607- أَبْكَى مِنْ يَتِيمٍ‏.‏

وفيه المثل السائر ‏"‏لا تعلم اليتيم البكاء‏"‏

608- أَبْخَلُ مِنْ صَبِيٍّ، وَمن كَسع‏.‏

قالوا‏:‏ هو رجل بَلَغ من بخله أنه كَوَى إسْتَ كلبه حتى لا يَنْبَح فيدل عليه الضيف‏.‏

المولدون

بِئْسِ الشِّعارُ الحسَدُ‏.‏

بَيْنَ البَلاَءِ وَالْبَلاَءِ عَوَافِي‏.‏

جمع عافية‏.‏

بَيْتِي أَسْتَرُ لِعَوْراتِي‏.‏

يضرب لمن يؤثر العُزْلة‏.‏

بَيْتُ الإِسْكافِ فِيِه مِنْ كلِّ جِلْدٍ رُقْعَة‏.‏

يضرب لأخْلاَط الناس‏.‏

بِعِ الحَيَوانَ أَحْسَنَ ما يَكُونُ في عَيْنِكَ‏.‏

بِعِ المَتَاعَ مِنْ أَوَّلِ طَلَبِهِ تُوَفَّقْ فِيِه‏.‏

بِعِلَّةِ الزَّرْعِ يُسْقَي القَرْعُ‏.‏

بِعِلَّةِ الدَّايَةِ يُقْتَلُ الصَّبِيُّ‏.‏

بُغَاثُ الطَّيْرِ أَكْثَرُهَا فِرَاخاً‏.‏

بَذْلُ الجاهِ أَحَدُ المالَيْنِ‏.‏

بَشِّرْ مالَ الشَّحِيحِ بِحَادِثٍ أَوْ وَارِثٍ‏.‏

قاله ابن المعتز‏.‏

بَعْضُ الشَّوْكِ يَسْمَحُ بالمَنِّ‏.‏

بَعْضُ العَفْوِ ضَعْفٌ‏.‏

بَعْضُ الحِلمِ ذُلٌّ‏.‏

برِئْتُ مِنْ رَبٍّ يَرْكَبُ الحِمَارَ‏.‏

بَلَدٌ أَنْتَ غَزَالُهُ، كَيْفَ باللّهِ نَكالُهُ‏.‏

بِهِ حَرَارَةٌ‏.‏

يضرب للمتهم‏.‏

به دَاءُ المُلُوكِ ‏.‏ مثله

بَيْنَ وَعْدِهِ وَإِنْجَازِهِ فَتْرَةُ نَبِيّ‏.‏

بَيْنِي وَبَيْنَهُ سُوقُ السِّلاَحِ‏.‏

يضرب في العداوة‏.‏

بَدَنٌ وَافِرٌ وَقَلْبٌ كافِرٌ‏.‏

بِجَبْهَةِ العَيْرِ يُفْدَى حَافِرُ الفَرَسِ‏.‏

بِقَدْرِ السُّرُورِ يَكُونُ التَّنْغِيصُ‏.‏

بَعْدَ البَلاَءِ يكونُ الثَّنَاءُ‏.‏

بَعْدَ كُلِّ خُسْرٍ كَيْسُ‏.‏

باعَ كَرْمَهُ وَاشْتَرَى مَعْصَرَه‏.‏

بِذاتِ فَمِهِ يَفْتَضِحُ الكَذُوبُ‏.‏

بِشْرُكَ تُحْفَةٌ لإِخْوَانِكَ‏.‏

بَيْنَ جَبْهَتِهِ وَبَيْنَ الأرْضِ جِنَايَةٌ‏.‏

أي لا يصلي‏.‏ ‏[‏ص 121‏]‏

الْبُسْتَانُ كُلُّهُ كَرَفْسٌ‏.‏

يضرب في التَّساوي في الشر‏.‏

البَغْلُ الهَرِمُ لا يُفْزِعُهُ صَوْتُ الجُلْجُل‏.‏

ابْنُهُ على كَتِفِهِ وَهُوَ يَطْلُبُهُ‏.‏

ابْنُ آدَمَ لاَ يَحْتَمِلُ الشَّحْمَ‏.‏

ابنُ عَمِّ النَّبِيِّ مِنَ الدُّلْدُلِ‏.‏

يضرب للدعي يَدَّعِي الشرفَ، والدلدل‏:‏ اسم بَغْلة النبي عليه الصلاة والسلام‏.‏ وكذلك يقال ‏"‏ابن عمه من اليَعْفُور‏"‏ وهو اسم حمارٍ له صلى الله عليه وسلم‏.‏

البَيَاضُ نِصْفُ الحُسْنِ‏.‏

بئسَ وَاللّهِ ما جَرَى فَرَسِي‏.‏

يضرب فيمن قصر أو قصر به‏.‏

بَطْنٌ جائِعٌ وَوَجْهٌ مَدْهُون‏.‏

يضرب للمُتَشَبِّع زُوراً‏.‏

ابنُ آدَمَ حَرِيصٌ على ما مُنِعَ مِنْهُ‏.‏

البَصَرُ بالزبُونِ تِجارة‏.‏

يضرب في المعرفة بالإنسان وغيره‏.‏

الباب الثالث فيما أوله تاء‏

  ما جاء على أفعل من هذا الباب‏

  الأمثال المولدة على هذا الباب      

الباب الثالث فيما أوله تاء‏.

609- تَرَكَ الظَّبْيُ ظِلَّلُه‏.‏

الظلل ههنا‏:‏ الكِنَاسُ الذي يستظل به في شدة الحر فيأتيه الصائدُ فيثيره فلا يَعُود إليه، فيقال ‏"‏ترك الظبي ظِلَّه‏"‏ أي موضع ظله‏.‏

يضرب لمن نَفَر من شيء فتركه تركاً لا يعود إليه، ويضرب في هَجْر الرجل صاحبَه‏.‏

610- تَرَكْتُهُ عَلَى مِثْلِ مَقْلَع الصَّمْغَةِ‏.‏

أي تركْتُه ولم يَبْقَ له شيء لأن الصَّمْغ إذا قلع لم يبق له أثر‏.‏

ومثله قولهم‏:‏

611- تَرَكْتُهُ عَلَى مِثْلِ لَيْلَةِ الصَّدَرَ‏.‏

وهي ليلة يَنْفِرُ الناسُ من منًى فلا يبقى منهم أحد‏.‏ ومثلُهما‏:‏

612- تَرَكْتُهُ عَلَى أَنْقَى مِنَ الرَّاحَةِ‏.‏

أي على حال لا خَيْرَ فيه كما لا شَعْرَ على الراحة‏.‏

وكلها يضرب في اصْطِلاَمِ الدهرِ الناسَ والمالَ‏.‏ ‏[‏ص 122‏]‏

613- تَرَكَ الخِدَاعَ مَنْ أَجْرَى مِنْ مائَةٍ‏.‏

أي من مائة غَلْوة، وهي اثنا عشر مِيلا، قال الأصمعي‏:‏ يجري الجُذْعَانُ أربعين، والثُّنْيَانُ ستين، والرّبَعُ ثمانين، والقُرَّحُ مائة، ولا يجري أكثر من ذلك‏.‏ وهذا من كلام قيس بن زُهَير، قاله لِحُذَيفة بن بَدْر يوم دَاحِس‏:‏ أي لو كان قَصْدي الخِدَاع لأجريت من قريب‏.‏

614- تمَامُ الرَّبِيِع الصَّيْفُ‏.‏

أي تظهر آثار الربيع في الصيف كما قيل‏:‏ الأعمال بخَوَاتيمها، والصيف المطر يأتي بعد الربيع‏.‏ يضرب في استنجاح تمام الحاجة‏.‏

615- تَرْكُ الذَّنْبِ أيْسَرُ مِنْ طَلَبِ التَّوْبةِ‏.‏

يضرب لما تركُه خيرٌ من ارتكابه‏.‏

616- تَرَكَنِي خِبْرَةُ النَّاسِ فَرْداً‏.‏

الخِبرة‏:‏ الاسم من الاختبار، ونصب ‏"‏فردا‏"‏ على الحال‏.‏

617- تَصْنَعُ فِي عَامَيْنِ كُرُزاً مِنْ وَبَرٍ‏.‏

الكرز‏:‏ الجُوَالق‏.‏

يضرب مثلا للبَطِئ في أمره وعمله‏.‏

618- تَجَنَّبَ رَوْضَةً وأحالَ يَعدُو‏.‏

يضرب لمن اختار الشقاء على الراحة، وأحال‏:‏ أي أقبل‏.‏

619- تَجُوعُ الحُرَّةُ وَلاَ تَأكُلُ بِثَدْيَيْهَا‏.‏

أي لا تكون ظِئْراً وإنْ آذاها الجوع، ويروى ‏"‏ولا تأكل ثدييها‏"‏ وأول من قال ذلك الحارث بن سليل الأسَدِي، وكان حليفا لعَلْقَمَة بن خَصَفة الطائي، فزارَُه فنظر إلى ابنته الزَّبَّاء - وكانت من أجمل أهل دهرها - فأعْجِبَ بها، فقال له‏:‏ أتيتُكَ خاطبا، وقد ينكح الخاطب، ويدرك الطالب، ويمنح الراغب، فقال له علقمة‏:‏ أنت كُفْءٌ كريم، يقبل منك الصَّفْو، ويؤخذ منك العَفْو، فأقِمْ ننظر في أمرك، ثم انكفأ إلى أمها فقال‏:‏ إن الحارث بن سليل سيدُ قومه حَسَبا ومَنْصِباً وبيتا، وقد خطب إلينا الزبَّاء فلا ينصرفَنَّ إلا بحاجته، فقالت امرأته لابنتها‏:‏ أيُّ الرجالِ أحبُّ إليك‏:‏ الكَهْلُ الجَحْجَاح، الواصِلُ المَنَّاح، أم الفتى الوَضَّاح ‏؟‏ قالت‏:‏ لا، بل الفتى الوضاح، قالت‏:‏ إن الفتى يُغِيرُك، وإن الشيخ يَمِيرُك، وليس الكَهْل الفاضل، الكثيرُ النائِل، كالحديث السنِّ، الكثير ‏[‏ص 123‏]‏ المَنِّ، قالت‏:‏ يا أمتاه إن الفَتَاة تحبُّ الفتى كحبِّ الرعاء أنِيقَ الكَلاَ، قالت‏:‏ أي بُنَية إن الفتى شديد الحِجاب، كثير العِتاب، قالت‏:‏ إن الشيخ يُبْلِي شبابي، ويدنس ثيابي، ويُشْمت بي أترابي، فلم تزل أمها بها حتى غلبتها على رأيها، فتزوجها الحارث على مائة وخمسين من الإبل وخادم وألف درهم، فابْتَنَى بها ثم رَحَل بها إلى قومه، فبينا هو ذاتَ يوم جالسٌ بفِناء قومه وهي إلى جانبه إذ أقبَلَ إليه شَبَابٌ من بني أسد يعتلجون فتنفَّست صُعَداء، ثم أرْخَتْ عينيها بالبكاء، فقال لها‏:‏ ما يُبْكِيكِ‏؟‏ قالت‏:‏ مالي وللشيوخ، الناهضين كالفُرُوخ، فقال لها‏:‏ ثَكِلَتْكِ أمُّكِ تَجُوع الحرة ولا تأكل بثدييها‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ فإن كان الأصل على هذا الحديث فهو على المثل السائر ‏"‏لا تأكل ثدييها‏"‏ وكان بعضُ العلماء يقول‏:‏ هذا لا يجوز، وإنما هو ‏"‏لا تأكل بثدييها‏"‏

قلت‏:‏ كلاهما في المعنى سَوَاء، لأن معنى ‏"‏لا تأكل ثدييها‏"‏ لا تأكل أجْرَةَ ثدييها، ومعنى ‏"‏بثدييها‏"‏ أي لا تعيش بسبب ثَدْييها وبما يُغِلاَّن عليها‏.‏

ثم قال الحارث لها‏:‏ أما وأبيك لرُبَّ غارةٍ شهدتها، وسَبِيَّة أردفتها، وخَمْرة شربتها، فالحقي بأهلك فلا حاجة لي فيك، وقال‏:‏

تَهَزَّأت أنْ رَأتْنِي لابساً كِبَراً * وغايةُ الناس بين المَوْتِ والكِبَرِ

فإن بقيتِ لقيتِ الشَّيْبَ راغمَةً * وفي التعرُّفِ ما يمضي من العِبَرِ

وإن يكن قد عَلاَ رأسي وغَيَّره * صَرْفُ الزمانِ وتغييرٌ من الشَعرِ

فقد أرُوحُ للذَّاتِ الفَتَى جَذِلا * وَقَدْ أصِيبُ بها عِيناً من البَقَرِ

عَنِّي إليكِ فإني لا تُوَافِقُنِي * عُورُ الكلام ولا شُرْبٌ على الكَدَرِ

يضرب في صيانة الرجل نفسه عن خسيس مكاسب الأموال‏.‏

620- تَحْسَبُها حَمْقَاءَ وَهْيَ باخِسٌ‏.‏

ويروى ‏"‏باخسة‏"‏ فمن روى باخس أراد أنها ذات بَخْس تَبْخَسُ الناسَ حقوقَهم، ومن روى ‏"‏باخسة‏"‏ بناه على بَخَسَتْ فهي باخسة‏.‏

يقال‏:‏ إن المثل تكلم به رجلٌ من بني العَنْبَر من تميم، جاورته امرأة فنظر إليها فحسبها حمقاء لا تعقل ولا تحفظ ولا تعرف مالها، فقال العنبري‏:‏ ألا أخْلِطُ مالي ومَتَاعي بمالها ومتاعها ثم أقاسمها فآخذ خيرَ متاعها ‏[‏ص 124‏]‏ وأعطيها الرديء من متاعي، فقاسمها بعد ما خَلَط متاعه بمتاعها، فلم ترض عند المُقَاسَمة حتى أخَذَتْ متاعها، ثم نازعته وأظهرت له الشكوى حتى افْتَدَى منها بما أرادت، فعُوتِبَ عند ذلك، فقيل له‏:‏ اخْتَدَعْتَ امرأة، وليس ذلك بِحَسَنِ، فقال‏:‏ تحسَبُها حَمْقَاء وهي باخسة‏.‏

يضرب لمن يتباله وفيه دهاء‏.‏

621- تَرَكْتُهُ فِي وَحْشِ إِصْمِتَ، وَبِبَلْدَةِ إِصْمِتَ، وَفي بَلْدَةِ إِصْمِتَةَ‏.‏

أي في فلاةٍ‏.‏ يضرب للوَحِيد الذي لا ناصر له‏.‏

622- تَركْتُهُ باسْتِ المَتْنِ‏.‏

المَتْن‏:‏ ما صَلُب من الأرض، أي تركته وحيدا‏.‏

623- تَاللّهِ لَوْلاَ عِتْقُهُ لَقدْ بَلِىَ‏.‏

العِتْق‏:‏ العَتَاقة، وهي الكَرَم ‏.‏يضرب للصَّبُور على الشدائد‏.‏

624- تَذَكَّرَتْ رَيَّا وَلَداً‏.‏

رَيًّا‏:‏ اسم امرأة ‏.‏ يضرب لمن يَتَنَبَّهُ لشيء قد غَفَل عنه‏.‏

625- تَعْجِيلُ العِقابِ سَفَهٌ‏.‏

أي إن الحليم لا يعجل بالعقوبة‏.‏

626- تَشَدَّدِي تَنْفَرِجِي‏.‏

الخطاب للداهية‏:‏ أي تَنَاهِي في العظم والشدة تذهبي ‏.‏ يضرب عند اشتداد الأمر‏.‏

627- تِيهُ مُغَنٍّ وُظَرْفُ زِنْدِيقٍ‏.‏

يروى هذا عن أبي نُوَاس، وأراد بقوله ‏"‏ظَرفُ زنديق‏"‏ مُطيعَ بن إياس، ولَقَّبه بذلك بشار بن برد، وكان إذا وصَف إنساناً بالظَّرْف قال‏:‏ أظْرَفُ من الزنديق، يعني مُطيعاً، لأن من تزندق كان له ظَرْف يُبَاين به الناس، ومن قال ‏"‏فلان أظرف من زنديق‏"‏ فقد غلط‏.‏

628- تَسْألُني بِرَامَتَيْنِ سَلْجَماَ‏.‏

رَامة‏:‏ موضع بقرب البَصْرة، والسلجم‏:‏ معروف، قال الأزهري‏:‏ هو بالسين غير معجمة، ولا يقال شلجم ولا ثلجم، وضم رامة إلى موضع آخر هناك فقال ‏"‏برامتين‏"‏ كما قال عنترة‏.‏

شَرِبَتْ بماء الدُّحْرُضَيْنِ*

وإنما هو وَسِيع ودُحْرُض، وهما ماآن أو موضعان، فثنى بلفظ أحدهما، كما يقال‏:‏ القَمَرَان، والعُمَرَانِ‏.‏

يضرب لمن يطلب شيئاً في غير موضعه‏.‏ ‏[‏ص 125‏]‏

629- تَجَشَّأ لقمانُ مِنْ غَيْر شِبَعِ‏.‏

تجشَّأ‏:‏ أي تكلَّف الجْشاَء ‏.‏ يضرب لمن يَدَّعي ما ليس يملك‏.‏

ويقال ‏"‏تجشَّأ لقمان من غير شِبَع، من عُلْبَتَين وثمانٍ ورُبَع‏"‏ قال أبو الهيثم‏:‏ فهذه عشر علب مع رُبَع لم يَعُدَّها لقمان شيئاً لكثرة حاجته إلى الأكل وقد تجشأ تجشُّؤ غير الشبعان‏.‏

630- تُخْبِرُ عَنْ مَجْهُولِه مَرْآتُهُ‏.‏

أي مَنْظَره يخبر عن مَخْبَره‏.‏

631- تَسقُطُ بِه النَّصِيحَةُ عَلَى الظِّنَّةِ‏.‏

أي كثرة نصيحتك إياه تحمله على أن يتهمك‏.‏

632- تُعَلِّمُنِي بِضَبّ أَنا حَرَشْتُهُ‏.‏

تعلمني بمعنى تُعْلِمُنِي‏:‏ أي تخبرني، ولذلك أدخل الباء كقوله تعالى ‏{‏ قل أتعلمون الله بدينكم‏}‏ وحَرْشُ الضب‏:‏ صَيْدُه‏.‏

يضرب لمن يخبرك بشيء أنت به منه أعلم‏.‏

633- تَحَمَّدِي يا نَفْسُ لا حَامِدَ لَكِ‏.‏

أي أظهر حمد نفسك بأن تفعل ما تُحْمَد عليه، فإنه لا حامد لك ما لم تفعله‏.‏

634- تَنْزُو وُتَلِينُ‏.‏

هذا من النَّزْو والنَّزَوان، وهما الوَثْب، وليس من النِّزَاء الذي هو السِّفاد، وربما قالوا ‏"‏تَنْزُو وتلين، وتؤدي الأربعين‏"‏‏.‏

ذكروا أن أعرابياً حُبِس فقال‏:‏

ولما دَخَلْتُ السجْنَ كَبَّرَ أهلُه * وقالوا‏:‏ أبو ليلى الغَدَاةَ حَزِينُ

وفي الباب مكتوب على صَفَحَاته * بأنك تَنْزُو ثم سَوْف تلين‏.‏

635- تَخَرَّسِي يا نَفْسُ لا مُخَرِّسَ لَكِ‏.‏

أي اصْنَعِي لنفسك الْخَرْسَةَ، وهي طعام النَّفَسَاء نفسها، قالته امرأة وَلَدَتْ ولم يكن لها من يهتمُّ بشأنها‏.‏

636- تَحتقِرُهُ وَيَنْتَأْ‏.‏

يقال‏:‏ نَتَأَ الشيء إذا ارتفع يَنْتَأ نُتُوءاً ‏.‏ يضرب لمن يحتقر أمرا وهو يعظم في نفسه‏.‏

637- تَرْفَضُّ عِنْدَ المُحْفِظَاتِ الكَتَائِفُ‏.‏

تَرْفَضُّ‏:‏ أي تتفرق، والمُحْفِظَات‏:‏ المُغْضِبات، والحَفيظة والحِفْظَة‏:‏ الغضب، والكتائف‏:‏ السَّخَائم والأحْقَاد ‏.‏ يقول‏:‏ إذا رأيتَ حَمِيمَك يُظْلَم أغضبك ذلك فتنسى حِقْدَكَ عليه وتنصره‏.‏

638- تَضْرِبُ فِي حَدِيدٍ بارِدٍ‏.‏

يضرب لمن طَمِعَ في غير مَطْمَع‏.‏ ‏[‏ص 126‏]‏

639- تَمَنُّعِي أَشْهى لَكَ‏.‏

أي مع التأبِّي يقعُ الحرصُ، وأصله أن رجلا قال لامرأته‏:‏ تمنَّعِي إذا غازلْتُكِ يكن أشهى‏:‏ أي ألذ‏.‏ يضرب لمن يظهر الدَّلاَل ويُغْلى رخيصَه‏.‏

640- تَمَرَّدَ مارِدٌ وَعَزَّ الأْبَلُق‏.‏

مارد‏:‏ حِصْن دُومَة الْجَنْدل، والأبلق‏:‏ حصن للسموءل بن عَادِيا، قيل‏:‏ وصف بالأبلَق لأنه بنى من حجارة مختلفة الألوان بأرض تَيْماء، وهما حصنان قصدتهما الزباء ملكة الجزيرة فلم تقدر عليهما، فقالت‏:‏ تمرَّدَ ماردٌ وعَزَّ الأبلق، فصار مثلا لكل ما يعز ويمتنع على طالبه، وعَزَّ‏:‏ معناه غلب من عَزَّ يَعُزُّ، ويجوز أن يكون من عَزَّ يَعِزُّ‏.‏

641- تَلْدَغُ العَقْرَبُ وَتَصِئُ‏.‏

يقال‏:‏ صَأَى الفرخُ والخنزير والفأر والعقرب يَصِئ صَئِيًّا على فعيل، إذا صاح، وصَاءَ‏:‏ مقلوبٌ منه‏.‏

يضرب للظالم في صورة المتظلم‏.‏

642- تَشْكُو إِلَى غَيْرِ مُصَمِّتٍ‏.‏

أي إلى من لا يهتمُّ بشأنك، قال‏:‏

إنك لا تَشْكُو إلى مُصَمِّتِ * فَاصْبِرْ عَلَى الحمل الثَّقِيلِ أوْ مُتِ

643- تَجَاوَزَ الرَّوْضَ إِلَى القَاعِ القَرِقِ‏.‏

يضرب لمن عَدَل بحاجته عن الكريم إلى اللئيم ‏.‏ والقَرِق‏:‏ المُسْتَوِي‏.‏

644- تَحْمِي جَوَابِيَهُ نَقِيقُ الضِّفْدِعِ‏.‏

الْجَوَابِي‏:‏ جمع جَابِية، وهو الحوض ‏.‏

يضرب للرجل لا طائل عنده، بل كله قَوْل وبَقْبَقَة‏.‏

645- تَشَمَّرَتْ مَعَ الْجَارِي‏.‏

يقال‏:‏ تَشَمَّرتِ السفينةُ إذا انحدَرَت مع الماء، وشَمَّرْتُها أنا إذا أرسلتها‏.‏

يضرب في الشيء يُسْتَهان به ويُنْسَى‏.‏ وقائله كعب بن زُهَير بن أبي سُلْمى، قال ابن دريد‏:‏ ليس في العرب سُلْمى بالضم إلا هذا، وزاد غيره وأبو سُلْمى رَبِيعَةُ بن رَبَاح بن قُرْط من بني مازن، قلت‏:‏ والمحدِّثُون يَعُدُّون غيرهما قوما يطول ذكرهم، وإنما قال هذا المثلَ كعبٌ حين ركب هو وأبوه زُهَير سفينةً في بعض الأسفار، فأنشد زهير قصيدته المشهورة وهي *أمِنْ أمِّ أوْفى دِمْنَةٌ لم تَكَلَّمِ * وقال لابنه كعب‏:‏ دُونَكَ فَاحْفَظْها، فقال‏:‏ نعم وأمْسَيَا فلما أصبحا قال له‏:‏ يا كعبُ ما فعلَتِ العقيلةُ‏؟‏ يعني القصيدة، قال‏:‏ يا أبتِ إنها تشمّرَتْ مع الجاري، ‏[‏ص 127‏]‏ يعني نَسِيتُهَا فمرَّتْ مع الماء، فأعادها عليه، وقال‏:‏ إن شَمَّرْتها يا كعب شَمّرْتُ بك على أثرها‏.‏

646- تَهِمُّ وَيُهَمُّ بِكَ‏.‏

الهَمُّ‏:‏ القَصْد‏.‏ يضرب للمغترّ بعمله لا يخاف عاقبته‏.‏

647- تَركْتُهُمْ فِي كَصِيصَةِ الظّبْيٍ‏:‏

قال اللحياني‏:‏ كَصِيصَةُ الظبي مَوْضِعُه الذي يكون فيه، وقال غيره‏:‏ هي كفته التي يُصَاد بها ‏.‏

يضرب لمن يضيق عليه الأمر، ومثلُه‏:‏

648- تَرَكْتُهْم فِي حَيْصٍ بَيْصٍ وَحِيصِ بِيصِ‏.‏

ويقال حَيْصِ بَيْصِ وحَيْصٍ بَيْصٍ، فالْحَيْص‏:‏ الفرار، والبَوْص‏:‏ الفَوْت، وحَيْص من بنات الياء، وبَيْص من بنات الواو، فصُيِّرت الواو ياء ليزدوجا‏.‏

يضرب لمن وقع في أمر لا مَخْلَص له منه فِرار أو فَوْتا‏.‏

649- تَلَبَدِي تَصِيدِي‏.‏

التَّلَبُّدُ‏:‏ اللصوق بالأرض لخَتْل الصيد ومعنى المثل احْتَلْ تتمكن وتظفر‏.‏

650- تَتابَعِي بَقَرُ‏.‏

زعموا أن بشر بن أبي خازم الأسدي خرج في سنة أسْنَتَ فيها قومُه وجهدوا فمر بِصُوَار ‏(‏الصوار - بزنة الكتاب والغراب - القطيع من البقر، والإجل - بكسرة الهمزة وسكون الجيم - القطيع من بقر الوحش‏)‏ من البقر وإجْلٍ من الأرْوَى فذُعِرَتْ منه فركبت جَبَلاً وَعْراَ ليس له منفذ، فلما نظر إليها قام على شِعْب من الجبل، وأخرج قوسه، وجعل يشير إليها كأنه يرميها، فجعلت تلقى أنفسها فتكسر، وجعل يقول‏:‏

أَنْتَ الَّذِي تَصْنَعُ مَا لَمْ يُصْنَعِ * أنْتَ حَطَطْتَ مِنْ ذَرَا مُقَنَّعِ

كلَّ شَبُوب لَهِقٍ مُوَلَّعِ

وجعل يقول‏:‏ تتابعي بَقَرُ، تتابعي بَقَرُ حتى تكسَّرت، فخرج إلى قومه، فدعاهم إليها، فأصابوا من اللحم ما انتعشوا به ‏.‏

يضرب عند تتابع الأمر وسُرْعَة مره من كلام أو فعل متتابع يفعله ناس أو خيل أو إبل أو غير ذلك‏.‏

651- تَنْهَانَا أُمُّنَا عَنْ الْغَيِّ وَتَغْدُو فِيهِ‏.‏

يضرب لمن يُحْسِنُ القولَ ويسئ الفعل‏.‏

652- تَطْلُبُ أَثَراً بَعْدَ عَيْنٍ‏.‏

العَيْن‏:‏ المعاينة‏.‏ ‏[‏ص 128‏]‏

يضرب لمن ترك شيئا يَرَاه ثم تبع أثره بعد فوت عينه‏.‏

قال الباهلي‏:‏ أولُ من قال ذلك مالك ابن عمرو العاملي، قال‏:‏ وذلك أن بعض ملوك غَسَّان كان يطلب في عاملَةَ ذَحْلاً، فأخذ منهم رجلين يقال لهما مالك وسِمَاك ابنا عمرو، فاحتبسهما عنده زمانا، ثم دعاهما فقال لهما‏:‏ إني قاتل أحَدَكما فأيكما أقتل، فجعل كل واحد منهما يقول‏:‏ اقتلني مكان أخي، فلما رأى ذلك قتل سماكا وخلى سبيل مالك، فقال سِماك حين ظن أنه مقتول‏:‏

ألا من شَجَتْ ليلة عامدَهْ * كما أبداً ليلَةٌ واحدَهْ

فأبْلِغْ قُضَاعة إن جِئْتَهم * وخُصَّ سَرَاة بني ساعدة

وأبلغ نِزَاراً على نأيها * بأنَّ الرِّمَاحَ هي الْعَاِئَدْه

وأقْسِمُ لو قَتَلُوا مالكا * لكُنْتُ لهم حَيَّةً رَاصِدَهْ

برأس سبيل عَلَى مَرْقَبٍ * ويوماً على طُرُقٍ وَارِدَهْ

فأمَّ سِمَاكٍ فَلاَ تَجْزَعِي * فَلِلْمَوْتِ مَا تلِدُ الوالده

وانصرف مالك إلى قومه، فلبث فيهم زمانا، ثم إن رَكْباً مروا وأحدهم يتغنى بهذا البيت

وأقْسِمُ لو قتلوا مالكا * لكنت لهم حَيَّةً رَاصِدَهْ

فسمعت بذلك أم سماك فقالت‏:‏ يا مالك قبح الله الحياة بعد سماك، اخْرُجْ في الطلب بأخيك، فخرج في الطلب، فلقى قاتل أخيه يسيرُ في ناسٍ من قومه، فقال‏:‏ من أحَسَّ لي الجمل الأحمر، فقالوا له وعرفوه‏:‏ يا مالك لك مائة من الإبل فكُفَّ، فقال‏:‏ لا أطلب أثر بعد عين، فذهبت مثلا، ثم حمل على قاتل أخيه فقتله، وقال في ذلك‏:‏

يا راكِباً بَلِّغاً ولا تَدَعاً * بني قُمَيْرٍ وإنْ هُمُ جَزِعُو

فَلْيَجِدُوا مثلَ ما وَجَدْتُ فقد * كُنْتُ حَزِيناً قد مَسَّنِي وَجَعُ

لا أسمع اللهوَ في الحديث ولا * ينفعني في الفِرَاشِ مُضْطَجَعُ

لا وَجْدُ ثَكْلَى كما وَجَدْتُ ولا * وَجْدُ عَجُول أضَلَّها رُبَعُ

ولا كبيرٍ أضَلَّ ناقَتَهُ * يوم تَوَافَى الحَجِيجُ واجْتَمَعُوا

ينظر في أوْجِهُ الرِّكاب فلا * يَعْرِفُ شيئاً والوَجْهُ ملتمع ‏[‏ص 129‏]‏

جَلَّلْتُه صارمَ الحديدة كالـ * ـملح ‏(‏كالملح‏)‏ وفيه سَفَاسِقٌ لُمَعُ

بين ضُمَيْرٍ وباب جِلِّقَ في * أثوايِهِ من دِمَائِهِ دُفَعُ

أضْرِبُهُ بادياً نَوَاجِذُه * يدعو صَدَاه والرأسُ مُنْصَدِعُ

بني قُمَير قَتَلْتُ سيدَكم * فاليومَ لا رَنَّةٌ ولا جَزَعُ

فاليوم قُمْنَا على السِّوَاءِ فَإِنْ * تجرُوا فدهري ودهركم جَذَع‏.‏

653 تَطَعَّمْ تَطْعَمْ‏.‏

أي ذُقْ حتى يدعوك طعمُه إلى أكله‏.‏

يضرب في الحثِّ على الدخول في الأمر‏:‏ أي ادْخُلْ في أوله يدعوك إلى الدخول في آخره ويرغبك فيه‏.‏

654- تَوَقّرِي يَازَلِزَةُ‏.‏

الزَّلَز‏:‏ القَلَق والحركة‏.‏ يضرب للمرأة الطَّوَّافة في بيوت الحي‏.‏

655- تَسْمَعُ بالُمَعْيِديِّ خَيْرٌ مِنْ أنْ تَرَاهُ‏.‏

ويروى ‏"‏لأنْ تَسْمَعَ بالمعيدي خير‏"‏ و ‏"‏أنْ تَسْمَعَ‏"‏ ويروى ‏"‏تسمع بالمعيدي لا أن تراه‏"‏ والمختار ‏"‏أن تسمع‏"‏‏.‏

يضرب لمن خَبَرُه خَيْرٌ من مَرْآه، ودخل الباء على تقدير‏:‏ تُحَدَّث به خير‏.‏

قال المفضل‏:‏ أولُ مَنْ قال ذلك المنذر ابن ماء السماء، وكان من حديثه أن كُبَيْشَ ابن جابر أخا ضَمْرَة بن جابر من بني نَهْشَل كان عَرَضَ لأمةٍ لزرارة بن عُدُس يقال لها رُشَيَّة كانت سَبِيَّةً أصابها زُرَارة من الرُّفَيْدَات، وهو حي من العرب، فولدت له عمرا وذُؤَيْبا وبُرْغوثا، فمات كُبَيْش ‏.‏ وترعرع الغِلْمَة، فقال لقيط بن زرارة‏:‏ يا رُشَيَّة مَنْ أبو بَنِيكِ ‏؟‏ قالت‏:‏ كُبَيْش بن جابر، قال‏:‏ فاذهبي بهؤلاء الغِلْمة فغَلِّسِي بهم وجه ضمرة وخَبِّرِيه مَنْ هم، وكان لقيط عدوا لضَمْرة، فانطلقت بهم إلى ضَمْرة فقال‏:‏ ما هؤلاء ‏؟‏ قالت‏:‏ بنو أخيك، فنتزع منها الغِلْمَة، وقال‏:‏ الْحَقِي بأهلك، فرجعت فأخبرت أهلها بالخبر، فركب زُرَارة وكان رجلا حليما حتى أتى بني نَهْشَل فقال‏:‏ رُدُّوا على غِلْمتي، فسبّه بنو نهشل، وأهْجَرُوا له، فلها رأى ذلك انصرف، فقال له قومه‏:‏ ما صنعت ‏؟‏ قال‏:‏ خيرا، ما أحْسَنَ مالقيني به قومي، فمكث حولا ثم أتاهم فأعادوا عليه أسْوَأ ما كانوا قالوا له، فانصرف، فقال له قومه‏:‏ ما صنعت‏؟‏ قال‏:‏ خيرا قد أحْسَنَ بنو عمي وأجملوا، فمكث بذلك سبعَ سنين يأتيهم في كل سنة فيردونه بأسوأ الرد، فبينما بنو ‏[‏ص 130‏]‏ نهشل يسيرون ضُحًى إذ لحق بهم لاحِقٌ فأخبرهم أن زرارة قد مات، فقال ضمرة‏:‏ يا بني نهشل، إنه قد مات حليم إخوتكم اليوم فاتقوهم بحقهم، ثم قال ضمرة لنسائه‏:‏ قِفْنَ أقْسِمْ بينكن الثكل، وكانت عنده هند بنت كرب بن صفوان وامرأةٌ يقال لها خُلَيْدَة من بني عجل وسَبِية من عبد القيس وسَبِية من الأزد من بني طَمَثان، وكان لهنَّ أولاد غيرَ خُليدة، فقالت لهند وكانت لها مُصَافية‏:‏ ولى الثكلَ بنتَ غيرِك، ويروى وَلِّى الثكل بنت غيرك، على سبيل الدعاء، فأرسَلَتْها مثلا، فأخذ ضمرة شِقَّةَ بن ضمرة وأمه هند وشهابَ بن ضمرة وأمه العبدية وعَنْوَة بن ضمرة وأمه الطمثانية، فأرسل بهم إلى لَقيط بن زُرَارة وقال‏:‏ هؤلاء رُهُن لك بغِلْمَتك حتى أرضيك منهم، فلما وقع بنو ضمرة في يَدَيْ لقيط أساء ولايتهم وجفاهم وأهانهم، فقال في ذلك ضمرة بن جابر‏:‏

صرمْتُ إخاء شِقَّةَ يوم غَوْلٍ * وإخْوَته فلا حَلّتْ حِلالى

كأني إذ رَهَنْتُ بنيَّ قَوْمِي * دفعتهمُ إلى الصُّهْبِ السِّبَالِ

ولم أرْهَنْهُمُ بدمٍ، ولكن * رهنتهمُ بصُلْحٍ أو بمالِ

صرمْتُ إخاء شقة يوم غَوْلٍ * وحق إخاء شقَّةَ بالْوِصَالِ

فأجابه لقيط‏:‏

أبا قَطَن إنّي أراكَ حزيناً * وإن العَجُولَ لا تبالي حنينا

أفِي أنْ صَبَرتُم نصفَ عامٍ لحقنا * ونحنُ صبرنا قَبْلُ سَبْعَ سنينا

فقال ضمرة ‏[‏بن جابر‏]‏‏:‏

لعمرك إنني وطِلاَب حُبَّي * وترك بنيّ في الشُّرَطِ الأعادي

لَمِنْ نَوْكَى الشيوخ وكَانَ مثلي * إذا ما ضَلَّ لم يُنْعَشْ بهاد

ثم إن بني نَهْشَل طلبوا إلى المنذر بن ماء السماء أن يطلبهم من لَقيط، فقال لهم المنذر‏:‏ نَحُّوا عني وجوهكم، ثم أمر بخمرٍ وطعام ودعا لقيطا فأكلا وشربا، حتى إذا أخذت الخمر منهما قال المنذر للقيط‏:‏ يا خير الفتيان، ما تقول في رجل اختارَكَ الليلَةَ على نَدَامى مُضَرَ ‏؟‏ قال‏:‏ وما أقول فيه ‏؟‏ قال‏:‏ إنه لا يسألني شيئاً إلا أعطيته إياه غير الغِلْمة، قال المنذر‏:‏ أما إذا استثنيت فلستُ قابلا منك شيئاً حتى تعطيني كلَّ شيء سألتك، قال‏:‏ فذلك لك، قال‏:‏ فإني أسألك الغلمة أن تَهَبهم لي، قال‏:‏ سَلْني غيرَهم، قال‏:‏ ما أسألك غيرهم، فأرسل لقيط إليهم فدفَعهم ‏[‏ص 131‏]‏ إلى المنذر، فلما أصبح لقيط لامه قومُه، فندم فقال في المنذر‏:‏

إنك لو غَطَّيْتَ أَرْجَاء هوة * مُغَمَّسة لا يُسْتَثَار تُرَابُهَا

بِثَوْبِكَ في الظلماء ثم دَعَوْتَنِي * لجئْتُ إليها سَادِراً لا أَهابُهَا

فأصْبَحْتُ مَوْجُوداً على مُلَوَّماً * كأنْ نُضِيَتْ عن حائض لي ثيَابُهَا

قال‏:‏ فأرسل المنذر إلى الغِلْمة وقد مات ضَمْرة وكان صديقاً للمنذر، فلما دخل عليه الغِلْمة وكان يسمع بِشِقَّةَ ويعجبه ما يبلغه عنه فلما رآه قال‏:‏ تَسْمَعُ بالمعيدِيِّ خَيْرٌ من أن تراه، فأرسلها مثلا، قال شقة‏:‏ أَبَيْتَ اللعن وأسعدك إلهُكَ إن القوم ليْسُوا بِجُزْرٍ، يعني الشاء، وإنما يعيش الرجلُ بأصْغَرَيْهِ لسانِهِ وقلبه، فأعجب المنذر كلامه، وسره كل مارأى منه، قال‏:‏ فسماه ضَمْرة باسم أبيه، فهو ضَمْرة بن ضمرة، وذهب قوله ‏"‏يعيش الرجل بأصغريه‏"‏ مثلا، وينشد على هذا‏:‏

ظننت به خَيْراً فقصَّرَ دونه * فيارُبَّ مظنونٍ به الخيرُ يُخْلِفُ

قلت‏:‏ وقريبٌ من هذا ما يُحْكَى أن الحجاج أرسل إلى عبد الملك بن مروان بكتاب مع رجل، فجعل عبد الملك يقرأ الكتاب ثم يسأل الرجل فيَشْفِيه بجواب ما يسأله، فيرفع عبد الملك رأسه إليه فيراه أَسْوَدَ، فلما أعجبه ظَرْفه وبيانه قال متمثلاً‏:‏

فإن عَرَارً إن يكُنْ غَيْرَ وَاضِحٍ * فإني أُحِبُّ الْجَوْنَ ذَا الْمَنكِبِ الْعَمَمْ

فقال له الرجل‏:‏ يا أمير المؤمنين هل تدري مَنْ عَرَار ‏؟‏ أنا والله عرار بن عمرو بن شأس الأسدي الشاعر‏.‏

656- تَبَاعَدَتِ العَمَّةُ مِنَ الْخَالَةِ‏.‏

وذلك أن العمة خيرٌ للولد من الخالة، يقال في المثل‏:‏ أتيت خالاتي فأضْحَكْنَني وأفرحنني، وأتيت عماتي فأبكينني وأحزنني، وقد مر هذا في قولهم ‏"‏أَمْرَ مُبكياتك لا أمر مضحكاتك‏"‏ ‏.‏ يضرب في التباعد بين الشيئين‏.‏

657- تَرَكْتُهُ تُغَنِّيهِ الْجَرَادَتَانِ‏.‏

يضرب لمن كان لاهياً في نعمة ودَعَة‏.‏ والجرادتان‏:‏ قَيْنَتَا معاوية بن بكر أَحَدِ العماليق، وإن عادا لما كَذَّبُوا هوداً عليه السلام توالَتْ عليهم ثلاثُ سنوات لم يروا فيها مطراً، فبعثوا من قومهم وَفْداً إلى مكة ليستسقوا لهم، ورأسوا عليهم قَيْلَ بن عنق ولُقَيْم بن هزال ولقمان بن عاد، وكان أهل مكة إذ ذاك العماليق وهم بني عَمْلِيق بن لاوذ بن سام، وكان سيدهم بمكة معاوية بن ‏[‏ص 132‏]‏ بكر، فلما قدموا نَزَلُوا عليه، لأنهم كانوا أَخْوَالَه وأصهاره، فأقاموا عنده شهراً، وكان يكرمهم والجرادتان تغنيانهم، فَنَسُوا قومهم شهراً، فقال معاوية‏:‏ هَلَكَ أخوالي، ولو قلت لهؤلاء شيئاً ظنوا بي بخلا، فقال شعراً وألقاه إلى الجرادتين فأنشدتاه وهو‏:‏

ألا يا قَيْلُ وَيْحَكَ قم فَهَيْنِمْ * لعلَّ اللّه يَبْعَثُها غَمَاما

فَيَسْقِيَ أرضَ عادٍ إِنَّ عادا * قَدَ امْسَوْا لا يُبِينُونَ الكلاما

من العَطَش الشديدِ فليس تَرْجُو * لها الشيخَ الكبيرَ ولا الغُلاَما

وقد كانت نساؤُهُم بخيرٍ * فقد أَمْسَتْ نساؤهم أيامَى

وإن الوحش يأتِيهِمْ جهَاراً * ولا يَخْشَى لعادِىٍّ سِهَاما

وأنتم ههُناَ فيما اشتهيتم * نهارَكُمُ وليلكم التماما

فقبح وَفْدُكم من وفد قومٍ * ولا لُقُّوا التحيةَ والسلاما

فلما غنتهم الجرادتان بهذا قال بعضهم لبعض‏:‏ يا قوم إنما بعثكم قومُكم يتغوَّثون بكم، فقاموا لِيَدْعُوا، وتخلف لقمان، وكانوا إذا دعوا جاءهم نِدَاء من السماء‏:‏ أَنْ سَلُوا ما شئتم فتعطون ما سألتم، فدعوا ربهم، واستسقوا لقومهم، فأنشأ الله لهم ثلاثَ سحاباتٍ بيضاء وحمراء وسوداء، ثم نادى مناد من السماء‏:‏ يا قَيْلُ اخْتَرْ لقومك ولنفسك واحدة من هذه السحائب، فقال‏:‏ أما البيضاء فجفل، وأما الحمراء فعارض، وأما السوداء فهطلة وهي أكثرها ماء، فاختارها، فنادى منادٍ‏:‏ قد اخترت لقومك رماداً رمداً، لا تبقى من عاد أحداً، لا والداً ولا ولداً، قال‏:‏ وسير الله السحابة التي اختارها قَيْلٌ إلى عاد، ونودي لقمان‏:‏ سل، فسأل عُمْرَ ثلاثة أَنْسُرٍ، فأعطى ذلك، وكان يأخذ فَرْخَ النسر من وَكْره، فلا يزال عنده حتى يموت، وكان آخرها لُبَد، وهو الذي يقول فيه النابغة‏:‏

أَضْحَتْ خَلاَء وأَضْحَى أهلُها احْتَلَمُوا * أخْنَى عليها الذي أخْنَى على لُبَدِ

658- تُبَشِّرُنِي بِغُلاَمِ أَعْيَا أَبُوهُ‏.‏

وذلك أن رجلا بُشِّرَ بولد ابن له، وكان أبوه يَعُقُّه، فقال هذا، قال الشاعر‏:‏

تَرْجُو الوليدَ وقد أعياكَ والدُه * وما رَجَاؤُكَ بعدَ الوالِدِ الوَلَدا

659- تَرَكْتُهُ يَصْرِفُ عَلَيْكَ نَابَهُ‏.‏

يُضْرب لمن يغتاظ عليك، ومثله ‏"‏تركته يحرّق عَلَيْك الأرَّمَ‏"‏ ‏[‏ص 133‏]‏

660- تَعْساً لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ‏.‏

كلمة يقولها الشامت بعَدُوه، يقال‏:‏ تَعِسَ يَتْعَسُ تَعْساً إذا عثر، وأتعسه اللّه، و ‏"‏لليدين‏"‏ معناه على اليدين‏.‏

661- تَرَكْتُهُ يَفُتُّ اليَرْمَعَ‏.‏

يقال للحصا البيض‏:‏ يَرْمَع، وهي حجارة فيها رَخَاوة، يجعل الصبيان منها الخَذَارِيفَ‏.‏

يضرب للمغموم المنكسر‏.‏

662- تَرِبَتْ يَدَاكَ‏.‏

قال أبو عُبَيد‏:‏ يقال للرجل إذا قل ماله ‏"‏قد تَرِبَ‏"‏ أي افتقر حتى لَصِق بالتراب، وهذه كلمة جارية على ألسنة العرب يقولونها ولا يريدون وقوع الأمر، ألا تراهم يقولون‏:‏ لا أَرْضَ لك، ولا أُمَّ لك، ويعلمون أن له أرضاً وأماً، قال المبرد‏:‏ سمع أعرابي في سنة قَحْط بمكة يقول‏:‏

قد كُنْتَ تَسْقِيَنا فما بَدَا لَكَا * رَبَّ العباد ما لَنَا ما لَكَا

أنزل علينا الغيث لا أبا لكا*

قال‏:‏ فسمعه سليمان بنُ عبد الملك فقال‏:‏ أشهد أنه لا أبا له ولا أم ولا ولد‏.‏

663- تأْبَى لَهُ ذَلِكَ بَنَاتُ أَلْبُبِي‏.‏

قالوا‏:‏ أصل هذا أن رجلا تزوج امرأة وله أُمّ كبيرة، فقالت المرأة للزوج‏:‏ لا أنا ولا أنت حتى تُخْرِجَ هذه العجوز عنا، فلما أكثَرَتْ عليه احتملها على عُنقه ليلا، ثم أتى بها وادياً كثير السباع فرمى بها فيه‏.‏ ثم تنكر لها، فمرَّ بها وهي تبكي، فقال‏:‏ ما يبكيك با عجوز ‏؟‏ قالت‏:‏ طَرَحَنِي ابني ههنا وذهب وأنا أخاف أن يفترسه الأسد، فقال لها‏:‏ تبكين له وقد فعل بك ما فعل ‏؟‏ هلا تدعين عليه، قالت‏:‏ تأبى له ذلك بَنَاتُ أُلْبُبي ‏.‏

قالوا‏:‏ بناتُ ألْبُب عُرُوقٌ في القلب تكون منها الرِّقَّة، قال الكُمَيْت‏:‏

إليكم ذَوِى آلِ النَّبِيِّ تطَلَّعْت * نَوَازُع من قلبي ظماءٌ وألْبُب

والقياس ألُبٌّ، فأظهر التضعيف ضرورة‏.‏ يضرب في الرقة لذوي الرحم‏.‏

664- اتَّقَى بِسَلْحِه سَمُرَةُ‏.‏

أصل ذلك أن رجلا أراد أن يضرب غلاماً له يسمى سَمُرة، فسلَح الغلام، فترك سيدُه ضربَه، فضُرِبَ به المثل‏.‏

665- اتَّقِ الصِّبْيَانَ لاَ تُصِبْكَ بأَعْقَائِهَا‏.‏

الأعقاء‏:‏ جمع العِقْي، وهو ما يخرج من بطن المولود حين يولد‏.‏ ‏[‏ص 134‏]‏

يضرب للرجل تُحَذِّره من تكره له مصاحبته، أي جَانِبِ المريبَ المتَّهم‏.‏

666- اتَّقِ خَيْرَهَا بِشَرِّهَا وَشَرَّهَا بِخَيْرِهَا‏.‏

الهاء ترجع إلى اللُّقَطَة والضالَّة يجدها الرجل، يقول‏:‏ دَعْ خيرها بسبب شرها الذي يَعْقُبها وقابل شرها بخيرها تجدْ شرَّها زائداً على الخير، وهذا حديث، يروى عن ابن عباس رضى الله عنهما‏.‏

667- تَرَكْتُهُ يُقَاسُ بالْجِذَاعِ‏.‏

يضرب للرجل المُسِنّ‏:‏ أي هو شاب في عقله وجسنه‏.‏

668- تَقْفِزُ الْجِعِثنَ بِي يا مُرَّ زِدْهَا قَعْباً‏.‏

الْجِعثِن‏:‏ أصلُ الصِّلِّيان، ومُرَّ‏:‏ ترخيم مرة، وهو اسم لغلامه، وذلك أن رجلا كان له فرس وكان يَصْبِحُهَا قَعْبا ويَغْبقُها قَعْباً، فلما رآها تقفز الْجَذَاميرَ - وهي أصولُ الشجر - قال‏:‏ لغلامه‏:‏ يا مُرِّ زِدْها قعباً‏.‏

يضرب لمن يستحقُّ أكثَرَ مما يعطَى‏.‏

669- تَقْدِيمُ الْحُرَمِ مِنَ النَّعَمِ‏.‏

يَعْنُون البناتِ، وهذا كقولهم ‏"‏دَفْنُ البنات منَ المَكْرُمَات‏"‏‏.‏

670- أَتْبِعِ الفَرَسَ لِجَامَها والنَّاقَةَ زِمَامَهَا‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ أرى معناه أنك قد جُدْتَ بالفرس واللجامُ أيسرُ خَطْباً فأتِمَّ الحاجة، لما أن الفرس لا غِنَى به عن اللجام، وكان المفضَّلُ يذكر أن المثَلَ لعمرو بن ثعلبة الكلبي أخي عَدِيٍّ بن جناب الكلبي، وكان ضِرار ‏(‏في نسخة ‏"‏خوار بن عمرو‏"‏‏)‏ ابن عمرو الضبي أغار عليهم فسَبَى يومئذ سَلْمَى بنت وائل الصائغ، وكانت يومئذٍ أمةً لعمرو بن ثعلبة، وهي أم النعمان بن المنذر فمضى بها ضِرار مع ما غنم، فأدركه عمرو ابن ثعلبة، وكان له صديقا، فقال‏:‏ أنشدك الإخاء والمودة إلا رَدَدْتَ عَلَيَّ أهلي، فجعل يرد شيئا شيئا، حتى بقيت سَلْمَى وكانت قد أعجبت ضرارا، فأبى أن يردها، فقال عمرو‏:‏ يا ضرار أَتْبِعِ الفرسَ لجامها، فأرسلها مثلا‏.‏

وقال غيره‏:‏ أصلُ هذا أن ضرار بن عمرو قاد ضَبَّة إلى الشام، فأغار على كلب بن وَبْرة، فأصاب فيهم وغنم وسَبَى الذَّرارى، فكانت في السبي الرائعة قَيْنَة كانت لعمرو ابن ثعلبة وبنت لها يقال لها سَلْمَى بنت عطية ابن وائل، فسار ضِرار بالغنائم والسبي إلى ‏[‏ص 135‏]‏ أرض نجد، وقدم عمرو بن ثعلبة على قومه ولم يكن شَهِدَ غارةَ ضرارٍ عليهم، فقيل له‏:‏ إن ضرار بن عمرو أغار على الحي فأخذ أموالهم وذَرَاريهم، فطلب عمرو بن ثعلبة ضرارا وبني ضبة فلَحِقهم قبل أن يَصِلُوا إلى أرض نجد، فقال عمرو بن ثعلبة لضرار‏:‏ رُدَّ علي مالي وأهلي، فرد عليه ماله وأهله، ثم قال‏:‏ رُدَّ علي قَيْناتي، فرد عليه قينته الرائعة، وحبس ابنتها سلمى، فقال له عمرو‏:‏ يا أبا قَبيصة أتبع الفرسَ لجامها، فأرسلها مثلا ‏.‏

671- اتَّخَذَ اللَّيْلَ جَمَلاً‏.‏

يضرب لمن يَعْمَل العملَ بالليل من قراءة أو صلاة أو غيرهما مما يركب فيه الليل‏.‏

وقال بعض الكتاب في رجل فات بمال، وطوى المراحل‏:‏ اتخذ الليل جَملا، وفات بالمال كَمَلا، وعَبَر الوادي عَجِلا‏.‏

672- تَرَكْتُهُ بِمَلاَحِسِ البَقَرِ أَوْلاَدَهَا‏.‏

أي بحيث تَلْحَسُ البقرُ أولادَهَا، يعني بالمكان القَفْرِ، ويروى ‏"‏بمباحث البقر‏"‏ يقال‏:‏ معناهما تركته بحيث لا يدري أين هو‏.‏

673- اتَّخَذُوهُ حِمَارَ الحَاجَاتِ‏.‏

يضرب للذي يمتهن في الأمور‏.‏

674- تَرَكْتُهُ جَوْفَ حِمَارِ‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ معناه لا خير فيه ولا شيء ينتفع به ‏.‏ وذلك أن جَوْف الحمار لا ينتفع منه بشيء، وقال ابن الكلبي‏:‏ حمار رجل من العمالقة، وجَوْفُه‏:‏ وَادِيه‏.‏

قلت‏:‏ وقد أوردت ذكره في قولهم ‏"‏أكفر من حمار‏"‏ في باب الكاف‏.‏

675- تَطْلُبُ ضَبَّاً وَهَذَا ضَبٌّ بَادٍ رَأسُهُ‏؟‏

ويروى ‏"‏مُخْرِجٌ رأسَه‏"‏ قال عطاء ابن مصعب‏:‏ زعموا أن رجلين وَتَرا رجلا وكل واحد منهما يسمى ضبا، فكان الرجل يتهدَّد النائي عنه ويترك المقيم معه جُبْنا، فقيل له‏:‏ تطلب ضبا يعني الغائب وهذا ضب بادٍ رأسُه يعني الحاضر‏.‏ يضرب لمن يجبن عن طلب ثأره‏.‏

676- تَفْرَقُ مِنْ صَوْتِ الغُرَابِ وتَفْرِسُ الأسَدَ المُشَتَّمَ‏.‏

ويروى ‏"‏المُشَتَّم‏"‏ من الشِّبَام وهي خَشَبة تعرض في فم الجَدْي لئلا يرضف أمه، ويعني ههنا الأسد الذي قد شدُّوا فاه، ومن روى ‏"‏المشَتَّمَ‏"‏ جعله من شَتَامة الوجه‏.‏

وأصلُ المثل أن امرأة افترست أسدا ثم سمعت صوت غراب ففزغت منه‏.‏ ‏[‏ص 136‏]‏

يضرب لمن يخاف الشيء الحقير ويُقْدِم على الشيء الخطير‏.‏

677- تَقِيسُ المَلاَئِكَةَ إِلَى الحَدَّادِينَ‏.‏

قال المفضل‏:‏ يقال إن أصل هذا المثل أنه لما نزلت هذه الآية ‏{‏عليها تسعة عشر‏}‏ قال رجل من كفار مكة من قريش من بني جُمَح يُكَنْى أبا الأشدّين‏:‏ أنا أكفيكم سَبْعَة عشر، واكفوني اثنين، فقال رجل سمع كلامه‏:‏ تَقِيسُ الملائكة إلى الحدادين، والحد‏:‏ المَنْعُ والسجن، والحدادون‏:‏ السجانون، ويقال لكل مانعٍ‏:‏ حَدَّاد‏.‏

678- تِلْكَ أَرْضٌ لاَ تقُضُّ بِضْعَتُها‏.‏

ويروى ‏"‏لاتَنْعَفِر بِضْعَتها‏"‏ أي لكثرة عُشْبها لم وقعت بِضْعَة لحمٍ على الأرض لم يُصِبها قَضَض، وهي الحصى الصغار ‏.‏ يضرب للجَنَاب المُخْصِب‏.‏

679- تَحْمِل عِضَةٌ جَنَاهَا‏.‏

أصل ذلك أن رجلا كانت له امرأة، وكانت لها ضَرَّة، فعمدت الضرة إلى قَدَحَيْن مشتبهين فجعلت في أحدهما سَوِيقا وفي الآخر سما، ووضعت قَدَحَ السويق عند رأسها والقدحَ المسمومَ عند رأس ضرتها لتشربه، ففطنت الضرة لذلك، فلما نامت حَوَّلت القدحَ المسمومَ إليها، ورفعت قدحَ السويق إلى نفسها، فلما انتبهت أخذت قدحَ السم على أنه السويق فشربته، فماتت، فقيل‏:‏ تحمل عِضَة جَنَاها ‏.‏ الجنى‏:‏ الحمل، والعِضَة‏:‏ واحدة العِضَاه وهي الأشجار ذواتُ الشَّوْك، يعني أن كل شجرة تحمل ثمرتها، وهذا مثل قولهم ‏"‏مَنْ حَفَرَ مَهْوَاةً وَقع فيها‏"‏‏.‏

680- تَطأْطَأْ لَهَا تُخْطِئْك‏.‏

الهاء للحادثة، يقول‏:‏ اخْفِضْ رأسك لها تُجَاوِزك، وهذا كقولهم ‏"‏دع الشرّ يَعْبُر‏"‏ ‏.‏ يضرب في ترك التعرض للشر‏.‏

681- التَّقَدُّمُ قَبْلَ التَّنَدُّمِ‏.‏

هذا مثل قولهم ‏"‏المُحَاجرة قبل المناجزة‏"‏‏.‏ يضرب في لقائك مَنْ لا قوام لك به‏.‏ أي تقدّم إلى ما في ضميرك قبل تندّمك، وقال الذي قَتَل محمدَ بن طلحة بن عبيد الله يوم الجَمَل‏:‏

وأشْعَثَ قوَّام بآياتِ ربه * قليل الأذى فيما تَرَى العين مُسْلِمِ

يذكِّرُنِي حَامِيَم والرمحُ شاجر * فهلا تَلاَحاميمَ قبل التَّنَدم

682- التَّجَرُّدُ لِغَيْرِ النِّكَاحِ مُثْلَةٌ‏.‏

قالته رَقَاشِ بنتُ عمرو لزوجها حين ‏[‏ص 137‏]‏ قال لها‏:‏ اخْلَعِي دِرْعَكِ لأنظر إليك، وهي التي قالت أيضاً‏:‏ خَلْعُ الدرع بيد الزوج، فأرسلتهما مثلين ‏.‏

يضرب في الأمر بِوَضْعِ الشيء موضعه‏.‏

683- التَّمْرَةُ إِلَى التَّمْرَةِ تَمْرٌ‏.‏

هذا من قول أُحَيْحَة بن الجُلاَح، وذلك أنه دخل حائطا له فرأى تمرةً ساقطة، فتناولها فعُوتِب في ذلك، فقال هذا القول، والتقدير‏:‏ التمرة مَضْمومة إلى التمرة تمر، يريد أن ضم الآحاد يؤدي إلى الجمع، وذلك أن التمر جنس يدل على الكثرة‏.‏ يضرب في استصلاح المال‏.‏

684- التَّمْرُ فِي البِئْرِ، وَعَلَى ظَهْرِ الجَمَلِ‏.‏

أصل ذلك أن مناديا فيما زعموا كان في الجاهلية يكون على أُطُمٍ من آطام المدينة حين يُدْرِكُ البُسْرُ، فينادي‏:‏ التمر في البئر، أي مَنْ سَقَى وجَدَ عاقبة سقيه في تمره، وهذا قريب من قولهم ‏"‏ عند الصَّبَاح يَحْمدُ القومُ السُّرَى‏"‏‏.‏

685- تَرَى الفِتْيَانَ كالنَّخْلِ ومَا يدْرِيكَ مَا الدَّخْلُ‏.‏

الدَّخْل‏:‏ العَيْبُ الباطن‏.‏

يضرب لِذِي المَنْظَر لا خَيْر عنده‏.‏

قال المفضل‏:‏ أولُ من قال ذلك عَثْمَة بنت مَطْرودٍ البُجَيْلِيَّة، وكانت ذاتَ عقلٍ ورأى مستمع في قومها، وكانت لها أخت يقال لها خود، وكانت ذات جَمَال ومِيسَم وعَقْل، وأن سبعة إخوة غلمة من بطن الأزْد خطَبوا خودا إلى أبيها، فأتوه وعليهم الحُلَل اليمانية، وتحتهم النَّجَائِبُ الفُرَّهُ، فقالوا‏:‏ نحن بنو مالك بن غُفَيْلة ذي النحيين فقال لهم‏:‏ انزلوا على الماء، فنزلوا ليلَتَهم ثم أصبحوا غادِينَ في الحُلَل والهَيْأة ومعهم رَبِيبة لهم يقال لها الشعثاء كاهنة، فمروا بوَصِيدها يتعرَّضُون لها وكلهم وَسِيم جميل، وخرج أبوها فجلسوا إليه فرحَّب بهم، فقالوا‏:‏ بلغنا أن لك بنتا ونحن كما ترى شَبَاب، وكلنا يَمْنَع الجانب، وبمنح الراغب، فقال أبوها‏:‏ كلكم خِيار فأقيموا نَرَى رأينا، ثم دخل على ابنته فقال‏:‏ ما ترين فقد أتاك هؤلاء القوم ‏؟‏ فقالت أنْكِحْني على قَدْري، ولا تُشْطِط في مَهْري، فإن تُخْطِئني أحلامهم، لا تخطئني أجسامهم، لعي أصيب ولدا، وأكثر عَدَدا، فخرج أبوها فقال‏:‏ أخبروني عن أفضلكم، قالت ربيبتهم الشعثاء الكاهنة‏:‏ اسمع أخبرك عنهم، هم إخوة، وكلهم أسْوَة، أما الكبير فمالك، جريء فاتك، يتعب السَّنَابك، ويستصغر ‏[‏ص 138‏]‏ المَهَالك، وأما الذي يليه فالغَمْر، بحر غَمْر، يقصر دونه الفَخْر، نَهْد صَقْر، وأما الذي يليه فعَلْقَمَة، صليب المَعْجَمَة، مَنِيع المشتمة، قليل الجمجمة، وأما الذي يليه فعاصم، سَيِّدٌ ناعم، جَلْد صارم، أبيٌّ حازم، جيشُه غانم، وجاره سالم، وأما الذي يليه فثَوَاب، سريع الجَوَاب، عَتيد الصَّوَاب، كريم النِّصَاب، كلَيْث الغاب، وأما الذي يليه فَمُدْرِك، بَذْول لما يَمْلك، عَزُوب عما يترك، يُفْنِى ويُهْلِك، وأما الذي يليه فجَنْدَل، لقِرْنه مُجَدّل، مقل لما يَحْمِل، يُعْطي ويَبْذُل، وعن عدوه لا يَنْكُل، فشاورت أختها فهيم، فقالت أختها عَثْمَةُ‏:‏ ترى الفِتيان كالنخل وما يدريك ما الدَّخْل، اسمعي مني كلمة، إن شرّض الغريبة يُعْلَن، وخيرها يُدْفَن، انكِحِي في قومك ولا تغررك الأجسام، فلم تقبل منها، وبعثت إلى أبيها أنكِحْنِي مدركا، فأنكحها أبوها على مائة ناقة ورُعَاتها، وحَمَلَها مدرك، فلم تَلْبث عنده إلا قليلا حتى صَبَّحهم فوارسُ من بني مالك بن كنانة، فاقتتلوا ساعة ثم إن زوجها وإخوته وبني عامر انكَشَفُوا فَسَبَوْهَا فيمن سَبَوْا، فبينا هي تسير بكَتْ، فقالوا‏:‏ ما يبكيك ‏؟‏ أعلى فراق زوجك ‏؟‏ قالت‏:‏ قَبَّحه الله‏!‏ قالوا‏:‏ لقد كان جميلا، قالت‏:‏ قبح الله جمالا لا نَفْع معه، إنما أبكي على عصياني أختي وقولها ‏"‏ترى الفيان كالنخل وما يدريك ما الدخل‏"‏ وأخبرتهم كيف خطبوها، فقال لها رجل منهم يكنى أبا نُوَاس شاب أسود أَفْوَهُ مضطرب الخلق‏:‏ أَتَرْضَيْنَ بي على أن أمنعك من ذئاب العرب، فقالت لأصحابه‏:‏ أكذلك هو‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم إنه مع ما تَرَيْنَ ليَمْنَعُ الحَلِيلة، وتَتَّقِيه القبيلة، قالت‏:‏ هذا أجمل جمال، وأكمل كمال، قد رضيت به، فزوجوها منه‏.‏

686- التّمْرُ بالسَّوِيقِ‏.‏

مثل حكاه أبو الحسن اللحيانيّ‏.‏ يضرب في المكافأة‏.‏

687- تَلَمَّسْ أَعْشَاشَكَ‏.‏

يضرب لمن يلتمس التجنّي والعلل، ومعناه تلمس التنجي والعلل في ذويك‏.‏

688- اتْرُكِ الشَّرَّ يَتْرُكْكَ‏.‏

أي إنما يصيب الشرّ مَنْ تعرض له‏.‏

زعموا أن لقمان الحكيم قال لابنه‏:‏ اتْرُكِ الشر كما يتركَك، أراد كيما يتركك، فحذف الياء ‏(‏الياء أي التي في ‏"‏كيما‏"‏ فصارت ‏"‏كما‏"‏ وأعملها‏:‏ أي نصب بها‏)‏ وأعملها‏.‏ ‏[‏ص 139‏]‏

689- تَرَهْيَأَ القَوْمُ‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ وذلك أن يضرب عليهم الرأيُ فيقولون مرة كذا ومرة كذا، ويروى ‏"‏قد تَرَهْيَأَ‏"‏‏.‏

690- تَعِسَتِ العَجَلَةُ‏.‏

أول من قال هذا فِنْدٌ مولَى عائشةَ بنتِ سعد بن أبي وقاص، وكان أحد المغنين المجيدين، وكان يجمع بين الرجال والنساء، وله يقول ابن قَيْس الرُّقَيَّات‏:‏

قل لِفنْدٍ يُشَيِّع الأظْعَانا * طالما سَرَّ عَيْشَنَا وكَفَانا

وكانت عائشة أرسَلَتْه يأتيها بنار، فوجد قوماً يخرجون إلى مصر، فخرج معهم فأقام بها سنةً، ثم قدم فأخذ ناراً وجاء يَعْدُو فعثَرَ وتبدَّد الجمر، فقال‏:‏ تعست العجلة‏!‏ وفيه يقول الشاعر‏:‏

ما رأينا لغُرَابٍ مثَلاَ * إذ بَعَثْنَاه يَجِى بالمشملة

غَيْرَ فِنْدٍ أرسلوه قَابِساً * فَثَوَى حَوْلا وَسَبَّ العَجَلَهْ

المشملة‏:‏ كساء تجمع فيه المقدحة بآلاتها وقال بعضهم الرواية ‏"‏المشملة‏"‏ بفتح الميم وهي مَهَبُّ الشمال، يعني الجانب الذي بعث نوح عليه السلام الغراب إليه ليأتيه بخبر الأرض أَجَفَّتْ أم لا‏؟‏

691- تَهْوِي الدَّوَاهِي حَوْلَهُ وَيَسْلَمُ‏.‏

يضرب لمن يخلَّص من مكروه‏.‏

692- تَغَدَّ بالْجَدْيِ قَبْلَ أَنْ يَتَعَشَّى بِكَ‏.‏

يضرب في أخذ الأمر بالحزم‏.‏

693- تَعَلَّلَ بِيَدَيْهِ تَعَلُّلَ البَكْرِ‏.‏

وذلك أنه إذا شُدَّ بعِقال تعلَّل به، ليحلَّه بفمه‏.‏ يضرب لمن يتعلل بما لا مُتَعَلَّلَ بمثله‏.‏

694- التّقِيُّ مُلْجَمٌ ‏.‏

أي كأن له لجاماً يمنعه من العُدُول عن سَنَن الحق قولا وفعلا، وهذا من كلام عمر ابن عبد العزيز رحمه اللّه‏.‏

695- التَّجَلُّدَ وَلاَ التَّبَلُّدَ‏.‏

يعني أن التجلد يُنْجيك من الأمر، لا التبلد، ونصب التجلد على معنى الزم التجلد ولا تلزم التبلد، ويجوز الرفع على تقدير‏:‏ حقُّك أو شأنُكَ التجلدُ، وهذا من قول أوس بن حارثة، قاله لابنه مالك، فقال‏:‏ يا مالك التجلد ولا التبلد، والمَنِيَّة ولا الدَّنية‏.‏ ‏[‏ص 140‏]‏

696- تُخْرِجُ الْمِقْدَحَةُ ما في قَعْرِ البُرْمَةِ‏.‏

هذا مثل تبتذله العامة، وقد أورده أبو عمرو في كتابه‏.‏

697- تَرَكْتُهُ يَتَقَمُّعُ‏.‏

القَمَع‏:‏ الذبابُ ‏(‏في كتب اللغة ‏"‏القعمة - بالتحريك - ذباب يركب الإبل والظباء إذا اشتد الحر‏"‏‏)‏ الأزرق العظيم، ومعنى يتقمع يَذُبُّ الذباب من فَرضاغه كما يتقمع الحمار، وهو أن يحرك رأسه ليذهب الذباب، قال أَوْس بن حَجَر‏:‏

ألم تر أن اللّه أَنْزَلَ مُزْنَةً * وَعُفْرُ الظباءِ في الكِنَاسِ تَقَمَّعُ

698- تَكَلَّمَ فَجَمَعَ بَيْنَ الأَرْوَى وَالنَّعَامِ‏.‏

إذا تكلم بكلمتين مختلفتين، لأن الأرْوَى تسكن شَغَفَ الجبال، وهي شاء الوحش، والنعام تسكن الفَيَافي، فلا يجتمعان‏.‏

699- تَرَكَ ما يَسُوءُهُ وَيَنُوءُهُ ‏.‏

إذا ترك للوَرَثة مالَه، قيل‏:‏ كان المحبوبي ذا يَسَار، فلما حضرته الوفاة أراد أن يوصي، فقيل له‏:‏ ما نكتب ‏؟‏ فقال‏:‏ اكتبوا ترك فلان - يعني نفسه - ما يسوءه وينوءه، مالاً يأكله وَرَثته ويبقى عليه وزره‏.‏

700- تَبَدَّدَ بِلَحْمِكَ الطيْرُ ‏.‏

يقال هذا عند الدعاء على الإنسان، وقال رجل لامرأته‏:‏

أَزُحْنَةُ عني تطردين، تَبَدَّدَتْ * بلَحْمِكِ طيرٌ طِرْن كُلَّ مَطِيِر

701- تَرَكْتُهُ مُحْرَنْبِئاً لِيَنْبَاقَ‏.‏

الاحرنباء‏:‏ الازبئرار، ويقال‏:‏ المحرنبئ المضمِر لداهية في نفسه، والانبياقُ‏:‏ الهجومُ على الشيء، أي تركته يضمر داهيةً لينفتق عليهم بشر‏.‏

702- تِيسِي جَعَارِ‏.‏

قال الليث‏:‏ إذا استكذبت العربُ الرجل تقول‏:‏ تيسي جَعَارِ، أي كذبتَ، ولم يعرف أصل هذه الكلمة، قال‏:‏ والتيسُ جبلٌ باليمن، ويقال‏:‏ فلان يتكلم بالتيسية، أي بكلام أهل ذلك الجبل‏.‏

703- تَعَلُّقَ الْحَجْنِ بأَرْفَاغِ العَنْسِ‏.‏

الحَجْنُ‏:‏ تخفيفُ الحَجِنِ، وهو الصبي السيء الغِذاء، يقال‏:‏ حَجِنَ حَجَناً، ويراد به القُرَاد ههنا، وأرفاغ العنس‏:‏ بواطن فخذيها وأصولهما‏.‏

يضرب لمن يَلْصَقُ بك حتى ينال بِغيْتَه ونصب ‏"‏تعلق‏"‏ على المصدر، أي تعلَّقَ بي تعلُّقَ، والعَنْس‏:‏ الناقة الصُّلبة‏.‏ ‏[‏ص 141‏]‏

704- تِبْعُ ضِلَّةٍ‏.‏

ويروى ‏"‏صِلَّة‏"‏ بالصاد غيرِ المعجمة، فالتِّبْع‏:‏ الذي يتبع النساء، والضِّلة‏:‏ الذي لا خير فيه فهو لا يهتدي إلى غير الشر، ومن روى بالصاد جعله كالحية الصل، وأراد به الدهاء، كما يقال ‏"‏صِلُّ أَصْلاَلٍ‏"‏ وأدخل الهاء مبالغة، ومن روى بالضاد المعجمة فإنما كسر الضاد إتباعاً لقوله تِبْع‏.‏

705- اتَّقِ اللّهَ فِي جَنْبِ أَخِيكَ، ولا تَقْدَحْ في سَاقِهِ‏.‏

أي لا تقتله ولا تَغْتَبه، يقال‏:‏ قَدَحَ في ساقه، إذا عابه، وقوله ‏"‏ في جنب أخيك‏"‏ أراد في أمر أخيك، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه‏}‏ أي أمره، وقال ابن عرفة‏:‏ أي فيما تركت في أمر اللّه، يقال‏:‏ ما فعلتَ في جَنْبِ حاجتي ‏.‏ قال كُثَير‏:‏

ألا تتقين اللّه في جَنْبِ عاشِقٍ * له كَبدٌ حَرَّى عَلَيْكِ تَقَطَّعُ

وقال الفراء‏:‏ في جنب اللّه أي في قربه وجواره ‏.‏ قال الشاعر‏:‏

خَلِيليَّ كُفَّا واذْكُرَا اللّه فِي جَنْبِي*

أي في أمري بأن تَدَعَا الوقيعة فيّ‏.‏

706- تَرَكْتُ جَرَاداً كَأَنَّهُ نعَامَةٌ جَاثِمَةٌ‏.‏

جَرَاد‏:‏ موضع، أراد كثرة عُشْبه، واعْتِمامَ نبته‏.‏

707- تَرَكْنَا البِلاَدَ تُحَدِّثُ‏.‏

هذا يجوز أن يراد به الخِصْبُ وكثرة أصوات الذئاب، ويجوز أن يراد به القَفَار التي لا أنيس بها، ولا يسكنها غير الجن، كقول ذي الرمة‏:‏

لِلْجِنِّ باللَّيْلِ في حَافَاتِهَا زَجَلٌ * كما تجاوَبَ يومَ الريحِ عَيْشُومُ

708- أَتْرَبَ فَنَدَحَ‏.‏

الإتْرَابُ‏:‏ الاستغناء حتى يصير مالُه مثلَ التراب كثرة، ونَدَحَ يَنْدَحُ نَدْحاً‏:‏ إذا وسع‏.‏

يضرب لمن غني فوسَّع عليه عيشَه وبَذَّر ماله مُسْرِفا‏.‏

709- تَسْأَلُنِي أُمُّ الْخِيَارِ جَمَلاَ * يَمْشِي رُوَيْداً وَيَكُونُ أَوَّلاَ

يضرب في طَلَب ما يتعذر‏.‏

710- تَغَفَّرتْ أَرْوَى وَسِيمَاهَا البَدَنُ‏.‏

تغفرت‏:‏ أي تشبهت بالغُفْر، وهو ولد الأرْوِيَّة ‏.‏ والبَدَن‏:‏ المُسِنّ من الوُعُول، أي ‏[‏ص 141‏]‏ منظرها منظر الوُعُول المَسَان، وهي تظهر أنها غُفْر حَدَث‏.‏

711- تَهْيِيفُ بَطْنٍ شَيَّنَ الدَّرِيسُ‏.‏

التَّهْييف‏:‏ التَّضْمير، يقال‏:‏ رجل أَهْيَفُ إذا كان ضامرَ البطنِ، وذلك محمود، والتشيين‏:‏ تفعيلٌ من الشَّيْنِ وهو العَيْب ‏.‏ والدَّرِيسُ‏:‏ الثوبُ الْخَلَقُ‏.‏ وقوله ‏"‏شين‏"‏ يريد شيَّنه فحذف المفعول‏.‏

يضرب لمن له فَضْل وبَرَاعة يسترهما سوءُ حالِه‏.‏

712 تَجْمَعِيَن خِلاَبَةً وَصُدُوداً‏.‏

يضرب لمن يجمع بين خَصْلَتَيْ شَرٍّ‏.‏

قالوا‏:‏ هو من قول جرير بن عطية، وذلك أن الحجاج بن يوسف أراد قتله، فمشت إليه مُضَرُ فقالوا‏:‏ أصلح الله الأمير ‏!‏ لسانُ مضر وشاعرُها، هَبْه لنا، فوهَبه لهم، وكانت هند بنت أسماء بن خارجة ممن طلب فيه، فقالت للحجاج‏:‏ ائذن لي فأسْمَعَ من قوله، قال‏:‏ نعم، فأمر بمَجْلِسٍ له وجلس فيه هو وهند، ثم بعث إلى جرير فدخل وهو لا يعلم بمكان الحجاج، فقالت‏:‏ يا ابن الْخَطَفَى أنْشِدْنِي قولَك في التشبيب، قال‏:‏ واللّه ما شَبَّبْتُ بامرأة قطُّ، وما خلَق اللّه شيئاً أبْغَضَ إليّ من النساء، ولكني أقول في المديح ما بلغكِ، فإن شئت أسمعتُكِ، قالت‏:‏ يا عدوَّ نفِسه فأين قولك‏:‏

يَجْرِي السواكُ على أغَرَّ كأنَّهُ * بَرَدٌ تحدَّرَ من مُتُونِ غَمامِ

طَرَقَتْكَ صائدةُ القلوبِ ولَيْسَ ذا * وَقْتَ الزيارة فَارْجِعِي بسلام

لو كُنْتِ صَادِقَةَ الذِي حَدَّثْتِنَا * لَوَصَلْتِ ذاك فكان غيرَ رِمَامِ

قال جرير‏:‏ لا والله ما قلت هذا، ولكني أقول‏:‏

لقد جَرَّدَ الحجاجُ بالحقِّ سيفَه * ألا فاسْتَقِيُموا لا يَمِيلَنَّ مَائِلُ

ولا يَسْتَوِي دَاعِي الضلالةِ والْهُدَى * ولاَحُجَّة الخصمين حَقٌّ وبَاطِلُ

فقالت هند‏:‏ دَعْ ذا عنك، فأين قولك

خليليّ لاَ تَسْتَشْعِرَا النومَ، إنني * أعيذُكُما باللّه أن تَجِدَا وَجْدِي

ظَمِئْتُ إلى بَرْدِ الشَّرَابِ وغَرَّني * جَدَامُزْنَةٍ يُرْجَى جَدَاها وَمَا تُجْدِي

قال جرير‏:‏ بل أنا الذي أقول‏:‏

ومَنْ يأمَن الحجَّاجَ، أما عِقَابُهُ * فَمُرّ، وأما عَقْدُه فَوَثِيقُ

لَخِفْتُكَ حَتَّى أنْزَلَتْنِي مَخَافَتِي * وَقَدْ كانَ مِنْ دُونِي عَمَايَة نِيق ‏[‏ص 143‏]‏

يُسِرُّ لك البَغْضَاء كلُّ مُنَافِقٍ * كما كلُّ ذِي دِينٍ عليك شَفِيقُ

قالت‏:‏ دَعْ ذا عنك، ولكن هات قولك‏:‏

يا عاذليّ دَعَا المَلاَمة وَاقْصِرَا * طَالَ الهَوَى وأطَلْتُمَا التَّفِنيدَا

إني وَجَدْتُكِ لَوْ أرَدْتِ زِيَارةً * في الحبِّ مِنِّي ما وَجَدْتِ مَزِيدَا

أخَلَبْتِنَا وَصَدَدْتِ أمَّ محمدٍ * أفَتَجْمَعِيَن خِلاَبةً وصُدُودَا

لا يستطيعُ أخو الصبابة أن يُرَى * حَجَراً أصمَّ وأن يكون حَدِيدَا

713- تَقَيَّلَ الرَّجُلُ أَباهُ‏.‏

إذا أشْبَهه، قال ابن فارس‏:‏ اللامُ مبدلة من الضاد، يعني من قولهم ‏"‏تقيّضَ‏"‏ من القَيْضِ وهو العِوَضُ ‏.‏ ويكون مصدراً أيضاً، يقال‏:‏ قَاضَه يَقِيضُه قَيْضاً كما يقال‏:‏ عَاضَهُ يَعُوضُه عَوْضاً، ومنه المُقَايضة بمعنى المبادلة، يقال‏:‏ هما قَيْضَان أي مِثْلاَن، يعني أن كل واحد منهما عوض من الآخر‏.‏

يضرب في الشيئين تَقَاربا في الشبه‏.‏

714- تَزَبَّدَهَا حَذَّاءَ‏.‏

الحذَّاء‏:‏ اليمينُ المُنْكَرة، والهاء في ‏"‏تَزَبَّدَها‏"‏ راجعة إليها، وتزبد‏:‏ أي ابتلع ابتلاع الزُّبْدَ، وهذا كقولهم ‏"‏حَذَّها حَذَّ البعير الصِّلِّيَانَةَ‏"‏ وينشد‏:‏

تزبَّدَهَا حَذَّاءَ يَعْلَم أنه * هو الكاذبُ الآتِي الأمُورَ الْبَجَارِيا

715- التَّثَبُّتُ نِصْفُ العَفْوِ‏.‏

دعا قُتَيبة بن مُسْلم برجل ليعاقبه، فقال‏:‏ أيها الأمير، التثبُّتُ نصف العفو، فعفا عنه، وذهبت كلمته مثلا‏.‏

716- تُقَطِّعُ أَعْنَاقَ الرِّجَالِ المَطَامِع‏.‏

يضرب في ذمِّ الطمع والْجَشَع‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ وفي بعض الحديث أن الصَّفَاة الزلاَّء التي لا تثبت عليها أقدام العلماء الطمَعُ‏.‏

717- تَخَطَّيْتُ سَنَةً مُقِيماً‏.‏

ويروى ‏"‏تخاطأت‏"‏ يضرب لمن أقام فسَلِمَ ولو سار لهلَك ‏.‏

وذلك أن رجلا أجْدَبَ وأقام وخرج قومُه مُنْتَجعين، فهُزِلوا وبقي هو في وطنه فأعشب واديه وأخْصَب‏.‏

718- تَرَكْتُ دَارَهُمْ حَوْثاً بَوْثاً‏.‏

أي أُثِيَرتْ بحوافر الدواب وخَرِبَتْ يقال‏:‏ تركهم حَوْثاً بَوْثاً، وحَوْثَ بَوْثَ، وحَيْثَ بَيْثَ، وحاثَ بَاثَ، إذا فرقهم وبدّدهم‏.‏ ‏[‏ص 144‏]‏

719- تُوَطِّنُ الإِبُل وَتَعَافُ المِعْزَى‏.‏

أي أن الإبل تُوَطِّنُ نفسها على المكاره لقوتها، وتَعَافُها المِعْزَى لذلّها وضَعْفها‏.‏

يضرب للقوم تصيبهم المكاره فيوطِّنون أنفسهم عليها ويَعَافُها جبناؤهم‏.‏

720- تَرَكْتُهُ عَلَى مِثْلِ عِضْرِطِ العَيْرِ‏.‏

عَضْرِطُ العيرِ‏:‏ عِجانه‏.‏

يضرب لمن لم تَدَعْ له شيئاً‏.‏

721- تَرَدَّدُ فِي اسْتِ مارِيَةَ الهُمُومُ * فَما تَدْرِي أتَظْعَنُ أمْ تُقِيمُ

يضرب لمن يَعْيا بأمره‏.‏

722- تَشْتَهِي وَتَشْتَكي‏.‏

أي تحبُّ أن تأخذ، وتكره أن يُؤْخَذ منك‏.‏

723- تَرَكْتُهُ صَرِيمَ سَحْرٍ‏.‏

الصَّرِيم‏:‏ بمعنى المصروم، والسَّحْر‏:‏ الرئة، أي تركته وقَدْ يئستُ منه‏.‏

724- تَرَافَدُوا ترافُدَ الحُمرِ بأبْوَالِهَا‏.‏

وذلك إذا تَوَاطأ القومُ على ما تكرهه‏.‏

725- تَحْسِبُهُ جَادّاً وَهْوَ مازِحٌ‏.‏

يضرب لمن يتهدَّد وليس وراءه ما يحققه‏.‏

726- تَرَى مَنْ لاَ حَرِيمَ لَهُ يَهُونُ‏.‏

يضرب لمن لا ناصر له عند ظلمه‏.‏

727- تَرَكْتُهُمْ كَمَقَصِّ قَرْنٍ‏.‏

أي استأصلتهم، وذلك أن أحد القرنين إذا تم وقُطع الآخر رأيته قبيحا، قال الشاعر‏:‏

فأضحَتْ دَارُهم كَمَقَصِّ قَرْن * فلا عَيْنٌ تُحَسُّ ولا إثَارُ

أي لا ترى أثرا ولا عينا، وقال الأصمعي‏:‏

القَرْن جَبَل مُطِل على عرفات، وأنشد‏:‏

وأصْبَحَ عَهْدُهُ كمَقَصِّ قَرْنِ*

قال الأزهري‏:‏ يروى ‏"‏مقصّ قرن‏"‏ و ‏"‏مقطّ قَرْن‏"‏ والقرن إذا قص أو قط بقي ذلك الموضع أمْلَسَ نقيا لا أثر فيه‏.‏

يضرب لمن يُسْتأصل ويُصْطَلم‏.‏

728- تَمَسَّكْ بِحَرْدِكَ حَتَّى تُدْرِكَ حَقَّكَ‏.‏

يقال حَرِد حَرْداً ساكنة الراء والقياس تحريكها، وينشد‏:‏

إذا جِيَاد الْخَيْلِ جَاءَتْ تردِى * مَمْلُوءَةً مِنْ غَضَبٍ وَحَرْدِ

وقال ابن السكيت‏:‏ وقد تحرك، ويقال‏:‏ رجل حَارِد وحَرِد وحَرْدَان، أي غضبان، أي دُمْ على غيظك حتى تَثَّئِر ‏(‏تثئر‏:‏ تأخذ ثأرك، وأصله تتثئر‏)‏‏.‏

729- تَحَوُّفِي النَّضِيجَ مِنْ حوْلِ النَّيءٍ‏.‏

قال يونس‏:‏ قيل لرجل‏:‏ ما احْبَنَ بَطْنَكَ‏؟‏ أيْ أيُّ شيء عَظَّم بَطْنَكَ يعني ‏[‏ص 145‏]‏ سَمَّنه، قال‏:‏ تَحَوُّفِي النضيجَ - المثلَ، والتحوُّفُ‏:‏ أخذ الشيء من حافاته‏.‏

يضرب لمن يعمل الفكر فيما يستقبله، وهذا لمن يُحْسِنُ النظر في استصلاح حاله حتى يرى حسن الحال أبدا‏.‏

730- تَرَكْتُهُ عَلَى مِثْلِ خَدِّ الفَرَسِ‏.‏

أي تركته على طريق واضح مُسْتَوٍ‏.‏

731- تَرَكْتُهُ عَلَى مِثْلِ شِرَاكِ النَّعْل‏.‏

أي في ضِيق حالٍ‏.‏

732- تَرَكْتُهُ عَلَى مِثْلِ مِشْفَرِ الأسَدِ‏.‏

يضرب لمن تركْتَه عُرْضَةً للهلاك‏.‏

733- تَخَطَّي إِلَىَّ شُبَيْثاً وَالأَحَصَّ‏.‏

شُبَيْث‏:‏ ماء لبني الأضبط ببطن الْجَرِيب في موضع يقال له‏:‏ دارة شُبَيْث، والأحَصُّ‏:‏ موضع هناك أيضاً، وهذا المثل من قول جَسَّاس بن مُرّة، قاله لكليب وائل حين طَعَنه، فقال كليب‏:‏ أغثني بشربة ماء، فقال جَسَّاسٌ‏:‏ تجاوزت شُبَيْثاً والأحَصَّ، يعني ليس حين طلب الماء‏.‏

يضرب لمن يطلب شيئاً في غير وقته‏.‏

734- اتَّخَذَ البَاطِلَ دَخَلاً‏.‏

الدَّخَلُ والدَّخْلُ والدَّغَلُ‏:‏ العيبُ والرِّيبة‏.‏

يضرب للماكر الخادع‏.‏

735- أَتْبِعِ السَّيِّئَّة الْحَسَنَةَ تَمْحُها‏.‏

قال أبو نُوَاس‏:‏

خَيْرُ هذَا بِشَرّ ذا * فإذا الربُّ قَدْ َعَفا

يضرب في الإنابة بعد الاجترام‏.‏

736- اتَّقِ شَرَّ منْ أحْسَنْتَ إِلَيْهِ‏.‏

هذا قريب من قولهم ‏"‏سَمِّنْ كَلْبَكَ يأكُلْكَ‏"‏‏.‏

737- تَنَاسَ مَسَاوِيَ الإخْوَانِ يَدُمْ لَكَ وُدُّهُمْ‏.‏

يضرب في استبقاء الإخوان‏.‏

738- تَضَرَّعْ إِلَى الطَّبيبِ قَبْلَ أَنْ تَمْرَضَ‏.‏

أي افتقد الإخوان قبل الحاجة إليهم، قاله لقمان لابنه‏.‏

739- تَغَافَلْ كأَنَّكَ وَاسِطِيُّ‏.‏

قال المبرد‏:‏ أصله أن الحجاج كان يُسَخِّر أهلَ واسط في البناء، فكانوا يهربون وينامون وسط الغرباء في المسجد، فيجيء الشرطيّ ويقول‏:‏ يا واسطيّ، فمن رَفَع رأسه أخذه وحَمَله، فلذلك كانوا يتغافلون‏.‏

740- تَقَلَّدَهَا طَوْقَ الحَمَامَةِ‏.‏

الهاء كناية عن الخَصْلة القَبيحة، أي ‏[‏ص 146‏]‏ تقلّدها تقلُّدَ طَوْقِ الحمامة، أي لا تُزَايله ولا تفارقه حتى يفارق طوقُ الحمامةِ الحمامةَ‏.‏

741- تَحَلَّلَتْ عُقَدُهُ‏.‏

يضرب للغضبان يَسْكُن غضبه‏.‏

742- تَصَامَمَ الْحُرُّ إِذَا سُنَّ القَذَع‏.‏

حقه أن يقال تَصَامّ لكنه فَكَّ الإدغام ضرورة ‏.‏ والسَّنُّ‏:‏ الصَّبُّ، يقال‏:‏ سَنّ الماء على وجهه‏.‏ والقَذَع‏:‏ الخنا والفُحْش‏.‏

يضرب للحليم لا يُرْعِى سمعه لما يقبح‏.‏

743- تَغمُّرٌ كانَ وَلَيْسَ رِيّاً‏.‏

التَّغَمُّر‏:‏ الشربُ القليل، وهو من الغُمَر‏:‏ وهو القَدَح الصغير‏.‏

يضرب لمن تقلد أمرا ثم لم يبالغ في إتمامه‏.‏

744- تَذَكَّرَتْ رَيَّا صَبِيّاً فَبَكَتْ‏.‏

ريَّا‏:‏ اسمُ امرأة أسَنَّت فخرفت فتذكرت ولداً لها مات فأسِفَت وبكت‏.‏

يضرب لمن حَزِنَ على أمر لا مَطْمَع في إدراكه لبُعْدِ العهد به‏.‏

745- تَهوْيِدٌ عَلَى رُيُودٍ‏.‏

التهويد‏:‏ السكونُ والنوم، والرُّيُود‏:‏ جمع رَيْدٍ، وهو الحرف الناتئ من الجبل، ومَنْ سكن فيه كان على غير طمأنينة‏.‏

يضرب لمن شَرَع في أمرٍ وَخِيم العاقبة‏.‏

746- تَحْت جِلْدِ الضَّأْنِ قَلْبُ الاَذْؤُبِ‏.‏

يقال‏:‏ ذِئْب وأذْؤُبٌ وذِئَاب وذُؤْبان، وضَاِئن في الواحد وضَأْن وضَئِنين في الجَمْع، مثل ماعِزٍ ومَعْز ومَعِيز‏.‏

يضرب لمن ينافق ويخادع الناس‏.‏

747- تَذْرِيعُ حِطَّانَ لَنَا إِنْذَارُ‏.‏

التذريع‏:‏ أن يُصَفَّرَ بالزعفران أو الخَلُوق ذِراعُ الأسير علامةً منهم على قتله، وكانوا يفعلونه في الجاهلية، وحِطّان‏:‏ اسم رجل‏.‏

يضرب لمن كلم في أمر فأظهر البشاشة وأحسن الجواب، وهو يُضْمِر خلافه‏.‏

748- تَأْتِي بِكَ الضَّامَةُ عِرّيسَ الأَسَدِ‏.‏

الضامة تُثَقَّل وتُخَفف، من الضمّ والضيم، فإذا ثقلت فالمعنى الحاجَة الضامَّة التي تَضُمُّكَ وتُلْجئك، والضامَةُ من الضيم جمع ضائم، يعني الظَّلَمة، أي ظلم الظلمة يُحْوِجك إلى أن توقع نفسك في الهلكة‏.‏

يضرب في الاعتذار من رُكوب الغَرَر‏.‏

749- تَلْبِيدٌ خَيْرٌ مِنَ التَّصْيِئِ‏.‏

التلبيد‏:‏ أن يلزق شَعْرَ رأسه بصَمْغ يجعله عليه لئلا يَتَشَعَّثَ، والتصيئ‏:‏ أن ‏[‏ص 147‏]‏ يُثَوّر الرأسُ ليغسله ثم لا ينقى وَسَخَه، يقال‏:‏ لَبَّدْتُ الشَّعْر فتلَبَّدْ وصَيَّأَته فَتصيَّأ، يقول‏:‏ لأَنْ تتركَه متلبدا خيرٌ من أن تتركه مُتَصَيئاً‏.‏ يضرب لمن قام بأمر لا يقدر على إتمامه‏.‏

750- تَرَكْتُ عَوْفاً فِي مَغَانِي الأَصْرَمِ‏.‏

يقال للذئب والغُرَاب‏:‏ الأصْرَمَان، يقول تركته في منازلَ لا أنيسَ بها ولا يسكنها إلا الذئب أو الغراب‏.‏

يضرب لمن يَخْذل صاحبه في حادث ألمَّ به‏.‏

751- تَقِئُ يَوْماً بَيْنَ شِدْقَيْكَ الدَّخَن‏.‏

يقال‏:‏ دَخِنَ الطعامُ يَدْخَنُ دَخَناً إذا فَسَد وخَبُثَ على فم المعدة، ولا دواء له إلا القَيْءُ‏.‏

يضرب لمن يفعل أفعالا سيئة ويسلم منها، فيقال‏:‏ سَتَنْدَم وسَتَرى عاقبة ما تصنع‏.‏

752- تَلْبَسُ أُذُنَيْكَ عَلَى مَضَاضٍ‏.‏

المَضَاض والمَضَاضة‏:‏ ألم وحرقة يجدها الرجل في جوفه من غيظ يتجرعه‏.‏

يضرب للرجل الحليم يسكت عن الجاهل ويتحمل أذاه‏.‏

753- التَّجَارِبُ لَيْسَتْ لَهَا نِهَايةٌ، وَالمَرْءُ مِنْهَا فِي زِيَادَةٍ‏.‏

قال عمر رضي الله عنه‏:‏ يحتلم الغلامُ لأربَع عَشْرَة، وينتهي طوله لإحدى وعشرين، وعلقه لسبع وعشرين، إلا التجارب، فجعل التجارب لا غاية لها ولا نهاية‏.‏

*3*ما جاء على أفعل من هذا الباب‏.

754- أَتْجَرُ مِنْ عَقْرَبٍ‏.‏

ويقال أيضاً ‏"‏أمْطَلُ من عَقْرَب‏"‏ وهذا من أمثال أهل المدينة، حكاه الزُّبير بن بَكَّار ‏.‏ وعقرب اسم تاجر من تجارها، قال الزبير‏:‏ وكان رَهْط أبي عَقْرب أكْثَرَ مَنْ هُنَاك تجارة، وأشدَّهم تسويفاً، حتى ضَرَبوا بِمَطْله المثلَ، فاتفق أنْ عاملَ الفضلَ بن عباس بن عُتْبة بن أبي لَهَب، وكان أشدَّ أهلِ زمانِهِ اقْتِضَاءً، فقال الناس‏:‏ ننظر الآنَ ما يصنعان، فلما حلَّ المالُ لزم الفضلُ بابَ عقرب، وشدّ ببابه حماراً له يسمى السَّحَاب، وقعد يقرأ على بابه القرآن، فأقام عقرب على المَطْل غيرَ مكترثٍ به، فعدل الفضلُ عن مُلاَزمة بابه إلى هِجاء عِرْضه، فمما سار عنه فيه قولُه‏:‏

قد تَجَرَتْ في سُوقِنَا عقربٌ * لا مَرْحَباً بِالْعَقْرَبِ التاجِرَهْ ‏[‏ص 148‏]‏

كلُّ عدوٍّ يُتَّقَى مُقْبلاً * وعقربٌ يُخْشَى من الدَّابِرَهْ

كل عدوٍّ كيدُهُ في اسْتِهِ * فغيرُ مَخْشِىٍّ ولا ضَائِرَهْ ‏(‏ويروى عجز البيت‏:‏ فغيره ليس الأذى ضائره‏)‏

إن عَادَتِ العقربُ عُدْنَا لَهَا * وكَانَتِ النَّعْلُ لَهَا حَاضِرَهْ

755- أتْعَبُ مِنْ رَائِضِ مُهْرٍ

هذا كقولهم ‏"‏لا يَعْدَمُ شَقِيٌّ مُهْرا‏"‏ يعني أن معالجة المِهارة شَقَاوة لما فيها من التعب، قلت‏:‏ وهذا كما يحكى أن امرأة قالت لرائضٍ‏:‏ ما أتعَبَ شأنَكَ‏!‏ حرفُتك كلها بالاست، فقال لها ليس بين آلتي وآلتك إلا مقدار ظفر‏.‏

756- أَتْلَي مِنَ الشِّعْرَى‏.‏

يعنون الشِّعْرَى العَبُورَ، وهي اليمانية، فهي تكون في طلوعها تِلْوَ الجَوْزاء، ويسمونها كلب الجَبّار، والجَبَّار‏:‏ اسم للجَوْزَاء، جعلوا الشعرى ككَلْب لها يتبع صاحبه‏.‏

757- أَتْيَمُ مِنَ المُرَقِّشِ‏.‏

يعنون المُرَقِّشَ الأصْغَر، وكان متيما بفاطمة بنت الملك المنذر، وله معها قصة طويلة، وبلَغ من أمره أخيرا أنْ قَطَع المرقش إبهامه بأسنانه وَجْدا عليها، وفي ذلك يقول‏:‏

ومَنْ يَلْقَ خيراً يَحْمَدِ الناسُ أمرَه * وَمَن يَغْوِ لا يَعْدَمْ على الغَيِّ لائما

ألم تَرَ أن المَرْءَ يَجْذِمُ كَّفُه * ويَجْشَمُ من لَوْمِ الصَّدِيقِ المَجَاشِمَا

أي يكلف نفسه الشدائدَ مخافةَ لوم الصديق إياه، وأتيم‏:‏ أفعل من المفعول، يقال‏:‏ تَامَهُ الحبُّ وتَيَّمه، أي عَبَّده وذلله، وتَيْمُ الله مثلُ قولك عبد الله، قال لَقِيط‏:‏

تَامَتْ فُؤَادَكَ لم يَحْزُنْكَ ما صَنَعَتْ * إحْدَى نِسَاءِ بَنِي ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَا

758- أَتْيَهُ مِنْ فَقِيدِ ثَقِيفٍ‏.‏

قالوا‏:‏ كان بالطائف في أول الاسلام أخَوَانِ فتزوَّج أحدُهما امرأةً من كُنَّة ثم رامَ سفَرا فأوصى الأخَ بها، فكان يتعهَّدُها كل يوم بنفسه، وكانت من أحسن الناس وَجْهاً، فذهبت بقلبه فَضَنِىَ وأخذت قوته حتى عجز عن المشي، ثم عجز عن القعود، وقَدِمَ أخوه فلما رآه بتلك الحال قال‏:‏ مالك يا أخي‏؟‏ ما تجد‏؟‏ قال‏:‏ ما أجد شيئاً غير الضعف فبعث أخوه إلى الحارث بن كَلْدَةَ طبيبِ العرب، فلما حضر لم يجد به علَّة من مرض، ووقع له أن ما به من عشق، فدعا بخمر ‏[‏ص 149‏]‏ وفَتَّ فيها خبزا، فأطعمه إياه ثم أتبعه بشَرْبة منها، فتحرك ساعةً ثم نغص رأسه ورفع عَقيرتَه بهذه الأبيات‏:‏

ألمَّا بي على الأبْيَا * تِ بِالْخِيفِ نَزُرْهُنَّهْ

غَزَالٌ ثَم يَحْتَلُّ * بها دُورَ بني كُنَّهْ

غَزَال أحْوَرُ الْعَيْنَيْن فِي مَنْطِقِةِ غُنَّهْ

فعرف أنه عاشق، فأعاد عليه الخمر، فأنشأ يقول‏:‏

أيها الجِيَرةُ اسْلَمُوا * وَقِفُوا كي تَكَلَّمُوا

خرجت مزنة من الـ* ـبَحْرِ ‏(‏البحر‏)‏ رَيَّا تُحَمْحِمُ

هِيَ مَا كُنَّتِي وتز * عُمُ أنِّي لَهَا حَمُ

فعرف أخوه ما به، فقال‏:‏ يا أخي هي طالق ثلاثا فتزوجْهَا، فقال‏:‏ هي طالق يوم أتزوجها، ثم ثاب إليه ثائب من العقل والقوة ففارق الطائف حضرا، وهاَمَ في البر فما رُؤي بعد ذلك، فمكث أخوه أياما ثم مات كَمَداً على أخيه، فضرب به المثل، وسمى فقيد ثقيف‏.‏

وأما قولهم‏:‏

759- أَتْيَهُ مِنْ أَحْمَقِ ثَقِيفٍ‏.‏

فهذا من التِّيِه الذي هو الصَّلَف، وأَحْمَقُ ثقيف هو يوسف بن عمر، وكان أمير العراقَيْنِ من قبل هشام بن عبد الملك، وكان أَتْيَهَ وأَحْمَقَ عربي أَمَرَ ونهى في دولة الإسلام، ومن حُمْقه أن حجاماً كان يحجمه فلما أراد أن يَشْرطه ارتعَدَتْ يَدُهُ، فأحسَّ بذلك يوسف، وكان حاجبه قائماً على رأسه، فقال له‏:‏ قل لهذا البائس لا تَخَفْ، وكان يوسف قصيراً جداً قَمِيئاً‏.‏ فكان الخياط عند قطع ثيابه إذا قال له يحتاج إلى زيادة أكرمه وحَبَاه ‏.‏ وإذا قال يَفْضُل شيء، أهانه وأَقْصَاه‏.‏

760- أَتْمَكُ مِنْ سَنَامٍ‏.‏

التُّمُوك‏:‏ الارتفاع والسِّمَن، والتامِكُ من الإبل‏:‏ العظيمُ السنامِ، وأتمكَهَا الكلأُ‏:‏ أي سَمَّنها، يعني الناقة‏.‏

761- أَتْيَسُ من تُيُوسِ تُوَيْتٍ‏.‏

قال حمزة‏:‏ هذا مَثَلٌ حكاه نحند بن حبيب ولم يذكر في أي موضع يجب أن يُوضَع، وتُوَيْت‏:‏ قبيلة من قبائل قريش، وهو تُوَيْت بن حَبيب بن أسد بن عبد العُزَّى قال‏:‏ وحكى أيضاً ولم يفسره أيضاً‏:‏

762- أَتَيْسُ مِنْ تُيُوسِ البَيَّاعِ‏.‏

قال حمزة‏:‏ فسألت عنه أبا الحسن النَّسَّابة الأصبهاني، فذكر أنه البَيَّاعُ بن عَبْدِ يالِيل بن نَاشِب بن غِيَرَة بن سَعْد بن لَيْث بن بكر ‏.‏ وبنتُه رَيْطَة بنتُ أم أبي أُحَيْحَةَ سَعيد بن العاص، ويُعَيرون به‏.‏ ‏[‏ص 150‏]‏

763- أَتْبَعُ مِنْ تَوْلَبٍ ‏.‏

التَّوْلَبُ‏:‏ الجَحْشُ ‏.‏ قال سيبويه‏:‏ هو مَصْرُوف لأنه فَوْعل، ويقال للأتان‏:‏ أم تَوْلَب ‏.‏ وقال ابن فارس‏:‏ لا يبعدُ أن تكون التاء في تَوْلَب واواً‏.‏ يعني أن أصله وَوْلَب من وَلَبَ يَلِبُ وُلُوباً إذا ذهب وتتبع، سمى به لأنه يَتْبَعُ الأمَّ‏.‏

764- أَتْوَى مِنْ دَيْنٍ ‏.‏

التَّوَى‏:‏ الهلاكُ ‏.‏ يقال ‏"‏تَوَى‏"‏ إذا هَلَك، وإنما قيل ذلك لأن أكثر الدُّيُون هالك ذاهب‏.‏

765- أَتْرَفُ مِنْ رَبِيبِ نِعْمَةٍ‏.‏

التُّرْفَة‏:‏ النعمة ‏.‏ والرَّبيبُ‏:‏ المَرْبُوب ‏.‏ يضرب للمنعَمِ عليه‏.‏

766- أَتْيَهُ مِنْ قَوْمِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ‏.‏

هذا من التِّيه بمعنى التَّحَيُّرِ، وأرادوا به مُكْثَهم في التِّيهِ أربعين سنةً‏.‏

767- أَتْوَى مِنْ سَلَفٍ‏.‏

السَّلَف والسَّلَم واحد ‏.‏ وهما ما أَسْلَفْتَ في طعام أو غيره ‏.‏ وهذا مثل ‏"‏أَتْوَى من دَيْنٍ‏"‏ وقد مر‏.‏

768- أَتَبُّ مِنْ أَبِي لَهَبٍ‏.‏

أي‏:‏ أَخْسَر، أخِذَ من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏تَبَّتْ يَدَا أبي لهب‏}‏ والتَّبَابُ‏:‏ الْخَسَار والهَلاَك‏.‏

769- أَتْخَمُ مِنْ فَصِيٍل‏.‏

لأنه يَرْضَع أكثر مما يُطِيق ثم يتخم ‏.‏ وكان الأصل أن يقال‏:‏ أوْخَمُ من وَخِمَ يَوْخَمُ، إلا أنهم بَنَوْه من الاتخام توهُّما أن التاء أصلية كما تَوَهَّمُوها في التُّكَلة والتُّهَمة وأشباههما فألزموها التاء في التصغير والجمعِ فقالوا‏:‏ تُكَيْلَة وتُهَيْمة وتُكَل وتُهَم ‏.‏

770- أَتْعَبُ مِنْ رَاكِبِ فَصِيلٍ ‏.‏

لأنه غيرُ مَرُوضٍ‏.‏

المولدون‏.‏

تَوْبَةُ الْجَانِي اعْتِذارُهُ‏.‏

َتَزاوَرُوا وَلاَ تَجَاوَرُوا‏.‏

تَقَارَبُوا بالمَوَدَّةِ، وَلاَ تَتَّكِلُوا عَلَى القَرَابَة‏.‏

تَعَاشَرُوا كالإِخْوَانِ، وَتَعَامَلُوا كَالأجانِبِ‏.‏

أي ليس في التجارة مُحَاباة‏.‏

تَلَقَّاكَ سَبُعٌ وَلاَ تَلَقَّاكَ ذُو عِيالِ‏.‏ ‏[‏ص 151‏]‏

تَوَكَّلْ تُكفَ‏.‏

تَشْوِيشُ العِمَامَةِ مِنَ المُرُوءَةِ‏.‏

تَأَمُّلُ العَيْبِ عَيْبٌ‏.‏

تُجَازَي القُرُوضُ بأَمْثَالِهَا‏.‏

تَكَلْم فَقَدْ كَلَم اللّهُ مُوسَى‏.‏

تَفرِّقُ بَيْنَ المُسْلِمينَ الدَّرَاهِمُ‏.‏

تَجْرِي الرِّيَاحُ بِمَا لا تَشْتَهِي السُّفُن‏.‏

تُجَرِّئُنِي وَأَنَا حَرِيصٌ‏.‏

تَفُورُ مِنْ نِصْفِ خُوصَةٍ قِدْرُهُ‏.‏

تَخَلَّصْتُ مِنْهُ بِشَعْرَةٍ‏.‏

تَحَلُّمٌ ما لَمْ تَحْلُمْ بُهْتَانٌ عَلَى المَقادِير‏.‏

تَرَكْتُهُ كُرَةً عَلَى طَبْطَابٍ وَحَبَّةً عَلَى المِقْلَى‏.‏

تَرْكُ المُكافَأةِ مِنَ التَّطفِيفِ‏.‏

تَحْتَ هَذَا الكَبْشِ نَبْشٌ‏.‏

يضرب لمن يُرْتَاب به‏.‏

تأَلَّفِ النِّعْمَةَ بِحُسْنِ جِوَارِهَا‏.‏

تَحِلُّ لَهُ الْمَيْتَةُ‏.‏

يضرب للفقير‏.‏

تَرْكُ ادِّعاءِ العِلْم يَنْفِي عَنْكَ الحسَدَ‏.‏

تَاجُ المُرُوءَةِ التَّوَاضُعُ‏.‏

التَمَيُّزُ شُؤْمٌ‏.‏

التَّعْبِيرُ نِصْفُ التّجَارَةِ‏.‏

التَّسَلطُ عَلَى الممالِيكِ دَنَاءَةٌ‏.‏

التَّحَسُّنُ خَيْرٌ مِنَ الْحُسْنِ‏.‏

التَّقْدِيرُ أَحَدُ الكَاسِبَيْنِ‏.‏

التَّوَاضُعُ شَبَكَةُ الشَّرَفِ‏.‏

التِّينَةُ تَنْظُرُ إلَى التِّينَةِ فَتَيْنَعُ‏.‏

اْتَّقِ مَجَانِيقَ الضُّعَفَاءِ‏.‏

أي دَعَوَاتهم‏.‏

اتْبَعِ النُّبَاحَ وَلاَ تَتْبَعِ الضُّبَاحَ‏.‏

اتَّكَلْنَا مِنْهُ عَلَى خُصٍّ‏.‏

وهو جِدَار من قصب، يضرب في الخيبة‏.‏

التَّدْبِيرُ نِصْفُ المعِيشَةِ‏.‏ ‏[‏ص 152‏]‏

الباب الرابع فيما أوله ثاء‏

  ما جاء على أفعل من هذا الباب‏

الباب الرابع فيما أوله ثاء‏.

771- ثُكْلٌ أَرْأَمَهَا وَلَدًا‏.‏

قاله بَيْهس الملقب بِنَعَامة لأمه حين رجَع إليها بعد إخوته الذين قُتِلوا‏.‏

قال المفضل‏:‏ كان من حديث بَيْهس أنه كان رجُلاً من بني فَزَارة بن ذُبْيَان بن بَغيض، وكان سابعَ إخْوَةٍ ‏.‏ فأغار عليهم ناسٌ من أَشْجَع بينهم وبينهم حرب وهو في إبلهم، فَقتَلوا منهم ستة وبقي بَيْهَسٌ وكان يُحَمَّقُ، وكان أَصْغَرَهم، فأرادوا قتله، ثم قالوا‏:‏ وما تريدون من قتل هذا ‏؟‏ يُحْسَبُ عليكم برجل ولا خير فيه، فتركوه، فقال‏:‏ دعوني أتوصَّلُ معكم إلى الحي، فإنكم إن تركتموني وَحْدِي أكلتني السباع وقَتَلَنِي العطش، ففعلوا، فأقبل معهم فلما كان من الغدِ نزلوا فَنَحَروا جَزُوراً في يومٍ شديدِ الحر، فقالوا‏:‏ ظلِّلُوا لَحْمكم لا يفسد ‏.‏ فقال بيهس‏:‏ لكنَّ بالأثَلاَث لحماً لا يُظَلَّل، فذهبت مثلا، فلما قال ذلك قالوا‏:‏ إنه لمُنْكَر وَهَمُّوا أن يَقْتلوه، ثم تركوه وظلُّوا يَشْوُون من لحم الجزور ويأكلون، فقال أحدهم‏:‏ ما أَطْيَبَ يومَنَا وأَخْصَبَه، فقال بيهس‏:‏ لكنْ على بَلْدَح قومٌ عَجْفَى، فأرسلها مثلا، ثم انْشَعَبَ طريقُهم فأتى أُمَّه فأخبرها الخبر ‏.‏ قالت‏:‏ فما جاءَني بك من بين إخوتك ‏؟‏ فقال بيهس‏:‏ لو خُيِّرْتِ لاخْتَرْتِ فذهبت مثلا، ثم إن أمه عَطَفت عليه ورقَّتْ له فقال الناس‏:‏ لقد أحبَّتْ أم بيهسٍ بيهساً‏.‏ فقال بيهس‏:‏ ثكلٌ أَرْأَمَهَا ولدا، أي عَطَفها على ولد، فأرسلها مثلا، ثم إن أمه جَعَلت تُعطيه بعد ذلك ثيابَ إخوته فَيَلْبَسُها ويقول‏:‏ يا حَبَّذَا التراثُ لولا الذلَّة فأرسلها مثلاً، ثم إنه أتى على ذلك ما شاء الله فمر بنسوة من قومه يُصْلِحْنَ امرأةً منهن يُرِدْنَ أن يُهْدِينَهَا لبعض القوم الذين قَتَلُوا إخوته، فكشَف ثوبه عن اسْتِهِ وغطى به رأسه فقلن له‏:‏ ويحك‏!‏ ما تصنع يا بيهس‏؟‏ فقال‏:‏

ألْبَسْ لكلِّ حَالَةٍ لَبُوسَها * إِمَّا نعيمَهَا وإما بُوسَهَا

فأرسلها مثلا، ثم أمر النساء من كنانة وغيرها فصنَعْنَ له طعاماً، فجعل يأكل ويقول‏:‏ حَبَّذَا كثرةُ الأيْدِي في غير طعام ‏[‏ص 153‏]‏ فأرسلها مثلاً، فقالت أمه‏:‏ لا يطلبُ هذا بثأرٍ أبداً، فقالت الكنانية‏:‏ لا تأْمَنِي الأحْمَقَ وفي يَدِه سكين، فأرسلتها مثلا، ثم إنه أخبر أن ناساً من أَشْجَعَ في غارٍ يشربون فيه، فانطلق بخالٍ له يقال له‏:‏ أبو حَنَش، فقال له‏:‏ هل لك في غارٍ فيه ظِباء لعلنا نصيبُ منها، ويروى‏:‏ هل لك في غَنِيمة باردة، فأرسلها مثلاً، ثم انطلق بَيْهَس بخاله حتى أَقَامَهُ على فَمِ الغار ثم دفع إبا حنَشٍ في الغار فقال‏:‏ ضَرْباً أبا حَنَشٍ، فقال بعضهم‏:‏ إن أبا حَنَشٍ لَبَطَل، فقال‏:‏ أبو حنش‏:‏ مُكْرَهٌ أَخُوكَ لا بَطَل، فأرسلها مثلا، قال المتَلمِّسُ في ذلك‏:‏

وَمِنْ طَلَبِ الأوْتَارِ مَا حَزَّ أَنْفَهُ * قَصِيٌر وَخَاضَ المَوْتَ بالسَّيْفِ بَيْهَسُ

نَعَامةُ لما صَرَّعَ القومُ رَهْطَهُ * تبيَّنَ فِي أَثْوَابِهِ كَيْفَ يَلْبَسُ

773- الثَّيِّبُ عُجَالَةُ الرَّاكِبِ‏.‏

العُجَالة‏:‏ ما تزوَّده الراكب مما لا تَعَبَ فيه كالتمر والسويق‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ يضرب هذا في الحثِّ على الرضا بيَسير الحاجة إذا أعوز جَليلُها‏.‏

773- ثأْطَةٌ مُدَّتْ بِمَاءٍ‏.‏

الثأطة‏:‏ الحَمْأة، وإذا أصابها الماء ازدادت رطوبةً وفساداً‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ يضرب هذا للرجل ‏(‏ويضرب أيضاً للفاسد يقوى بمثله‏)‏ يشتدُّ موقُه وحُمْقه، يريد بقوله ‏"‏يشتدّ‏"‏ يزيد على ما كان من قبل‏.‏

774- ثَارَ حَابِلُهُمْ عَلَى نَابِلِهِمْ‏.‏

الحابل‏:‏ صاحب الْحِبَالة، والنابل‏:‏ صاحب النَّبْل، أي اختلط أمرُهم، ويروى ‏"‏ثاب‏"‏ أي أوقدوا الشر إيقاداً، قاله أبو زيد‏.‏

يضرب في فساد ذَاتِ البَيْنِ وتأريثِ الشر في القوم‏.‏

775- الثَّوْرُ يَحْمِي أَنْفَهُ بِرَوْقِهِ‏.‏

الرَّوْق‏:‏ القَوْن ‏.‏

يضرب في الحثِّ على حِفْظ الحَرِيم‏.‏

776- ثَنَى عَلَى الأَمْرِ رِجْلاً‏.‏

أي قد وَثِقَ بأن ذلك له، وأنه قد أحرزه‏.‏

777- الثَّكْلَى تُحِبُّ الثَّكْلَى‏.‏

لأنها تَأْتَسِي بها في البُكَاء والْجَزَع‏.‏

778- ثُلَّ عَرْشُه‏.‏

أي ذهَب عزُّه وساءت حالُه، يقال‏:‏ ثَلَلْتُ الشيءَ، إذا هدمته وكسرته، قال القتيبي‏:‏ للعرش ههنا معنيان‏:‏ أَحَدُهما السريرُ والأسِرَّةُ للملوك، فإذا ثُلَّ عرشُ الملك فقد ذهب عِزُّهُ، والمعنى الآخر البيتُ ينصب من العِيدَان ويُظَلَّل، وجمعه عُرُوش، فإذا كسِرَ عرشُ الرجل فقد هلك وذلَّ‏.‏ ‏[‏ص 154‏]‏

779- ثَرَا بَنُو جَعْدٍ وَكانُوا أَزْفَلَى‏.‏

يقال‏:‏ ثَرَا القومُ يَثْرُون ثَرْواً وثَرَاء إذا كَثُروا، والأْزَفلة والأزْفَلى‏:‏ الجماعة القليلة‏.‏

يضرب لمن عَزَّ بعد الذلة، وكَثُر بعد القلة‏.‏

780- ثَأْدَاءُ وَجْهٍ شَافَهُ التَّرْغِيسُ‏.‏

الثَّأْدَاء‏:‏ الأمة، والشوف‏:‏ الجِلاء، والتَّرْغِيس‏:‏ تكثير المال، يقال‏:‏ رَغَّسَ اللّه مالَ فلانٍ، إذا بارك له فيه، وأراد ‏"‏وجه ثأداء‏"‏ فقَلَب‏.‏

يضرب لمن حَسَّنَ كثرةُ ماله قبحَ نصابه‏.‏

781- ثَنَيْتَ نَحْوِى بِالْعَرَاءِ الأوَابِدَ ‏.‏

العَرَاء‏:‏ الصحراء، والأوابد‏:‏ الوُحُوش وثَنَيْتَ‏:‏ معناه صَرَفْت‏.‏

يضرب لمن يَعِدُ ما لا يَمْلِكه ولا يقدر عليه‏.‏

782- ثَوْرُ كِلاَبٍ في الرِّهَان أَقْعَدُ‏.‏

هو كلابُ بن رَبيعة بن عامر صَعْصَعة، القَيْسي، كان يُحَمَّقُ، وذلك أنه ارتَبَطَ عجلَ ثورٍ، فزعم أنه يصنعه ليسابق عليه، والأقْعَدُ‏:‏ من القَعيد وهو المتخلِّف المتباطئ‏.‏

يضرب للرجل يَرُومُ ما لا يكاد يكون‏.‏

783- ثَمَرَةُ الصَّبْرِ نجْحُ الظَّفَرِ‏.‏

يضرب في الترغيب في الصبر على ما يكره‏.‏

784- ثُؤْلُولُ جَسَدِهِ لاَ يُنْزَعُ ‏(‏الثؤلول - بزنه عصفور - أصله خراج صلب مستدير يكون بجسد الإنسان، ويجمع على ثآليل‏)‏

يضرب لمن يُعْجَز عن تقويمه وتهذيبه‏.‏

785- ثَارَ ثَائِرُهُ‏.‏

أي هاج ما كان من عادته أن يَهيج منه‏.‏

يضرب لمن يَسْتَطير غَضَباً‏.‏

786- ثَمَرَةُ الْعُجْبِ الْمَقْتُ‏.‏

أي مَنْ أُعْجِبَ بنفسه مَقَته الناسُ‏.‏

787- ثَمَرَةُ الْجُبْنِ لاَ رِبْحٌ وَلاَ خُسْر‏.‏

الْخُسْرُ‏:‏ الخُسْرَانُ، ونظيره الفُرْقُ والفُرْقَان والكُفْر والكُفْرَان، وهذا المثل كما يقول العامة ‏"‏التاجرُ الجَبَانُ لا يَرْبَح‏"‏ ولا يخسر‏.‏

788- ثَبْتُ الغَدَرِ‏.‏

يقال‏:‏ رجل ثَبْتٌ، أي ثابت، والغَدَر‏:‏ اللَّخَاقِيق في الأرض مثل جِحَرَةِ اليَرَابيع وأشباهها، ومعناه ثبت في الغدر، أي ثابت في قتال أو كلام لا يزِلُّ في موضع الزلل‏.‏ ‏[‏ص 155‏]‏

789- ثَاِقُب الزَّنْدِ‏.‏

يعني أنه إذا قَدَح أوْرَى‏.‏

يضرب للمُنْجِح فيما يُبَاشِر من الأمر‏.‏

790- ثَكِلَتْكَ الْجَثْلُ‏.‏

يعنون الأم، قال ابن فارس في كتاب المقاييس‏:‏ هذا مما شذَّ عن التركيب، يعني من الْجَثْل الذي هو الشَّعْرُ الكثير، ومن قولهم اجْثَأَلَّ النبتُ إذا كثر والتف، وقال ثعلب‏:‏ جَثْلَةُ الرجلِ امرأتُه، وقال غيرهما‏:‏ هو الْجَثَل - بفتح الثاء - يريدون قَيِّماتِ البيوتِ‏.‏

قلت‏:‏ يجوز أن يكون المعنى ثَكِلَتْكَ ذاتُ الْجَثْلِ، أي صاحبة الشعر الكثير من الأم أو غيرها من قومه مثل الزوج ومن يقوم الرجل بأمرهم ويهتمُّ لشأنهم ‏.‏

791- ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ أَيَّ جَرْدٍ تَرْقَعُ‏؟‏

الجَرْدُ‏:‏ الثوبُ الخَلَقُ، يقال‏:‏ ثوبٌ سَحْقٌ وجَرْدٌ أي خَلَق، ونصب ‏"‏أي‏"‏ بترقع‏.‏

يضرب لمن يطلب ما لا نفع له فيه‏.‏

792- ثَبَتَ لِبْدُهُ‏.‏

يقال للرجل إذا دُعي عليه‏:‏ ثَبَتَ لِبْدُه، وأثْبَتَ الله لِبْدَه، أي أدام له الشر‏.‏ قلت‏:‏ يمكن أن يراد باللبد ههنا لبد فرسه، فكأنه قال‏:‏ ثبت لبده مكانه من الأرض، أي لا يلبد فرسه، وإذا لم يلبد فرسه لم يَرَ في رَحْله خَيْرا لأنهم يَجْلِبُونَ الخيرَ إلى أنفسهم من الغارة‏.‏

793- ثَوْبَكَ لاَ تَقْعُدْ تَطِيرُ بِهِ الريحُ‏.‏

نصب ‏"‏ثوبك‏"‏ بإضمار فعل، أي احْفَظْ ثوبك، وقعد يقعد معناه ههنا صار يصير، والتقدير‏:‏ صُنْ ثوبَكَ لا تَصِرِ الريحُ طائرة به‏.‏

يضرب في التحذير‏.‏

*3*ما جاء على أفعل من هذا الباب‏.

794- أَثْقَلُ مِنْ ثَهْلاَنَ‏.‏

هو جَبَل بالعالية، واشتقاقه من الثَّهَلِ، وهو الانبساط على وجه الأرض، ويقال أيضاً‏:‏

795- أَثْقَلُ من شَمَامِ‏.‏

وهو مبني على الكسر عند الحجازيين وهو جبل له رأسان يُسَمَّيَان ابْنَيْ شَمَامِ، قال لَبيد‏:‏

فهل نُبِّثْتَ عن أخَوَيْنِ داما * على الأحْدَاثِ إلا ابْنَيْ شَمَامِ

796- أَثْقَلُ مِنْ نَضَادِ‏.‏

هذا أيضاً جبل بالعالية، ويُبْنَى أيضاً ‏[‏ص 156‏]‏ على الكسر عندهم، فأما عند تميم فهو بمنزلة ما لا ينصرف، وكذلك حَذَامِ وقَطَامِ، قال الشاعر على لغة أهل الحجاز‏:‏

إذَا قَالَتْ حَذَامِ فَصَدِّقُوهَا * فإن القَوْلَ ما قَالَتْ حَذَامِ

وقال على لغة تميم‏:‏

وَمَرَّ دَهْرٌ على وَبَارِ * فَهَلَكَتْ جَهْرَةً وَبَارُ

وقال أيضاً‏:‏

لو كان من حَضَنٍ تَضَاءل رُكْنُهُ * أوْ مِنْ نَضَادَ بَكىَ عَلَيْهِ نَضَادُ

797- أَثْقَلُ مِنْ عَمَايَةَ‏.‏

هي جبل بالبحرين من جبال هُذَيل‏.‏

798- أَثْقَلُ مِنْ أُحُدٍ ‏.‏

هو جبل بيَثْرِبَ معروف مشهور‏.‏

799- أثْقَلُ مِنْ دَمْخِ الدِّمَاخِ‏.‏

هو جبل من جبال ضِخَامٍ في حمى ضَرِيَّةَ، والدِّمَاخُ‏:‏ ‏"‏ اسم لتلك الجبال، ودَمْخُ مضاف إليها، قال ابن الأعرابي‏:‏ ثَهْلاَن لبني نمير، ودَمْخ لبني نفيل بن عمرو ابن كلاب، قال‏:‏ ويقال لثهلان ‏"‏ثهلان الجوع‏"‏ ليُبْسِه وقلّةِ خيره‏.‏

800- أَثْقَلُ مِنْ حِمْلِ الدُّهَيْمِ‏.‏

هو اسم ناقة عمرو بن زَبَّان، وقصته مذكورة في حرف الشين عند قولهم ‏"‏أشْأَمُ من خوتعة‏"‏‏.‏

801- أَثْقَلُ مِنَ الزَّوَاقِي‏.‏

قال محمد بن قُدَامة‏:‏ سألت الفراء عنها فلم يعرفها، فقال جليس له‏:‏ إن العرب كانت تَسْمُرُ بالليل، فإذا زَقَت الدِّيَكة استثقلتها لأنها تُؤْذِن بالصبح إذا زَقَتْ، فاستحسن الفراء قوله‏.‏

802- أَثْقَلُ مِنَ الزَّاوُوقِ‏.‏

هذا اسم للزئبق في لغة أهل المدينة، وهو يقع في التزاويق، لأنه يُجْعَل مع الذهب على الحديد ثم يدخل فيالنار فيخرج منه الزئبق ويبقى الذهب، ثم قيل لكل مُنَقّشٍ مُزَوَّق وإن لم يكن فيه الزئبق، وزَوَّقْتُ الكلام‏:‏ زينته، والزئبق فارسي معرب، عُرِّب بالهمز، والصحيح فيه كسر الباء، ودرهم مُزَأْبَق، والعامة تقول‏:‏ مزبق‏.‏

803- أَثْقَلُ مِنَ الْكَانُونِ‏.‏

حكى المفضل عن الفراء أن من كلامهم ‏"‏قد كَنْوَنْتَ علينا‏"‏ أي ثَقُلْتَ علينا، وحكى عن الأصمعي أن الكانون هو الذي إذا دخل على القوم وهو في حديثٍ كَنَوْا عنه، قال‏:‏ ولا أعرف هذه العبارة ما معناها، وحكى عن أني عبيدة أنه فاعول من كَنَنْتُ ‏[‏ص 157‏]‏ الشيء إذا أخفيته وستَرْته، قال‏:‏ ومعناه أن القوم يَكْنُون حديثَهم عنه، وأنشد للحطيئة في هجاء أمه وكان من العَقَقَةِ‏:‏

جَزَاكِ اللّه شَرًّا من عَجُوز * ولَقَّاكِ الْعُقُوقَ من البَنِينَا

تَنَحَّيْ فاقْعُدِي مني بعيدا * أراحَ اللّه منكِ العالَمِينَا

أغرْبَالاً إذَا اسْتُودِعْتِ سِرًّا * وَكانُونَا عَلَى المتحدِّثينا

ألم أظهِرْ لكِ الشَّحْناء مِنِّي * ولكن لا إخَالُكِ تَعْقِلينَا

حَيَاتُكِ ما علمتُ حيَاةُ سُوءٍ * وَمَوْتُكِ قد يَسُرُّ الصالحينا

وقال الطبري‏:‏ قولهم ‏"‏أثقل من كانون‏"‏ فيه وجهان، أحدهما‏:‏ أن الكانون عند الروم الشتاءُ، ويحتاج فيه إلى النفقة ما لا يحتاج إليه في الصيف، فهو ثقيل من هذه الجهة، قال الشاعر‏:‏

لعنة اللّه والرسُولِ وأهل الـ * أرْضِ ‏(‏الأرض‏)‏ طُرًّا على بَنِي مَظْعُونِ

بِعْتُ في الصيف عندهم قُبَّةَ الخَيْـ * شِ ‏(‏الخيش‏)‏ وبِعْتُ الكانون في الكانُونِ

والثاني أن الكانون ثقيل فإذا وضع لم يُحَرك ولم يَرْفَع إلى آخر الشتاء، فقيل لكل ثقيل‏:‏ يا أثْقَلَ من كانون‏.‏

804- أَثْقَلُ مِنْ رَحَى البَزْرِ‏.‏

قال الشاعر‏:‏

وَأطْيَشُ إن جالَسْتَه من فَرَاشةٍ * وأثقَلُ إن عاشَرْتَه من رَحَى البَزْرِ

805- أثْقَلُ مِنَ الرَّصَاصِ‏.‏

806- ومِنَ الْحُمَّى‏.‏

807- ومِنَ المُنْتَظرِ‏.‏

808- ومِنَ النُّضارِ‏.‏

809- ومِنْ طَوْدِ‏.‏

810- أَثْبَتُ مِنْ قُرَادٍ‏.‏

لأنه يُلاَزم جَسَدَ البعير فلا يفارقه‏.‏

811- أَثْبَتُ مِنَ الْوَشْمِ‏.‏

يعنون الدَّارَاتِ في الكف وغيرها يُذَرُّ عليها النُّؤور‏.‏

812- أَثْبَتُ فِي الدَّارِ مِنَ الجِدَارِ‏.‏

أخذ من قول الشاعر‏:‏

كأنَّه في الدار ربُّ الدارِ * أثبتُ في الدار من الجِدَارِ

أطْفَلُ من ليلٍ على نهارِ* لأن الليل يدخل على النهار بلا إذن‏.‏

813- أثْقَفُ مِنْ سِنّوْرٍ‏.‏

الثَّقْفُ‏:‏ الأخذ بسُرْعة، يقال‏:‏ رجل ‏[‏ص 158‏]‏ ثَقْفٌ لَقْفٌ، إذا كان جيدَ الحذَر في القتال، ويقال‏:‏ هو السريع الطعن‏.‏

714- أثْأَرُ مِنْ قَصِيرٍ‏.‏

يَعْنُون قَصير بن سعد اللَّخْمِيَّ صاحب جَذيمة الأبرش، ويقال‏:‏ هو أول من أدرك ثأره وحده‏.‏

815- أثْقَلُ رَأْساً مِنَ الْفَهْدِ‏.‏

كأنهم أرادوا نَوْمه، لأنهم قالوا‏:‏ أنْوَمُ من فَهْد‏.‏

816- أثْبَتُ رَأْساً مِنْ أَصَمَّ‏.‏

يعنون الجبل‏.‏

817- أَثْقَلُ مِنْ رَقِيبٍ بَيْنَ مُحِبَّيْنِ‏.‏

818- أثْقَلُ مِنْ أرْبِعَاءَ لاَ تَدُورُ‏.‏

وذلك إذا كان في آخر الشهر، فهو لا يعود، قال ابن الحجاج‏:‏

يَا أرْبِعَاء لا تَدُورْ * به محاقات الشهور

819- أثْقَلُ مِمَّنْ شَغَلَ مَشْغُولاً‏.‏

820- أثقَلُ مِنْ قَدَحِ اللَّبْلاَبِ عَلَى قَلْبِ المَرِيضِ‏.‏

قال ابن بسام‏:‏

يا بَغِيضًا زاد في البُغُـ * ـض ‏(‏البغض‏)‏ على كُلِّ بَغِيضِ

يا شَبيهاً قدحَ اللَّبْـ * ـلاَبِ ‏(‏اللبلاب‏)‏ في قَلْبِ المرِيضِ

الباب الخامس فيما أوله جيم‏

  ما جاء على أفعل من هذا الباب

  المولــــدون   

الباب الخامس فيما أوله جيم‏.

821- جَرْىُ المُذَكِّيَاتِ غِلاَبٌ‏.‏

المذكية من الخيل‏:‏ التي قد أتى عليها بعد قُرُوحها سنة أو سنتان، والغِلاَبُ‏:‏ المغالبة، أي أن المذكى يغالِبُ مُجَارِيه فيغلبه لقوته، يجوز أن يُرَاد أن ثاني جَرْيه أبدا أكثر من باديه، وثالثه أكثر من ثانيه، فكأنه يغالب بالثاني الأول وبالثالث الثاني، فَجَرْيُه أبدا غِلاب، وهذا معنى قول أبي عبيد حيث قال‏:‏ فهي تحتمل أن تغالب الجري غلابا، ويروى ‏"‏جَرْى المذكيات غِلاء‏"‏ جمع غَلْوَة، يعني أن جَرْيها يكون غَلْوَاتٍ ويكون شأوُها بطينا ‏(‏بطينا‏:‏ أي بعيدا‏)‏ لا كالجَذَع‏.‏

يضرب لمن يُوصَف بالتبريز على أقرانه في حَلْبة الفضل‏.‏ ‏[‏ص 159‏]‏

822- جَرْىَ المُذَكِّى حَسَرَتْ عَنْهُ الحمُرُ‏.‏

يقال‏:‏ حَسَر الدابةُ يَحْسُرُ حُسُورا، أي أعْيا، و‏"‏عَنْ‏"‏ مِنْ صِلَة المعنى، أي عجزت عنه وعن شأوه يعني سَبْقه كما يسبق الفرس القارِحُ الحميرَ، ونصب ‏"‏جَرْىَ‏"‏ على المصدر، كأنه قال‏:‏ يجري فلان يوم الرهان جَرْيَ المذكى‏.‏

يضرب أيضاً للسابق أقرانه‏.‏

823- جَرَى الْوَادِي فَطَمَّ عَلَى القَرِىِّ‏.‏

أي جرى سيلُ الوادي فطَمَّ أي دَفَن يقال‏:‏ طَمَّ السيلُ الركيةَ أي دفنها، والقَرِيُّ‏:‏ مَجْرَى الماء في الروضة، والجمع أقْرِيَة وقِرْيَان، و‏"‏على‏"‏ مِنْ صلة المعنى‏:‏ أي أتى على القَرِيٍّ، يعني أهلكه بأن دفنه‏.‏

يضرب عند تجاوز الشر حده‏.‏

824- جُرُّوا لَه الخَطِيرَ مَا انْجَرَّ لكُمْ‏.‏

الخَطِير‏:‏ الزمامُ، ومعنى المثل اتَّبِعُوه ما كان لكم فيه موضع اتباع‏.‏

يضرب في الحث على طلب السلامة ومداراة الناس‏.‏

وهذا المثل يروى عن عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه، قاله في فلان، كذا أورده أبو عبيد في كتابه‏.‏

825- جَلَّتِ الهَاجِنُ عَنِ الوَلَدِ‏.‏

الهَاجِنُ‏:‏ الصغيرة، يقال منه‏:‏ اهْتُجِنَتِ الجاريةُ، إذا افْتُرِعت قبل الأوان، ومعنى جَلَّت ههنا صغُرت، والجَلَلُ من الأضداد، يقال‏:‏ أمر جَلَل أي عظيم، ويقال للحقير أيضاً جَلَلٌ‏.‏

يضرب في التعرُّض للشيء قبل وقته‏.‏

826- جَدَحَ جُوَيْنٌ مِنْ سَوِيقِ غَيْرِهِ‏.‏

الجَدْحُ‏:‏ الخَلْط والدَّوْف، وجُوَين‏:‏ اسم رجل ‏.‏

يضرب لمن يتوسَّعُ في مال غيره ويجود به‏.‏

827- جَذَّها جَذَّ العَيْرِ الصِّلِّياَنَة‏.‏

الجَذُّ‏:‏ القَطْع والكسر، والصِّلِّيان‏:‏ بَقْل ربما اقتلعه العير من أصله إذا ارْتَعَاه، ووزنه فِعْلِيَان‏.‏

يضرب لمن يُسْرع الحلف من غير تَتَعْتُع وتَمَكُّث‏.‏

والهاء في ‏"‏جذَّها‏"‏ كناية عن اليمين‏.‏

828- جَزَاءَ سِنِمَّارٍ‏.‏

أي جَزَاني جزاءَ سنمار، وهو رجل رومي بَنَى الخوَرْنَقَ الذي بظَهْر الكوفة للنعمان بن امرئ القيس، فلما فرغ منه ألقاه من أعلاه فَخَرَّ ميتاً، وإنما فعل ذلك لئلا يبني مثلَه لغيره، فضربت العرب به المثلَ لمن ‏[‏ص 160‏]‏ يجزي بالإحسان الإساءة، قال الشاعر‏:‏

جَزَتْنَا بنو سَعْد بحُسْن فَعَالِنَا * جَزَاء سِنِمَّارٍ وما كانَ ذَا ذَنْب

ويقال‏:‏ هو الذي بنى أطمَ أحَيْحَةَ ابن الجُلاَح، فلما فرغ منه قال له أُحَيْحَة‏:‏ لقد أحكمتَه، قال‏:‏ إني لأعرفُ فيه حجرا لو نُزع لتقوَّضَ من عند آخره، فسأله عن الحجر، فأراه موضعه‏.‏ فدفعه أحيحة من الأطم فخرّ ميتاً‏.‏

829- جَرَحَهُ حَيْثُ لاَ يَضَعُ الرَّاقِي أنْفَهُ‏.‏

قالته جَنْدَلة بنت الحارث، وكانت تحت حَنْظَلة بن مالك وهي عَذْراء، وكان حنظلة شيخا، فخرجت في ليلة مَطِيرة فبَصُرَ بها رجل فوثَب عليها وافتضَّها، فصاحت، فقال لها رجل‏:‏ مالك ‏؟‏ فقالت‏:‏ لُسِعْتُ، قال‏:‏ أين‏؟‏ قالت‏:‏ حيث لا يضع الراقي أنفه‏.‏

يضرب لمن يقع في أمرٍ لا حيلَةَ له في الخروج منه‏.‏

830- جَلَّى مُحِبُّ نَظَرَهُ‏.‏

يضرب لمن يحسن النظر إلى أحبابه، من ‏"‏جَلَوْتُ العروسَ‏"‏ إذا حسَّنتها، قال أبو عبيد‏:‏ ومنه قول زهير‏:‏

فإن تَكُ في صَدِيق أو عَدُوّ * تُخَبِّرْكَ العيونُ عن القلوب

ويروى ‏"‏جلَّى محبَّاً نظرُهُ‏"‏ أي أوضح محبتَه نظرُه إليك أو نظرك إليه، والمصدر يصلح أن يضاف إلى الفاعل وإلى المفعول أيضاً‏.‏

يضرب في حب القوم وبغضهم‏.‏

831- جَلَبَتْ جَلَبَةً ثُمَّ أقْلَعَتْ‏.‏

أي صاحت صيحة ثم أمسكت، ويروى بالحاء، ويقال‏:‏ يراد بها السحابة تُرْعِد ثم لا تُمْطِر، وهو من الجَلَبة، يقال‏:‏ جَلَب على فرسهِ يجلب جَلَبَةً إذا صاح به‏.‏

يضرب للجبان يتوعد ثم يسكت‏.‏

832- جِذْلُ حُكَاكٍ‏.‏

الجِذْل‏:‏ أصلُ الشجرة، وربما ينصب في مَعَاطِن الإبل فتحتكّ به الجَرْبى‏.‏

يضرب للرجل يُسْتَشْفى برأيه وعقله‏.‏

833- جَعْجَعَةً ولاَ أرَى طِحْناً‏.‏

أي أسمعُ جَعْجَعَةً، والطِّحْنُ‏:‏ الدقيق، فِعْل بمعنى مفعول كالذَّبْح والفِرْق بمعنى المذبوح والمفروق‏.‏

يضرب لمن يَعِدُ ولا يفي‏.‏

834- جَرَى مِنْهُ مَجْرَى اللَّدُودِ‏.‏

وهو ما يُصَبُّ في أحدِ شَقَّي الفم من الدواء ‏.‏

يضرب لمن يبغض ويكره‏.‏ ‏[‏ص 161‏]‏

835- جُمَّارَةٌ تُؤْكَلُ بِالهُلاَسِ‏.‏

الجمارة‏:‏ شَحْمة النخلة، وهي فلبها الذي يؤكل، والهُلاَس‏:‏ ذَهَاب العقل، يقال‏:‏ رجل مَهْلُوس، أي مجنون‏.‏

يضرب في المال يُجْمَع بكدّ ثم يُوَرَّثُ جاهلا‏.‏

836- جَمَاعَةٌ عَلَى أقْذَاءِ‏.‏

معناه اجتماع بالأبدان وافتراق بالقلوب‏.‏ والأقذاء‏:‏ جمع قَذًى، وقَذًى‏:‏ جمع قَذاة، وهذا معنى قوله صلى اللّه عليه وسلم ‏"‏هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ‏"‏ يضرب لمن يضمر أذى ويظهر صفاء‏.‏

837- جاءَ بِالضِّحِّ والرِّيح‏.‏

قال ابن الأعرابي‏:‏ الضِّحُّ‏:‏ ما بَرَزَ للشمس، والريح‏:‏ ما أصابته الريح، قال الأزهري‏:‏ الضح في الأصل ضُحًى فحذفت الياء وجعل مكانها حرف من جنس ما في الكلمة وهو الحاء، كما فعلوا بعبدقِنٍّ والأصل قِنْىٌ لأنه يُقْنَى أي يُدَّخر ويؤخذ أصلا كقولهم ‏"‏قَنَوْتُ الغنم‏"‏ أي اتخذتها قِنْيَة، وقال أبو الهيثم‏:‏ أصله وضح من وَضَحَ يَضِحُ وُضُوحا، فحذف الواو وشدد الحاء عوضا منها، والمعنى جاء بما ظهر وما خفى‏.‏

يضرب مثلا للذي جاء بالمال الكثير أو العدد الكثير، ومثله‏:‏

838- جاءَ بِالطِّمِّ والرِّمِّ‏.‏

فالطم‏:‏ البحرُ، وقال ابن الأنباري‏:‏ الطم الماء الكثير، والرِّم‏:‏ الثرى، قال الأزهري‏:‏ الطَّمُّ بالفتح البحر، وإنما كُسِرَتِ الطاء في هذا المثل لمجاورة الرِّمِّ‏.‏

839- جاءَ بِالقَضِّ والقَضِيضِ‏.‏

يقال لما تكسَّر من الحجارة وصغر‏:‏

قضيض، ولما كبر قَضّ، والمعنى بالكبير والصغير، ويقال أيضاً‏:‏

840- جاءَ القَوْمُ قَضُّهُمْ بِقَضِيضِهِمْ ‏.‏

أي كلهم، وقال سيبويه‏:‏ ويجوز قَضَّهُمْ بالنصب على المصدر، قال الشاعر‏:‏

وجاءت سُلَيْمٌ قَضَّهَا بقَضِيِضها * وجَمع عوال ما أدَقَّ وَأَلأَمَا ‏(‏المحفوظ في عجز هذا البيت *تمسح حولي بالبقيع سبالها* وهو للشماخ بن ضرار الغطفاني‏)‏

قال الأصمعي‏:‏ لم أسمعهم يُنْشدون قضها إلا رفعا، ويقال‏:‏

841- جَاؤُا قَضّاً وَقَضِيضاً‏.‏

أي وُحْدَانا وزَرَافاتٍ، فالقَضُّ عبارة عن الواحد، والقضيض عبارة عن الجمع‏.‏ ‏[‏ص 162‏]‏

842- جاءَ وَقَدْ لَفَظَ لِجامَهُ‏.‏

إذا انصرف عن حاجته مجهوداً من الإعياء والعَطَش‏

843 جاءَ وَقَدْ قَرَضَ رِبَاطَهُ‏.‏

الرِّباط‏:‏ ما يُرْبَط أي يشدُّ به الدابة وغيرها، والجمع رُبُط، وقَرَض‏:‏ أي قطع، وأصله في الظبي يقطع حِبالته فيفلت فيجيء مجهوداً‏.‏

يضرب لمن هو في مثل حاله‏.‏

844- جاءَ عَلَى غُبَيْرَاءِ الظَّهْرِ‏.‏

الغُبَيْراء‏:‏ تصغير الغَبْراء وهي الأرض، أي جاء ولا يصاحبه غير أرضه التي يجيء ويذهب يها، يكنى بها عن الخيبة، قال الأزهري‏:‏ هذا كقولهم ‏"‏رجع دَرْجَه الأول، ورجع عَوْدَهُ على بدئه، ورجع على أدْرَاجه‏"‏ كل هذا إذا رجع ولم يصب شيئاً‏.‏

845- جاوِرِينَا وَاخْبُرِينَا‏.‏

قال يونس‏:‏ كان رجلان يتعشَّقان امرأةً، وكان أحدُهما جميلا وَسيما، وكان الآخر دَميما تقتحمه العين، فكان الجميلُ منهما يقول‏:‏ عاشرينا وانظري إلينا، وكان الدميم يقول‏:‏ جاوِرِينا واخْبُرِينا، فكانت تُدْنِي الجميلَ، فقالت‏:‏ لأختبرنَّهما، فقالت لكل واحد منهما أن يَنْحَر جَزُورا، فأتتهما متنكرة، فبدأت بالجميل فوجَدَتْه عند القِدْرِ يَلْحَس الدسَم ويأكل الشحم، ويقول‏:‏ احتفظوا كلَّ بيضاء لِيَهْ، يعني الشحم، فاستطعمته فأمر لها بِثَيْلِ الجَزور، فوضع في قصعتها، ثم أتت الدَّمِيم فإذا هو يَقْسِم لحم الجزور ويُعْطي كل مَنْ سأله، فسألته فأمر لها بأطايِبِ الجزور، فوضع في قصعتها، فرفعت الذي أعطاها كلُّ واحدٍ منهما على حِدَة، فلما أصبحا غَدَوَا إليها فوضَعَت بين يدي كل واحد منهما ما أعطاها، وأقصت الجميل، وقربت الدميم، ويقال‏:‏ إنها تزوجته‏.‏

يضرب في القبيح المنظر الجميل المَخْبَر‏.‏

846- جَرِّبِي تَقْلِيِه‏.‏

هذا كقولهم ‏"‏أخْبُرْ تَقْلُه‏"‏ أي إن جَرَّبته قليته لما يظهر لك من مَسَاويه‏.‏

847- جَلَدَهَا بِأَيْرِ ابْنِ ألْغَزَ‏.‏

قال أبو اليقظان‏:‏ هو سعد بن ألغز الإيادي، وقال ابن الكلبي‏:‏ اسمُ ابِن ألْغَزَ الحارث، وكان جاهلياً وافر المتاع، يضرب به المثل، قال الشاعر‏:‏

أُولاَكَ الأولى كان ابْنُ ألغَزَ مِنْهُمُ * ولا مثل ما كان ابْنُ ألْغَزَ يَصْنَعُ

يمسِّحُ صَلْعَاء الْجبِينِ تَرَى له * قُمُدّاً يَشُقُّ الفَرْجَ ما لم يُوَسَّع ‏[‏ص 163‏]‏

والهاء في ‏"‏جلدها‏"‏ كناية عن المرأة وهي إذا جلدت بمثل ذلك لا تألم‏.‏

يضرب لمن يُعَاقَب بما فيه حصولُ مراده‏.‏

848- جارٌ كَجَارِ أَبِي دُاوَدٍ‏.‏

يَعْنُون كَعْبَ بن مَامَةَ، فإن كعبا كان إذا جاوره رجُل فمات وَدَاه، وإن هلك له بعيرُ أو شاة أخْلَفَ عليه، فجاءه أبو دُوَاد الشاعر مجاوراً له، فكان كعبٌ يفعل به ذلك، فضربت العرب به المثلَ في حسن الجِوار، فقالوا‏:‏ كجار أبي دُوَاد، قال قيس ابن زهير‏:‏

أطَوِّفُ ما أطَوِّفُ ثم آوِى * إلى جَارٍ كجَارِ أبي دُوَاد

وقال طَرَفَة بن العبد‏:‏

إنِّي كَفَانِيَ مِنْ أمْرٍ هَمَمْت بِه * جار كَجَارِ الْحُذَاقِيِّ الَّذِي اتَّصَفَا

الحذاقي‏:‏ هو أبو دُوَاد، وحُذَاق‏:‏ بطن من إياد، و‏"‏اتصف‏"‏ يقال‏:‏ معناه صار وَصْفا في الجود، يعني كعبا‏.‏

849- جَعَلْتُهُ نُصْبَ عَيْنِي‏.‏

النُّصْبُ‏:‏ بمعنى المنصوب، أي جعلته منصوبا لعيني، ولم أجعله بظهر، يعني لم أغفل عنه ‏.‏

يضرب في الحاجة يتحملها الْمَعْنِيُّ بها‏.‏

850- جاءَ تَضِبُّ لِثَتُهُ عَلَى كَذَا ‏.‏

الضَّبُّ والضَّبِيبُ‏:‏ السيلان‏.‏

يضرب في شدة الحرص، قال بشر‏:‏

وبَنُو نُمَيْر قد لَقينَا منهمُ * خَيْلاَ تَضِبُّ لِثاتُهَا للمغنم

851- جاءَ بأُذُنَيْ عَنَاقٍ‏.‏

العَنَاق‏:‏ الداهية، وهو ههنا الكذب والباطل، قال ابن الأعرابي‏:‏ يقال جاء بأذنَيْ عَنَاق الأرض، إذا جاء بالكذب الفاحش، وكذلك إذا جاء بالخيبة‏.‏

852- جاءَ نَاشِراً أُذُنَيْهِ‏.‏

إذا جاء طامعا‏.‏

853- جَعَلَ كلاَمِي دَبْرَ أُذُنَيْهِ‏.‏

إذا لم يلتفت إليه وتَغَافل عنه‏.‏

854- جَدَعَ الْحَلاَلُ أَنْفَ الغَيْرَةِ‏.‏

قاله صلى اللّه عليه وسلم لَيلَة زُفَّتْ فاطمةُ إلى علي رضي اللّه تعالى عنهما، وهذا حديث يُرْوَى عن الحجاج بن منهال يرفعه‏.‏

855- جاءَ يَضْرِبُ أَصْدَرَيْهِ‏.‏

أي مَنْكِبَيْه، ويروى بالسين والزاي أيضاً، إذا جاء فارغاً لم يقض طَلِبَتَه، والأصلُ في الكلمة السين، ولا تفرد، وفي ‏[‏ص 164‏]‏ كلام الحسن في الأشر‏:‏ يضرب أسْدَرَيه ويَخْطِر في مِذْرَوَيْه‏.‏

856- جاءَ بَعْدَ الَلتيَّا وَالَّتِي‏.‏

يكنى بهما عن الشدة، واللَّتَيَّا‏:‏ تصغير التي، وهي عبارة عن الداهية المتناهية، كما قالوا الدُّهَيْم واللُّهَيْم والْخُوَيْخية والفُوَيْمية، وكل هذا تصغير يراد به التكبير، والتي‏:‏ عبارةٌ عن الداهية التي لم تبلغ تلك النهاية، وهما عَلَمان للداهية، ولهاذ استغنَيَا عن الصلة قال الشاعر‏:‏

ولقد رَأبْتُ ثَأَى العَشِيرَةِ كُلِّهَا * وكَفَيْتُ حاينها اللَّتَيَّا وَالَّتِي ‏(‏الحائن‏:‏ الهالك، وحفظى ‏"‏جانيها‏"‏‏)‏

857- جاءَ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ‏.‏

يضرب لمن يجيء مُثْقَلاً لا يقدر أن يحمل ما حُمِّلَ‏.‏

858- جاءَ بِوَرِكَيْ خَبَرٍ‏.‏

يعني جاء بالخبر بعد أن اسْتَثْبت فيه، كأنه جاء فيه أخيراً، لأن الوَرِك متأخرة عن الأعضاء التي فوقها، والمعنى أتى بخبر حق‏.‏

859- جَعَلَتْ مَا بِهَا بِيَ وَانْطَلَقَتْ تَلْمِزُ‏.‏

أصله أن رجلا أشْرَفَ على سَوْأة من امرأة، فوقع بها وعابها، فقالت‏:‏ إنما عِبْتَني بما صنعت وأنت أولى به مني، ثم انصرفَتْ عنه، فقال الرجل‏:‏ جعلت ما بها بي وانطلقت تلمز، فأرسلها مثلا‏.‏

يضرب للواقع فيما عَيَّرَ به غيره‏.‏

860- جاءَ ثَانِيَا مِنْ عِنَانِهِ‏.‏

إذا جاء ولم يقدر على حاجتة، قاله ابن رفاعة، وقال غيره‏:‏ إذا جاء وقد قضى حاجته‏.‏

861- جَلَّ الرَّفْدُ عَنِ الْهَاجِنِ‏.‏

الرَّفْدُ‏:‏ القَدَح، والهاجن‏:‏ البَكْرَة تنتج قبل أن يطلع لها سن، ويراد جَلَّت الهاجن عن الرفد‏.‏

يضرب لمن يصغر عن الأمر ولا يَقْوَى عليه‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ أصل ذلك أن ناقة هاجِناً لقوم نتجت وكانت غَزِيرة تملأ الرفد فلما أسَنَّتْ ونَيَّبَتْ قلَّ لبنُها، فقال أهلها للراعي‏:‏ ما لها لا تملأ الرفَد كما كانت تفعل‏؟‏ فقال‏:‏ جلت الهاجِنُ عن الرفد، قال أبو عمرو‏:‏ جل الرفد عن الهاجن‏.‏ يضرب للرجل القليل الخير‏.‏

862- جاءَ يَجُرُّ بَقَرَهُ‏.‏

أي عِيالَه، كنى عن العيال بالبقر لأن النساء محلُّ الْحَرْث والزرع، كما أن البقر آلة لهما‏.‏ ‏[‏ص 165‏]‏

863- أَلْجَحْشَ لَمَّا فَاتَكَ الأَعْيَاُر‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ يقال ‏"‏الجحش لما بَذَّكَ الأعيار‏"‏ أي سَبَقَكَ وفاتك‏.‏

يضرب في قناعة الرجل ببعض حاجته دون بعض‏.‏

ونصب الجحش بفعل مضمر، أي اطْلُبِ الجحش‏.‏

864- جاءَ كَخَاصِي الْعَيْرِ‏.‏

يضرب لمن جاء مُسْتَحييا، ويقال‏:‏ يضرب لمن جاء عُرْيَانا ما معه شيء، ووجه الاستحياء أن خاصِيَ العَيْر يُطْرِق رأسه عند الخصاء يتأمل في كيفية ما يصنع، وكذلك المستحي يكون مُطْرِقا، ووجه آخر، وهو أن علية الناس يترفَّعُ عن ذلك ويستحي منه، قال أبو خِرَاش‏:‏

فَجَاءَتْ كَخَاصِي العَيْر لم تحل حاجة * ولا عاجة منها تَلُوحُ على وَشْمِ

865- جَاء بِإِحْدَى بَنَاتِ طَبَقٍ‏.‏

بنتُ طَبَق‏:‏ سُلَحْفاة تزعُم العرب أنها تبيض تسعا وتسعين بيضة كلها سَلاَحف وتبيض بيضة تنقف عن أسْوَد‏.‏

يضرب للرجل يأتي بالأمر العظيم‏.‏

866- جَاءَ الْقَوْمُ كَالْجَرَادِ المُشْعِلِ‏.‏

بكسر العين‏:‏ أي متفرقين من كل ناحية، قال الشاعر‏:‏

والخيل مُشْعِلَة في ساطع ضَرِمٍ* كأَنَّهن جَرَادٌ أو يَعَاسِيبُ

867- جَاءَ فُلاَنٌ كَالْحَرِيقِ المُشْعَلِ‏.‏

هذا بفتح العين، إذا جاء مُسْرعا غَضْبان‏.‏

868- جَوِّعْ كَلْبَكَ يَتْبَعْك‏.‏

ويروى ‏"‏أجِعْ كلبك‏"‏ وكلاهما يضرب في معاشرة اللئام وما ينبغي أن يعاملوا به‏.‏

قال المفضل‏:‏ أول من قال ذلك مَلِك من ملوك حِمْيَر كان عنيفا على أهل مملكته‏:‏ يَغْصِبُهم أموالهم، ويَسْلُبهم ما في أيديهم، وكانت الكَهَنة تخبره أنهم سيقتلونه، فلا يَحْفِل بذلك، وإن امرأته سمعت أصوات السؤال فقالت‏:‏ إني لأرْحَم هؤلاء لما يَلْقَوْن من الجَهْد، ونحن في العيش الرَّغد، وإني لأخاف عليك أن يصيروا سِبَاعا، وقد كانوا لنا أتباعا، فرد عليها ‏"‏جَوِّعْ كلبك يتبعك‏"‏ وأرسلها مثلا، فلبث بذلك زمانا، ثم أغزاهم فغنموا ولم يَقْسِمْ فيهم شيئا، فلما خرجوا من عنده قالوا لأخيه وهو أميرهم‏:‏ قد ترى ما نحن فيه من الجَهْد، ونحن نكره خروجَ المُلْكِ منكم أهلَ البيت إلى غيركم فساعِدْنا على قتل أخيك، واجلس مكانه، وكان قد عَرَف ‏[‏ص 166‏]‏ بَغْيه واعتداءه عليهم، فأجابهم إلى ذلك، فوثَبوا عليه فقتلوه، فمر به عامر بن جذيمة وهو مقتول وقد سمع بقوله ‏"‏جوع كلبك يتبعك‏"‏ فقال‏:‏ ربما أكل الكلب مؤدِّبه إذا لم ينل شبعه، فأرسلها مثلا‏.‏

869- اجْعَلْ ذلِكَ فِي سِرِّ خَمِيرَةٍ‏.‏

أي اكْتُمْ ما فعلت ولا تعلمه أحدا‏.‏

870- جَاءَ بِالْشَّوْكِ وَالشَّجَرِ‏.‏

يضرب لمن جاء بالشيء الكثير من كل ما كان من جيش عظيم وغيره‏.‏

871- جَاوَزَ الحِزَامُ الطُّبْيَيْنِ‏.‏

الطُّبْي للحافر والسباع‏:‏ كالضَّرْع لغيرها ‏.‏

يضرب هذا عند بلوغ الشدة مُنْتَهاها‏.‏

وكتب عثمان إلى علي رضي الله عنهما لما حُوصِر ‏"‏أما بعد فإن السَّيْلَ قد بلغ الزُّبى، وجاوز الحِزَامُ الطُّبْيَيْنِ، وتجاوز الأمر بي قَدْرَه، وطَمِعَ فيَّ مَنْ لا يدفع عن نفسه

وإنَّكَ لم يَفْخَرْ عَلَيْكَ كَفَاخِرٍ * ضَعِيفٍ، ولم يَغْلِبْكَ مثلُ مُغَلَّبِ

ورأيت القوم لا يقصرون دون دمي

فإن كُنْتُ مأكُولاً فكُنْ أنت آكِلِي * وإلاَّ فأدْرِكْنِي وَلَمَّا أُمَزَّقِ‏"‏

872- جَاحَشَ عَنْ خَيْطِ رَقَبَتِهِ‏.‏

خيط الرقبة‏:‏ نُخَاعها، وجاحَشَ‏:‏ دافَعَ يضرب لمن دافع عن نفسه‏.‏

قلت‏:‏ أصله من الْجَحْش الذي هو سَحْج الْجَلْد، يقال‏:‏ أصابه شيء فجَحَش وجهه، أي قَشَرَه، ومنه الحديث ‏"‏فجُحِشَ شِقُّه الأيمن‏"‏ والدافع عن نفسه يَجْحَش ويُجْحَش‏.‏

873- جَاءَ بِقَرْنَيْ حِمَارٍ‏.‏

إذا جاء بالكذب والباطل، وذلك أن الحمار لا قَرْنَ له، فكأنه جاء بما لا يمكنْ أن يكون‏.‏

874- اجْرِ ما اسْتَمْسَكْتَ‏.‏

يضرب للذي يفر من الشر‏:‏ أي لا تَفْتُر من الهرب وباَلِغْ فيه‏.‏

875- جَمِّعْ لَهُ جَرَامِيزَكَ‏.‏

جَرَامِيز الرجل‏:‏ جَسَده وأعضاؤه‏.‏

يضرب لمن يؤمر بالْجَلَد على العمل‏.‏

وجراميز الثور وغيرِه‏:‏ قوائمهُ، يقال‏:‏ ضَمَّ الثور جراميزه ليثب، قال الهُذَلي يصف حمار وَحْش‏:‏

وَأَصْحَمَ حَامٍ جَرَامِيزَهُ * حَزَابيةَ حَيَدَى بالدِّحَالْ ‏[‏ص 167‏]‏

876- اجْعَلُه فِي وِعَاءِ غَيْرِ سَرِبٍ‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ يضرب في كتمان السر وأصله في السِّقَاء السائل، وهو السَّرِبُ يقول‏:‏ لا تُبْدِ سرَّك إبداء السقاءِ ماءه، وتقديره‏:‏ اجعله في وِعاء غيرِ سَرِبٍ ماؤه‏.‏ لأن السَّيَلان يكون للماء‏.‏

877- جَشِمْتُ إِلَيْكَ عَرَقَ القِرْبَةِ‏.‏

أي تكلفت لك ولأجلك أمراً صعباً شديداً، وسيأتي شرحه في باب الكاف إن شاء اللّه تعالى‏.‏

878- أَجْنَاؤُهَا أَبْنَاؤُهَا‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ الأجناء‏:‏ هم الْجُنَاة، والأبناء‏:‏ البُنَاة، والواحد جَانٍ وبَانٍ، وهذا جميع عزيز في الكلام، أن يجمع فاعل على أفعال، قال‏:‏ وأصل المثل أن ملكا من ملوك اليمن غزا وخَلَّف بنتاً، وأن ابنته أَحْدَثَتْ بعده بنياناً قد كان أبوها يكرهه، وإنما فعلت ذلك برأي قوم من أهل مملكته أشاروا عليها وزَيَّنوه عندها، فلما قدم الملك وأخبر بمَشُورَة أولئك ورأيهم أمرهم بأعيانهم أن يَهْدِموه، وقال عند ذلك‏:‏ أَجْنَاؤُهَا أبناؤها، فذهبت مثلا‏.‏

يضرب في سُوءِ المَشُورَةِ والرأي، وللرجل يعمل الشيء بغير روِيَّة ثم يحتاج إلى نقض ما عمل وإفساده‏.‏

ومعنى المثل‏:‏ إن الذين جَنَوْا على هذه الدار بالهَدْم هم الذين عَمَروها بالبناء‏.‏

879- الْجَرْعُ أَرْوَى وَالرَّشِيفُ أَنْقَعُ‏.‏

الرَّشْفُ والرَّشِيف‏:‏ المصُّ للماء، والْجَرْع‏:‏ بَلْعه، والنَّقْعُ‏:‏ تسكين الماء للعطش، أي أن الشراب الذي يُتَرَشَّفُ قليلا قليلا أَقْطَعُ للعطش وأنجع وإن كان فيه بطء، وقوله ‏"‏أورى‏"‏ أي أَسْرَعُ رِيًّا، وقوله ‏"‏أنقع‏"‏ أي أَثْبَتُ وأدوم ريا، من قولهم ‏"‏سُمٌّ ناقع‏"‏ أي ثابت‏.‏

يضرب لمن يقع في غنيمة فيؤمر بالمبادرة والاقتطاع لما قدر عليه قبل أن يأتيه مَنْ ينازعه ‏.‏

وقيل‏:‏ معناه أن الاقتصاد في المعيشة أبلغ وأَدْوَمُ من الإسراف فيها‏.‏

880- جَمِّلْ وَاجْتَمِلْ‏.‏

يقال‏:‏ جَمَلْتُ الشحمَ واجْتَمَلْتُه أي أذبْتُه، وجَمَّلَ بالتشديد للكثرة والمبالغة‏.‏

يضرب لمن وقع في خِصْبٍ وسَعَة‏.‏

881- جَلْبَ الكَتِّ إِلَى وَئِيَّةٍ‏.‏

الكتّ‏:‏ الرجلُ الكَسُوب الجْمَوُع، والوَثِيَّة‏:‏ المرأة الحفوظ‏.‏

يضرب للمتوافِقَيْنَ في أمر‏.‏ ‏[‏ص 168‏]‏

ونصب ‏"‏جَلْبَ‏"‏ على المصدر‏:‏ أي اجلب الشيء جَلْبَ الكت‏.‏

882- جَزَيْتُهُ كَيْلَ الصَّاعِ بِالصّاعِ‏.‏

إذا كافأتَ الإحسانَ بمثله والإساءةَ بمثلها، قال‏:‏

لاَ نأْلَمُ الْجَرْحَ ونجزي به الْـ * أعداء ‏(‏الأعداء‏)‏ كَيْلَ الصَّاعِ بالصَّاِع

883- جَاءَ بالْهَيْلِ وَالْهَيْلَمَانِ‏.‏

إذا جاء بالمال الكثير، وقال أبو عبيد‏:‏ أي بالرمل والريح، ويروى الهَيْلُمان بضم اللام على وزن الْحَيْقُطَانِ، وقال بعضهم‏:‏ هو فَعْلُمان من الهَيْل‏.‏

884- جَاءَ بِالتُّرَّهِ‏.‏

هو واحد التُّرَّهَات، وكذلك ‏"‏جاء بالتَّهَاتِهِ‏"‏ وهي جمع التَّهْتَهْة، وهي اللُّكْنة، قال القُطَامي‏:‏

ولم يكن ما اجْتَدَيْنَا من مَوَاعدها * إلا التَّهَاتِهَ والأمنية السَّقَمَا

قال الأصمعي‏:‏ التُّرَّهات‏:‏ الطرقُ الصغار غير الجادة التي تتشعب عنها، والواحدة تُرَّهة فارسي معرب، ثم استعير في الباطل فقيل‏:‏ التُّرَّهَاتُ البَسَابِسُ، والترهَاتُ الصَّحَاصِحُ، وهي من أسماء الباطل، وربما جاء مُضَافاً يقولون‏:‏ تُرَّهَاتُ الْبَسَابِسِ، وهي قلب السباسب، يعنون المَفَاوز، قال الليث‏:‏ معناه جئْتَ بالكذب والتخليط، قال‏:‏ والبسابس التي فيها شيء من الزخرفة، وقال الأخفش‏:‏ هي التي لا نظام لها، وناس يقولون‏:‏ تره، والجمع تراريه، وأنشدوا‏:‏

رُدُّوا بني الأعْرَجِ إبْلِي مِنْ كَثَبْ * قبل التَّرَارِيِة وبُعْدِ المُطَّلَبْ

885- جَرَى فُلاَنٌ السُّمَّةَ‏.‏

أي جَرَى جَرْىَ السُّمَّةِ، فحذف المضاف يقال‏:‏ سَمَهَ الفرسُ يَسْمَهُ سُمُوهاً، إذا جرى جرياً لا يعرف اإعياء، فهو سَامِه، والجمع‏:‏ سُمَّه، قال رؤبة‏:‏

يا لَيْتَنَا والدَّهْرَ جَرْىَ السُّمَّهِ*

أي يجري جرى السمه التي لا تعرف الإعياء، ويروى‏:‏

لَيْتَ المَنَا وَالدَّهْرَ جَرْىَ السُّمَّةِ* أراد المَنَايا، فحذف كما قال الآخر‏:‏

ولبس العَجَاجَة والْخَافِقَات * تُرِيكَ الْمَنَا بِرُؤُوسِ الأسَلْ

والمعنى ليت المنايا لم يخلقها اللّه ولم يخلق الدهر - أي صروفه - حتى تمتعتُ بعشيقتي، ومثلُه‏:‏

886- جَرَى فُلاَنٌ السُّمَّهَي‏.‏

إذا جرى إلى غير أمرٍ يعرفه، والمعنى جَرَى في الباطل‏.‏ ‏[‏ص 169‏]‏

887- جَدَعَ اللّهُ مَسَامِعَهُ‏.‏

هذا من الدعاء على الإنسان، والمسامع‏:‏ جمع المِسْمَع وهو الأذن، وجَمَعها بما حولها، كما يقال‏:‏ غليظ المَشَافر، وعظيم المَنَاكب، ويقال أيضاً ‏"‏جَدْعاً له‏"‏ كما يقولون ‏"‏عَقْراً حَلْقاً‏"‏‏.‏

888- جَاءَ بأُمَّ الرُّبَيْقِ عَلَى أُرَيْقٍ‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ أم الرُّبَيْقِ الداهية، وأصله من الحيات‏.‏

قلت‏:‏ هذا التركيب يدل على شيء يحيط بالشيء ويَدُور به كالرِّبقْةَ، ورَبَقْتُ فلاناً في هذا الأمر، أي أوقعته فيه حتى ارْتَبَقَ وارْتَبَكَ، فكأن أم الربيق داهية تحيط وتدور بالناس حتى يرتبقوا ويرتبكوا فيها، وأما أُرَيْق فأصله وُرَيْق تصغير أَوْرَق مُرَخَّما، وهو الجمل الذي لونُه لونُ الرمادِ، وقال أبو زيد‏:‏ هو الذي يَضْرِب لونُه إلى الخضرة، فأبدل من الواو المضمومة همزة، كما قالوا‏:‏ وُجُوه وأُجُوه ووُقِّتَتْ وأُقِّتَتْ، قال الأصمعي‏:‏ تزعم العرب أنه من قول رجل رأى الغُولَ على جمل أورق‏.‏

ويقال أيضا في مثله‏:‏

889- جَاءَ بِالرَّقِمِ الرَّقْمَاءِ‏.‏

إنما أنث وصفه لأنه أراد بالرِّقِمِ الداهية، والرقماء تأكيد له، كما يقال‏:‏ جاء بالداهية الدهياء، ويقال‏:‏ وقع فلان في الرَّقِم الرَّقماء، إذا وقع فيما لا يقوم منه، والرَّقِم بكسر القاف لا غير‏.‏

890- جَانِيكَ مَنْ يَجْنِي عَلَيْكَ‏.‏

يقال‏:‏ جَنَى عليه جِناية، وأراد صاحب جنايتك من يجني عليك، فلا تأخذ بالعقوبة غيره‏.‏

وأَجْوَدُ من هذا ما قاله أبو عمرو، قال‏:‏ يعني الذي تلحقك منفعتُه هو الذي يلحقك عَارُه وتُعير بقبيحه، قلت‏:‏ يريد الذي يجني لك الخير هو الذي يجني عليك الشر، فقولهم‏:‏ جانيك معناه الجاني لك‏.‏ يقال‏:‏ جَنَيْتُ له، ثم تحذف اللام فيقال جنيته، كما يقال‏:‏ كِلْتُ له ووَزَنْتُ له، ثم تحذف اللام فيقال‏:‏ كِلْتُه ووَزَنْته‏.‏ قال تعالى ‏{‏وإذا كَالُوهم أو وَزَنوهم يخسرون‏}‏ أي كالوا لهم أو وزنوا لهم، قال الشاعر‏:‏

ولقد جَنَيْتُكَ أَكْمُؤاً وعَسَاقِلاً * ولقد نَهَيْتُكَ عن بَنَاتِ الأْوَبِر

أي جنيت لك‏.‏

891- أَجَنَّ اللّهُ جِبَالَهُ‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ المعنى أجن اللّه جِبِلَّتَه، أي خلقته‏.‏

قلت‏:‏ لعله أراد أماته الله فيجَنْ، أي يُسْتَر بأن يدفن‏.‏ ‏[‏ص 170‏]‏ وقال غير الأصمعي‏:‏ ‏"‏أجن اللّه جباله‏"‏ أي الجبال التي يسكنها، أي أكثر الله فيها الجنَّ، أي أَوْحَشَها‏.‏

892- جَاءَ بِرَأْسِ خَاقَانَ‏.‏

قد مضى هذا المثلُ على الوجه في باب الباء فيما جاء على أفعل منه عند قوله ‏"‏أبْأَى ممن جاء برأس خاقان‏"‏‏.‏

893- جَاءَ السَّيْلُ بِعُودٍ سَبِيٍّ‏.‏

أي غريبٍ جَلَبه من مكان بعيد‏.‏ يضرب للنائي النازح‏.‏

894- جَاِوْرمَلِكاً أَو بَحْراً‏.‏

يعني أن الغِنَى يُوجَدُ عندهما‏.‏

يضرب في التماس الْخِصْب والسَّعَة من عند أهلهما‏.‏

895- جُدَيْدَةٌ فِي لُعَيْبَةٍ‏.‏

هذا تصغير يراد بن التكبير، أي جدّ سُتِر في لَعِب، كما قيل‏:‏ ‏"‏رب جِدٍّ جَرَّهُ اللعب‏"‏‏.‏

896- جِلاَءُ الْجَوْزَاءُ‏.‏

يقال للذي يبرق ويرعد‏:‏ جِلاَءُ الْجَوْزَاء، وهو بوارحها، وذلك أنها تطلع غُدْوة فتأتي بريح شديدة ثم تسكن‏.‏

يضرب للذي يتوعَّد ثم لا يَصْنع شيئاً وتقديره توعُّدُه جِلاَءُ الجوزاء، فحذف للعلم به‏.‏

897- جَاءَ بِمُطْفِئَةِ الرَّضْفِ‏.‏

أي جاءَ بأمر أشدَّ مما مضى، وأصل الرَّضْفِ الحجارةُ المُحْمَاة، أي جاء بداهية أنْسَتْنا التي قبلها فأطفأت حرارتها‏.‏

يضرب في الأمور العظام‏.‏

وفي حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه حين ذكر الفِتَنَ فقال‏:‏ ‏"‏أتتكم الدُّهَيْم‏"‏ ويروى‏:‏ ‏"‏الدُّهَيماء‏"‏ ويروى ‏"‏الرقيطاء ترمي بالنَّشْف، والتي تليها ترمي بالرَّضْفِ‏"‏‏.‏

898- جَاءَ أَبُوهَا بِرُطَبٍ‏.‏

قالوا‏:‏ إن أول من قال ذلك شيهم بن ذي النابين العبدي، وكان فيه فَشَل وضَعْفُ رأيٍ، فأتى أرض النَّبيطِ في نَفَر من قومه فهوِىَ جارية نَبَطية حسناء فتزوجها فنهاه قومه وقال في ذلك أخوه محارب‏:‏

لم يَعْدُ شيهم أن تزوج مثله * فهما كشَيْهَمة عَلاَها شَيْهَم

ورَسُولُه الساعِي إليها تارةً * جُعَلٌ وطَوْرا عَضْرَ فُوطٌ ملجم

في أبيات بعدهما لا فائدة في ذكرها، ثم إن شيهما صار وحمل معه امرأته حتى أتى قومه وما فيهم إلا ساخر منه، لائم له، فلما رأى ذلك أنشأ يقول‏:‏ ‏[‏ص 171‏]‏

ألم تَرَنِي أُلاَمُ على نكاحي * فَتَاةً حُبُّهَا دَهْراً عَنَاني

رَمَتْني رَمْيَة كَلَمَتْ فؤادي * فأوْهَى القَلْبَ رَمْيَةُ من رَمَاني

فلو وجد ابنُ ذِي النَّابَيْنِ يَوْماً * بأخْرَى مثلَ وَجْدِي ما هَجَانِي

ولَكِنْ صَدَّ عنه السَّهْم صدّاً * وعَنْ عُرْض على عَمْد أتاني

فلما سمع القومُ ذلك منه كَفُّوا عنه، ثم إن أباها قدِم زائراً لها من أرضه، وحمل معه هدايا منها رُطَب وتمر، فلما ذاق شَيْهم الرطبَ أعجبته حلاوته، فخرج إلى نادي قومه وقال‏:‏

ما مراء القوم في جمع النَّدِى * ولقد جاء أبوُها بِرُطَبْ

فذهبت مثلا‏.‏ يضرب لمن يرضى باليسير الحقير‏.‏

899- جَنَيتْهُا مِنْ مُجْتَنًى عَوِيصٍ‏.‏

ويروى ‏"‏عريض‏"‏ أي من مكان صَعْب أو بعيد‏.‏

900- جِئْنِي بِه مِنْ حَسِّكَ وَبَسِّكَ‏.‏

ويروى ‏"‏من عَسِّك وبَسِّك‏"‏ أي ائْتِ به على كل حال من حيث شئت، وقال أبو عمرو‏:‏ أي من جَهْدك، ويقال‏:‏ لأطْلُبنه من حَسٍّي وبَسٍّي، أي من جَهْدي، وينشد‏:‏

تَرَكَتْ بيتي من الأشياء قَفْراً مثلَ أمْسِ*كل شيء قد جمعت من حَسِّي وبَسِّي

قلت‏:‏ الحَسُّ من الإحساس، والبَسُّ‏:‏ التفريق، يقال‏:‏ بَسَسْتُ المالَ في البلاد، أي فرقته‏.‏ والمعنى من حيث تدركه بحاستك، أي من حيث تُبْصره، ومن روى ‏"‏عَسِّك‏"‏ فيجوز أن تكون العين بدلا من الحاء، ويجوز أن يكون من العَسِّ الذي هو الطَّلَب، أي من حيث يمكن أن يُطْلب، وبسك‏:‏ أي من حيث تُدْرِكه بِرفْقِك، من أبَسَّ بالناقة إذا رَفَقَ بها عند الحلب، أو من حيث انْبَسَّتْ، أي تفرقت‏.‏ يضرب في اسفراغ الوُسْع في الطلب حتى يعذر‏.‏

901- جَاء يَنْفُضُ مِذْرَوَيْه‏.‏

المِذْرَوَان‏:‏ فَرْعا الأليتين، ولا واحد لهما، ولو كان لهما واحِدٌ لوجب أن يقال في التثنية مِذْرَيَان كما يقال مِقْلَيَانِ في تثنية المِقْلَى، وعبر بنَفْضِ مِذْرَوَيهِ عن سمنه، والعربُ تنفي الغَنَاء عن السمين اللحيم وتُثْبِته للمُخْتَلَق الهضيم ‏(‏المتخلق - بفتح اللام - التام الخلق المعتدله، والهضيم‏:‏ الضامر‏)‏ ولهم فيه أشعار كثيرة ليس هذا موضعها‏.‏ ‏[‏ص 172‏]‏

يضرب لمن يتوعَّدُ من غير حقيقة‏.‏

902- جَاء بِالشَّعْرَاءِ الزَّبَّاء‏.‏

إذا جاء بالداهية الدَّهْياء، وفي حديث الشعبي وقد سئل عن مسألة فقال‏:‏ زَبَّاء ذاتُ وَبَر، لو سئل عنها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعضلت بهم‏.‏

يضرب للداهية يَجْنيها الرجل على نفسه‏.‏

903- جَدُّكَ لاَكَدُّكَ‏.‏

يروى بالرفع على معنى جدك يغني عنك لا كدك، ويروى بالفتح أي ابْغِ جَدَّك لا كَدَّك‏.‏

904- جَلِيسُ السُّوء كالقَيْنِ إِنْ لَمْ يَحْرِقْ ثَوْبَكَ دَخَّنَهُ‏.‏

905- جَاء بِالضَّلاَلِ ابْنِ السَّبَهْلَلِ‏.‏

يعني بالباطل، قال الأصمعي‏:‏ جاء الرجل يمشي سَبَهْلَلا، إذا جاء وذهب في غير شيء، قال عمر رضي الله عنه‏:‏ إني لأكره أن أرَى أحَدَكم سَبَهْلَلا لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة‏.‏

906- جَاء بِدَبَى دُبَىٍّ، ودَبَى دُبَبَّيْنِ‏.‏

الدَّبَى‏:‏ الجرادُ، ودُبَىّ‏:‏ موضع واسِع، أي جاء بالمال الكثير كدَبَى ذلك الموضع‏.‏

907 جَاء بالهَئ والجَئْ‏.‏

أي بالطَّعام والشَّراب، وقال الأموي‏:‏

هما اسمان من قولهم ‏"‏جَأْجَأْتُ بالإبل‏"‏ إذا دعَوْتَهَا للشرب، و ‏"‏هَأْهَأْتُ بها‏"‏ إذا دعوتها للعَلَف، وقال بعضهم‏:‏ هما بكسر الهاء والجيم، وأما قولهم ‏"‏لو كان ذلك في الهَئ والْجَىْءِ ما نفعه‏"‏ فهذان بالفتح، وأنشد‏:‏

وَمَا كَانَ عَلَى الْهِئِْ* وَلاَ الْجِئِْ امْتِدَاحِيكَا

أي لم أمْدَحْكَ لجرِّ منفعة‏.‏

908- الجَارَ ثُم الدَّار‏.‏

هذا كقولهم ‏"‏الرفيق قبل الطريق‏"‏ وكِلاَهما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عبيد‏:‏ كان بعضُ فقهاء أهل الشأم يحدِّثُ بهذا الحديث، ويقول‏:‏ معناه إذا أرَدْتَ شراء دارٍ فَسَلْ عن جِوَارها قبل شرائها‏.‏

909- جَرْعٌ وَأَوشَالٌ‏.‏

الجَرْع‏:‏ شُرْب الماء ريا، والوَشل‏:‏ الماء القليل، أي المال قليل وأنت مُسْرِف‏.‏

يضرب للمبذِّر، أي ترفَّقْ وإلا أتَيْت على مالك‏.‏

910- جَالِنِي أُجالِكَ فَالدَّمْسُ مِنْ فِعَالِكَ‏.‏

جَالِنِي‏:‏ من المُجَالاة وهي المُبَارزة، من قولهم ‏"‏جلاَ عن الوَطَن جلاَء‏"‏ إذا خرج، والدَّمْسُ‏:‏ الكتمان، يقال‏:‏ ‏[‏ص 173‏]‏ دمَسْتُ عليه الخبرَ، أي كتمته، يقول‏:‏ بارِزْنِي للعداوة أبارِزك فشأنك المُخَاتلة‏.‏

911- جَلَّزُوا لَوْ نَفَعَ التَّجْلِيزُ‏.‏

يقال‏:‏ جَلَزْتُ السكيَن جَلْزا، إذا شددت مَقْبِضَه بِعِلْباء البعير، وكذلك التجليز، أي أحْكَمُوا أمْرَهم لو نفع الإحكام يعني هربوا، ولكن القَدَر ألحق بهم ولم ينفعهم الحذر‏.‏

912- جِدَّ لامْرِئِ يَجِدَّ لَكَ‏.‏

أي أحِبَّ له خيراً يحبَّ لك مثلَه‏.‏

913- الجَدْبُ أَمْرَأُ لِلْهَزيِلِ‏.‏

يضرب للفقير يُصِيبُ المال فيطغى‏.‏

914- جَرْىُ الشَّمُوسِ نَاجِزٌ بِناجِزٍ‏.‏

يضرب لمن يُعَاجل الأمر، فيكافئ بالخير والشر من ساعته‏.‏

915- اجْعَلْنِي مِنْ أُدْمَةِ أَهْلِكَ‏.‏

الأدْمَة‏:‏ الوسيلة، وهي القرب، أي اجعلني من خاصتهم‏.‏

916- اجْعَلْ مَكَانَ مَرْحَبٍ نُكْراً‏.‏

أي اجْعَلْ مكان بِشْرِك وتحيتك قَضَاء الحاجة‏.‏

917- جَفَّ حِجْرُكِ وطابَ نَشْرُكِ، أَكلْتِ دَهَشاً وحَطَبْتِ قِمْشاً‏.‏

قال يونس بن حَبيب‏:‏ كان من حديث هذين المثلين أن امرأة زَارَتْها بنتُ أخيها وبنت أختها، فأحسنت تزويرهما، فلما كان عند رجوعهما قالت لابنة أخيها‏:‏ جفَّ حِجْرُكِ وطاب نَشْرُكِ، فسُرَّتِ الجارية بما قالت لها عمتها، وقالت لابنة أختها‏:‏ أكَلْتِ دَهَشاً وحَطَبْتِ قِمْشاً، فوجدت بذلك الصبية وشق عليها ما قالت لها خالتها، فانطلقت بنت الأخ إلى أمها مسرورة، فقالت لهما أمها‏:‏ ما قالت لك عمتك‏؟‏ فقالت‏:‏ قالت لي خيرا ودَعَتْ لي، قالت‏:‏ وكيف قالت لك‏؟‏ قالت‏:‏ قالت جَفَّ

حِجْرُك وطاب نَشْرك، قالت‏:‏ أي بنية، ما دَعَتْ لك بخيرٍ، ولكن دعت بأن لا تشمي ولدا أبدا فيبل حجرك ويغير نَشْرَكِ، وانطلقت الأخرى إلى أمها، فقالت لها أمها‏:‏ ما قالت لك خالتك‏؟‏ قالت‏:‏ وما عَسَى أن تقول لي‏؟‏ دعَتْ الله علي، قالت‏:‏ وكيف قالت لك‏؟‏ قالت‏:‏ قالت أكَلْتِ دَهَشاً وحَطَبْتِ قِمْشاً، قالت‏:‏ بل دعت الله لك يا بنية أن يكثر ولَدُكِ فينازعوك في المال ويقمشوك حطبا‏.‏

918- أَجَاءَهُ الْخَوْفُ إِلَى شَرِّ شِمِرٍّ‏.‏

المعنى ألجأه الخوفُ، وردَّه إلى شر شديد‏.‏

919- جَارَكَ الأَدْنى لا يَعْلُكَ الأَقْصَى‏.‏

أي احفظ أدنى جارك لا يقدر عليك ولا على لومك الأقصى‏.‏ ‏[‏ص 174‏]‏

920- جَدَّ صَفِيُر الْحَنْظَلِىِّ‏.‏

أصلُ هذا أن رجلين أحدهما من بني سعد والآخر من بني حنظلة، خرجا فاحتفرا زُبْيَتَين، فجلس كل واحد منهما في واحدة، وجعلا أمارة ما بينهما الصفير إذا أبْصَرَا صيدا، فزعموا أن أسدا مرَّ بالحَنْظَلى، فأخَذَ برجله، فَخَبطه الأسد بيده، فَغوَّثَ وصاح صِياحاً شديداً فقال السعدي‏:‏ جَدَّ صفيرُ الحنظلى، أي اشتد، أي فالهرب فإن قربه شر‏.‏

يضرب لمن قرب منه الشر ودَنَا‏.‏

921 سَنُجَرِّبُكَ إِذَنْ‏.‏

وذلك أن رجلا مات فجعل أخوه يبكيه ويقول‏:‏ وا أخَاه، كان خيرا مني، إلا أني أعْظَمُ جُرْدَاناً منه، فقالت امرأة الميت‏:‏ سنجَرِّبُك إذن، فذهبت مثلا‏.‏

يضرب لمن ادَّعَى أمرا فيه شبهة‏.‏

922- جِبَابٌ فَلا تَعْنَ أَبْرَا‏.‏

قالوا‏:‏ الجباب‏:‏ الْجُمَّار، قلت‏:‏ والصحيح أن الجِبَابَ جمع جُبّ، وهو وِعاء الطَّلْع، ويقال له أيضاً‏:‏ جُفّ، وفي الحديث أن دفين النبي صلى الله عليه وسلم جعل في جُبِّ طلعة، والأبْرُ‏:‏ تَلْقيح النخل وإصلاحه ‏.‏

يضرب للرجل القليل الخير، أي هو جِباب ولا طَلْع فيه فلا تعن في إصلاحه‏.‏

923- جَدُّ امْرِئٍ فِي قَائِيِهِ‏.‏

أي يتبين جَدُّك في قائِتِك الذي يَقُوتك‏.‏

924- جَاءَتْهُمْ عَوَاناً غَيْرَ بِكْرٍ‏.‏

أي مستحكمة غير ضعيفة، يريدون حَرْبا أو داهية عظيمة‏.‏

925- جَاءَ بِالَّتي لاَ شَوَى لَهَا‏.‏

الشَّوَى‏:‏ الأطراف مثل اليدين والرجلين والرأس من الآدميين وغيرهم، أي جاء بالداهية التي لا تُخْطِئ، أو التي لا طَرَفَ لها ولا نهاية‏.‏

926- جَبَانٌ ما يَلْوِى عَلَى الصَّفِير‏.‏

ما يَلْوِى‏:‏ أي ما يُعَرَّجُ لشدة جُبْنه على من يَصْفر به‏.‏

927- أَجْرِ الأُمُورَ عَلَى أَذْلاَلِهَا‏.‏

أي على وُجُوهها التي تصلُح وتسهل وتتيسر، ويقال‏:‏ جاء به على أذلاله، أي على وَجْهه، ويقال‏:‏ دَعْه على أَذْلاَله‏:‏ أي على حاله، أنشد أبو عمرو للخَنْساء‏:‏

لتُجْرِ المنِيَّةُ بعد الْفَتَى الْـ * ـمُغَادَرِ ‏(‏المغادر‏)‏ بالمحو أذْلاَلَها ‏[‏ص 175‏]‏

ويروى ‏"‏المغادر بالنعف‏"‏ وهما موضعان وأرادت لتجر المنية على أذلالها فحذفت على فوصل الفعل فنصب، وواحد الأذلال ذِلٌّ بالكسر، قال المرزوقي‏:‏ ومعنى البيت لَسْتُ آسى على شيء بعده فلتجر المنية على طرقها‏.‏

928- الْجَمَلُ مِنْ جَوْفِهِ يَجْتَرُّ‏.‏

يضرب لمن يأكل من كَسْبه أو ينتفع بشيء يَعْود عليه بالضرر‏.‏

929- جَاءَ نَافِشاً عِفْرِيَتَهُ‏.‏

إذا جاء غَضْبان، والعِفْرِيَةُ‏:‏ عُرْفُ الديك، وكذلك العفراء‏.‏

930- جَاءَ بِالشُّقَرِ وَالبُقَرِ وَبِبَنَاتِ غَيْرٍ ‏.‏

ويروى ‏"‏بالصُّقَر‏"‏ والغَيرْ‏:‏ الاسم من قولك ‏"‏غَيَّرْتُ الشيء فتغير‏"‏ ويراد ههنا جاء بالكلام المغيَّرِ عن وَجْه الصدق، والشُّقَر والبُقَر‏:‏ اسم لا يُعْرف، أي جاء بالكذب الصريح‏.‏

931- جَاءَ وَفِي رَأْسِهِ خُطَّةٌ‏.‏

إذا جاء وفي نفسه حاجة قد عَزَم عليها والأصل في هذا أن أحدهم إذا حَزَبه أمرٌ أتى الكاهِنَ فخَطَّ له في الأرض يَسْتَخْرِج ما عَزَم عليه، والخُطَّة‏:‏ فُعْلة بمعنى مَفْعولة، نحو الغُرْفَة من الماء واللُّقْمَة والنُّجْعَة اسم لما ينتجع، أخِذَتْ من الخَطِّ الذي يستعمله الكاهن في وقوع الأمر‏.‏

932- جَاءَ بِصَحِيَفِة المُتَلَمِّسِ‏.‏

إذا جاء بالداهية، وقد ذكَرْتُ قصتَه في باب الصاد‏.‏

933- جَعَلَ اللّهُ رِزْقَهُ فَوْتَ فَمِهِ‏.‏

أي جعله بحيث يَرَاه ولا يَصِلُ إليه‏.‏

934- جَنْدَلَتَانِ اصْطَكَّتَا‏.‏

يضرب للقِرْنَيْنِ يتصاولان‏.‏

935- جَزَيْتُهُ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ‏.‏

يضرب في المُكافَأة ومُسَاواتها‏.‏

936- جَارُهُ لَحْمُ ظَبْيٍ‏.‏

يضرب لمن لا غَنَاء عنده، قال الشاعر‏:‏

فَجَارُكَ عند بيتِكَ لحمُ ظَبْيٍ * وجارِي عِنْدَ بيتي لا يُرَامُ

937- جَمَالَكَ‏.‏

أي الْزَمْ ما يُورِثُكَ الْجَمَالَ، يعني أَجْمِلْ ولا تفعل ما يَشِينُكَ‏.‏

938- جَاءَ صَرِيمَ سَحْرٍ‏.‏

إذا جاء آيسا خائبا، قاله ابن الأعرابي، وأنشد‏:‏

أَيَذْهَبُ ما جَمَعْتُ صريمَ سَحْرٍ * طليفاً‏؟‏ إنَّ ذَا لَهُوَ الْعَجِيبُ

قلت‏:‏ الصَّرِيم بمعنى المَصْرُوم، ‏[‏ص 176‏]‏ والسَّحْر‏:‏ الرئَةُ، والطليف - بالطاء والظاء - المجَّانُ، يقال‏:‏ ذهب فلان بغلامي طليفا، أي بلا ثمن، وتقدير البيت‏:‏ أيذهب ما جمعته وأنا مجهود مكدود مَجَّانا، والصَّرْم‏:‏ القَطْع‏.‏

939- جَاءَ بِذَاتِ الرَّعْدِ وَالصَّلِيلِ‏.‏

إذا جاء بشر وَعْر، يعني جاء بسحابة ذات رَعْد، والصَّليل‏:‏ الصَّوْتُ‏.‏

940- اجْعَلُوا لَيْلَكُمْ لَيْلَ أَنْقَدَ‏.‏

يضرب في التحذير، لآن القُنْفُد لا ينام ليلَه‏.‏

941- جَاؤُا عَلَى بَكْرَةِ أَبِيهمْ‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ أي جاؤا جميعاً لم يتخلَّف منهم أحد، وليس هناك بكرة في الحقيقة‏.‏ وقال غيره‏:‏ البَكْرَة تأنيث البَكْر وهو الفتيُّ من الإبل، يصفهم بالقِلَّة، أي جاؤا بحيث تحملهم بكرة أبيهم قِلَّة، وقال بعضهم‏:‏ البكرة ههنا التي يُسْتَقَى عليها، أي جاؤا بعضهم على أثَرِ بعضٍ كدَوَرَان البكرة على نَسَق واحد، وقال قوم‏:‏ أرادوا بالبكرة الطريقَةَ، كأنهم قالوا‏:‏ جاؤا على طريقة أبيهم أي يَتَقَيَّلُون أثرَه، وقال ابن الأعرابي‏:‏ البكرة جماعة الناس، يقال‏:‏ جاؤا على بَكْرتهم، وبَكْرة أبيهم، أي بأجمعهم قلت‏:‏ فعلى قول ابن الأعرابي يكون ‏"‏على‏"‏ في المثل بمعنى مع، أي جاؤا مع جماعة أبيهم أي مع قبيلته، ويجوز أن يكون ‏"‏على‏"‏ مِنْ صلة معنى الكلام، أي جاؤا مشتملين على قبيلة أبيهم، هذا هو الأصل، ثم يستعمل في اجتماع القوم وإن لم يكونوا من نسب واحد، ويجوز أن يراد البكرة التي يستقى عليها، وهي إذا كانت لأبيهم اجتمعوا عليها مُسْتَقِينَ لا يمنعهم عنها أحد، فشبه اجتماع القوم في المجيء باجتماع أولئك على بكرة أبيهم‏.‏

942- جِئْتَ بِأَمْرٍ بُجْرٍ وَدَاهِيَةٍ نُكْرٍ‏.‏

البُجْر‏:‏ الأمر العظيم، وكذلك البُجْرِيُّ والجمع البَجَارِي‏.‏

943- جَذَّ اللّهُ دَابِرَهُمْ‏.‏

أي استأصلهم وقطع بقيتهم، يعني كل من يخلفهم ويدبرهم، وقال‏:‏

آل المهلب جَذَّ اللّه دَابِرَهُمْ * أمْسَوْا رَمَاداً فلا أصْلٌ وَلاَ طَرَفُ

أي لا أصل ولا فرع‏.‏

944- جَلَوْا قَمّاً بِغَرفَةٍ ‏.‏

الغَرَفَة‏:‏ الثُّمَام بعينه لا يُدْبَغ به، وإنما يُجَذُّ للمكانس، والغَرْف - بسكون الراء - يدبغ به، والقَمُّ‏:‏ الكَنْس‏.‏

وأصل هذا أن رجلا سأل أعرابيا عن ‏[‏ص 177‏]‏ قوم كانوا في محلة، فقال له‏:‏ جَلَوْا قَمًّا بِغَرَفَة، أي جَلَوْا وتحوّلوا عن محلتهم فخلا ذلك لموضُع منهم وعَفَتْ آثارهم كما يُقَمّ المكان بالغَرَفَة، ونصب ‏"‏قما‏"‏ على المصدر، كأَنه قال‏:‏ جَلَوا جَلاَءَ كاملا تاما، فكأن مكانهم قُمّ منهم قما بمكنسة‏.‏

945- جَاؤُا عَنْ آخِرِهِمْ، وَمِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ‏.‏

أي لم يَبْقَ منهم أحد إلا جاء‏.‏

946- جُرُفٌ مُنْهَالٌ، وَسَحَابٌ مُنْجَالٌ‏.‏

يقولون‏:‏ كيف فلان‏؟‏ فيقال‏:‏ جُرُفٌ منهال، أي لا حَزْم عنده ولا عقل، والْجُرُف‏:‏ ما تجرّفته السيولُ من الأودية، والمُنْهال‏:‏ المُنْهار، يقال‏:‏ هُلْتَه فانهال، أي صببته فانْصَبَّ، والسحاب المنجال‏:‏ المنكَشِف، يراد أنه لا يطمع في خيره‏.‏

947- جَدْبُ السَّوْءِ يُلْجِئُ إِلى نُجْعَةِ سَوْءٍ‏.‏

يعني أن الأمور كلها تتشاكل في الجودة والرداءة، فإذا كان جَدْبُ الزمان بَلَغَ النهاية في الشر ألجأ إلى شر نُجْعَة ضرورة ‏.‏

948- جَاءَ يَفْرِي الفَرِيَّ وَيَقُدُّ‏.‏

أي يعمل العجب‏.‏

يضرب لمن أجاد العملَ وأسرع فيه‏.‏

قلت‏:‏ الفَرِيُّ فَعِيل بمعنى مفعول، وفَرِيَ بالكسر يَفْرَي فَرًى تحيَّر ودهش، والفَرْىُ‏:‏ القطع والشَّقّ، وكذلك القد، فقولهم ‏"‏يفري الفرى‏"‏ أي يعمل العملَ يفري فيه أي يتحير من عجيب الصنعة فيه، ومنه قوله تعالى ‏{‏لقد جئت شيئاً فَرِيا‏}‏ أي شيئا يتحير فيه ويتعجب منه‏.‏

949- جَزَاهُ جَزَاءَ شَوْلَةَ‏.‏

هذا مثل قولهم ‏"‏جزاء سِنِمَّار‏"‏ في أنهما صَنَعَا خيراً فَجُزِيا بصنيعهما شراً، وقال‏:‏

جَزَتْنَا بنو لَحْيَانَ أمسِ بِفِعْلِنَا * جَزَاء سِنِمَّارٍ بمَا كَانَ يَفْعَلُ

والسنمار في لغة هُذَيل‏:‏ اللِّصُّ، وذلك أنهم يقولون للذي لا ينام الليل سنمار، فسمى اللص به لقلة نومه‏.‏

950- جَاءَ كأَنَّ عَيْنَيْه فِي رمْحَيْنِ‏.‏

يضرب لمن اشتدَّ خوفُه ولمن اشتد نَظَره من الغضب، وكأنهم عَنَوْا به برق بصره كما يبرق السنان‏.‏

951- جَاءَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ‏.‏

الفَرِيصَة‏:‏ لُحْمة بين الثَّدْي ومرجع الكَتفِ، وهما فريصتان، إذا فزع الرجلُ أو الدابة أرْعِدَتَا منه‏.‏ ‏[‏ص 178‏]‏

يضرب للجَبَان يَفْزَع من كل شيء‏.‏

952- جَاءَ يَتَخَرَّمُ زَنْدُهُ‏.‏

أي جاء ساكنا غَضَبُه، يقال‏:‏ تخرّم زَنْدُ ‏(‏في القاموس والصحاح ‏"‏تخرم زبد فلان‏"‏ بالباء في ‏"‏زبده‏"‏ لا بالنون‏)‏ فلانٍ، أي سكن غضبه، ويقال‏:‏ معناه جاء يركبنا بالظلم والحُمْقِ، فإن صح هذا فهو من قولهم ‏"‏تَخَرَّمهم الدهر‏"‏ و ‏"‏اخترمهم‏"‏ أي استأصلهم‏.‏

953- جَلِيلةٌ يَحْمِى ذَرَاهَا الأَرْقَمُ‏.‏

الجَلِيل‏:‏ الثُّمَام، والذَّرَى‏:‏ الكَنَفُ ‏.‏

يضرب للضعيف يكنفه القوي ويعينه‏.‏

954- جَلِيفُ أَرْضٍ مَاؤُهُ مَسُوسُ‏.‏

الجَلِيفُ من الأرض‏:‏ الذي جَلَفَتْه السنَةُ، أي أخَذَتُ ما عليها من النبات، والمَسُوس‏:‏ الماء العذب المَذَاقِ المريء في الدواب‏.‏

يضرب لمن حَسُنَتْ أخلاقه وقَلَّتْ ذاتُ يده‏.‏

955- جَعَلْتَ لِيَ الْحَابِلَ مِثْلَ النَّابِلِ‏.‏

يقال‏:‏ إن الحابل صاحبُ الحِبالة التي يُصَاد بها الوحشُ، والنابل‏:‏ صاحب النّبْل يعني الذي يَصِيد بالنبل، ويقال‏:‏ إن الحابل في هذا الموضع السَّدَى والنابل اللُّحْمَة‏.‏

يضرب للمخلط، ومثله ‏"‏اختلط الحابل بالنابل‏"‏‏.‏

956- جَذْبُ الزِّمَامِ يَرِيضُ الصِّعَابَ‏.‏

يضرب لمن يأبى الأمر أولا ثم ينقاد آخراً‏.‏

957- جَدَّ جِرَاءُ الْخَيْلِ فِيكُمْ يَاقُثَمُ‏.‏

يضرب في الْتِحَام الشر بين القوم‏.‏

958- جُلُوفُ زَادٍ لَيْسَ فِيهَا مَشْبَعُ‏.‏

الْجُلُوف‏:‏ جمع جِلْفٍ، وهو الظَّرْف والوِعاء، والمَشْبِع‏:‏ الشِّبَعَ‏.‏

يضرب لمن يتقلّد الأمور ولا غَنَاء عنده‏.‏

959- جَاءَ بِطَارِفَة عَيْنٍ‏.‏

أي بشيء تتحيَّر له العين من كثرته، يقال‏:‏ عين مَطْروفة، إذا أصيب طَرْفُهَا بشيء‏.‏

960- جَهِلَ مِنْ لَغَانِينَ سُبُلاَتٍ‏.‏

اللُّغْنُون‏:‏ مَدْخَل الأودية، وسُبُلاَت‏:‏ جمع سَبيل، مثل طُرُقات وصُعُدات في جمع طريق وصعيد‏.‏

وأصل المثل أن عمرو بن هند الملك قال‏:‏ لأجَلِّلَنَّ مواسل الرَّبْط، مصبوغا بالزيت، ثم لأشْعِلَنَّه بالنار، فقال رجل‏:‏ جَهِلَ من لَغَانين سُبُلات، أي لم يَعْلم مشقة الدخول من سُبُلات لَغَانين، يريد المضَايق منها، ومواسل ‏(‏في القاموس أن اسمه مويسل‏)‏‏:‏ في رأس جبل من جبال طيء ‏[‏ص 179‏]‏ يضرب مثلا لمن يُقْدم على أمر وقد جهل ما فيه من المشقة والشدة‏.‏

961- جَاءَ يَسُوقُ دَبَى دُبَيَّيْنِ‏.‏

أي يسوق مالاً كثيراً، وأنشد‏:‏ بَاتَتْ وبات ليلُها دَبَى دَبَى* أي ليلُها ليلٌ شديد‏.‏

962- جَاؤُا بِالْحَظِرِ الرَّطْبِ‏.‏

أي جاؤا بالكثير من الناس، وقال‏:‏

أعانت بنو الحرّيش فيها بأربع * وجاءت بنو العَجْلاَن بالحَظِرِ الرَّطْبِ

يمدح بني العجلان، وأصل الحظِرِ الحطبُ الرطْبُ يجعل منه الحظيرة للابل، ويحتاج فيها إلى كثرة، فصار عبارةً عن الشيء الكثير، ويعبر به أيضاً عن النميمة، ومنه قوله‏:‏ ولم يَمْشِ بين القوم بالحظِرِ الرَّطْبِ* أي بالنميمة، كما قيل في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏حمالَةَ الحَطَبِ‏}‏في بعض الأقوال‏.‏

963- جَاءَ بِمَا صَأَى وَصَمَتَ‏.‏

يقال‏:‏ صَأَى يَصْأى صُئِيَّا، ثم يقلب فيقال‏:‏ صَاء يَصِيء مثل جَاء يَجيء، ومن هذا قولهم ‏"‏تلدغ العقربُ وتَصِيء‏"‏ أرادوا بما صأى الشاءَ والإبلَ، وبما صمت الذهبَ والفضة، ويقال بل معناه ‏"‏جاء بالحَيَوَان والجماد‏"‏ أي بالشيء الكثير، ومن هذا قول قصير بن سعد للزباء ‏"‏جئتُكِ بما صَأَى وصَمَتَ‏"‏ أي بكل شيء‏.‏

964- جَاءَ بِمَا أَدَّتْ يَدٌ إِلى يَدٍ‏.‏

يضرب عند الْخَيْبة، ويراد به تأكيد الإخفاق‏.‏

965- جَبَّتْ خُتُونَةٌ دَهْراً‏.‏

الجَبُّ‏:‏ القَطْع، والخُتُونة‏:‏ المصاهرة، ودهر‏:‏ اسم رجل تزوج امرأة من غير قومه فقطعته عن عشيرته، فقيل هذا‏.‏

يضرب لكل من قَطَعك بسبب لا بوجب القطع‏.‏

966- جَرْجَرَ لَمَّا عَضَّهُ الكَلُّوب‏.‏

الجَرْجَرَة‏:‏ الصوت، والكَلُّوب‏:‏ مثل الكُلاَّب وهو المِهْمَاز يكون في خُفِّ الرائِضِ يَنْخَسُ به جنبَ الدابة، وهذا مثل قولهم ‏"‏دَرْدَبَ لما عَضَّهُ الثَّقَاف‏"‏

يضرب لمن ذل وخضع بعدما عز وامتنع‏.‏

967- جَدُّكَ يَرْعَى نَعَمَك‏.‏

يضرب للمِضْيَاع المَجْدُود‏.‏

968- جَاءَ بِالْحِلْقِ وَالإِحْرَافِ‏.‏

الحِلْقُ بكسر الحاء‏:‏ الكثيرُ من المال وأحْرَفَ الرجلُ وأهرفَ إذا نما مالُه‏.‏

يضرب لمن جاء بالمال الكثير‏.‏ ‏[‏ص 180‏]‏

*3*ما جاء على أفعل من هذا الباب‏.‏

969- أَجْبَنُ مِنَ الْمَنْزُوفِ ضَرِطاً‏.‏

قالوا‏:‏ كان من حديثه أن نسوة من العرب لم يكن لهنَّ رجلٌ، فزوجْنَ إحداهن رجلا كان ينام الضحى، فإذا أتينه بصَبُوح قُلْنَ‏:‏ قم فاصْطَبِحْ، فيقول‏:‏ لو نَبَّهْتنني لعاديةٍ، فلما رأين ذلك قال بعضهن لبعض‏:‏ إن صاحبنَا لشُجاع، فتعاَلَيْنَ حتى نجربه، فأتينه كما كنَّ يأتينه فأيقظنه، فقال‏:‏ لو لعادية نبهتنني، فقلن‏:‏ هذه نَوَاصي الخيل، فجعل يقول‏:‏ الخيل، الخيل، ويَضْرُط، حتى مات وفيه قول آخر، قال أبو عبيدة‏:‏ كانت دَخْتَنُوس بنتُ لقيط بن زُرَارة تحت عمرو بن عمرو، وكان شيخاً أبْرَصَ، فوضع رأسه يوماً في حِجْرها فهي تهمهم في رأسه إذ جَخَفَ عمرو وسال لُعابه، وهو بين النائم واليقظان، فسمعها تؤفِّف، فقال‏:‏ ما قلت‏؟‏ فحادت عن ذلك، فقال لها‏:‏ أيَسُرُّك أن أفارقك‏؟‏ قالت‏:‏ نعم، فطلقها فنكحها فتى جَميل جسيم من بني زُرَارة، قال محمد بن حبيب‏:‏ نكحها عمير بن عمارة ابن معبد بن زرارة، ثم إن بكر بن وائل أغاروا على بني دارم، وكان زوجها نائما يَنْخَر، فنبهته وهي تظن أن فيه خيراً، فقالت‏:‏ الغارة، فلم يزل الرجل يَحْبق حتى مات، فسمى المنزوف ضرطا، وأخِذَت دَخْتَنُوس، فأدركهم الحى فطلب عمرو بن عمرو أن يَرُدُّوا دختنوس، فأبوا، فزعم بنو دارم أن عمرا قتل منهم ثلاثة رَهْطٍ، وكان في السَّرْعَان، فردوها إليه، فجعلها أمامه، وقال‏:‏

أيَّ خَلِيلَيْكِ وَجَدْتِ خَيْرَا * أألْعَظِيم فَيْشَةً وأيْرَا

أمِ الذي يأتِي العَدُوّ سَيْرا* وردها إلى أهلها‏.‏

ويقال في حديثه غير هذا، زعموا أن رجلين من العرب خَرَجا في فَلاَة، فلاحت لهما شجرة، فقال واحد منهما لرفيقه‏:‏ أرى قوما قد رَصَدُونا، فقال الرفيق‏:‏ إنما هو عُشَرة، فظنَّه يقول عَشَرَة، فجعل يقول‏:‏ وما غَنَاء اثنين عن عَشَرة‏؟‏ ويضرط حتى مات‏.‏

ويقال فيه وجه آخر، زعموا أنه كانت تحت لُجَيم بن صَعْب بن علي بن بكر بن وائل امرأةٌ من غنزة بن أسد بن ربيعة يقال لها حَذَامِ بنت العتيك بن أسلم بن يذكر ابن عنزة بن أسد بن ربيعة، فولدت له عجل ابن لجيم والأوقص بن لجيم، ثم تزوج بعد حذام صفية بنت كاهل بن أسد بن خزيمة، ‏[‏ص 181‏]‏ فولدت له حَنيفة بن لجيم، ثم إنه وقع بين امرأتيه تنازع فقال لجيم‏:‏

إذا قالت حَذَامِ فصدِّقوها * فإن القول ما قالت حَذَامِ

فذهبت مثلا، ثم إن عجل بن لجيم تزوج الماشرية بنت نهسر بن بدر بن بكر ابن وائل، وكانت قبله عند الأحرز بن عون العبدي فطلقها وهي نُسَءْ لأشهرٍ، فقالت لعجل حين تزوجها‏:‏ احفظ عليّ ولدي، قال‏:‏ نعم، فلما ولدت سماهُ عجل سعدا، وشبَّ الغلامُ فخرج به عجل ليدفعه إلى الأحرز بن عون وينصرف، وأقبل حنيفة بن لجيم من سفر فتلقاة بنو أخيه عجل فلم يَرَ فيهم سعدا، فسألهم عنه، فقالوا‏:‏ انْطَلَقَ به عجل إلى أبيه ليدفعه إليه، فسار في طلبه فوجده راجعا قد دفعه إلى أبيه، فقال‏:‏ ما صنعت يا عشمة‏؟‏ وهل للغلام أب غيرك‏؟‏ وجمع إليه بني أخيه، وسار إلى الأحرز ليأخذ سعدا، فوجده مع أبيه ومولًى له، فاقتتلوا فخَذَله مولاهُ بالتنحِّي عنه، فقال له الأحرز‏:‏ يا بنيّ، ألا تعينني على حنيفة‏؟‏ فكعّ الغلام عنه، فقال الأحرز‏:‏ ابنُكَ ابنُ بوحك، الذي يشرب من صَبُوحك، فذهبت مثلا، فضرب حنيفة الأحرز فجَذَمه بالسيف، فيومئذ سمى جَذِيمة، وضرب الأحرز حنيفة على رجله فحَنَفَها، فسمى حنيفة، وكان اسمه أثال بن لجيم، فلما رأى مولى الأحرز ما أصاب الأحرز وقع عليه الضراط فمات، فقال حنيفة‏:‏ هذا هو المنزوف ضرطا، فذهبت مثلا، وأخذ حنيفة سعدا فردَّه إلى عجل، فإلى اليوم ينسب إلى عجل‏.‏

ووجه آخر، زعموا أن المنزوف ضرطا دابة بين الكلب والذئب، إذا صِيحَ بها وَقَع عليها الضراط من الجُبْن‏.‏

970- أَجْرَأُ مِنْ ذُبَابٍ‏.‏

وذلك أنه يقع على أنفِ الملك، وعلى جفن الأسد، وهو مع ذلك يُذْادُ فيعود‏.‏

971- أَجْرَأُ مِنْ فَارِسِ خَصَافِ‏.‏

هو رجل من غسان أجْبَنُ مَنْ في الزمان يقف في أُخْرَيَاتِ الناس، وكان فرسُه خَصَافِ لا يُجَارى، فكان يكون أول مُنْهَزم، فبينا هو ذات يوم واقف جاءسَهْم فسقط في الأرض مُرْتَزًّا بين يديه وجعل يعتز، فقال‏:‏ ما اهتز هذا السهم إلا وقد وقع بشيء، فنزل وكشف عنه فإذا هو في ظهر يَرْبُوع، فقال‏:‏ أتَرَى هذا ظَنَّ أن السهم سيصيبه في هذا الموضع‏؟‏ لا المرء في شيء ولا اليربوع، فأرسلها مثلا، ثم تقدم فكان من أشد الناس بأساً، هذا قول محمد ابن حبيب‏.‏ ‏[‏ص 182‏]‏

وزعم أن ابن الأعرابي في أصل هذا المثل أن جند ملك من ملوك الفرس غَزَوْهم، وكان عندهم أن جنود النلك لا يموتون، فشدَّ فارس خَصَاف على رجل منهم فطعنه فخر صريعاً، فرجع إلى أصحابه فقال‏:‏ ويلكم القومُ أمثالكم يموتون كما نموت، فتعالوا نقارعهم، فشَدُّوا عليهم وهزموهم، فضرب بفارس خصاف المثل لإقدامه عليهم‏.‏

قال ابن دريد‏:‏ خضاف بالضاد المعجمة اسم فرس، وفارسه أحد فرسان العرب المشهورين، هذا قولُه، وغيره يروى بالصاد، وأما قولهم‏:‏

972- أَجْرَأُ مِنْ خَاصِي خَصَافِ‏.‏

فإنه رجل من بَاهِلة، وكان له فرس اسمه أيضاً خصاف، فَطلبه بعض الملوك للفِحْلَة فخصاه قال أبو الندى‏:‏ هو حَمَلُ بن يزيد ‏(‏سماه المجد حمل بن زيد‏)‏ ابن ذُهْل بن ثعلبة، خَصَى خصاف بحضرة ذلك الملك، وفيه يقول الشاعر‏:‏

تاللّه لو ألقى خصاف عشية * لكنت على الأملاك فارس أشأما

أي فارس شؤم‏.‏

973- أَجْرَأُ مِنَ الْمَاشِي بِتَرْج‏.‏

تَرْج‏:‏ مأسَدَة مثل حَلْية وخَفَّان ‏(‏حلية‏:‏ مأسدة بناحية اليمن، وخفان‏:‏ قرب القادسية‏.‏‏)‏

974- أَجْرأُ مِنْ خَاصِي الأَسَدِ‏.‏

يقال‏:‏ إن حراثا كان يَحْرث، فأتاه أسد فقال‏:‏ ما الذي ذَلَّل لك هذا الثور حتى يُطِيعك‏؟‏ قال‏:‏ إني خَصَيْته، قال‏:‏ وما الخِصاء‏؟‏ قال‏:‏ ادْنُ مني أُرِكَه، فدنا منه الأسد مُنْقَادا ليعلم ذلك، فشدوه وَثَاقاً وخَصَاه، فقيل‏:‏ أجرأ من خاصي الأسد‏.‏

975- أَجْرَى مِنَ الأَيْهَمَيْنِ‏.‏

قالوا‏:‏ هما السيل والجمل الهائج‏.‏ ويقال أيضاً‏:‏

976- أَجْرَى مِنَ السَّيْلِ تَحْتَ اللَّيْل‏.‏

977- أَجْوَدُ مِنْ حَاتِمٍ‏.‏

هو حاتم بن عبد الله بن سَعْد بن الحَشْرَج، كان جواداً شجاعاً شاعراً مُظَفراً، إذا قاتل غَلَب، وإذا غنم نهب، وإذا سُئل وهب، وإذا ضَرَب بالقِداح سَبَق، وإذا أسَرَ أطلق، وإذا أثْرى أنفق، وكان أقسم باللّه لا يقتل واحدَ أمه‏.‏

ومن حديثه أنه خرج في الشهر الحرام يطلب حاجة، فلما كان بأرض عنزة ناداه أسيرٌ لهم‏:‏ يا أبا سَفَّانة، أكَلَنِي الإسار والقمل، فقال‏:‏ ويحك‏!‏ ما أنا في بلاد قومي، وما معي شيء وقد أسَأْتَنِي إذ نَوَّهْتَ باسمي ومالَكَ مَتْرَك، ثم ساوم به العَنَزِيين، ‏[‏ص 183‏]‏ واشتراه منهم، فخلاَّه وأقام مكانه في قِدِّه حتى أتى بفدائه، فأدَّاه إليهم‏.‏

ومن حديثه أن ماويَّةَ امرأةَ حاتم حدَّثت أن الناس أصابتهم سَنَة فأذهبت الخُفَّ والظلف، فبتنا ذاتَ لَيلةٍ بأشدِّ الجوع، فأخذ حاتم عديًّا وأخذْتُ سفَّانة فعلَّلْنَاهما حتى ناما، ثم أخذ يُعَللني بالحديث لأنام، فرققت له لما به من الجَهْد، فأمسكت عن كلامه لينام ويظن أني نائمة، فقال لي‏:‏ أنِمْتِ‏؟‏ مراراً، فلم أجبه، فسكت ونظر من وراء الخِباء فإذا شيء قد أقبل فرفَع رأسَه، فإذا امرأة تقول‏:‏ يا أبا سَفَّانة أتيتُكَ من عند صِبْية جِياع، فقال‏:‏ أحضريني صبيانَكِ فواللّه لأشْبِعَنَّهم، قالت‏:‏ فقمتُ مُسْرِعة، فقلت‏:‏ بماذا يا حاتم‏؟‏ فوالله ما نام صِبْيَانك من الجوع إلا بالتعليل، فقام إلى فَرَسه فذبَحه، ثم أجَّجَ نارا ودفع إليها شَفْرة، وقال‏:‏ اشْتَوِي وكُلِي وأطْعِمِي ولدك، وقال لي‏:‏ أيْقِظِي صبيتَكَ، فأيقظتهما ثم قال‏:‏ واللّه إن هذا للؤم أنْ تأكُلُوا وأهلُ الصِّرْمِ ‏(‏الصرم - بالكسر - جماعة البيوت‏)‏ حالُهم كحالكم، فجعل يأتي الصِّرْمِ بيتا بيتا ويقول‏:‏ عليكم النار، فاجتمعوا وأكلوا، وتَقَنَّع بكسائه وقَعَد ناحيةً حتى لم يوجد من الفرس على الأرض قليل ولا كثير، ولم يَذُقْ منه شيئاً‏.‏

وزعم الطائيون أن حاتما أخذ الجودَ عن أمِّهِ غنية بنت عفيف الطائية، وكانت لا تليق شيئاً سَخَاء وجودا‏.‏

978- أَجْوَدُ مِنْ كَعْبِ بْنِ مَامَةَ‏.‏

هو إيادي، ومن حديثه أنه خرج في رَكْب فيهم رجل من النَّمِر بن قاسط في شهر نَاجِر فَضَلُّوا فتصافَنُوا ماءهم، وهو أن يُطْرَح في القَعْبِ حَصَاة ثم يُصَب فيه من الماء بقدر ما يغمر الْحَصَاة، وتلك الحصاة هي المَقْلة، فيشرب كل إنسان بقدر واحد، فقعدوا للشرب، فلما دار القَعْبُ فانتهى إلى كعبٍ أَبْصَرَ النمريَّ يحدِّد النظر إليه، فآثره بمائه، وقال للساقي‏:‏ اسْقِ أخاكَ النمري، فشرب النمري نصيبَ كعب ذلك اليوم من الماء، ثم نزلوا من غدهم المنزلَ الآخر، فتصافَنُوا بقية مائهم، فنظر إليه النمري كنَظَره أمسه، فقال كعبَ كقوله أمس، وارتحل القوم وقالوا‏:‏ يا كعب ارْتَحِلْ، فلم يكن به قوة للنهوض، وكانوا قد قربوا من الماء، فقيل له‏:‏ رِدْ كعبُ إنك وَرَّاد، فعجز عن الجواب، فلما يئسوا منه خَيَّلوا عليه بثوب يمنعه من السبع أن يأكله، وتركوه مكانه، ففَاظَ، فقال أبوه مامةُ يرثيه‏:‏

ما كان من سُوقَةٍ أَسْقَى على ظَمَإِ * خمراً بماء إذا ناجُودُها بَرَدَا ‏[‏ص 184‏]‏

مِنَ ابن مَامَةَ كعبٍ حين عَىَّ به * زَوُّ المنيةِ إلا حرة وَقَدَا

أوفى على الماء كعبٌ ثم قيل له‏:‏ رِدْ كعبُ إِنَّكَ وَرَّادٌ فما وَرَدَا

زو المنية‏:‏ قدرها، وعَىَّ به‏:‏ أي عيت به الأحداث إلا أن تقتله عَطشا‏.‏

979- أَجْسَرُ مِنْ قَاتِلِ عُقْبَةَ‏.‏

قال أبو عمرو القعيني‏:‏ هو عُقْبة بن سلم من بني هُنَاءة من أهل اليمن صاحب دار عُقْبة بالبصرة، وكان أبو جعفر وَجَّهه إلى البحرين، وأهل البحرين ربيعة، فقتل ربيعة قتلا فاحشاً، قال‏:‏ فانْضَمَّ إليه رجل من عبد القيس، فلم يزل معه سنين، وعزل عُقْبة فرجَعَ إلى بغداد، ورحل العَبْدِي معه، فكان عقبة واقفاً على باب المهدي بعد موت أبي جعفر، فشدَّ عليه العبدِيُّ بسكين فوجأه في بطنه فمات عقبة، وأُخِذَ العبديُّ فأدخل على المهدي، فقال‏:‏ ما حملك على ما فعلت‏؟‏ فقال‏:‏ إنه قَتَلَ قومي، وقد ظَفِرْتُ به غير مرة، إلا أني أَحْبَبْتُ أن يكون أمره ظاهراً حتى يعلم الناس أني أدركْتُ ثأري منه، فقال المهدي‏:‏ إن مثلك لأهل أن يستَبقى، ولكن أكره أن يجترئ الناس على القُوَّاد فأمر به فضُرِبت عنقه، ويقال‏:‏ إن الوَجْأة وقعت في شرجة منطقة عقبة، قال‏:‏ فجعل المهديُّ يسائل العبدي، والعبدي يبكي، إلى أن دخلَ داخل فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين مات عقبة، فضحك العبدي، فقال له المهدي‏:‏ مِمَّ كنت تبكي‏؟‏ قال‏:‏ من خوف أن يعيش‏.‏ فلما مات أيقنتُ أني أدركت ثأري‏.‏

980- أَجْبَنُ مِنْ صَافِرِ‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ الصَّافِرُ كلُّ ما يصفر من الطير، والصفير لا يكون في سباع الطير وإنما يكون في خَشَاشها وما يُصَاد منها، وذكر محمد بن حبيب أنه طائر يتعلَّق من الشجر برجليه، وينكِّس رأسَه خوفا من أن ينام فيؤخذ، فيصفر منكوساً طول ليلته وذكر ابن الأعرابي أنهم أرادوا بالصافر المصفورَ به، فقلبوه أي إذ صُفِرَ به هرب‏.‏

ويقولون في مثل آخر ‏"‏جبان ما يلوي على الصفير‏"‏ وأرادوا بالمصفور به التُّنَوِّطَ، وهو طائر يحمله جُبْنه على أن ينسج لنفسه عُشًّا، كأنه كِيسٌ مدلى من الشجر ضيق الفم واسع الأسفل، فيحترز فيه خوفا من أن يقع عليه جارحٌ، وبه يضرب المثل في الحِذْق، فيقال ‏"‏أَصْنَعُ من تُنَوِّط‏"‏ وذكر أبو عبيدة أن الصافر هو الذي يصفر بالمرأة المريبة، وإنما يجبن لأنه وَجل مخافة أن يظهر عليه، ‏[‏ص 185‏]‏ وأنشد بيتي الكميت على هذا، وهو قوله‏:‏

أرجْوُ لكم أن تكونوا في مودتكم* وقد ذكرتُ القصة بتمامها والبيتين عند قولهم ‏"‏قد قلينا صفيركم‏"‏ في حرف القاف‏.‏

981- أَجْبَنُ مِنْ صِفْرِدٍ‏.‏

زعم أبو عبيدة أن هذا المثل مولد، والصفرد‏:‏ طائر من خَشَاش الطير، وقد ذكره الشاعر في شعره فقال‏:‏

تَرَاهُ كاللَّيْثِ لدى أَمْنِهِ * وفي الْوَغَى أَجبَنُ من صِفْرِدِ

982 أَجْبَنُ مِنْ كَرْوَانٍ‏.‏

هو أيضا من خَشَاش الطير، قال الشاعر‏:‏

مِنَ آل أبي مُوسي تَرَى القومَ حَوْلَه * كأنَّهُمُ الكَرْوَانُ أَبْصَرْن بازيا

983- أَجْبَنُ مِنْ لَيْلٍ

الليل‏:‏ اسمُ فرخِ الكروان‏.‏

ويقال أيضا‏:‏

984- أَجْبَنُ مِنْ نَهَارٍ‏.‏

النهار‏:‏ اسم لفرخ الْحُبَاري‏.‏

985- أَجَبَنُ مِنْ ثُرْمُلَةٍ‏.‏

هي اسم للثَّعْلبة‏.‏

986- أَجْبَنُ مِنَ الرُّبَّاحِ‏.‏

وهو القِرْدُ‏.‏

987- أَجْبَنُ مِنْ هِجْرِسٍ‏.‏

زعم محمد بن حبيب أنه الثعلب، قال‏:‏ ويقال‏:‏ إنه ولد الثعلب، قال‏:‏ ويراد به ههنا القِرْدُ، وذلك أنه لا ينام إل وفي يده حَجَر مخافَةَ الذئب أن يأكله، قال‏:‏ وتحدَّثَ رجلٌ من أهل مكة أنه إذا كان الليل رأيتَ القرود تجتمع في موضع واحد، ثم تبيت مستطيلة الواحدُ منها في أثر الآخر، وفي يد كل واحد حجر، لئلا ينام فيأكله الذئب فإن نام واحدٌ سقط من يده الحجَرُ ففزعَتْ كلها، فيتحول الآخر فيصير قُدَّامها فيكون ذلك دأبَهَا طولَ الليل، فتصبح من الموضع الذي باتت فيه على أَمْيَالٍ جُبْنا منها وخَوَرا في طباعها‏.‏

988- أَجْرَأُ مِنْ قَسْوَرَة‏.‏

هو الأسد، فَعْولة من القَسْر، وقولهم‏:‏

989- أَجْرَأُ مِنْ ذِي لِبَدٍ‏.‏

هو الأسد أيضا، ولِبْدَتُه‏:‏ ما تلبد على منكبيه من الشعر‏.‏

990- أَجْوَلُ مِنْ قُطْرُبٍ‏.‏

قالوا‏:‏ هو دُوَيْبَة تَجُول الليلَ كلَّه لا تنام، ويقال فيه أيضا‏:‏ أَسْهَر من قطرب، وفي الحديث ‏"‏لا أعرفن أحدكم جِيفَةَ ليل قُطْرُبَ نهارٍ‏"‏‏.‏ ‏[‏ص 186‏]‏

991- أَجْوَعُ مِنْ كَلْبَةِ حَوْمَلَ‏.‏

هذه امرأة من العرب، كانت تُجِيعُ كلبةً لها وهي تحرسها، فكانت تَرْبطها بالليل للحراسة وتطردها بالنهار، وتقول‏:‏ الْتَمِسِي لنفسك لا مُلْتَمَسَ لك، فلما طال ذلك عليها أكلت ذَنَبها من الجوع، قال الشاعر، وهو الكميت، يذكر بني أمية ويذكر أن رِعايتهم للأمة كرعاية حَوْمَل لكلبتها‏:‏

كما رضيَتْ جُوعاً وسوءَ رِعاية * لكَلْبتها في سالِفِ الدهر حَوْمَلُ

نُبَاحاً إذا ما الليلُ أَظْلَمَ دونَهَا * وغنما وتَجْوِيعاً، ضلاَلٌ مضلل

992- أَجْوَعُ مِنْ زُرْعَةَ‏.‏

هي كلبة كلنت لبني ربيعة الجوع، أماتوها جوعا ونُوعاً ‏(‏النوع - بضم النون - العطش‏)‏‏.‏

993- أَجْوَعُ مِنْ لَعْوَةٍ‏.‏

قالوا‏:‏ هي الكلبة الحريصة، والجمع لِعَاء، ويقال‏:‏ نعوذ بالله من لَعْوَة الجوع ولَوْعَته، أي حِدَّته، واللَّعْوُ‏:‏ الحريص الجشِع‏.‏

994- أَجْوَعُ مِنْ ذِئْبٍ‏.‏

لأنه دهرَه جائع، ويقولون في الدعاء على العدو ‏"‏رماه اللّه بداء الذئب‏"‏ أي بالجوع، هذا قول محمد بن حبيب، وقال غيره‏:‏ معناه بالموت، وذلك أن الذئب لا يُصِيبه من العلل إلا علة الموت، ولذلك يقولون في مثل آخر ‏"‏أَصَحُّ من الذئب‏"‏ والأسد والذئب يختلفان في الجوع والصبر عليه، لأن الأسد شديدُ النَّهَم رغيبٌ حريصٌ وهو مع ذلك يتحمل أن يبقى أياما فلا يأكل شيئا‏.‏

والذئب وإن كان أَقْفَرَ منزلا وأقل خِصْبا وأكثر كدًّا وإخفاقا فلا بد له من شيء يُلْقيه في جَوْفه، فإن لم يجد شيئا استعان بإدخال النسيم في جوفه، وجَوْفُ الذئب يذيبُ العظم، وكذلك جوف الكلب، ولا يذيبان نَوَى التمر وهو أضعف من العظم‏.‏

995- أَجْوَعُ مِنْ قُرَادٍ‏.‏

لأنه يُلْزِق ظهره بالأرض سنةً وبطنه سنة لا يأكل شيئا حتى يجد إبلا‏.‏

996- أَجَلُّ مِنَ الْحَرْشِ‏.‏

يضرب مثلا لمن يخاف شئيا، فيبتلى بأشد منه‏.‏

وأصله أن ضبا قال لحسله‏:‏ يا بني اتَّقِ الحرش، فقال‏:‏ يا أبتِ وما الحرش‏؟‏ قال‏:‏ أن يأتي الرجل فيمسح يده على جُحْرِكَ، ويفعل ويفعل، ثم إن جحره هُدِم بالمِرْدَاة فقال الحِسْل‏:‏ يا أبت أهذا الحِرْش‏؟‏ فقال‏:‏ ‏[‏ص 187‏]‏ يا بني هذا أَجلُّ من الحرش‏.‏

وفي كلام بعضهم ‏"‏رُبَّ ثدي منكم قد افترشه، ونَهْب قد احْتَوَشه، وضبٍّ قد احْتَرَشَه‏"‏‏.‏

997- أَجَنُّ مِنْ دُقَّةَ‏.‏

هو دُقَّة بن عَباية بن أسماء بن خارجة، ذكر هذا المثل محمد بن حبيب، ولم يذكر له شيئا‏.‏

998- أَجْبَنُ مِنْ نَعَامَة‏.‏

وذلك أنها إذا خافت من شيء لا ترجع إليه بعد ذلك الخوف‏.‏

999- أَجْشَعُ مِنْ أَسْرَى الدُّخَان‏.‏

ذكر أبو عبيدة أنهم الذين كانوا قَطَعوا على لَطِيمة كسرى، وكانوا من تميم، وذكر ابن الأعرابي أنهم كانوا من بني حَنْظلة خاصة وأن كسرى كَتَب إلى المُكَعْبر مرْدان به عامله على البحرين‏:‏ أَنِ ادْعُهم إلى المُشَقَّر وأظهر أنك تدعوهم إلى الطعام، فتقدم المُكَعْبَر في اتخاذ طعام على ظهر الحِصْن بحَطَب رَطْب، فارتفع منه دخان عظيم، وبعث إليهم يَعْرِض الطعام عليهم، فاغتروا بالدخان، وجاءوا فدخلوا الحصن، فأصفق البابَ عليهم، فغبروا هناك يُستعملون في مِهَن البناء وغيره، فجاء الإسلام وقد بقي البعض منهم، فأخرجهم العَلاَء بن الحَضْرَمي في أيام أبي بكر رضي اللّه عنه، فسار بهم المثل فقيل فيمن قتل منهم‏:‏ ليس بأول من قتله الدخان، وأَجْشَع من أسرى الدخان، وأجشع من الوافدين على الدخان، وأجشع من وَفْدِ تميم، وقال الشاعر في ذلك‏:‏

إذا ما مات مَيْتٌ من تميم * فَسَرَّكَ أن يعيشَ فجِيء بزاد

بِخُبْزٍ أو بسَمْن أو بِتَمْر * أو الشيء المُلَفَّفِ في البِجَاد

تَرَاهُ يطوف في الآفاق حِرْصاً * ليأكل رأسَ لقمانَ بن عاد

ومازح معاوية الأحنف فما رُئي مازحان أوقَرَ منهما، فقال له‏:‏ يا أَحْنَفُ ما الشيء المُلَفَّفُ في البِجاد‏؟‏ فقال الأحنف‏:‏ السَّخِينة يا أمير المؤمنين، أراد معاوية قول الشاعر‏:‏

أو الشيء المُلَفَّفُ في البِجاد* وهو الوَطْب من اللبن، وأراد الأحْنَفُ بقوله ‏"‏السخينة‏"‏ قولَ عبد الله بن الزِّبَعْرَي‏:‏

زَعَمَتْ سَخِينَةُ أن سَتَغْلِب رَبَّهَا * ولَيُغْلَبَنَّ مُغَالِبُ الغَلاَّبِ

وذلك أن قريشاً كانت تُعَيَّر بأكل السخينة، وهي حِساء من دقيق يُتَّخذ عند غلاء السعر‏.‏ ‏[‏ص 188‏]‏

1000- أَجْهَلُ مِنْ فَرَاشَةٍ‏.‏

لأنها تطلب النار فتُلْقِي نفسها فيها‏.‏

1001- أَجْمَعُ مِنْ نَمْلَةٍ‏.‏

ويقال‏:‏ أجمع من ذَرَّة، قال الشاعر في الذرة وجَمْعها‏:‏

تجمع للوارث جَمْعاً كما * تجمَعُ في قَرْيَتِهَا الذَّرَّهْ

1002- أَجْرَدُ من صَخْرَةٍ، وَمِنْ صَلْعَةٍ‏.‏

ويروى من صُلَّعَة، وهي الصخرة الملساء، والصلعة‏:‏ ما يبرق من رأس الأصلع وقيل‏:‏ دخلت امرأة على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان حاسِرَ الرأسِ، وكان أصلع، فدُهِشت المرأة، فقالت‏:‏ أبا غفر حفص الله لك، وأرادت أن تقول‏:‏ أبا حَفْصٍ غَفَر الله لك، فقال عمر رضي الله تعالى عنه‏:‏ ما تقولين‏؟‏ فقالت‏:‏ صلعت من فرقتك، وأرادت أن تقول‏:‏ فَرِقْتُ من صَلْعتك‏.‏ قال الشيباني‏:‏ قولهم ‏"‏أجرد من جراد‏"‏ أرادوا به رَمْلة من رمال نجد لا تنبت شيئا، وأجرد‏:‏ معناه أملس، قال أبو الندى‏:‏

سميت جراداً لانجرادها‏.‏

1003- أَجْمَلُ مِنْ ذِي العِمَامَةِ‏.‏

هذا مثل من أمثال أهل مكة، وذو العِمامةَ‏:‏ سعيد بن العاص بن أمية، وكان في الجاهلية إذا لبس عمامةً لا يلبس قرشيٌّ عمامة على لَوْنها، وإذا خرج لم تبق امرأة إلا بَرَزَتْ للنظر إليه من جماله، ولما أفْضَتِ الخلافة إلى عبد الملك بن مروان خطب بنتَ سعيد هذا إلى أخيها عَمْرو بن سعيد الأشدق، فأجابه عمرو بقوله‏:‏

فَتَاةٌ أبوها ذو العِمَامة، وابنُهُ * أخوها، فما أكْفَاُؤها بكثير

وزعم بعض أصحاب المعاني أن هذا اللقب إنما لزم سعيدَ بن العاص كنايةً عن السيادة، قال‏:‏ وذلك لأن العرب تقول ‏"‏فلان مُعَمَّم‏"‏ يريدون أن كل جناية يجنيها من تلك القبيلة والعشيرة فهي مَعْصُوبة برأسه، فإلى مثل هذا المعنى ذهبوا في تسميتهم سعيد بن العاص ذا العصابة وذا العمامة‏.‏

1004- أَجْوَدُ مِنْ هَرِمٍ‏.‏

هو هَرِمُ بن سِنان بن أبي حارثة المُرِّئُ وقد سار بذكر جوده المثل، قال زُهَيْر بن أبي سُلْمى فيه‏:‏

إنَّ البَخيلَ مَلُومٌ حيث كان ولـ * ـكِنَّ ‏(‏ولكن‏)‏ الجوادَ على عِلاَّتِهِ هَرِم

هُوَ الجواد الَّذِي يُعْطيكَ نائلَه * عَفْواً، ويُظْلَم أحْيَانا فَيَظَّلِمُ ‏[‏ص 189‏]‏

ووفَدَت ابنةُ هرم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال لها‏:‏ ما كان الذي أعطى أبوك زهيرا حتى قابله من المديح بما قد سار فيه‏؟‏ فقالت‏:‏ قد أعطاه خَيْلاً تنضى، وإبلا تَتْوَى، وثيابا تَبْلَى، ومالاً يفنى، فقال عمر رضي اللّه تعالى عنه‏:‏ لكن ما أعطاكم زُهَير لا يُبْلِيه الدهر، ولا يفنيه العصر، ويروى أنها قالت‏:‏ ما أعطى هَرِمٌ زهيراً قد نسى، قال‏:‏ لكن ما أعطاكم زهير لا يُنْسَى‏.‏

1005- أَجْوَدُ مِنَ الْجَوَادِ الْمُبِرِّ‏.‏

هذا مثل يضربونه في الخيل، لا في الناس‏.‏

1006- أَجْرَأُ مِنْ أُسَامَةَ‏.‏

هو اسم الأسد، معرفة لا تدخله الألف واللام، وقال‏:‏ ‏(‏هو زهير بن أبي سلمى المزني‏)‏

وَلأَنْتَ أشْجَعُ مِنْ أسَامَةَ إذ * دُعِيَتْ نَزَالِ وَلج في الذُّعْرِ

1007- أَجْرَأُ مِنْ لَيْثٍ بِخَفَّانَ‏.‏

خَفّان‏:‏ مأسَدَة معروفة، وكذلك خَفِيَّة وحَلْية، وقال‏:‏

فَتًى هو أحْيى من فَتَاةٍ حَيِيَّةٍ * وأشْجَعُ من لَيْثٍ بخَفَّانَ خَادِرِ

1008- أجْهَلُ مِنْ حِمَارٍ‏.‏

يعني حمار بن سويلك ‏(‏كذا، وفي القاموس ‏"‏بن مالك‏"‏‏)‏ الذي يقال له‏:‏ أكْفَر من حمار‏.‏

1009- أَجْهَلُ مِنْ عَقْرَبٍ‏.‏

لأنها تمشي بين أرجل الناس ولا تكاد تبصر‏.‏

1010- أَجْهَلُ مِنْ رَاعِي ضَأْنٍ‏.‏

وحديثه في باب الحاء مذكور‏.‏

1011- أَجْفَى مِنَ الدَّهْرِ‏.‏

1012- أَجْدَى مِنَ الغَيْثِ فِي أَوَانِهِ‏.‏

معناه أنفع، يقال‏:‏ ما يُجْدِي عنك هذا، أي ما ينفع وما يُغْنِي‏.‏ والْجَدَاء ممدودا‏:‏ النفعُ، وبناء أفعل من الأفعال شاذ، حقه أشَدُّ جَدَاء‏.‏

1013- أَجْرَدُ مِنَ الْجَرَادِ‏.‏

لم يُورِد حمزة في هذا شيئاً‏.‏

قلت‏:‏ يجوز أن يراد به آكَلُ من الجراد، يقال‏:‏ أرض مَجْرُودة، إذا أكل نَبْتها، ويجوز أن يراد أشأم من الجراد، من قولهم‏:‏ رجل جارود، أي مَشْؤم، والجارود‏:‏ رجل سمى به لأنه فَرَّ بإبله إلى أخواله بني شيبان، وبإبله داء، ففَشَا ذلك ‏[‏ص 190‏]‏ الداء في إبل أخواله فأهلكها، وفيه قال الشاعر‏:‏

كما جَرَدَ الجارودُ بكْرَ بن وَائِلٍ* وهو الجارود العبدي، يُعَد من الصحابة واسمه بشر بن عمرو من عبد القيس، ووَجْهٌ ثالث، وهو أن يراد أقْشَر من الجراد، يقال‏:‏ جَرَدْتُ الشيء قشرته، وكلُّ مقشورٍ مجرودٌ، والجراد يَقْشر ما يقع عليه من النبات، والأصلُ في الكل الجراد المعروف‏.‏

1014- أَجْهَلُ مِنْ قَاضِي جُبَّلَ‏.‏

يقال‏:‏ إن جُبَّل مدينة من طسوج كسكر، وهذا القاضي قَضَى لخَصْم جاءه وَحْده، ثم نقَضَ حكمه لما جاءه الخصم الآخر، وفيه يقول محمد بن عبد الملك الزيات‏:‏

قَضَى لمخَاصِم يوما، فَلَمَّا * أتاه خَصْمُه نَقَصَ القَضَاءَ

دَنَا منك العَدُو وغِبْتَ عنه * فَقَال بحُكْمِهِ ما كان شَاءَ

1015- أَجْوَرُ مِنْ قَاضِي سَدُومَ‏.‏

قالوا‏:‏ سَدُوم - بفتح السين - مدينة من مدائن قوم لوط عليه الصلاة والسلام، قال الأزهري‏:‏ قال أبو حاتم في كتابه الذي صنفه في المفسد والمذال‏:‏ إنما هو سذوم بالذال المعجمة، والدال خطأ، قال الأزهري‏:‏ وهذا عندي هو الصحيح‏.‏ قال الطبري‏:‏ هو ملك من بَقَايا اليونانية غَشُوم، كان بمدينة سرمين من أرض قنسرين‏.‏

*3*المولدون‏.‏

جَعَلَ بَطْنَهُ طبْلاً وقَفاهُ اصْطَبْلا‏.‏

جَزَاءُ مُقَبِّلِ الأسْتِ الضُّرَاطُ‏.‏

جَنَّةٌ تَرْعاها خَنَازِيرُ‏.‏

جَهْل يَعُولِني خَيْرٌ مِنْ عَقْلٍ أَعُولُهُ‏.‏

جاءَ بالدُّنْيا يَسُوقُها‏.‏

جاهُهُ جاهُ كَلْبٍ مَمْطُورٍ في مَقْصُورَةِ الجَامِعِ‏.‏

جَدَّةٌ تَقْضِي العِدَّةَ‏.‏

يضرب للشيخ يتصابى‏.‏

جَوَاهِرُ الأخْلاقِ يَتَصَفَّحُها المُعاشِرُ‏.‏

جاء العِيَانُ فَأَلوى بِالأسانِيدِ‏.‏

جهْلُكَ أَشَدُّ لَكَ مِنْ فَقْرِكَ‏.‏

الجَمَلُ فِي شْيءٍ والجمَّالُ فِي شْيءٍ‏.‏

الجُل خَيْرٌ مِنَ الفَرَسِ‏.‏

الجَالِبُ مَرْزُوقٌ والمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ‏.‏

الجَدِيَةُ رِبْحٌ بِلاَ رَأْسِ مَالٍ‏.‏ ‏[‏ص 191‏]‏

الْجَهُل مَوْتُ الأحْيَاء‏.‏

الجِرَارُ لاَ تُشْتَرى أَوْ تُلْطَمَ‏.‏

واجْلِسْ حَيْثُ يُؤْخَذُ بِيَدِكَ وَتُبَرُّ لاَ حَيْثُ يُؤْخَذُ بِرِجْلِكَ وتُجَر‏.‏

اجلِسْ حَيْثُ تُجْلَسُ‏.‏

أُجلِسْتَ عِنْدِي فاتَّكِئْ‏.‏

أَجْرَأُ النَّاسِ عَلَى الأسَدِ أَكْثَرُهُمْ لَهُ رُؤْيَة‏.‏

جاء عَلَى نَاقَةِ الحذَّاء‏.‏

يعنون النعل التي تُلْبَسُ‏.

الباب السادس فيما أوله حاء‏

  ما جاء على أفعل من هذا الباب‏

  المولدون‏

الباب السادس فيما أوله حاء‏.

1016- حَرِّكْ لَهَا حُوَارَهَا تَحِنُّ‏.‏

الحُوَار‏:‏ ولدُ الناقة، والجمع القليل أحْوِرَة، والكثير حُوَران وحِيرَان، ولا يزال حُوَارا حتى يُفْصَل، فإذا فُصِل عن أمه فهو فَصِيل‏.‏

ومعنى المثل ذكِّرْهُ بعض أشجانه يَهِج له وهذا المثل قاله عمرو بن العاص لمعاوية حين أراد أن يستنصر أهلَ الشام‏.‏

1017- حَالَ الْجَرِيضُ دُونَ القَرِيضِ‏.‏

الجَرِيض‏:‏ الغُصَّة، من الْجَرَضِ وهو الريق يُغَصّ به، يقال‏:‏ جَرِض بريقه تَجْرَضُ، وهو أن يبتلع ريقَه على هم وحزن، يقال‏:‏ مات فلان جَرِيضا، أي مغموما‏.‏ والقَرِيض‏:‏ الشِّعْرُ، وأصله جِرَّةُ البعيرِ‏.‏ وحال‏:‏ مَنَع‏.‏

يضرب للأمر يقدر عليه أخيراً حين لا ينفع‏.‏

وأصل المثل أن رجلا كان له ابن نَبَغ في الشعر، فنهاه أبوه عن ذلك، فجاش به صَدْرُه، ومَرِض حتى أشرف على الهلاك فأذِن له أبوه في قول الشعر، فقال هذا القول‏.‏

1018- حَنَّ قِدْحٌ لَيْسَ مِنْهَا‏.‏

القِدْحُ‏:‏ أحَدُ قِداح المَيْسر، وإذا كان أحَدُ القداح من غير جوهر إخوته ثم أجالَه المُفِيض خرج له صَوْت يخالف أصواتها، فيعرف به أنه ليس من جملة القداح ‏.‏

يضرب للرجل يفتخر بقبيلة ليس هو منها، أو يمتدح بما لا يوجد فيه‏.‏

وتمثل عمر رضي الله عنه به حين قال الوليد بن عُقْبة بن أبي مُعَيْط‏:‏ أُقْتَلُ من ‏[‏ص 192‏]‏ بين قريش‏؟‏ فقال عمر رضي اللّه عنه‏:‏ حَنَّ قِدْحٌ ليس منها، والهاء في منها راجعة إلى القداح‏.‏

1019- حَيَّاكَ مَنْ خَلاَ فُوهُ‏.‏

أي نحن في شغل عنك، وأصله أن رجلا كان يأكل، فمرَّ به آخَرُ فحَيَّاه بتحية فلم يقدر على الإجابة، فقال هذه المقالة‏.‏

يضرب في قلة عناية الرجل بشأن صاحبه‏.‏

1020- حَتْفَهَا تَحْمِلُ ضَأْنٌ بِأَظْلاَفِهَا‏.‏

يضرب لمن يوقع نفسه في هلكة‏.‏

وأصله أن رجلا وجَد شاة، ولم يكن معه ما يَذْبَحها به، فضربَتْ بأظلافها الأرض فظهر سكين، فذبحها به‏.‏

وهذا المثل لحريث بن حَسَّان الشيباني تمثل به بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم لقيلة التميمية، وكان حريث حملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله إِقْطَاع الدهناء، ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتكلمت فيه قَيْلَة، فعندها قال حريث‏:‏ كنت أنا وأنت كما قيل‏:‏ حَتْفَها تحمل ضأن بأظلافها‏.‏

1021- حَدِّثْ حَدِيثَيْنِ امْرَأَةً، فَإِنْ لَمْ تَفْهَمْ فَأَرْبَعَةً‏.‏

أي زِدْ، ويروى فأرْبِعْ، أي كُفَّ، وأراد بالحديثين حديثاً واحداً تكرره مرتين فكأنك حدثتها بحديثين، والمعنى كرر لها الحديثَ لأنها أضعفُ فَهْما، فإن لم تَفْهم فاجعلهما أربعةً، وقال أبو سعيد‏:‏ فإن لم تَفْهم بعد الأربعة فالمربعة، يعني العصا‏.‏

يضرب في سوء السمع والإجابة‏.‏

1022- حَلَبَتْ حَلْبَتَهَا ثُمَّ أَقْلَعَتْ‏.‏

يضرب لمن يفعل الفعل مرة ثم يمسك ويروى ‏"‏جلبت‏"‏ بالجيم، وقد مر قبل‏.‏

1023- حَلأَتْ حَالِئَةٌ عَنْ كُوعِهَا‏.‏

الحالئة‏:‏ المرأة تحلأ الأديم، أي تقشره يقال‏:‏ حلأَت الجلد، إذا أزلت تِحْلِئَه وهو قُشُوره ووَسَخه، والمرأة الصَّنَاع ربما استعجلت فحَلآَت عن كوعها، و ‏"‏عن‏"‏ من صلة المعنى، كأنه قال‏:‏ قَشَرَتِ اللحم عن كوعها‏.‏

يضرب لمن يتعاطى ما لا يحسنه، ولمن يرفق بنفسه شفقة عليها‏.‏

1024- حَلَبْتُهَا بِالسَّاعِدِ الأَشَدِّ‏.‏

أي أخذتها بالقوة إذ لم يتأتَّ بالرفق‏.‏

1025- حَنَّتْ وَلاَتَ هَنَّتْ وَأَنَّى لَكِ مَقْرُوعٌ‏.‏

هَنَّت‏:‏ من الهنين وهو الحنين، يقال‏:‏ ‏[‏ص 193‏]‏ هَنَّ يَهِنُّ بمعنى حَنَّ يَحنُّ، وقد يكون بمعنى بكى، وقال‏:‏ لمَّا رأى الدارَ خَلاَءً هَنَّا* ولات‏:‏ مَفْصُولة من هنَّتْ، أي لاتَ حينَ هَنَّتْ، فحذف ‏"‏حين‏"‏ لكثرة ما يستعمل لات معه، وللعلم به، ويروى ‏"‏ولا تَهَنَّتْ‏"‏ أراد تَهَنأت فلَيَّن الهمزة‏.‏

كانت الهَيْجُمَانة بنت العنبر بن عمرو بن تميم تَعْشَق عَبْشَمْس بن سعد، وكان يلقب بمقروع، فأراد أن يُغِير على قبيلة الهَيْجُمَانة، وعلمت بذلك الهَيْجُمَانة، فأخبرت أباها، فقال مازن بن مالك بن عمرو‏:‏ حنَّتْ ولاتَ هَنَّت أي اشتاقت، وليس وقت اشتياقها، ثم رجع من الغَيْبَة إلى الخِطاب فقال‏:‏ وأنى لَكِ نقروع، أي من أين تظفرين به‏؟‏‏.‏

يضرب لمن يَحِنُّ إلى مطلوبه قبل أوانه وحكى المفضل بن محمد الضبي أن عَبْشَمْس بن سعد، وكان اسمه عبد العزى، كان وَسِيمَ الوجه حَسَنَ الخلقة، فسمي بعبشمس، وعبء الشمس‏:‏ ضوءها، فحذف الهمزة، وهو ابن سعد بن زيد مَنَاة بن تميم شُغِفَ بحب الهَيْجُمَانة، فمنع عنها وقُوتِل، فجاء الحارث بن كعب بن سعد ليذُبَّ عن عمرو، فضرب على رجله فشلَّت، فسمى الأعرج، فسار عبشمس إليهم وسألهم أن يعطوه حقه من رجل الأعرج، فتأبَّى عليه بنو عنبر بن عمرو بن تميم، فقال عبشمس لقومه‏:‏ إن خَرَج إليكم مازن بن مالك بن عمرو مترجلا قد لبس ثيابه وتزيَّنَ فظُنُّوا به شراً، وإن جاءكم أَشْعَثَ الرأس خبيثَ النفس فإني أرجو أن يعطوكم حقكم، فلما أَمْسَوْا راح إليهم مازن مترجِّلا قد لبس ثيابه وتزيَّنَ لهم، فارتابوا به، فدسَّ عبشمس بعض أصحابه إليهم ليسترقَ السمعَ ويتجسس ما يقولون، فسمع رجلا من الرعاء يقول‏:‏

لا نَعْقِلُ الرِّجْلَ ولا نَدِيَها * حَتَّى ترى دَاهيةً تُنْسِيَها

فلما عاد الرجل إلى عبشمس وخبره بما سمع قال عبشمس‏:‏ إذا جنَّ عليكم الليل بَرِّزُوا رجالكم، وأقيموا ناحيةً، ففعلوا وتركوا خيامهم، فنادى مازن وأقبل إلى القبة‏:‏ ألا لا حَيَّ بالقرى، فإذا الرجال قد جاءوا وعليهم السلاح حتى أحاطوا بالقبة فاكتنفوها، فإذا القبة خالية من بني سعد، فلما علم عبشمس بذلك جمع بني سعد فغَزَاهم فلما كان بعَقْوَتِهِم نزل في لية ذات ظلمة ورعد وبرق، وأقام حتى يغير عليهم صُبْحاً وكان يدور على قومه ويَحُوطهم من دبيب ‏[‏ص 194‏]‏ الليل، وكانت الهَيْجُمَانة عاركا، والعارك لا تخالط أهلها، وأضاء البرقُ فرأت ساقَيْ مقروع، فأتَتْ أباها تحت الليل، فقال‏:‏ إني رأيتُ ساقي عبشمس في البرق فعرفته، فأرسل العنبر في بني عمرو فجمعهم، فلما أتوه خبرهم بما سمع من الهَيْجُمَانة، فقال مازن‏:‏ حنت ولات هنت وأنى لَكِ مقروع، ثم قال مازن للعنبر‏:‏ ما كنت حقيقاً أن تجمعنا لعشق جارية، ثم تفرقوا عنه، فقال لها العنبر عند ذلك‏:‏ أيْ بنية اصدقي فإنه ليس للكذوب رأي، فأرسلها مثلاً، قالت‏:‏ يا أبتاه ثَكِلْتُكَ إن لم أكن صدقتك، فانْجُ ولا إخالُكَ ناجياً، فأرسلتها مثلا، فنجا العنبر من تحت الليل، وصَبَّحهم بنو سعد فأدركوهم وقتلوا منهم ناساً كثيراً، ثم إن عبشمس تبعَ العنبر حتى أدركه وهو على فرسه وعليه أداته يَسُوق إبله، فلما لحقة قال له‏:‏ يا عنبر، دَعْ أهلَكَ فإن لنا وإن لك، فأجابه العنبر وقال‏:‏ لكن مَنْ تقدم منعته، ومن تأخر عَقَرْته، فدنا منه عبشمس، فلما رأته الهَيْجُمَانة نزعت خِمارها، وكشفت عن وجهها، وقالت‏:‏ يا مَقْرُوع نَشَدْتُكَ الرحِمَ لما وهبته لي، لقد خِفْتُكَ على هذه منذ اليوم، وتضرعت إلى عبشمس، فوهبه لها‏.‏

1026- حَسْبُكَ مِنْ شَرِّ سَمَاعُهُ‏.‏

أي اكْتَفِ من الشر بسماعه ولا تُعَاينه، ويجوز أن يريد يَكْفِيك سَمَاعُ الشر، وإن لم تُقْدِمْ عليه ولم تنسب إليه‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ أخبرني هشام بن الكلبي أن المثل لأم الربيع بن زياد العبسي، وذلك أن ابنها الربيع كان أَخَذَ من قيس بن زهير ابن جَذِيمة دِرْعاً، فعرض قيس لأم الربيع وهي على راحلتها في مَسِيرٍ لها، فأراد أن يذهب بها ليرتهنها بالدرع، فقالت له‏:‏ أين عَزَبَ عنك عَقْلُك يا قيس‏؟‏ أترى بني زياد مُصَالحيك وقد ذهبتَ بأمهم يميناً وشمالاً، وقال الناس ما قالوا وشاءوا‏؟‏ وإن حسْبَك من شر سماعه، فذهبت كلمتها مثلا، تقول‏:‏ كَفَى بالمَقَالة عاراً وإن كان باطلا‏.‏

يضرب عند العار والمقالة السيئة، وما يخاف منها‏.‏

وقال بعض النساء الشواعر‏:‏ ‏(‏هي عاتكة بنت عبد المطلب، عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏التبريزي 2/256‏)‏‏)‏

سَائِلْ بنا فِي قَوْمِنَا * وَلْيَكْفِ مِنْ شَرٍّ سَمَاعُهْ

وكان المفضل فيما حكى عنه يذكر هذا الحديث ويسمي أم الربيع ويقول‏:‏ هي فاطمة بنت الخُرْشُب من بني أنمار بن بَغيض‏.‏ ‏[‏ص 195‏]‏

1027- حِفْظاً مِنْ كَالِئِكَ‏.‏

أي احفظ نفسك ممن يحفظك، كما قيل‏:‏ محترسٌ من مثلِهِ وَهُوَ حارسُ‏.‏

1028- حَدِيثُ خُرَافَةَ‏.‏

هو رجل من عُذْرة استهوته الجن كما توعم العرب مدةً‏.‏ ثم لما رجع أخبر بما رأى منهم، فكذبوه حتى قالوا لما لا يمكن‏:‏ حديث خرافة، وعن النبي عليه الصلاة والسلام، أنه قال‏:‏ خرافة حق، يعني ما تحدَّث به عن الجِنِّ حَقّ‏.‏

1029- احْلُبْ حَلَباً لَكَ شَطْرُهُ‏.‏

يضرب في الحثِّ على الطَّلَب والمساواة في المطلوب‏.‏

1030- حَذْوَ القُذَّةِ بِالْقُذَّةِ‏.‏

أي مِثْلاً بمثل‏.‏

يضرب في التسوية بين الشيئين‏.‏

ومثله ‏"‏حَذْوَ النَّعْلِ بالنعل‏"‏ والقُذَّة‏:‏ لعلها من القَذِّ وهو القطع، يعني به قَطْعَ الريشة المقذوذة على قدر صاحبتها في التسوية وهي فُعْلَة بمعنى مفعولة كاللُّقْمَة والغُرْفة، والتقدير حذياً حَذْوَ، ومن رفع أراد‏:‏ هُمَا حَذْوُ القذة‏.‏

1031- حِلْمِي أَصَمُّ وَأُذْنِي غَيْرُ صَمَّاءِ‏.‏

أي أُعْرِضُ عن الخَنَا بحلمي، وإن سمعته بأذني‏.‏

1032- حُورٌ فِي مَحَارَةٍ‏.‏

أي نقصان من ‏"‏حَارَ يَحُور حُؤُراً‏"‏ إذا رجع، ثم يخفف فيقال‏:‏ حُور، ومنه‏:‏

في بئر لا حُورٍ سَرَى وَمَا شَعَرْ* وروى شمر عن ابن الأعرابي‏:‏ حَوْرٌ في مَحَارة، بفتح الحاء، ولعله ذهب إلى الحديث ‏"‏نعوذ باللّه من الْحَوْر بعد الكور‏"‏‏.‏

1033- حَلَبَ الدَّهْرَ أَشْطُرَهُ‏.‏

هذا مستعار من حَلَبَ أَشْطرُ الناقة، وذلك إذا حلب خِلْفَين من أخلافها، ثم يحلبها الثانية خِلْفَيْن أيضا، ونصب ‏"‏أَشْطُرَه‏"‏ على البدل، فكأنه قال‏:‏ حلَبَ أَشْطُرَ الدهر، والمعنى أنه اخْتَبَر الدهْرَ شطرى خيره وشره، فعرف ما فيه‏.‏ يضرب فيمن جَرَّبَ الدهر‏.‏

1034- حَسْبُكَ مِنْ غِنًى شِبَعٌ وَرِيٌّ‏.‏

أي اقْنَعْ من الغنى بما يُشْبِعك ويُرْوِيك وجُدْ بما فَضَلَ، وهذا المثل لامرئ القيس يذكر مِعْزىً كانت له فيقول‏:‏ ‏[‏ص 196‏]‏

إذا ما لم تكُنْ إبِلٌ فمِعْزىً * كأنَّ قُرُونَ جِلَّتِهَا الْعِصِيُّ

فَتَمْلأُ بيتَنَا أَقِطاً وسَمْناً * وحَسْبُك مِنْ غِنىً شِبَعٌ وَرِيُّ

قال أبو عبيد‏:‏ وهذا يحتمل معنيين أحدهما يقول‏:‏ أعْطِ كلَّ ما كان لك وراء الشبع والري، والآخر‏:‏ القَنَاعة باليسير، يقول‏:‏ اكْتَفِ به ولا تطلب ما سوى ذلك، والأول الوَجْهُ لقوله في شعر له آخر، وهو‏:‏

وَلَوْ أنما أَسْعَى لأدْنى معيشةٍ * كفاني، ولم أطلب، قليلً من المال

ولكنَّمَا أَسْعَى لمجدٍ مُؤَثَّلٍ * وقد يُدْرِكُ المجدَ المؤثَّلَ أَمْثَالِي

وَمَا المرءُ ما دامَتْ حُشَاشَةُ نَفْسِه * بمُدْرِكِ أَطْرَاف الخُطُوبِ وَلاَآلِ

فقد أخبر ببُعْد همته وقدره في نفسه‏.‏

1035- حَسْبُكَ مِنَ القِلاَدَةِ مَا أحَاك بِالعُنُقِ‏.‏

أي اكْتَفِ بالقليل من الكثير‏.‏

1036- حَبْلَكِ عَلَى غَارِبِكِ‏.‏

الغاربُ‏:‏ أعلى السَّنام، وهذا كناية عن الطلاق، أي اذْهَبي حيثُ شئت، وأصله أن الناقة إذا رَعَتْ وعليها الخِطامُ ألقى على غاربها، لأنها إذا رأت الخِطامَ لم يَهْنئها شيءٌ‏.‏

1037- حبُّكَ الشَّيْءَ يُعْمِي ويُصِمُّ‏.‏

أي يُخْفي عليك مساويه، ويُصِمُّكَ عن سماع العذل فيه‏.‏

1038 حَدَثُ مِنْ فِيك كَحَدَثٍ مِنْ فَرْجِك

يعني أن الكلام القبيحَ مثلُ الحَدَثِ، تمثل بن ابنُ عباس وعائشة رضي الله عنهما‏.‏

1039- حَبِيبٌ إِلَى عَبْدٍ مَنْ كدَّهُ‏.‏

يعني أن مَنْ أهانه وأتعبه فهو أَحَبُّ إليه من غيره، لأن سجاياه مَجْبُولة على احتمال الذل‏.‏

1040- حَسَنُ فِي كُلِّ عَيْنٍ مَا تَوَدّ‏.‏

هذا قريب من قولهم ‏"‏حبك الشيء يعمي ويصم‏"‏‏.‏

1041- حَتَنَى لاَ خَيْرَ فِي سَهْمٍ زلخ‏.‏

قال الليث‏:‏ الزَّلْخُ رفْعُ اليدِ في الرمي إلى أقصى ما تقدر عليه، تريد بُعْدَ الغَلْوَة، وأنشد‏:‏ مِنْ مائَةٍ زَلْخٍ بِمِرِّيخٍ غال*

وَحَتَنَى‏:‏ فَعَلَى من الاحْتِتَان، وهو التساوي، يقال‏:‏ وقع النبل حَتَنَى، إذا وَقَعَتْ متساوية، ويروى ‏"‏حَتَنَى لا خَيْرَ في سَهْم زلج‏"‏ يقال‏:‏ سَهْم زالج، إذا كان يتزلج عن ‏[‏ص 197‏]‏ القوس، ومعنى زلج خَفَّ عن الأرض، ويقال‏:‏ السهم الزالج الذي إذا رمى به الرامي قَصُر عن الهَدَف وأصاب الصخرة إصابة صلبة ثم ارتفع إلى القرطاس فأصابه، وهذا لا يُعَدُّ مُقَرْطِساً، فيقال لصاحبه ‏"‏الحَتَنَى‏"‏ أي أَعِدِ الرمي فإنه لا خير في سهم زلج، فالحَتَنَى يجوز أن يكون في موضع رفع خبر المبتدأ‏:‏ أي هذا حَتَنَى، ويجوز أن يكون في موضع نصب‏:‏ أي قد احْتَتَنَّا احتتانا، أي قد استوينا في الرمي فلا فَضْل لك عليَّ فأعِدِ الرمي‏.‏ يضرب في التساوي وترك التفاوت‏.‏

1042- حِرَّةٌ تَحْتَ قِرَّة‏.‏

الحِرَّة‏:‏ مأخوذة من الحرارة، وهي العطش، والقِرَّة‏:‏ البرد، ويقال‏:‏ كسر الحرة لمكان القرة، قالوا‏:‏ وأشد العَطَش ما يكون في يوم بارد‏.‏

يضرب لمن يُضْمِرُ حِقْدا وغَيْظا ويُظْهر مُخَالصة‏.‏

1043- الحَرْبُ خُدْعَة‏.‏

يروى بفتح الخاء وضمها، واختار ثعلب الفتحة، وقال‏:‏ ذُكِرَ لي أنها لغة النبي صلى اللّه عليه وسلم، وهي فَعْلَة من الخَدْع، يعني أن المحارب إذا خَدَع مَنْ يُحَاربه مرة واحدة وانخدع له ظَفِرَ به وهَزَمه، والخُدْعَة بالضم معناها أنه يخدع فيها القِرْنَ، وروى الكسائي خُدَعَة - بضم الخاء وفتح الدال - جعله نعتا للحَرْب‏:‏ أي أنها تَخْدَع الرجالَ، مثله هُمَزَة ولُمَزَة ولُعَنَة، لذي يَهْمز ويَلْمِز ويَلْعَن، وهذا قياس‏.‏

1044- الحَدِيثُ ذُو شُجُون‏.‏

أي ذو طُرُقٍ، الواحدُ شَجْنٌ بسكون الجيم، والشواجن‏:‏ أودية كثيرة الشجر، الواحدةُ شَاجِنة، وأصلُ هذه الكلمة الاتصالُ والالتفاف، ومنه الشجنة، والِشَّجْنَةُ‏:‏ الشجرة الملتفة الأغصان‏.‏

يضرب هذا المثل في الحديث يُتَذَكر به غيره‏.‏

وقد نظم الشيخ أبو بكر علي بن الحسين القهستاني هذا المثَلَ ومثلاً آخر في بيت واحد، وأحسن ما شاء، وهو‏:‏

تَذَكَّرَ نَجْداً والحديثُ شُجونُ * فَجُنَّ اشْتِيَاقاً والجُنُوُنُ فُنُونُ

وأول من قال هذا المثل ضَبَّة بن أدّ ابن طابخة بن إلياس بن مُضَر، وكان له ابنان يقال لأحدهما سَعْد وللآخر سعيد، فنقرت إبل لضبة تحت الليل، فَوَجَّه ابنيه في طَلَبها، فتفرقا فوجَدَها سَعْد، فردَّها، ومضى سعيد في طلبها فلقيه الحارث بن كعب، ‏[‏ص 198‏]‏ وكان على الغلام بُرْدَانِ فسأله الحارث إياهما، فأبى عليه، فقتله وأخذ بُرْدَيْه، فكان ضبة إذا أمسى فرأى تحت الليل سَوَادا قال‏:‏ أسَعْد أم سعيد‏؟‏ فذهب قوله مثلا يضرب في النجاح والخيبة، فمكث ضبة بذلك ما شاء الله أن يمكث، ثم إنه حجَّ فوافى عُكَاظ فلقي بها الحارث بن كعب ورأى عليه بُرْدَىْ ابنه سعيد، فعرفهما، فقال له‏:‏ هل أنت مُخْبِرِي ما هذان البردان اللذان عليك‏؟‏ قال‏:‏ بلى لقيتُ غلاما وهما عليه فسألتهُ إياهما فأبى علي فقتلته وأخذتُ بُرْدَيه هذين، فقال ضبة‏:‏ بسيفك هذا‏؟‏ قال‏:‏ نعم، فقال‏:‏ فأعْطِنِيه أنظر إليه فإني أظنه صارما، فأعطاه الحارث سيفه، فلما أخَذَه من يده هَزَّهُ، وقال‏:‏ الحديثُ ذو شجون، ثم ضربه بِهِ حتى قتله، فقيل له‏:‏ يا ضبة أفي الشهر الحرام‏؟‏ فقال‏:‏ سَبَقَ السيف العذل، فهو أول مَنْ سار عنه هذه الأمثال الثلاثة‏.‏ قال الفرزدق

لاتأمنَنَّ الحربَ إنَّ اسْتِعَارَها * كَضَبَّةَ إذ قال‏:‏ الْحَدِيثُ شُجُونُ‏.‏

1045- حُوْتاً تُمَاقِسُ‏.‏

الْمُمَاقَسَة‏:‏ مُفَاعلة من المَقْسِ، يقال‏:‏ مَقَسَه في الماء ومَقَلَه وكذلك قَمَسَه، إذا غَطَّه

يضرب للرجل الداهي يُعَارضه مثله، وينشد‏:‏

فإن تَكُ سَبَّاحاً فإنِّي لَسَابِحٌ * وإن تَكُ غَوَّاصاً فَحُوتاً تُمَاقِسُ‏.‏

1046- حَدَسَ لَهُمْ بمُطْفِئَةِ الرَّضْفِ‏.‏

يقال‏:‏ حَدَسَ بالشاة، إذا أضجعها على جنبها ليذبحها، قال اللَّحْياني‏:‏ معنا ذَبَحَ لهم شاة مهزولة تُطْفئ النار ولا تَنْضَج، وقيل‏:‏ تطفئ الرَّضْفَة من سِمَنها، ويقال‏:‏ حَدَس إذا جاء يَحْدِسُ حَدْساً، والمعنى جادلهم بكذا، وروى أبو زيد ‏"‏حَدَسَهم بمُطْفِئة الرَّضْفِ‏"‏‏.‏

1047- حَرَامَهُ يَرْكَبُ مَنْ لاَ حَلاَلَ لَهُ‏.‏

ذكر المُفَضَّل بن محمد الضبي أن جُبَيْلة ابن عبد الله أخا بني قُرَيْع بن عَوْفٍ أغار على إبل جرية بن أوس بن عامر يوم مَسْلوق فأطرد إبلَه غير ناقة كانت فيها مما يُحَرِّمُ أهلُ الجاهلية ركوبها، وكان في الإبل فرس لجرية يقال له العمود، وكان مربوطا، ففزع فذهب، وكان لجرية ابنُ أختٍ يَرْعَى إبله، فبلغ الخبر خاله والقوم قد سبقوا بالإبل غير تلك الناقة الحرام، فقال جرية‏:‏ رُدَّ على تلك الناقة لأركَبهَا في أثر القوم، فقال له الغلام‏:‏ إنها حرام، فقال جرية‏:‏ حَرَامَه يركَبُ مَنْ لا حلاَلَ له‏.‏ ‏[‏ص 199‏]‏

يضرب لمن اضطر إلى ما يكرهه‏.‏

1048- الحُسْنُ أَحْمَرُ‏.‏

قالوا‏:‏ معناه من قولهم ‏"‏موت أحمر‏"‏ أي شديد، ومنه ‏"‏كنا إذا احْمَرَّ البأسُ اتَّقَيْنَا برسولِ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏"‏ أي اشتد‏.‏ ومعنى المثل مَنْ طلبَ الجمالَ احتمَلَ المشقَّةَ‏.‏ وقال أبو السمح‏:‏ إذا خَضَبَت المرأةُ يديها وصَبَغَتْ ثوبها قيل لها هذا، يريد أن الحسن في الحمرة‏.‏ وقال الأزهري‏:‏ الأحمر الأبيض، والعرب تْسَمِّي المَوَاليَ من عجم الفرس والروم ‏"‏الْحُمْرَ‏"‏ لغلبة البياض على ألوانهم، وكانت عائشة رضي الله عنها تسمى ‏"‏الْحُمَيْرَاءَ‏"‏ لغلبة البياض على لونها‏.‏

1049- حانِيَةٌ مُخْتَضِبَةٌ‏.‏

وذلك أن امرأة مات زوجُها ولها ولد، فزعمت أنها تحنو على ولدها ولا تتزوج، وكانت في ذلك تَخْضِبُ يديها، فقيل لها هذا القول‏.‏

تضربه لمن يَريبُكَ أمرُه‏.‏

1050- حَمِيمُ الَمْرءِ وَاصِلُهُ‏.‏

يقال‏:‏ إن أول مَنْ قال ذلك الخنابس ابن المقنع، وكان سيداً في زمانه، وإن رجلا من قومه يقال له كلاب بن فارع، وكان في غنم له يَحْمِيها، فوقَع فيها لَيْث ضارٍ، وجعل يحطمها، فَانْبَرَى كلاب يَذُبُّ عنها، فحمل عليه الأسدُ فخبطَه بمخالبه خبطة، فانكَبَّ كلاب وجَثَم عليه الأسد، فوافق ذلك من حاله رجلان‏:‏ الخنابر بن مرة، وآخر يقال له حَوْشَب، وكان الخنابر حميمَ كلاب، فاستغاث بهما كلاب، فحاد عنه قريبُه وخَذَله، وأعانه حَوْشَب فحمل على الأسد وهو يقول‏:‏

أعَنْتُهُ إذْ خَذَلَ الخنابِرُ * وقَدْ عَلاَه مُكْفَهِرٌّ خَادِرُ

هرامس جَهْمٌ لَهُ زَمَاجِرُ * وَنَابه حَرْداً عليه كَاشِرُ

ابْرُزْ فإنِّي ذو حُسَام حَاسِرُ * إني بهذَا إنْ قتلت ثابر

فعارضه الأسدُ وأمكن سيفَه من حِضْنَيْهِ، فمر بين الأضلاع والكتفين، فخرَّ صريعا، وقام كلاب إلى حوشب وقال‏:‏ أنت حَمِيمي دون الخنابر، وانطلق كلاب بحَوْشب حتى أتى قومه وهو آخذ بيد حَوْشب يقول‏:‏ هذا حميمي دون الخنابر، ثم هلك كلاب بعد ذلك، فاختصم الخنابر وحَوْشَب في تركته، فقال حَوْشَب‏:‏ أنا حميمه وقريبه، فلقد خذلتَه ونصرتُه، وقطعتَه ووصلتهُ، وصَمِمْتُ عنه وأجَبْتُه، ‏[‏ص 200‏]‏ واحتكَما إلى الخنابس فقال‏:‏ وما كان من نُصْرَتك إياه‏؟‏ فقال‏:‏

أجَبْتُ كِلاَباً حينَ عَرّد إلْفُه * وخَلاَّه مَكْبُوباً عَلَى الوَجْهِ خنْبَرُ

فلمَّا دعاني مُسْتغيثا أجَبْتُه * عليه عَبُوس مكفَهِرٌّ غَضَنْفَرُ

مَشَيْتُ إليه مَشْىَ ذي العِز إذْ غَدَا * وأقْبَلَ مختالَ الْخُطَا يَتَبَخْتَرُ

فلمَّا دنا من غَرْب سَيْفِي حَبَوْتُه * بأبْيَضَ مَصْقُولِ الطَّرَائِقِ يَزْهَرُ

فقطَّعَ ما بَيْنَ الضُّلُوعِ وحِضْنُهُ * إلى حضْنِهِ الثَّاني صَفِيحٌ مُذَكَّرُ

فخَرَّ صَرِيعاً فِي التراب مُعَفَّراً * وقَدْ زَارَ منه الأرْضَ أنفٌ وَمِشْفَرُ

فشهد القومُ أن الرجل قال‏:‏ هذا حميمي دون الخنابر، فقال الخنابس عند ذلك‏:‏ حميمُ المرء وَاصِلهُ، وقضى لحَوْشَب بتركته، وسارت كلمته مثلا‏.‏

1051- حُبَّ إِلَى عَبْدٍ مَحْكِدُهُ‏.‏

الْمَحْكِدُ‏:‏ الأصل، وهي لغة عقيل، وأما كِلاَب فيقولون‏:‏ مَحْقِد، ويروى ‏"‏حبيبٌ إلى عبدِ سوءٍ محكده‏"‏‏.‏

يضرب لمن يحرص على ما يَشِينه‏.‏

وقيل‏:‏ معناه أن الشاذَّ يحب أصله وقومه حتى عبد السوء يحب أصله‏.‏

1052- احْمِلِ العَبْدَ عَلَى فَرَسٍ، فإِنْ هَلَكَ هَلَكَ وإِنْ عَاشَ فَلَكَ‏.‏

يضرب هذا لكل ما هَانَ عليك أن تخاطر به‏.‏

1053- حَدَّثَنِي فَاهُ إِلىَ فيَّ‏.‏

وذلك إذا حَدَّثَكَ وليس بينكا شيء، والتقدير‏:‏ حدثني جاعلا فاهُ إلى فيَّ، يعني مُشَافِها‏.‏

1054- حَوِّلْهَا مِنْ ظَهْرِكَ إِلىَ بَطْنِكَ‏.‏

الهاء للخُطَّة‏:‏ أي حَوِّلها إلى قرينك فتنجو‏.‏

1055- أَحُشُّكَ وَتَرُوثُنِي‏.‏

أراد تروث على، فحذف الحرف وأوصل الفعل‏.‏

يضرب لمن يَكْفُر إحسانك إليه‏.‏

ويروى أي عيسى عليه السلام عَلَفَ حماراً وأنه رَمَحه، فقال‏:‏ أعطيناه ما أشبهنا وأعطانا ما أشبهه‏.‏

ويروى ‏"‏أحُسُّك‏"‏ بالسين غير المعجمة‏.‏

1056- أَحْلَبْتَ نَاقَتَكَ أَمْ أَجْلَبْت‏.‏

يقال ‏"‏أَحْلَبَ الرجلُ‏"‏ إذا نتجت إبله إناثا فيحلب ألبانها، و ‏"‏أجْلَبَ‏"‏ إذا نتجت إبله ذكورا فيجلب أولادها للبيع، والعرب تقول في الدعاء على الإنسان‏:‏ لا أحْلَبْتَ ولا ‏[‏ص 201‏]‏ أجْلَبْتَ، ودعا رجل على رجلٍ فقال‏:‏ إن كنت كاذِباً فخلَبْتَ قاعدا وشرِبْت باردا، أي حلبت شاة لا ناقة، وشربت باردا على غير ثقل‏.‏

1057- أَحاديثُ الضَّبُعِ اسْتُها‏.‏

وذلك أن الضبع يزعمون أنها تَتَمَرَّغ في التراب ثم تُقْعِي فتتغنى بما لا يفهمه أحد، فتلك أحاديث استها‏.‏ يضرب للمُخَلِّطِ في حديثه‏.‏

1058- أَحَبُّ أَهْلِ الكَلْبِ إِلَيْهِ الظاعِنُ‏.‏

وذلك أنه إذا سافر ربما عَطِبت راحلته فصارت طعاما للكلب‏.‏

يضرب للقليل الحِفَاظ كالكلب يخرج مع كل ظاعن ثم يرجع‏.‏

1059- أحَبُّ أَهْلِ الكَلْبِ إِلَيْهِ خانِقُهُ‏.‏

يضرب للئيم، أي إذا أذْلَلْتَه يُكْرِمك وإن أكرمته تمرَّدَ‏.‏

1060- حَلَّقَتْ بِهِ عَنْقَاءُ مُغْرِبٌ‏.‏

يضرب لما يئس منه، قال الشاعر‏:‏

إذا مَا ابْنُ عَبْدِ اللّهِ خَلَّى مَكَانَهُ * فقد حَلَّقَتْ بالجُودِ عَنْقَاءُ مُغْرِبُ

العنقاء‏:‏ طائر عظيم معروف الاسم مجهول الجسم، وأغرب‏:‏ أي صار غريباً، وإنما وُصِف هذا الطائر بالمُغْرِب لبعده عن الناس، ولم يؤنِّثُوا صفته لأن العنقاء اسمٌ يقع على الذكر والأنثى كالدابة والحية، ويقال‏:‏ عَنْقَاءُ مُغْرِبٌ على الصفة ومُغْرِبِ على الإضافة كما يقال مَسْجدُ الجامِعِ وكتابُ الكامِلِ‏.‏

1061- حِدَأَ حِدَأَ وَرَاءَكِ بُنْدُقَهُ‏.‏

قال الشَّرْقّي بن القطامي‏:‏ حِدَأ بن نَمِرَة بن سعد العشيرة وهو بالكوفة، وبُنْدُقَة بن مَظَّةَ وهو سُفْيان بن سَلْهم بن الحكَم بن سعد العشيرة وهم باليمن، أغارت حِدَأ على بُنْدُقة فنالت منهم، ثم أغارت بندقة عليهم فأبادتهم قال ابن الكلبي‏:‏ فكانت تغزو بها‏.‏

يضرب لمن يَتَبَاصَرُ بالشيء فيقع عليه من هو أبصر منه‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ يراد بذلك هذا الحِدَأ الذي يَطِير، وعلى ما قال البندقة ما يرمى به‏.‏

يضرب في التحذير‏.‏

1062- حَيْثُ ما ساءَكَ فالْعُكْلِىُّ فِيِهِ‏.‏

يقال‏:‏ إن الزَّبْرِقَانَ بن بدر كانت أمه عُكْلِية، وكان الزبرقان في أخواله يَرْعَة ضَئينا، فقال خاله يوماً‏:‏ لأْنُظَرَّن إلى ابن أختي إذا راح مُمْسِيا أعِنْده خير أم لا‏؟‏ فلما راح مُظْلِما أدخل خالُه يدَيْه في يَدَيْ ‏[‏ص 202‏]‏ مِدْرَعَتِهِ فمدَّهما، ثم قام في وجهه، فقال الزبرقان‏:‏ مَنْ هذا‏؟‏ تَنَحَّ، فأبى أن يتنحى، فرماه فأقْصَدَه، فقال‏:‏ قَتَلْتَني، فدنا منه الزبرقان فإذا هو خاله، فقال هذا القول، فذهب مثلا‏.‏

1063- حَلَّ بِوَادٍ ضَبُّهُ مَكُون‏.‏

المَكْنُ‏:‏ بَيْضُ الضِّبَاب، والمَكُون‏:‏ الضبة الكثيرة البيض‏.‏

يضرب لمن نَزَلَ برجل متموِّل يتصرَّفُ ويتقلَّب في نَعْمَائه‏.‏

1064- حَمْداً إِذَا اسْتَغْنَيْتَ كَانَ أَكَرَمَ‏.‏

يعني إذا سألتَ إنساناً شيئا فبذَله لك واستغنيت فاحمدهُ، واشكر له، فإن حَمْدَك إياه أقربُ إلى الدليل على كرمك‏.‏

1065- حَدُّ إِكامٍ وانْصِرَاد وغَسَمْ‏.‏

الإكامُ‏:‏ جمع أكَمَة، وهي الرَّبْوَة الصغيرة، وانصراد‏:‏ أي وجْدَان البرد، قلت‏:‏ الانْصِرَادُ لفظه ما رأيته مستعملا إلا ههنا، واللّه أعلم بصحته‏.‏ والغَسَمُ‏:‏ الظُّلمة‏.‏

هذا رجل يشكو امرأته وأنه في بلية منها، وحد الإكَامِ‏:‏ طرفها، وهو غير مَقَرٍّ لمن يسكنه‏.‏

يضرب لمن ابتلى بشيء فيه كل شر، ولا يستطيع مفارقته‏.‏

1066- حَنْظَلَةُ الجِرَاحِ لَيْسَتْ لِلَّعِبِ‏.‏

هذا مثل قولهم ‏"‏فلان لا يلعب بحنظلته‏"‏ إذا كان مَنِيعاً‏.‏

1067- حَوْبَكَ هَلْ يُعتَمُ بِالسَّمارِ‏.‏

حَوْبَكَ‏:‏ من قولهم حوب، وهي كلمة تُزْجَرُ بها الإبل، فكأنه قال‏:‏ أزْجُرُكَ زَجْراً، وأعتم‏:‏ أبطأ‏.‏ والسَّمار‏:‏ اللبن الكثير الماء، يقول‏:‏ إذا كان قِرَاكَ سَمَاراً فما هذا الإعتام‏.‏

يضرب لمن يَمْطُل ثم يُعْطِي القليل‏.‏

1068- أَحْبَضَ وَهْوَ يَدَّعِيهِ مَخْطاً‏.‏

يقال‏:‏ حَبَضَ السهمُ يَحْبِض، إذا وقع بين يدي الرامي، وأحْبَضَه صاحبه، والمَخْطُ‏:‏ أن ينفذ من الرمية‏.‏ يضرب لرجل يسيء وهو يَرَى أنه يُحْسِن‏.‏

ونصب مَخْطا على أنه المفعول الثاني، أي يَزْعُمُه مخطا‏.‏

1069- حَجَا بِبَيْتٍ يَبْتَغِي زادَ السَّفَرِ‏.‏

يقال‏:‏ حَجَا بالمكانِ يَحْجُو حَجْواً، إذا أقام به، فهو حَجٍ وحَجِيٌّ، أي مقيم ببيت لا يبرحه ويطلب أن يُزَوَّد‏.‏ يضرب لمن يطلبُ ما لا يحتاج إليه‏.‏ ‏[‏ص 203‏]‏

1070- حَيْضَةُ حَسْنَاءَ لَيسَتْ تُمْلَكُ‏.‏

يعني أن الحسناء لا تُلاَم على حيضتها لأنها لا تملكها‏.‏

يضرب للكثير المحاسن والمناقب تحصل منه زَلة، أي كما أن حيضتها لا تُعَدُّ عيبا فكذلك هذه‏.‏

1071- أحْمَقُ يَمْطَخُ الماء‏.‏

أي يَلْعَقُ الماء‏.‏ قال أبو زيد‏:‏ المَطْخ‏:‏ اللَّعْقُ، وهذا كما يقال ‏"‏أحْمَقُ من لاعِقِ الماء‏"‏‏.‏

1072- احْتَلِبْ فَرْوَهْ‏.‏

زعموا أن رجلا قال لعبدٍ له‏:‏ احْتَلِب فَرْوَهْ، لناقة له تدعى فروه، فقال‏:‏ ليس لها لبن، فقال‏:‏ احْتَلِبْ فَرْوَهْ، يوهم القومَ أنه يأمره أن يَرْوَى من لبن الناقة، أي فَارْوَ مِنْهُ، فلما وقف على ‏"‏فَارْوَ‏"‏ زاد هاء للسكت، كما يقال اغْزُهْ وارْمِهْ‏.‏

يضرب للمُسيء الذي يرى أنه محسن‏.‏

1073- حَتَّى يَرْجِعَ السَّهْمُ عَلَى فُوقِهِ‏.‏

وهذا لا يكون، لأن السهم لا يَرْجع على فُوقه أبدا، إنما يمضي قُدُماً‏.‏

يضرب لما يستحيل كونُه، ومثلُه‏:‏

1074- حَتَّى يَرْجِعَ الدَّرُّ فِي الضَّرْعِ ‏.‏

وهذا أيضاً لا يمكن‏.‏

1075- حَيْنٌ وَمَنْ يَمْلِكُ أقْدَارَ الْحَيْنِ‏؟‏

أي‏:‏ هذا حَيْن ومَنْ يملك ما قُدِّرَ منه، يضرب عند دُنُوّ الهلاك‏.‏

1076- حَافِظْ عَلَى الصَّدِيقِ وَلَوْ فِي الحَرِيق‏.‏

يضرب في الحثِّ على رعاية العهد‏.‏

1077- أحَقُّ الخَيْلِ بالرَّكْضِ المُعَارُ‏.‏

قالوا‏:‏ المُعَار من العارية، والمعنى لا شَفَقَة لك على العارية، لآنها ليست لك، واحتجوا بالبَيْت الذي قبله، وهو من قول بِشْر ابن أبي خازم يصف الفرسَ‏:‏

كأن حَفِيفَ مَنْخِرِه إذا ما * كَتَمْنَ الرَّبْوَ كِيرٌ مُسْتَعَارُ

وَجَدْنَا في كتاب بني تميم * أحَقُّ الخيلِ بالرَّكْضِ المُعَارُ

قالوا‏:‏ والكِير إذا كان عارية كان أشدَّ لكده، وقال من رد هذا القول‏:‏ المُعَار المُسَمَّنُ، يقال ‏"‏أعَرْتُ الفرَسَ إعارة‏:‏ إذا سَمَّنْته، واحتج بقول الشاعر‏:‏

أعِيُروا خَيْلَكم ثم ارْكُضُوها * أحَقُّ الْخَيْلِ بالركض المُعَارُ

واحتج أيضاً بأن أبا عُبَيدة كان يَزْعُم أن قوله *وجدنا في كتاب بني تميم* ليس ‏[‏ص 204‏]‏ لبشر، وإنما هو للطِّرِمَّاح، وكان أبو سعيد الضرير يروى ‏"‏المُغَار‏"‏ بالغين المعجمة - أي المضَمَّر من قولهم ‏"‏أَغَرْتُ الحبْلَ‏"‏ إذا فَتَلْته قلت‏:‏ يجوز أن يكون ‏"‏المعار‏"‏ بالعين المهملة من قولهم ‏"‏عارَ الفَرَسُ يَعيرُ‏"‏ إذا انْفَلتَ وذهب ههنا وههنا، وأعاره صاحبُه إذا حمله على ذلك، فهو يقول‏:‏ أحق الخيل بأن يُرْكَضَ ما كان مُعَارا لأن صاحبَه لم يُشْفق عليه، فغيرُه أحق بأن لا يشفق عليه‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ مَنْ جعل المعار من العارية فقد أخطأ‏.‏

1078- احْتَرِسْ مِنَ العَيْنِ فَوَالَلّهِ لَهِي أنَمُّ عَلَيْكَ مِنَ اللِّسانِ‏.‏

قاله خالد بن صَفْوَان، قال الشاعر‏:‏ ‏(‏الأبيات للعباس بن الأحنف، والذي أحفظه في عجز أولها ‏"‏وجزى اللّه كل خير لساني‏"‏‏.‏‏)‏

لا جَزَى اللّه دَمْعَ عينيَ خَيْراً * بل جَزَى اللّه كُلَّ خَيْرٍ لِسَانِي

نَمَّ طَرْفِي فليس يَكْتُم شيئا * وَوَجَدْتُ اللسانَ ذا كتمانِ

كنْتُ مثلَ الكِتابِ أخْفَاهُ طَيٌّ * فاستدَلُّوا عليه بالعُنْوَانِ

1079- حُلَّ عَنْكَ فَاظْعَنْ‏.‏

حُلَّ‏:‏ أمر من الحَلِّ، أي حُلَّ حبوتك وارتحل‏.‏

يضرب عند قرب البلاء وطلب الحيلة‏.‏

1080- أَحَادِيثُ الصُّمِّ إِذَا سَكِرُوا‏.‏

يضرب لمن يعتذر بالباطل، ويخلط ويكثر‏.‏

1081- أَحَادِيثُ طَسْمٍ وَأَحْلاَمُها‏.‏

يضرب لمن يخبرك بما لا أَصْلَ له‏.‏

1082- حَالَ الأَجَلُ دُونَ الأَمَلِ‏.‏

هذا قريب من قولهم ‏"‏حال الْجَرِيض دون القَريض‏"‏‏.‏

1083- حَبَّذَا وَطْأَةُ المَيْلِ‏.‏

أصله للرجل يميل عن دابته فيقال له‏:‏ اعْتَدِلْ، فيقول‏:‏ حبذا وَطْأة الميل، يعني أن مركبه جيد، فيعقر دابته وهو لا يشعر‏.‏

يضرب في الرجل يَعُقُّ من ينصحه‏.‏

1084- حَوَّلَهَا مِنْ عَجُزٍ إِلَي غَارِبٍ‏.‏

قال أبو زيد‏:‏ إنما يقال هذا إذا أردْتَ أن تطلبَ إلى رجلٍ حاجةً أو تخصُّه بخير، فصرفت ذلك إلى أخيه أو أبيه أو ابنه أو قريب له‏.‏

1085- حِينَ تَقْلِينَ تَدْرِينَ‏.‏

أصل هذا أن رجلا دخَلَ إلى قَحْبة وتمتَّع بها وأعطاها جذرها ‏(‏هكذا في الأصول كلها، ولعل الأصل ‏"‏جعلها‏"‏‏)‏ وسرق مِقْلًى لها ‏[‏ص 205‏]‏ فلما أراد الانصرافَ قالت له‏:‏ قد غَبَنْتُكَ، لأني كنتُ إلى ذلك العمل أَحْوَجَ منك وأخذتُ دراهمك، فقال لها‏:‏ حينَ تَقْلِينَ تدرين‏.‏ يضرب للمَغْبُون يظن أنه الغابن غيره‏.‏

1086- أَحْمَقُ بِلْغٌ‏.‏

أي يَبْلُغ ما يريد مع حُمْقه، ويروى بَلْغ - بفتح الباء - أي بالغ مُرَاده، قال اليَشْكُري‏:‏ ‏(‏البيت للحارث بن حلزة اليشكري‏)‏

‏[‏فَهَدَاهُمْ بالأَسْوَدَيْنِ و‏]‏ أَمْرُ الْـ * ـلهِ ‏(‏الله‏)‏ بَلْغٌ تَشْقَي به الأشْقِيَاءُ أيّ بالغ‏.‏

1087- الْحَزْمُ حِفْظُ ما كُلِّفْتَ، وَتَرْكَ ما كُفِيتَ‏.‏

هذا من كلام أكْثَمَ بن صيفي، وقريب من هذا قوله صلى اللّه عليه وسلم ‏"‏من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه‏"‏‏.‏

1088- حَبِيبٌ جَاء عَلَى فاقَةٍ‏.‏

يضرب للشيء يأتيك على حاجة منك إليه ومُوَافقة‏.‏

1089- حِمْلُ الدُّهَيْمِ وَمَا تَزْبِي‏.‏

الدُّهَيْم‏:‏ اسم ناقة عمرو بن الزَّبان التي حُمِلَ عليها رؤوسُ أولاده إليه، ثم سميت الداهية بها، والزَّبْىُ‏:‏ الحَمْل، يقال‏:‏ زَبَاه وَازْدَبَاه، إذا حمله‏.‏

يضرب للداهية العظيمة إذا تفاقَمَتْ‏.‏

1090- الْحُمَّى أَضْرَعَتْنِي لَكَ‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ يضرب هذا في الذل عند الحاجة تنزل‏.‏

ويروى ‏"‏الحمى أضرعتني للنوم‏"‏ قال المفضل‏:‏ أول من قال ذلك رجل من كَلْب يقال له مرير، ويروى مرين، وكان له أَخَوَانِ أكبر منه يقال لهما مرارة ومرَّة، وكان مرير لصاً مُغيراً، وكان يقال له الذئب، وإن مرارة خرج يتصيّد في جبل لهم فاختطفه الجن، وبلغ أهلَه خَبَرُه فانطلق مُرَّة في أثره حتى إذا كان بذلك المكان اخْتُطِف، وكان مرير غائباً، فلما قدم بلغه الخبر، فأقسم لا يشرب خمراً ولا يمس رأسَه غسْلٌ حتى يطلب بأخويه، فتنكَّب قوسَه وأخذ أسْهُما ثم انطلق إلى ذلك الجبل الذي هلك فيه أخَوَاه، فمكث فيه سبعة أيام لا يرى شيئاً، حتى إذا كان في اليومِ الثامن إذا هو بظَليم، فرماه فأصابه واسْتَقَلَّ الظَّليمُ حتى وقع في أسفل الجبل، فلما وَجَبَت الشمسُ بصر بشخص قائم على صَخْرة ينادي‏:‏

يا أيها الرامي الظَّليمِ الأْسَودِ * تَبَّتْ مَرَامِيكَ التي لم تَرْشُدِ ‏[‏ص 206‏]‏

فأجابه مرير‏:‏

يا أيها الهاتِفُ فَوْقَ الصَّخْرَهْ * كم عَبْرَةٍ هَيَّجْتَها وَعَبْرَهْ

بقتلكم مرارة ومُرَّهْ * فَرَّقْتَ جمعاً وتركْتَ حَسْرَهْ

فتوارى الجني عنه هويّاً من الليل، وأصابت مريراً حُمَّى فغلبته عيناه، فأتاه الجني فاحتمله، وقال له‏:‏ ما أَنَامَكَ وقد كنتَ حَذِراً‏؟‏ فقال‏:‏ الحمى أضْرَعَتْنِي للنوم، فذهبت مثلا‏.‏ وقال مرير‏:‏

أَلاَ مَنْ مُبْلِغٌ فتيانَ قَوْمِي * بما لاَقَيْتُ بعدهُمُ جميعا

غزوْتُ الجنَّ أطلُبهم بثأرِي * لأسْقِيَهُمْ به سمّاً نَقِيعاَ

فَيَعْرِضُ لي ظَليمٌ بعد سبع * فأرْمِيهِ فأتْرُكُهُ صَرِيعاَ

في أبيات أخر يطول ذكرها ‏(‏ويروى أن عمر بن معد يكرب الزبيدي قال هذا المثل لأمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب‏.‏‏)‏

1091- حَوْلَ الصِّلِّيَانِ الزَّمْزَمَةُ‏.‏

قال أبو زياد‏:‏ الصِّلِّيان من الطريفة ينبتُ صُعُدا، وأضخمه أعجازه على قدر نبت الحلي، وهو يُخْتَلَى للخيل التي لا تفارق الحي، والزَّمْزَمَة‏:‏ الصوت، يعني صوت الفرس إذا رآه‏.‏

يضرب للرجل يُخْدَم لثروته‏.‏

ويروى ‏"‏حَوْلَ الصُّلْبَان الزمزمة‏"‏ جمع صَليب، والزمزمة‏:‏ صوتُ عابِدِيها، قال الليث‏:‏ الزمزمة أن يتكلف العِلْجُ الكلامَ عند الأكل وهو مُطْبِقٌ فمه‏.‏

يضرب لمن يَحُوم حول الشيء لا يظهر مَرَامه‏.‏

1092- الحَرْبُ غَشُوم‏.‏

لأنها تَنَال مَنْ لم يكن له فيها جناية، وربما سلم الجاني‏.‏

1093- الْحَذَرُ قَبْلَ إِرْسَالِ السَّهْمِ‏.‏

تزعم العربُ أن الغراب أراد ابنُهُ أن يطير، فرأى رجلا قد فَوَّقَ سَهْما ليرميه، فطار، فقال أبوهُ‏:‏ اتَّئِدْ حتى تعلم ما يريد الرجل، فقال له‏:‏ يا أبتِ الحذر قبلَ إرسال السهم‏.‏

1094- حِلْسٌ كَشَفَ نَفْسَهُ‏.‏

الحِلْسُ‏:‏ كِساء رقيق يكون تحت بَرْذَعة البعير، وهو يستره، وهذا حِلْسٌ يُعَزِّي نفسَه‏.‏

يضرب لمن يقوم بالأمر يَصْنَعُه فيضيعه‏.‏ ‏[‏ص 207‏]‏

1095- احْفَظْ ما فِي الوِعَاءِ بِشَدِّ الوِكاءِ‏.‏

يضرب في الحث على أخذ الأمر بالحزم‏.‏

1096- حَزَّت حازَّةٌ عن كُوعِها‏.‏

يضرب في اشتغال القوم بأمرهم عن غيره‏.‏

1097- احْسُ فَذُقْ‏.‏

يضرب في الشَّماتة، أي كنت تنهى عن هذا فأنت جَنَيْته فاحْسُه وذُقْه‏.‏

وإنما قدم الحَسْوَ على الذَّوْق وهو متأخر عنه في الرتبة إشارة إلى أن ما بعد هذا أشد، يعني احْسُ الحاضر من الشر، وذُقِ المنتظر بعده‏.‏

1098- أَحَشَفَاً وَسُوءَ كِيلَةٍ‏.‏

الكِيلَة‏:‏ فِعْلَة من الكَيْل، وهي تدلّ على الهيئة والحالة نحو الرِّكْبة والْجِلْسَة‏؟‏ والحَشَفُ‏:‏ أَرْدَأ التمر، أي أتجمَعُ حشَفَا وسوء كيل‏.‏

يضرب لمن يجمع بين خَصْلتين مكروهتين‏.‏

1099- حَالَ صَبُوحُهُمْ دُونَ غَبُوقِهِمْ‏.‏

يضرب للأمر يسعى فيه، فلا ينقطع ولا يتم‏.‏

1100- الحقُّ أَبْلَجُ وَالبَاطِلُ لَجْلَجٌ‏.‏

يعني أن الحق واضح، يقال‏:‏ صُبْح أَبْلَج، أي مُشْرِق، ومنه قوله‏:‏

حَتَّى بَدَتْ أَعْنَاقُ صُبْح أَبْلَجَا* وفي صفة النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏"‏أبلج الوجه‏"‏ أي مُشْرِقُه‏.‏ والباطل لجلج‏:‏ أي مُلْتَبِس، قال المبرد‏:‏ قوله لجلج أي يَتَرَدَّد فيه صاحبُه ولا يصيب منه مخرجاً‏.‏

1101- الحَفِيظَةُ تًحَلِّلُ الأَحْقَادَ‏.‏

الحَفِيظَة والحِفْظَةُ‏:‏ الغضب والحميَّةُ، والحفائظ‏:‏ جمع حَفِيظة‏.‏ ومعنى المثل‏:‏ إذا رأيتَ حميمَك يُظْلَم حميتَ له، وإن كان في قلبك عليه حِقْد‏.‏

1102- الحَرِيصُ يَصِيدُكَ لا الْجَوَادُ‏.‏

أراد يصيد لك، يقول‏:‏ إن الذي له هَوًى وحِرْص على شأنك هو الذي يقوم به لا القويّ عليه ولا هَوَى له فيك‏.‏

يضرب لمن يستغني عن الوَصِيَّة لشدة عنايته بك‏.‏

1103- حَدِّثْ عَنْ مَعْنٍ وَلاَ حَرَج‏.‏

يَعْنُونَ مَعْنَ بن زائدة بن عبد اللّه الشيباني، وكان من أَجْواد العرب‏.‏

1104- حَلَفَ بالسَّماءِ والطَّارِقِ‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ يراد بالسماء المطر، وبالطارق النجم، لأنه يَطْرُق أي يطلع ليلا، والطروق لا يكون إلا بالليل‏.‏ ‏[‏ص 208‏]‏

1105- حلَفَ بالسَّمَرِ وَالقَمَرِ‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ السمر الظُّلْمة، وإنما سميت سمراً لأنهم كانوا يجتمعون في الظلمة فيسمرون، ثم كثر ذلك حتى سميت سَمَراً‏.‏

1106- الْحَزْمُ سُوءُ الظَّنِّ بالنَّاسِ‏.‏

هذا يروى عن أكْثَمَ بن صَيْفي التميمي‏.‏

1107- الْحُرُّ حُرٌّ وَإِنْ مَسَّهُ الضُّرُّ‏.‏

وهذا أيضاً يروى عنه في كلام له‏.‏

1108- الْحَامِلُ عَلَى الكَرَّازِ‏.‏

هذا مثل يضرب لمن يُرْمَى باللؤم‏.‏ يعني أنه رَاعٍ يحمل زادَه على الكَبْش وأول من قاله مُخَالس بن مُزَاحم الكَلْبي لقاصر بن سَلَمة الْجُذَامي، وكانا بباب النعمان ابن المنذر، وكان بينهما عداوة، فأتى قَاصِر إلى ابن فَرْتَنَى - وهو عمرو بن هند أخو النعمان بن المنذر - وقال‏:‏ إن مُخَاِلساً هَجَاك وقال في هِجائه‏:‏

لقد كان مَنْ سَمَّى أباك ابنَ فَرْتَنَى * به عارفاً بالنَّعْت قبل التَّجَارِبِ

فسماه من عِرْفَانِهِ جَرْوَ جَيْأَلٍ * خليلة قشع خَامِلِ الرجل سَاغِبِ

أبا مُنْذِرٍ أَنَّى يقودُ ابنُ فَرْتَنَى * كَرَادِيسَ جمهور كثير الكتائب

وما ثبتت في مُلْتَقَى الخيلِ ساعةً * له قَدَمٌ عند اهتزاز القَوَاضِبِ

فلما سمع عمرو ذلك أتى النعمان فشكا مُخَالسا، وأنشده الأبيات، فأرسل النعمان إلى مُخَالس، فلما دخل عليه قال‏:‏ لا أمَّ لك‏!‏ أتهجو امرأً هو ميتاً خير منك حياً، وهو سقيماً خير منك صحيحاً، وهو غائباً خير منك شاهداً، فبرحمة ماء المُزْنِ، وحَقِّ أبي قابوس لئن لاح لي أن ذلك كان منك لأنْزِعَنَّ غَلْصَمَتَكَ من قَفَاك ولأطعِمَنَّكَ لحمك، قال مُخَالس‏:‏ أبيتَ اللَّعْن‏!‏ كلا والذي رفع ذِرْوَتَك بأعمادها، وأمات حُسَّادك بأكمادها، ما بُلِّغْتَ غيرَ أقاويل الوُشَاة، ونمائم العصاة، وما هَجَوْتُ أحداً، ولا أهجو امرأً ذكرت أبداً، وإني أعوذ بجَدِّك الكريم، وعِزِّ بيتك القديم، أن ينالني منك عِقَاب، أو يُفَاجِئني منك عذاب، قبل الفحص والبيان، عن أساطير أهل البهتان، فدعا النعمان قَاصِراً فسأله، فقال قاصر‏:‏ أبيتَ اللعن‏!‏ وحَقِّكَ لقد هَجَاه، وما أرْوَانِيها سِوَاه، فقال مخالس‏:‏ لا يأخذَنَّ أيها الملِكُ منك قولُ امرئ آفك، ولا تُورِدْنِي سبيلَ المهالك، واستدلل على كذبك بقوله إني أرْوَيْتُه مع ما تعرف من عَدَاوته، فعرف النعمانُ صدقه، فأخرجهما، فلما خرجا قال ‏[‏ص 209‏]‏ مُخَالس لقاصر‏:‏ شَقِيَ جَدُّك، وسَفَل خَدُّك، بطل كَيْدُك، ولاح للقوم جُرْمُك، وطاش عني سَهْمُك، ولأنْتَ أضْيَقُ جُحْراً من نقَّاز، وأقلُّ قرًى من الحامل على الكَزَّاز، فأرسلها مثلاً‏.‏

1109- أَحْمَقُ ما يَجْأَى مَرْغَهُ‏.‏

المَرْغُ‏:‏ اللَّعَاب، ويَجْأَى‏:‏ يَحْبِسُ، قال أبو زيد‏:‏ أي لا يَمْسَح لُعَابه ولا مُخَاطه، بل يَدَعُه يسيل حتى يراه الناس‏.‏

يضرب لمن لا يَكْتُم سره‏.‏

1110- حَرُّ الشَّمْسِ يُلْجِئُ إِلىَ مَجْلِسِ سُوءٍ‏.‏

يضرب عند الرضا بالدنيء الحقير، وبالنزول في مكان لا يَلِيق بك‏.‏

1111- أحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْناً مَّا‏.‏

أي أحْبِبْهُ حُبّاً هَوْناً، أي سَهْلا يسيراً، و ‏"‏ما‏"‏ تأكيد، ويجوز أن يكون للابهام، أي حُبّاً مبهما لا يكثر ولا يظهر، كما تقول‏:‏ اعْطِنِي شيئاً ما، أي شيئاً يَقَعُ عليه اسم العطاء وإنْ كان قليلا‏.‏ والمعنى لا تُطْلعه على جميع أسْرَارِك، فلعله يتغير يوماً عن مودتك، وقال النَّمِرُ بن تَولَب‏:‏

أحْبِبْ حَبِيبَكَ حُبّاً رُوَيْداً * فَقَدْ لا يَعُولُكَ أن تصرما

وأبغِضْ بَغِيضَكَ بُغْضاً رُوَيْداً * إذا أنْت حَاوَلْتَ أن تحكما

ويروى ‏"‏فليس يعولك‏"‏ أي فليس يَغْلبك ويفوتك صَرْمُه، وقوله ‏"‏أن تحكما‏"‏ أي أن تكون حكيما‏.‏ والغرض من جميع هذا كله النهيُ عن الإفراط في الحب والبغض، والأمر بالاعتدال في المعنيين‏.‏

1112- حَتَّامَ تَكْرَعُ ولاَ تَنْقَعُ‏.‏

يقال‏:‏ كَرَعَ في الماء وكَرِعَ أيضاً، إذا وَرَدَ الماء فتناوله بفيه من موضعه من غير أن يشرب بكفيه ولا بإناء، ونقَع‏:‏ معناه رَوِىَ وأرْوَى أيضاً، يتعدى ولا يتعدى‏.‏ يضرب للحريص في جمع الشيء‏.‏

1113- حَظِيِّينَ بَناتٍ صَلِفِينَ كَنَّاتٍ‏.‏

الحَظِىُّ‏:‏ الذي له حُظْوة ومَكَانة عند صاحبه، يقال‏:‏ حَظِيَ فلان عند الأمير، إذا وَجَد منزلة ورتبة، والصَّلِف‏:‏ ضده، وأصل الصَّلَف قلة الخير، يقال‏:‏ امرأة صَلِفة، إذا لم تَحْظ عند زوجها، والكَنَّة‏:‏ امرأة الابن وامرأة الأخ أيضاً، ونصب ‏"‏حظيين‏"‏ و ‏"‏صلفين‏"‏ على إضمار فعل، كأنه قال‏:‏ وجدوا أو أصْبَحُوا، ونصب ‏"‏بنات‏"‏ و ‏"‏كَنَّات‏"‏ على التمييز، كما تقول‏:‏ راحوا كرِيمِينَ آباء حَسَنِينَ وُجُوها‏.‏ ‏[‏ص 210‏]‏

يضرب هذا المثل في أمر يَعْسُر طلب بعضه ويتيسر وجود بعضه‏.‏

1114- حَال صَبُوحُهُمْ عَلَى غَبُوقِهِمْ‏.‏

يقال‏:‏ حال الماءُ على الأرض حولا، أي انْصَبَّ، وأحَلْتُه أنا‏:‏ صببته، قال لبيد‏:‏

كأن دُمُوعَه غَرْبا سَنَاةٍ * يُحِيلُونَ السِّجَالَ على السِّجَالِ

ومعنى المثل على ما قالوا‏:‏ افتقروا فقلّ لبنُهم، فصار صَبُوحهم وغَبُوقهم واحداً‏.‏

1115- حَمْدُ قَطاةٍ يَسْتَمِى الأَرَانِبَ‏.‏

زعموا أن الحمد فَرْخُ القَطَاة، ولَمْ أرَ له ذكرا في الكتب، واللّه أعلم بصحته، والاسْتِمَاء‏:‏ طلبُ الصيد، أي فَرْخُ قَطاة يطلب أن يصيد الأرانب‏.‏

يضرب للضعيف يروم أن يكيد قويّاً‏.‏

1116- حَوْضَكَ فالأَرْسَالُ جَاءَتْ تَعْتَرِكُ‏.‏

الأرْسَال‏:‏ جمع رَسَل، وهو القَطيع من الإبل، ونصب ‏"‏حَوْضَك‏"‏ على التحذير، أي احْفَظْ حوضَك فإن الإبل تَزْدَحم على الماء‏.‏

يضرب لمن كافَحَ مَنْ هو أقوى منه وأكثر عدة‏.‏

1117- حَظٌّ جَزِيلٌ بَيْنَ شِدْقَيْ ضَيْغَمٍ‏.‏

يضرب للأمر المَرْغوب فيه الممتنع على طالبه‏.‏

1118- حَلُوءَةٌ تُحَكُّ بِالذَّرَارِيحِ‏.‏

الحَلوء، على فَعُول‏:‏ أن تحك حَجَرا على حجر ثم جعلت الحكاكة على كفك وصَدَّأت به المِرْآة ثم كحلت به، والذراريح‏:‏ جمع الذَّرُّوح والذُّرُّوح والذرحرح والذَّرَّاح، وهي دويبة حمراء مُنّقَّطة بسواد تَطير، وهي من السموم‏.‏ يضرب لمن كان له قول حَسَن وفعل قبيح‏.‏

1119- حَيُّكَ لِلّيِّ أبَا َربِيعٍ‏.‏

الحَيُّ‏:‏ الجمع، واللَّيُّ‏:‏ المَطْل‏.‏ يضرب لمن يجمع المال ثم لا يعطي منه أحدا ولا ينتفع به‏.‏

1120- حَلُوبَة تُثْمِلُ ولاَ تُصَرِّحُ‏.‏

الحَلُوبة‏:‏ الناقة التي تحلب لأهل البيت أو للضيف، وأثْمَلَتِ الناقة، إذا كان لبنها أكْثَرَ ثُمالة من لبن غيرها، والثُّمَالة‏:‏ الرِّغْوة، وصَرَّحَت إذا كان لبنُها صُرَاحا أي خالصاً‏.‏

يضرب للرجل يكثر الوعيد والوعد، ويقل وفاؤه بهما‏.‏

1121- الحُصْنُ أدْنَى لَوْ تَأَيَّيْتِهِ‏.‏

الحُصْنُ‏:‏ العَفَاف، يقال‏:‏ حَصُنَت المرأة حُصْنا فهي حَاصِن وحَصَانٌ وحَصْناء أيضاً بَيِّنة الحَصَانة‏.‏ ‏[‏ص 211‏]‏

قيل‏:‏ كانت لامرأة ابنة فرأتها تَحْثو التراب على راكب، فقالت لها‏:‏ ما تصنعين‏؟‏ قالت‏:‏ أريه أني حَصَان أتعفف، وقالت‏:‏

يا أمَّتَا أبْصَرنِي راكبٌ * في بلد مُسْتَحْقرٍ لاحِبِ

فصرتُ أحثْو التُّربَ فِي وَجْهِهِ * عني وأنْفِي ُتْهَمَة العائب

فقالت أمها‏:‏

الحُصْنُ أوْلى لَوْ تأيَّيْتِهِ * من حَثْيكِ التُّرْبَ عَلَى الرَّاكِبِ‏.‏

فأرسلتها مثلاً، وتأيَّا‏:‏ معناه تعمَّد، وكذلك تآيا، على تَفَعَّل وتَفَاعل‏.‏

يضرب في ترك ما يشوبه ريبة وإن كان حسنَ الظاهر‏.‏

1122- الحَذَرُ أَشَدُّ مِنَ الوَقيعَةِ‏.‏

أي من الوقوع في المحذور، لأنه إذا وقَع فيه علم أنه لا ينفع الحذر‏.‏

1123- الحُرُّ يُعْطِي وَالعَبْدُ يَأْلَمُ قَلْبُهُ‏.‏

يعني أن اللئيم يكره ما يجود به الكريم‏.‏

1124- حَمِى سَيْلٍ راعِبٍ‏.‏

يضرب للذي يَلْتهم أقرانه ويغلبهم، والراعب من السيول‏:‏ الذي يملأ الوادى، والزاعب بالزاي‏:‏ الذي يتدافع في الوادي‏.‏

1125- حَتّى يَؤُوبَ القارِظَانِ‏.‏

و ‏"‏حتى يؤوب المُنَخَّل‏"‏ و ‏"‏حتى يرد الضَّب‏"‏ كل ذلك سواء في معنى التأبيد‏.‏

1126- حَرَّكَ خِشَاشَهُ‏.‏

أي فَعَلَ به فعلا ساءه وآذاه‏.‏

1127- الْحَليمُ مَطِيَّةُ الْجَهُولِ‏.‏

أي الحليمُ يتوطأ للجاهل فيركبه بما يريد، فلا يجازيه عليه كالمطية‏.‏

يضرب في احتمال الحليم‏.‏

وقال الحسن‏:‏ ما نَعَتَ اللّه من الأنبياء نَعْتاً أقلَّ مما نعتهم به من الحلم، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏إن إبراهيم لحليم أوَّاه منيب‏}‏ قال أبو عبيدة‏:‏ يعني أن الحلم في الناس عزيز‏.‏

1128- الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ‏.‏

هذا يروى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال بعضهم‏:‏ جعل الحياء وهو غريزة من الإيمان وهو اكتساب، لأن المستحي ينقطع بحيائه عن المعاصي وإن لم يكن له تَقِية، فصار كالإيمان الذي يقطع بينها وبينه، ومنه الحديث الآخر ‏"‏إذا لم تَسْتَحِي فاصنع ما شئت‏"‏ أي من لم يستحي صَنَعَ ما شاء، لفظُه أمر ومعناه الخبر‏.‏

1129- احْفَظْ بَيْتَكَ مِمَّنْ لا تَنْشُدُهُ‏.‏

أي ممن يساكنك، لأنك لا تقدر أن تطلب منه المفقود‏.‏ ‏[‏ص 212‏]‏

1130- الحَازِم مَنْ مَلَكَ جِدُّهُ هَزْلَه‏.‏

يضرب في ذم الهزل واستعماله‏.‏

1131- حِرْبَاءُ تَنْضَبَةٍ‏.‏

التَّنْضَبُ‏:‏ شجر تُتَّخَذُ منه السهام، قاله ابن سلمة، والحرباء‏:‏ أكبر من العَظَاية شئياً، وهو يلزم هذه الشجرة‏.‏ يضرب لمن يلزم الشيء فلا يفارقه‏.‏

1132- حَمَّلْتَهُ حِمْلَ البَازِلِ وَهْوَ حِقٌ‏.‏

يضرب لمن يضع معروفه أو سِرَّه عند مَنْ لا يحتمله‏.‏

1133- حُكْمُكَ مُسَمَّطٌ‏.‏

أي مُرْسَل جائز لا يُعَقَّب، ويروى ‏"‏خذ حُكْمَكَ مسمطاً‏"‏ أي مُجَوَّزاً نافذا، والمُسَمّط‏:‏ المرسَل الذي لا يُرَدُّ‏.‏

1134- حَسْبُكَ مِنْ إِنْضَاجِهِ أَنْ تَقْتُلَهُ‏.‏

يضرب لمن طلب الثأر‏.‏

يقول‏:‏ واللّه لأقتلن فلانا وقومَه أجمعين فيقال له‏:‏ لا تعد حَسْبُك أن تُدْرِك ثأرك وطَلِبتك‏.‏

ويضرب لمن جاوز الحد قولا وفعلا‏.‏

1135- أَحَادِيثُ زَبَّانَ اسْتُهُ حينَ أَصْعَدا‏.‏

يضرب لمن يتمنى الباطل‏.‏

أي كان أحاديث هذا الرجل كذبا، وهذا مثل قولهم ‏"‏أحاديثُ الضبع اسْتُها‏"‏‏.‏

1136- الْحَدِيثُ أَنْزَى مِنْ ظَبْيٍ‏.‏

يعني أنه يفتح بعضُه بعضا، كما أن الظبي إذا نَزَا حمل غيرَه على ذلك‏.‏

1137- حَرّاً أَخَافُ عَلَى جَانِي كَمْأَةٍ لاَ قُرّاً‏.‏

يضرب للرجل يقول‏:‏ إني أخاف كذا وكذا ويكون الخوف في غيره‏.‏

1138- حُقَّ لِفَرَسٍ بِعِطْرٍ وَأُنُسٍ‏.‏

قال يونس‏:‏ كانت امرأة من العرب لها زوج يقال له فَرَس، وكان يكرمها، وكان سَخِيّاً، فمات وخَلَفه عليها شيخٌ، فبينا هو ذاتَ يوم يَسُوق بها إذ مرت بقبرِ فَرَسٍ فقالت‏:‏ يا فرس، يا ضَبُع أهله وأسد الناس، كسر الكبش بجفَرْ، وتركت العاقر أن تنحر، وبابات أخر، فقال الزوج‏:‏ وما هن‏؟‏ قالت‏:‏ كام لا يبيت بغَمْر كفيه، ولا يتشبَّع بخلَلَ سنيه، قال‏:‏ فدَفَعها عن البعير وقَشْوَتها بين يديها، فسقطت القَشْوَة على القبر، فقالت‏:‏ حُقَّ لفرسِ بعطْرٍ وأنُسٍ‏.‏

يضرب للرجل الكريم يثني عليه بما أولى وتقدير المثل‏:‏ حق لفرس أن يُتْحَف بعِطْر وأنْس، فثقل للازدواج‏.‏ ‏[‏ص 213‏]‏

1139- حَبَسَكَ الْفَقْرُ فِي دَار ضُرٍّ‏.‏

يضرب لمن يطلب الخير من غير أهله‏.‏

1140- حتَّى مَتَى يُرْمَى بِي الرَّجَوَانِ‏.‏

الرجا مقصورا‏:‏ الجانبُ، وجمعه أرجاء، والأرجاء‏:‏ الجوانب، وأريد ههنا جانبا البئر، لأن من رمى به فيه يتأذى من جانبيه ولا يصادف مُعْتَصَماً يتعلق به حواليه، والمعنى حتى متى أجْفَى وأقْصَى ولا أقَرَّب، وقال‏:‏

فلا يُرْمَى بي الرجوان، إني * أَقلُّ الْقَوْمِ مَنْ يُغْنِي مكاني ‏(‏في أصول هذا الكتاب‏"‏فلا يقذف بي الرجوان‏"‏ وليس بشيء‏)‏ ‏.‏

1141- حُطْتُمُونَا الْقَصَا‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ القَصَا البُعْدُ والناحية، قال بشر‏:‏

فَحَاطُونَا الْقَصَا ولَقَدْ رَأوْنَا * قَريباً حَيْثُ يُسْتَمَعُ السِّرَارُ

أي تباعدوا عنا وهم حولنا، ولو أرادوا أن يَدْنُوا منا ما كنا بالبعد منهم، و ‏"‏القصا‏"‏ في موضع نصب لكونه ظَرْفاً، ويجوز أن يكون واقعا مَوْقِعَ المصدر‏.‏ يضرب للخاذل المتنحِّى عن نصرك‏.‏

1142- حتَّى يُؤَلَّفَ بَيْنَ الضَّبِّ والنُّونِ‏.‏

وهما لا يأتلفان أبدا، قال الشاعر‏:‏

إن يهبط النون أرضَ الضَّبِّ ينصره * يضلل ويأكله قَوْمٌ غَرَاثِينُ

1143 حِسّاً وَلاَ أَنِيسَ‏.‏

أي مواعيد ولا إنجاز، مثل قولهم ‏"‏جَعْجَعَة ولا أرى طِحْناً‏"‏ أي أسمع حسا‏.‏ والحِسُّ والحسيس‏:‏ الصوتُ الخفي‏.‏

1144- حَمَلَهُ عَلَى قَرْنِ أَعْفَرَ‏.‏

أي على مَرْكَب وَعْر، قال الكُمَيت‏:‏

وكنَّا إذا جَبَّار قوم أرادنا * بكَيْدٍ حَمَلْناه على قَرْنِ أعْفَرَا

يقول‏:‏ نقتله ونحمل رأسه على السِّنان، وكانت الأسِنَّةُ من القرون فيما مضى من الزمان، ومثله قولهم‏:‏

1145- حَمَلَهُ عَلَى الأفْتَاءِ الصِّعَابِ‏.‏

الأفتاء‏:‏ جمع فتى من الإبل‏.‏ يضرب لمن يُلْقَى في شر شديد‏.‏

ويقولون في ضده‏:‏

1146- حَمَلَهُ عَلَى الشُّرُفِ الذُّلُلِ‏.‏

الشُّرُفُ‏:‏ جمع الشارف، وهي المُسِّنَة من النوق، يقال‏:‏ شارف وشُرُف، كما قالوا بازل وبُزُل وفَارِه وفُرُه‏.‏

1147- حَمِىَ فَجاشَ مِرْجَلُهُ‏.‏

أي غضب غضباً شديداً‏.‏ ‏[‏ص 214‏]‏

1148- الحَرْبُ سِجَالُ‏.‏

المُسَاجلة‏:‏ أن تَصْنَع مثلَ صنيع صاحبك من جرى أو سقى، وأصله من السَّجْل وهو الدَّلْو فيها ماء قل أو كثر، ولا يقال لها وهي فارغة سَجْل، قال الفضل بن العباس بن عُتْبة ابن أبي لَهَب‏:‏

منْ يُسَاجِلْنِي يُسَاجِلْ ماجدا * يَمْلأَ الدَّلْوَ إلى عَقْدِ الكَرَبْ

وقال أبو سفيان يوم أحد بعد ما وقعت الهزيمة على المسلمين‏:‏ اعْلُ هُبَلُ اعْلُ هُبَلُ، فقال عمر‏:‏ يا رسول اللّه ألا أجيبه‏؟‏ قال‏:‏ بلى يا عمر، قال عمر‏:‏ اللّه أعْلى وأجَلّ، فقال أبو سفيان‏:‏ يا ابن الخطاب إنه يومُ الصَّمْت يوما بيوم بدر، وإن الأيام دُوَل، وإن الحرب سِجَال، فقال عمر‏:‏ ولا سَوَاء، قَتْلاَنا في الجنة وقَتْلاَكم في النار، فقال أبو سفيان‏:‏ إنكم لتزعمون ذلك، لقد خِبْنَا إذَنْ وخَسِرْنا‏.‏

1149- الحِرْصُ قَائِدُ الحِرْمَانِ‏.‏

هذا كما يقال ‏"‏الْحَرِيصُ مَحْروم‏"‏ وكما قيل ‏"‏الحِرْصُ مَحْرَمَة‏"‏‏.‏

1150- حُسْنُ الظَّنِّ وَرْطَةٌ‏.‏

هذا كما مضى من قولهم ‏"‏الحَزْمُ سوءُ الظن بالناس‏"‏‏.‏

1151- الحَرْبُ مَأْيَمَةٌ‏.‏

أي يُقْتَل فيها الأزواج فتبقى النساء أيامى لا أزواج لهن‏.‏

1152- الحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ‏.‏

يعني أن المؤمن يَحْرِصُ على جَمْع الحكم من أين يجدها يأخذها‏.‏

1153- الحَسَنَة بَيْنَ السَّيِّئَتْيِن‏.‏

يضرب للأمر المتوسِّط‏.‏

ودخل عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه على عبد الملك بن مروان وكان خَتَنَهُ على ابنته فاطمة، فسأله عن معيشته كيف هي، فقال عمر‏:‏ حَسَنَة بين السيئتين، ومنزلة بين المنزلتين، فقال عبد الملك‏:‏ خَيْرُ الأمور أوْسَاطُها‏.‏

1154- الحَمْدُ مَغْنَمٌ، والمَذَمَّة مَغْرَمٌ‏.‏

يضرب في الحثِّ على اكتساب الحمد‏.‏

1155- أَحْرَزَ امْرأً أَجْلُهُ‏.‏

قاله علي رضي اللّه عنه حين قيل له‏:‏

أتَلْقَى عدوَّك حاسرا‏؟‏‏.‏ يقال‏:‏ هذا أصدق مثل ضربته العرب‏.‏

1156- أَحْسِنْ وأَنْتَ مُعانٌ‏.‏

يعني أن المحسن لا يخذله اللّه ولا الناس‏.‏

1157- الحَسَدُ هُوَ المَلِيلةُ الكُبْرَى‏.‏ ‏[‏ص 215‏]‏

1158- الحُبَارى خَالةُ الكَروَانِ‏.‏

يضرب في التنَاسُب‏.‏

1159- الحَكِيمُ يَقْدَعُ النَّفْسَ بِالكَفَافِ‏.‏

كَفَافُ الرجل‏:‏ ما يكُفُّه عن وجوه الناس، ومعنى يقدع يمنع، يعني أن الحكيم يمنع نفسه عن التطلع إلى مجع المال، ويحملها على الرضا بالقليل‏.‏

1160- الحِلْمُ والمُنَى أَخَوَانِ‏.‏

وهذا كما يقال ‏"‏ إنَّ المُنَى رأسُ أموال المفاليس‏"‏‏.‏

1161- الحَصَاةُ منَ الْجَبَلِ‏.‏

يضرب للذي يميل إلى شكله‏.‏

1162- حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ‏.‏

قاله صلى اللّه عليه وسلم لأعرابي قال‏:‏ إنما أسأل اللّه الجنة، فأما دَنْدَنَتُكَ ودَنْدَنَةُ مُعَاذ فلا أُحْسِنُهَا، قال أبو عبيد‏:‏ الدَّنْدَنَةُ أن يتكلم الرجلُ بالكلام تَسْمَع نغمته ولا تفهمه عنه، لأنه يُخْفيه، أراد صلى اللّه عليه وسلم أن ما تسمعه منا هو من أجْلِ الْجَنَّةِ أيضاً‏.‏

1163- حُمَادَاكَ أنْ تَفْعَلَ كَذَا‏.‏

أي غايتُكَ وفعلُكَ المحمودُ، وهو مثل قولهم ‏"‏قُصَاراك‏"‏ و ‏"‏غناماك‏"‏‏.‏

1164- حَتَّى يَؤُوبَ المُثَلَّمُ‏.‏

هذا من أمثال أهل البصرة، يقولون‏:‏ لا أفعل كذا حتى يؤوب المُثَلَّم، وأصل هذا أن عُبَيد اللّه بن زياد أمَرَ بخارجِيٍّ أن يقتل، فأقيم للقتل، فتحاماه الشرط مخافَةَ غِيلَة الخوارج، فمر به رجل يعرف بالمُثَلَّم - وكان يتَّجر في اللِّقاح والبَكارة - فسأل عن الجمع، فقيل‏:‏ خارجيّ قد تحاماه الناس، فانتدب له، فأخذ السيفَ وقتله به، فرصَده الخوارج ودسُّوا له رجلين منهم، فقالا له‏:‏ هل لك في لِقْحَة من حالها وصفتها كذا‏؟‏ قال‏:‏ نعم، فأخَذَاه معهما إلى دارٍ قد أعدَّا فيها رجالا منهم، فلما توسَّطها رفعوا أصواتهم أنْ لا حكم إلا اللّه، وعَلَوْه بأسيافهم حتى بَرَد، فذلك حين قال أبو الأسود الدؤلي‏:‏

وآلَيْتُ لا أسْعَى إلى ربَّ لِقْحَةٍ * أساوِمه حتى يَؤوبَ المثلَّمُ

فأصْبَحَ لا يدرِي امرؤ كيف حالُه * وقد بات يَجْرِي فوق أثوابه الدمُ

1165- حُلِبَتْ صُرَامُ‏.‏

ضرب عند بلوغ الشر آخِرَه‏.‏

والصُّرَام‏:‏ آخرُ اللبن بعد التغريز، إذا احتاج إليه صاحبه حَلَبه ضرورة، قال بشر‏:‏ ‏[‏ص 216‏]‏

ألا أبْلِغْ بَنِي سَعْدٍ رسولا * ومَوْلاهم فقد حُلبت صُرَامُ

أي بلغ الشر نايته، وأنث على معنى الداهية، والغريز‏:‏ أنْ تَدَع حَلْبة بين حَلْبتين، وذلك إذا أدبر لبن الناقة، وقال الأزهري‏:‏ صَرَامِ - مثل قَطَامِ مبني على الكسر - من أسماء الحرب، وأنشد للجعدي

ألاَ أبلْغ بني شَيْبَان عني * فقد حلَبَتْ صَرَامِ لكم صَرَاهَا

1166- حَتَّى يَجِيءَ نَشِيطٌ مِنْ مَرْوَ‏.‏

كان نَشيط غلاماً لزِياد بن أبي سفيان، وكان بَنَّاء هرب قبل أن يشرف وجه دار زياد، وكان لا يَرْضى إلا عمله، فقيل له‏:‏ لم لا تشرف دارك‏؟‏ فقال‏:‏ حتى يجيء - المثل، فصار مثلاً لكل ما لا يتم، وقال بعض أهل البصرة‏:‏

إلى ما يوم يُبْعَثُ كل حي * ويَرْجَع بعدُ من مَرْوٍ نشيطُ

*3*ما جاء على أفعل من هذا الباب‏.

1167- أَحْمَقُ مِنْ أَبِي غَبْشَانَ‏.‏

كان من حديثه أن خُزَاعة حَدَث فيها موت شديد ورُعَاف عَمَّهم بمكة، فخرجوا منها ونزلوا الظَّهْرَان فرفع عنهم ذلك، وكان فيهم رجل يقال له حليل بن حبشية، وكان صاحبَ البيت، وكان له بَنُون وبنت يقال لها حُبَّى، وهي امرأة قصيّ بن كلاب، فمات حليل، وكان أوصى ابنَتَه حُبَّى بالحِجابة وأشْرَك معها أبا غَبْشَان الملكاني، فلما رأى قُصَيُّ بن كلاب أن حليلا قد مات، وبَنُوه غُيَّب، والمفتاحُ في يد امرأته، طلب إليها أن تدفع المفتاح إلى ابنها عبدِ الدار بن قصي، وحمل بنيه على ذلك، فقال‏:‏ اطلبوا إلى أمكم حجابة جدكم، ولم يزل بها حتى سَلِسَتْ له بذلك، وقالت‏:‏ كيف أصنع بأبي غَبْشان وهو وَصِيٌّ معي‏؟‏ فقال قُصَي‏:‏ أنا أكفيكِ أمره، فاتفق أن اجتمع أبو غَبْشَان مع قصي في شَرْب بالطائف، فخدَعَه قصي عن مفاتيح الكعبة بأن أسْكَره ثم اشترى المفاتيحَ منه بزِقّ خمر، وأشهد عليه، ودفَع المفاتيح إلى ابنه عبد الدار بن قصي، وطَيَّره إلى مكة، فلما أشرف عبدُ الدار على دور مكة رفع عَقيرته وقال‏:‏ معاشرَ قريش، هذه مفاتيح بيت أبيكم إسماعيل قد رَدَّها اللّه عليكم من غير غَدْر ولا ظلم، فأفاق أبو غَبْشَان من سكره أنْدَمَ من الكُسَعي، فقال الناس‏:‏ ‏[‏ص 217‏]‏ أحمق من أبي غَبْشَان، وأنْدَمُ من أبي غَبْشان، وأخْسَرُ صَفْقَه من أبي غَبْشَان، فذهبت الكلمات كلها أمثالا، وأكْثَر الشعراء فيه القولَ، قال بعضهم‏:‏

إذا فَخَرَتْ خُزَاعة في قديم * وجَدْنا فَخْرَها شُرْبَ الخُمُورِ

وبيعا كَعْبَةَ الرحمنِ حُمْقاً * بِزِقٍّ، بئس مُفْتَخَرُ الفَخُورِ

وقال آخر‏:‏

أبو غَبْشَان أَظْلَمُ من قُصَي * وأَظْلَمُ من بني فِهْرٍ خُزَاعَهْ

فلا تَلْحُوْا قُصَيّاً في شِراه * ولوموا شَيْخَكُم أن كان بَاعَهْ

1168- أحْمَقُ مِنْ عِجْلٍ‏.‏

هو عِجْل بن لُجَيْم بن صَعْب بن علي ابن بكر بن وائل‏.‏

قال حمزة‏:‏ هو أيضاً من الحَمْقَى المنجبين، وذلك أنه قيل له‏:‏ ما سميتَ فرسك‏؟‏ فقام ففقأ عينه وقال‏:‏ سميته الأعور، وفيه يقول جرثومة العنزى

رَمَتْنِي بنو عجل بداء أبيهمُ * وأيُّ امرئ في الناس أحْمَقُ من عِجْل‏؟‏

أَلَيْسَ أبوهم عَارَ عَيْنَ جَوَادِه * فصارَتْ به الأمثال تُضَربُ في الجهل

1169- أَحْمَقُ مِنْ هَبَنَّقَةَ‏.‏

هو ذو الوَدَعَات، واسمه يزيد بن ثَرْوَان أحدُ بني قيس بن ثعلبة، وبلغ من حُمْقه أنه ضلَّ له بَعير، فجعل ينادي‏:‏ مَنْ وجَد بعيري فهو له، فقيل له‏:‏ فلم تَنْشُده‏؟‏ قال‏:‏ فأين حلاوة الوجْدَان‏!‏‏؟‏

ومن حُمْقه أنه اختصمت الطّفاَوَة وبنو رَاسِب إلى عرباض في رجل ادَّعَاه هؤلاء وهؤلاء، فقالت الطفاوة‏:‏ هذا من عرافتنا، وقالت بنو راسب‏:‏ بل هو من عرافتنا، ثم قالوا‏:‏ رضِينَا بأولِ من يطلع علينا، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم هَبَنَّقة، فلما رأوه قالوا‏:‏ إنَّا لِلَّه‏!‏ مَنْ طلع علينا‏؟‏ فلما دنا قَصُّوا عليه قصتهم، فقال هبنقة‏:‏ الحُكْمُ عندي في ذلك أن يذهب به إلى نهر البَصْرة فيُلْقَى فيه، فإن كان راسبيا رسَب فيه، وإن كان طفاويا طَفَا، فقال الرجل‏:‏ لا أريد أن أكون من أحد هذين الحيين، ولا حاجة لي بالديوان‏.‏

ومن حُمْقه أنه جعل في عُنُقه قِلادة من وَدَع وعِظامٍ وخَزَف، وهو ذو لحية طويلة، فسُئِل عن ذلك، فقال‏:‏ لأعرف بها نفسي، ولئلا أضل، فبات ذات ليلة وأخَذَ أخوه قلادتَه فتقلَّدها، فلما أصبح ورأى القلادة في ‏[‏ص 218‏]‏ عنق أخيه قال‏:‏ يا أخي أنت أنا فمن أنا‏؟‏‏.‏

ومن حُمْقه أنه كان يرعى غنم أهله فيرعى السِّمَان في العشب ويُنَحِّى المهازيلَ، فقيل له‏:‏ ويحك‏!‏ ما تَصْنَع‏؟‏ قال‏:‏ لا أفسد ما أصلحه اللّه، ولا أصلح ما أفسده، قال الشاعر فيه‏:‏

عِشْ بَجدٍّ ولَنْ يَضُرَّكَ نوْكٌ * إنما عَيْشُ مَنْ تَرَى بِجُدودِ

عِشْ بِجَدٍّ وكُنْ هَبَنَّقَةَ الْقَيْـ * ـِسيَّ ‏(‏القيسي‏)‏ نوكاً أوْ شَيْبَةَ بن الوليد

رُبَّ ذِي إربة مُقِل مِنَ الما * لِ وَذِي عنجهية مَجْدودِ

العنجهية‏:‏ الجهل، وشيبة بن الوليد‏:‏ رجل من رجالات العرب‏.‏

1170- أحْمَقُ مِنْ حُذُنَّةَ‏.‏

يقال‏:‏ إنه أحمق مَنْ كان في العرب على وجه الأرض، ويقال‏:‏ بل هي امرأة من قيس بن ثعلبة تمتخط بكوعها‏.‏

1171- أَحْمَقُ مِنْ حُجَيْنَةَ‏.‏

قالوا‏:‏ إنه رجل كان من بني الصَّيْداء يُحَمَّقُ‏.‏

1172- أَحْمقُ مِنْ جَهِيزَةَ‏.‏

قال ابن السِّكِّيِت‏:‏ هي أم شبيب الحَرُورى‏.‏

ومن حمقها أنها لما حملت شَبيبا فأثقلت قالت لأحمائها‏:‏ إن في بطني شيئاً ينقر، فنشرن عنها هذه الكلمة، فحمقت‏.‏

وقيل‏:‏ إنها قعدت في مسجد الكوفة تَبُول، فلذلك حمقت‏.‏

وزعم قوم أن الجهيزة عِرْسُ الذئبِ، يعنون الذئبة، وحمقها أنها تَدَعُ ولَدَها وترضع ولد الضبع، قالوا‏:‏ وهذا معنى قول ابن جِذْل الطِّعَان

كمُرْضِعَةٍ أولاد أخْرَى، وضَيَّعَتْ * بنيها، فلم ترقع بذلك مَرْقَعَا

ويقال هي الدبة‏.‏

1173- أحْيَا مِنْ فَتَاةٍ، وَمِنْ هَدِىٍّ‏.‏

وهي المرأة تُهْدَى إلى زوجها، قالت الأخيلية في تَوْبَةَ بن الحمير‏:‏

فَتًي كان أحْيا من فَتاةٍ حَيِيَّةٍ * وأجْرَأ من لَيْثٍ بخَفَّانَ خَادِرِ

وأما قولهم‏:‏

1174- أَحْيَا مِنْ ضَبٍّ‏.‏

فإنه أفعل من الحياة، والضب زعموا طويل العمر‏.‏

1175- أحْمَقُ مِنَ المَمْهُورَةِ مِنْ نَعَم أبِيهَا‏.‏

وأصلُه أن رجلا رَاوَدَ امرأة، فأبت ‏[‏ص 219‏]‏ أن تمكنه إلا بمهر، فمهرها بعضَ نعم أبيها ومثله‏:‏

1176- أحْمَقُ مِنَ الْمَمْهُورَةِ مِنْ مَالِ أبِيهَا‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ أصلُه أن رجلا أعطى رجلا مالا فتزوج به ابنة المعْطِي، ثم إن الزوج امتنَّ عليها بما مهرها‏.‏

1177- أحْمَقُ مِنَ الْمَمْهُورَةِ إِحْدَى خَدَمَتَيْهَا‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ أصله أن رجلا كانت له امرأة حمقاء، فطلبت مهرها منه، فنزع خَلْخَالها ودفعه إليها، فرضيت به‏.‏

1178- أَحْمَقُ مِنْ دُغَة‏.‏

وهي مارية بنت معنج، ومعنج ربيعة ابن عجل، قال حمزة‏:‏ هي بنت منعج، قلت‏:‏ ووجدت بخط المنذري ‏"‏معنج‏"‏ويحكى عن المفضل بن سلمة أن اسم الرجل كما ذكرته قبل‏.‏

ومن حمقها أنها زُوِّجت وهي صغيرة في بني العنبر بن تميم، فحملت، فلما ضَرَبها المَخَاضُ ظنت أنها تريد الْخَلاَء، فبرزت إلى بعض الغيطان، فولدت، فاستهلَّ الوليدُ، فانصرفت تُقَدِّر أنها أحدثت، فقالت لضَرَّتها‏:‏ يا هَنَاه، هل يَفْغَر الْجَعْرُ فاه‏؟‏ فقالت نعم ويَدْعُو أباه، فمضت ضَرَّتُها وأخذت الولد، فبنو العنبر تُسَمَّى ‏"‏بني الْجَعْرَاء‏"‏ تُسَبُّ بها‏.‏

ومن حمقها أيضاً أنها نظرت إلى يافوخ ولدها يضطرب، وكان قليل النو كثير البكاء، فقالت لضرتها‏:‏ أعطيني سِكيناً، فناولتها وهي لا تعلم ما انطوت عليه، فمضت وشَقَّت به يافوخَ ولدها فأخرجت دماغه، فلحقتها الضرة فقالت‏:‏ ما الذي تصنعين‏؟‏ فقالت‏:‏ أخرجتُ هذه المِدَّةَ من رأسه ليأخذه النوم، فقد نام الآن‏.‏

قال الليث‏:‏ يقال فلان دُغَة ودُغَيْنَة، إذا أرادوا أنه أحمق‏.‏

1179- أَحْلَمُ مِنَ الأَحْنَفِ‏.‏

هو الأحْنَفُ بن قَيْس، وكنيته‏:‏ أبو بَحْر، واسمه صَخْر، من بني تميم، وكان في رجله حَنَفٌ، وهو الميلُ إلى إنْسِيِّها، وكانت أمه تُرَقصه وهو صغير وتقول‏:‏

واللّه لولا ضَعْفُهُ مِنْ هزله * وحَنَفٌ أو دِقَّةٌ في رِجْلِهِ

ما كان في صِبْيانكم مِنْ مِثْلِهِ* وكان حليما موصوفا بذلك، حكيما معترفا له به، قالوا‏:‏ فمن حلمه أنه أشرف عليه رجل وهو يعالج قدراً له يطبخها، فقال الرجل‏:‏ ‏[‏ص 220‏]‏

وقدر كَكَفِّ القِرْد لا مُسْتَعيرها * يُعَار، ولا مَنْ يأتِهَا يَتَدَسَّمُ

فقيل ذلك للأحنف، فقال‏:‏ يرحمه اللّه لو شاء لقال أحسن من هذا‏.‏ وقال‏:‏ ما أحب أن لي بنصيبي من الذل حُمْرَ النَّعم، فقيل له‏:‏ أنت أعز العرب، فقال‏:‏ إن الناس يَرَوْنَ الحلم ذلا‏.‏ وكان يقول‏:‏ رُبَّ غَيْظ قد تَجَرَّعته مخافة ما هو أشد منه‏.‏ وكان يقول‏:‏ كثرة المزاح تَذْهَبُ بالهيبة، ومَنْ أكثر مِنْ شيء عُرف به‏.‏ والسؤدد كرم الأخلاق وحسن الفعل‏.‏ وقال‏:‏ ثلاث ما أقولهن إلا ليعتبر مُعْتبر‏:‏ لا أَخْلُفُ جليسي بغير ما أحضر به، ولا أُدْخِلُ نفسي فيما لا مَدْخَلَ لي فيه، ولا آتي السلطان أو يرسلَ إليَّ‏.‏ وقال له رجل‏:‏ يا أبا بحر، دُلَّني على مَحْمَدة بغير مَرْزئة، قال‏:‏ الْخُلُق السَّجِيح، والكف عن القبيح، واعلم أن أَدْوَأ الداء اللسان الْبذِي والخلُقُ الرَّدِي‏.‏ وأبلغ رجل مُصْعَبا عن رجل شيئاً، فأتاه الرجل يعتذر، فقال مصعب‏:‏ الذي بلَّغنيه ثِقة، فقال الأحنف‏:‏ كلا أيها الأمير، فإن الثقة لا يبلغ‏.‏

وسئل‏:‏ هل رأيتَ أحْلَمَ منك‏؟‏ قال‏:‏ نعم، وتعلمت منه الحلم، قيل‏:‏ ومَنْ هو‏؟‏ قال‏:‏ قَيْس ابن عاصم المنْقَرِيُّ، حَضَرْتُه يوماً وهو مُحْتَبٍ، يحدثنا إذ جاءوا بابنٍ له قتيل، وابن عم له كَتِيف، فقالوا‏:‏ إن هذا قتلَ ابنَكَ هذا، فلم يقطع حديثه، ولا نَقَضَ حَبْوَتَه، حتى إذا فرغ من الحديث التفت إليهم فقال‏:‏ أين ابني فلان‏؟‏ فجاءه، فقال‏:‏ يا بني قُمْ إلى ابن عمك فأطْلِقْه، وإلى أخيك فادْفِنْهُ، وإلى أم القتيل فأعْطِهَا مائةَ ناقةٍ فإنها غريبة لعلها تسلو عنه، ثم اتَّكأ على شقه الأيسر وأنشأ يقول‏:‏

إني امْرُؤٌ لا يَعْتَرِي خلقي * دَنَس يُفَنِّده ولا أَفْنُ

من مَنْقَرٍ من بيتِ مَكْرُمة * والغُصْنُ يَنْبُتُ حَوْلَه الغُصْنُ

خُطَباء حين يقومُ قائلُهم * بيضُ الوجوهِ مَصَاقع لُسْنُ

لا يَفْطِنُونَ لعَيبِ جارهمُ * وَهُوُ لحسن جِواره فُطْن

1180- أحْلَمُ مِنْ فَرْخِ عُقَابٍ‏.‏

ذكر الأصمعي أنه سمع أعرابياً يقول‏:‏ سِنان بن أبي حارثة أحلم من فَرْخ عقاب، قال‏:‏ فقلت‏:‏ وما حِلْمه‏؟‏ فقال‏:‏ يخرج من بيضه على رأس نِيقٍ فلا يتحرك حتى يقر ريشه، ولو تحرك سقط، ويقال أيضاً‏:‏

1181- أَحْزَمُ مِنْ سِنَانٍ‏.‏

قال أبو اليقظان‏:‏ لم يجتمع الحزم والحلم في رجلٍ فسار المثلُ بهما إلا في سنان‏.‏ ‏[‏ص 221‏]‏

1182- أَحْزَمُ مِنْ فَرْخِ العُقَاب‏.‏

قال الجاحظ‏:‏ العُقَاب تَتَّخذ أوكارها في عرض الجبال، فربما كان الجبل عموداً فلو تحرك إذا طلب الطعم وقد أقبل إليه أَبَوَاه أو أحدهما أو زاد في حركته شيئاً من موضع مَجْثِمِه لهوى من رأس الجبل إلى الحضيض، فهو يعرف مع صغره وضعفه وقلة تجربته أن الصواب له في ترك الحركة‏.‏

1183- أحْزَمُ مِنْ حِرْبَاء‏.‏

لأنه لا يخلى عن ساق شجرة حتى يمسك ساق شجرة أخرى، وقال‏:‏

أنى أتِيحَ لها حِرْبَاءُ تَنْضَبَةٍ * لا يُرْسِلُ الساقَ إلا مُمْسِكا سَاقَا

1184- أَحْمَي مِنْ مُجِيرِ الْجَرَادِ‏.‏

قالوا‏:‏ هو مُدْلج بن سُوَيد الطائي‏.‏

ومن حديثه - فيما ذكر ابن الأعرابي عن ابن الكلبي - أنه خلا ذاتَ يومٍ في خَيْمته، فإذا هو بقوم من طيء، ومعهم أوعيتهم، فقال‏:‏ ما خطبكم‏؟‏ قالوا‏:‏ جراد وقع بفنائك فجئنا لنأخذه، فركب فرسَه وأخذ رمحه وقال‏:‏ والله لا يعرضَنَّ له أحد منكم إلا قتلته، إنكم رأيتموه في جِوَاري ثم تريدون أخذه، فلم يزل يَحْرُسه حتى حميت عليه الشمسُ وطار، فقال‏:‏ شأنكم الآن فقد تحول عن جِوَاري‏.‏

ويقال‏:‏ إن المجير كان حارثة بن مر أبا حنبل، وفيه يقول شاعر طيء‏.‏

ومنَّا ابنُ مُرٍّ أبو حَنْبَل * أجار من الناس رَجْلَ الْجَرَادْ

وزَيْدٌ لنا، وَلَنَا حاتِمٌ * غِياث الْوَرَى في السِّنِينَ الشِّدَادْ

1185- أحْمَى مِنْ مُجِيرِ الظُّعْنِ‏.‏

هو ربيعة بن مُكَدَّم الكناني‏.‏

ومن حديثه - فيما ذكر أبو عبيدة - أن نُبَيْشَةَ بن حبيب السلمي خرج غازيا، فلقي ظُعْناً من كنانة بالكديد فأراد أن يحتويها، فمانعه ربيعة بن مُكَدَّم في فَوَارس، وكان غلاما له ذُوَابة، فشدَّ عليه نُبَيْشَة فطعنه في عضده، فأتى ربيعة أمه وقال‏:‏

شُدِّي عَلَيَّ العصب أُمَّ سَيَّارْ * فقد رزِئْتِ فارساً كالدينار

فقالت أمه‏:‏

إنا بَنِي ربيعَةَ بن مالك * نُرْزَأ في خِيارنا كَذَلك

من بين مَقْتُولٍ وبينِ هَالِك* ثم عصبته، فاستقاها ماء، فقالت‏:‏ اذْهَبْ فقاتل القوم فإن الماء لا يفوتك، فرجع وكَرَّ على القوم فكَشَفهم ورجع إلى الظُّعَنِ وقال‏:‏ إني لمَائِت، وسأحمْيِكن ميتاً كما حميتكن حيّاً، بأن أقف بفرسي على ‏[‏ص 222‏]‏ العَقَبة وأتكئ على رمحي، فإن فاضَتْ نفسي كان الرمحُ عمادي فالنجاء النجاءَ، فإني أرُدُّ بذلك وجوه القوم ساعةً من النهار، فقطَعْنَ العقبة، ووقف هو بإزاء القوم على فرسه متكئاً على رمحه، ونَزَفَه الدمُ ففاظ والقومُ بإزائه يُحْجِمُون عن الإقدام عليه، فلما طال وقوفُه في مكانه وَرَأَوْه لا يزول عنه رَمَوْا فرسَه فقمَصَ، وخر ربيعة لوجهه، فطلبوا الظُّعُنَ فلم يلحقوهن، ثم إن حَفْصَ ابن الأحنف الكناني مر بجيفة ربيعة فعرفها فأمال عليها أحجاراً من الحرة وقال يبكيه‏:‏

لا يَبْعَدَنَّ ربيعةُ بن مُكَدَّمٍ * وَسَقَى الغَوَادِي قبرهُ بذَنُوبِ

نَفَرَت قَلُوصي من حِجارة حَرَّةٍ * بُنِيَتْ على طَلْق اليدين وَهُوبِ

لا تَنْفِرِي يا ناقُ مِنْهُ فإنه * شَرَّابُ خمر مِسْتَعٌر لِحُرُوبِ

لَوْلاَ السِّفَارُ وبُعْدُهُ من مَهْمَهٍ * لتركْتُهَا تَحْبُو على العُرْقُوبِ

قال أبو عبيدة‏:‏ قال أبو عمرو بن العلاء‏:‏ ما نعلم قتيلا حَمَى ظعائن غيرَ ربيعة بن مُكَدَّم‏.‏

1186- أَحْمَى مِنَ أسْتِ النَّمِرِ‏.‏

لأن النمر لا يَدَعُ أن يأتيه أحدٌ من خلفه ويَجْهَدُ أن يمنعه‏.‏

1187- أَحْكَمُ مِنْ لُقْمَانَ، وَمِنْ زَرْقَاءِ اليَمَامَةِ‏.‏

قال النابغة في زَرْقَاء اليمامة يخاطب النعمان‏:‏

واحْكم كحكم فَتَاة الحيِّ إذا نَظَرتْ * إلى حَمَامٍ سِرَاعٍ وَارِدِ الثَّمَد

يَحُفُّهُ جَانِباَ نِيقٍ وَتُتْبِعُهُ * مِثْلَ الزجاجة لم تُكْحَلْ مِنَ الرَّمَدِ

قالَتْ أَلاَ لَيْتَمَا هَذَا الْحَمَامُ لَنَا * إلى حَمَامَتِنَا أَوْ نِصْفَهُ فَقَدِ

فَحَسبُوهُ فألفَوْهُ كَمَا ذكَرَتْ * تسعا وتسعين لَمْ ينقص ولم يَزِدِ

وكانت نظرت إلى سِرْبٍ من حمام طائر فيه ست وستون حمامة، وعندها حمامة واحدة، فقالت‏:‏

لَيْتَ الْحَمَامَ لِيَهْ * إلَى حَمَامَتِيَهْ

وَنِصْفَهُ قَدِيَهْ * تَمَّ الْحَمَامُ مِيَهْ

وقال بعض أصحاب المعاني‏:‏ إن النابغة لما أراد مَدْحَ هذه الحكيمة الحاسبة بسُرْعَة إصابتها شدَّد الأمر وضَيَّقه ليكون أحسنَ له إذا أصاب، فجعله حَزْراً لطير، إذ كان الطير أخفَّ ما يتحرك، ثم جعله حماما، إذ كان الحمام أسرعَ الطير، ثم كثر العدد، إذ كانت المسابقة مقرونة بها، وذلك أن الحمام يشتدُّ ‏[‏ص 223‏]‏ طيرانها عند المسابقة المنافسة، ثم ذكر أنها طارت بين نِيقَيْنِ، لأن الحمام إذا كان في مَضِيق من الهواء كان أسرعَ طيرانا منه إذا اتسع عليه الفضاء، ثم جعله واردَ الماء، لأن الحمام إذا ورد الماء أعانه الحرصُ على الماء على سرعة الطيران‏.‏

1188- أَحْكَمُ مِنْ هَرِمِ بْنِ قُطْبَة

هذا من الْحُكْم لا من الحِكْمَة، وهو الفَزَاري الذي تنافر إليه عامرُ بن الطُّفَيْل وعَلْقَمَةُ بن عُلاَثة الْجَعْفَرِيان، فقال لهما‏:‏ أنتما يا ابْنَيْ جعفر كرُكْبَنَىِ البعير تَقَعَانِ معا، ولم يُنَفِّرْ واحداً منهما على صاحبه‏.‏

1189- أَحْمَقُ مِنْ شَرَنْبَثٍ‏.‏

ويقال جَرَنْبَذ، وهو رجل من بني سَدُوس، جمع عبيدُ اللّه بن زياد بينه وبين هَبَنَّقَةَ وقال‏:‏ تَرَامَيَا، فملأ شَرَنْبَث خريطةً من حجارة وبدأ فرماه وهو يقول‏:‏ دِرِّي عقاب، بلبن وأشخاب، طِيرِي عُقَاب، وأصِيبي الجِرابَ، حتى يسيل اللُّعاب، فأصاب بطن هَبَنَّقة فانهزم، فقيل له‏:‏ أتنهزم من حجر واحد‏؟‏ فقال‏:‏ لو أنه قال‏:‏ طِيرِي عُقَاب وأصِيبي الذُّباب - يعني ذباب العين - فذهبت عيني ما كنتم تُغْنُون عني‏؟‏

فذهبت كلمة شرنبث مثلا في تهييج الرمي والاستحثاث به‏.‏

1190- أحْمَقُ من بَيْهَسٍ‏.‏

هو المُلَقَّبُ بنَعَامة، وله قصة قد ذكرتُها في باب الثاء، وكان مع حُمْقه أحْضَرَ الناس جَوَابا، قال حمزة‏:‏ فمما تكلَّم به من الأمثال التي يَعْجِز عنها البلغاء ‏"‏لو نكلت على الأولى لما عُدْت إلى الثانية‏"‏‏.‏

1191- أَحْمَقُ مِنْ حُجَا‏.‏

هو رجل من فَزَارة، وكان يكنى أبا الغُصْن‏.‏

فمن حُمْقه أن عيسى بن موسى الهاشمي مَرَّ به وهو يَحْفر بظهر الكوفة مَوْضِعاً، فقال له‏:‏ مالَكَ يا أبا الغُصْن‏؟‏ قال‏:‏ إني قد دَفَنْتُ في هذه الصحراء دراهمَ ولستُ أهتدي إلى مكانها، فقال عيسى‏:‏ كان يجب أن تجعل عليها عَلاَمة، قال‏:‏ قد فعلتُ، قال‏:‏ ماذا‏؟‏ قال‏:‏ سَحَابة في السماء كانت تُظِلها، ولستُ أرى العلامة‏.‏

ومن حمقه أيضاً أنه خرج من منزله يوما بغَلَس فعَثَر في دِهْليز منزِلِه بقتيل، فضَجِرَ به وجَرَّه إلى بئر منزله فألقاه فيها، فنُذِرَ به أبوه فأخرجه وغَيَّبه وخَنَق كبشاً حتى قَتَلَه وألقاه في البئر، ثم إن أهل القتيل طافُوا في سِكَك الكوفة يبحثون عنه، فتلقَّاهم جُحَا فقال‏:‏ في دارنا رجلٌ مقتول فانظروا أهو ‏[‏ص 224‏]‏ صاحبكم، فعَدَلُوا إلى منزله وأنزلوه في البئر، فلما رأى الكبش ناداهم وقال‏:‏ يا هؤلاء، هل كان لصاحبكم قَرْن‏؟‏ فضحكوا ومروا‏.‏

ومن حمقه أن أبا مُسْلم صاحبَ الدولة لما ورَد الكوفة قال لمن حوله‏:‏ أيكم يعرف جُحَا فيدعوَهُ إلي‏؟‏ فقال يقطين‏:‏ أنا، ودعاهُ، فلما دخل لم يكن في المجلس غير أبي مسلم ويقطين، فقال‏:‏ يا يقطين أيكما أبو مسلم‏؟‏

قلت‏:‏ وجُحَا اسمٌ لا ينصرف، لأنه معدول من جَاحٍ مثل عُمَرَ من عامر، يقال‏:‏ جَحَا يَجْحُو جَحْواً إذا رمى، ويقال‏:‏ حَيَّا اللّه جَحْوَتك، أي وجهك‏.‏

1192- أَحْمَقُ مِنْ رَبِيعَةَ الْبَكَّاءِ‏.‏

هو ربيعة بن عامر بن ربيعة بن عامر ابن صَعْصَعة‏.‏

ومن حمقه أن أمه كانت تزوَّجَتْ رجلا من بَعْدِ أبيه، فدخل يوما عليها الخباء وهو رجل قد الْتَحَى فرأى أُمَّهُ تحت زوجها يُبَاضعها، فتوهَّم أنه يريد قتلها، فرفَع صوته بالبكاء، وهَتَك عنهما الخباء، وقال‏:‏ وا أماه، فلحِقه أهلُ الحيِّ وقالوا‏:‏ ما ورائك‏؟‏ قال‏:‏ دخلت الخِباء فصادفْتُ فلانا على بطن أمي يريد قتلها، فقالوا‏:‏ أهْوَنُ مقتول أم تحتَ زوجٍ، فذهبت مثلا، وسمي ربيعة البَكَّاء، فضُرب بحُمْقه المثل‏.‏

1193- أَحْمَقُ مِنْ الدَّابِغِ عَلَى التَّحْلِئِ‏.‏

قالوا‏:‏ التِّحْلِئ قِشْر يبقى على الإهاب من اللحم فيمنع الدباغ أن ينال الإهابَ حتى يقشر عنه، فإن تُرِك فسد الجلد بعدما يدبغ‏.‏

1194- أحْمَقُ مِنْ رَاعِي ضَأنٍ ثمَانِينَ‏.‏

لأن الضأن تَنْفِر من كل شيء فيحتاج راعيها إلى أن يجمعها في كل وقت، هذه رواية محمد بن حبيب‏.‏

وقال أبو عبيد‏:‏ أحمق من طالب ضأن ثمانين، قال‏:‏ وأصل المثل أن اعرابيا بَشَّرَ كسرى ببُشْرَى سُرَّ بها، فقال له‏:‏ سَلْنِي ما شئت، فقال‏:‏ أسألك ضأنا ثمانين، فضرب به المثل في الحمق‏.‏

وروى الجاحظ ‏"‏أشْقَى من راعي ضأن ثمانين‏"‏ قال‏:‏ وذلك أن الإبل تتعشَّى وتَرْبِضُ حَجْرَةً ‏(‏تربض حجرة‏:‏ أي ناحية‏)‏ فتجتَرُّ، والضأن يحتاج صاحبها إلى حِفْظها ومنعها من الانتشار ومن السباع الطالبة لها‏.‏

وروى الجاحظ أيضاً ‏"‏أشْغَلُ من مُرْضِع بَهْمٍ ثمانين‏"‏ قال‏:‏ ويقول الرجل ‏[‏ص 225‏]‏ إذا استَعَنْته وكان مشغولا‏:‏ أنا في رضاع بَهْم ثمانين‏.‏

1995- أَحْمَقُ مِنَ الضَّبُع‏.‏

تزعم الأعراب أن أبا الضِّباع وجد تودية في غدير، فجعل يشرب الماء ويقول‏:‏ حبذا طَعْمُ اللبن، ويقال‏:‏ بل كان ينادي ‏"‏واصَبُوحَاه‏"‏ حتى انْشقَّ بطنَه ومات‏.‏

والتودية‏:‏ العودُ يُشَدُّ على رأس الخِلْفِ لئلا يرضع الفصيل‏.‏

ومن حمقها أيضاً أن يدخل الصائد عليها وِجَارها فيقول لها‏:‏ خامِرِي أمَّ عَامِرٍ، فلا تتحرك حتى يَشُدَّها‏.‏

قلت‏:‏ وقد شرحت المثل في باب الخاء بأبْيَنَ من هذا‏.‏

1196- أَحْمَقُ مِنَ الرُّبَعِ‏.‏

هذا مثل سائر عن أكثر العرب، قال حمزة‏:‏ إلا أن بعض العرب دفع عنه الحمق فقال‏:‏ وما حمق الرُّبَع‏؟‏ والله إنه ليتجنَّبُ العدوى، ويتبع أمهُ في المرعى، ويراوح بين الأطْبَاء، ويعلم أن حنينها له دعاء، فأين حمقه‏؟‏‏!‏

1197- أَحْمَقُ مِنْ نَعْجَةٍ عَلَى حَوْضٍ‏.‏

لأنها إذا رأت الماء أكَبَّتْ عليه تشرب فلا تنثني عنه إلا أن تُزْجَرَ أو تُطْرَد‏.‏

1198- أَحْمَقً مِنْ نَعَامَةٍ‏.‏

وذلك أنها تنتشر للطعم، فربما رأت بيضَ نعامةٍ أخرى قد انتشرت هي له، فتَحْضُنُ بيضَها وتنسى بيض نفسها، ثم تجيء الأخرى فتَرَى غيرَها على بيض نفسها فتَمر لِطِيَّتِهَا، وإياها عَنَى ابنُ هَرْمَةَ بقوله‏:‏

كتاركَةٍ بَيْضَها بالعَرَاء * ومُلْبِسَةٍ بيضَ أخْرَى جناحا

وقال ابن الأعرابي‏:‏ بيضة البلد التي قد سار بها المثلُ هي بيضة النعامة التي تتركها فلا تهتدي إليها فتفسُدُ فلا يَقْرَبها شيء، والنعام موصوف بالسخف والمُوقِ والشِّرَاد والنِّفار، ولخفة النعام وسرعة هُوِيِّها وطَيرانها على وجه الأرض قالوا في المثل‏:‏ شَالَتْ نَعَامَتُهم، وخَفَّتْ نعامتهم، وزَفَّ رَأْلُهم، إذا تركوا مواضِعَهم بجلاء أو موت‏.‏

وزعم أبو عبيدة أن ابن هَرْمَةَ عنى بقوله ‏"‏كتاركة بيضَها‏"‏ الحمامةَ التي تَحْضُنُ بيضَ غيرها وتضيع بيض نفسها‏.‏

1199- أَحْمَقُ مِنْ رَخَمَةٍ‏.‏

هذا مثل سائر عن أكثر العرب، إلا أن بعض العرب يَسْتَكِيسُها، فيقول‏:‏ في أخلاقها عشر خصال من الكَيْسِ، وهي ‏[‏ص 226‏]‏ أنها تحضن بيضَها، وتحمي فرخَها، وتألف ولَدَها، ولا تمكن من نفسها غير زوجها، وتقطع في أول القواطع، وترجع في أول الرواجع، ولا تطير في التَّحْسِير، ولا تغتَرُّ بالشَّكير، ولا تُرِبُّ بالوُكُورِ، ولا تسقط على الجَفِيرِ‏.‏

قوله ‏"‏تقطع في أول القواطع، وترجع في أول الرواجع‏"‏ أراد أن الصيادين إنما يطلبون الطيرَ بعد أن يُوقِنوا أن القواطع قد قطعت، والرخَمَة تقطع في أوائلها لتنجو، يقال‏:‏ قطعت الطير قطاعا إذا تَحَوَّلت من الجروم إلى الصرود أو من الصُّرود إلى الجروم‏.‏

وقوله ‏"‏ولا تطير في التحسير‏"‏ يقال‏:‏ حَسَّرَ الطائر تحسيرا، إذا سقط ريشُهُ‏.‏

و ‏"‏لا تغتر بالشكير‏"‏ أي بصغار ريشها، بل تنتظر حتى يصير قَصَبا ثم تطير‏.‏

وقوله ‏"‏ولا تُرِبُّ بالوكور‏"‏ أي لا تقيم، من قولهم ‏"‏ أرَبَّ بالمكان‏"‏ إذا أقام به، أي لا ترضى بما يرضى به الطيرُ من وكورها، ولكن تبيض في أعلى الجبال حيث لا يبلغه إنسان ولا سبع ولا طائر، ولذلك يقال في المثل‏:‏ مِنْ دُونِ ما قُلْتَ، أو من دون ما سُمْتَ بيضُ الأنوق، للشيء لا يوصَلُ إليه‏.‏

وقوله ‏"‏ولا تسقط على الجَفِير‏"‏ يعني الجعبة، لعلمها أن فيها سِهاما‏.‏

وقد جمع الشاعر هذه المعاني في بيت وصَفَها فيه فقال‏:‏

وذَات اسْمَيْنِ والأْلَواُن شَتَّى * تُحَمَّقُ وهي كَيِّسَةُ الْحَوِيلِ

1200- أحْمَقُ مِنْ عَقْعَقٍ‏.‏

ولأنه مثل النعامة التي تُضيع بيضَها وفراخها‏.‏

1201- أَحْمَقُ مِنْ رِجْلَةٍ‏.‏

وهي البَقْلة التي تسميها العامة ‏"‏الحمقاء‏"‏، وإنما حَمَّقُوها لأنها تنبُتُ في مَجَاري السُّيول فيمر السيل بها فيقتلعها‏.‏

1202- أَحْمَقُ مِنْ تُرْبِ العَقِدِ‏.‏

يعنون عَقِدَ الرَّمْلِ، وإنما يُحَمِّقُونه لأنه لا يثبُتُ فيه التراب، بل يَنْهاَر‏.‏

1203- أَحْذَرُ مِنْ غُرابٍ‏.‏

وذلك أنهم يَحْكُون في رُمُوزهم أن الغراب قال لابنه‏:‏ يا بني إذا رُمِيتَ فَتَلَوّصْ، أي تَلَوَّ، فقال‏:‏ يا أبتِ إني أتَلَوَّصُ قبل أن أُرْمَى‏.‏

1204- أَحْذَرُ مِنْ ذِئْبٍ‏.‏

قالوا‏:‏ إنه يبلغ من شدَّة احترازه أن يُرَاوح بين عينيه إذا نام، فيجعل إحداهما مُطْبقة نائمة، والأخرى مفتوحة حارسة، بخلاف الأرنب الذي ينام مفتوحَ العينين، ‏[‏ص 227‏]‏ لامن احتراز، ولكن خِلْقة، قال حُمَيْد ابن ثَوْر في حَذَر الذئب‏:‏

ينام بإحدى مُقْلَتَيْهِ، ويتقى * بأخْرَى المَنَايَا فهو يَقْظَان هَاجِعُ

1205- أَحْذَرُ مِنْ ظَلِيمٍ

قالوا‏:‏ إنه يكون على بَيْضِه فَيَشَمُّ ريح القانص من غَلْوة فيأخذ حَذَره، وينشدون لبعضهم‏:‏

أشَمُّ مِنْ هَيْقٍ وأهْدَى مِنْ جَمَلْ*

1206- أَحَرُّ مِنَ الْجَمْرِ‏.‏

زعم النَّظَّام أن الجمر في الشمس أشْهَبُ أكْهَبُ، وفي الفَيْء أشْكَل، وفي الليل أحمر‏.‏

1207- أحَرُّ مِنَ الْقَرَعِ‏.‏

هو بَثْرٌ يأخذ صغار الإبل في رؤوسها وأجسادها فتقرع، والتقريع‏:‏ معالجتها لنَزْع قَرَعها، وهو أن يَطْلُوها بالملح وحباب ألبان الإبل، فإذا لم يجدوا ملحا نَتَفُوا أوبارها ونَضَحُوا جلدها بالماء ثم جَرُّوها على السبخة، قال أوس بن حَجَر يصف خيلا‏:‏

لَدَى كل أخْدُودٍ يُغَادِرْنَ فارسا * يُجَر كما جُرَّ الفَصِيلُ المُقَرَّعُ

1208- أَحَرُّ مِنَ الْقَرْعِ‏.‏

مسكن الراء، يعنون بع قرع الميسم، قال الشاعر‏:‏

كأنَّ على كَبِدِي قَرْْعَةُ * حذاراً من البين ما تَبْرُدُ

1209- أَحْسَنُ مِنَ النَّار‏.‏

هذا من قول الأعرابية التي قالت‏:‏

كنتُ في شبابي أحْسَنَ من النار المُوَقَدَة‏.‏

1210- أَحْسَنُ مِنْ شَنْفِ الأَنْضُرِ

الأنْضُرُ‏:‏ جمع نَضْر، وهو الذهب، ويعنون قُرْطَ الذهب، وقال‏:‏

وَبَياض وَجْهٍ لم تَحُلْ أسْرَارهُ * مثلُ الْوَذِيلَةِ أو كَشَنْفِ الأَنْضُرِ

1211- أَحْسَنُ مِنَ الدُّمْيَة، ومِنَ الزُّونِ‏.‏

وهما الصَّنَم، قال الشاعر‏:‏

يَمْشِي بها كلُّ مَوْشِيٍّ أكارِعُهُ * مَشْي الهَرَابِذِ حَجُّوا بِيعَةَ الزُّونِ

قال حمزة‏:‏ غلط هذا الشاعر من ثلاثة أوجه، أحدها أن الهرابذ للمَجُوس لا للنصارى، والثاني أن البِيعة للنصارى لا للمجوس، والثالث أن النصارى لا تَعْبد الأصنام‏.‏

1212- أَحْيَرُ مِنْ ضَبَّ‏.‏

لأنه إذا فارق جُحْره لم يَهْتَدِ للرجوع‏.‏

1213- أَحْيَرُ مِنْ وَرَلٍ‏.‏

وهو دابة مثل الضب يُوصَف بالحيرة أيضاً‏.‏ ‏[‏ص 228‏]‏

1214- أَحْوَلُ مِنْ أَبِي بَرَاقشَ‏.‏

هذا من التحول التنقل، وأبو بَرَاقش‏:‏ طائر يتلوَّنُ ألواناً مختلفة في اليوم الواحد، وهو مشتق من البَرْقَشَة، وهي النَّقْش، يقال‏:‏ بَرْقَشْتُ الثوبَ، إذا نقشته، قال فيه الشاعر‏:‏

كأبِي بَرَاقِشَ كُلَّ لَوْ * نٍ لَوْنُهُ يَتَخَيَّلُ

ويروى ‏"‏يتحول‏"‏ وأما قولهم‏:‏

1215- أَحْوَلُ مِنْ أَبِي قَلَمُون‏.‏

فهو ضَرْبٌ من ثياب الروم يتلَوَّن ألواناُ للعيون‏.‏

1216- أَحْوَلُ مِنْ ذِئْبٍ‏.‏

هذا من الحيلة، يقال‏:‏ تَحَوَّلَ الرجلُ، إذا طلب الحِيلَةَ‏.‏

1217- أَحْرَصُ مِنْ كَلْبٍ عَلى جِيفَةٍ‏.‏

ومن كلب على عرق، والعرق‏:‏ العظمُ عليه اللحم‏.‏

1218- أَحَنُّ مِنْ شَارِفِ‏.‏

الشارف‏:‏ الناقةُ المُسِنَّةُ، وهي أشدُّ حنينا على ولدها من غيرها‏.‏

قلت‏:‏ كذا أورده حمزة رحمه اللّه ‏"‏حنينا على‏"‏ والصواب ‏"‏حنينا إلى‏"‏ أو ‏"‏حَنَانا على‏"‏ إن أراد العَطْفَ والرأفة‏.‏

1219- أَحْلى مِنْ مِيرَاثِ الْعَمَّة الرَّقُوبِ‏.‏

وهي التي لا يَعِيشُ لها ولد‏.‏

1220- أَحْذَرُ مِنْ قِرِلىَّ‏.‏

وأحْزَم أيضاً، وهو طائر من طير الماء شديد الحزم والحذر، يطير في الهواء وينظر بإحدى عينيه إلى الأرض، وفي أسجاع ابنة الخُسِّ‏:‏ كن حذِراً كالقِرِلىَّ، إن رأى خيراً تَدَلَّى، وإن رأى شراً تَولَّى‏.‏ قال الأزهري‏:‏ ما أراه عربياً‏.‏

1121- أَحْمَقُ مِنْ أمِّ الْهِنْبِرِ‏.‏

الْهِنْبِر‏:‏ الجحش، وأم الْهِنْبِر‏:‏ الأتان، وفي لغة فَزَارة الضَّبُع، ويقولون للضَّبُعَان‏:‏ أبو الهنبر‏.‏

1222- أَحْمَقُ مِنْ لاَعِق الْمَاءِ، ومِنْ نَاطِحِ الصَّخْرِ، ومِنْ لاَطِمِ الإِشْفى بِخَدِّهِ، وَمِنَ الْمُمْتَخِطِ بِكُوعِهِ‏.‏

1223- أحْسَنُ مِنَ الطَّاوُسِ، ومِنْ سُوقِ الْعَرُوسِ، ومِنْ زَمَنِ البَرامِكَةِ، وَمِنَ الدُّنْيَا الْمُقْبِلةِ، ومِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَمِنَ الدُّرِّ وَالدِّيكِ‏.‏ ‏[‏ص 229‏]‏

1224- أحْلَى مِنْ حَيَاةِ مُعَادَةِ، ومِنَ التَّوْحِيدِ، ومِنْ نَيْلِ المُنى، ومِنَ النَّشَبِ، وَمِنْ الْوَلَدِ، ومِنَ الْعَسَلِ‏.‏

1225- أحْرَصُ مِنْ نَمْلةٍ، ومِنْ ذَرَّةٍ، ومِنْ كَلْبٍ عَلَى عِقْىٍ‏.‏

وهو أول حَدَث الصبي‏.‏

1226- أحْيَرُ مِنْ اللَّيْلِ، وَمِنْ يَدٍ في رَحِمٍ‏.‏

1227- أحْسَنُ مِنْ بَيْضَةٍ في رَوْضة‏.‏

العرب تستحسن نَقَاء البيضة في نَضَارة خُضْرة الروضة‏.‏

1228- أحْرَسُ مِنْ كْلٍب، وَمِنَ الأَجَلِ‏.‏

ويقال‏:‏ أحْرَسُ من كَلْبة كريز‏.‏

1229- أحْفَظُ مِنَ الْعُمْيَانِ، وَمِنَ الشَّعْبِيِّ‏.‏

1230- أَحْمَى منْ أنْفِ الأَسَدِ‏.‏

1231- أحَنُّ منْ المَرِيضِ إِلَى الطَّبِيبِ‏.‏

1232- أحَدُّ منْ لِيطَةٍ‏.‏

اللِّيطة‏:‏ قشر القصب، ويقال أيضاً

1233- أحَدُّ منْ مُوسَى‏.‏

1234- أحَلُّ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ، وَمِنْ لَبَنِ الأُمِ‏.‏

1235- أحْمَضُ منْ صَفْعِ الذُّلِّ في بَلَد الْغُرْبَةِ‏.‏

1236- أحْيَا منْ كَعَابٍ، وَمِنْ مُخَبّأةٍ، وَمُخَدَّرَةٍ، وَبِكْرٍ‏.‏

1237- أحْسَنُ مِنْ الدُّهْمِ الْمُوَقَّفَة ‏.‏

وهي التي في قوائمها بياض‏.

1238 أحْكَى مِنْ قِرْدٍ‏.‏

لأنَّه يحكي الإنسان في أفعاله سوى المنطق، كما قال أبو الطيب‏:‏

يَرُومُونَ شَأْوِى في الكَلَام، وإنما * يُحَاكِي الْفَتى فيما خَلاَ الْمَنْطِقَ الْقِرْدُ

1239- أحْمَلُ مِنَ الأَرْضِ، ذَات الطُّولِ وَالْعَرْضِ‏.‏

1240- أحْضَرُ مِنَ التُّرَابِ، وأحقْرُ مِنَ التُّرابِ‏.‏ ‏[‏ص 230‏]‏

*3*المولدون‏.

حَظ في السحَابِ، وَعَقْلٌ في التُّرَابِ‏.‏

حَسِبَهْ صَيْداً، فَكَانَ قَيْدا‏.‏

حَسْبُ الْحَلِيمِ أَنَّ النَّاسَ أَنْصَارُهُ عَلَى الْجَاهِلِ‏.‏

حَرِّكِ الْقَدَرَ يَتَحَرَّكْ‏.‏

يضرب في البَعْث على السفر‏.‏

حِمَارُ طَيَّابٍ وَبَغْلَةُ أبِي دُلاَمَة‏.‏

للكثير العيوب‏.‏

حَوْصِلِى وَطِيِرِى‏.‏

في الحَثِّ على التصرف‏.‏

حِبَالٌ وَلِيفٌ، جِهَازٌ ضَعِيفٌ‏.‏

حَيْثُمَا سَقَطَ لَقَطَ‏.‏

يضرب للمحتال‏.‏

حَصَدَ الشَّوْقَ السُّلُوُّ‏.‏

حَقُّ مَنْ كَتَبَ بِمِسْكٍ أَنْ يَخْتِمَ بِعَنْبرٍ‏.‏

حِصْنُكَ مِنَ البَاغِي حُسْنُ المُكَاشَرةِ‏.‏

حَدِيثٌ لَوْ نَقَرْتَهُ لَطَنَّ‏.‏

حِمَاكَ أَحْمَى لَكَ، وَأهْلُكَ أحْفَى بِكَ‏.‏

حُدَيَّاكَ إِن كَانَ عِنْدَكَ فَضْلٌ‏.‏

أي ابْرُزْ لي وجارِنِي‏.‏

حُسْنُ طَلَبِ الحَاجَةِ نِصْفُ الْعِلْم‏.‏

حَيَاءُ الرَّجُلِ فِي غيْرِ مَوْضِعِهِ ضَعْفٌ‏.‏

الحَسَدُ ثِقْلٌ لاَ يَضَعُهُ حَامِلُهُ‏.‏

الْحِيلَةُ أنْفَعُ مِنَ الوَسِيلَةِ‏.‏

الْحُرُّ عَبْد إِذَا طَمِعَ، والْعَبْد حُرٌّ إِذَا قَنِع‏.‏

الحَسَدُ فِي القَرَابَة جَوْهَرٌ، وَفِي غَيْرِهِمْ عَرَض‏.‏

الحَيَاءُ يَمْنَعُ الرِّزْقَ‏.‏

الحَركَةُ بَرَكَةٌ‏.‏

الحَاجَةُ تَفْتُقُ الحِيلَةَ‏.‏

الحَرِيصُ مَحْرُوم‏.‏

الْحُرُّ يَكْفِيهِ الإشَارَةُ‏.‏

الْحَاوِي لاَ ينْجُو مِنَ الْحَيَّات‏.‏

الحَمِير نَعْتُ الاَكَّافِين‏.‏

الحَقُّ خَيْرُ ما قِيلَ‏.‏

الحَبَّةُ تَدُورُ، وَإلى الرَّحَا تَرْجِعُ‏.‏

الحِبَابُ لاَ تُشْتَرَى أَو تُصْفَعَ‏.‏

الحِمَارُ عَلَى كِرَاهُ يَمُوتُ‏.‏

أي المَرَافق تُدْرَك بالمتاعب‏.‏

الحمَارُ السُّوءُ دَبَرُهُ أَحَبُّ إِليْكَ مِنْ مَكُّوكِ شَعِيرٍ‏.‏

احْفَظْنِي أَنْفَعْكَ‏.‏

احْفِرْ بِيراً وَطُمَّ بِيراً وَلا تُعَطِّلْ أجِيراً‏.‏

احْتَاجَ إِلىَ الصُّوفَةِ مِنْ جَزَّ كَلْبَهُ‏.‏

الحَسُودُ لاَ يَسُودُ‏.‏

الإحْسَانُ إِلىَ الْعَبِيدِ، مَكْبَتَة للحَسُود‏.‏

الْحَسَدُ دَاءٌ لاَ يَبْرَأ‏.‏ ‏[‏ص 231‏]‏

الباب السابع فيما أوله خاء‏

  ما جاء على أفعل من هذا الباب‏

  المولدون    

الباب السابع فيما أوله خاء‏.

1241- خُذْ منْ جِذْعٍ مَا أعْطَاكَ‏.‏

جِذْعٌ‏:‏ اسم رجل يقال له جِذْع بن عَمْرو الغَسَّاني، وكانت غَسَّانُ تؤدِّي كلَّ سنة إلى ملك سَليح دينارين من كل رجل، وكان الذي يَلِي ذلك سَبْطَة بن المنذر السَّليحي، فجاء سَبْطة إلى جِذْع يسأله الدينارين، فدخل جذع منزلَه ثم خرج مشتملا على سيفه، فضرب به سَبْطة حتى بَرَد، ثم قال‏:‏ خُذْ من جِذْع ما أعطاك، وامتنعت غَسَّان من هذه الإتاوة بعد ذلك‏.‏

يضرب في اغتنام ما يجود به البخيل‏.‏

1242- خُذْ مِنَ الرَّضْفَةِ مَا علَيْهَا‏.‏

الرَّضْفُ‏:‏ الحجارة المُحْمَاة يْوغَر بها اللبن، واحدتها رَضْفَة، وهي إذا ألقيت في اللبن لَزِقَ بها منه شيء، فيقال‏:‏ خُذْ ما عليها، فإن تركَكَ إيَّاهُ لا ينفع‏.‏

يضرب في اغتنام الشيء من البخيل وإن كان نَزْرا‏.‏

1243- خُذْهُ وَلَوْ بِقُرْطَيْ مَارِيَة‏.‏

هي مارية بنت ظالم بن وَهْب، وأختُها هِنْد الهُنُود امرأة حُجْرٍ آكِلِ المُرَار الكندي، قال أبو عبيد‏:‏ هي أم ولد جَفْنَة، قال حسان‏:‏

أولاَدُ جَفْنَةَ حَوْلَ قَبْرِ أبيهمُ * قَبْرِ ابن مارِيَةَ الْكْرِيمِ الْمُفْضِلِ

يقال‏:‏ إنها أهدت إلى الكعبة قُرْطَيْها وعليهما دُرَّتان كبيضَتَي حمام لم ير الناسُ مثلهما، ولم يدروا ما قيمتهما‏.‏

يضرب في الشيء الثّمين، أي لا يفوتَنَّكَ بأي ثمن يكون‏.‏

1244- خُذْ مِنْهَا مَا قَطَعَ البَطْحَاءَ‏.‏

و قوله ‏"‏منها‏"‏ أي من الإبل، والبطحاء‏:‏ تأنيث الأبْطَح، وهو مَسِيل فيه دُقَاق الحصى والجمع بِطَاح، على غير قياس، أي خذ منها ما كان قويا‏.‏

يضرب في الاستعانة بأولِي القوة‏.‏

1245- خُذِ الأَمْر بِقَوابِلِهِ‏.‏

أي بمُقَدِّماته، يعني دَبِّرْه قبل أن يفوتك تدبيرُه، والباء بمعنى في، أي فيما يستقبلك منه، يقال‏:‏ قَبَلَ الشيءُ، وأقبل‏.‏ يضرب في الأمر باستقبال الأمور‏.‏ ‏[‏ص 232‏]‏

1246- خُذْ مَا طَفَّ لكَ واسْتَطَفَّ‏.‏

وأطَفُّ أيضاً، يقال طَفَّ الشيءُ يَطِفُّ طُفُوفاً، إذا ارتفع وقَلّ‏.‏ ويقال أيضاً‏:‏

1247- خُذْ مَا دَفَّ واسْتَدَفَّ‏.‏

قال أبو زيد‏:‏ أي ما تَهَيَّأ‏.‏ يضرب في قَنَاعة الرجل ببعض حاجته‏.‏

1248- خَشِّ ذُؤالَةَ بِالحِبَالَةِ‏.‏

ذُؤَالة‏:‏ اسمٌ للذئب، اشتُقَّ من الذَّأَلاَن، وهو مَشْي خفيف‏.‏

يضرب لمن لا يبالي تهدده‏:‏ أي توعَّدْ غيري فإني أعرفك‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ إنما يقول هذا مَنْ يأمر بالتبريق والإيعاد، قال الشاعر‏:‏ ‏(‏هو أسماء بن خارجة، والضغث - بكسر الضاد - أصله قبضة من الحشيش مختلطة الرطب باليابس، والإبالة‏:‏ الحزمة من الحطب، وأصل بائها مشددة، وقد خففها الشاعر، وأحشأنك‏:‏ أدخل في حشاك، والمشقص - بزنة منبر - ما طال وعرض من النصال، وأوسا‏:‏ أي عوضا وبدلا، وأويس‏:‏ مصغر أوس، وهو منادى، والهبالة‏:‏ اسم ناقة الشاعر التي كان الذئب يريد أكلها‏.‏‏)‏

لي كُلَّ يَوْمٍ من ذُؤَالَهْ * ضِغْثٌ يَزِيدُ عَلَى إبَالَهْ

فَلأَحْشَأنَّكَ مِشْقَصاً * أوْساً أوَيْسُ مِنَ الهَبَالَهْ‏.‏

1249- خَالِفْ تذْكَرْ‏.‏

قال المفضل بن سلمة‏:‏ أول من قال ذلك الحُطَيئة، وكان ورَد الكوفة فلقي رجلا فقال‏:‏ دُلَّني على أفتى المصر نائلا، قال‏:‏ عليك بعُتَيْبَةَ بن النَّهَاس العِجْلي، فمضى نحو داره‏.‏ فصادفه، فقال‏:‏ أنت عتيبة‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ فأنت عَتَّاب‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ إن اسمك لشَبِيه بذلك، قال‏:‏ أنا عتيبة فمن أنت‏؟‏ قال‏:‏ أنا جَرْوَل، قال‏:‏ ومن جَرْوَل‏؟‏ قال‏:‏ أبو مُلَيكة، قال‏:‏ والله ما ازْدَدْت إلا عَمًى، قال‏:‏ أنا الحُطَيئة، قال‏:‏ مرحَباً بك، قال الحطيئة‏:‏ فحدِّثْنِي عن أشعر الناس مَنْ هو، قال‏:‏ أنت، قال الحطيئة‏:‏ خالِفْ تُذْكَرْ، بل أشعر مني الذي يقول‏:‏

ومَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ من دون عِرْضِهِ * يَفِرْهُ، ومَنْ لا يَتَّقِ الشتمَ يُشْتَمِ

ومن يَكُ ذا فَضْلٍ فَيَبْخَلْ بفَضْلِهِ * على قومِهِ يُسْتَغْنَ عنه ويُذْمَمِ

قال‏:‏ صدقت، فما حاجتك‏؟‏ قال‏:‏ ثيابك هذه فإنها قد أعجبتني، وكان عليه مُطْرَف خزوجبة خز وعمامة خز‏.‏ فدعا بثيابٍ فلبسها ودفع ثيابه إليه، ثم قال له‏:‏ ما حاجتك أيضاً‏؟‏ قال‏:‏ مِيرَةُ أهلي من حَبٍّ ‏[‏ص 233‏]‏ وتمر وكسوة، فدعا عَوْناً له فأمره أن يَمِيرَهم وأن يكسو أهله، فقال الحطيئة‏:‏ العَوْدُ أَحْمَدُ ثم خرج من عنده وهو يقول‏:‏

سُئِلْتَ فلم تَبْخَلْ ولَمْ تُعْطِ طَائِلاً * فسِيَّانِ لا ذَمٌّ عَلَيْكَ ولا حَمْدُ‏.‏

1250- خَطْبٌ يَسِيرٌ في خَطْب كَبِيرٍ‏.‏

قاله قَصير بن سَعْد اللَّخْمي لِجَذِيمة بن مالك بن نَصْر الذي يقال له‏:‏ جَذِيمة الأبرش وجذيمة الوَضَّاح، والعرب تقول للذي به البَرَصُ‏:‏ به وَضَح، تفادياً من ذكر البرص‏.‏

وكان جذيمة مَلِكَ ما على شاطئ الفرات، وكانت الزبَّاء ملكةَ الجزيرة، وكانت من أهل باجرمى ‏(‏في هامش الأصل ‏"‏هكذا في النسخ، ولم أعثر بها في القاموس ولا كتاب تقويم البلدان، وإنما الذي وجدته فيهما جاجرم، وهي بلدة من خراسان بين نيسابور وجرجان، وليحرر‏"‏‏)‏ وتتكلم بالعربية وكان جَذِيمة قد وتَرها بقتل أبيها، فلما استجمع أمرُها، وانتظم شمل ملكها، أحَبَّتْ أن تغزو جَذيمة، ثم رأت أن تكتب إليه أنها لم تجد مُلْكَ النساء إلا قُبْحاً في السَّمَاع، وضَعْفا في السلطان، وأنها لم تجد لملكها موضعا، ولا لنفسها كفؤا غيرك، فأقْبِلْ إليَّ لأجْمَعَ ملكي إلى ملكك وأصِلَ بلادي ببلادك، وتقلد أمري مع أمرك، تريد بذلك الغَدْر‏.‏ فلما أتى كتابُهَا جذيمةَ وقدم عليه رسُلُها استخفَه ما دَعَتْه إليه، ورَغِبَ فيما أطمعته فيه، فجمع أهلَ الحِجا والرأي من ثقاته، وهو يومئذ ببَقَّةَ من شاطئ الفرات، فعرض عليهم ما دعته إليه، وعرضت عليه، فاجتمع رأيهم على أن يسير إليها فيستولي على ملكها، وكان فيهم قَصير، وكان أرِيبا حازما أثيراً عند جَذيمة، فخالفهم فيما أشاروا به، وقال‏:‏ رأي فاتر، وغَدْر حاضر، فذهبت كلمته مثلا، ثم قال لجذيمة‏:‏ الرأيُ أن تكتب إليها، فإن كانت صادقةً في قولها فَلْتُقْبِل إليك، وإلاَّ لم تمكنها من نفسك، ولم تَقَعْ في حِبالتها وقد وَتَرْتَها وقتلتَ أباها، فلم يوافق جذيمة ما أشار به، فقال قَصير‏:‏

إني امْرُؤ لا يُمِيلُ العَجْزُ تَرْوِيَتِي * إذا أتَتْ دُونَ شَيْءٍ مرة الوذمِ

فقال جذيمة‏:‏ لا، ولكنك امرؤ رأيُكَ في الكِنِّ لا في الضِّحِّ، فذهبت كلمته مثلا، ودعا جَذيمة عمرو بن عَدِيٍّ ابنَ أخته فاستشاره فشجَّعه على المسير، وقال‏:‏ إن قومي مع الزباء، ولو قد رَأَوْكَ صاروا معك، فأحَبَّ جذيمةُ ما قاله، وعصى قصيرا، فقال قصير‏:‏ لا يُطَاع لقَصِير أمرٌ، فذهبت مثلا، ‏[‏ص 234‏]‏ واستخلف جذيمةُ عمرَو بن عديٍّ على ملكه وسلطانه، وجعل عمرو بن عبد الجن معه على جنوده وخيوله، وسار جذيمةُ في وُجُوه أصحابه، فأخذ على شاطئ الفُرَات من الجانب الغربي، فلما نزل دعا قصيرا فقال‏:‏ ما الرأيُ يا قصير‏؟‏ فقال قصير‏:‏ ‏"‏ ببقَّةَ خَلَّفْتُ الرأي، فذهبت مثلا، قال‏:‏ وما ظَنُّكَ بالزباء‏؟‏ قال‏:‏ القول رادف، والحزم عثَرَاتُه تُخَاف، فذهبت مثلا، واستقبله رسُلُ الزباء بالهَدَايا والألطاف، فقال‏:‏ يا قصير كيف ترى‏؟‏ قال‏:‏ خَطْبٌ يسير في خَطْب كبير، فذهبت مثلا، وسَتَلْقَاكَ الجيوشُ، فإن سارت أمامك فالمرأة صادقة، وإن أخَذَتْ جنبتيك وأحاطت بك من خلفك فالقومُ غادرون بك، فارْكَبِ العصا فإنه لا يُشَقُّ غُبَاره، فذهبت مثلا، وكانت العصا فَرَساً لجذيمة لا تُجَارى، وإني راكبُها ومُسَايرك عليها، فلقيته الخيولُ والكتائب، فحالت بينَهُ وبين العصا، فركبها قصير، ونظر إليه جذيمة على مَتْن العصا مُوَلِّيا فقال‏:‏ وَيْلُ امه حَزْماً على متن الْعَصَا، فذهبت مثلا، وجرت به إلى غروب الشمس، ثم نَفَقَتْ، وقد قطعت أرضا بعيدة، فبنى عليها بُرْجاً يقال له‏:‏ بُرْجُ العصا، وقالت العرب‏:‏ خَيْرٌ ما جاءت به العصا، فذهبت مثلا، وسار جَذيمة وقد أحاطت به الخيلُ حتى دخل على الزباء، فلما رأته تكشفت فإذا هي مَضْفُورة الاسب، فقالت‏:‏ يا جذيمة أدأب عروس ترى‏؟‏ فذهبت مثلا، فقال جذيمة‏:‏ بَلَغ المَدَى، وجفَّ الثَّرَى، وأمْرَ غَدْرٍ أرى، فذهبت مثلا‏.‏ ودعت بالسيف والنِّطْع ثم قالت‏:‏ إن دماء الملوك شِفَاء من الكَلَب، فأمرت بطَسْت من ذهب قد أعَدَّته له وسَقَتْه الخمر حتى سَكِر وأخذت الخمر منه مأخذها، فأمرت بِرَاهِشَيْهَ فقُطِعا، وقَدَّمت إليه الطستَ، وقد قيل لها‏:‏ إنْ قَطَر من دمه شيء في غير الطَّسْت طُلِب بدمه، وكانت الملوك لا تُقْتَل بضرب الأعناق إلا في القتال تَكْرِمةً للملك، فلما ضعفت يَدَاه سقطَتَا فقَطَر من دَمه في غير الطست، فقالت‏:‏ لا تضيعوا دم الملك، فقال جذيمة‏:‏ دَعُوا دَماً ضيعه أهله، فذهبت مثلا، فهلَكَ جَذيمة، وجعلت الزباء دمه في ربعة لها، وخرج قصير من الحي الذي هلكت العصا بين أظهرهم حتى قدم على عمرو بن عَدِيٍّ وهو بالحِيرَة، فقال له قصير‏:‏ أثائر أنت‏؟‏ قال‏:‏ بل ثائر سائر، فذهبت مثلا، ووافق قصير الناس وقد اختلفوا، فصارت طائفة مع عمرو بن عدي اللَّخْمي، وجماعة منهم مع عمرو بن عبد الجن الجَرْمي، فاختلف بينهما قصير ‏[‏ص 235‏]‏ حتى اصطلحا وانْقَاد عمرو بن عبد الجن لعمرو ابن عدي، فقال قصير لعمرو بن عدي‏:‏ تَهَيَّأْ واستعدَّ ولا تُطِلَّنَّ دم خالك، قال‏:‏ وكيف لي بها وهي أمْنَعُ من عُقَاب الجو‏؟‏ فذهبت مثلا، وكانت الزباء سألت كاهنةً لها عن هلاكها، فقالت‏:‏ أرى هلاكك بسبب غلام مَهِين، غير أمينٍ، وهو عمرو بن عدي، ولن تموتي بيده، ولكن حَتْفك بيدك، ومن قِبَله ما يكون ذلك، فحذِرَتْ عمرا، واتخذت لها نَفَقاً من مجلسها الذي كلنت تجلس فيه إلى حصن لها في داخل مدينتها، وقالت‏:‏ إن فَجَأني أمرٌ دخلت النفق إلى حصني، ودعت رجلا مُصَوِّرا من أجْوَد أهل بلاده تصويراً وأحسنهم عملا، فجَهّزَتْه وأحسنت إليه، وقالت‏:‏ سِرْ حتى تُقْدم على عمرو بن عدي متنطرا فتخلوا بحَشَمه وتنضمّ إليهم وتُخَالطهم وتعلمهم ما عندك من العلم بالصور، ثم أثبِتْ لي عمرَو بن عدي معرفة، فصَوِّرْهُ جالساً وقائما وراكبا ومتفضلا ومتسلحاً بهيئته ولبسته ولونه، فإذا أحكمت ذلك فأقبِلْ إلي، فانطَلَقَ المصور حتى قدم على عمرو بن عدي وصنع الذي أمرته به الزباء، وبلغ من ذلك ما أوْصَتْه به، ثم رجع إلى الزباء بِعلم ما وجَّهته له من الصورة على ما وصفت، وأرادت أن تعرف عمرو بن عدي فلا تراه على حال إلا عرفته وحذرته وعلمت علمه، فقال قصير لعمرو بن عدي‏:‏ اجْدَعْ أنْفِي، واضرب ظَهْرِي، ودعني وإياها، فقال عمرو‏:‏ ما أنا بفاعلٍ، وما أنت لذلك مُسْتَحِقا عندي، فقال قصير‏:‏ خَلِّ عني إذن وخَلاَك ذم، فذهبت مثلا، فقال له عمرو‏:‏ فأنت أبْصَرُ، فجَدَع قصير أنفه، وأثر آثارا بظهره، فقالت العرب‏:‏ لِمَكْرٍ ما جَدَع قصير أنفه، وفي ذلك يقول المتلمس‏:‏

وفِي طَلَبِ الأوْتَارِ ما حَزَّ أنْفَهُ * قَصِير، ورَام الموتَ بالسيف بَيْهَسُ

ثم خرج قصير كأنه هارب، وأظهر أن عمراً فعل ذلك به، وأنه زعَم أنه مَكَر بخاله جَذيمة وغَرَّه من الزباء، فسار قصير حتى قدم على الزباء، فقيل لها‏:‏ إنَّ قصيراً بالباب، فأمرت به فأدخل عليها، فإذا أنفُه قد جُدِع وظهره قد ضرب، فقالت‏:‏ ما الذي أرى بك يا قصير‏؟‏ قال‏:‏ زعم عمرو أني قد غررت خاله، وزينت له المَصِيرَ إليك، وغَشَشته، ومالأتُكِ ففعل بي ما تَرَيْن، فأقبلت إليك وعرفْتُ أني لا أكون مع أحد هو أثقل عليه منك، فأكرمَتْه وأصابَتْ عنده من الحزم والرأي ما أرادت، فلما عرف أنها استرسلت إليه ووثِقْت به قال‏:‏ إن لي بالعراق أموالا كثيرة وطَرَائِفَ وثياباً وعِطْراً ‏[‏ص 236‏]‏ فابعثيني إلى العراق لأحملَ مالي وأحملَ إليك من بُزُوزها وطَرَائفها وثيابها وطِيبها، وتُصِيبِينَ في ذلك أرباحا عِظاما‏.‏ وبعضَ ما لا غنى بالملوك عنه، وكان اكثر ما يطرفها من التمر الصَّرَفان، وكان يُعْجبها، فلم يزل يُزَيِّنُ ذلك حتى أذنت له، ودفعت إليه أموالا وجَهَّزتْ معه عَبيدا، فسار قصير بما دفعت إليه حتى قَدِمَ العراق وأتى الحِيرَة متنكرا، فدخل على عمرو فأخبره الخبَرَ، وقال‏:‏ جهزني بصنوف البز والأمتعة لعل اللّه يمكن من الزباء فتصيبَ ثأرك وتقتلَ عدوك، فأعطاه حاجته، فرجع بذلك إلى الزباء، فأعجبها ما رأت وسَرَّها، وازدادت به ثِقَةً، وجَهّزته ثانية فسار حتى قدم على عمرو فجَهّزه وعاد إليها، ثم عاد الثالثة وقال لعمرو‏:‏ اجْمَعْ لي ثقات أصحابك وهِّيئْ الغَرَائر والمُسُوح واحْمِلْ كلَّ رجلين على بعير في غرارتين، فإذا دخلوا مدينة الزباء أقَمْتُكَ على باب نَفَقِها وخرجَتِ الرجال من الغرائر فصاحوا بأهل المدينة، فمن قاتلهم قتلوه، وإن أقبلت الزباء تُرِيدُ النفَق جَلَّلْتهَا بالسيف، ففعل عمرو ذلك، وحمل الرجالَ في الغرائر بالسلاح وسار يَكْمُنُ النهارَ ويسير الليل، فلما صار قريباً من مدينتها تقدَّمَ قصير فبشَّرَها وأعلمها بما جاء من المتاع والطرائف، وقال لها‏:‏ آخِرُ البَزِّ على القَلُوص، فأرسلها مثلا، وسألها أن تخرج فتنظر إلى ما جاء به، وقال لها‏:‏ جئْتُ بما صَاءَ وصَمَت، فذهبت مثلا، ثم خرجت الزباء فأبصرت الإبلَ تكاد قوائمُهَا تَسُوخ في الأرض من ثقل أحمالها، فقالت‏:‏ يا قصير

ما لِلُجِمَالِ مَشْيُهَا وَئيدَا * أَجَنْدَلاً يَحْمِلْنَ أَمْ حَدِيدا

أَمْ صَرَفَاناً تَارِزاً شَديدا*

فقال قصير في نفسه‏:‏ بل الرِّجَالَ قُبَّضاً قُعُودا*

فدخلت الإبلُ المدينةَ حتى كان آخرها بعيراً مَرَّ على بواب المدينة وكان بيده مِنْخَسَة فنَخَس بها الغَرَارة فأصابت خاصِرَةَ الرجل الذي فيها، فَضَرَط، فقال البواب بالرومية بشنب ساقاً، يقول‏:‏ شَرٌّ في الْجُوالِق فأرسلها مثلا، فلما توسَّطت الإبل المدينة أَنِيخَتْ ودل قصير عمرا على باب النفق الذي كانت الزباء تدخله، وأرته إياه قَبْلَ ذلك، وخرجت الرجالُ من الغرائر فصاحوا بأهل المدينة ووضعوا فيهم السلاح، وقام عمرو على باب النفَق، وأقبلت الزباء تريد النفق، فأبصرت عمراً فعرفته بالصورة التي صُوِّرت لها، فمصَّتْ خاتمها وكان فيه السم وقالت‏:‏ بِيَدِي لا بِيَدِ ابنِ عَدِيٍّ، فذهبت كلمتها ‏[‏ص 237‏]‏ مثلا، وتلقاها عمرو فجلَّلها بالسيف وقتلها، وأصاب ما أصاب من المدينة وأهلها، وانكفأ راجعاً إلى العراق‏.‏

وفي بعض الروايات مكان قولها أدأب عروس ترى ‏"‏أَشِوَارَ عَرُوسٍ ترى‏؟‏‏"‏ فقال جذيمة ‏"‏أرى دأب فاجرة غَدُور بظَرْاء تَفِلة‏"‏ قالت‏:‏ لا مِنْ عَدَم مَوَاس، ولا من قلة أوَاس، ولكن شيمة من أناس‏.‏ فذهبت مثلا‏.‏

1251- خَرْقَاءُ وَجَدَتْ صُوفاً‏.‏

ويقال‏:‏ وجدت ثُلَّة، وهي الصوف أيضاً‏.‏

يضرب مثلا للذي يُفْسِد ماله‏.‏

1252- خُذِي وَلاَ تَنَاثِرِي‏.‏

هذا المثل من قول دُغَة، وذلك أن أمها قالت لها حين رَحَلوا بها إلى بني العَنْبر‏:‏ يُوشِك أن تزورينا مُحْتَضِنة اثنين، فلما ولدت في بني العنبر استأذنت في زيارة أمها، فجهزت مع ولدها، فلما كانت قريبة من الحي أَخَذَتْ وَلَدَهَا فشقَّته باثنين، فلما جاءت الأم قالت لها‏:‏ أين ولدك‏؟‏ فقالت‏:‏ دُونَك، وأومأت إليه، ثم قالت‏:‏ يا أمّه، خُذِي ولا تُنَاثِرِي، إنهما اثنان بحمد اللّه‏.‏

يضرب في سَتْرِ العيوب وترك الكَشْف عنها‏.‏

1253- خَرْقَاءُ ذَات نِيقَةٍ‏.‏

النِّيقَة‏:‏ فِعْلَة من التَّنَوُّقِ، يقال‏:‏ تَنَوَّق في الأمر، أي تأنق فيه، وبعضُهم ينكر تَنَوّق ويقول‏:‏ إنما هو تأنق‏.‏

يضرب للجاهل بالأمر، ومع ذلك يَدَّعي المعرفة‏.‏

1254- خَرْقَاءُ عَيَّابَةٌ‏.‏

أي أنه أحمق، ومع ذلك يعيب غيره‏.‏

1255- أخْبِرْهَا بِعَابِهَا تَخْفَرْ‏.‏

العَابُ‏:‏ العيب‏.‏

يضرب للمرأة الجريئة‏.‏ أي أخبرها بعَيْبها لتكسر من جَرَاءتها‏.‏

1256- اخْتَلَفَتْ رُؤُسُهَا فَرَتَعَتْ‏.‏

الهاء راجعة إلى الإبل، وإنما تختلف رؤوسها عند الرُّتُوع‏.‏

يضرب في اختلاف القوم في الشيء‏.‏

1257- خَرَجَ نَازِعاً يَدَهُ‏.‏

يضرب لمن نَزَع يَدَه عن طاعة سلطانه‏.‏

1258- أَخْبَرْتُهُ بِعُجَرِي وَبُجرِي‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ أصل العُجَر العروقُ المتعقدة، والبُجَر‏:‏ أن تكون تلك العروق في البطن خاصة‏.‏

يضرب لمن تخبره بجميع عيوبك ثقةً بهِ‏.‏ ‏[‏ص 238‏]‏

قال الشعبي‏:‏ وقف عليٌّ رضي اللّه عنه يوم الجمل على طَلْحة وهو صَريع قتيل، فقال‏:‏ عَزَّ على أبا محمدٍ أن أراك مُجَدَّلاً تحت نجوم السماء تحشر من أفواه السباع وبُطُون الأودية، إلى اللّه أشكو عُجَرِي وبُجَرِي‏.‏

1259- الْخَيْلُ تَجْرِي عَلَى مَسَاوِيهَا‏.‏

قال اللَّحْياني‏:‏ لا واحد للمساوي، ومثلها المحاسن والمَقَاليد، يقول‏:‏ إن كان بها - يعني بالخيل - أوْصَابٌ أو عُيُوب، فإن كَرَمَها يحملها على الجري، فكذلك الحر الكريم يحتمل المُؤَنَ ويحمي الذِّمار وإن كان ضعيفاً، ويستعملُ الكَرَمَ على كل حال‏.‏

1260- الْخَيْلُ أَعْلَمُ بِفرْسَانِهَا‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ يعني أنها قد اخْتَبَرَتْ ركابها فهي تعرف الكفل من غيره‏.‏

ومعنى المثل اسْتَغْنِ بمن يعرف الأمر‏.‏

1261- الْخَيْلُ أَعْلَمُ مَنْ فُرْسَانُهَا‏.‏

يضرب لمن ظَنَنْتَ به أمراً فوجَدْته كذلك أو بخلافه‏.‏

1262- اخْتَلَطَ الْمَرْعِىُّ بالْهَمَلِ‏.‏

يقال‏:‏ إبل هَمَل وهَوَامِل وهُمَّال، واحدُها هامل‏.‏ والمرعِيُّ‏:‏ التي فيها رعاؤها، والهمَلُ ضدها‏.‏

يضرب للقوم وقَعُوا في تخليط‏.‏

1263- خَيْرَ حَالِبَيْكِ تَنْطَحِينَ‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ أصله أن شاة أو بقرة كان لها حالبان، وكان أحدهما أَرْفَقَ بها من الآخر فكانت تنطحه وتَدَعُ الآخر‏.‏

يضرب لمن يكافئ المحسنَ بالإساءة‏.‏

ويروى ‏"‏هَيْلَ هَيْلَ خيرَ حَالِبَيْكِ تنطحين‏"‏ يقال‏:‏ هَيْلَة اسم عَنْز، وهَيْلَ مرخَّم منها‏.‏

1264- الْخَرُوفُ يَتَقَلَّبُ عَلَى الصُّوِف‏.‏

يضرب للرجل المكفيِّ المُؤَن‏.‏

1265- خَاِمِري أُمَّ عَامِرٍ‏.‏

خامِرِي‏:‏ أي استتري، أم عامر وأم عمرو وأم عويمر‏:‏ الضبع، يُشَبَّه بها الأحمق‏.‏

ويروى عن علي رضي اللَه عنه، أنه قال‏:‏ لا أكونُ مثلَ الضبع تسمَعُ اللَّدْمَ فتبرز طمعاً في الحية حتى تصاد‏.‏

وهي كما زعموا من أحمق الدواب، لأنهم إذا أرادوا صَيْدها رَمَوْا في جُحْرها بحَجَر، فتحسبه شيئاً تصيده، فتخرج لتأخذه فتصاد عند ذلك‏.‏ ويقال لها‏:‏ أَبْشِرِي بجَرَادٍ عظال، وكَمرِ رجال، فلا يزال يقال لها حتى يَدْخُل عليها رجلٌ فيربط يديها ورجليها ‏[‏ص 239‏]‏ ثم يجرها، والجراد العظال‏:‏ الذي ركبَ بعضُها بعضا كثرةً، وأصل العظال سِفَاد السباع، وقوله ‏"‏وكَمرِ رجال‏"‏ يزعمون أن الضبع إذا وجَدَت قتيلا قد انتفخ جُرْدَانه ألقته على قفاه ثم ركبته، قال العباس بن مِرْدَاسٍ السُّلَمي‏:‏

ولو مات منهم مَنْ جَرَحْنا لأصبحت * ضباعٌ بأعْلى الرَّقْمَتَيْنِ عرائسا

ومثلُه‏:‏

1266- خَامِرِي حَضَاجِرُ، أَتَاكَ مَا تُحَاذِرُ‏.‏ ‏(‏كان من حق العربية أن يقال ‏"‏خامر حضاجر، أتاك ما تحاذر‏"‏ إن أريد ذكر، أو يقال ‏"‏خامري حضاجر، أتاك ما تحاذرين‏"‏ إن أريد أنثي‏)‏

حضاجر‏:‏ اسم للذكر والأنثى من الضباع، ومن أسجاعهم في مثل هذا‏:‏ لم تُرَعْ يا حَضَاجر، كفاك ما تحاذر، ضبارم مخاطر، ترهبه القساور، يعني الأسود، ويقال‏:‏

يا أم عمروٍ أبْشِرِي بالبُشْرَى * مَوْت ذَرِيع وجَرَادٌ عَظْلى

وكلا المثلين يضرب للذي يرتاع من كل شيء جبناً‏.‏

وقيل‏:‏ جعلا مثلا لمن عرف الدنيا في نقضها عقود الأمور بإيراد البلاء عقيب الرخاء ثم يسكن إليها مع ما علم من عادتها، كما تغترُّ الضبعُ بقول القائل‏:‏ خامري أم عامر‏.‏

1267- خَفَّتْ نَعَامَتُهُمْ‏.‏

وكذلك ‏"‏شالت نعامتهم‏"‏ إذا ارتحلوا عن مَنْهَلهم وتفرقوا‏.‏

1268- خَلاَ لَكِ الْجَوُّ فَبِيضِي وَاصْفِرِي‏.‏

أول من قال ذلك‏:‏ طَرَفَة بن العبد الشاعر، وذلك أنه كان مع عمه في سَفَر وهو صبي، فنزلوا على ماء، فذهب طَرَفة بفُخَيخ له فنصبه للقَنَابر، وبقي عامةَ يومه فلم يَصِدْ شيئاً ثم حمل فخه ورجع إلى عمه وتحملوا من ذلك المكان، فرأى القنابر يَلْقطْنَ ما نثر لهن من الحبِّ، فقال‏:‏

يا لك من قنبَرَةٍ بمَعْمَرِ * خَلاَ لَكِ الجوُّ فَبِيضِي وَاصْفِرِي

وَنَقِّرِي مَا شِئْتِ أن تُنَقِّرِي * قَدْ رَحَلَ الصيادُ عنك فابْشِرِي

وَرُفِعَ الفَخُّ فمَاذَا تَحْذَرِي * لا بُدَّ من صيدك يوماُ فاصْبِرِي ‏[‏ص 240‏]‏

وحذف النون من قوله ‏"‏تحذري‏"‏ لوفاق القافية أو لالتقاء الساكنين‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ يروى عن ابن عباس رضي اللَه تعالى عنهما أنه قال لابن الزبير حين خرج الحسين رضي اللَه عنه إلى العراق‏:‏

خَلاَ لك الجو فبِيضِي واصفري‏.‏

يضرب في الحاجة يتمكن منها صاحبها‏.‏

1269- خَيْرُ لَيْلَةٍ بالأَبَدِ، لَيْلَةٌ بَيْنَ الزُّبانَي وَالأَسَدِ‏.‏

وذلك عند طلوع الشَّرَطين وسقوط الغَفْر، وما كان فيه من مَطَر فهو من الربيع، وكانت العرب تراها من ليالي السعود إذا نزل بها القمر، وقوله ‏"‏بالأبد‏"‏ الباء بمعنى في، والأبَدُ‏:‏ الدهر‏.‏

1270- أَخْلَفَ رُوَيْعِياً مَظِنَّه‏.‏

أصله أن راعياً كان اعتاد مكاناً يرعاه فجاءه يوماً وقد حَالَ عما عَهِدَه، أي أتاه الخلف من حيث كان لا يأتيه، ومَظِنُّ كلِّ شيء‏:‏ حيث يُظَنُّ به ذلك الشيء‏.‏ يضرب في الحاجة يعوق دونها عائق‏.‏

1271- خَلْعُ الدِّرْعِ بِيَدِ الزَّوْجِ‏.‏

كان المفضل يحكي أن المثل لرَقَاشِ بنت عمرو بن تَغْلب بن وائل، وكان تزوجها كَعْبَ بن مالك بن تَيْم الله بن ثَعْلبة فقال لها‏:‏ اخْلَعِي درعك، فقالت‏:‏ خَلْع الدرع بيد الزوج، فقال‏:‏ اخْلَعِيه لأنظر إليك، فقالت‏:‏ التَّجَرُّدُ لغير النكاح مُثْلَة، فذهبت كلمتاها مثلين‏.‏

يضربان في وضع الشيء غير موضعه‏.‏

1272- خَلِّ سَبِيلَ مَنْ وَهَي سِقَاؤُهُ وَمَنْ هُرِيقِ بالْفَلاَةِ مَاؤُه‏.‏

يضرب لمن كره صحبتك وزهد فيك، قال الشاعر‏:‏

صَادِقْ خليلَكَ ما بَدَا لك نُصْحُه * فإذا بَدَا لك غِشُّهُ فَتَبدَّلِ

1273- اخْتَلَطَ الْخَاثِرُ بالزُّبَّادِ‏.‏

الخاثر‏:‏ ما خَثَر من اللبن، والزُّبَّاد‏:‏ الزبد ‏.‏

يضرب للقوم يَقَعُون في التخليط من أمرهم، عن الأصمعي‏.‏

1274- اخْتَلَطَ اللَّيْلُ بالتُّرَابِ‏.‏

مثل ما تقدم من المعنى‏.‏

1275- خيْرَ إِنَاءَيْكِ تَكْفَئِينَ‏.‏

يقال‏:‏ كَفَأْتُ الإناء، قَلَبْته وكَبَبْتُه وزعم ابن الأعرابي أن ‏"‏أكْفَأْتُ‏"‏ لغة، قال الكسائي‏:‏ كَفَأْته كببته، وأكْفَأْته أملته، واكْتَفَأته مثل كفأته، ومنه قوله صلى اللَه عليه وسلم ‏"‏ولا تَسْألِ المرأةُ الطلاقَ أختها لتكتفئ ما في صَحْفتها‏"‏‏.‏ ‏[‏ص 241‏]‏

قال أبو عبيد‏:‏ قد علم أنه لم يرد الصحفة خاصة، إنما جعلها مثلا لحظِّها من زوجها، يقول‏:‏ إنه إذا طَلَّقها لقول هذه كانت قد أمالت نصيبَ صاحبتها إلى نفسها‏.‏

قالوا‏:‏ يضرب هذا المثلُ في موضع حرمان أهل الحرمة، وإعطاء مَنْ ليس كذلك‏.‏

1276- خَيْرُ مَالِكَ مَا نَفَعَكَ‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ العامةُ تذهب بهذا المثل إلى أن خير المالِ ما أنْفَقَه صاحبُه في حياته ولم يخلفه بعده‏.‏

وكان أبو عبيدة يتأوله في المال يَضِيعُ للرجل فيكسِبُ به عَقْلا يتأدب به في حفظ ماله فيما يستقبل، كما قالوا‏:‏ لم يَضِعْ من مالك ما وَعَظَك‏.‏

1277- خَيْرُ مَا رُدَّ فِي أَهْلٍ وَمَالٍ‏.‏

يقال هذا للقادم من سفره، أي جعل الله ما جئت به خيرَ ما رجعَ به الغائبُ، ويروى خَيْرَ بالنصب‏:‏ أي جَعَلَ الله رَدَّكَ خَيْرَ رد في أهل ومال، وبالرفع على تقدير رَدُّكَ خير رَدٍّ، وفي بمعنى مع‏.‏

1278- الخَلَّةُ تَدْعُو إِلىَ السلَّةِ‏.‏

الخَلَّة‏:‏ الفَقْر والسَّلة‏:‏ السَّرِقة، يعني أن الفقير يدعو إلى دَنَاءة المكسب، ويجوز أن يراد بالسَّلَّة سَلُّ السيوف‏.‏

1279- خَيْرُ الْفِقْهِ مَا حَاضَرْتَ بِهِ‏.‏

أي أنفَعُ علمِك ما حَضَرك في وقت الحاجة إليه‏.‏

1280- خَلاَؤُكَ أَقْنَى لِحَيَائكَ‏.‏

أقْنَى‏:‏ أي ألزم، والمعنى أنك إذا خَلَوْتَ في منزلك كان أحْرَى أن تقني الحياء وتسلم من الناس، لأن الرجل إنما يَحْذَر ذهاب الحياء إذا واجَهَ خصما أو عارض شكلا، وإذا خلا في منزلِهِ لم يحتج إلى ذلك‏.‏

يضرب في ذم مخالطة الناس‏.‏

1281- خَيْرٌ قَلِيلٌ وَفَضَحْتُ نَفْسِي ‏.‏

ويروى ‏"‏نَفْعٌ قليل‏"‏‏.‏

قالوا‏:‏ إن أول من قال ذلك فاقرة امرأة مُرَّة الأسدي، وكانت من أجمل النساء في زمانها، وإن زوجها غاب عنها أعواماً فهوِيَتْ عبداً لها حامياً كان يَرْعَى ماشِيَتَهَا، فلما هَمَّتْ به أقبلت على نفسها، فقالت‏:‏ يا نفسُ لا خير في الشِّرَّة، فإنها تَفْضَح الحُرَّة، وتحدث العَرَّة، ثم أعرضت عنه حينا ثم هَمَّت به فقالت‏:‏ يا نفس مَوْتة مُرِيحة، خير من الفَضيحة، وركوبِ القبيحة، وإياك والعار، ولَبُوس الشَّنار، وسوء الشِّعار، ولؤم الدِّثَار، ثم هَمَّت به وقالت‏:‏ إن كانت مرة واحدة، فقد تصلح ‏[‏ص 242‏]‏ الفاسدة، وتكرم العائدة، ثم جَسَرَت على أمرها فقالت للعبد‏:‏ احْضَر مَبيتي الليلة، فأتاها فواقَعَها، وكان زوجُها عائفا ماردا، وكان قد غاب دهرا ثم أقبل آئبا، فبينا هو يَطْعم إذ نَعَبَ غراب فأخبره إن امرأته لم تَفْجُر قط، ولا تفجر إلا تلك الليلة، فركب مُرَّة فرسَه وسار مسرعا رجاء إن هو أحسها أمنها أبدا، فانتهى إليها وقد قام العبد عنها، وقد ندمت وهي تقول‏:‏ خَيْرٌ قليلٌ وفضحت نفسي، فسمعها مرة فدخل عليها وهو يُرْعَد لما به من الغيظ، فقالت له‏:‏ ما يرعدك‏؟‏ قال مرة ليعلم أنه قد علم‏:‏ خيرٌ قليل وفضحت نفسي، فشهقت شهقة وماتت، فقال مرة‏:‏

لحا اللَه ربُّ الناسِ فاقر ميتة * وأهْوِنْ بها مَفْقُودَةً حين تُفْقَدُ

لَعَمْرُكِ ما تَعْتَادُنِي مِنْكِ لَوْعَةٌ * ولا أنا من وجدٍ عَلَيْكِ مُسَهَّدُ

ثم قام إلى العبد فقتله‏.‏

1282- الْخَنِقُ يُخْرِجُ الْوَرِقَ‏.‏

يضرب للغريم المُلِحِّ يَستخرج دَيْنَه بملازمته‏.‏

1283- خَيْرُ الْخِلاَلِ حِفْظُ اللِّسَان‏.‏

يضرب في الحثِّ على الصَّمْتِ‏.‏

1284- خَلِّهِ دَرْجَ الضَّبِّ‏.‏

يضرب لمن شُوهد منه أمارات الصَّرْم، أي دَعْه يَدْرُج دَرْجَ الضب، أي دُرُوجَه ويذهب ذهابه، والهاء في ‏"‏خَلِّه‏"‏ ترجع إلى الرجل‏.‏

قال أبو سعيد الضرير‏:‏ معناه خَلِّه ودَعْه في جُحْره، وذلك أنه يحفر حجره دَرَجاً بعضُه تحت بعض، فإذا دخل فيه لم يدرك فهذا دَرَجُ الضب‏.‏

قلت‏:‏ فعلى ما قال الهاءُ في ‏"‏خَلِّه‏"‏ للسكت، إلا أنه أجراه مجرى الوصل، أي خَلِّ دَرَجَ الضب فلا تبحث عنه، فإنك لا تجده، كذلك هذا الرجل فخَلِّه ودَعْه فإنه لا سبيل لك إلى وداده‏.‏

وقال غيره‏:‏ يجوز أن يراد به التأييد، أي خَلِّه ما دَرَجَ الضبُّ، أي أبدا، ويجوز انتصابه على الظرف أيضا، أي خَلِّه في طريق الضب، ويقال أيضاً‏:‏ خل دَرَجَ الضب، أي خَلِّ طريقه لئلا يسلك بين قدميك فتنتفخ‏.‏

يضرب في طلب السلامة من الشر‏.‏

1285- خُبَأَةُ صِدْقٍ خَيْرٌ مِنْ يَفَعَةِ سَوْءٍ‏.‏

الْخُبَأة‏:‏ المرأة التي تَطْلُع ثم تختبئ، ويقال‏:‏ غلام يَافِع ويَفَعة، وغِلْمان يَفَعَة أيضاً في الجَمْعِ، أي جاريةٌ خَفِرة خيرٌ من غلام سوء‏.‏ ‏[‏ص 243‏]‏

يضرب للرجل يكون خاملَ الذكر فيقال‏:‏ لأنْ يكون كذا خير من أن يكون مشهوراً مرتفعا في الشر‏.‏

1286- خُيِّرَ بَيْنَ جَدْعٍ وخِصَاءٍ‏.‏

يضرب لمن وقع في خَصْلتين مكروهتين‏.‏

1287- خُذْ حَظَّ عَبْدٍ أبَاه‏.‏

الهاء ترجع إلى الحظ، أي إن ترك رِزْقَه وسَخِطه فخذه أنت‏.‏

1288- الْخَمْرُ تُعْطِى مِنَ الْبَخِيلِ‏.‏

أي أنه يكون بخيلا فيَجْود، وحليما فيَجْهَل، ومالكا للسانه فيًضِيع سرَّه‏.‏

1289- أَخْنَى عَلَيْهَا الَّذِي أَخْنَى عَلَى لُبَدٍ‏.‏

أخنى‏:‏ أي أهلك، ولُبَد‏:‏ آخر نُسُور لقمان، قال لبيد‏:‏

ولَقَدْ جَرَى لُبَد فأدْرَكَ رَكْضَه * رَيْبُ الزمان وكان غيرَ مُثَقَّلِ

لما رأى لُبَدُ النسورَ تَطَايَرَتْ * رَفَعَ القوادمَ كالفقير الأعْزَلِ

1290- خَيْرُ الْعَفْوِ مَا كانَ عَنِ الْقُدْرَةِ‏.‏

قال الشاعر‏:‏

اعْفُ عَنِّي فقد قَدَرْتَ، وخَيْرُ الْـ * ـعَفْوِ ‏(‏العفو‏)‏ عَفْوٌ يكون بَعْدَ اقْتِدَارِ

1291- خَاصِمِ الْمَرْءَ فِي تُرَاثِ أَبِيه أَوْلَمْ تَبْكِهِ‏.‏

أي إن نلتَ شيئاً فهو الذي أردتَ وإلا لم تَغْرم شيئاً‏.‏

1292- خَفْ رُمَاةَ الغِيَلِ وَالْكِفَف‏.‏

الغِيَلُ‏:‏ جمع غِيلَة، وهي اسمٌ من الاغتيال، والكِفَف‏:‏ جمع كِفَّة، وهي حِبالة الصائد، أي خَفْ الاغتيال وهو القتل مُغَافصة وخَفْ كِفَّة الحابل‏.‏

يضرب في التحذير، والأمر بالحزم‏.‏

1293- خَالِطُوا النَّاسَ وَزَايِلُوهُم‏.‏

أي عاشروهم في الأفعال الصالحة وزَايِلُوهم في الأخلاق المذمومة‏.‏

1294- خَيْرُ الأُمُورِ أوْسَاطُها‏.‏

يضرب في التمسك بالاقتصاد‏.‏

قال أعرابي للحَسَن البصري‏:‏ عَلِّمني دينا وَسُوطا، لا ذاهبا فَرُوطا، ولا ساقطا سَقُوطا، فقال‏:‏ أحسنت يا أعرابي، خيرُ الأمور أوساطها‏.‏

1295- خَيْرُ الأُمُورِ أحْمَدُهَا مَغَبَّةً‏.‏

أي عاقبةً، هذا مثلُ قولهم ‏"‏الأعمالُ بخواتيمها‏"‏‏.‏ ‏[‏ص 244‏]‏

1296- خَيْرُ حَظِّكَ مِنْ دُنْيَاكَ مَالَم تَنَلْ‏.‏

لأنها شُرور وغُرور‏.‏

1297- خَيْرُ الغِنَى القُنُوعُ، وَشَرُّ الفَقْرِ الْخُضُوعُ‏.‏

قاله أوس بن حارثة لابنه مالك، قالوا‏:‏ يراد بالقُنُوع القَنَاعة، والصحيح أن القُنُوع السؤال والتذلل للمسألة، يقال‏:‏ قَنَعَ - بالفتح - يَقْنَعُ قُنُوعا، قال الشماخ‏:‏

لَمَالُ الْمَرْءِ يُصْلِحُهُ فَيُغْنِى * مَفَاقِره أعَفُّ مِنَ الْقُنُوعِ

يعني من مسألة الناس، وقال بعض أهل العلم‏:‏ القُنُوعُ يكون بمعنى الرضا، وأنشد

وقَالُوا قد زُهِيتَ فقلْتُ كَلاَ * ولكنِّي أعَزَّنيَ القُنُوعُ

والقانع‏:‏ الراضي، قال لبيد‏:‏

فمنهم سَعِيدٌ آخِذٌ بنَصِيبه * ومنْهُمْ شَقِيٌّ بالمعيشة قَانِعُ

قال‏:‏ ويجوز أن يكون السائلُ سمى قانعاً لأنه يرضى بما يُعْطَى قل أو كثر، فيكون معنى القناعة والقنوع راجعا إلى الرضا‏.‏

1298- خَبَّرَهُ بِأمْرِهِ بَلاًّ بَلاًّ ‏.‏

قال أبو عمرو‏:‏ معناه بابا بابا، لم يكتمه من أمره شيئاً‏.‏

1299- الخَطَأُ زَادُ العَجُولِ‏.‏

يعني قَلَّ مَنْ عجل في أمر إلا أخطأ قَصْدَ السبيل‏.‏

1300- الخُطَبُ مِشْوَارٌ كَثِيرُ العِثَارِ‏.‏

الْمِشْوار‏:‏ المكانُ الذي تعرض فيه الدَّوَابُّ‏.‏

1301- خيْرُ الغَدَاءَ بَوَاكِرُهُ، وَخيرُ العَشَاءَ بَوَاصرُهُ‏.‏

يعني ما يبصر فيه الطعام قبل هجوم الظلام‏.‏

1302- خيْرُ المَالِ عَيْن سَاهِرَةٌ لِعَيْنٍ نَائِمةٍ‏.‏

يجوز أن يكون هذا مثل قولهم ‏"‏خَيْرُ المال عينٌ خَرّارة، في أرض خَوّارة‏"‏ ويجوز أن يكون معناه عَيْنُ من يعمل لك - كالعَبيد والإمَاءِ وأصحاب الضَّرَائب - وأنت نائم‏.‏

1303- خيْرُ النَّاسِ هَذَا النَّمَطُ الأَوْسَطُ‏.‏

يعني بين المقصر والغالي‏.‏

1304- خَلِّ مَنْ قَلَّ خَيْرُهُ، لَكَ فِي النّاسِ غَيْرُهُ‏.‏

1305- اخلُ إِلَيْكَ ذِئْبٌ أَزَلُّ‏.‏ ‏[‏ص 245‏]‏

يقال للرجل ‏"‏اخْلُ إليك‏"‏ أي الزم شأنَكَ، قال الجعدي‏:‏

وذَلِكَ من وَقَعَاتِ المَنُو * نِ فاخْلِي إلَيْكِ وَلاَ تَعْجَبِي

وتقدير المثل‏:‏ الزم شأنك فهذا ذئب أزلّ‏.‏

يضرب في التحذير للرجل‏.‏ ويروى ‏"‏أخْلِ إليك‏"‏ أي كن خاليا يقال‏:‏ أخْلَيْتُ أي خَلَوْتُ، وأخْلَيْتُ غيري، يتعدى ولا يتعدى، قال غمى بن مالك العقيلي‏:‏

أتَيْتُ مع الحدَّاثِ لَيْلي فلم أبن * فأخْلَيْتُ فَاسْتَعْجَمْتُ عند خَلاَئي

أي خَلَوت، وقوله ‏"‏إليك‏"‏ يريد ‏"‏اخْلُ ضامّاً إليك أمرك وشأنك، فإن هذا ذئبٌ أزلُّ‏"‏ والأزلُّ‏:‏ الذي لا لَحْمَ على فخذيه ولا وركيه، وذلك أسرع له في المشي‏.‏

1306- خبَرْتُهُ خُبُورِي وَشُقُورِي وَفُقُورِي‏.‏

قال الفراء‏:‏ كله مضموم الأول، وقال أبو الجراح‏:‏ بالفتح، وبخط أبي الهيثم‏:‏ شقورى ‏(‏كذا، ولعله ‏"‏خبورى بفتح الخاء‏"‏ بدليل تفسيره، ولأنه أجل بيان الشقور والفقور‏)‏ بفتح الشين، والمعنى أخبرته خبري، وسيرد الكلام في شقوري وفقوري من بعدُ إن شاء الله تعالى‏.‏

1307- خَيْرُسِلاَحِ الْمَرءِ مَا وَقَاهُ‏.‏

يعني خيرُ ولد الرجل وأهله ما كفاه ما يحتاج إليه‏.‏

1308- الْخُنْفَساءُ إِذَا مُسَّتْ نَتَّنَتْ‏.‏

أي جاءت بالنتن الكثير‏.‏

يضرب لمن يَنْطَوِي على خبث، فيقال‏:‏ لا تُفَتِّشُوا عما عنده فإنه يؤذيكم بنتن معايبِه، والخنفَساء بفتح الفاء ممدود هذه الدويبة، والأنثى خنفساة، وقال الأصمعي‏:‏ لا يقال خنفساة بالهاء، والخنفس لغة في الخنفساء، والأنثى خنفسة‏.‏

1309- خُذْ أخَاكَ بِحَمِّ اسْتِهِ‏.‏

الحَمُّ‏:‏ ما أذيب من الألية، أي خُذْه بأول ما سقط به من الكلام‏.‏

1310- خَوَاطِئاً كأنَّها نَوَاقِرُ‏.‏

النواقر‏:‏ السهام النوافذ في الغرض‏.‏

يضرب للرجل يخطئ فيكون خطؤه أقربَ إلى الصواب من صواب غيره‏.‏

ونصب ‏"‏خواطئا‏"‏ على تقدير رَمْيَ خواطئ‏.‏

1311- أَخْطَأَتْ اسْتُهُ الْحُفْرَةِ‏.‏

يضرب لمن رام شيئاً فلم يَنَلْه‏.‏

يروى أن المختار بن عُبَيد قال وهو بالكوفة‏:‏ واللَه لأدْخُلَّنَ البصرة لا أرْمى ‏[‏ص 246‏]‏ بكُتَّاب ‏(‏الكتاب - بوزن رمان أو شداد، وبالتاء المثناة أو بالثاء المثلثة - السهم لا نصل له ولا ريش‏)‏ ثم لأملكن السِّنْدَ والهندَ والبند، أنا واللَه صاحبُ الخضراء والبيضاء، والمسجد الذي ينبع منه الماء، فلما بلغ هذا القولُ الحجاجَ بن يوسف قال‏:‏ أخطأتِ اسْتُ ابنِ عبيد الحُفْرَة، أنا والله صاحبُ ذاك‏.‏

1312- خُضُلَّةٌ تَعِيبُهَا رَصُوف‏.‏

الخُضُلّة‏:‏ المرأة الناعمة التارَّة، والرَّصُوف‏:‏ المرأة الصغيرة الفَرْج، ويقال‏:‏ الضيقة الفرج حتى لا يكون للذكر فيه مسلك وهي مثل الرَّتْقَاء، والرَّصْف، ضمُّ الشيئ بعضِه إلى بعض، يعني أن هذه الرَّصُوف المعيوبة تعيب الناعمة‏.‏ يضرب لمن يَعيب الناس وبه عَيْب‏.‏

1313- خَوْقٌ مِنَ السَّامِ بِجيدٍ أوْقَصَ‏.‏

الْخَوْق‏:‏ الحَلْقة من الذهب أو الفضة، والسام‏:‏ جمع سامة، وهي عروق الذهب، والجيد الأوقص‏:‏ القصير‏.‏

يضرب للشريف الآباء الدنيء في نفسه‏.‏

1314- خَمْرُ أبِي الرَّوْقَاءِ ليْسَتْ تُسْكِرُ‏.‏

يضرب للغنيّ الذي لا فضل له على أحد ولا إحسان إلى إنسان‏.‏

1315- أخْلَفَكَ الوَزْنُ وَسَهْلٌ لاَ يُرَى‏.‏

الوَزْن‏:‏ نجمٌ يطلع من مطلع سُهَيل يشبه سهيلا في الضوء، وكذلك حَضَارِ مثل قطام يقال‏:‏ حَضَارِ والوزن مُحْلِفان، وذلك أن كل واحدٍ منهما يظن أنه سُهَيل فيحمل كل من رآه على الحلف أنه هو بعينه، وسَهْل تكبير سهيل‏.‏ يضرب لمن عَلَّق رجاءه برجلين ثم لا يَفِيانِ بما أمَّلَ‏.‏

1316- خبْرَاءُ وَادٍ لَيْسَ فِيهَا مَهْلَك‏.‏

الخَبْرَاء‏:‏ مكان فيه شجر السِّدْر، وهي مناقع للماء يبقى فيها الصَّيْفَ‏.‏

يضرب للكريم يأمن جيرانُه سوء الحال وضفف العيش‏.‏

1317- خَطِيطَةٌ فِيهَا كِلاَبٌ شُغَّرُ‏.‏

الْخَطِيطة‏:‏ الأرض التي لم يُصِبها مطر بين أَرْضَيْنِ ممطورتين، وشَغَرَ الكلبُ‏:‏ رفع إحدى رجليه من الأرض ليبول‏.‏

يضرب لقوم وقَعُوا في بؤس وهو مع ذلك يستطيلون على الناس‏.‏

1318- خَلَّةُ أَعْرَابٍ، وَدَيْنٌ فَادِحٌ‏.‏

الخَلَّة‏:‏ المحبة والمحب أيضاً، والدَّيْن الفادح‏:‏ المُثْقِل، يقال‏:‏ فَدَحَه الدينُ، إذا ‏[‏ص 247‏]‏ أثقله، وخَصَّ الأعراب لأنها لقيت الشدة، فتكلفك ما لا طاقة لك به‏.‏

يضربه مَن يلزمه ما يكره ولا بُدَّ له من تَحَمُّله‏.‏

1319- خِرْباَنُ أَرْضٍ صَقْرُهَا مُلِتُّ‏.‏

الخَرَبُ‏:‏ ذكر الْحُبَاري، والجمع‏:‏ خِرْبَان، وأَلَتَّ الصقر‏:‏ إذا أدخل رأسه تحت ريشه‏.‏

يضرب لقوم يَعِيُثون في أرضٍ غَفَلَ صاحبها عنهم‏.‏

1320- خَابَرْتُ سَعْداً فِي مَلِيطٍ مُخْدَجٍ‏.‏

المُخَابرة‏:‏ المشاركة في المزارعة، ثم تستعار في غيرها، والمَلِيط‏:‏ ولد الناقة تملطه أي تسقطه، والمُخْدَج‏:‏ الذي ولد لغير تمام‏.‏ يضرب للرجلين تنازعا فيما لا يتنازع فيه ولا خير عنده‏.‏

1321- أَخْلِفْ بِقَوْمٍ سَادَهُمْ حِقَابٌ‏.‏

يقال‏:‏ خَلَف الشيء يَخْلُف خُلُوفا، إذا فسد وتغير، ومنه خلُوف فَمِ الصائم، والْحِقَاب‏:‏ شيء محلَّى تلبسه المرأة، وأراد ذات حقاب، يعني امرأة، وتقديره ما أَفْسَدَ أمرَ قومٍ ملكتهم امرأة‏.‏

يضرب للوضيع يملك الشريف‏.‏

1322- أَخْطَأَ نَوْءُكَ‏.‏

النَّوْء‏:‏ النجم يطلُع أو يسقط فيمطر، يقال‏:‏ مُطِرْنَا بِنَوْء كذا‏.‏

يضرب لمن طلب حاجةً فلم يقدر عليها‏.‏

1323- الخَيْلُ مَيَاَمِينُ‏.‏

قالوا‏:‏ إن جرير بن عبد اللَه حين نافَرَه القضاعي أتى بفَرَسٍ فركبه من قِبَلِ وَحْشِيِّه، فقال له القضاعي‏:‏ اسْتٌ لم تُعَوّد المِجْمَرَ، فقال جرير‏:‏ الخيلُ ميامين، فذهبت مثلا‏.‏

1324- خذْهَا مِنْ ذِي قَبَلٍ وَمِنْ ذِي عَوْضٍ‏.‏

أي فيما يستقبل، وعَوْض‏:‏ اسم للدهر المستقبل، والهاء للخطة‏.‏

يضرب عند التوعُّد والتهدُّد‏.‏

1325- الخَيْرُ عَادَة وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ‏.‏

جعل الخير عادة لعَوْدِ النفس إليه، وحرصها عليه إذا أَلِفَتْه لطيب ثمره وحسن أثره، وجعل الشر لَجَاجة لما فيه من الاعوجاج ولاجْتِوَاء العقل إياه‏.‏

1326- اخْمَعِي وَتِيِسي‏.‏

الْخَمَع‏:‏ الظَّلَع، والخامعة‏:‏ الضِّبُع لأنها تَخْمَع في مشيتها، والخطابُ في هذا المثل لها، ‏[‏ص 248‏]‏ وتيسي‏:‏ معناه كذبت، وقد مر شرحه في باب التاء‏.‏

يضرب للمهذار‏.‏

1327- الْخَازِبازِ أَخْصَبُ‏.‏

هذا ذُبَاب يظهر في الربيع فيدل على خِصْب السنة، قال ابن أحمر يصف رَوْضَة‏:‏

تَكَسَّرُ فَوْقَهَا القَلعُ السَّوَارِي * وَجُنَّ الخَازِبَازِ بِهَا جُنُونَا

ويروى ‏"‏تفقأ‏"‏ والمجنون من الشجر والعُشْب‏:‏ ما طال طولا شديداً، فإذا صار كذلك قيل‏:‏ جُنَّ جُنُوناً، قال المرقش‏:‏

حتَّى إذا ما الأرْضُ زَيَّنَهَا النـ * ـبتُ ‏(‏النبت‏)‏ وَجُنَّ رَوْضُهَا وأكم

والخازبازِ‏:‏ مبني على الكسر‏.‏

1328- خيْرُ المَالِ عَيْنٌ خَرَّارَةٍ فِي أَرْضٍ خَوَّارَةٍ‏.‏

الخَرَّارة‏:‏ التي لها خَرِير، وهو صوت الماء، والْخَوّارة‏:‏ الأرض التي فيها لِينٌ وسهولة، يَعْنُون فضل الدَّهْقَنة ‏(‏الدهقنة‏:‏ التجارة‏)‏ على سائر المعاملات‏.‏

1329- خيْرُ الرِّزْقِ مَا يَكْفِي، وَخَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِي‏.‏

1330- خُذْ حَقَّكَ فِي عَفَافٍ، وَافِياً أَوْ غَيْرَ وَافٍ‏.‏

يضرب في القَنَاعة باليسير‏.‏

1331- خَالِصِ المُؤْمِنَ وَخَالِقِ الفَاجِرَ‏.‏

أي لتخلص مودتك للمؤمن، فأما المنافق والفاجر فجامِلْهما ولا تَهْضِمْ دينَكَ، وهذا قريب مما قاله صعصعة بن صوحان لأخيه زيد بن صوحان‏:‏ إذا لقيتَ المؤمن فخالصه، وقد مر في الباب الأول‏.‏

1332- خيْرُهُ فِي جَوْفِهِ‏.‏

أي إنك تَحْقِرُه في المَنْظَر، وتأتيك أنباؤه بغير ذلك‏.‏

يضرب لمن تَزْدَريه وهو يُجاذبك‏.‏

1333- خَشْيَةٌ خيْرُ مِنْ وَادٍ حُبّاً‏.‏

نصب ‏"‏حُبّاً‏"‏ على التمييز، أي لأَن تخشى خيرٌ من أن تحب، وهذا مثل قولهم‏:‏ ‏"‏رُهْبَاكَ خَيْرٌ من رُغْبَاك‏"‏ ومثل قولهم‏:‏ ‏"‏فَرَقاً أَنْفَعُ من حُبٍّ‏"‏‏.‏

1334- خِيَارُكُمْ خيْرُكمُ ْلأَهْلِهِ‏.‏

يروى هذا في حديث مرفوع‏.‏

1335- خُذْ مِنْ فُلاَنٍ الْعَفْوَ‏.‏

أي ما أمْكَن وجاء من غير كَدٍّ فاقبله‏.‏

وما تَعَذَّر عليك فدَعْه‏.‏ ‏[‏ص 249‏]‏

ما جاء على أفعل من هذا الباب‏.

1336- أَخْطَبُ مِنْ سَحْبَانِ وَائِلٍ‏.‏

وهو رجل من باهلَةَ، وكان من خطبائها وشعرائها، وهو الذي يقول‏:‏

لَقَدْ عَلِمَ الحيُّ اليَمانُونَ أنَّنِي * إذا قُلْتُ أَمَّا بَعْدُ أني خَطِيبُهَا

وهو الذي قال لطلحة الطلحات الخُزَاعي‏:‏

يَا طَلْحُ أكْرَمَ مَنْ بِهَا * حَسَباً وَأَعْطَاهُمْ لِتَالِدْ

مِنْكَ الْعَطَاُء فأَعْطِنِي * وَعَلَيَّ مَدْحُكَ فِي المَشَاهِدْ

فقال له طلحة‏:‏ احْتَكِمْ، فقال‏:‏ بِرْذَوْنك الأشهب الوَرْد، وغلامك الخباز، وقصرك بزرنج ‏(‏زرنج‏:‏ قصبة سجستان‏)‏ وعشرة آلاف، فقال له طلحة‏:‏ أُفٍّ لم تسألني على قدري، وإنما سألتني على قدرك وقدر باهلة، ولو سألتَنِي كلَّ قصر لي وعبد ودابة لأعطيتك، ثم أمر له بما سأل ولم يزده عليه شيئاً، وقال‏:‏ تاللَه ما رأيت مسألة مُحَكَّم ألأمَ من هذا‏.‏

وطلحة هذا‏:‏ هو طَلْحَة بن عبد الله بن خلف الخزاعي، وأما طلحة الطلحات الذي يقال له طلحة الخير وطلحة الفَيَّاض، فهو طلحة بن عُبَيْد الله التَّيْمي، من الصحابة، ومن المهاجرين الأولين، ومن العشرة المسمَّيْنَ للجنة، وكان يكنى أبا محمد، رضي اللَه عنه‏!‏‏.‏

1337- أَخْنَثُ مِنْ هِيتٍ‏.‏

هذا المثل من أمثال أهل المدينة، سار على عهد رسول اللَه صلى اللَه عليه وسلم، وكان حينئذ بالمدينة ثلاثة من المُخَنَّثين‏:‏ هيت، وهرم، وماتع، فسار المثل من بينهم بِهِيتٍ وكان المخنثون يدخلون على النساء فلا يُحْجَبُونَ فكان هيت يدخل على أزواج رسول اللَه صلى اللَه عليه وسلم متى أراد، فدخل يوماً دار أم سَلَمة رضي اللَه تعالى عنها ورسولُ الله صلى اللَه عليه وسلم عندهان فأقبل على أخي أم سَلَمة عبدِ الله بن أبي أمية يقول‏:‏ إن فَتَح الله عليكم الطائفَ، فسَلْ أن تُنَفَّلَ بادية بنت غيلان بن سلمة بن معتب الثقفية فإنها مُبَتَّلة هيفاء، شَمُوع نَجْلاء، تَنَاصَفَ وجهها في القَسَامة، وتجزأ معتدلاً في الوسامة، إن قامت تَثَنَّتْ، وإن قعدت تبنت، وإن تكلمت تَغَنَّت، أعلاها قَضِيب، وأسْفَلُها كَثيب، إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإن أدْبَرَتْ أدبرت بثمان، مع ثَغْر كالأقْحُوَان، ‏[‏ص 250‏]‏ وشيء بين فخذيها كالقَعْب المكْفَأ كما قال قيس بن الخطيم‏:‏

تَغْتَرِقُ الطَّرْفَ وَهْيَ لاهِيَةٌ * كأنَّمَا شَفَّ وَجْهَها نزف

بين شُكُولِ النِّسَاءِ خِلْقَتُهَا * قَصْدٌ فلا جَبْلَةٌ ولا قَضَفُ

فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له‏:‏ مالَك‏؟‏ سَبَاك الله‏!‏ ما كنتُ أحسبك إلا من غير أولي الإرْبَةِ من الرجال فلذا كنت لا أحْجُبُك عن نسائي، ثم أمره بأن يسير إلى خَاخ، ففعل، ودخل في أثَرِ هذا الحديث بعضُ الصحابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ أتأذن لي يا رسولَ الله في أن أتبعه فأضرب عنقه‏؟‏ فقال‏:‏ لا، إنَّا قد أُمِرْنا أن لا نقتل المُصَلِّين فبلغ خبرُه المخنثَ فقال‏:‏ ذلك من النازدرين أي من مخرقي الخبر، وبقي هِيتٌ بخاخ إلى أيام عثمان رضي الله عنه‏.‏

قلت‏:‏ هذا تمام الحديث، وأما تفسيره فقد فسره أبو عُبَيْد القاسم بن سلام في غريبه فقال‏:‏ أما قوله‏:‏ ‏"‏وإن قعدت تبنت‏"‏ فالتبني‏:‏ تباعُدُ ما بين الفخذين، يقال ‏"‏ تبنت الناقة‏"‏ إذا باعدت ما بين فخذيها عند الحلب ويقال ‏"‏تبنت‏"‏ أي صارت كأنها بُنْيَان من عظمها، وقوله ‏"‏تقبل بأربع‏"‏ يعني بأربع عُكَن في بطنها، وقوله ‏"‏وتدبر بثمان‏"‏ يعني أطرافَ هذه العُكَن الأربع في جنبيها لكل عكنة طرفان، لأن العُكَن تحيط بالطرفين والجنبين حتى تلحق بالمَتْنين من مؤخر المرأة، وقال ‏"‏بثمان‏"‏ وإنما هي عدد للأطراف واحدها طرف وهو مذكر، لأن هذا كقولهم ‏"‏هذا الثوب سبع في ثمان‏"‏ على نية الأشبار، فلما لم يقل في ثمانية أشبار أتى بالتأنيث، وكما يقولون ‏"‏صُمْنَا من الشهر خمساً‏"‏ والصوم للأيام دون الليالي، فإذا ذكرت الأيام قيل ‏"‏صُمْنا خمسة أيام‏"‏ وقوله ‏"‏تغترق الطَّرْف‏"‏ أي تَشْغَل عين الناظرين إليها عن النظر إلى غيرها، ويقال‏:‏ بل معناه أنها يُنْظَر إليها بالطرف كله، وهي لا تشعر، وقوله ‏"‏شَفَّ وَجْهَها نَزَفُ‏"‏ أي جَهَده، يريد أنها عَتيقة الوجهِ دقيقة المحاسن ليست بكثيرة لحم الوجه، والنزف‏:‏ خروجُ الدم، أي أنها تضرب إلى الصُّفْرة، ولا يكون ذلك إلا من النعمة، والشُّكُول‏:‏ الضروبُ، والْجَبْلَة‏:‏ الكَزَّة الغليظة‏.‏

وأما اسم هيت فقد اختلفوا فيه، قال بعضهم‏:‏ هو هنب بالنون والباء، قال ابن الأعرابي‏:‏ الهنب الفائقُ الحُمْقِ، وبه سمي الرجل هنبا، وقال الليث‏:‏ قد صحف ‏[‏ص 251‏]‏ أهلُ الحديث فقالوا هيت، وإنما هو هنب، وقال الأزهري‏:‏ رواه الشافعي رحمه الله وغيره هيت - بالتاء - وأظنه صواباً، هذا كلامهم حكيته على الوجه، والله أعلم‏.‏ وأما قولهم‏:‏

1338- أخْنَثُ مِنْ دَلاَلٍ‏.‏

فهو أيضاً من مُخَنَّثي المدينة، واسمه نافذ، وكنيته أبو يزيد، وهو ممن خصاه ابنُ حَزْم الأنصاري أميرُ المدينة في عهدِ سليمان بن عبد الملك، وذلك أنه أمر ابن حزم عامله أن أَحْصِ لي مخنثي المدينة، فتشظَّى قلمُ الكاتب فوقعت نقطة على ذروة الحاء فصيرتها خاء، فلما ورد الكتاب المدينة نَاوَله ابنُ حزم كاتبه فقرأ عليه ‏"‏اخْصِ المخنثين‏"‏ فقل له الأمير‏:‏ لعله أحْصِ بالحاء، فقال الكاتب‏:‏ إن على الحاء نقطةً مثل تمرة، ويروى مثل سهيل، فتقدم الأمير في إحضارهم، ثم خصاهم، وهو طُوَيْس، ودَلاَل، ونسيم السحر، ونومة الضحا، وبرد الفؤاد، وظل الشجر، فقال كل واحد منهم عند خِصائه كلمةً سارت عنه، فأما طويس فقال‏:‏ ما هذا إلا خِتَان أعيد علينا، وقال دلال‏:‏ بل هذا هو الخِتان الأكبر، وقال نسيم السحر‏:‏ بالخصاء صرتُ مُخَنثا حقا، وقال نومة الضحا‏:‏ بل صرنا نِساء حقا، وقال برد الفؤاد‏:‏ استرحْنَا من حَمْل مِيزاب البَوْل، وقال ظل الشجر‏:‏ ما يصنع بسلاح لا يستعمل، ومَرَّ الطبيبُ الذي خَصَاهم بابن أبي عَتيق، فقال له‏:‏ أنْتَ خاصي دلال، أما والله إنْ كان لَيُجيد‏:‏

لمن طَلَلٌ بذَاتِ الْجَز * عِ أمْسى دارِساً خَلَقَا

ومضى الطبيب، فناداه ابنُ أبي عتيق أنِ ارْجِعْ، فرجع، فقال‏:‏ إنما عنيتُ خفيفَه لا ثقيله‏.‏

قالوا‏:‏ وكان يبلُغ من تخنُّث دلال أنه كان يرمي الجِمار في الحج بسُكَّر سليماني مزعفرا مُبَخَّرا بالعُود المطري، فقيل له في ذلك، فقال‏:‏ لأبي مُرَّة ‏(‏أبو مرة‏:‏ كنية إبليس‏)‏ عندي يَدٌ فأنا أكافئه عليها، قيل‏:‏ وما تلك اليد‏؟‏ قال‏:‏ حَبَّبَ إلي الأبنة‏.‏ وقولهم‏:‏

1339- أَخْنَثُ مِنْ مُصفَّرِ اسْتِهِ‏.‏

هذا مثل من أمثال الأنصار كانوا يَكيدون به المهاجرين من بني مَخْزوم، حكى ذلك ابن جعدبة، وزعم أنهم كانوا يعنون بهذا المثل أبا جَهْل بن هشام، وقد كان يردع أليتيه بالزعفران لبَرَص كان هناك، فادعت الأنصار أنه إنما كان يطليها بالزعفران تَطْيِيباً ‏[‏ص 252‏]‏ لمن كان يَعْلُوه، لأنه كان مَسْتُوها، قالوا‏:‏ ولذلك قال فيه عتبة بن ربيعه‏:‏ ‏(‏وفي نسخة ‏"‏عتبة بن مسعود‏"‏‏)‏ سيعلم مُصَفِّر استِهِ أينا ينتفخ سَحْرُهُ، فدفَعَتْ بنو مَخْزوم ذلك وقالت‏:‏ فقد قال قيس ابن زهير لأصحابه يوم الهَبَاءة وهو يُرِيدهم على قَصِّ أثر حُذَيفة بن بدر‏:‏ إن حُذَيفة رجل مُخْرَنِفج، ولكأني بالمُصَفَّر اسْتَهُ مستنقعا في جَفْر الهَبَاءة، قالوا‏:‏ فينبغي أن تحكموا على حذيفة أيضا أنه كان مَسْتُوها مثفارا، ولم نر أحداً قطُّ قال ذلك، وقد ضرب أهلُ مكة المثلَ قبل الإسلام في التخنث برجل آخر من مشركي قريش لا أحب ذكره، وزعموا أنه كان مَؤُفاً، ورووا له هذا الشعر‏:‏

يا جَوَارِي الحيِّ عُدْنَنِيَهْ * حَجَبُوا عنِّي مُعَلِّلِيَهْ

كَيْفَ تلحوني عَلَى رَجُل * لَوْ سَقَاني سمَّ ساعَتِيَهْ

لم أقُلْ غيظاً جهلت ولا * عندها فاضَتْ مَدَامِعِيَهْ

لم أقل إني مَلِلْتُ ولا * إنَّ مَنْ أهْوَاه مَلَّنِيَهْ

لو أصابَتْهُ مَنِيَّتُه * شرِقَتْ عيني بِعَبْرَتِيَهْ

قربوا عُودًا وبَاطِيَةً * فبذا أدْرَكْتُ حَاجَتِيَهْ

وقال قوم‏:‏ إنما هذه كلمة تقال لأصحاب الدَّعَة والنَّعْمة‏.‏

1340- أَخْسَرُ صَفْقَةً مِنْ شَيْخ مَهْوٍ‏.‏

مَهْو‏:‏ بطنٌ من عبد القيس، واسم هذا الشيخ عبد الله بن بيدرة‏.‏

ومن حديثه أن إياد كانت تُعَير بالفَسْو وتُسَبُّ به، فقام رجل من إياد بسوق عكاظ ذاتَ سنةٍ ومعه بُرْدَا حِبَرَة، ونادى ألا إني من إياد، فمن الذي يشتري عار الفَسْو مني ببُرْدَيَّ هذين، فقام عبد الله هذا الشيخ العبدي وقال‏:‏ هاتهما، فاتَّزَرَ بأحدهما وارْتَدَى بالآخر، وأشهد الإياديُّ عليه أهلَ القبائل بأنه اشترى من إياد لعبد القيس عار الفَسْو ببردين، فشهدوا عليه، وآبَ إلى أهله، فسُئل عن البُرْدَيْن، فقال‏:‏ اشتريت لكم بهما عارَ الدهرِ، فقال عبد القيس لإياد‏:‏

إن الفُسَاةَ قبلنا إيَادُ * ونَحْنُ لا نَفَسُو ولا نَكَادُ

فقالت إياد‏:‏

يَالَ لُكَيْز دَعْوَةٌ نُبْدِيهَا * نُعْلِنُهَا ثُمَّتَ لاَ نُخْفِهَا

كُرُّوا إلى الرِّحَال فَافْسُوا فيها* ‏[‏ص 253‏]‏

وقال بعض الشعراء في ذلك‏:‏

يَامَنْ رَأَى كَصَفْقَةِ ابْنِ بَيْدَرَةْ * من صَفْقَةٍ خَاسِرَة مُخَسِّرَةْ

المُشْتَرِى الْعَارَ ببُرْدَىْ حِبَرَهْ * شَلَّتْ يمينُ صَافِقٍ ما أخْسَرَهْ

وكان المنذر بن الجارود العبدي رئيسَ البصرة، فقال يوماً‏:‏ مَنْ يشتري مني عارَ الفسوة ينحكم على في السَّوْم، وكانت قبائل البصرة حاضرة، فقال رجل من مَهْو‏:‏ أنا، فقال له المنذر‏:‏ أثانيةً لا أم لك قد اشْتَرَيْتُموه في الجاهلية وجئتم تشترونه في الإسلام أيضاً، اعْزُبْ أقام اللَه ناعِيكَ‏.‏

وقدم إلى عبد الملك بن مروان رجلان كلاهما مستحق للعقوبة، فبطَحَ أحدَهما فضَرَط الآخر، فضحك الوليد بن عبد الملك، فغضب عبدُ الملك وقال‏:‏ أتضحك من حَدٍّ أقيمه في كجلسي‏؟‏ خذوا بيده، فقال الوليد‏:‏ على رِسْلِكَ يا أمير المؤمنين، فإن ضحكي كان من قول بعض ولاة الأمر على مِنْبَر البصرة‏:‏ واللَه لئن غَمَزْتُ حنيفةَ لَتَضْرطَنَّ عبدُ القيسِ، والمبطوح حنفي، والضارط عَبْدي، فضحك عبد الملك، وخَلَّى عنهما‏.‏

1341- أخْيَلُ مِنْ وَاشِمَةِ اسْتِهَا‏.‏

قال أبوعمرو‏:‏ هي امرأة وشَمَتْ فرجها فاختالت على صواحباتها، ويقال‏:‏ بل هي دُغَةُ‏.‏

1342- أخْلَفُ مِنْ وَلَدِ الحمَارِ‏.‏

يَعْنُون البغل، لأنه لا يشبه أباهُ ولا أمه‏.‏

1343- أَخْلَفُ مِنْ نَارِ الحُبَاحِب‏.‏

ويقال أيضاً ‏"‏من نار أبي حباحب‏"‏ و ‏"‏أخلف من وقود أبي حباحب‏"‏‏.‏

ومن حديثه - فيما ذكره ابن الكلبي - أنه كان رجلا من العرب في سالف الدهر بَخِيلاً، لا توقَدُ له نار بليل مخافة أن يُقْتَبَسَ منها، فإن أوقدها ثمَّ أبصرها مستضيء أطفأها، فضربت العرب بناره في الخلف المثلَ، وضربوا به في البخل المثل‏.‏

وقال غير ابن الكلبي‏:‏ الحباحب النارُ التي تُورِيها الخيلُ بسنابكها من الحجارة، واحتج بقول الله تعالى ‏{‏فالمُورِيَاتِ قَدْحاً‏}‏‏.‏ وقال قائل‏:‏ الحباحبُ طائرٌ يطير في الظلام كقَدْرِ الذباب، له جناح يحمرُّ إذا طار به، يتراءى من البعد كشُعْلة نار‏.‏

1344- أَخْلَفُ مِنْ صَقْرٍ‏.‏

هذا من خُلُوف الفم، وهو تَغَيُّر رائحته‏.‏

1345- أخْلفُ مِنْ عُرْقُوبٍ‏.‏

هذا من خُلْفِ الوعد، وسنذكر قصته في حرف الميم عند قوله ‏"‏مواعيد عرقوب‏"‏‏.‏ ‏[‏ص 254‏]‏

1346- أَخْلَفُ مِنْ شُرْبِ الكَمُّونِ‏.‏

لأن الكمون يُمَنَّى السقيَ فيقال له‏:‏ أتشرب الماء‏؟‏ ويقال أيضاً‏:‏ مواعيد الكمون، كما يقال‏:‏ مواعيد عرقوب، إلا أن الكمون مفعول لا فاعل، كما كان عرقوب في قولهم ‏"‏مواعيد عرقوب‏"‏ فاعلاً، قال الشاعر‏:‏

إذا جِئْتَهُ يوماً أحالَ على غَدٍ * كما يُوعَدُ الكَمُّونَ مَا لَيْسَ يَصْدُقُ

1347- أَخْلَفُ مِنْ بَوْلِ الْجَمَلِ‏.‏

هذا من الخِلاَف، لا من الخُلْف، لأنه يبول إلى خَلْف‏.‏ وقولهم‏:‏

1348- أَخْلَفُ مِنْ ثِيلِ الْجَمَلِ‏.‏

الثيل‏:‏ وعاء قضيبه، وقيل ذلك فيه لأنه يخالف في الجهة التي إليها مَبَالُ كل حيوان‏.‏

1349- أخَفُّ مِنْ فَرَاشَةٍ‏.‏

الفَرَاشة أكبر من الذباب الضخم، فإن أخَذْتَها بيدك صارت بين أصابعك مثل الدقيق، قال الشاعر‏:‏

سَفَاهَةُ سِنَّوْرٍ وحِلْمُ فَرَاشَةٍ * وَإنَّكَ مِنْ كَلْب المهارش أجْهَلُ

1350- أخَفُّ رَأْساً مِنَ الذِّئْبِ‏.‏

قالوا‏:‏ إن الذئب لا ينام كل نومه لشدة حَذَره، ومن شقائه بالسهر لا يكاد يخطئه مَنْ رماه، وإذا نام فتح إحدى عينيه، قال حميد‏:‏

يَنَامُ بإحْدَى مُقْلَتَيْه، وَيَتَّقِي * بأخْرَى الْمَنَايا فَهْوَ يَقْظَانُ هَاجِعُ

1351- أخَفُّ رَأْساً مِنَ الطَّائِرِ‏.‏

قال الشاعر‏:‏

يبيتُ الليلَ يَقْظَانا * خَفِيفَ الرأس كَالطَّائِرْ

وقولهم‏:‏

1352- أَخَفُّ حِلْماً مِنْ عُصْفورٍ‏.‏

هو أن العرب تضرب المثل بالعصفور لأحلام السخفاء، قال حسان‏:‏

لاَ بَأْسَ بالقَوْمِ من طُوٍل ومن عِظَمٍ * جِسْمُ البغالِ وَأحْلاَمُ الْعَصَافِيرِ

1353- أخَفُّ حِلْماً مِنْ بَعِيرٍ‏.‏

هو من قول الشاعر‏:‏

ذَاهِبٌ طُولاً وعَرْضاً * وَهْوَ في عَقْلِ بَعِيرِ

ومن قول الآخر‏:‏

لقد عَظُمَ البعيرُ بغير لُبٍّ * فلم يَسْتَغْنِ بالعِظَمِ البَعِيرُ

يُصَرِّفُه الصبيُّ لكل وُجْهٍ * ويَحْبِسُهُ على الخَسْفِ الْجَرِيرُ ‏[‏ص 255‏]‏

وتَضْرِبُهُ الوليدَةْ بالهَرَاوَي * فَلاَ غير لَدَيْهِ ولا نَكِيرُ

1354- أخَفُّ مِنَ الْجُمَّاحِ‏.‏

هو سَهْم يلعبُ به الصبيان لا نَصْل له، يجعلون في رأسه مثل البُنْدُقة لئلا يعقر، وربما جعل في طرفه تمر مَعْلوك بقدر عفاص القارورة، وقوس الْجَمَّاح مثل قوس الندَّاف إلا أنها أصْغَر فإذا شب الغلام ترك الجُمَّاح وأخذ النبل‏.‏ وأما قولهم‏:‏

1355- أخَفُّ مِنْ يَرَاعَةٍ‏.‏

فيجوز أن يُرَاد به الذي يطير بالليل كأنه نار، يقال‏:‏ هو ذباب، فيكون كقولهم ‏"‏أخف من فَرَاشة‏"‏ ويجوز أن يراد به القَصَبَة، والجمع يَرَاع فيهما‏.‏

1356- أخْفَى مِنَ المَاءِ تَحْتَ الرُّفَةِ‏.‏

يعني التِّبْنة، قلت‏:‏ هذا الحرف في كتاب حمزة بتشديد الفاء، وكذلك أورده الجوهري في الصحاح في قولهم ‏"‏ورَدَت الإبل رفها‏"‏ والصحيح أن الرُّفَةَ من الأسماء المنقوصة، والجمع رُفَات مثل قُلَة وقُلاَت وثُبَة وثُبَات‏.‏

1357- أَخْفَى مِمَّا يُخْفي اللَّيْلُ‏.‏

لأن الليل يستر كل شيء، ولذلك قالوا في المثل الآخر‏:‏ الليلُ أخْفَى للويل، وفي مثل آخر‏:‏ الليلُ أخْفَى والنهارُ أفضح، وأخْفَى‏:‏ أفعل من قولهم‏:‏ خَفَيْتُ الشيء، إذا كتمته، أخْفِيه خفيا، وليس من الإخفاء‏.‏

1358- أَخْرَقُ مِنْ حَمَامَةٍ‏.‏

لأنها لا تُحْكِم عُشَّها، وذلك أنها ربما جاءت إلى الغصن من الشجرة فتبني عليه عشها في الموضع الذي تذهب به الريح وتجيء، فَبَيْضُها أضْيَعُ شيء، وما ينكسر منه أكثر مما يسلم، قال عَبِيد بن الأبرص‏:‏

عَيُّوا بأمرهُم كَمَا * عَيَّتْ بيضتها الْحَمَامَهْ

جَعَلَتْ لها عُودَيْنِ من * نَشَمٍ وآخَرَ من ثُمَامَهْ

ويروى ‏"‏وعُوداً من ثُمَامه‏"‏

1359- أخْرَقُ مِنْ نَاكِثَةِ غَزْلِها‏.‏

ويقال‏:‏ من ناقضة غَزْلها، وهي امرأة كانت من قريش يقال لها‏:‏ أم رَيْطَة بنت كعب بن سعد بن تَيْم بن مُرَّة، وهي التي قيل فيها ‏"‏خَرْقَاء وجَدَتْ صُوفاً‏"‏ والتي قال الله عز وجل فيها ‏{‏ولا تَكُونُوا كالتَّي نَقَضَتْ غَزْلَها من بعد قوّة أنكاثا‏}‏ قال المفسرون‏:‏ كانت هذه المرأة تغزل وتأمر جَوَاريَهَا أن يغزلن ثم تنقض وتأمرهن أن ‏[‏ص 256‏]‏ ينقضن ما فتلن وأمررن، فضرب بها المثل في الْخُرْقِ‏.‏

1360- أخْسَرُ مِنْ حَمَّالَةِ الْحَطَبِ‏.‏

هي أيضا من قريش، وهي أم جَميل أختُ أبي سفيان بن حَرْب وامرأة أبي لَهَبٍ المذكورة في سورة ‏{‏تّبَّتْ يَدَا أبي لَهَب‏}‏ وفيها يقول الشاعر‏:‏

جَمَعْتَ شَتَّى وقَدْ فَرَّقْتها جُمَلاً * لأنْتَ أخْسَرُ من حَمَّاَلِة الْحَطَبِ

أي أظهر خُسْرانا، وذلك أنها كانت تحمل العَضَاة والشَّوْكَ فتطرحُه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليَعْقِرَه، وقال قتادة ومجاهد والسدي‏:‏ كانت تمشي بالنَّمِيمة بين الناس، فتلقى بينهم العَدَاوة وتهيج نارَها كما توقِد النارَ بالحطب، وتسمى النميمة حَطَباً، ويقال‏:‏ فلان يَحْطِبُ على فلان، إذا كان يُغْرِي به، وقال‏:‏

مِنَ الْبِيضِ لم تَصْطَدْ على ظهْرِ سَوْءَة*ولم تَمْشِ بَيْنَ القوم بالحَطَبِ الرَّطْبِ

1361- أخْسَرُ مِنَ مَغْبُونٍ‏.‏

مثل مُوَلَّد، ويقولون في مثل آخر‏:‏ في اسْتِ المَغْبُونِ عُود‏.‏

1362- أَخْيَبُ مِنَ القَابِضِ عَلَى المَاء‏.‏

هذا مأخوذ من قول الشاعر‏:‏

وَمَا أنْسَ مِنْ أشْيَاءَ لاَ أَنْسَ قَوْلَها * تَقَدَّمْ فَشَيِّعْنَا إلى ضَحْوَةِ الْغَدِ

فأصْبَحْت مِمَّا كَانَ بَيْنِي وبَيْنَهَا * سِوَى ذِكْرِهَا كَالْقَابِضِ الْمَاءَ بِالْيَدِ

1363- أَخْيَبُ مِنْ حُنَيْنٍ‏.‏

قد اختلف النسابون فيه، وقد ذكرت قول أبي عبيد وابن السِّكِّيت فيه في حرف الراء عند قولهم ‏"‏رَجَع بخُفَّيْ حُنَين‏"‏ وأما الشَّرْقي بن القطامي فإنه قال‏:‏ كان حُنَين من قريش، وزعم أن أصل المثل أن هاشم ابن عبد مناف كان رجلا كثيرَ التقلُّبِ في أحياء العرب للتجارات والوِفادات على الملوك وكان نُكَحَة، فكان أوصى أهلَه أنه متى أتوا بمولود معه علامته قَبِلوه، وتصير علامة قبولهم إياه أن يَكْسُوه ثيابا، ويلبسوه خُفّاً، ثم إن هاشما تزوج في حيٍّمن أحياء اليمن، وارتحل عنهم، فوُلِد له غلام فسماه جَدُّه أبو أمه ‏"‏حُنَيْناً‏"‏ وحمله إلى قريش مع رَجُل من أهله، فسأل عن رهط هاشم، فَدُلَّ عليهم، فأتاهم بالغلام، وقال‏:‏ إن هذا ابنُ هاشِمٍ، فطالبوه بالعلامة، فلم تكن معه، فلم يقبلوه، فرد الغلام إلى أهله فحين رَأَوْه قالوا‏:‏ جاء بخُفِّ حُنَيْنٍ، أي جاء خائبا حين جاء في خف نفسه، أي لو قُبل لألبس خف أبيه‏.‏ ‏[‏ص 257‏]‏

وقال غيره‏:‏ كان حنينا رجلاً عباديا من أهل دومة الكوفة وهي النجف محلة منها، وهو الذي يقول‏:‏

أنَا حُنَيْنٌ وَدَارِي النَّجَفُ * وما نَدِيمي إلا الْفَتَى القصف

ليس نَدِيمِي المنجَلُ الصلف*

وكان من قصته أن دَعَاه قومٌ من أهل الكوفة إلى الصحراء ليغنيهم، فمضى معهم، فلما سَكِر سَلَبوه ثيابه وتركوه عُرْيانا في خُفَّيْهِ، فلما رجع إلى أهله وأبصروه بتلك الحالة قالوا‏:‏ جاء حنين بِخُفَّيْهِ، ثم قالوا‏:‏ أخَيْبُ من حُنَين، فصار مثلا لكل خائب وخاسر، ثم قالوا‏:‏ أصحب لليأس من خفي حنين، فصار مثلا لكل يائس وقانط ومكدٍ‏.‏

1364- أخْلَى مِنْ جَوْفِ حِمَارٍ‏.‏

و ‏"‏أخرب من جوف حمار‏"‏ قالوا‏:‏ هو رجل من عاد، وجَوْفه‏:‏ وادٍ كان يحله، ذو ماء وشجر، فخرج بنوه يتصيدون، فأصابتهم صاعقة فأهلكتهم، فكفر وقال‏:‏ لا أعبد ربا فعل ذا ببنيَّ، ثم دعا قومَه إلى الكفر، فمن عَصَاه قتله، فأهلكه الله وأخرب واديه، فضربت العرب به المثل في الخراب والخلاء، وقالوا ‏"‏أخْرَبُ من جوف الحمار‏"‏ و ‏"‏أخلى من جوف حمار‏"‏ وأكثرت الشعراء ذكره في أشعارهم، فمن ذلك قول بعضهم‏:‏

وَبِشُؤْمِ الْبَغْيِ وَالْغَشْمِ قَدِيماً * ما خَلا جَوْفٌ ولم يبق حِمَار

هذا قول هشام الكلبي‏.‏ وقال غيره‏:‏ ليس حمار ههنا اسمَ رجل، بل هو الحمار بعينه، واحتج بقول من يقول ‏"‏أخلى من جوف العَيْر‏"‏ قال‏:‏ ومعنى ذلك أن الحمار إذا صِيدَ لم ينتفع بشيء مما في جوفه، بل يرمى به ولا يؤكل، واحتج أيضا بقول من قال ‏"‏شَرُّ المالِ ما لا يزكى ولا يذكى‏"‏ فقال‏:‏ إنما عنى به الحمار، لأنه لا تجب فيه زكاة، ولا يُذْبَح فيؤكل، وقال أبو نصر في قول امرئ القيس‏:‏

وَوَادٍ كَجَوْفِ الْعَيْرِ قَفْرٍ قَطَعْتُه*

العير عند الأصمعي‏:‏ الحمار، يذهب إلى أنه ليس في جوف الحمار إذا صيد شيء ينتفع به، فجوف الحمار عندهم بمنزلة الوادي القفر الذي لا منفعة للناس والبهائم فيه‏.‏ وقال‏:‏ قال الأصمعي‏:‏ حدثني ابن الكلبي عن فروة ابن سعيد عن عفيف الكندي أن هذا الذي ذكرته العرب كان رجلا من بقايا عاد يقال له ‏"‏حمار بن مُوَيْلع‏"‏ فعَدَلَت العرب عند تسميته عن ذكر الحمار إلى ذكر العَيْرِ لأنه في الشعر أخف وأسهل مَخْرَجا‏.‏ ‏[‏ص 258‏]‏

1365- أخْزَى مِنْ ذَاتَ النّحْيَيْنِ‏.‏

قد ذكرتُ قصتها في حرف الشين عند قولهم ‏"‏أشْغَلُ من ذات النَّحْيَيْنِ‏"‏‏.‏

1366- أخْنَثُ مِنْ طُوَيْسٍ‏.‏

ويقال ‏"‏أشْأَمُ من طُوَيْس‏"‏‏.‏

الطاوسُ‏:‏ طائر معروف، ويصغر على ‏"‏طُوَيْس‏"‏ بعد حذف الزيادات‏.‏ وكان طويسٌ هذا من مُخَنَّثي المدينة، وكان يسمى طاوسا، فلما تخنث سمي بطويس، ويكنى بأبي عبد النعيم، وهو أول من غَنَّى في الإسلام بالمدينة، ونَقَر بالدُّفِّ المربع، وكان أخَذَ طرائقَ الغناء عن سبي فاس، وذلك أن عمر - رضي الله عنه - كان صَيَّرَ لهم في كل شهر يومين يستريحون فيهما من المهن، فكان طويس يَغْشَاهم حتى فهم طرائقهم، وكان مُؤفاً خليعا، يُضْحِك كل ثَكْلَى حَرَّى، فمن مَجَانَتِهِ أنه كان يقول‏:‏ يا أهل المدينة، ما دُمْتُ بين أظهركم فتوقَّعوا خروج الدجال والدابة، وإن متُّ فأنتم آمِنون، فتدبروا ما أقول، إن أمي كانت تمشي بين نساء الأنصار بالنمائم، ثم ولدتني في الليلة التي مات فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفَطَمتني في اليوم الذي مات فيه أبو بكر، وبلغت الحُلَم في اليوم الذي قتل فيه عمر، وتزوجت في اليوم الذي قتل فيه عثمان، وولد لي في اليوم الذي قتل فيه علي، فَمَنْ مثلي‏؟‏ وكان يظهر للناس مافيه من الآفة غير محتشم منه، ويتحدث به، وقال فيه شعرا، وهو‏:‏

أنا أبو عَبْد النعيم * أنا طاوسُ الجحيم

وأنا أشأم مَنْ دَبَّ * على ظهر الْحَطيم

أنا حاء ثم لام * ثم قاف حشو ميم

عني بقوله ‏"‏حشو ميم‏"‏ الياءَ، لأنك إذا قلت ميم فقد وقعت بين ميمين ياء، يريد أنا حلقي‏.‏

ولما خصي طويس مع سائر المخنثين قال‏:‏ ما هذا إلا ختان أعِيدَ علينا، وكان السبب في خصائهم أنهم كَثُروا بالمدينة فأفسدوا النساء على الرجال، وزعم بعضُهم أن سليمان بن عبد الملك كان مفرط الغَيْرة، وأن جارية له حَضَرته ذاتَ ليلةٍ قمراء وعليها حلي منعصفر، فسمع في الليل سميرا الأبليَّ يغني هذه الأبيات‏:‏

وغادةٍ سَمِعَتْ صوتي فأرَّقَهَا * من آخر الليل لما مَلَّهَا السَّهَرُ

تُدْنِي على فخذيها من مُعَصْفَرَةٍ * والحلْيُ دانٍ على لَبَّاتِهَا خضر

لم يحجب الصَّوْتَ أحْرَاسٌ ولا غَلَق * فدَمْعُهَا بأعَالِي الخدِّ يَنْحَدِرُ ‏[‏ص 259‏]‏

في ليلة البدر ما يدري مُعَايِنُهَا * أوَجْهُهَا عندَهْْ أبْهَى أم القَمَرُ

لو خُلِّيَتْ لَمَشَتْ نَحْوِي على قدم * تكادُ مِنْ رقةٍ للمَشْيِ تَنْفَطِرُ

فاستوعب سليمان الشعر، وظن أنه في جاريته، فبعث إلى سمير فأحضره، ودعا بحجَّام ليخصيه، فدخل إليه عمر بن عبدِ العزيز وكلمه في أمره، فقال له‏:‏ اسكت إن الفَرَسَ يَصْهَل فتستودق الحِجْرُ له، وإن الفحل يخطر فتضبع له الناقة، وإن التَّيْسَ ينبُّ فتستحرم له العنز، وإن الرجل يُغَنِّي فتَشْبَقُ له المرأة، ثم خصاه، ودعا بكاتبه فأمره أن يكتب من ساعته إلى عامله ابنِ حزم بالمدينة ‏"‏أن أحْصِ المخنثين المغنين‏"‏ فتشظَّى قلم الكاتب فوقعت نقطة على ذروة الحاء، فكان ما كان مما تقدم ذكره‏.‏

1367 أَخْبَثُ مِنْ ذِئْبِ الْخَمَرِ، وَأَخْبَثُ مِنْ ذِئْبِ الغَضَى‏.‏

قال حمزة‏:‏ العرب تسمي ضروباً من البهائم بضروب من المراعي تَنْسُبها إليها، فيقولون‏:‏ أرنب الخلة، وضَبُّ السحا، وظبي الحلب، وتيس الربلة، وقنفذ برقة، وشيطان الحَمَاطة، وذلك كله على قدر طِباع الأمكنة والأغْذِية العاملة في طباع الحيوان، وفي أسجاع ابنة الخُسِّ‏:‏ أخبثُ الذئابِ ذئب الغَضَى، وأخبث الأفاعي أفْعَى الجدب، وأسرع الظباء ظباء الحلب، وأشد الرجال الأعجف، وأجمل النساء الفَخْمة الأسيلة، وأقبح النساء الْجَهْمَة القفرة، وآكَلُ الدواب الرَّغُوث، وأطيب اللحم عوّذه، وأغْلَظُ المَوَاطئ الحَصَا على الصَّفَا، وشر المال ما لا يُزَكَّى ولا يُذَكى، وخير المال مُهْرَة مأمورة أو سكة مأبُورَة‏.‏

قال‏:‏ وعلى هذا المجرى حكاية حكاها ابن الأعرابي عن العرب، زعَم أنه قيل للبكرية‏:‏ ما شجرة أبيك‏؟‏ فقالت‏:‏ العَرْفَجَة إذا قُدِحَت التهبت، وإذا خليت قصبت، وقيل للقيسية‏:‏ ما شجرة أبيك‏؟‏ فقالت‏:‏ الخلة، ذليقة الدرة، حديدة الجرة، وقيل للتميمية‏:‏ ما شجرة أبيك‏؟‏ فقالت‏:‏ الإسليح رغوة وصريح، وسَنَام إطريح، تُفيئه الريح، وقيل للأسدية‏:‏ ما شجرة أبيك‏؟‏ فقالن‏:‏ الشرشر، وطب حشر، وغلام أشر، حشر‏:‏ أي وسخ، ووسخ الوَطْب من اللبن يدعى حشراً‏.‏

قلت‏:‏ قوله ‏"‏وطب حشر‏"‏ كذا قرئ على حمزة بالحاء، وروى عنه والصواب جشر بالجيم، وكذا في التهذيب عن الأزهري، وفي الصحاح عن الجوهري‏:‏ قال حمزة‏:‏ ‏[‏ص 260‏]‏ والسنام الإطريح‏:‏ المرتفع، يقال‏:‏ طَرَحَ القوم بناءهم، أي رفعوه وطَوَّلوه، والحلب‏:‏ شجرة حلوة فلذلك ظباؤها أسرع، وأبطأ الظباء ظباء الحَمْضِ، لأن الحمض مالح‏.‏

1368- أَخْوَنُ مِنْ ذِئْبٍ‏.‏

ويقولون في مثل آخر‏:‏ ‏"‏مستودع الذئب أظلم‏"‏ وفي مثل آخر‏:‏ ‏"‏مَنْ اسْتَرْعَى الذئبَ ظلم‏"‏ وقال الشاعر‏:‏ أخْوَنُ مِنْ ذِئبٍ بِصَحْرَاءِ هَجَرْ*

1369- أخَبُّ مِنْ ضَبّ‏.‏

ومنه اشتقُّوا قولهم‏:‏ فلان خَبٌّ ضَبٌّ‏.‏

1370- أَخْيَلُ مِنْ غُرَابٍ‏.‏

لأنه يَخُتال في مِشْيته‏.‏

1371- أَخْيَلُ مِنْ مُذَالَة‏.‏

يَعْنُون الأمة، لأنها تُهَان وهي تتبختر‏.‏

1372- أَخْيَلُ مِنْ ثَعْلَبٍ فِي اسْتِهِ عِهْنُهُ‏.‏

قال حمزة‏:‏ هذا مثل رَوَاه محمد بن حبيب ولم يفسِّره، ولا أعرف معناه‏.‏

1373- أَخْدَعُ مِنْ ضَبٍّ‏.‏

التخدُّع‏:‏ التواري، والمَخْدضع من هذا أخذ، وهو بيتٌ في جَوْف بيت يُتَوَارى فيه، وقالوا في الضب ذلك لتواريه وطول إقامته في جُحْره وقلة ظهوره‏.‏

وقال أبو على لكذه‏:‏ خدع الضب إنما يكون من شدة حَذَره، وأما صفة خدعه فأن يعمد بذنبه باب جُحْره ليضربَ به حيةً أو شيئاً آخر إن جاءه، فيجيء المتحرشُ فإن كان الضب مجربا أخرج ذنبه إلى نصف الجحر، فإن دخل عليه شيء ضربه، وإلا بقي في جحره، فهذا هو خدعه، قال الشاعر‏:‏

وأخْدَعُ من ضَبٍّ إذا جاء حَارِشٌ * أعَدَّ له عند الذنابة عَقْرَباَ

وذلك أن بيت الضب لا يخلو من عقرب، لما من الألفة والاستعانة بها على المحترش، هذا قول أهل اللغة‏.‏

وقال بعض أصحاب المعاني‏:‏ العربُ تذكر الضبَّ والضبع والوحر والعقربَ في مجاري كلامها من طريق الاستعارة، فأما الضبُّ فإنهم يقولون‏:‏ فلان خَبٌّ ضَبٌّ، فيشبهون الحقد الكامن في قلبه الذي يَسْرِي ضَرَرُه بخدع الضب في جحره، وأما الضبع فإنهم يجعلونها اسماً للسنة الشديدة، إذ كانت الضبعُ أفْسَدَ شيء من الدواب، فشبهوا بها السنة الشديدة التي تأكل المال، وأما الوحر فإنه دُوَيبة حمراء إذا جَثَمت تَلْزَق بالأرض فيقولون منه‏:‏ وَحِرَ صَدْرُ فلانٍ، ذهبوا إلى التزاق الحقد بالصدر كالتزاق الوَحَرِ بالأرض وأما العقرب فإنهم يقولون‏:‏ سَرَتْ عقاربُ ‏[‏ص 261‏]‏ فلانٍ، وفلان تَدِبُّ عقاربه، إذا خَفِيَ مكان شره‏.‏

قلت‏:‏ والمثل أعني قولهم ‏"‏أخدع من ضب‏"‏ يضرب لمن تطلُبُ إليه شيئاً، وهو يَرُوغُ إلى غيره‏.‏

1374- أَخْطَأُ مِنْ ذُبَابٍ‏.‏

لأنه يُلْقِي نفسَه في الشيء الحار، أو الشيء يلزق به فلا يمكنه التخلص منه‏.‏

1375- أَخْطَأُ مِنْ فَرَاشَةٍ‏.‏

لأنها تُلْقِي نفسَها على النار‏.‏ قلت‏:‏ وأخطأ في المثلين من خَطِئ، لا من أخْطَأ، وهما لغتان، أنشد أبو عبيدة‏:‏ يا لَهْفَ هِنْدٍ إذ خَطِئْنَ كَاهِلا* أي أخطأن‏.‏

1376- أَخْبَطُ مِنْ حَاطِبِ لَيْلٍ‏.‏

لأن الذي يحتطب ليلا يجمع كلَّ شيء مما يحتاج إليه وما لا يحتاج إليه، فلا يدري ما يجمع‏.‏

1377- أَخْبَطُ مِنْ عَشْوَاءَ‏.‏

هي الناقة التي لا تُبْصِرُ بالليل، فهي تَطَأ كلَّ شيء، ويقال في مثل آخر ‏"‏إنَّ أخا الخلاط أعشى بالليل‏"‏ قالوا‏:‏ الخِلاط القتالُ، وصاحب القتال بالليل لا يَدْرِي من يضرب‏.‏

1378- أَخْطَفُ مِنْ قِرِلَّى‏.‏

قالوا‏:‏ إنه طير من بنات الماء، صغير الجرم حديد الغَوْص سريع الاختطاف، ولا يرى إلا مُرَفْرِفاً على وجه الماء على جانب كطيران الحِدَأة يَهْوِي بإحدى عينيه إلى قَعْر الماء طمعاً، ويرفع الأخرى إلى الهواء حذراً، فإن أبصر في الماء ما يستقل بحمله من سمك أو غيره انقضَّ عليه كالسَّهْم المُرْسَل فأخرجه من قعر الماء، وإن أبصر في الهواء جارحاً مرَّ من الأرض‏.‏

وكما ضربوا به المثل في الاختطاف، كذلك ضربوا به المثل في الحذر والحزم، فقالوا ‏"‏أحْذَر من قِرِلَّى‏"‏ كما قالوا ‏"‏أحْذَر من غراب‏"‏ وقالوا ‏"‏أحزم من قرلى‏"‏ كما قالوا‏:‏ ‏"‏أحزم من حِرْبَاءَ‏"‏ وفي الأسجاع لابنة الْخُسِّ‏:‏ كن حَذِراً كالقِرِلَّى، إن رأى خَيْراً تَدَلَّى، وإن رأى شراً تَوَلَّى‏.‏

قال حمزة‏:‏ وقد خالف رُوَاة النسب هذا التفسير فقالوا‏:‏ قِرِلَّى هو اسم رجل من العرب، كان لا يتخلف عن طعام أحدٍ، ولا يترك موضع طمع إلا قصد إليه، وإن صادف في طريق يسلكه خصومة ترك ذلك الطريق ولم يمر به، فقالوا فيه ‏"‏أطمع من قرلى‏"‏ فهذا ما حكاه النسابون قي تفسير هذا المثل‏.‏ ‏[‏ص 262‏]‏ قال حمزة‏:‏ وأقول أنا‏:‏ خَلِيقٌ أن يكون هذا الرجل شُبِّه بهذا الطائر، وسمى باسمه، وقال الشاعر‏:‏

يا مَنْ جَفَانِي ومَلاَّ * نَسِيَت أهْلاً وسَهْلاَ

وماتَ مَرْحَبُ لما * رأيْتَ مَالِيَ قَلاَّ

إني أطُنُّكَ تَحْكِي * بمَا فَعَلْتَ الْقِرِلَّى

1379- أخْشَنُ مِنَ الْجُذَيْلِ‏.‏

تصغير جِذْل، وهي خشبة تُغْرَزُ في الأرض فتجيء الإبل الْجَرْباء فتحتكُّ بها‏.‏ ويقولون‏:‏

1380- أخْطَبُ مِنْ قُسٍّ، وَأَبْلَغُ مِنْ قُسٍّ‏.‏

وقد ذكرته في حرف الباء قبلُ‏.‏

1381- أخْجَلُ مِنْ مَقْمُور‏.‏

يريدوم خَجَلَ الانكسار والاهتمام، كما قال الأخطل‏:‏

كأنما العِلْجُ إذ أوجبت صفقتها * خليع خصل نكيبٌ بين أقْمَارِ

1382- أَخْصَبُ مِنْ صَبيحَةِ لَيْلَةِ الظُّلْمَةِ‏.‏

وذلك أنه أصابت الناسَ ليلةً ببغداد ريحٌ جاءت بما لم تأتِ به قطُّ ريحٌ، وذلك في أيام المهدي، فألفى ساجداً وهو يقول‏:‏ اللهم احفظنا واحفظ فينا نبيك عليه السلام، ولا تُشَمِتْ بنا أعدائنا من الأمم، وإن كنت يا رب أخَذْتَ الناسَ بذنبي فهذه ناصيتي بيدك، فارحمنا يا أرحم الراحمين، في دعاء كبير حُفِظَ منه هذا، فلما أصبح تصدَّقَ بألف ألف درهم، وأعتق مائة رقبة، وأحجَّ مائة رجل، ففعل مثل ذلك جُلُّ قواده وبطانته والخيزران ومن أشبه هؤلاء، فكَان الناسُ بعد ذلك إذا ذكروا الخِصْبَ قالوا‏:‏ أخْصَبُ من صبيحة ليلة الظلة‏.‏

*3*المولدون‏.‏

خَلِيفَةُ زُحَلَ‏.‏

يضرب للقثيل‏.‏

خاطَ عَلَيْنَا كِيسَا‏.‏

خُذِ اللِّصَّ قَبْلَ أنْ يأْخُذَكَ‏.‏

خُذْ بِيَدِي اليَوْمَ آخُذْ بِرِجْلِكَ غَداً‏.‏

أي انْفَعنِي بقليل أنفعك بكثير‏.‏

خُذْهُ بالمَوْتِ حَتَّى يَرْضَى بالحُمَّى‏.‏

خُذْ مِنْ غَرِيمِ السُّوءِ أَجْرَهُ‏.‏

خَاطَرَ مَنِ اسَتَغْنَى بَرْأْيِهِ‏.‏ ‏[‏ص 263‏]‏

خَفِيفٌ الشَّفَةِ‏.‏

للقليل المسألة‏.‏

خَفِيفٌ عَلَى القَلْبِ‏.‏

للثقيل‏.‏

خَصِيٌّ يَسْخَرُ مِنْ زُبِّ مَوْلاَهُ‏.‏

خَلَّيْتُ عَنِ الجَاوَرْسِ لِئَلاَّ أحْتاجَ إِلىَ خصُومَةِ العَصَاِفيِر‏.‏

خُذِ القَلِيلَ مِنَ اللئِيمِ وَذُمَّهُ‏.‏

خَلِيلَيَّ إِنَّ العُسْرَ سَوْفَ يُفِيقُ‏.‏

خَصِيمُ اللَّيَالِي والغَوَانِي مُظَلَّمٌ‏.‏

خُذْ فِيما تَكُونُ‏.‏

خَيْرٌ البُيُوعِ ناجِزٌ بِنَاجِزٍ‏.‏

خَيْرُ المَالِ ما وَجَّهْتَهُ وَجْهَهُ‏.‏

خَيْرُ الأعْمَالِ مَا كَانَ دِيمَةً‏.‏

خُذْهُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْكَ‏.‏

خَيْرُ النَّاسِ لِلنَّاسِ خَيْرُهُمْ لِنَفْسِهِ‏.‏

خَيْرُ النَّاسِ مَنْ فَرِحَ لِلنَّاسِ بِالخَيْرِ‏.‏

خَالِفْ هَوَاكَ تَرْشُدْ‏.‏

الخُطُوبُ تَارَاتٌ‏.‏

الخُرْقُ بِالرِّفْقِ يُلْجَمُ‏.‏

الخِرْقَةُ مِنَ الشُّقَّةِ‏.‏

الخَلُّ حَيْثُ لاَ ماءَ حَامِضٌ‏.‏

الخِيَرَةُ فِيما يَصْنَعُ الله‏.‏

الخُضُوعُ عِنْدَ الحَاجَة رُجُولِيَّة‏.‏

الخَضِرُ مَعَه وَتَدٌ‏.‏

يضرب للطائش الْجَوّال‏.‏

الخَوْخُ أسْفَلُ‏.‏

الخَصِيُّ ابْنُ مِائَةِ سَنَةٍ وَاسْتُهُ بِنْتُ عِشرِين‏.‏

اخْتِمْ بِالطِّينِ مَادَامَ رَطْباً‏.‏

الْخِلْمُ رَيْحَانَة، وَلَيْسَتْ بِقَهْرمانَة‏.‏

أَخْرِجِ الطَّمَعَ مِنْ قَلْبِكَ، تَحُلَّ القَّيْد مِنْ رِجْلِك‏.‏ ‏[‏ص 264‏]

الباب الثامن فيما أوله دال

  ما جاء على أفعل من هذا الباب‏

  المولــدون‏        

الباب الثامن فيما أوله دال‏‏

1383- دَرْدَبَ لَمَّا عَضَّهُ الثَّقَافُ‏.‏

يقال‏:‏ دَرِب بالشيء، ودَرْدَبَ به، إذا اعتاده وضَرِىَ به، ودَرْدَبَ‏:‏ أي خضع وذلَّ‏.‏ والثِّقَافُ‏:‏ خشبة تُسَوَّى بها الرماح‏.‏ يضرب لمن يمتنع مما يُرَاد منه، ثم يَذِلُّ وينقاد‏.‏

1384- دُونَهُ بَيْضُ الأَنُوقِ‏.‏

الأنوق‏:‏ الرَّخَمة، وهي تضعُ بيضَها حيث لا يوصَلُ إليه بُعْداً وخَفَاء‏.‏

يضرب للشيء يتعذر وجوده‏.‏ ويُقَال أيضاً‏:‏

1385- دُونَهُ النَّجْمُ‏.‏

فيجوز أن يُرَاد به الجنسُ، ويجوز أن يراد به الثُّرَيَّا‏.‏ وقد يقال‏:‏

1386- دُونَهُ العَيُّوقُ‏.‏

هو الكوكب المعروف‏.‏

1387- دَهَنْتَ وأحْفَفْتَ‏.‏

يقال‏:‏ حَفَّ رأسه يَحِفُّ حُفُوفا، إذا بَعُدَ عهدُه بالدهن، وأحْففته أنا‏.‏

يضرب للرجل يحسن القولَ في وجهك ويَحْفِر لك من خلفك‏.‏

1388- أدْنَى حِمَارَيْكِ فَازْجُرِي‏.‏

أي اهتمِّي بأمرك الأقرب، ثم تناولي الأبْعَدَ‏.‏

1389- أَدْرِكِي القُوِيمَّةَ لاَ تَأْكُلْها الهُوِيمَّةُ‏.‏

القُوِيمَّة‏:‏ تصغير قَامَّة، ويعني بها الصبي، لأنه يقمُّ كلَّ ما أدرك يَجْعَلهُ في فيه، فربما أتى على بعض الهوامّ كالعقرب وغيرها، والقمُّ والاقتمام‏:‏ الأكل، وأنَّث القامَّة أراد الصبية، وصَغَّرها، وخصها لضعفها وضَعْفِ عقلها، والْهُوَيمَّة‏:‏ تصغير هَامَّةٍ، وهي ما هَمَّ ودب‏.‏

يضرب في حفظ الصبي وغيره، والمراد به إدراك الرجل الجاهل لا يقع في هلكة‏.‏

1390- أَدْرَكَ أَرْبَابُ النِّعَم‏.‏

أي جاء مَنْ له اهتمامٌ وعناية بالأمر‏.‏

1391- دُونَ ذَا ويَنْفُقُ الحمَارُ‏.‏

زعم الشرقي وغيره أن إنسانا أراد بيع ‏[‏ص 265‏]‏ حمار له، فقال لمشوِّر‏:‏ أطر حماري ولك على جُعْل، فلما دخل به السوق قال له المشوّر‏:‏ هذا حمارك الذي كنت تصيدَ عليه الوحشَ‏؟‏ فقال الرجل‏:‏ دون ذا ويَنْفُقُ الحمار، أي الزم قولاً دون الذي تقول، أي أقلَّ منه، والحمار ينفُقُ الآن دون هذا التنفيق‏.‏ والواو للحال، ويروى ‏"‏دون ذا ينفق الحمار‏"‏ من غير واو، أي ينفق من غير هذا القول‏.‏ يضرب عند المبالغة في المدح إذا كان بدونه اكتفاء‏.‏

1392- دُرِّي دُبَسُ‏.‏

قال ابن الأعرابي‏:‏ تقول العرب للسماء إذا أخالت للمطر‏:‏ دُرِّي دُبَسُ، وقال غيره‏:‏ دُبَسُ اسم شاة‏.‏ يضرب لمن يُكْثِرُ الكلامَ‏.‏

1393- دَمِّثْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ النَّوْم مُضْطَجَعا‏.‏

ويروى ‏"‏لجنبك‏"‏ أي استعدَّ للنوائب قبل حلولها، والتدميث‏:‏ التَّلْيين، والدَّمَاثة والدمث‏:‏ الين، ويروى أن عائشة رضي الله تعالى عنها ذكرت عمر رضي الله تعالى عنه فقالت‏:‏ كان والله أحْوَذيّاً نَسِيجَ وَحْدِهِ قد أعَدَّ للأمور أقْرَانَها‏.‏

1394- دَقَّكَ بِالمِنْحَاز حَبَّ القِلْقِلِ‏.‏

ذكرت الأعراب القُدُم أن القِلْقِلَ شجيرة خضراء تنهض على ساق، ولها حب كحب اللوبيا حلو طيب يؤكل، والسائمة حريصة عليها‏.‏

يوضع هذا المثل في الإذلال والحمل عليه‏.‏

1395- دُونَ ذَلِكَ خَرْطُ القَتَادِ‏.‏

الخَرْطُ‏:‏ قَشْرُكَ الوَرَقَ عن الشجرة اجتذاباً بكَفِّك، والقَتَاد‏:‏ شجر له شوك أمثال الإبر‏.‏

يضرب للأمر دونه مانع‏.‏

1396- أدْرِكْنِي وَلَوْ بِأحَدِ المَغْرُوَّيِنْ‏.‏

المَغْرُوّ‏:‏ السهم المَرِيشُ‏.‏

قال المفضل‏:‏ كان رجلان من أهل هَجَرَ أخوان ركب أحدهما ناقة صعبة، وكانت العرب تُحَمِّقُ أهل هَجَر، وأن الناقة جالت، ومع الذي لم يركب منهما قَوْس، واسمه هُنَين، فناداه الراكب منهما فقال‏:‏ يا هُنَيْن ويلك أدركني ولو بأحد المغروَّيْنِ، يعني سهمه، فرماه أخوه فصَرَعه، فذهب قوله مثلا‏.‏

يضرب عند الضرورة ونَفَاد الحيلة‏.‏

1397- الدَّمَ الدَّمَ والهَدَمَ الهَدَمَ‏.‏

جعل الهَدْمَ هَدَماً محرك الدال متابعة لقوله ‏"‏الدَّمَ الدَّمَ‏"‏ يعني أني أُبايِعُكَ على أن دَمي في دمكِ وَهَدْمِي في هَدْمك، قاله ‏[‏ص 266‏]‏ عطاء بن مصعب، ونصب ‏"‏الدم‏"‏ على التحذير، أي احذر سفكَ دمي، فإن دمي دمُك وكذلك هدمي هدمك‏.‏ يضرب عند اسْتِجْلاَب منفعة للوِفاق والاتحاد‏.‏

1398- درَّتْ حَلُوبَةُ المُسْلِمِينَ‏.‏

يعني بذلك فَيْأهم وخَرَاجَهم حين كثرا‏.‏

1399- أَدِرَّهَا وَإِنْ أَبَتْ‏.‏

يضرب لمن يُلِحُّ في طلب الحاجة، ويُكْرِهُ المطلوبَ إليه على قضائها‏.‏

1400- دُهْ دُرَّيْنِ سَعْدُ القَيْنُ‏.‏

هذا مثل قد تكلم فيه كثير من العلماء، فقال بعضهم‏:‏ الأصل فيه أن العرب تعتقد أن العَجَمَ أهلُ مَكْر وخَديعة، وكان العجم يخالطوهم، وكانوا يَتَّجِرون في الدُّرِّ، ولا يحسنون العربية، فإذا أرادوا أن يُعَبروا عن العشرة قالوا‏:‏ ده، وعن الثنين قالوا‏:‏ دو، فوقع إليهم رجل معه خَرَزَات سود وبيض، فلَبَّسَ عليهم وقال‏:‏ دُودُرَّيْن، أي نوعان من الدر، أو ده درين، أي قال عشرة منه بكذا، ففتشوا عنه فوجدوه كاذباً فيما زعم، فقالوا‏:‏ دُهْ درين، ثم ضموا إلى هذا اللفظ ‏"‏سعد القين‏"‏ لأنهم عَرَفوه بالكذب حين قالوا‏:‏ إذا سَمِعْتَ بِسُرَى القَيْن فإنه مُصْبح، فجمعوا بين هذين اللفظين في العبارة عن الكذب، وثنوا قولهم‏:‏ ‏"‏درين‏"‏ لمزاوجة القين، فإذا أرادوا أن يعبروا عن الباطل تكلموا بهذا، ثم تصرفوا في الكلمة فقالوا‏:‏ دهدرّ، ودهدنّ، ودهدار، وجعلوا كلها أسماء للباطل والكذب‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ أصله ‏"‏ده دو‏"‏ فَثَنَّوه عبارة عن تضاعف معنى الباطل والمبالغة فيه، كما جمعوا أسماء الدواهي فقالوا‏:‏ الأقْوَرِين، والفتكرين، والبرجين، إشارة إلى اجتماع الشرِّ فيه، ثم غيروا أوله عن دَهْ بالفتح إلى دُهْ بالضم ليكونوا قد تصرفوا فيه بوجه ما‏.‏

قالوا‏:‏ وموضع المثل نصب بإضمار أعني أو أبصر، ويجوز أن يكون رفعا على الابتداء، أي أنت صاحب هذه اللفظة، أو مثلُ مَنْ عُرِف بهذا، وسعد‏:‏ رفع أيضاً على هذا التقدير، أي أنت سعد القين، وحذف التنوين لالتقاء الساكنين‏.‏

قال أبو زيد في نوادره‏:‏ يقال للرجل يُهْزَأ منه‏:‏ ده درين، وطرطبين‏.‏

قال أبو الفضل المنذري‏:‏ وجدت عن أبي الهيثم دُهْ مضمومةً وسعد منصوبا، كأنه يريد يا سَعْد مضافاً إلى القين غير معرب، كأنه موقوف، قال‏:‏ تقال هذه الكلمة عند تكذيب الرجل صاحِبَه‏.‏ قال أبو الفضل‏:‏ ‏[‏ص 267‏]‏ وقال أبو عبيدة ده درين، قال‏:‏ وإنما تركوا منها نون القين موقوفة، ولم ينونوا سعدا في هذا الموضع، ونصبوا ده درين على إضمار فعل ينصبه، وهو أعني، قال‏:‏ وبعضهم يقولون ‏"‏دُهْدُرَّيْ‏"‏ بغير نون الاثنين، ومعناه عندهم الباطل، قال الأصمعي‏:‏ ولا أدري ما أصله، قال أبو عبيد‏:‏ وأما أبو زياد الكلابي فإنه قال‏:‏ ده دريه، بالهاء، هذا ما قالوا فيه، ثم صار الدُّهْدُرُّ اسماً للباطل، ثم أبدلوا الراء نونا فقالوا‏:‏ دُهْدُنٌّ، ومنه قول الراجز‏:‏

لأجعلَنْ لابنة عثم فَنَّا * حتى يكون مهرها دهدنا

أي باطلا، ويقال أيضاً‏:‏ دهدار بدهدار، أي باطل بباطل، وزعموا أن عدي ابن أرْطَأة الفزاري كتب إلى عمر بن عبد العزيز يخطب هندا بنت أسماء بن خارجة الفَزَاري، فكتب إليه عمر‏:‏ أما بعد فإن الفزاري لا ينفك والسلام، فلما قرأ عدي الكتاب لم يدر ما أراد، فبعث إلى أبي عُيَيْنة ابن المهلب بن أبي صفْرة، وكان عَلاَّمة، فأقرأه الكتاب، فقال له‏:‏ قد علمت ما أراد، قال‏:‏ وما هو‏؟‏ قال‏:‏ عَنَى قولَ ابن داره

إن الفَزَاريَّ لا ينفكُّ مُغْتَلِما * من النَّوَاكَة دُهْدَارا بدهدار

يقول‏:‏ باطلا بباطل، أي يأتي باطلا بسبب باطل، وكانت هند هذه تحت عبيد الله بن زياد، ثم زوجها بشر بن مَرْوَان حين قدم الكوفة أميراً، ثم تزوجها الحجاج ابن يوسف‏.‏

1401- ادْفَعِ الشَّرَّ عَنْكَ بِعُودٍ أَوْ عَمُودٍ‏.‏

قال بعضهم‏:‏ إذا أتاك سائلُكَ فلا تردَّه إلا بعطية قليلة أو كثيرة تقطع بها عنك لسانه فلا يذمك، وقال آخرون‏:‏ ادْفَعِ الشرَّ بما تقدر عليه‏.‏

1402- دَعْ عَنْكَ نَهْباً صِيحَ فِي حَجَرَاتِهِ‏.‏

النهب‏:‏ المالُ المنهوب، وكذلك النُّهْبَى والحَجَرَاتُ‏:‏ النواحي‏.‏

يضرب لمن ذهب من ماله شيء ثم ذهب بعده ما هو أجَلُّ منه‏.‏

وهذا من بيت امرئ القيس، قاله حين نزل على خالد بن سَدُوس بن أصمع النَّبْهَاني، فأغار عليه باعث بن حويص وذهب بإبله، فقال له جاره خالد‏:‏ أعطني صنائعَكَ ورواحلك حتى أطلب عليها مالَكَ ففعل، فانطوى عليها، ويقال‏:‏ بل لَحِقَ القومَ، فقال لهم‏:‏ أغرتم على جاري يا بني ‏[‏ص 268‏]‏ جَديلة، فقالوا‏:‏ والله ما هو لك بجار، قال‏:‏ بلى والله ما هذه الإبل التي معكم إلا كالرواحل التي تحتي‏؟‏ قالوا كذلك، فأنزلوه وذهبوا بها، فقال امرؤ القيس فيما هجاه به‏:‏

وَدَعْ عَنْكَ نَهْباً صِيحَ فِي حَجَرَاتِه * وَلكِنْ حَدِيثاً مَا حَدِيث الرَّوَاحِلِ

يقول‏:‏ دع النهبَ الذي انتهبه باعث، ولكن حدثني حديثاً عن الرواحل التي ذَهَبْتَ أنت بها ما فَعَلَتْ، ثم قال في هجائه‏:‏

وأعْجَبَنِي مَشْيُ الْحُزُقَّةِ خَالِدٍ * كَمَشْيِ أتَانٍ حُلِّئَتْ عن مَنَاهِلِ

1403- دَبَّ قَمْلُهُ‏.‏

مثل يضرب للإنسان إذا سَمِن وحَسُن حالُه‏.‏

1404- الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعله‏.‏

هذا يورى في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال المفضل‏:‏ أولُ مَنْ قاله اللُّجَيْجُ بن شُنَيف اليربوعي في قصة طويلة ذكرها في كتابه الفاخر‏.‏

1405- أَدْرَكَ أَمْراً بِجِنّهِ‏.‏

أي بِحِدثان عهده وقُرْبه‏.‏

1406- دَعِ امْرأً وَمَا اخْتَارَ‏.‏

يضرب لن لا يقبل وعْظَكَ، يقال‏:‏ دَعْه واختياره، كما قيل‏:‏

إذا المرءُ لم يدر ما أمكنه * ولم يأتِ من أمْرِهِ أزْيَنَهْ

وأعْجَبَه العجب فاقْتَادَهُ * وتَاهَ به التيهُ فاسْتَحْسَنَهْ

فدَعْهُ فقد ساء تَدْبِيرُهُ * سَيَضْحَكُ يَوْماً ويبكي سَنَةْ

ونكَّر قوله ‏"‏امْرَأَ‏"‏ لأنه أراد بالنكرة العمومَ كقوله تعالى ‏{‏آتِنَا في الدنيا حَسَنةً وفي الآخرة حسنة‏}‏ والواو في قوله ‏"‏وما اختار‏"‏ بمعنى مع، أي اتْرُكْهُ مع اختياره وكِلْه إليه‏.‏

1407- دَرْدَبَهُ دَرْدَبَةَ العَلُوقِ‏.‏

وهي التي تمنع ولَدَها رَضَاعَهَا، ودَرْدَبَتُها‏:‏ عَطْفُها ورَأْمها‏.‏

1408- دُرِّي عُقَابُ بلبَنٍ وَأَشْخَابٍ‏.‏

أشْخَاب‏:‏ جمع شخب، وهو، ما امتدَّ من اللبن إذا خرج من الضَّرع، وعُقَاب‏:‏ اسم ناقة، وهذا من أمثال المخنثين، وقد مر في حرف الحاء‏.‏

1409- ادْعُ إِلَى طِعَانكَ مَنْ تَدْعُو إِلَى جِفَانِكَ‏.‏

أي استعمل في حوائجك مَنْ تخصّه بمعروفك‏.‏ ‏[‏ص 269‏]‏

1410- الدَّلْوُ تَأْتِي الغَرَبَ المَزَلَّة‏.‏

الغَرَب‏:‏ مَخْرَج الماء من الحوض، يقول‏:‏ تأتي الدلو على غير وجهتها، وكان يحب أن تأتي الازاء‏.‏

وقائل هذا المثل بِسْطَام بن قَيْس أُرِيَهُ في منامه ليلة قتل في صبيحتها، فقال له نقيذ‏:‏ هلا قلت ‏"‏ثم تعود باديا مُبْتَلَّة‏"‏ فتكسر الطيرَةَ عنك‏.‏

1411- دَرِّبِ البَهْمَ بالرَّمِّ‏.‏

أي عَوِّدها الرَّعْيَ تدرب به‏.‏ يضرب في تأديب الرجل ولدهُ‏.‏

1412 دَعْنِي رَأْساً بِرَأْسٍ‏.‏

يضرب لمن طلبت إليه شيئاً فطلب منك مثله، قال الشاعر‏:‏

أنا الرجلُ الذي قد عِبْتُمُوهُ * وما فيه لَعَّيابٍ مَعَابُ

دَعُونِي عنكمُ رَأْساً بِرَأسٍ * قَنَعْتُ من الغنيمة بالإيَابِ

1413- أَدْنَى الْجَرْيِ الْخَبَبُ‏.‏

أي إذا خَبَبْتَ في الخير فقد جَرَيْتَ فيه‏.‏

يضرب في الأمر بالمعروف والخير‏.‏

1414- دَعْ عَنْكَ بُنَيَّاتِ الطَّرِيقِ‏.‏

أي عليك بمُعْظَم الأمر، ودَعِ الروغان‏.‏

1415- أَدْخَلُوا سَوَاداً فِي بَيَاضٍ‏.‏

يضرب في التخليط، أي دخمسوا وصَنَعُوا أمرا أرادوا غيرَه‏.‏

1416- دَعَا القَوْمَ النَّقَرَي‏.‏

أي الدعوة النَّقَري، يعني الخاصَّة، وأصله من ‏"‏نَقَر الطيرُ‏"‏ إذا لَقَطَ من ههنا وههنا، و ‏"‏انتقر الرجُلُ‏"‏ إذا فعل ذلك‏.‏

يضرب لمن اختصَّ قوما بإحسانه، قال عمرو بن الأهتم‏:‏

ولَيْلَةٍ يَصْطلَىِ بالفَرْث جازِرُها * يختصُّ بالنَّقَرَي المُثْرِينَ دَاعِيهَا

1417- دَافِعِ الأيَّامَ بِالْقُرُوضِ‏.‏

أي أقرض الدهر، وكل قليلا قليلا‏.‏ يضرب في حفظ المال‏.‏

1418- دُونَ غُلَيَّان خَرْطُ القَتَادِ‏.‏

غُلَيَّان‏:‏ اسمُ فَحْلٍ‏.‏ يضرب للممتَنِع‏.‏

وكان في النسخ المعتمدة غليان بالغين المعجمة، وفي شعر أبي العلاء بالعين غير المعجمة في قوله‏:‏

إذا أنا عَالَيْتُ القَتُودَ لرحْلَةٍ * فدون عُلَيَّانَ الْقَتَادَةُ والْخَرْطُ

قالوا‏:‏ هو فحل لكليب بن وائل، ولما عَقَر كليبٌ ناقةَ جارة جَسَّاس، قال جساس‏:‏ ‏[‏ص 270‏]‏ ليُقْتَلَنَّ غدا فحلٌ هو أعظم من ناقَتِكِ، فبلغ ذلك كليبا فظَنَّ أنه يعني فحله الذي يسمى غُلَيَّان، فقال‏:‏ دون غُلَيان - المثلَ، وكان جَسَّاس يعني بالفحل نفسَ كليبٍ‏.‏

1419- دَعِ الشَّرَّ يَعْبُرْ‏.‏

قاله المأمون لرجل اغتاب رجلا في مجلسه‏.‏

1420- دَمْعَةٌ مِنْ عَوْرَاءَ غَنِيمَةٌ بارِدَةٌ‏.‏

أي من عينٍ عَوْرَاء‏.‏ يضرب للبخيل يصلُ إليك منه القليل‏.‏

1421- دَعِ القَطَا يَنَمْ‏.‏

يضرب في ترك أمرٍ يهمّ بإمضائه‏.‏

ذكر أن بعض أصحاب الجيوش أراد الإيقاع بالعدو، فاستطلع رأي الذي فوقه في ذلك، فوقع في كتابه ‏"‏دَعِ القطا ينم‏"‏‏.‏

1422- أَدْبَرَ غَرِيرُهُ وَأَقْبَلَ هَرِيرهُ‏.‏

الغَرير‏:‏ الخُلُق الحسن، والهرير‏:‏ الكراهية، أي ذهب منه ما كان يَغُرُّ ويعجب، وجاء ما يكره منه من سوء الخلق وغير ذلك‏.‏

يضرب للشيخ إذا ساء خُلُقه‏.‏

1423- دُونَ كُلِّ قُرَيْبَي قُرْبَى‏.‏

يضرب لمن يسألك حاجة وقد سألَكَهَا مَنْ هو أقرب إليك منه‏.‏

1424- دِيكُهُ يَلْقُطٌ الْحَبَّ‏.‏

ويروى ‏"‏يلتقط الحصا‏"‏‏.‏ يضرب للنمام‏.‏

1425- دَلَّ عَلَيْهِ إِرْبُهُ‏.‏

قال أبو عمرو‏:‏ يقال للرجل الدميم تقتحمه العين ولا يُؤْبَنُ بشيء من النجدة والفضل‏:‏ دل عليه إربه، أي عَقْله‏.‏

1426- دَعِ العَوْرَاءَ تَخْطَأْكَ‏.‏

أي الخصلَةَ القبيحة، أو الكلمة الشنعاء وتخطأك - بالهمزة - من قولهم‏:‏ أرَدْتُكم فخَطِئْتكم، أي تجاوزتكم‏.‏ قيل‏:‏ هذا أحْكَمُ مثل ضربته العرب‏.‏

1427- دَعِ المَعَاجِيلَ لِطِمْلٍ أَرْجَلَ‏.‏

المعاجيل‏:‏ جمع مَعْجَل، وهو الطريق المختصر إلى المنازل والمياهِ، كأنه أعجل عن أن يكون مبسوطا، والطِّمْل‏:‏ اللص الخبيث، والأرْجَلُ‏:‏ الصلب الرِّجْل الذي لا يكاد يَحْفَى‏.‏

يضرب في التباعد عن مواضع التُّهَمِ، أي دعها لأصحابها‏.‏

1428- دَأْمَاءُ لاَ يُقْطَعُ بِالأرْمَاثِ‏.‏

الدأماء‏:‏ البحر، والرِّمْث‏:‏ خَشَبات ‏[‏ص 271‏]‏ يُضم بعضُها إلى بعض ثم تركب في البحر للصيد وغيره‏.‏

يضرب في الأمر العظيم الذي لا يركبه إلا مَنْ له أعوان وعُدَدٌ تليق به‏.‏

1429- دَهْوَرَ نَبْحاً واسْتُهُ مُبْتَلَّةٌ‏.‏

الدهورة‏:‏ نُبَاح الكلب من فَرَق الأسد ينبح ويَضْرُط ويَسْلَح خوفاً منه‏.‏

يضرب لمن يتوعَّدُ من هو أقوى منه وأمنع‏.‏

1430- دَمُ سِلاَغٍ جُبَار‏.‏

هذا رجل من عبد القيس له حديث، ولم يذكر حمزة أكثر من هذا‏.‏

1431- دَعِ الْكَذِبَ حَيْثُ تَرَى أَنَّهُ يَنْفَعُكَ فإِنَّهُ يَضُرُّكَ، وَعَلَيْكَ بِالصِّدْقِ حَيْثُ تَرَى أَنَّهُ يَضُرَّكَ فإِنّه يَنْفَعُكَ‏.‏

يضرب في الحث على لزوم الصدق حتى يصير عادة‏.‏

1432- دَارٌ مِنْ رُهاً‏.‏

قال أبو الندى‏:‏ رُهَا قبيلَةٌ، ورها بلد أيضاً‏.‏ ‏(‏في القاموس أن رهاء - كسماء - حي من مذحج، ورها - كهدى - بلد‏)‏

يضرب لمن تستخبره فيخبرك بما تعرفه‏.‏

1433- الدِّينُ النَّصِيحَةُ‏.‏

الأصل في النصيحة التلفيق بين الناس، من النصح وهو الخياطة، وذلك أن تلفق بين التفاريق، وهذا من حديثٍ يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتمامه ‏"‏قالوا‏:‏ لمن يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم‏"‏ قالت العلماء‏:‏ النصيحة لله أن يُخْلِصَ العبدُ العملَ لله، والنصيحة لرسوله أن يَصْفُوَ قلبُه في قبول دعوة النبوّة ولا يضمر خلافها، والنصيحة للمسلمين أن لا يتميزوا عنه في حال من الأحوال، وقيل‏:‏ النصيحة لأءمة المسلمين أن لا تَشُقَّ عَصَاهم، ولا يعقَّ فتواهم‏.‏

1434- دَغْرَى لا صَفَّي‏.‏

ويروى ‏"‏دَغْراً لا صفاً‏"‏ فدَغْرَي‏:‏ لغةُ الأزد، ودَغْراُ‏:‏ لغة غيرهم، والمعنى‏:‏ ادغروا عليهم، أي احملوا ولا تصافوهم‏.‏ يضرب في انتهاز الفرصة‏.‏

1435- دِمَاءُ المُلُوكِ أَشْفَى مِنَ الكَلَبِ‏.‏

أصل الكَلَب الشدَّةُ، وكلبة الشتاء‏:‏ شدة برده، والكَلب الكَلِب‏:‏ الذي يَكْلَبُ بلحوم الناس، ويروى ‏"‏دماء ‏[‏ص 272‏]‏ الملوك شِفَاءُ الكلب‏"‏ تزعم العرب أن مَنْ كان به كَلَب من عَضِّ الكَلْب الكَلِب - وهو شيء شبيه بالجنون يعترى من عضة ذلك الكلب - ثم إذا سقي دماء الملوك شفي، ودفع بعضُ أصحاب المعاني هذا، فقال‏:‏ معنى المثل أن دمَ الكريم هو الثأرُ المُنِيمُ، كما قال القائل‏:‏

كلبٌ من حس ما قد مسه * وأفانين فؤاد مختبل

وكما قيل‏:‏ كَلِبٌ بِضَرْب جَمَاجم ورِقَابِ*

قال‏:‏ فإذا كلب من الغيظ والغضب، فأدرك ثأره فذلك هو الشفاء من الكلب، لا أن هناك دَماً يُشْرب في الحقيقة‏.‏

1436- الدَّهْرُ أَبْلَغُ في النَّكِيرِ‏.‏

يعني بالنكير الإنكار والتغيير، يريد أن الدهر يغير ما يأتي عليه‏.‏

1437- الدَّهْرُ أَطْرَقُ مُسْتَتِبُّ‏.‏

أي مُطْرِق مُغْضٍ منقاد، قال بشار ابن بُرْد‏:‏

عَامِ لا يَغْرُرْكَ يَوْمٌ من غدٍ * عامِ إِنَّ الدَّهْرَ يُغْضِي وَيَهبْ

صَادِ ذَا الضِّغْنِ إلى غِرَّتِهِ * وَإِذَا دَرَّتْ لَبُونٌ فَاحْتَلِبْ

1438- الدَّهْرُ أرْوَدُ مُسْتَبِدٌ‏.‏

أي لَيِّنُ المعاملة غالبٌ على أمره، وهذا كقول ابن مُقْبل‏:‏

إنْ يَنْقُضِ الدَّهْرُ مِني مرَّةً لِبلى * فالدهر أرْوَدُ بالأقْوَامِ ذُو غِيَرِ

أرود‏:‏ أي يعمل عملَه في سكون لا يشعر به، ويقال‏:‏ المستبد الماضي في أمره لا يرجع عنه‏.‏

1439- الدَّهْرُ أَنْكَبُ لاَ يُلِبُّ‏.‏

ويروى ‏"‏أنكث لا يلث‏"‏

أنكب‏:‏ من النَّكْبة، أي كثير النكبات، والصحيح أن يقال‏:‏ أنكب من النكَب، وهو المَيْلُ، يعني أنه عادل عن الاستقامة، لا يقيم على جهة واحدة، وأنكث‏:‏ أي كثير النكث والنقض لما أبْرَمَ، وألثَّ مثل ألبَّ في المعنى‏.‏ ‏[‏ص 273‏]‏

*3*ما جاء على أفعل من هذا الباب‏.

1440- أَدَقُّ مِنْ خَيْطِ باطِلٍ‏.‏

فيه قولان‏:‏ أحدهما أنه الهَبَاء يكون في ضَوْء الشمس فيدخل من الكَوَّة في البيت، والثاني أنه الْخَيْطُ الذي يخرج من فم العنكبوت، ويسميه الصبيان مُخَاط الشيطان، وهذا القول أجود، وقال الجوهري‏:‏ خيط باطل، ولعاب الشمس، ومخاط الشيطان، واحدٌ، وكان لقب مروان بن الحكم خيط باطل، وذلك أنه كان طويلا مضطرباً، فلقب به لدقته، وفيه يقول الشاعر‏:‏

لَحَا اللَه قَوْماً مَلَّكُوا خَيْطَ باطلٍ * عَلَى الناسِ يُعْطِي مَنْ يَشَاء ويَمْنَعُ

والطويل أيضاً يلقب بظل النعامة، كما يلقب بخيط باطل‏.‏

1441- أدَقٌّ مِنَ الشُّخْبِ‏.‏

هو ما يخرج من ضَرْع الشاة كالشَّعْرة من اللبن إذا بدئ بحَلْبها‏.‏

1442- أدَقُّ مِنَ الطَّحِينِ‏.‏

هذا أفعل من المفعول، وهو المدقوق، وما تقدم فمن الدِّقَّة، وهذا من قول الشاعر الحطيئة يخاطب أمه‏:‏

وَقَدْ مُلِّكْتِ أمْرَ بَنِيكِ حَتَّى * تَرَكْتِهِمُ أدَقَّ مِنَ الطَّحِينِ‏.‏

1443- أَدَبُّ مِنْ ضَيْوَنٍ‏.‏

الضَّيْوَن‏:‏ السِّنَّوْرُ الذكر، وكان القياس أن يقال‏:‏ ضَيَّن، وهذا من التصحيح الشاذ وتصغيره ضُيَيِّن، وبعضهم يقول‏:‏ ضُيَيْوِن، قال الشاعر‏:‏

أدَبُّ بالليلِ إلى جارِهِ * مِنْ ضَيْوَنٍ دَبَّ إلى فرْنَبِ ‏(‏القرنب‏:‏ الفأرة، أو اليربوع، أو ولد الفأرة من اليربوع، وأوله قاف مفتوحة أو فاء مكسورة‏)‏

1444- أَدَبُّ مِنْ قَرَنْبَى‏.‏

وهي دُوَيْبة شبه الخنفَسَاء، قال الشاعر

ألا يا عباد الله قَلْبِي مُتَيَّمٌ * بأحْسَنِ مَنْ يمشي وأقبحهم بَعْلاَ

يَدِبُّ على أحْشَائها كلَّ ليلةٍ * دَبِيبَ القَرَنْبَى باتَ يَعْلُو نَقاً سَهْلاَ

1445- أَدْنَأُ مِنَ الشِّسْعِ‏.‏

من الدَّنَاءة، هذا إذا همزوه، فإذا تركوا الهمز يقولون‏:‏ أدنى إلى المرء من شِسْعِه، للشيء القريب منه جداً‏.‏

1446- أَدَلُّ مِنْ حُنَيْفِ الْحَنَاتِمِ‏.‏

هو رجل من بني تَيْم اللات بن ثَعْلبة كان دليلا ماهراً بالدلالة، حكى هذا المثل أبو عبيدة‏.‏ وكذا يقولون‏:‏ ‏[‏ص 274‏]‏

1447- أَدَلُّ مِنْ دُعَيْمِيصِ الرَّمْلِ‏.‏

هو اسم رجل، كان دليلا خِرِّيتاً داهياً‏.‏ يضرب به المثل، فيقال‏:‏ هُوَ دُعَيْمِيصُ هذا الأمرِ، أي عالم به‏.‏

1448- أَدْهَى مِنْ قَيْسِ بْنِ زُهَيْرٍ‏.‏

هو سيد عَبْس، وذكر من دَهَائه أشياء كثيرة‏:‏ منها أنه مَرَّ ببلاد غَطَفان فرأى ثروة وعديداً، فكره ذلك، فقال له الربيع ابن زياد العبسي‏:‏ إنه يَسُوءك ما يسرُّ الناس فقال له‏:‏ يا ابن أخي إنك لا تَدْرِي أن مع الثروة والنعمة التحاسد والتباغض والتخاذل، وأن مع القلة التعاضد والتوازر والتناصر‏.‏ ومنها قوله لقومه‏:‏ إياكم وصَرَعَاتِ البغي، وفضحات الغدر، وفَلَتَات المزح‏.‏ وقوله‏:‏ أربعة لا يُطَاقون‏:‏ عبد مَلَكَ، ونذل شبع، وأمة ورثت، وقبيحة تزوجَتْ‏.‏ وقوله‏:‏ المنطق مَشْهرة، والصمت مَسْتترة‏.‏ وقوله‏:‏ ثمرة اللَّجَاجة الحيرة، وثمرة العجلة الندامة، وثمرة العُجْب البغضة، وثمرة التواني الذلة‏.‏ وأما قولهم‏:‏

1449- أَدْنَفُ مِنَ الْمُتَمَنِّي‏.‏

فسيأتي ذكره مستقصىً في حرف الصاد عند قولهم ‏"‏أصَبُّ من المتمنية‏"‏‏.‏

1450- أدَمُّ مِنْ بَعْرَةٍ، وَأَدَمُّ مِنَ الوِبَارَةِ‏.‏

وهي جمع وبر، وهو دويبة مثل الهرة، طحلاء اللون لا ذَنَبَ لها‏.‏

*3*المولدون‏.

دِعَامَةُ العَقْلِ الحِلْمُ‏.‏

دُنْيَاكَ مَا أنْتَ فِيِه‏.‏

دَخَلَ فُضُولِيُّ النَّارَ، فَقَالَ‏:‏ الحَطَبُ رَطْبٌ‏.‏

دَلَّ عَلَى عَاقِلٍ اخْتِيَارُهُ‏.‏

دَعِ اللَّوْمَ، إِنَّ اللَّوْمَ عَوْنُ النَّوَائِبِ‏.‏

دَوَاءُ الدَّهْرِ الصَّبْرُ عَلَيْه‏.‏

دَعِ المِرَاءَ وَإِنْ كُنْتَ مُحِقًّا‏.‏

دَعُوا قَذْفَ المُحْصَنَاتِ، تَسْلَمْ لَكُمُ الأمَّهَات‏.‏

الدَّرَاهِمُ أَرْوَاحٌ تَسِيلُ‏.‏

الدَّابَّةُ تُسَاوِي مِقْرَعَة‏.‏

الدُّنْيَا قَنْطَرَةٌ‏.‏

الَّدَراِهُم َمَراهِمُ‏.‏

الدُّنْيَا قُرُوضٌ ومُكَافَآت‏.‏

الدَّرَجَةُ أَوْثَقُ مِنَ السُّلَّم‏.‏

يضرب في اختيار ما هو أحْوَطُ‏.‏

الدِّينَارُ القَصِيرُ يَسْوَى دَرَاهِمَ كَثِيرَة‏.‏

يضرب للشيء يستحقر ونفعه عظيم‏.‏

الدَّرَاهِمُ بالدَّرَاهِمِ تُكْسَبُ‏.‏ ‏[‏ص 275‏]‏

الباب التاسع فيما أوله ذال‏

  ما جاء على أفعل من هذا الباب‏

  المولـــدون‏  

الباب التاسع فيما أوله ذال‏.

1451- ذَهَبَ أَمْسِ بِمَا فِيهِ‏.‏

أول من قال ذلك ضَمْضَم بن عمرو اليَرْبُوعي، وكان هَوِىَ امرأةً، فطلبها بكل حيلة، فأبت عليه، وقد كان غر بن ثعلبة ابن يربوع يختلف إليها، فاتبع ضمضمٌ أثَرَهما وقد اجتمعا في مكان واحد فصار في خَمَر إلى جانبهما يراهما ولا يريانه، فقال غر‏:‏

قديماً تُوَاتِيِني وتأبى بنفسها * على المرء جَوّاب التَّنُوفَةِ ضَمْضَمِ

فشد عليه ضمضم فقتله، وقال‏:‏

ستعلم أني لست آمن مبغضا * وأنَّكَ عَنْهَا إن نأيْتَ بمَعْزِلِ

فقيل له‏:‏ لِمَ قتلت ابن عمك‏؟‏ قال‏:‏ ذهب أمس بما فيه، فذهب قولُه مثلاً‏.‏

1452- ذَرِي بِمَا عِنْدَكِ يَالَيْغَاءُ‏.‏

ذَرِي‏:‏ أي أبِينِي ذَرْواً من كلامك أستدلُّ به على مُرَادك، واللَّيغاء‏:‏ تأنيث الأليغ، وهو الذي لا يُبِين كلامه‏.‏ يضرب لمن يكتم صاحبَه ذاتَ نفسِه‏.‏

1453- ذَكَّرَنِي فُوكِ حِمَارَيْ أَهْلِي‏.‏

أصله أن رجلا خَرَجَ يطلبُ حمارين ضلاَّ له، فرأى امرأة مُنْتَقِبة، فأعجبته حتى نَسِيَ الحمارين، فلم يزل يطلب إليها حتى سَفَرَتْ له، فإذا هي فَوْهَاء، فحين رأى أسَنَاَنَها ذكر الحمارين، فقال‏:‏ ذكرني فوكِ حماري أهلي، وأنشأ يقول‏:‏

لَيْتَ النِّقابَ على النساء محرَّمٌ * كَيْلاَ تَغُرَّ قبيحةٌ إنساناً

1454- ذَهَبُوا أَيْدِي سَبا، وَتَفَرَّقُوا أَيْدِي سَبا‏.‏

أي تفرقوا تفرقاً لا اجتماع معه‏.‏

أخبرنا الشيخ الإمام أبو الحسن علي ابن أحمد الواحدي، أخبرنا الحاكم أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي، أخبرنا أبو عمرو ابن مطر، حدثنا أبو خليفة، حدثنا أبو همام، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي جناب، عن يحيى بن هاني، عن فروة بن مسيك، قال‏:‏ أتيتُ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلت‏:‏ يا رسول اللّه أخبرني عن سَبَأ أرجلٌ هو أم امرأة، فقال‏:‏ هو رجل من العرب، ولد عَشَرَةً، تَيَامَنَ منهم ستة، وتشاءَمَ منهم أربعة، فأما الذين تيامَنُوا فالأزد وكِنْدَة ‏[‏ص 276‏]‏ ومَذْحِج والأشعرون وأنمار منهم بجيلة، وأما الذين تشاءموا فعَامِلة وغَسَّان ولَخْم وجُذام، وهم الذين أرسل عليهم سَيْل العَرِم، وذلك أن الماء كان يأتي أرض سبأ من الشِّحْر وأودية اليمن، فرَدَمُوا رَدْما بين جبلين، وحبسوا الماء، وجعلوا في ذلك الردم ثلاثة أبواب بعضُها فوقَ بعض، فكانوا يسقون من الباب الأعلى، ثم من الثاني، ثم من الثالث، فأخْصَبُوا، وكثرت أموالهم، فلما كَذَّبوا رسولهم بعث اللّه جُرَذا نقبت ذلك الردمَ حتى انتقض، فدخل الماء جَنَّتَيْهم فغرقهما، ودفن السيلُ بيوتهم، فذلك قوله تعالى ‏{‏فأرسلنا عليهم سيل العرم‏}‏ والعرم‏:‏ جمع عرمة، وهي السِّكْرُ الذي يحبس الماء، وقال ابن الأعرابي‏:‏ العَرِم السيلُ الذي لا يُطَاق، وقال قتادة ومقاتل‏:‏ العرم اسم وادي سبأ‏.‏

وأخبرنا الإمام على بن أحمد أيضاً، أخبرنا أبو حسان المزكى، أخبرنا هرون بن محمد الاستراباذي، أخبرنا إسحاق بن أحمد الخزاعي، أخبرنا أبو الوليد الأزرقي، حدثنا جدي، حدثنا سعيد بن سالم القَدَّاح عن عثمان بن ساج عن الكلب عن أبي صالح قال‏:‏ ألقت طريفة الكاهنة إلىعمرو بن عامر الذي يقال له مُزَيْقيا بن ماء السماء، وهو عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن مازن بن الأزد بن الغَوْث ابن نَبْت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ ابن يَشْجُب بن يَعْرُب بن قَحْطان، وكانت قد رأت في كهانتها أن سَدَّ مأرب سَيَخْرب، وأنه سيأتي سيلُ العَرِم فيخرب الجنتين، فباع عمرو بن عامر أموالَه، وسار هو وقومُه حتى انتهوا إلى مكة فأقاموا بمكة وما حولها، فأصابتهم الحمىَّ، وكانوا ببلد لا يَدْرُون فيه ما الحمى، فَدَعَوْا طريفَةَ فشَكَوْا إليها الذي أصابهم، فقالت لهم‏:‏ قد أصابني الذي تَشْكُون، وهو مُفَرق بيننا، قالوا‏:‏ فماذا تأمرين‏؟‏ قالت‏:‏ من كان منكم ذا هَمٍّ بعيد، وجمل شديد، ومزاد جديد، فليلحق بقصر عمان المشيد، فكانت أزد عمان، ثم قالت‏:‏ من كان منكم ذا جلد وقسر، وصبر على أزمات الدهر، فغليه بالأراك من بطن مر، فكانت خزاعة، ثم قالت‏:‏ من كان منكم يريد الراسيات في الوَحْل، المُطْعمات في المَحْل، فليلحق بيثرب ذات النَّخْل، فكانت الأوس والخزرج، ثم قالت‏:‏ من كان منكم يريد الخمر والخمير، والملك والتأمير، ويلبس الديباج والحرير، فليلحق ببصرى وغوير، وهما من أرض الشأم، فكان الذين سكنوها آل جَفْنة من غَسَّان، ثم قالت‏:‏ مَنْ كان ‏[‏ص 277‏]‏ منكم يريد الثياب الرقاق، والخيل العتاق، وكنوز الأرزاق، والدم المُهْراق، فليلحق بأرض العراق، فكان الذين سكنوها آل جَذيمة الأبرش ومن كان بالحِيرة وآل محرق‏.‏

1455- اذْهَبِي فَلَا أنْدَهُ سَرْبَكِ‏.‏

النَّدْه‏:‏ الزجر، والسَّرْب‏:‏ المال الراعي، وكان يقال للمرأة في الجاهلية‏:‏ اذْهَبِي فلا أنْدَهُ سَرْبَكِ، فكانت تطلق بهذه اللفظة‏.‏

1456- الذَّوْدُ إِلىَ الذَّوْدِ إِبِل‏.‏

قال ابن الأعرابي‏:‏ الذَّوْد لا يُوَحَّد، وقد يجمع أذودا، وهو اسم مؤنث يقع على قليل الإبل ولا يقع على الكثير، وهو ما بين الثلاث إلى العشر إلى العشرين إلى الثلاثين ولا يجاوز ذلك‏.‏

يضرب في اجتماع القليل إلى القليل حتى يؤدي إلى الكثير‏.‏

1457- الذِّئْبُ يَأْدُو للْغَزَالِ‏.‏

قال‏:‏ أَدَوْتُ لَهُ آدُو أَدْواً، إذا خَتَلْته، وينشد‏:‏

أدوت له لآخُذَهُ * فَهَيْهَاتَ الْفَتَى حَذِرَا ‏(‏نصب ‏"‏حذرا‏"‏ بفعل مضمر أي لا يزال حذرا، أو على الحال من فاعل اسم الفعل‏.‏‏)‏

يضرب في الخديعة والمكر‏.‏

ويجوز أن يكون الهمر في أدوت بدلا من العين، وكذلك في يأدو، أي يعدو لأجله، من العَدْوِ‏.‏

1458- ذِئْبُ الخَمَرِ‏.‏

الخَمَر‏:‏ ما واراك من شجر أو حجر أو جرف وادٍ، وإنما يضاف إلى الخمر للزومه إياه، ومثله‏:‏ ذئب غَضاً، وقنفذ برقة، وتيس حلب، وهو نبت تعتادهُ الظباء، ويقال‏:‏ تيس الربل، وضب السحا، وشيطان الحَمَاطة، وأرنب الخلة‏.‏

1459- الذَّئْبُ يُكْنَى أَبَا جَعْدَةَ‏.‏

يقال‏:‏ إن الجَعْدَة الرِّخْلُ، وهي الأنثى من أولاد الضأن، يكنى الذئب بها لأنُه يقصدها ويطلبها لضعفها وطيبها، وقيل‏:‏ الجَعْدة نبت طيب الرائحة ينبت في الربيع ويجفُّ سريعاً، فكذلك الذئب إن شَرُف بالكنية فإنه يغدر سريعاً، ولا يبقى على حالة واحدة، وقيل‏:‏ يعني أن الذئب وإن كانت كنيته حسنة فإن فعله قبيح، وقيل‏:‏ إنه لعَبيد بن الأبرص قاله حين أراد النعمان ابن المنذر قتله‏.‏

يضرب لمن يبرك باللسان ويريد بك الغَوَائل‏.‏

وسئل بن الزبير عن المتعة، فقال‏:‏ الذئب يكنى أبا جعدة، يعني أنها كنية ‏[‏ص 278‏]‏ حسنة للذئب الخبيث، فكذلك المتعة حسنة الاسم قبيحة المعنى‏.‏

وقيل‏:‏ كنى الذئب بأبي جعدة وأبي جعادة لبُخْله من قولهم ‏"‏فلان جَعْدُ اليدين‏"‏ إذا كان بخيلا‏.‏

1460- ذَهَبُوا إِسْرَاءَ قُنْفُذٍ‏.‏

أي كان ذهابهم ليلا كالقنفذ لا يَسْرِي إلا ليلا‏.‏

1461- الذِّئْبُ خَالياً أَسَدٌ‏.‏

ويروى ‏"‏أشَدُّ‏"‏ أي إذا وجَدَك خاليا وَحْدك كان أَجْرَأ عليك، هذا قول قاله بعضهم‏.‏

وأجود من هذا أن يقال‏:‏ الذئب إذا خلا من أَعْوانٍ من جنسه كان أسداً، لأنه يتكل على ما في نفسه وطبعه من الصَّرَامة والقوة فَيَثِب وَثْبة لا بُقْيَا معها، وهذا أقرب إلى الصواب، لأن ‏"‏خالياً‏"‏ حال من الذئب لا من غيره، والتقدير‏:‏ الذئب يشبه الأسد إذا كان خالياً، كما تقول‏:‏ زيد ضاحكا قمر، ومعنى التشبيه عامل في الحال، قال أبو عبيد‏:‏ يقول‏:‏ إذا قَدَرَ عليك في هذه الحال فهو أقوى عليك وأجرأ بالظلم، أي في غير هذه الحال، أراد لا تَعْجِزْ عنه ولا معين له من جنسه‏.‏

وقال أيضاً‏:‏ قد يضرب هذا المثل في الدِّينِ، ومنه حديث معاذ رضى اللّه تعالى عنه ‏"‏عليكم بالجماعة فإن الذئب إنما يُصيب من الغنم الشَّاذَّةَ القاصِيَة‏"‏ قال أبو عبيد‏:‏ فصار هذا المثل في أمر الدين والدنيا‏.‏

يضرب لكل متوحِّدٍ برأيه أو بِدِينه أو بسفره‏.‏

1462- ذَهَبَ فِي الاَخْيَبِ الاَذْهَبِ‏.‏

وذهب في الخيبة الخَيْبَاء، إذا طلب ما لا يَجِدُ ولا يُجْدِى عليه طلبه شيئاً، بل يرجع بالخيبة‏.

1463- الذِّئْبُ مَغْبُوطٌ بِذِي بَطْنِهِ‏.‏

ويروى ‏"‏الذئب يُغْبَطُ بغير بطنة‏"‏ وذو بطنِهِ‏:‏ ما في بطنه، ويقال‏:‏ ذو البطن اسمٌ للغائط، ويقال‏:‏ ألقى ذا بَطْنِه، إذا أحْدَثَ، قال أبو عبيد‏:‏ وذلك أنه ليس يُظَنُّ به أبدا الجوعُ، إنما يظن به البِطْنَة، لأنه يعدو على الناس والماشية، قال الشاعر‏:‏

وَمَنْ يَسْكُنِ الْبَحْرَيْنِ يَعْظُمْ طِحَالُهُ * وَيْغُبَطُ ما فِي بَطْنِهِ وَهْوَ جَائِعُ

وقال غيره‏:‏ إنما قيل ذلك لأنه عظيم الجُفْرَةِ أبدا ‏(‏الجفرة - بضم فسكون - البطن‏)‏، لا يَبِينُ عليه الضُّمُور، وإن جَهَدَه الجوع، وقال الشاعر‏:‏

لكالذِّئْبِ مَغْبُوطُ الْحَشَا وَهْوَ جَائِعُ* ‏[‏ص 279‏]‏

1464- الذِّئْبُ أَدْغَمُ‏.‏

قال ابن دُرَيْد‏:‏ تفسير ذلك أن الذئاب دُغْم وَلَغَتْ أو لم تَلَغ، والدُّغْمَة لازمة لها، فربما قيل قد ولغ وهو جائع‏.‏ يضرب لمن يُغْبَطُ بما لم يَنَلْه‏.‏

والدُّغْمَة‏:‏ السواد، والدُّغْمَانُ من الرجال‏:‏ الأسْوَدُ‏.‏

1465- ذَهَبُوا شَغَرَ بَغَرَ، وَشَذَرَ مَذَرَ، وَشِذَرَ مِذَرَ، وَخِذَعَ مِذَعَ‏.‏

أي في كل وَجْه‏.‏

1466- ذَهَبَ دَمُهُ دَرَجَ الرِّيَاحِ‏.‏

ويروى ‏"‏أدراج الرياح‏"‏ وهي جمع دَرَج، وهي طريقها‏.‏

يضرب في الدم إذا كان هَدَرا لا طالبَ له‏.‏

1467- ذَهَبَتْ هَيْفٌ لأَدْيَانِهَا‏.‏

الهَيْف‏:‏ الريح الحارة تَهُبُّ من ناحية اليمن في الصيف، قال أبو عبيد‏:‏ وأصل الهَيْفِ السموم، وقوله ‏"‏لأديانها‏"‏ جمع دِين، وهو العادة، أي لعاداتها، وإنما جمع الأديان لأن الهيف اسم جنس، وجاء باللام على معنى إلى، أي رجعت إلى عاداتها، وعادتُهَا أن تجفف كل شيء وتيبسه‏.‏

يضرب مثلا عند تفرق كل إنسان لشأنه، ويقال‏:‏ يُضرب لكل مَنْ لَزِمَ عادته ولم يفارقها‏.‏

1468- ذَلِيلٌ عَاذ بِقَرْمَلَةٍ‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ القَرْمَلَة شجيرة ضعيفة لا وَرَق لها، قال جرير‏:‏

كَانَ الفرزدقُ حين عَاذَ بِخَالِهِ * مثلَ الذليلِ يَعُوذُ وَسْطَ الْقَرْمَلِ

1469- ذَكَّرْتَنِي الطَّعْنَ وكُنْتُ نَاسِياً‏.‏

قيل‏:‏ إن أصله أن رجلا حَمَلَ على رجل ليقتله، وكان في يد المحمول عليه رُمْح فأنساه الدهش والجزَعُ ما في يده، فقال له الحامل‏:‏ ألْقِ الرمْحَ، فقال الآخر‏:‏ إنَّ معي رمحا لا أشعر به‏؟‏ ذكَّرْتَنِي الطَّعْنَ - المثلَ، وحمل على صاحبه فطعنه حتى قتله أو هَزَمه، يضرب في تذكر الشيء بغيره‏.‏

يقال‏:‏ إن الحامل صَخْر بن مَعَاوية السُّلَمي، والمحمول عليه يزين بن الصَّعِق‏.‏

وقال المفضل‏:‏ أول من قاله رهيم بن حزن الهلالي، وكان انتقل باهله وماله من بلده يريد بلدا آخر، فاعترضه قوم من بني تغلب فعرفوه وهو لا يعرفهم، فقالوا له‏:‏ خَلِّ ما معك وانجُ، قال لهم‏:‏ دونَكم المال ‏[‏ص 280‏]‏ ولا تعرضوا للحُرَم، فقال له بعضهم‏:‏ إن أردْتَ أن نفعل ذلك فألقِ رمحك، فقال‏:‏ وإنَّ معي لَرُمْحاً‏؟‏ فشدَّ عليهم فجعل يقتلهم واحداً بعد واحد وهو يرتجز ويقول‏:‏

رُدُّوا علي أقْرَبِهَا الأقاصِيَا * إنَّ لها بِالْمَشْرَفِّي حَادِياَ

ذكَّرْتَنِي الطَّعْنَ وَكُنْتُ نَاسِيَا*

1470- ذُقْهُ تَغْتَبِطْ‏.‏

أصله أن قوما كانوا على شَرَاب وفيهم رجل لا يشرب، فطربوا وهو مُسْبِت، فقيل له هذا القول‏:‏ أي ذُقْ حتى تَطْرَبَ كما طربنا‏.‏

يضرب لمن حُرِم لتَوَانيه في السعي‏.‏

1471- ذَهَبَ أَهْلُ الدَّثْرِ بِالأجْرِ‏.‏

الدَّثْر‏:‏ كثرة المال، يقال‏:‏ مال دَثْر، ومالانِ دَثْر، وأموال دَثْر، أي كثير، وهذا المثل يروى في الحديث‏.‏ ‏(‏في الحديث ‏"‏ذهب أهل الدثور بالأجور‏"‏‏)‏

1472- ذَهَبَ فِي السُّمَّهَى‏.‏

قال أبو عمر‏:‏ أي في الباطل، وجرى فلانٌ السُّمَّهى، إذا جرى إلى أمرٍ لا يعرفه، وذهبَتْ إبلُه السُّمَّهَى، إذا تفرقت في كل وجه، والسُّمَّهَى‏:‏ الهواء بين السماء والأرض والسمهى والسميهي‏:‏ الكذبُ والباطل‏.‏

1473- اذْكُرْ غَائِباً يَقْتَرِبْ‏.‏

ويروى ‏"‏اذْكُرْ غائبا تَرَه‏"‏ قال أبو عبيد‏:‏ هذا المثل يروى عن عبد اللّه بن الزبير أنه ذكر المُخْتَار يوما وسأل عنه، والمختار يومئذ بمكة قبل أن يَقْدَمَ العراق، فبينا هو في ذكره إذ طَلَع المختار، فقال ابن الزبير‏:‏ اذْكُرْ غائبا - المثَلَ‏.‏

1474- ذُلٌّ لَوْ أَجِدُ نَاصِراً‏.‏

قال المفضل‏:‏ كان أصله أن الحارث بن أبي شمر الغَسَّاني سأل أنَسَ بن أبي الحجير عن بعض الأمر، فأخبره، فلَطَمه الحارث، فغضب أنس وقال‏:‏ ذُلٌّ لو أجِدُ نَاصِراً، ثم لَطَمه أخرى، فقال‏:‏ لو نهيت الأولى لانتهت الأخرى، فذهبت كلمتاه مثلين، وتقدير المثل‏:‏ هذا ذل لو أجدُ ناصرا لَمَا قَبِلْته‏.‏

1475- ذَهَبَ كاسِباً فَلَجَّ بِهِ‏.‏

أي لجَّ الشرُّ به حتى أهْلَكَه وأوقعه في شر إما غَرَق أو قَتْل أو غيرهما‏.‏

1476- ذَهَبَ مَالُهُ شَعَاعِ‏.‏

مبني على الكسر مثل قَطَام، أي - متفرقاً، قال الشاعر‏:‏

أغلّ بِمَالِهِ زيدٌ فأضْحَى * وَتَالِدُهُ وَطَارِفُةُ شَعَاعِ

1477- ذَآنِينُ لاَ رِمْثَ لَهَا‏.‏

الذؤْنُون‏:‏ نَبْت، والرِّمْث‏:‏ مَرْعى ‏[‏ص 281‏]‏ الإبل من الْحَمْض، وهذا الذؤنون يثبت في الرمث‏.‏

يضرب للقوم لا قديم لهم، ولا يُرْجَى خيرُ مَنْ لا قديم له‏.

1478 ذَهَبَ المُحَلِّقُ فِي بَنَاتِ طَمَارِ‏.‏

التحليقُ‏:‏ الارتفاع في الهواء‏.‏ يقال حَلَّق الطائر، وطَمَارِ‏:‏ المكانُ المرتفع، قال الأصمعي‏:‏ يقال انْصَبَّ عليه من طَمَارِ، مثل قَطَامِ، قال الشاعر‏:‏

فإن كُنْتِ لاَ تَدْرِينْ ما الموتُ فَانْظُرِي * إلى هانئ في السُّوقِ وَابْنِ عَقِيلِ

إلى بَطَلٍ قد عفَّرَ السيفُ وجهه * وآخَرَ يَهْوِي من طَمَارِ قَتِيلِ

وكان ابن زياد أمَرَ برمي مسلم بن عَقيل من سَطْح عالٍ، وقال الكسائي‏:‏ من طَمَارِ وطَمَارَ، بفتح الراء وكسرها‏.‏ يضرب فيما يذهب باطلا‏.‏

1479- ذَهَبَ فِي ضُلِّ بْنِ أُلٍّ‏.‏

إذا ركبَ رأسَه في الباطل، يقال‏:‏ ذهب في الضَّلاَل والألال، والضلال والتلال، إذا ذهب في غير حق‏.‏

1480- ذَلِيلٌ مَنْ يذَلِّلُهُ خِذَامُ‏.‏

قالوا‏:‏ خِذَام كان رجلا ذليلا‏.‏ يضرب للضعيف يَقْهره مَنْ هو أضعفُ منه‏.‏

1481- الذَّلِيلُ مَنْ تَأْكُلُهُ الوَبْراءُ‏.‏

قالوا‏:‏ الوَبْرَاء الرخَمة، وهي تُحَمَّق وتضعف، وأرادوا بوبرها ريشَها‏.‏

1482- ذَهَبَ مِنْهُ الأطْيَبانِ‏.‏

يضرب لمن قد أسَنَّ، أي لذة النكاح والطعام، قال نَهْشَلَ‏:‏

إذا فات منك الأطْيَبَانِ فلا تُبَلْ * حتى جاءكَ اليومُ الّذِي كُنْتَ تَحْذَرُ

1483- ذِكْرٌ وَلاَ حَسَاسِ‏.‏

مبني على الكسر مثل قَطَامِ وَحَذَامِ‏.‏ يضرب للذي يَعِدُ ولا يحس إنجازه‏.‏

ويروى ولا حَسَاسَ نصبا على التبرئة، ومنهم من يرفعه وينون، ويجعل لا بمنزلة ليس، ومنهم من يقول‏:‏ ولا حَسِيسَ، ينصب بغير تنوين، ومنهم من يرفع بتنوين‏.‏

1484- ذَلَّ بَعْدَ شِمَاسِهِ الْيَعْفُورُ‏.‏

يضرب لمن انْقَاد بعد جِمَاحه، واليَعْفُور‏:‏ اسم فرس‏.‏

1485- أَذَلُّ النَّاسِ مُعْتَذِرٌ إِلَى لَئِيمٍ‏.‏ ‏(‏من حق النظام أن يجعل هذا المثل فيما جاء على أفعل من هذا الحرف‏.‏‏)‏

لأن الكريم لا يُحْوِج إلى الاعتذار، ولعل اللئيم لا يَقْبَل العذر‏.‏ ‏[‏ص 282‏]‏

1486- الذِّئْبُ لِلضَّبُعِ‏.‏

أي هو قرنه‏.‏ يضرب في قَرِيني سوء‏.‏

1487- ذَهَبَتْ طُولاً، وَعَدِمَتْ مَعْقُولاً‏.‏

يضرب للطويل بلا طائل‏.‏

1488- ذَهَبُوا تَحْتَ كُلِّ كَوْكَبِ‏.‏

يضرب للقوم إذا تفرقوا‏.‏

1489- ذَهَبُوا في الْيَهْيَرِّ‏.‏

أي في الباطل، اليَهْيَرُّ يَفْعَلُ، لأنه ليس في الكلام فَعْيَلٌّ، وهو صَمْغ الطَّلْح، وأنشد أبو عمرو‏:‏

أطْعَمْتُ راعيّ مِنَ اليَهْيَرِّ * فَظَلَّ يَعْوِي حبطا بِشَرِّ

أي من هذا الصمغ، وقال الأحمر‏:‏ حَجَر يَهْير أي صُلْب، ويقال‏:‏ أكْذَبُ من اليَهْيَرِّ، وهو السَّرَاب، وقال ابن السرَّاج‏:‏ ربما زادوا فيه الألف، فقالوا يَهْيَرَّي، وهو من أسماء الباطل‏.‏

1490- ذَاكَ أَحَدُ الأحَدِينَ‏.‏

قال ابن الأعرابي‏:‏ هذا أبْلَغُ المَدْحِ، قال‏:‏ ويقال ‏"‏إحدى الإحَدِ‏"‏ كما تقول‏:‏ واحد لا نَظِيرَ له، ويقال‏:‏ فلان وَاحدُ الأحَدِينَ، ووَاحِدُ الآحادِ، وقولهم ‏"‏هذا إحْدَى الإحَدِ‏"‏ قالوا‏:‏ التأنيث للمبالغة، بمعنى الداهية، وأنشدوا‏:‏

عَدُّونِيَ الثَّعْلَبَ فِيمَا عَدَّدُوا * حَتَّى اسْتَثَارُوا بِيَ إحْدَى الإحَدِ

يضرب لمن لا نهاية لدهائه، ولا مِثْلَ له في نَكْرَائه‏.‏

1491- ذَهَبَتْ فِي وَادِي تِيهٍ بَعْدَ تِيهٍ‏.‏

يضرب لمن يَسْلُكُ سبيلَ الباطل‏.‏

1492- ذِيبَةُ قُفٍّ مَا لهَا غَمِيسُ‏.‏

القُفُّ‏:‏ ما غَلُظ من الأرض، والغَمِيس‏:‏ الوادي فيه شجر ملتفّ‏.‏

يضرب لمن جاهر بالعداوة وأظهر المناوأة‏.‏

1493- الذِّيخُ فِي خَلْوتِهِ مِثْلُ الأَسَدِ‏.‏

الذِّيخ‏:‏ الذكَرُ من الضِّباع‏.‏

يضرب لمن يَدَّعي منفرداً ما يعجز عنه إذا طُولب به في الجمع، وهذا مثل قولهم ‏"‏كُلُّ مُجْرٍ في الخَلاَء يُسَرُّ‏"‏ ‏.‏

1494- ذُبَابُ سَيْفٍ لَحْمُهُ الْوَقَائِصُ‏.‏

الوَقيصة‏:‏ المكسورة العُنُقِ من الدوابّ‏.‏ يضرب لمن له مال وسَعَة وهو مُقَتِّر على عياله، ولمن قدرة وقوة فهو لا ينازع إلا ضعيفا ذليلا‏.‏

1495- ذِيبَةُ مِعْزىً وظَلِيمٌ في الْخُبْرِ‏.‏

يقال في جمع الماعز‏:‏ مَعْز ومَعِيز ومِعْزىً والألف في مِعْزىً للإلحاق بفِعْلَل مثل ‏[‏ص 283‏]‏ هِجْرَع وهِبْلَع ودِرْهَم، وتصغيرها مُعيز، والْخُبْرُ‏:‏ اسم من الاختبار، يقول‏:‏ هو في الخبث كالذئب وقع في المِعْزَى، وفي الاختبار كالظَّليم‏:‏ إن قيل له ‏"‏طِرْ‏"‏ قال‏:‏ أنا جَمَل، وإن قيل له ‏"‏احْمِلْ‏"‏ قال‏:‏ أنا طائر‏.‏

يضرب للخَلُوب المكَّار‏.‏

*3*ما جاء على أفعل من هذا الباب‏.

1496- أَذَلُّ مِنْ قَيْسِيٍّ بِحِمْصَ‏.‏

وذلك أن حِمْص كلها لليمن، ليس بها من قيس إلا بيت واحد‏.‏

1497- أَذَلُّ مِنْ يَدٍ في رَحِمٍ‏.‏

يريد الضعفَ والهَوَان، وقيل‏:‏ يعني يَدَ الْجَنِينِ‏.‏ وقال أبو عبيد‏:‏ معناه أن صاحبها يتوقَّي أن يصيب بيده شيئاً‏.‏

1498- أَذَلُّ مِنْ بَعِيرِ سَانِيَةٍ‏.‏

وهو البعير الذي يُسْتَقى عليه الماء، قال الطرماح‏:‏

قُبَيِّلَةٌ أَذَلُّ مِنَ السَّوَانِي * وَأَعْرَفُ لِلْهَوَانِ مِنَ الخصاف ‏(‏الذي في كتب اللغة أن الخصف - بالفتح - النعل ذات الطراق، وكل طراق منها خصفة‏)‏

يعني النعل‏.‏

1499- أَذَلُّ مِنْ حِمَارِ قَبَّانَ‏.‏

وهو ضرب من الخَنافس يكون بين مكة والمدينة، وقال‏:‏

يَا عَجَبَا وَقَدْ رَأَيْتُ عَجَبَا * حِمَارَ قَبَّانَ يَقُودُ أرْنَبَا

خَاطِمَهَا زَأَمَّهَا أَنْ تَذْهَبَا * فَقُلْتُ أَرْدِفْنِي فَقَالَ مَرْحَبَا

1500- أَذَلُّ مِنْ قُرَادٍ بِمَنْسِمٍ‏.‏

قال الفرزدق‏:‏

هُنَالِكَ لو تَبْغِي كُلَيْباً وجَدْتَهَا * أذلَّ مِنَ القِرْدَانِ تَحْتَ المنَاسِمِ

1501- أَذَلُّ مِنْ وَتِدٍ بِقَاعٍ‏.‏

لأنه يُدَقُّ أبداً، وأما قولهم‏:‏

1502- أَذَلُّ مِنْ حِمَارٍ مُقَيَّدٍ‏.‏

فقد قال فيه الشاعر وفي الوتد‏:‏

إنَّ الهَوَانَ حمارُ الأهْلِ يعرفُه * والحرُّ ينكرُهُ والْجَسْرَةُ الأجُدُ ‏(‏الجسرة - بالفتح - الناقة العظيمة، والأجد - بضم الهمزة والجيم جميعاً - الموثقة الخلق المتصلة فقار الظهر‏.‏‏)‏

ولا يُقِيمُ بدَارِ الذُّلِّ يعرفُهَا * إلا الأذَلاَّنِ عَيْرُ الأهْلِ وَالوَتِدُ

هذَا على الْخَسْفِ مَرْبُوطٌ برُمَّتِهِ * وذا يُشَجُّ فلا يأوِي لَهُ أحَدُ ‏[‏ص 284‏]‏

1503- أَذَلُّ مِنْ فَقْعٍ بِقَرْقَرَةٍ‏.‏

لأنه لا يمتنع على من اجتناهُ، ويقال‏:‏ بل لأنه يُوطَأ بالأرجل، والفَقْع‏:‏ الكَمْأة البيضاء‏:‏ والجمع فَقْعَة، مثل جَبْء وجَبْأة، ويقال‏:‏ حمام فقيع، إذا كان أَبْيَضَ، ويُشَبَّهُ الرجلُ الذليلُ بالفَقْع فيقال‏:‏ هو فقعُ قَرْقَر، لأن الدوابَّ تنجله بأرجلها، قال النابغة يهجو النعمان بن المنذر‏:‏

حَدّثُونِي بني الشَّقِيقَةِ مَا يَمْـ * ـنَعُ فَقْعاً بِقَرْقَرٍ أن يَزُولاَ

لأن الفَقْعة لا أصول لها ولا أغصان، ويقال ‏"‏فلان فقعةُ القاعِ‏"‏ كما يقال في مولد الأمثال لمن كان كذلك ‏"‏هو كَشُوثُ الشجر‏"‏ لأن الكَشُوثَ نَبْت يتعلَّق بأغصان الشجر من غير أن يضرب بعِرْقٍ في الأرض، قال الشاعر‏:‏

هُوَ الكَشُوثُ فلا أَصْلٌ ولا وَرَقٌ * ولا نَسِيمٌ ولا ظِلٌّ ولا ثَمَرُ

1504- أَذَلُّ مِنَ السُّقْبَانِ بَيْنَ الْحَلاَئِبِ‏.‏

السُّقْبَان‏:‏ جمع السَّقْب، وهو ولد البعير الذكر، ويقال للأنثى‏:‏ حائل، والحلائب‏:‏ جمع الحَلُوبة، وهي التي تُحْلَبُ‏.‏

1505- أَذَلُّ مِنَ اليَعْرِ‏.‏

هو الْجَدْي أو العَنَاق يشدُّ على فم الزُّبْيَة ويغطَّى رأسُه، فإذا سمع السبعُ صوتَه جاء في طلبه فوقع في الزُّبْيَة فأخذ‏.‏

1506- أَذلُّ مِنَ النّقَدِ‏.‏

قال أهل اللغة‏:‏ النَّقَد جنسٌ من الغنم قصارُ الأرجُلِ قِباحُ الوجوه يكون بالبحرين، الواحدة نَقَدَة، قال الأصمعي‏:‏ أجود الصوف صوفُ النَّقَدِ، وقال‏:‏

فُقَيْمُ ياشَّر تميمٍ مَحْتِداَ * لو كُنْتُمُ ضَأناً لكُنْتُم نَقَدَا

أو كنتُمُ ماءً لكنتُمْ زَبَدَا * أو كُنْتُمُ صُوفًا لكنتم قَرَدَا ‏(‏القرد - بالتحريك - نفاية الصوف‏)‏

1507- أَذَلُّ مِمَّنْ بَالتْ عَلَيْهِ الثَّعَالِبُ‏.‏

هذا مثل يضرب للشيء يُستَذَل، كما يقال في المثل الآخر‏"‏هدمة الثعلب‏"‏ يعني جحره المهدوم، ويقال في الشر يقع بين القوم وقد كانوا على صلح ‏"‏بال بينهم الثعالب‏"‏ و ‏"‏فَسَا بينهم الظَّرِبَانُ‏"‏ و ‏"‏كسر بينهم رُمْح‏"‏ و ‏"‏يَبِسَ بينهم الثَّرَى‏"‏ و ‏"‏خريت بينهم الضبع‏"‏ قال حميد بن ثور‏:‏

ألم تر ما بيني وبينَ ابْنِ عامرٍ * من الوُدِّ قد بَالَتْ عليه الثَّعَالِبُ

وأصْبَحَ باقِي الودِّ بيني وبينه * كأنْ لم يَكُنْ والدهْرُ فيه عَجَائِبُ ‏[‏ص 285‏]‏

1508- أَذَلُّ مِنْ قَرْملَةٍ‏.‏

القَرْمَل‏:‏ شجر قِصار لا ذَرَى لها، ولا مَلْجَأ، ولا سِتر، ويقال في مثل آخر‏:‏ ‏"‏ذَلِيلٌ عاذ بِقَرْمَلَةٍ‏"‏ أي بشجرة لا تستره ولا تمنعه، أي هو ذليل عاذ بأذلَّ من نفسه‏.‏

1509- أَذَلُّ مِنَ الَّنْعِل‏.‏

هذا من قول البَعِيث‏:‏

وكلُّ كُلَيَبْي صَفِيحَةُ وَجْهِهِ * أَذَلُّ على مَسِّ الهَوَانِ من النَّعْلِ

ويروى‏:‏ ‏"‏أذل لأقدام الرجال من النعل‏"‏ ‏.‏

1510- أَذَلُّ مِنَ البَذَجِ‏.‏

يعنون الحَمَل، والجمع بِذْجَان، وأنشد‏:‏

قد هَلَكْت جَارَتُنَا من الهَمَجْ * وإن تَجُعْ تأكُلْ عَتُوداً أو بَذَجْ

وفي الحديث‏:‏ ‏"‏يؤتى بابن آدم يوم القيامة كأنه بَذَجٌ من الذل‏"‏‏.‏

1511- أَذَلُّ مِنْ بَيْضَةِ البَلدِ‏.‏

هي بيضة تتركها النعامةُ في فَلاَةٍ من الأرض فلا ترجع إليها، قال الراعي‏:‏

تأبى قُضَاعَةُ أَنْ تَعْرِفْ لكم نَسَباً * وَابْنَا نِزَارٍ فأنْتُمْ بَيْضَةُ البَلَدِ‏.‏ ‏(‏يستشهد النحاة بهذا البيت على أن من العرب قوما يجزمون بأن المصدرية‏)‏

1512- أَذْكَى مِنَ الْوَرْدِ، وَمِنَ المِسْكِ الأَصْهَبِ، وَالعَنْبَرِ الأَشْهَبِ‏.‏

1513- أَذَلُّ مِنْ أَمَوِيٍّ بالكُوفَةِ يَوْمُ عَاشُورَاءَ‏.‏

1514- أَذَلُّ مِنْ قِمَعٍ‏.‏

يَعْنُون هذا الملتزِق بأعلى التمر، يرمى به فيوطأ بالأرجل‏.‏

1515- أَذَلُّ مِنْ عَيْرٍ‏.‏

العَيْر‏:‏ الوتد، وإنما قيل ذلك لأنه يُشَجَّجُ رأسُه أبداً، ويجوز أن يراد به الحمار‏.‏

1516- أَذَلُّ مِنْ حُوَارٍ‏.‏

وهو ولد الناقة‏.‏ ولا يزال يدعى حُوَارا حتى يُفْصل‏.‏

1517- أَذَلُّ مِنَ الْحِذَاءِ‏.‏

لأنه يُمْتَهن في كل شيء عند الوَطْء، وكذلك يقولون‏:‏

1518- أَذَلُّ مِنَ الرِّدَاءِ، وَأَذَلُّ مِنَ الشَّسْعِ‏.‏

1519- أَذَلُّ مِنَ البسَاطِ‏.‏

يَعْنُون هذا الذي يُبْسَط ويُفْرَش، فيَطَؤُه كلُّ أحد‏.‏ ‏[‏ص 286‏]‏

*3*المولدون‏.

ذِئْبٌ في مَسْكِ سَخْلَةٍ‏.‏

ذِئْبٌ اسْتَنْعَجَ‏.‏

ذُلُّ العَزْلِ يَضْحَكُ مِنْ تِيهِ الوِلاَيَةِ‏.‏

ذَنَبُ الكَلْبِ يُكْسِبُهُ الطعْمَ، وفَمُهُ يُكْسِبُهُ الضَّرْبَ‏.‏

ذَلَّ مَنْ لا سَفِيهَ لَهُ‏.‏

ذُدْتُ السِّبَاعَ ثُمَّ تَفْرِسُنِي الضِّباعُ‏.‏

ذَهَبَ الحِمَارُ يَطْلُبُ قَرْنَيْنِ، فَعَادَ مَصْلُومَ الأُذُنَينِ‏.‏

ذَهَبَ النَّاسُ، وَبَقِيَ النَّسْنَاسُ‏.‏

ذَهَبَ عَصِيرِي وَبَقي ثَجِيرِي‏.‏

للشيء تذهب منفعته وتبقى كلفته‏.‏

ذَكَرَ الْفِيلُ بِلاَدَهُ‏.‏

ذَمَمْتَنِي عَلَى الإساءَةِ، فَلِمَ رَضِيتَ عَنْ نَفْسِكَ بالْمُكَافَأةَ‏؟‏

قاله على بن أبي عبيدة‏.‏

ذَرْ مُشْكِلَ القَوْلِ وإنْ كَانَ حَقًّا‏.‏

الذُّلُّ في أَذْنَابِ البَقَرِ‏.‏

الباب العاشر فيما أوله راء‏

  ما جاء على أفعل من هذا الباب‏

  المولـــدون‏

الباب العاشر فيما أوله راء‏.

1520- رَعَى فَاقْصَبَ‏.‏

يقال‏:‏ قَصَبَ البعيرُ يَقْصِبُ، إذا امتنع من الشرب، و ‏"‏أقْصَبَ الراعي‏"‏ إذا فعلت إبلُه ذلك، أي أساء رَعْيَها فامتنعت من الشرب، وليس في قوله ‏"‏رعى‏"‏ ما يدل على الإساءة والتقصير، ولكن استدل بقوله ‏"‏أقصب‏"‏ على سوء الرَّعْي، وذلك أن الإبل امتنعت من الشرب إما لخَلاَء أجْوَافها وإما لامتلائها، وهما يدلان على إساءة الرعي‏.‏

يضرب لمن لا ينصح ولا يبالغ فيما تولى حتى يَفْسُدَ الأمرُ‏.‏

1521- رَمَتْنِي بِدَائِها وانْسَلَّتْ‏.‏

هذا المثل لإحدى ضرائر رُهْم بنتِ الخَزْرَج امرأة سَعْد بن زيد مَنَاة رَمَتْها رُهْم بعيبٍ كان فيها، فقالت الضرة‏:‏ رمتني بدائها - المثلَ، وقد ذكرتُ القصة بتمامها في باب الباء في قوله ‏"‏ابْدَئِيهِنَّ بعَفَال سُبِيتِ‏"‏‏.‏

يضرب لمن يُعَيِّر صاحبه بعيبٍ هو فيه‏.‏ ‏[‏ص 287‏]‏

1522- رَماهُ بِأقْحَافِ رَأْسِهِ‏.‏

أي اسكَتَه بداهية أورَدَها عليه، وإنما قيل بلفظ الجمع لأنهم أرادوا رَمَاه به مرةً بعد مرة، ويجوز أن يجمع بما حَوْله إرادةَ أن كل جزء منه قِحْفٌ، كما قالوا‏:‏ غَلِيظُ المَشَافِرِ، وعظيم المَنَاكِبِ، والقِحْف‏:‏ اسم لما يعلو الدماغ من الرأس، ولا يرميه به ما لم يُزِلَّهُ عن موضعه وينزعه منه، وهذا كناية عن قَتْله، فكأنه بلَغَ به في الإسكات غايةً لا وراء لها وهو القتل، والمقتول لا يتكلم‏.‏

1523- رَمَاهُ اللّهُ بِداءِ الذِّئْب‏.‏

معناه أهلكه اللّه، وذلك أن الذئب لا داء له إلا الموت، ويقال‏:‏ معناه رماهُ اللّه بالجوع، لأن الذئب أبدا جائع‏.‏

1524- رَمَاهُ اللّه بِثَالِثَةِ الأثافِي‏.‏

قالوا‏:‏ هي القطعة من الجبل يُوضَع إلى جَنْبها حَجَران ويُنْصَب عليها القِدْر‏.‏

يضرب لمن رُمى بداهية عظيمة، ويضرب لمن لا يبقى من الشر شيئاً، لأن الأثْفِيَّةَ ثلاثة أحجارٍ كلُّ حجرٍ مثلُ رأس الإنسان، فإذا رماه بالثالثة فقد بلغ النهاية، كذا قاله الأزهري، قال البديع الهَمَذَاني‏:‏

وَلِي جِسْمٌ كَوَاحِدَةِ المَثَانِي * له كَبدٌ كَثَالِثَةِ الأثَافِي‏.‏

يريد القِطْعَةَ من الجبل‏.‏

1525- رُمِى فُلاَنٌ بِحَجَرِِه‏.‏

أي بِقِرْنِهِ الذي هو مثلُه في الصلابة والصعوبة، جعل الحجر مثلا للقِرْن لأن الحجر يختلف باختلاف المَرْمِىِّ، فصغار هذا لصغار ذاك وكباره لكباره‏.‏

وفي حديث صِفِّين أن معاوية لما بَعَثَ عمرو بن العاص حكَماً مع أبي موسى جاء الأحنفُ بن قَيْس إلى على كرم اللّه وجهه فقال‏:‏ إنك قد رُمِيتَ بحجر الأرض، فاجعل معه ابنَ عباس، فإنه لا يَشُدُّ عقدةً إلا حَلَّها، فأراد علي أن يفعل ذلك فأبَتِ اليمانيةُ إلا أن يكون أحد الحكَمَيْنِ منهم، فعند ذلك بعث أبا موسى، ومعناه‏:‏ إنك رُمِيتَ بحجرٍ لا نظير له فهو حَجَرُ الأرض في انفراده، كما تقول‏:‏ فلانٌ رجُلُ الدهر، أي لا نظير له في الرجال‏.‏

1526- رُمِيَ فُلاَنٌ مِنْ فُلاَنٍ في الرَّأسِ‏.‏

إذا أعرض عنه وساء رأيه فيه حتى لا ينظر إليه‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ ومنه حديث عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه حين سَلَّم عليه زياد بن حذير فلم يردَّ عليه، فقال زياد‏:‏ لقد رُمِيتُ من أمير المؤمنين في الرأس، وكان ‏[‏ص 288‏]‏ ذلك لهيئة رآها عليه فكرهها، وأراد زياد لقد ساء رأيُ أمير المؤمنين فيَّ، فإذا قيل ‏"‏رمي فلان من فلان في الرأس‏"‏ كان التقدير‏:‏ رمى في رأسه منه شيء، أي ألقى في دِماغه منه وَسْوَسة حتى ساء رأيُه فيه، والألف واللام من قولهم ‏"‏في الرأس‏"‏ ينوبان عن الإضافة كقوله‏:‏ وآنُفُنَا بَيْنَ اللِّحى وَالْحَوَاجِبِ*‏.‏

1527- رَهبُوتٌ خَيْرٌ مِنْ رَحَمُوتٍ‏.‏

أي لأَنْ تُرْهَبَ خيرٌ من أنْ تُرحَمَ، قال المبرد‏:‏ رَهَبُوتَي خير من رَحَمُوتَي، ومثله في الكلام جَبَرُوتٌ وجَبَرُوتي‏.‏

1528- رُوَيْدَ الغَزْوَ يَنْمَرِقُ‏.‏

هذه مقالة امرأة كانت تغزو، وتسمى رَقَاشِ، من بني كِنانة، فحملت من أسيرٍ لها، فذُكر لها الغَزْوُ، فقالت‏:‏ رُوَيْدَ الغزو، أي أمهل الغزو، حتى يخرج الولد‏.‏ يضرب في التمكث وانتظار العاقبة‏.‏

ذكر المفضل أن امرأة كانت من طيء يقال لها رقاش، فكانت تغزو بهم ويَتَيَمَّنُونَ برأيها، وكانت كاهنةً لها حَزْم ورأي، فأغارت طيء وهي عليهم على إياد بن نِزَار ابن مَعَدّ يوم رحى جابر، فظفرت بهم وغنمت وسَبَتْ، فكان فيمن أصابت من إياد شاب جميل، فاتخذته خادماً، فرأت عَوْرَته فأعجبها فدَعَتْه إلى نفسها فحملت فأتِيَتْ في إبَّان الغزو، فقالوا‏:‏ هذا زمانُ الغزو فاغزي إن كنت تريدين الغزو، فجعلت تقول‏:‏ رويد الغزو ينمرق، فأرسلتها مثلا، ثم جاؤا لعادتهم فوجَدَوها نُفَساء مُرْضِعا قد ولَدَتْ غلاماً، فقال شاعرهم‏:‏

نُبِّئْتُ أنَّ رَقَاشِ بَعْدَ شِمَاسِهَا * حَبِلَتْ وقد ولَدَتْ غلاما أكْحَلاَ

فاللّه يُحْظِيهَا وَيَرْفَعُ بُضْعَهَا * واللّه يُلْقِحُهَا كشافا مقبلا

كَانَتْ رَقَاشِ تقودُ جَيْشاً جَحْفَلاً * فَصَبَتْ وأحْرِ بِمَنْ صَبَا أن يَحْبَلاَ

1529 رُوَيْدَ الشِّعْرَ يَغِبَّ‏.‏

الغابُّ‏:‏ اللحم البائب، أي دَعْه حتى تأتي عليه أيام فتنظر كيف خاتمته أيحمد أم يذم، ويجوز أن يراد دَعِ الشعر يغبّ، أي يتأخر عن الناس، من قولهم‏:‏ غَبَّت الحُمَّى إذا تأخَّرَتْ يوماً، أي لا يتواتر شعرك عليهم فَيَمَلُّوه‏.‏

1530- رُوَيْداً يَعْلُونَ الجَدَدَ‏.‏

ويروى ‏"‏يعدون الخَبَار‏"‏ الخَبَار‏:‏ الأرض الرِّخْوَة، والجَدَد‏:‏ الصلبة‏.‏ ‏[‏ص 289‏]‏

يضرب مثلا للرجل يكون به عِلة فيقال‏:‏ دَعْه حتى تذهب علته‏.‏

قاله قيسٌ يومَ داحِسٍ، حين قال له حُذَيفة‏:‏ سبقتُكَ يا قيس، فقال‏:‏ أمهل حتى يعدوا الجَدَدَ، أي في الجَدَدِ، ومن روى يعلون كان الجَدَدُ مفعولا، وقد ذكرت هذه القصة بتمامها في باب القاف عند قولهم ‏"‏قد وقعت بينهم حرب داحس‏"‏‏.‏

1531- رُوَيْداً يَلْحَقُ الدَّارِيُّونَ‏.‏

الدارِيُّ‏:‏ رب النَّعَم، سمي بذلك لأنه مقيم في داره، فنسب إليها‏.‏

يضرب في صدق الاهتمام بالأمر، لأن اهتمام صاحب الإبل أَصْدَقُ من اهتمام الراعي‏.‏

1532- رُوغِى جَعَارِ وَانْظُرِي أَيْنَ المَفَرّ‏.‏

جَعَارِ‏:‏ اسمٌ للضبع، سميت بذلك لكثرة جَعْرِها، وهي مبنية على الكسر، مثل قَطَامِ‏.‏

يضرب للجبان الذي لا مَفَرَّ له مما يخاف‏.‏

1533- رَيحُ حَزَاءٍ فَالنَّجَاءَ‏.‏

الحَزَاء - بفتح الحاء - نبتٌ ذفر يُتَدَخَّنُ به للأرواح، يشبه الكرفس يزعمون أن الجنَّ لا تقرب بيتاً هو فيه‏.‏ يضرب للأمر يُخَاف شره، فيقال‏:‏ اهْرُبْ فإن هذا ريحُ شر‏.‏

والنَّجَاء‏:‏ الإسراع، يمد ولا يقصر إلا في ضرورة الشعر، كما قال‏:‏

رِيحُ حَزَاءٍ فَالنَّجَا لاَ تَكُنْ * فَرِيسَةً للأسَدِ اللاَّبِدَ

قيل‏:‏ دخل عمر بن حكيم النَّهْدِي على يزيدَ بن المهلَّب وهو في الحبس، فلما رآه قال‏:‏ يا أبا خالد ريح حَزَاء، أي أن هذا تباشيرُ شر وما يجيء بعده شَرٌّ منه، فهرب من الغد‏.‏

1534- رِيحُهُمَا جَنُوبٌ‏.‏

يضرب للمتصافيين، فإذا تكدَّر حالهما قيل‏:‏ شَمَلَتْ ريحُهما، وقال‏:‏

لَعَمْرِي لئن رِيحُ المودة أصْبَحَتْ * شَمَالاً لقد بَدَّلْتُ وَهْيَ جَنُوبُ

1535- ارْعَيْ فَزَارَةُ لاَ هَنَاكِ المَرْتَعُ‏.‏

يضرب لمن يصيب شيئاً يُنْفَس به عليه‏.‏

1536- رَمَي فِيهِ بأَرْوَاقِهِ‏.‏

يضرب لمن ألقى نفسَه في شيء، قال الشاعر‏:‏

لما رأى المَوْتَ مُحْمَرّاً جوانبُهُ * رَمَى بأرْوَاقِهِ في الموت سِرْبَالُ ‏[‏ص 290‏]‏

قال الليث‏:‏ رَوْقُ الإنسان هَمُّه ونَفْسه، إذا ألقاه على الشيء حرصاً يقال‏:‏ ألقى عليه أَرْوَاقَه، وسربال‏:‏ اسمُ رجلٍ‏.‏

1537- رَأْسٌ بِرَأْسٍ وَزِيَادَةِ خَمسِمائَةٍ‏.‏

قالوا‏:‏ أول من تكلم به الفرزدق في بعض الحروب، وكان صاحب الجيش قال‏:‏ مَنْ جاءني برأسٍ فله خمسمائة درهم، فبرز وجل وقتل رجلا من العَدُو، فأعطاه خمسمائة درهم، ثم برز ثانية فقُتِل، فبكى أهلُه عليه، فقال الفرزدق‏:‏ أما تَرضَوْن أن يكون رأسٌ برأسٍ وزيادة خمسمائةٍ، فذهبت مثلا‏.‏

1538- رُبَّ قَوْلٍ أَشَدَّ مِنْ صَوْلٍ‏.‏

يضرب عند الكرم يؤثر فيمن يواجَه به قال أبو عبيد‏:‏ وقد يضرب هذا المثل فيما يتقى من العار‏.‏

وقال أبو الهيثم‏:‏ أشد في موضع خفض لأنه تابع للقول، وما جاء بعد رب فالنعت تابع له‏.‏

1539- رُبَّ حَامٍ لأَنْفِهِ وَهُوَ جَادِعُهُ‏.‏

يضرب لمن يأنَفُ من شيء ثم يقع في أشَدَّ مما حمى منه أنفه‏.‏

1540- أَرَاكَ بَشَرٌ مَا أَحَارَ مِشْفَرٌ‏.‏

أي لما رأيت بشرته أغناك ذلك أن تسأل عن أكله‏.‏

يضرب للرجل ترى له حالا حسنه أو سيئة‏.‏

ومعنى ‏"‏أحار‏"‏ ردَّ ورجع، وهو كناية عن الأكل، يعني ما ردَّ مِشْفَرُهَا إلى بطونها مما أكل، يقال‏:‏ حارتِ الغصة، إذا انحدرت إلى الجَوْف، وما أحارها صاحبُها‏:‏ أي حَدَرَها‏.‏

1541- أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ بِيَدَيْنِ‏.‏

يضرب لمن له مَكْسَب من وجه فيَشْرَه لوجه آخر فيفوته الأول‏.‏

1542- رَدَدْتُ يَدَيْهِ في فِيهِ‏.‏

يضرب لمن غِظْتَه، ومنه قوله تعالى ‏{‏فردُّوا أيديَهُمْ في أفواههم‏}‏‏.‏

1543- رَمَاهُ فَأَشْوَاهُ‏.‏

الإشواء‏:‏ إخطاء المَقْتَل، من الشَّوَى وهو الأطراف، والشَّوَى‏:‏ القوائم، ومنه‏:‏

سَلِيمُ الشظَاعَبْلُ الشَّوَى شَنِجُ النَّسَاء*

يضرب لمن يُقْصَد بسوء فيسلم منه‏.‏

1544- أَرْجُلَكُمْ والعُرْفُطَ‏.‏

قالوا‏:‏ حديثه أن عامر بن ذُهْل بن ثَعْلبة كان من أشدِّ الناس قوةً، فأسَنَّ وأقعد، فاستهزأ منه شَبَابٌ من قومه، وضحكوا من ركوبه، فقال‏:‏ أجَلْ واللّه إني لضعيف فَادْنُوا مني فاحملوني، فَدَنَوْا منه ليحملوه، ‏[‏ص 291‏]‏ فضم رجلين إلى إبطه ورجلين بين فَخِذَيْه ثم زَجَر بَعيره فنهض بهم مسرعا، وقال‏:‏ بني أخي أرْجُلَكم والعُرْفُطَ، فأرسلها مثلا، وضمهم حتى كادوا يموتون‏.‏

يضرب لمن يَسْخَر ممن هو فوقه في المال والقوة وغيرهما‏.‏

1545- أُرِيَها اسْتَهَا وَتُرِينِي القَمَرَ‏.‏

قال الشَرْقي بن القطامي‏:‏ كانت في الجاهلية امرأة أكملت خَلَقا وجمالا، وكانت تزعم أن أحداً لا يقدر على جِماعها لقوتها، وكانت بكراً، فخاطرها ابنُ ألْغَزَ الإيادي - وكان واثقاً بما عنده - على أنه إن غلبها أعطته مائة من الإبل وإن غلبته أعطاها مائة من الإبل، فلما واقعها رأت لَمْحاً باصراً ورَهْزاً شديداً وأمْراً لم تر مثله قط، فقال لها‏:‏ كيف تَرَيْن، قالت‏:‏ طَعْناً بالركبة يا ابن ألْغز، قال‏:‏ فانظري إليه فيك، قالت‏:‏ القَمَر هذا، فقال‏:‏ أريها اسْتَهَا وتريني القمر، فأرسلها مثلا، وظفر بها، وأخذ مائة من الإبل، وبعضهم يرويه‏:‏ أريها السُّهَا وتُرينِي القَمَرَ‏.‏ يضرب لمن يُغَالط فيما لا يخفى‏.‏

1546- رُبَّ أَخٍ لَكَ لَمْ تَلِدْهُ أمُّكَ‏.‏

يروى هذا المثلُ لِلُقْمَان بن عَاد، وذلك أنه أقبل ذاتَ يومٍ فبينا هو يسير إذ أصابه عَطَش، فهجَم على مِظَلَّة في فنائها امرأة تُدَاعب رجلا، فاستسقى لقمان، فقالت المرأة‏:‏ اللبَنَ تَبْغِي أم الماء‏؟‏ قال لقمان‏:‏ أيهما كان ولا عِدَاء، فذهبت كلمته مثلا، قالت المرأة‏:‏ أما اللبن فخَلْفك وأما الماء فأمامَكَ، قال لقمان‏:‏ المَنْعُ كان أوْجَزَ، فذهبت مثلا، قال‏:‏ فبينا هو كذلك إذ نظر إلى صبي في البيت يَبْكي فلا يُكْتَرَث له ويَسْتَسقِى فلا يُسْقى، فقال‏:‏ إنْ لم يكن لكم في هذا الصبي حاجة دفَعْتُمُوه إلي فكَفَلْته، فقالت المرأة‏:‏ ذاك إلى هانئ، وهانئ زوجها، فقال لقمان‏:‏ وهانئ من العَدَد‏؟‏ فذهبت كلمته مثلا، ثم قال لها‏:‏ مَنْ هذا الشاب إلى جَنْبك فقد علمته ليس ببَعْلك‏؟‏ قالت‏:‏ هذا أخي، قال لقمان‏:‏ رُبَّ أخٍ لك لم تلده أمك، فذهبت مثلا، ثم نظر إلى أثر زوجها في فَتْل الشعر فعرف في فتله شَعْرَ البِناء أنه أعْسَر، فقال‏:‏ ثكلَتْ الأعَيْسِرَ أمه، لو يعلم العِلْمَ لطال غَمُّه، فذهب مثلا، فذُعِرَتِ المرأة من قوله ذعراً شديداً، فعرضت عليه الطعام والشراب، فأبى وقال‏:‏ المبيت على الطَّوَى حتى تَنَالَ به كريمَ المَئْوَى خيرٌ من إتيان ما لا تَهْوَى، فذهبت مثلا، ثم مضى حتى إذا كان مع العشاء إذا ‏[‏ص 292‏]‏ هو برجل يسوق إبلَه وهو يرتجز ويقول‏:‏

رُوحِي إلى الحيِّ فإنَّ نَفْسِي * رَهِينَةٌ فيهم بِخَيْرِ عِرْسِ

حُسَّانَةُ المُقْلَةِ ذَاتُ أنْسِ * لا يُشْتَرَى اليومُ لها بأمْسِ

فعرف لقمان صوته ولم يَرَه، فهتف به‏:‏

يا هانئ، يا هانئ، فقال‏:‏ ما بالُكَ‏؟‏ فقال‏:‏

يَا ذَا البِجَادِ الحلكة * والزَّوْجَةِ المُشْتَركَهْ

عِشْ رُوَيْداً أبْلُكَهْ * لَسْتَ لِمَنْ لَيْسَتْ لَكَهْ

فذهبت مثلا، قال هانئ‏:‏ نَوِّرْ نَوِّرْ، لله أبوك، قال لقمان‏:‏ عليَّ التنوير، وعليك التَّغيير، إن كان عندك نكير، كل امرئ في بيته أمير، فذهبت مثلا، ثم قال‏:‏ إني مَرَرْتُ وبي أُوَام فَدُفِعْتُ إلى بيت فإذا أنا بامرأتك تغازل رجلا، فسألتها عنه، فزعَمَتْهُ أخاها، ولو كان أخاها لجلَّى عن نفسه وكفاها الكلام، فقال هانئ‏:‏ وكيف علمت أن المنزل منزلي والمرأة امرأتي‏؟‏ قال‏:‏ عرفت عَقَائِقَ هذه النوق في البناء، وبوهدة الخلية في الفِناء، وسَقْب هذه الناب، وأثَرِ يدك في الأطناب، قال‏:‏ صدقتني فِدَاك أبي وأمي، وكذبتني نفسي، فما الرأي‏؟‏ قال‏:‏ هل لك علم‏؟‏ قال‏:‏ نعم بشأني، قال لقمان‏:‏ كل امرئ بشأنه عليم، فذهبت مثلا، قال له هانئ‏:‏ هل بقيَتْ بعد هذه‏؟‏ قال لقمان‏:‏ نعم، قال‏:‏ وما هو‏؟‏ قال‏:‏ تَحْمِي نفسك، وتحفظ عِرْسَك، قال هانئ‏:‏ أفعل، قال لقمان‏:‏ مَنْ يَفْعلِ الخير يَجِد الخبر، فذهبت مثلا، ثم قال‏:‏ الرأيُ أن تقلب الظهرَ بَطْناً والبَطْنَ ظهراً، حتى يستبين لك الأمر أمراً، قال‏:‏ أفلا أعاجِلُها بِكَيَّةٍ، توردها المنية، فقال لقمان‏:‏ آخر الدَّوَاء الكَيُّ، فأرسلها مثلا، ثم انطلَقَ الرجلُ حتى أتى امرأته فقصَّ عليها القصة، وسل سيفه فلم يزل يضربها به حتى بَرَدَتْ‏.‏

1547- رَأْىُ الشَّيْخِ خَيْرٌ مِنْ مَشْهَدِ الغُلاَمِ‏.‏

قاله علي رضي اللّه تعالى عنه في بعض حُروبه‏.‏

1548- أَرْغُوا لَها حُوَارَهَا تَقِرَّ‏.‏

وأصله أن الناقة إذا سمعت رُغَاء حُوَارها سكنَتْ وهدأت‏.‏

يضرب في إغاثة الملهوف بقضاء حاجته، أي أعْطِهِ حاجَتَه يسكُنْ‏.‏

1549- رَئِمْتُ لَهُ بَوَّضَيْمٍ‏.‏

الْبَوّ‏:‏ جلد الحُوَار المحشوّ تِبْناً‏.‏

وأصله أن الناقة إذا ألقت سَقْطَها فخِيفَ ‏[‏ص 293‏]‏ انقطاعُ لبنها أخذوا جلد حُوَارها فيُحْشى ويلطخ بشيء من سَلاَها فَتَرْأمه وتَدِرُّ عليه، يقال‏:‏ ناقة رائم، ورَؤُم، إذا رَئِمتْ بَوّها أو ولدها، فإن رئِمَته ولم تدرَّ عليه فتلك العَلُوق، وينشد‏:‏

أنَّى جَزَوْا عامراً سَوْءَى بفعلهمُ * أم كيف يَجْزُونَنِي السَّوْءَى منَ الحسَنِ

أمْ كَيْفَ يَنْفَعُ ما تُعْطِي العَلُوقُ به * رِئْمَانُ أنْفٍ إذا ما ضُنَّ باللَّبَنِ

وأنشد المبرد‏:‏

رَئمتُ بَسلْمَى بوّضَيْمٍ، وإنَّنِي * قديماً لآَبى الضَّيْمَ وَابْنُ أبَاةِ

فقد وَقَفَتْنِي بين شَكٍّ وشُبْهَةٍ * وما كُنْتُ وَقَّافاً على الشُّبُهَاتِ

يضرب المثل لمن ألِفَ الضيمَ ورضي بالخَسف طلباً لرضا غيره‏.‏

واللام في ‏"‏له‏"‏ معناه لأجله، واستعار للضيم بوّا ليوافق الرِّثْمَان، يريد قبلت وألِفْتُ هذا الضيمَ لأجله‏.‏

1550- أَرْخَتْ مَشَافِرَهَا لِلْعُسِّ وَالحلَبِ‏.‏

يضرب للرجل يطلب إليك الحاجة فترده، فيعاود، فتقول‏:‏ أرخت مَشَافِرَهَا، أي طَمِعَ فيها‏.‏

1551- رَمَّدَتِ الضَّأْنُ فَرَبِّقْ رَبِّقْ‏.‏

التَّرْميد‏:‏ أن تَعْظُم ضُروعُها، فإذا عظمت لم تَلْبَث الضأن أن تَضَع، ورَبِّقْ‏:‏ أي هيئ الأرباق، وهي جمع رِبْق، والواحدة رِبْقَة، وهو أن يعمد إلى حَبْل فيجعل فيه عُراً يشد فيها رؤوس أولادها‏.‏

يضرب لما لا ينتظر وقوعُه انتظاراً طويلاً‏.‏ وفي ضده يقال‏:‏

1552- رَمَّدَتِ المِعْزَى فَرَنِّقْ رَنِّقْ‏.‏

الترنيق والترميق‏:‏ الانتظار، وإنما يقال هذا لأنها تُبْطئ وإن عُظُمت ضروعها‏.‏

1553- ارْقَ عَلَى ظَلْعِكَ‏.‏

يقال‏:‏ ظَلَع البعيرُ يَظْلَع، إذا غَمَز في مشيته، ومعنى المثل تكلَّفْ ما تطيق، لأن الراقي في سُلَّم أو جَبَل إذا كان ظالعا فإنه يرفق بنفسه، ويقال ‏"‏قِ عَلَى ظَلْعك‏"‏ من وَقَى يَقِي، أي أبْقِ عليه‏.‏

يضرب لمن يتوعَّدُ فيقال له‏:‏ اقصد بذَرْعِك، وَارْقَ على ظَلْعك، أي على قدر ظلعك، أي لا تُجَاوز حَدَّك فِي وعبدك، وأبْصِرْ نَقْصَك وعَجْزَك عنه‏.‏

ويقال ‏"‏أرْقَأْ على ظلعك‏"‏ بالهمز - أي أصلح أمْرِك أولاً، من قولهم ‏"‏رَقَأتُ ما بينهم‏"‏ أي أصلحت، ويقال‏:‏ معناه كُفَّ ‏[‏ص 294‏]‏ واربع وأمسك، من ‏"‏رَقَأ الدمعُ يَرْقَأ‏"‏ قال الكسائي‏:‏ معنى ذلك كله اسكت على ما فيك من العيب، قال المرار الأسدي‏:‏

مَنْ كان يَرْقَى على ظَلْع يُدَارِئه * فإنَّنِي نَاطِقٌ بالحقِّ مُفْتَخِرُ

1554- رُبَّ صَلَفٍ تَحْتَ الرَّاعِدَةِ‏.‏

الصَّلَف‏:‏ قلة النزل والخير، والراعدة‏:‏ السحابة ذاتُ الرعد‏.‏

يضرب للبخيل مع الوُجْدِ والسَّعَة، كذلك قاله أبو عبيد‏.‏

1555- رُبَّ عَجَلَةٍ تَهَبُ رَيْثاً‏.‏

ويروى ‏"‏تَهُبُّ رَيْثاً‏"‏ قاله أبو زيد، ورَيْثاً‏:‏ نصبٌ على الحال في هذه الرواية، أي تهبُّ رائثةً، فأقيم المصدر مقام الحال، وفي الرواية الأولى نصب على المفعول به‏.‏

وأول من قال ذلك - فيما يحكي المفضل - مالكُ بن عوف بن أبي عمرو بن عوف بن مُحَلِّم الشَّيْباني، وكان سنان بن مالك بن أبي عمرو ابن عوف بن ملحم شَامَ غَيْماً، فأراد أن يرحل بامرأته خماعة بنت عوف بن أبي عمرو، فقال له مالك‏:‏ أين تظعن يا أخي‏؟‏ قال‏:‏ أطلب موقع هذه السحابة، قال‏:‏ لا تفعل فإنه ربما خَيَّلَتْ وليس فيها قَطْر، وأنا أخاف عليك بعضَ مقانب العرب، قال‏:‏ لكني لست أخاف ذلك، فمضى، وَعَرَضَ له مروان القرظ بن زِنْبَاع بن حُذَيفة العَبْسي فأعجله عنها وانطلق بها وجعلها بين بناته وأخواته ولم يكشف لها سِتْراً، فقال مالك ابن عوف لسنان‏:‏ ما فعلَتْ أختي‏؟‏ قال‏:‏ نفتني عنها الرماح، فقال مالك‏:‏ رُبَّ عجلة تهبُ رَيْثاً، ورب فَرُوقَة يُدْعَى لَيْثاً، ورب غَيْثٍ لم يكن غَيْثاً، فأرسلها مثلا‏.‏

يضرب للرجل يشتدُّ حرصه على حاجة ويخرق فيها حتى تذهب كلها‏.‏

1556- أَرِينِهَا نَمرَةً أُرِكْهَا مَطِرَةً‏.‏

الهاء في ‏"‏أرنيها‏"‏ راجعة إلى السحابة‏:‏ أي إذا رأيت دليلَ الشيء علمتَ ما يتبعه، يقال‏:‏ سحاب نَمِر وأنمر، إذا كان على لون النمر، وقوله ‏"‏مطرة‏"‏ يجوز أن يكون للازدواج، ويجوز أن يقال‏:‏ سحاب مَاطِر ومَطِر، كما يقال‏:‏ هاطل وهَطِل‏.‏

1557- رَأَى الكَوْكَبَ ظُهْراً‏.‏

أي أَظْلَم عليه يومُه حتى أبصر النجم نهاراً، كما قال طَرَفَة‏:‏

إِنْ تُنَوِّلْهُ فَقَدْ تَمْنَعُهُ * وَتُرِيهِ النَّجْمَ يَجْرِي بالظُّهُرْ

يضرب عند اشتداد الأمر‏.‏ ‏[‏ص 295‏]‏

1558- رَجَعْتُ أَدْرَاجِي‏.‏

أي في أَدْرَاجِي، فحذف ‏"‏في‏"‏ وأوصل الفعل، يعني رجَعْتُ عَوْدِي على بَدْئي، وكذلك رَجَعَ أَدْرَاجَه، أي طريقَه الذي جاء منه، قال الراعي‏:‏

لما دَعَا الدَّعْوَةَ الأولى فأسْمَعَنِي * أَخَذْتُ ثَوْبِيَ فَاسْتَمْرَرْتُ أَدْرَاجِي

ولقب عامر بن مجنون الجرمي جَرْمِ زبان ‏"‏مُدَرِّج الريح‏"‏ ببيته‏:‏

أعَرَفْتَ رَسْماً من سُمَيَّةَ باللوى * دَرَجَتْ عليه الريحُ بَعْدَكَ فَاسْتَوَى

يقال‏:‏ إنه قال ‏"‏أعرفت رسماً من سمية باللوى‏"‏ ثم أُرْتِجَ عليه سنةً، ثم أرسل خادما له إلى منزل كان ينزله قد خَبَأ فيه خبيئة، فلما أتته قال لها‏:‏ كيف وجدت أثر منزلنا‏؟‏ قالت‏:‏ دَرَجَت عليه الريحُ بعدك فاستوى، فأتمَّ البيت بقولها، ولقب ‏"‏مدرج الريح‏"‏‏.‏

1559- أَرْقُبُ لَكَ صُبْحاً‏.‏

يقوله الرجلُ لمن يتوعَّده، فيقول‏:‏ ستصبح فَتَرَى أنك لا تقدر على ما تتوعدني به، ويقال أيضاً للرجل يحدثك بحديث فتكذبه، فتقول‏:‏ أرقُبُ لك صبحاً، أي سيظهر كذبُكَ‏.‏

1560- رَضِيتُ مِنَ الغَنِيمَةِ بالإيَابِ‏.‏

أول من قاله امرؤ القيس بن حُجْر في بيتٍ له، وهو‏:‏

وقد طَوَّفْتُ في الآفاق حَتَّي * رضيتُ من الغَنِيمَةِ بالإيابِ

يضرب عند القناعة بالسلامة‏.‏

1561- أَرْخِ يَدَيْكَ وَاسْتَرْخِ، إِنَّ الزِّنَادَ مِنْ مَرْخ‏.‏

يضرب للرجل يطلب الحاجة إلى كريم فيقال له‏:‏ لا تتشدَّدْ في طلب حاجتك، فإن صاحبك كريم، والمَرْخُ يكتفي باليسير من القَدْح‏.‏

1562- رَجَعَ بأَفْوَقَ نَاصِلٍ‏.‏

الناصل‏:‏ السهمُ سقَط نصلُه، والأفْوَقُ‏:‏ الذي انكسر فُوقه‏.‏

يضرب لمن رَجَع عن مقصده بالخيبة، أو ربما لا غَنَاء عنده‏.‏

1563- رَمَوْهُ عَنْ شِرْيَانَةٍ‏.‏

الشِّرْيَان‏:‏ شجَر يتخذ منه القِسِىُّ، أي اجتمعوا عليه ورَمَوْه عن قوسٍ واحدة‏.‏

1564- رَمَاهُ بِنَبْلِهِ الصَّائِبِ‏.‏

إذا أجاب كلامَ خصمه بكلام جيد، قال لبيد‏:‏ ‏[‏ص 296‏]‏

فرمَيْتُ القَوْمَ نَبْلاً صائباً * لَيْسَ بالعصل ولا بالمفتعل

1565- ارْجِعْ إِنْ شِئْتَ في فُوقِى‏.‏

أي عُدْ إلى ما كنت وكُنَّا من التواصل والمؤاخاة، قال الشاعر‏:‏

هل أنتِ قائلة خَيْراً، وتارِكَةٌ * شرا، وراجِعَةٌ إن شِئْتِ في فُوقِى‏؟‏

1566- رَكِبَ المُغَمِّضَةَ‏.‏

أصلها الناقة ذِيدَتْ عن الحَوْضِ، فغمضت عينيها، فحَمَلت على الذائد، فوردت الحوض مغمضة، قال أبو النجم‏:‏

يرسلها التغميض إنْ لم تُرْسَلِ*

وقال بعضهم‏:‏ إياك ومغمضات الأمور، يعني الأمور المشكلة، قال الكميت‏:‏

تحت المغمضة العَمَا * سُ ومُلْتَقَى الأسَلِ النَّوَاهِلْ

يضرب لمن ركب الأمر على غير بيان‏.‏

وتقدير المثل‏:‏ ركب الخطَّةَ المغمضة، أي الخطة التي يغمض فيها، ويجوز أن يقال‏:‏ أراد رَكِبَ ركوبَ المغمضة، أي ركب رأسَه ركوبَ الناقة المغمضة رأسها‏.‏

1567- أَرِطِّى إِنَّ خَيْرَكِ بالرَّطِيطِ‏.‏

أرَطَّ‏:‏ أي جلب وصاح، والرطيط‏:‏ الجلبة والصياح، يريد جبلي وصيحي، فإن خيرك لا يأتيك إلا بذاك‏.‏

يضرب لمن لا يأتيه خيره إلا بمسألة وكَدٍّ‏.‏

1568- رَجَعَ بِخُفَّيْ حُنَيْنٍ‏.‏ ‏(‏انظر المثل ‏"‏أخيب من حنين‏"‏ رقم 1363‏)‏

قال أبو عبيد‏:‏ أصلُه أن حُنَيناً كان إسكافا من أهل الحِيرة، فساوَمَه أعرابي بخُفَّين، فاختلفا حتى أغْضَبه، فأراد غَيْظَ الأعرابي، فلما ارتَحَلَ الأعرابي أخذ حنينٌ أحدَ خفيه وطَرَحه في الطريق، ثم ألقى الآخر في موضع آخر، فلما مرَّ الأعرابي بأحدهما قال‏:‏ ما أشبه هذا الْخفَّ بخف حنين ولو كان معه الآخر لأخذته، ومضى، فلما انتهى إلى الآخر نَدِمَ على تركه الأولَ، وقد كَمنَ له حنينٌ، فلما مضى الأعرابي في طلب الأول عمد حنينٌ إلى راحلته وما عليها فذهب بها، وأقبل الأعرابي وليس معه إلا الخُفَّانِ، فقال له قومه‏:‏ ماذا جئت به من سفرك‏؟‏ فقال‏:‏ جئتكم بِخُفَّيْ حُنَين، فذهبت مثلاً‏.‏

يضرب عند اليأس من الحاجة والرجوع بالخيبة‏.‏

وقال ابن السكيت‏:‏ حنين كان رجلا شديداً ادَّعَى إلى أسد بن هاشم بن عبد مناف فأتى عبد المطلب وعليه خُفَّانِ أحمرانِ فقال‏:‏ يا عم أنا ابنُ أسد بن هاشم، فقال عبد المطلب‏:‏ ‏[‏ص 297‏]‏ لا وثيابِ ابن هاشم، ما أعرف شمائل هاشم فيك، فارجع، فرجَع، فقالوا‏:‏ رجع حنين بخفيه، فصار مثلا‏.‏

1569- رُبَّ نَعْلٍ شَرُّ مِنَ الْحَفَاءِ‏.‏

قال الكسائي‏:‏ يقال رجُل حَافٍ بين الحُفْوَة والحِفْيَة والحِفَايَةِ والحَفَاء بالمد، وكان الخليل بن أحمد رحمه اللّه تعالى يُسَاير صاحبا له، فانقطع شِسْعُ نعلِهِ، فمشى حافياً، فخلع الخليلُ نعلَه وقال‏:‏ من الْجَفَاء، أن لا أواسيك في الْحَفَاء‏.‏

1570- رُبَّ أَكْلَةٍ تَمْنَعُ أَكْلاَتٍ‏.‏

يضرب في ذم الحرص على الطعام‏.‏

قال المفضل‏:‏ أول من قال ذلك عامر ابن الظَّرِبِ العَدْوَاني، وكان من حديثه أنه كان يدفع بالناس في الحج، فرآه ملك من ملوك غَسَّان، فقال‏:‏ لا أترك هذا العَدْوَاني أو أُذِلَّهُ، فلما رجع الملك إلى منزله أرسل إليه‏:‏ أُحِبُّ أن تزورني فأحْبُوَكَ وأكرمك وأتخذك خِلاًّ، فأتاه قومه فقالوا‏:‏ تَفِدُ ويَفِدُ معك قومُك إليه، فيصيبون في جَنْبك ويَتَجَيَّهُونَ بجاهك، فخرج وأخرج معه نَفَراً من قومه، فلما قدم بلادَ الملك أكرمه وأكرم قومه، ثم انكشف له رأيُ الملك فجَمَع أصحابه وقال‏:‏ الرأيُ نائم والهوى يَقْظَان، ومن أجل ذلك يغلبُ الهوى الرأيَ، عَجِلْتُ حين عجلتم، ولن أعود بعدها، إنا قد تَوَرَّدْنَا بلاد هذا الملك، فلا تسبقوني برَيْثِ أمرٍ أقيم عليه ولا بعَجَلَةِ رأي أخفُّ معه، فإن رأيي لكم، فقال قومه له‏:‏ قد أكرمَنَا كما ترى، وبعد هذا ما هو خير منه، قال‏:‏ لا تَعْجَلوا فإن لكل عام طعاما، ورب أَكْلَةٍ تمنَعُ أكلات، فمكثوا أياماً، ثم أرسل إليه الملك فتحدَّثَ عنده ثم قال له الملك‏:‏ قد رأيتُ أن أجعلك الناظِرَ في أموري، فقال له‏:‏ إنَّ لي كَنْزَ علمٍ لستُ أعلم إلا به، تركتُه في الحي مدفوناً، وإن قومي أَضِنَّاء بي، فاكتب لي سِجِلاًّ بجباية الطريق، فيرى قومي طَمَعاً تطيبُ به أنفسُهم فأستخرج كنزي وأرجع إليك وافراً، فكتب له بما سأل، وجاء إلى أصحابه فقال‏:‏ ارْتَحِلُوا، حتى إذا أدبروا قالوا‏:‏ لم يُرَ كاليوم وافدُ قومٍ أقل ولا أبعد من نَوَالٍ منك، فقال‏:‏ مهلا، قليس على الرزق فَوْت، وغَنِمَ من نجا من الموت، ومَنْ لا يُر باطنا يَعِش واهنا، فلما قدم على قومه أقام فلم يَعُدْ‏.‏

1571- رَبَضُكَ مِنْكَ وَإِنْ كانَ سَمَاراً‏.‏

يقال لقوت الإنسان الذي يقيمه ويعتمده ‏[‏ص 298‏]‏ من اللبن‏:‏ رَبَضٌ، والسَّمَار‏:‏ اللبن المَمْذُوق، يقول‏:‏ منك أهلُكَ وخَدَمْك ومن تأوِي إليه وإن كانوا مُقَصِّرِين، وهذا كقولهم‏:‏ ‏"‏أَنْفُكَ منك وإن كان أَجْدَعَ‏"‏‏.‏

1572- رُبَّ مُكْثِرٍ مُسْتَقِلٌّ لما في يَدَيْهٍ‏.‏

يضرب للرجل الشحيح الشَّرِه الذي لا يقنع بما أعطى‏.‏

1573- أرِنِي غَيًّا أزِدْ فِيهِ‏.‏

يضرب للرجل يتعرَّضُ للشر ويُوقِع نفسه فيه‏.‏

1574- رَأيْتُهُ بأَخِي الْخَيْرِ‏.‏

أي رأيته بشر، ورأيته بأخي الشر، أي رأيته بخير‏.‏

1575- رُبَّ سَامِعِ عِذْرَتِي لَم يَسْمَعْ قِفْوَتِي‏.‏

العِذْرَة‏:‏ المعذرة، والقِفْوَة‏:‏ الذنب، يقال‏:‏ قَفَوْتُ الرجلَ، إذا قَذَفْتَه بفُجُور صريحاً، وفي الحديث ‏"‏لا حَدَّ إلا في القَفْو البين‏"‏ والاسم‏:‏ القِفْوَة‏.‏

والمثلُ يقوله الرجل يعتذر من أمر شتم به إلى الناس، ولو سكت لم يعلم به‏.‏

ويروى ‏"‏رب سامع قِفْوَتِي، ولم يسمع عِذْرَتِي‏"‏ قال الأصمعي‏:‏ معناه سمع ما أكره من أمري ولم يسمع ما يغسله عني‏.‏

1576- رُهْبَاكَ خَيْرٌ مِنْ رُغْبَاكَ‏.‏

ويروى ‏"‏رَهْبَاكَ خَيْرٌ من رَغْبَاك‏"‏ والضم أجود من الفتح، لأنه إذا فتح مد، يقال‏:‏ الرُّغْبَى والرَّغْبَاء والنُّعْمَى والنَّعْمَاء، والبُؤْسَى والبَأْساء، اللّهم إلا أن يقال‏:‏ أرادوا المد فقصروا، وكلاهما مصدر أضيف إلى المفعول، يقول‏:‏ فَرَقُه منك خيرٌ لك من حُبِّه لك، وقيل‏:‏ لأن تُعْطَى على الرَّهْبَة منك خيرٌ من أن ترغب إليهم، ومثل هذا قولهم ‏"‏رَهَبُوتٌ خيرٌ من رَحَمُوت‏"‏ وقد مر قبل ذلك‏.‏

1577- رَآهُ الصَّادِرُ وَالْوَارِدُ‏.‏

يضرب لكل أمرٍ مشهورٍ يعرفه كل أحد‏.‏

1578- اسْتَرَاحَ مَنْ لاَ عَقْلَ لَهُ‏.‏

يقال‏:‏ إن أول مَنْ قال ذلك عمرو بن العاص لابنه، قال‏:‏ يا بني، والٍ عادلٌ خير من مطر وابل، وأسد حَطومٌ خير من والٍ ظلوم، ووالٍ ظلومٌ خير من فتنة تدوم‏.‏ يا بني عَثْرَة الرِّجْلِ عَظْم يُجْبَرُ، وعثرة اللسان لا تُبْقِي ولا تَذَر، وقد استراح من لا عقل له‏.‏ قال الراعي‏:‏ ‏[‏ص 299‏]‏

أَلِفَ الهمومُ وِسَادَهُ وَتَجَنَّبَتُ * كَسْلاَنَ يُصْبِحُ في المَنَامِ ثَقِيلاَ

وقال بعض المتأخرين‏:‏ مستراح من لا عقل له‏.‏

1579- رُبَّ لاَئِمٍ مُلِيمٌ‏.‏

أي أن الذي يلوم الممسك هو الذي قد ألام في فعله، لا الحافظ له، قاله أكْثَمُ بن صَيْفي‏.‏

1580- رُبَّ سَامِعٍ بِخَبَرِي لم يَسْمَعْ عُذْرِي‏.‏

يقول‏:‏ لا أستطيع أن أعلنه، لأن في الإعلان أمراً أكرهه، ولست أقدر أن أوسع الناس عُذراً، والباء في ‏"‏بخبري‏"‏ زائدة‏.‏

1581- رُبَّ رَمْيَةٍ مِنْ غَيْرِ رَامٍ‏.‏

أي‏:‏ رُبَّ رميةٍ مصيبة حَصَلت من رام مخطئ، لا أن تكون رمية من غير رام، فإن هذا لا يكون قط‏.‏

وأول من قال ذلك الْحَكَم بن عَبْد يَغُوث المنقري، وكان أرمى أهلِ زمانه، وآلى يمينا ليذبَحَنَّ على الغَبْغَبِ مَهَاة، ويروى ليدجنَّ، فحمل قوسَه وكِنانته، فلم يصنع يومه ذلك شيئاً، فرجع كئيباً حزيناً، وبات ليلته على ذلك، ثم خرج إلى قومه فقال‏:‏ ما أنتم صانعون فإني قاتلُ نفسي أسفاً إن لم أذبحها اليوم‏؟‏ ويروى أدجها، فقال له الحُصَيْن بن عبد يَغُوث أخوه‏:‏ يا أخي دج مكانها عَشْراً من الإبل ولا تقتل نفسك، قال‏:‏ لا واللاتِ والعُزَّى لا أظلم عاترة، وأترك النافرة، فقال ابنه المُطْعِمُ بن الحكم‏:‏ يا أبة احملني معك أرْفِدْكَ، فقال له أبوه‏:‏ وما أحمل من رعش وَهِلْ، جَبَان فشل، فضحك الغلام وقال‏:‏ إن لم تر أوْدَاجَها تخالط أمشاجها فاجعلني وداجها، فانطلقا، فإذا هما بمَهَاة فرماها الحكمُ فأخطأها، ثم مرت به أُخرى فرماها فأخطأها، فقال‏:‏ يا أبة أعْطِنِي القوسَ، فأعطاه فرماها فلم يخطئها، فقال أبوه‏:‏ رُبَّ رميةٍ من غير رَامٍ‏.‏

1582- رَكِبَ جَنَاحَيْ نَعَامَةٍ‏.‏

يضرب لمن جَدَّ في أمرٍ إما انهزامٍ وإما غير ذلك‏.‏

1583- رُبَّ ساعٍ لِقاعِدٍ‏.‏

ويروى معه ‏"‏وآكِلٍ غير حامد‏"‏ يقال‏:‏ إن أول من قاله النابغة الذبياني، وكان وفَدَ إلى النعمان بن المنذر وفودٌ من العرب فيهم رجل من بني عَبْس يقال له شقيق، فمات عنده، فلما حبا النعمانُ الوفودَ بعث إلى أهل شقيق بمثل حِباء الوَفْد، ‏[‏ص 300‏]‏ فقال النابغة حين بلغهُ ذلك‏:‏ ربَّ ساعٍ لقاعد، وقال للنعمان‏:‏

أبقيْتَ للعَبْسِيِّ فَضْلاً ونعْمَةً * ومَحْمَدَةً من باقيات المَحَامِدِ

حباء شقيق فَوْقَ أعْظُمِ قَبْرِهِ * وكان يُحْبَى قبلَه قبرُ وافِدِ

أتى أهْلَهُ منه حِبَاءٌ ونعمة * ورُبَّ امرئ يَسْعَى لآخَرَ قَاعِدِ

ويروى ‏"‏لسْلَمِى أمَّ خالد، رب ساع لقاعد‏"‏ قالوا‏:‏ إن أول مَنْ قال ذلك معاوية ابن أبي سفيان، وذلك أنه لما أخَذَ من الناس البيعةَ ليزيد ابنهِ قال له‏:‏ يا بني، قد صيرتك وليَّ عهدي بعدي، وأعطيتك ما تمنيت، فهل بقيَتْ لك حاجة أو في نفسك أمر تحب أن أفعله‏؟‏ قال يزيد‏:‏ يا أمير المؤمنين، ما بقيَتْ لي حاجة ولا في نفسي غُصَّة ولا أمرٌ أحبُّ أن أناله إلا أمر واحد، قال‏:‏ وما ذاك يا بني‏؟‏ قال‏:‏ كنت أحِبُّ أن أتزوج أم خالد امرأةَ عبد اللّه بن عامر بن كريز، فهي غايتي ومُنْيَتي من الدنيا، فكتب معاوية إلى عبد اللّه بن عامر فاستقدمه، فلما قدم عليه أكرمه وأنزله أياماً، ثم خلا به فأخبره بحال يزيد ومكانه منه وإيثاره هَوَاه‏.‏ وسأله طلاقَ أم خالد على أن يطعمه فارسَ خمسَ سنين، فأجابه إلى ذلك، وكتب عهده، وخَلَّى عبدُ اللّه سبيلَ أم خالد، فكتب معاوية إلى الوليد ابن عُتْبَة وهو عامل المدينة أن يعلم أم خالد أن عبد اللّه قد طَلَّقها لتعتدَّ، فلما انقضَتْ عدتُها دعا معاويةُ أبا هريرة فدفع إليه ستين ألفاً، وقال له‏:‏ ارْحَلْ إلى المدينة حتى تأتيَ أمَّ خالد فتخطبها على يزيد، وتعلمها أنه وليُّ عهد المسلمين، وأنه سَخِيٌّ كريم، وأن مهرها عشرون ألف دينار، وكرامتها عشرون ألف دينار، وهديتها عشرون ألف دينار، فقدم أبو هريرة المدينةَ ليلا، فلما أصبح أتى قبرَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلقيه الحسنُ بن علي، فسلم عليه وسأله‏:‏ مَتَى قدمت‏؟‏ قال‏:‏ قدمتُ البارحةَ، قال‏:‏ وما أقْدَمَك‏؟‏ فقصَّ عليه القصة، فقال له الحسن‏:‏ فاذْكُرْنِي لها، قال‏:‏ نعم، ثم مضى، فلقيه الحسينُ بن علي وعبيدُ اللّه بن العباس رضي اللّه تعالى عنهم، فسألاه عن مَقْدَمه فقصَّ عليهما القصة، فقالا له‏:‏ اذكرنا لها، قال‏:‏ نعم، ثم مضى فلقيه عبدُ اللّه بن جعفر بن أبي طالب وعبدُ اللّه ابن الزبير وعبد اللّه بن مُطيع بن الأسود، فسألوه عن مَقْدَمه فقصَّ عليهم القصة، فقالوا‏:‏ اذكرنا لها، قال‏:‏ نعم، ثم أقبل حتى دخل عليها، فكلَّمها بما أمر به معاويةُ، ثم قال ‏[‏ص 301‏]‏ لها‏:‏ إن الحسَنَ والحسين ابني علي وعبدَ اللّه ابن جعفر وعبيدَ اللّه بن العباس وابنَ الزبير وابنَ مطيع سألوني أن أذكرهم لك، قال‏:‏ أما هَمِّي فالخروج إلى بيت اللّه والمجاورة له حتى أموت أو تشير علي بغير ذلك، قال أبو هريرة‏:‏ أمّا أنا فلا أختار لك هذا، قالت‏:‏ فاختر لي، قال‏:‏ اختاري لنفسك، قالت‏:‏ لا، بل اخْتَرْ أنت لي، قال لها‏:‏ أما أنا فقد اخْتَرْتُ لك سيدَيْ شبابِ أهل الجنة، فقالت‏:‏ قد رضيتُ بالحسن بن علي، فخرج إليه أبو هريرة فأخبر الحسنَ بذلك وزوَّجَها منه، وانصرف إلى معاوية بالمال، وقد كان بلغ معاوية قصته، فلما دخل عليه قال له‏:‏ إنما بَعَثْتُك خاطباً ولم أبعثك محتسباً، قال أبو هريرة‏:‏ إنها استشارتني والمستشار مؤتمن، فقال معاوية عند ذلك‏:‏ اسْلَمِي أم خالد، رب ساع لقاعد، وآكل غير حامد، فذهبت مثلا‏.‏

1584- رضَا النَّاسِ غَايَةٌ لاَ تُدْرَكُ‏.‏

هذا المثل يروى في كلام أكْثَمَ بن صَيْفي‏.‏

1585- الرَّبَاحُ مَعَ السَّمَاحِ‏.‏

الرَّبَاح‏:‏ الرِّبْحُ، يعني أن الجود يُورِثُ الحمدَ ويربح المدح‏.‏

1586- أَرِها أَجَلَى أنَّى شِئْتَ‏.‏

أجلى‏:‏ مَرْعىً معروفٌ، وهذا من كلام حُنَيْفِ الحَنَاتم لما سئل عن أفضل مَرْعىً، وكان من آبَلِ الناس فقال‏:‏ كذا وكذا، فعَدَّ مواضعَ ثم قال بعد هذا‏:‏ أرِهَا - يعني الإبِلَ - أجلَى أنِّي شئت، يعني متى شئت، أي اعْرِضْ عليها، ويروى ‏"‏أرْعِهَا أجلى‏"‏‏.‏

يضرب مثلا للشيء بَلَغَ الغاية في الجودة‏.‏

1587 ارْكَبْ لِكُلِّ حالٍ سِيسَاءهُ‏.‏

السِّيسَاء‏:‏ ظهرُ الحمار، ومعناه اصبر على كل حال‏.‏

1588- ارْضَ مِنَ المَرْكَبِ بِالتَّعْلِيقِ‏.‏

أي ارْضَ من عظيم الأمور بصغيرها‏.‏ يضرب في القَنَاعة بإدراك بعض الحاجة، والمركب‏:‏ يجوز أن يكون بمعنى الركوب أي ارْضَ بدَلَ ركوبك بتعليق أمتعتك عليه، ويجوز أن يراد به المركوب، أي ارْضَ منه بأن تتعلق به في عُقْبتك ونَوْبتك‏.‏

1589- أَرِقْ عَلَى خَمْرِكَ أَوْ تَبَيَّنْ‏.‏

أي رَقِّقْهَا بالماء لئلا تذهب بعقلك، أو تَبَيَّنْ فانْظُرْ ما تصنع‏.‏

1590- رُبَّ مُخْطِئَةٍ مِنَ الرَّامي الذَّعَّافِ‏.‏

أي رب رَمْيَة مخطئة من الرامي القاتل من قولهم ‏"‏ذَعَفَه‏"‏ إذا سقاه الذعَاف، وهو ‏[‏ص 302‏]‏ السم القاتل، وهذا قريب من قولهم ‏"‏قَدْ يَعْثُرُ الجَوَاد‏"‏‏.‏

1591- رُبَّ شَدٍّ فِي الكُرْزِ‏.‏

يقال‏:‏ إن فارساً طَلَبه عَدُوٌّ وهو على عقوق، فألقت سليلها وعَدَا السليلُ مع أمه، فنزل الفارس وحمله في الجوالق، فرهَقَه العدو وقال له‏:‏ ألْقِ إليَّ الفَلُوَّ، وقال هذا القول، يعني أنه ابن منجبين‏.‏

يضرب لمن يُحْمَدُ مَخْبره‏.‏

1592- رُبَّ حَثِيثٍ مَكِيثٌ‏.‏

يقال‏:‏ مَكَثَ فهو ماكِث ومَكِيث‏.‏ يضرب لمن أراد العَجَلة فحَصَل على البطء‏.‏

1593- رِجْلاَ مُسْتَعِيرٍ أَسْرَعُ مِنْ رِجْلَىْ مُؤَدٍّ‏.‏

يضرب لمن يُسْرِع في الاستعارة ويبطئ في الردِّ‏.‏

1594- رُبَّ شانِئَةٍ أَحْفَى مِنْ أُمٍّ ‏.‏

يعني أنها تُعْنَى بطلب عيوبك فعِنَايتها أشَدُّ من عناية الأم، لأن الأم تُخْفِي عَيْبَكَ فتبقى عليه، وهي تظهره فتتهذب بسببها‏.‏

1595- رُبَّ أَخٍ لَكَ لَمْ تَلِدْهُ أُمُّكَ‏.‏

يعني به الصديق، فإنه ربما أرْبى في الشفقة على الأخ من الأب والأم‏.‏

1596- رُبَّ رَيْثٍ يُعْقِبُ فَوْتاً‏.‏

هذا مثل قولهم ‏"‏في التأخير آفات‏"‏ أي ربما أخِّرَ أمرٌ فيفوت‏.‏

1597- رُبَّ طَلَبٍ جَرَّ إِلَى حَرَبٍ‏.‏

أي ربما طلب المرءُ ما فيه هلاكُ مالِهِ، ومثلُه‏:‏

1598- رُبَّ أُمْنِيَّةٍ، جَلَبَتْ مَنِيَّة‏.‏

ويروى ‏"‏نَتَجَتْ منيةً‏"‏ ومثلهما‏:‏

1599- رُبَّ طَمَعٍ أَدْنَى إِلىَ عَطَبِ‏.‏

وقريب مما تقدم قولهم‏:‏

1600- رُبَّ نَارِكَيٍّ خِيلَتْ نَارَ شَيٍّ‏.‏

وقال‏:‏

لاتَتْبَعَنْ كُلَّ دُخَانٍ تَرَى * فالنَّارُ قَدْ تُوقَدُ لِلْكَيَّ

1601- رُبَّمَا كانَ السُّكُوتُ جَوَاباً‏.‏

هذا كقولهم ‏"‏تَرءكُ الجواب جَوَابٌ‏"‏ قال أبو عبيد‏:‏ يقال ذلك للرجل الذي يجلُّ خَطَره عن أن يكلم بشيء، فيجاب بترك الجواب‏.‏

1602- رُبَّمَا أَعْلَمُ فأَذَرُ‏.‏

أي ربما أعلم الشيء فأذره، لما أعرف من سوء عاقبته‏.‏ ‏[‏ص 303‏]‏

1603- رَأَى الكَوَاكِبَ مُظْهِراً‏.‏

يقال ‏"‏أظْهَرَ‏"‏ إذا دخَلَ في وقت الظهيرة‏.‏ يضرب لمن دُهِىَ فأظلم عليه يومُه‏.‏

1604- رَضِيَ مِنَ الوَفَاءِ بِاللَّفَاءِ‏.‏

الوَفَاء‏:‏ التوفية، يقال‏:‏ وَفَّيْتُه حقَّه تَوْفِية ووَفَاء، واللَّفاء‏:‏ الشيء الحقير، يقال‏:‏ لَفَّاه حَقَّه إذا بَخَسه، فاللَّفَاء والوفاء مصدران ‏(‏يعني أنهما يدلان على معنى المصدر، وإن كان كل منهما - عند النحاة - اسم مصدر كالكلام والسلام والبيان، بمعنى التكليم والتسليم والتبيين‏)‏ يقومان مقام التوفية والتلفية‏.‏

يضرب لمن رضي بالتافه الذي لا قَدْرَ له دون التام الوافر‏.‏

1605- أَرْسِلْ حَكِيماً وأَوْصِهِ‏.‏

أي أنه وإن كان حكيما فإنه يحتاج إلى معرفة غرضِكَ‏.‏ وبضده يقال‏:‏

1606- أرْسِلْ حَكِيماً ولاَ تُوصِهِ‏.‏

أي هو مستغنٍ بحكمته عن الوصية‏.‏

قالوا‏:‏ إن هذين المثلين للقمان الحكيم، قالهما لابنه‏.‏

1607- الرَّشْفُ أنْقَعُ‏.‏

أي أذْهَبُ وأقْطَعُ للعطش‏.‏ والرَّشْفُ‏:‏ التأني في الشرب‏.‏ يضرب في ترك العَجَلة‏.‏

1608- الرُّغْبُ شُؤْمٌ‏.‏

يعني أن الشَّرَه يعود بالبلاء، يقال‏:‏ رَغِب رَغباً فهو رَغِيبٌ، والرغيب أيضاً‏:‏ الواسعُ الجوفِ، وأكثر ما يستعمل في ذم كثرة الأكل والحرصِ عليه‏.‏

1609- الرَّفِيقَ قَبْلَ الطَّرِيق‏.‏

أي حَصِّلِ الرفيق أولا واخْبُرْهُ، فربما لم يكن موافقا ولا تتمكن من الاستبدال به‏.‏

1610- الرَّاويِةُ أحَدُ الشَّاتِمَيْنِ‏.‏

هذا مثل قولهم ‏"‏سَبَّكَ مَنْ بَلَّغَكَ‏"‏

1611- رَكِبْتُ هَجَاجِي فَرَكِبَ هَجَاجَهُ‏.‏

يقال‏:‏ ركبَ فلانٌ هَجَاجَ غير مُجْرىً ‏(‏غير مجرى‏:‏ معناه غير منون‏)‏ وهَجَاجِ مثلَ قَطَامِ، إذا ركبَ رأسَه‏.‏

يضرب للرجلين إذا تَدَارَيَا، أي ركبتُ باطلي فركْب باطلَه‏.‏

1612- ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ أرْعَاظُ النَّبْلِ‏.‏

يضرب لمن طلب شيئاً فلم يصل إليه‏.‏ ‏[‏ص 304‏]‏

1613- رُبَّ فَرَسٍ دُونَ السَّابِقَةِ‏.‏

يضرب عند الترضية بالقَنَاعة بما دون المنى‏.‏

1614- رَكِبَتْ عَنْزُ بِحِدْجٍ جَمَلاَ‏.‏

عَنْز‏:‏ امرأة من طَسْم سُبِيَتْ فحملت في هَوْدج، يهزؤن بها، والتقدير‏:‏ ركبت عنز جملا مع حِدْج، أو جملا سائرا بحدج، وقد ذكرت الكلام فيه في باب الشين عند قوله ‏"‏شر يوميها وأغْوَاهُ لها‏"‏‏.‏

1615- أرْخِ عِنَاجَهُ يُدَالِكَ‏.‏

العِناج‏:‏ العَنْجُ، وهو أن تثني بالزمام، والمُدَالاَةُ‏:‏ المُدَاراة والرفق، أي ارْفُقْ به يتابعك، وذلك أن الرجل إذا ركب البعيرَ الصَّعْبَ وعَنَجَه بالزمام لم يتابعه، ويجوز أن يكون ‏"‏يُدَالِكَ‏"‏ من الدَّلْوِ وهو السير الرويد، يقال‏:‏ دَلَوْتُ الناقَةَ، أي سيرتُهَا سيراً رويداً، وقال‏:‏

لا تَقْلُوَاهَا وادْلُوَاهَا دَلْوَا * إِنَّ مَعَ الْيَوْمِ أَخَاهُ غَدْوَا

1616- أرَوَغَاناً يَاثُعَال، وقَدْ عَلِقْتَ بالْحِبَال‏؟‏

ثعالة‏:‏ الثعلب‏.‏

يضرب لمن يُرَاوغ وقد وجَبَ عليه الحق‏.‏

1617- ارْفَعْ بِاسْتِ مُمْجِرٍ ذَاتِ وَلَدٍ‏.‏

الممجر من الشاء‏:‏ التي لا تستطيع أن تَنْهَضَ بولدها من الهُزَال‏.‏

يضرب للرجل العاجز يُضَيَّقُ عليه أمره فلا يستطيع الخروجَ منه فيقال لك أعِنْهُ‏.‏

1618- رَمَاهُ اللّه بِالطُّلاَطِلَةِ وَالْحُمَّى المُمَاطِلَةِ‏.‏

الطُّلاَطلة‏:‏ الداء العُضَال لا دواء له، وقال أبو عمرو‏:‏ هو سقوط اللَّهَاة‏.‏

يضرب هذا لمن دُعِيَ عليه، أي رماه اللّه بالداهية‏.‏

1619- أرَى خَالاً وَلاَ أرَى مَطَرَا‏.‏

الخَالُ‏:‏ السحاب يُرْجى منه المطر‏.‏

يضرب للكثير المالِ لا يُصَاب منه خير‏.‏

1620- رَكُوضٌ فِي كُلِّ عَرُوضٍ‏.‏

العَرُوضُ‏:‏ الناحية‏.‏ يضرب لمن يَمْشي بين القوم بالفَسَاد‏.‏

1621- رَجَعْتَ وخَسْأً وَذَمًّا‏.‏

يضرب لمن يرجع عن مطلوبه خائباً مذموما، ونصب ‏"‏خَسْأ وذما‏"‏ بالواو التي بمعنى مع، أي رجعت مع خسء وذم‏.‏

1622- رُبَّ فَرْحَةٍ تَعُودُ تَرْحَةً‏.‏

يعني أن الرجل يولَدُ له الولدُ فيفرح، ‏[‏ص 305‏]‏ وعسى أن يعود فرحه إلى ترح لجناية يجنيها أو ركوبِ أمرٍ فيه هلاكُه‏.‏

1623- رُبَّ جُوعٍ مَرِيء‏.‏

يضرب في ترك الظلم، أي لا تظلم أحداً فتتخم‏.‏

1624- رَمانِي مِنْ جُولِ الطَّوِىِّ‏.‏

الجُول والجَالُ‏:‏ نواحي البئر مِن داخِلٍ أي رماني بما هو راجع إليه‏.‏

1625- رَكِبَ عُودٌ عُوداً‏.‏

يعنون السهم والقوس‏.‏

1626- رُبَّ كَلِمَةٍ سَلَبَتْ نِعْمَةً‏.‏

يضرب في اغتنام الصَّمْتِ‏.‏

1627- رَتْواً يُحْلَبُ الأبْكَارُ‏.‏

قال الأموي‏:‏ رَتَوْتُ بالدَّلْو، أي مددتُها مدّاً رفيقا، والأبكار جمع بِكر، وهي من الإبل الناقة التي ولدت بطناً واحداً ونصب رَتْواً على المصدر، أي ارفق رفقا يلحق الأتباع‏.‏

1628- رُبَّ مَلُومٍ لاَ ذَنْبَ لَهُ‏.‏

هذا من قول أكْثَمَ بن صَيْفي، يقول‏:‏ قد ظهر للناس منه أمر أنْكَرُوه عليه، وهم لا يعرفون حجته وعذره، فهو يُلاَم عليه، وذكروا أن رجلا في مجلس الأحنف بن قيس قال‏:‏ ليس شيء أبغض إليَّ من التمر والزبد، فقال الأحنف‏:‏ رُبَّ مَلُوم لا ذنب له‏.‏

1629- ارْضَ مِنَ العُشْبِ بِالْخُوصَةِ‏.‏

هذا مثل قولهم ‏"‏ارْضَ من المركب بالتعليق‏"‏‏.‏

والخوصة‏:‏ واحدة الخوص، وهي وَرَق النخل والعرفج، يقال‏:‏ أخْوَصَتِ النخلة، وأخْوَصَ العرفج، إذا تفطر بوَرَق‏.‏

يضرب في القناعة بالقليل من الكثير‏.‏

1630- الرَّيْعُ مِنْ جَوْهَرِ البَذْرِ‏.‏

يقال‏:‏ رَاعَ الطعامُ يَرِيعُ وأرَاعَ يُرِيع، إذا صارت له زيادة في العَجْن والْخَبْز‏.‏

يضرب للفرع الملائم للأصل‏.‏

1631- الرِّفْقُ يُمْنٌ والْخُرْقُ شُؤْمٌ‏.‏

اليمن‏:‏ البركة، والرِّفْقُ‏:‏ الاسمُ من رَفَقَ به يَرْفُق، وهو ضد العُنْف، والذي في المثل من قولهم ‏"‏رَفُقَ الرجلُ فهو رَفِيق‏"‏ وهو ضد الخُرْق من الأخْرَقِ، وفي الحديث ‏"‏ما دَخَلَ الرفقُ شيئاً إلا زانه‏"‏ أراد به ضد العنف‏.‏

يضرب في الأمر بالرفق والنهي عن سوء التدبير‏.‏

1632- الرُّومُ إِذَا لَمْ تُغْزَ غَزَتْ‏.‏

يعني أن العدو إذا لم يقهر رام القهرَ، وفي هذا حَضٌّ على قهر العدو‏.‏ ‏[‏ص 306‏]‏

1633- أُرِيدُ حِبَاءَه وَيُرِيدُ قَتْلِي‏.‏

هذا مَثَل تمثل به أمير المؤمنين عليّ كرم اللّه وجهه حين ضربه ابنُ مُلْجَم لعنه اللّه، وباقي البيت‏:‏ عَذِيرَكَ من خَلِيلِكَ مِنْ مُرَاد*

1634- رُبَّ طَرْفٍ أفْصَحُ مِنْ لِسَانٍ‏.‏

هذا مثل قولهم ‏"‏البغض تُبْدِيه لك العينان‏"‏‏.‏

1635- رُبَّ كَلِمَةٍ تَقُولُ لِصَاحِبِهَا دَعْنِي‏.‏

يضرب في النهي عن الإكثار مخافة الإهجار‏.‏

ذكروا أن نلكا من ملوك حِمْيَر خرج مُتَصَيِّداً معه نديم له كان يُقَرِّبه ويكرمه، فأشرف على صخرة مَلْساء ووقَف عليها، فقال له النديم‏:‏ لو أن إنسانا ذُبِحَ على هذه الصخرة إلى أين يبلغ دمه‏؟‏ فقال الملك‏:‏ اذبحوه عليها ليرى دمه أين يبلغ، فذبح عليها، فقال الملك‏:‏ رُبَّ كلمة تقول لصاحبها دعني‏.‏

1636- رُبَّ ممْلُولٍ لاَ يُسْتَطَاعُ فِرَاقُهُ‏.‏

1637- رُبَّ رَأْسٍ حَصِيدُ لِسَانٍ‏.‏

الْحَصِيد بمعنى المحصود‏.‏

يضرب عند الأمر بالسكوت‏.‏

1638- رُبَّ ابْنِ عَمٍّ لَيْسَ بابْنِ عَمٍّ‏.‏

هذا يحتمل معنيين‏:‏ أحدهما أن يكون شكاية من الأقارب، أي رب ابن عم لا ينصرك ولا ينفعك، فيكون كأنه ليس بابنِ عم، والثاني أن يريد رُبَّ إنسان من الأجانب يهتم بشأنك ويستحي من خذلانك فهو ابن عم مَعنىً وإن يكن ابن عم نسباً، ومثله في احتمال المعنيين قولهم‏:‏ ‏"‏رُبَّ أخٍ لك لم تلده أمك‏"‏‏.‏

1639- رَزَمَةً وَلاَ دِرَّةً‏.‏

الرَّزَمَةُ‏:‏ حَنينُ الناقة، والدِّرَّة‏:‏ كثرة اللبن وسيلانه‏.‏ يضرب لمن يعد ولا يفي‏.‏

1640- رُدَّ الْحَجَرَ مِنْ حَيْثُ جاءَكَ‏.‏

أي لا تَقْبل الضَّيْمَ وارْمِ مَنْ رَمَاك‏.‏

1641- رَكَضَ ما وَجَدَ مَيْدَاناً‏.‏

أي رَكَضَ مدة وجدانه المَرْكَضَ‏.‏ يضرب لمن تعدَّى حدَّ القَصْد‏.‏

1642- رُبَّ طَمَعٍ يَهْدِى إِلَى طَبَعٍ‏.‏

الطبع‏:‏ الدَّنَسُ، قال الشاعر‏:‏

لا خَيْرَ في طَمَع يَهْدِي إلى طَبَعٍ * وَغُفَّةٌ مِنْ قِوَامِ العَيْشِ تَكْفِينِي ‏[‏ص 307‏]‏

1643- رَبَاعِي الإبِلِ لاَ يَرْتَاع مِنَ الْجَرَسِ‏.‏

هذا مثل تبتذله العامة، والرباعي‏:‏ الذي ألقى رَبَاعِيَتَه من الإبل وغيرها، وهي السن التي بين الثَّنِيَّة والناب، يقال‏:‏ رَبَاع مثل ثمَان، والأنثى رَبَاعِية، قال العجاج يصف حماراً وحشياً‏:‏

رَبَاعِياً مُرْتَبِعاً أوْ شوقباً*

ويطلق على الغنم في السنة الرابعة، وعلى البقر والحافر في الخامسة، وعلى الخف في السابعة‏.‏

يضرب لمن لقى الخطوبَ، ومارَسَ الحوادثَ‏.‏

1644- رُبَّمَا أصَابَ الأَعْمَى رُشْدَهُ‏.‏

أي ربما صادف الشيء وَفْقَه من غير طلب منه وقصد، وكثيراً ما يقولون ‏"‏بما أصاب الأعمى رشده‏"‏ مكان ‏"‏ربما‏"‏ قال حسان‏:‏

إنْ يكُنْ غَثَّ من رَقَاشِ حَدِيثٌ * فَبِمَا تأكُلُ الحدِيثَ السَّمِينَا

قالوا‏:‏ أراد ربما، قلت‏:‏ يجوز أن تكون الباء في قوله‏:‏ ‏"‏فبما تأكل‏"‏ باء البدل كما يقال‏:‏ هذا بذاك، أي بدله، يقول‏:‏ إن غثَّ حديثها الآن فببدل ما كنت تسمع السمين من حديثها قبل هذا، ومثله قول ابن أخت تأبط شراً يرثي خاله‏:‏

فلئن فَلَّتْ هُذَيلٌ شَبَاه * لَبِمَا كان هُذَيْلاً يفلُّ

وُبمَا يتركهم في مناخ * جعجع ينقب فيه الأظَل‏.‏

1645- أُرَيْنب مُقْرَنْفِطَهْ، عَلَى سَوَاءِ عُرْفُطَهْ‏.‏

أُرَيْنب‏:‏ تصغير أرنب، وهي تؤنث، والاقرنفاط‏:‏ الانقباض، ومنه قول الرجل لامرأته وقد شاخا‏:‏

يا حبذا مُقْرَنْفَطُك * إذ أنا لا أفرِّطُك

فقالت‏:‏

ياحَبَّذَا ذَبَاذِبُكَ * إذ الشَّبَابُ غالبك

وهذه أرنب هَرَبَتْ من كلب أو صائد فعلت شجرة عُرْفُطة، وسَوَاء الشيء‏:‏ وسَطُه‏.‏

يضرب لمن يستتر بما ليس يستره‏.‏

1646- رَماهُ اللّه بأَحْبَى أقْوَس‏.‏َ

أي بالداهية، والأحبى الأقوس‏:‏ الداهي المُمَارس من الرجال، تقول العرب‏:‏ قالت الأرنب‏:‏ لا يدرِينِي - أي لا يختلني - إلا الأحْبَي الأقْوَسُ، الذي يبدرني ولا يَيْأس‏.‏

قلت‏:‏ الأحبى‏:‏ أفعل من الحَبْوِ، وهو الصائد الذي يَحْبُو للصيد، والأقوس‏:‏ المُنْحَنِيُّ ‏[‏ص 308‏]‏ الظهر، وهو من صفة الصائد أيضاً، فصار اسماً للداهية، فلذلك نكَّره، وبعضهم يروى ‏"‏رماه اللّه بأحوَى‏"‏ بالواو كما يقال ‏"‏رماه اللّه بأحوى ألوى‏"‏ هذا من الحي واللَّيِّ، أي بمَنْ يجمع ويمنع، ومنه‏:‏ ‏"‏لَيُّ الواجِدِ ظُلْمٌ‏"‏‏.‏

1647- رُبَّ حَمْقَاءَ مُنْجِبَة‏.‏

يقال ‏"‏أَنْجَبَ الرجلُ‏"‏ إذا كانت أولاده نُجَباء، وأنجبت المرأة‏:‏ ولدت نَجِيباً‏.‏

قال ابن الأعرابي‏:‏ أربعة مَوْقَى‏:‏ كلابُ بن ربيعة بن عامر بن صَعْصعة، وعِجْل بن لُجَيْم، ومالك بن زيد مَنَاة بن تميم، وأَوْسُ بن تغلب، وكلهم قد أَنْجَبَ‏.‏

1648- رَمَى الكَلاَمَ عَلَى عَوَاهِنِهِ‏.‏

إذا لم يُبَال أصاب أم أخطأ‏.‏

قلت‏:‏ أصل هذا التركيب يدلُّ على سهولة ولين وقلة عَنَاء في شيء ومنه العِهْن المَنْفُوش، ورجل عاهن‏:‏ أي كسلان مُسْتَرْخٍ، والعواهن‏:‏ عروق في رحم الناقة، ولعل المثل يكون من هذا، أي أن القائل من غير روية لا يعلم ما عاقبة قوله كما لا يعلم ما في الرحم‏.‏

1649- رُبَّمَا أرَادَ الأَحْمَقُ نَفْعَكَ فَضَرَّكَ‏.‏

يضرب في الرَّغْبة عن مخالطة الجاهل‏.‏

1650- رَكِبَ عُرْعُرَهُ‏.‏

إذا أساء خلقه، وهذا كما يقال ‏"‏ركِبَ رأسه‏"‏ وعُرْعُرة الجبل والسَّنَام‏:‏ أعلاه ورأسُه‏.‏

1651- رَجَعَ عَلَى حَافِرَتِهِ‏.‏

أي الطريق الذي جاء منه، وأصله من حافِرِ الدابة، كأنه رجع على أثر حافره‏.‏

يضرب للراجع إلى عادته السوء‏.‏

1652- رَفَعَ بِهِ رَأْساً‏.‏

أي رضي بما سمع وأصاخ له، أنشد ابن الأعرابي في هذا المعنى‏:‏

فَتًى مثلُ صَفْو الماء ليس بِبَاخِلٍ * بشيء ولا مُهْدٍ مَلاَما لباخِلِ

ولا قَائلٍ عَوْرَاءَ تُؤْذِى جليسَه * ولا رافعٍ رأساً بَعْورَاءِ قائِلٍ

ولا مُظْهِرٍ أحدوثَةَ السوء مُعْجَباً * بإعلانها في المجلس المُتَقَابِلِ

أي في أهل المجلس‏.‏

وحكى أن محمد بن زُبَيْدَة حبَس أبا نُوَاس في أمرٍ، فكتب إليه من الحَبس‏:‏ ‏[‏ص 309‏]‏

قل للخليفة‏:‏ إنني * حَيٌّ، أراك بكل باس

مَنْ ذا يَكُون أبا نُوَا * سِك إذْ حَبَسْتَ أبا نُوَاس

إنْ أنْتَ لم تَرْفَعْ به * رأساً هُدِيتَ فَنِصْفَ رَاسِ

قال‏:‏ فلم يرفع بما كتبت إليه رأساً، ولم يُبَالِ بي، ومكثت في الحبس ثلاثة أشهر‏.‏

1653- رمَاهُ اللّه بأَفْعَى حَارِيَة‏.‏

الأفعى‏:‏ حية يقال لمذكرها الأفْعُوَان، وهي أفعل قد ينون، كما يقال‏:‏ ‏"‏أَرْوًى‏"‏ بالتنوين والحارية‏:‏ التي نَقَصَ جسمها من الكبر، يقال‏:‏ حَرَى يَحْرِى حَرْياً، وفلان يحرى كما يحرى القمر، أي ينقص، يقال‏:‏ إن الأفعى الحارية لا تطنى، أي لا تبقى لَدِيغَهَا، بل تقتل من ساعها‏.‏

1654- رمَاهُ اللّه بالصُّدَامِ وَالأَوْلَقِ وَالْجُذاَمِ‏.‏

الصُّدَام‏:‏ داء يأخذ في رؤوس الدواب قال الجوهري‏:‏ هو الصِّدَام بالكسر، وقال الأزهري‏:‏ بالضم‏.‏ قلت‏:‏ وهذا هو القياس، لأن الأدواء على هذه الصيغة وردت مثل الزُّكَام والسُّعَال والْجُذَام والصُّدَاع والخُرَاع وغيرها، والأوْلَقُ‏:‏ الْجُنُون، وهو فَوْعَل، لأنه يقال ‏"‏رجُلٌ مُؤَوْلَقٌ‏"‏ أي مجنون، قال الشاعر‏:‏

وَمُؤَوْلَقٍ أَنْضَجْتُ كيَّةَ رأسِهِ * فَتَرَكْتُهُ ذَفِراً كرِيح الْجَوْرَبِ

ويجوز أن يكون وزنه أفعل، لأنه يقال‏:‏ أُلِقَ الرجل فهو مألوق، أي جُنَّ فهو مجنون‏.‏ والْجُذَام‏:‏ داء تتقرَّح منه الأعضاء وتتعفَّن، وربما تساقَطُ، نعوذ باللّه منه ومن جميع الأدواء‏.‏

والمثلُ من قول كثير بن المطلب بن أبي وَدَاعة‏.‏

قال الرياشي‏:‏ كتب هشام إلى والي المدينة أن يأخذ الناسَ بسبِّ علي بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه، فقال كثير‏:‏

لَعَنَ اللّه من يَسُبُّ حُسَيْناً * وأخاه من سُوقَةٍ وإمَامِ

ورَمَي اللّه من يَسُبُّ عليّاً * بصُدَامٍ وَأَوْلَقٍ وَجُذَامِ

طِبْتَ بيتاً وطاب أَهْلُكَ أهْلاً * أَهْلِ بَيْتِ النبي والإسْلاَمِ

رَحْمَةُ اللّه والسَّلاَمُ عليكم * كلَّما قام قائم بسَلاَمِ

يأْمَنُ الطيرُ والظَّباءُ ولا يأ * مَنُ رَهْطُ النبيِّ عند المقامِ

قال‏:‏ فحبسه الوالي، وكتب إلى هشام ‏[‏ص 310‏]‏ بما فعل، فكتب إليه هشام يأمره بإطلاقه، وأمر له بعطاء‏.‏

1655- رَمَاهُ اللّه بلَيْلَةٍ لاَ أُخْتَ لَهَا‏.‏

أي بليلة يَمُوتُ فيها‏.‏

1656- رَمَاُه اللّه بِدَيْنِهِ‏.‏

يعنون به الموتَ، لأن الموت دَيْنٌ على كل أحد سيقضيه إذا جاء متقاضيه‏.‏

1657- رَمَاهُ اللّه مِنْ كُلِّ أكَمَةٍ بِحَجَرٍ‏.‏

يقال هذا في الدعاء على الإنسان‏.‏

1658- ارْبِطْ حِمَارَكَ إنهُ مُسْتَنْفِرُ‏.‏

يقال‏:‏ رَبَطَ يَرْبُطُ وَيَرْبِطُ، واستنفر بمعنى نَفَرَ، ويكون بمعنى أنفر‏.‏

يضرب لمن يؤذي قومه‏.‏

ومعناه‏:‏ كُفَّ فقد عِرْتَ في شتم قومك ‏(‏عار الفرس ونحوه يعير عيرا - من باب ضرب - إذا انفلت وذهب ههنا وههنا من مرحه، أو هام على وجهه لا يثنيه شيء‏)‏ كما يَعيِرُ الحمار عن مربطه‏.‏

1659- أرِنِي حَسَناً أُرِكْهُ سَمِيناً‏.‏

يقولون‏:‏ قال رجل لرجل‏:‏ أَرِنِي حسناً، فقال‏:‏ أريكه سميناً، يعني أن الحُسْنَ في السِّمَن، وهذا كقولهم‏:‏ قيل للشحم‏:‏ أين تذهب‏؟‏ قال‏:‏ أقوِّمُ المُعْوَجَّ‏.‏

1660- رُبَّ كَلِمَةٍ أفَادَتْ نِعْمَةً‏.‏

هذا ضد قولهم ‏"‏ربَّ كلمةٍ سلَبت نعمة‏"‏‏.‏

1661- رُبَّمَا أصَابَ الغَبِيُّ رُشْدَهُ‏.‏

الغَبَاوة‏:‏ الحُمْق‏.‏ ضرب في التسليم والرضا بالقدر‏.‏

1662- رُبَّ بَعِيدٍ لاَ يُفْقَدُ بِرُّهُ، وَقَرِيبٍ لا يُؤْمَنُ شَرُّهُ‏.‏

1663- الرَّقِيقُ جَمَالٌ وَليْسَ بمَالٍ‏.‏

وهذا كما قالوا‏:‏ اشْتَرِ الموَتَان، ولا تشتر الحيوان‏.‏

1664- رُبَّ عَالِمٍ مَرْغُوبٌ عَنْهُ، وَجَاهِلٍ مُسْتَمَعٌ مِنْهُ‏.‏

1665- رُبَّ عَزِيزٍ أذَلَّهُ خُرْقُهُ، وَذَلِيلٍ أعَزَّهُ خُلُقُهُ‏.‏

1666- رُبَّ مُؤْتَمَنٍ ظَنِينٌ، وَمُتَّهَمٍ أمِينٌ‏.‏

1667- رُبَّ شَبْعَانَ مِنَ النِّعَمِ، غَرْثَانُ مِنَ الكَرَمِ‏.‏

1668- ارْتَجَنَتْ الزُّبْدَةُ‏.‏

الارتجان‏:‏ اختلاطُ الزُّبْدَة باللبن، فإذا خلَصَت الزبدة فقد ذهب الارتجان‏.‏

يضرب للأمر المُشْكِل لا يهتدَى لإصلاحه‏.‏ ‏[‏ص 311‏]‏

1669- رَمَى بِسَهْمِهِ الأَسْوَدِ والمُدَمَّى‏.‏

أصل هذا المثل أن الجَمُوحَ أخا بني ظَفَر بَيَّتَ بني لَحْيَان، فهُزم أصحابه وفي كِنانته نَبْل مُعلم بسواد، فقالت له امرأته‏:‏

أين النَّبْلُ التي كنت ترمي بها‏؟‏ فقال‏:‏

قالت خليدة لمَّا جئتُ زائرهَا * هلاَّ رَمَيْتَ ببَعْضِ الأْسُهم السود

والمدمَّي‏:‏ الملطَّخ بالدم‏.‏

يضرب للرجل لا يبقى في الأمر من الجد شيئاً‏.‏

1670- رَعْداً وبَرْقا والجهَامُ جافِرُ‏.‏

يقال‏:‏ جفَلَ السحابُ وجَفَر، إذا أراق ماءه، ونصب رَعْداً وبَرْقاً على المصدر، أي يرعد رعدا ويبرق برقا‏.‏ يضرب لمن يتزيَّا بما ليس فيه‏.‏

1671- رَأيْتُ أرْضاً تَتَظَالَمُ مِعْزاهَا‏.‏

أي‏:‏ تتناطح من سمنها وكثرة عُشْبها‏.‏ يضرب لقوم كَثُرتْ نعمتهم ولذَّتْ معيشتهم فهم يَبْطَرونها‏.‏

1672- أرَانِي غَنِيًّا ما كُنْتُ سَويّاً‏.‏

يعني أن الغني في الصحة، وهذا يروى عن أكْثَمَ بن صَيْفي‏.‏

1673- الرِّفْقُ بُنَيُّ الحلْمِ‏.‏

أي مثلُه، وينشد‏:‏

يا سعد يا ابْنَ عملي يا سَعْدُ * هل يُرْوِيَنْ ذَوْدَكَ نَزْعٌ مَعْدُ

وساقيانِ سَبِطٌ وجَعْدٌ*

أراد بقوله ‏"‏يا ابن عملي‏"‏ يا من يعمَل مثلَ عملي‏.‏

1674- رُبَّمَا دَلَّكَ عَلَى الرَّأْيِ الظَّنُونَ‏.‏

قال الفراء‏:‏ يراد ربما أصاب المتهَمُ في عقله الضعيفُ في رأيه شاكلَةَ الصوابِ إذا استشير، والظَّنُون‏:‏ كل ما لم يُوثَقْ به من ماء أو غيره‏.‏ وقال أبو الهيثم‏:‏ الظَّنُون من الرجال الذي يُظَن به الخيرُ فلا يوجَد كذلك‏.‏

1675- أرَادَ مَا يُحْظِينِي فَقَالَ ما يَعْظِينِي‏.‏

الإحظاء‏:‏ أن تجعله ذا حُظْوة ومنزلة، والعَظْى‏:‏ الرمْىُ، يقال‏:‏ عظاه يَعْظِيه ‏(‏في القاموس أنه أجوف واوي، يقال عظاء يعظوه عظوا، فلعل هذه لغة أخرى‏)‏ عَظْيا، ولقي فلان ما عَجَاه وما عَظَاه، إذا لقى شدةً، ولقَّاه اللّه ما عَظَاه، أي ما ساءه‏.‏

يضرب للرجل ينصح صاحبه فيخطئ فيقول له ما يَغِيظه ويسوءه‏.‏

1676- أُرْوِيَّةٌ تَرْعَى بِقاعٍ سَمْلَقٍ‏.‏

الأروية‏:‏ الأنثى من الأوْعَال، وهي ‏[‏ص 312‏]‏ ترعى في الجبال، والقاعُ‏:‏ الأرضُ المستوية، والسَّمْلَق والسلق‏:‏ المطمئنّ من الأرض‏.‏

يضرب لمن يُرَى منه ما لم يُرَ قبلُ من صلاح أو فساد‏.‏

1677- ارْمِ فَقَدْ أفَقْتَهُ مَرِيشاً‏.‏

يقال‏:‏ أفَقْتَ السهمَ إذا وضَعْتَ فُوقه في الوتَر‏.‏

يضرب لمن تمكَّن من طَلِبته‏.‏

1678- رَحْلٌ يَعَضُّ غارِباً مَجْرُوحاً‏.‏

الغاربُ‏:‏ أعلى السَّنام، يقال‏:‏ عَضَّه وعَضَّ به وعَضَّ عليه‏.‏

يضرب لمن هو في ضبق وضَنْك فألْقى غيره عليه ثقْلَه‏.‏

1679- رَازَلَكَ القُنْفُذُ أُمَّ جابِرٍ‏.‏

الرَّوْزُ‏:‏ الاختبار، وأم جابر‏:‏ امرأة كانت دَمِيمةً‏.‏ يقول‏:‏ إن القنفذ اختَبَر لأجلك هذه المرأة، يعني أنها في حركاتها ودَمَامتها مثل القنفذ فقد بين القنفذ لك صفتها‏.‏

يضرب لمن يَدُلُّك تصرفه على ما في قلبه من الضعن‏.‏

1680- رَأْسٌ لِشَوْرٍ ما يُطارُ نُعرَتُهُ‏.‏

شَوْر‏:‏ اسم رجل، والنُّعَرة‏:‏ ذباب يتعرض للحمير وسائر الدواب فيدخل أنفها‏.‏

يضرب لمن أصَرَّ على جَهْله فلا يزجره زجر ناصح‏.‏

1681- أرْوَاحُ وَجْرَى كُلُّهَا دَبُورُ‏.‏

يقال‏:‏ ريح وأرْوَاح ورِيَاح وأرْيَاح، فمن قال أرواح بناه على أصله، ومن قال أرياح بناه على لفظ الريح، ووَجْرَى‏:‏ موضع بالشأم قريب من أرمينية فيه برد شديد، يقال‏:‏ إن ريح الشمال فيها لا تفتر، والدَّبور‏:‏ ريح تأتي من جانب القبلة، وهي أخبث الأرواح، يقال‏:‏ إنها لا تلقح شجرا ولا تنشئ سحابا‏.‏ يضرب لمن كلُّه شر‏.‏

1682- رَتَوْتَ بِالغَرْبِ العَظِيمِ الأثْجَلِ‏.‏

الرَّتْو‏:‏ الخطو، والغَرْب‏:‏ الدَّلو العظيمة، والاَثْجَلُ‏:‏ الواسع‏.‏

يضرب لمن يحتمل المشاق والأمور العظيمة ناهضاً بها‏.‏

1683- رَمَاهُ بِسُكاتِهِ‏.‏

أي رماه بما أسكته، يعني بداهية دَهْيَاء‏.‏

1684- رُبَّ قَوْلٍ يُبْقِى وَسْماً‏.‏

قالوا‏:‏ إن أول مَنْ قال ذلك أعرابي، وكان رَثَّ الحال، فقال له رجل‏:‏ يا أعرابي، واللّه ما يسرني أن أبيتَ لك ضيفاً، قال الأعرابي‏:‏ فواللّه لو بتَّ ضيفاً لي لأصبحت ‏[‏ص 313‏]‏ أبْطَنَ من أمك قبل أن تلدك بساعة، إنا إذا أخْصَبْنا فنحن آكَلُ للمأدوم، وأعطى للمحروم، ولَرُبَّ قول يبقى وَسْما، قد رَدَّه منا فعال تَحْسِم ذما، فذهبت من قوله مثلا‏.‏

1685- رُبَّ زَارِعٍ لِنَفْسِهِ حاصِدٌ سِوَاهُ‏.‏

قال ابن الكلبي‏:‏ أول مَنْ قال ذلك عامر بن الظَّرِب، وذلك أنه خَطَب إليه صَعْصَعة بن معاوية ابنَته، فقال‏:‏ يا صعصعة إنك جئْتَ تشترِي مني كَبِدِي وأرْحَمَ ولدي عندي منَعْتُك أو بعتك، النكاحُ خيرٌ من الأيْمَة، والحسيب كفء الحسيب، والزوج الصالح يعد أبا، وقد أنكحتك خَشْيَةَ أن لا أجد مثلك، ثم أقبل على قومه فقال‏:‏ يا معشرَ عَدْوَان أخرجت من بين أظهركم كريمَتكم على غير رَغْبة عنكم، ولكن مَنْ خُطَّ له شيء جاءه، رب زارع لنفسه حاصد سواه، ولولا قَسْم الحظوظ على غير الحدود ما أدرك الآخر من الأول شيئاً يعيش به، ولكن الذي أرسل الْحَيَا أنبت المَرْعَى ثم قسمه أكْلاً لكل فَمٍ بَقْلَة ومن الماء جرعة، إنكم ترون ولا تعلمون، لن يرى ما أصِفُ لكم إلا كلُّ ذي قلب وَاعٍ، ولكل شيء راعٍ، ولكل رزق ساعٍ، إما أكْيَسُ وإما أحْمَق، وما رأيت شيئاً قط إلا سمعت حِسَّه، ووجَدْتُ مَسَّه، وما رأيت موضوعاً إلا مصنوعاً، وما رأيت جائيا إلا داعيا ولا غانما إلا خائبا، ولا نعمة إلا ومعها بؤس، ولو كان يميت الناسَ الداءُ لأحياهم الدواء، فهل لكم في العلم العليم‏؟‏ قيل‏:‏ ما هو‏؟‏ قد قلتَ فأصبت، وأخبرتَ فصدقت، فقال‏:‏ أموراً شَتَّى، وشيئاً شيا، حتى يرجعع الميت حياً، ويعود لاشيء شيئاً، ولذلك خلقت الأرض والسماء، فتولوا عنه راجعين، فقال‏:‏ وَيْلُمِّها نصيحةً لو كان مَنْ يقبلها‏.‏

1686- ارْقُبِ البَيْتَ مِنْ راقِبِهِ‏.‏

أي احفظ بيتَكَ من حافظه، وانظر مَنْ تخلَّف فيه‏.‏

وأصله أن رجلا خلَّف عبده في بيته فرجَعَ وقد ذهب العبدُ بجميع أمتعته، فقال هذا، فذهب مثلا‏.‏

1687- رُبَّ جِزَّةٍ عَلَى شَاةِ سُوءٍ‏.‏

الجِزَّة‏:‏ ما يُجَز من الصوف‏.‏ يضرب للبخيل المستغني‏.‏

1688- رُبَّ مُسْتَغْزِرٍ مُستَبْكِئٍ‏.‏

يقال‏:‏ استغزرته، أي وجدته غَزيراً، وهو الكثير اللبن، واستبكأتُهُ‏:‏ أي وجدته بَكِيّاً، وهو القليل اللبن‏.‏ ‏[‏ص 314‏]‏

يضرب لمن استقلَّ إحسانك إليه وإن كان كثيراً‏.‏

1689- رَجَعَ عَلَى قَرْوَاهُ‏.‏

أي على عادته، وهو فَعْلَى من قَرَوْته أي تتبعته‏.‏

يضرب لمن يرجع إلى طَبْعه وخُلُقه‏.‏

1690- رُبَّ عَيْنٍ أَنَمُّ مِنْ لِسَانٍ‏.‏

هذا كقولهم‏:‏ ‏"‏جَلَّى محبٌّ نَظَره‏"‏ وكقولهم ‏"‏شَاهِدُ اللَّحْظِ أَصْدَقُ‏"‏ ‏.‏

1691- رُبَّ حَالٍ أَفْصَحُ مِنْ لِسَانٍ‏.‏

هذا كما قيل ‏"‏لسان الحال أبين من لسان المقال‏"‏‏.‏

1692- رَحِمَ اللّه مَنْ أَهْدَى إِلَيَّ عُيُوبِي‏.‏

قاله عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه تعالى‏.‏

1693- رِزْقُ اللّه لاَ كَدُّكَ‏.‏

أي لا ينفعك كدُّكَ إذا لم يقدَّر لك، قال الأصمعي‏:‏ أي أتاك الأمر من اللّه لا من أسباب الناس، وهذا كما قال الشاعر‏:‏

هَوِّنْ عَلَيْكَ فإنَّ الأمُورَ* بكفِّ الإلهِ مَقَاديرُهَا

فَلَيْسَ بآتيكَ مَنْهِيُّهَا * ولا قاصِر عنكَ مأمُورُهَا

1694- رُمِىَ فُلاَنٌ بِرِيشِهِ عَلَى غَارِبِه‏.‏

يضرب لمن خُلِّى ومراده لا يُنَازعه فيه أحد وهذا يروى عن عائشة رضي اللّه عنها، أنها قالت ليزيد بن الأصم الهلالي ابن أخت ميمونة رضي اللّه عنها زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ذهَبَتْ واللّه ميمونة، ورمى بريشك على غاربك‏.‏

قلت‏:‏ يمكن أن يكون هذا من قولهم ‏"‏أعطاه مائة برشها‏"‏ قال أبو عبيدة‏:‏ كانت الملوك إذا حَبَوْا حِباء جعلوا في أسنمة الإبل ريشَ نعامٍ ليعرَفَ أنها حِباء الملك، وأن حكْم ملكه ارتفع عنها، فكذلك هذا المُخَلَّى ورأيه ارتفع عنه حكم غيره‏.‏

والرواية الصحيحة في هذا المثل ‏"‏رُمِيَ فلان برَسَنِهِ على غاربه‏"‏ وعلى هذه الرواية لا حاجة لنا إلى شرحه وتفسيره‏.‏

1695- رَبٌّ يُؤَدِّبُ عَبْدَهُ‏.‏

قاله سعد بن مالك الكناني للنعمان بن المنذر، وقد ذكرتُ قصته في الباب الأول عند قولهم ‏"‏إن العصا قُرِعَتْ لذي الْحِلْم‏"‏‏.‏

1696 رَأْيُهُ دُونَ الْحِدَابِ يَحْصَرُ‏.‏

الْحِداب‏:‏ جمع حدب، وهو ما ارتفع من الأرض، و‏"‏حَصِرَ‏"‏‏:‏ إذا ضاق وعجز‏.‏

يضرب لمن استبهم عليه رأيه عند صغار الأمور، فكيف عند عظامها إذا عَرَتْهُ وهَجَمت عليه‏؟‏ ‏[‏ص 315‏]‏

*3*ما جاء على أفعل من هذا الباب‏.

1697- أَرْوَى مِنَ النَّعَامَةِ‏.‏

لأنها لا تريد الماء فإن رأته شربته عبثاً‏.‏

1698- أَرْوَى مِنْ ضَبٍّ‏.‏

لأنه لا يشرب الماء أصلا، وذلك أنه إذا عَطِشَ استقبلَ الريحَ ففتح لها فاه، فيكون في ذلك ريه‏.‏ والعربُ تقول في الشيء الممتنع‏:‏ لا يكونُ كذا حتى يَرِدَ الضبُّ، ولا أفعل ذلك حتى يَحِنَّ الضَّبُّ في أثر الإبل الصادرة، وهذا ما لا يكون‏.‏

1699- أَرْوَى مِنْ حَيَّةٍ‏.‏

لأنها تكون في القَفَار فلا تشرب الماء ولا تريده‏.‏ وكذلك‏:‏

1700- أَرْوَى مِنَ النَّمْلِ‏.‏

لأنها تكون أيضاً في الفَلَوَات‏.‏

1701- أَرْوَى مِنَ الْحُوتِ‏.‏

ويقال أيضاً‏:‏ أَظْمَأ من الحوت، وسيرد في باب الظاء‏.‏

1702- أَرْوَى ِمْن بَكْرِ هَبَنَّقَةَ‏.‏

هو يزيد بن ثَرْوَان، وهو الذي يُحَمِّق وكان بَكْره يصدر عن الماء مع الصادر وقد روى، ثم يرد مع الوارد قبل أن يصل إلى الكلأ‏.‏

1703- أَرْوَى مِنْ مُعْجِلِ أَسْعَدَ‏.‏

هذا كان رجلا أَحْمَقَ وقَع في غدير، فجعل ينادي ابنَ عم له يقال له أسعد فيقول‏:‏ ويلك نَاوِلْنِي شيئاً أشرب به الماء، ويصيح بذلك حتى غرق، وقال الأصمعي في كتابه في الأمثال‏:‏ أروى من مُعَجِّل أسعد، مشدداً، وقال‏:‏ المُعَجِّل الذي يجلب الإبل جلبة ثم يحدرها إلى أهل الماء قبل أن ترد الإبل، ففَسَّر هذه اللفظة ولم يذكر قصة للمثل، وأسعد على هذا التأويل قبيلة‏.‏

1704- أَرْجَلُ مِنْ خُفٍّ‏.‏

يعنون به خُفَّ البعير، والجمع أَخْفَاف وخِفاف، وهي قوائمه‏.‏

1705- أَرْمَي مِنْ ابْنِ تِقْنٍ‏.‏

هو رجل من عاد كان أرمى مَنْ تَعَاطَى الرمي في زمانه، وقال‏:‏

يَرْمِى بهَا أَرْمَى مِنَ ابْنِ تِقْنِ*

1706- أَرْسَحُ مِنْ ضِفْدِعٍ‏.‏

قال حمزة في تفسيره‏:‏ حديث من أحاديث الأعراب، زعمت الأعراب في ‏[‏ص 316‏]‏ خُرَافاتها أن الضِّفْدِعَ كان ذا ذَنب، فسلَبه الضبُّ ذنبه، قالوا‏:‏ وكان سبب ذلك أن الضبَّ خاصم الضفدع في الظمأ أيهما أصبر، وكان الضب ممسوحَ الذنب، فخرَجَا في الكلأ فصَبَر الضبُّ يوماً فناداه الضفدع‏:‏

يا ضَبُّ وِرْداً وِرْداً*

فقال الضب‏:‏

أصْبَحَ قَلْبِي صَرِدَا * لا يَشْتَهِي أنْ يَرِدَا

إلاَّ عِرَادًا عردا * وَصِلِّيَانًا بردَا

وعنكثا مُلْتَبِدَا*

فلما كان في اليوم الثاني ناداه الضفدع‏:‏ ‏"‏يا ضَبُّ وِرْداً وِرْداً‏"‏ فقال الضب‏:‏ ‏"‏أصبح فلبي صَرِدَا‏"‏ إلى آخر الأبيات، فلما كان في اليوم الثالث نادى الضفدع‏:‏ ‏"‏يا ضب ورداً ورداً‏"‏ فلم يجبه، فلما لم يجبه بادَرَ إلى الماء، فتبعه الضب فأخذ ذنبه، وقد ذكره الكميت بن ثعلبة في شعره، فقال‏:‏

عَلَى أخذها عند غِبِّ الوُرُودِ * وَعِنْدَ الْحُكُومَةِ أَذْنَابَهَا

1707- أَرْسَى مِنْ رَصَاصٍ‏.‏

الرسُوُّ‏:‏ الثبوت، يريدون به القتل‏.‏

1708- أَرْسَبُ مِنْ حِجَارَةٍ‏.‏

الرُّسُوب‏:‏ ضد الطَّفْو، أي أثبت تحت الماء‏.‏

1709- أَرَقُّ مِنْ رَقْرَاقِ السَّرَابِ‏.‏

وهو ما تلألأ منه، وكل شيء له تلألؤ فهو رَقْرَاق‏.‏

1710- أرْجَلُ مِنْ حَافِرٍ‏.‏

يعنون به الرجلة، وهي القوة على المشي راجلا، يقال‏:‏ رجل رَجِيل وامرأة رَجِيلة، إذا كانا قويين على المشي، قال الشاعر‏:‏

أنَّى اهْتَدَيْتِ وَكُنْتِ غَيْرَ رَجِيلَةٍ * شَهِدَتْ عَلَيْكِ بمَا فَعَلْتِ عُيُون

1711- أَرَقُّ مِنْ غِرْقِيءِ البَيْضِ‏.‏

و ‏"‏من سَحَا البيض‏"‏ الغِرْقئ‏:‏ القشرةُ الرقيقة داخلَ البيض، وسحا كل شيء‏:‏ قشره، وهو مقصور، وفي كتاب حمزة ممدود، والصحيح أنه يفتح ويقصر، وسحاء الكتاب يمد ويكسر‏.‏

1712- أَرَقُّ مِنَ النَّسِيمِ‏.‏

و ‏"‏من الهواء‏"‏ و ‏"‏من الماء‏"‏ و ‏"‏من دمع الغمام‏"‏ و ‏"‏من دمع المستهام‏"‏ و ‏"‏من دمعة شيعية‏"‏ وهذا من قول الشاعر‏:‏

أَرَقَّ مِنْ دمعة شيعية * تَبْكِي عَلِيَّ بن أبي طالب

1713- أَرَقُّ مِنْ رِدَاءِ الشُّجَاعِ‏.‏

قالوا‏:‏ الشجاعُ ضربٌ من الحيَّات، ‏[‏ص 317‏]‏ ورداؤه‏:‏ قِشرْهُ، ويقال أيضاَ ‏"‏أرق من ريق النحل‏"‏ وهو لُعابه و ‏"‏مِن دين القَرَامِطَة‏"‏‏.‏

1714- أَرْخَصُ مِنَ الزَّبْلِ‏.‏

و ‏"‏من التراب‏"‏ و ‏"‏من التَّمْر بالبصرة‏"‏ و ‏"‏من قاضي منى‏"‏ وذلك أنه يصلي بهم، ويَقْضي لهم، ويَغْرَمُ زيتَ مسجدهم من عنده‏.‏

1715- أرْزَنُ مِنَ النُّصَارِ‏.‏

يعني الذهب‏.‏

1716- أرْمَي مَنْ أخَذَ بأَفْوَاقِ النَّبْلِ‏.‏

1717- أَرْفَعُ مِنَ السَّمَاءِ‏.‏

1718- أَرْوَغُ مِنْ ثُعَالَةَ، وَمِنْ ذَنَبِ ثَعْلَبٍ‏.‏

قال طَرَفة‏:‏

كلُّ خَليلٍ كنتُ خَالَلْتُه * لا تَرَكَ اللّه له وَاضِحَهْ

كلهمُ أَرْوَغُ من ثَعْلب * مَا أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بالبَارِحَهْ

1719- أرْوَحُ مِنَ اليَأْسِ‏.‏

هذا كما قيل‏:‏ اليأسُ إحدى الراحتين‏.‏

1720- أَرْعَنُ مِنْ هَوَاءِ البَصْرَةِ‏.‏

الرَّعَن‏:‏ الاسترخاء والاضطراب، وقال‏:‏ ورَحِّلُوها رِحْلَةً فيها رَعَنْ*

وإنما وصفوا هواءها بذلك لاضطراب فيه وسرعة تغيره، وأما قولهم‏:‏ ‏"‏البصرة الرعناء‏"‏ كما قال الفرزدق‏:‏

لولا ابن عُتْبه عَمْرٌو وَالرَّجَاء له * ما كانت البَصْرَةُ الرَّعْنَاء لي وَطَنَا

فقال ابن دريد‏:‏ سميت رَعْنَاء تشبيها برعن الجبل، وهو أنفه المتقدم الناتئ، وقال الأزهري‏:‏ سميت بذلك لكثرة مَدِّ البحر وعكيكه بها‏.‏

*3*المولدون‏.

رَأْسُهُ في القِبْلَةِ، وَاسْتهُ ُفي الْخَرِبَةِ‏.‏

يضرب لمن يدعي الخير وهو عنه بمعزل‏.‏

رَأْسٌ في السَّمَاءِ واستٌ في المَاءِ‏.‏

رَأْسُ كَلبٍ أَحَبُّ إليْهِ مِنْ ذَنبِ أَسَدٍ‏.‏

رَأْسُ المَالِ أَحَدُ الرِّبحَيْنِ‏.‏

رَأْسُ الدِّينِ المَعْرِفَة‏.‏

رَأْسُ الْخَطَايَا الْحِرْصُ والغَضَبُ‏.‏

رأْسُ الْجَهْلِ الاغْتِرَارُ‏.‏

رُكُوبُ الْخَنَافِسِ، ولا المشْيُ عَلَى الطَّنَافِسِ‏.‏ ‏[‏ص 318‏]‏

رَضِيَ الْخَصْمَانِ وَأَبَى القَاضِي‏.‏

رُدَّ مِنْ طَهَ إِلَى - بسم اللّه‏.‏

يضرب للرفيع يَتَّضع‏.‏

رِيحٌ وَلَكِنَّهُ مَلِيحٌ‏.‏

رِيحٌ في القَفَصِ‏.‏

يضرب للباطل‏.‏

رَقِيقُ الحَافِرِ‏.‏

للمتهم‏.‏

رَقَصَ في زَوْرَقِه‏.‏

إذا سخر به وهو لا يَشْعُر‏.‏

رِيقُ العَذُولِ سَمٌّ قَاتِل‏.‏

رُبَّ مَزْح في غَوْرِهِ ِجدٌّ‏.‏

رُب صَدِيقٍ يُؤْتَى مِنْ جَهْلِهِ لاَ مِنْ حُسْنِ نِيَّتِه‏.‏

رُبَّ صَبَابَةٍ غُرِسَتْ مِنْ لَحْظَةٍ‏.‏

رُبَّ حَرْبٍ شَبَّتْ مِنْ لَفْظَةٍ‏.‏

رُبَّ واثِقٍ خَجِلٍ‏.‏

رُبَّ ضَنْكٍ أفْضَى إِلَى سَاحَةٍ وَتَعَبٍ إلى رَاحَةٍ‏.‏

رُبَّمَا شَرِقَ شارِبُ المَاءِ قَبْلَ رِيِّهِ‏.‏

رُبَّمَا أَصْحَبَ الحَرُونُ‏.‏

رُبَّمَا غَلاَ الشَيْءُ الرَّخِيصُ‏.‏

رُبَّمَا اتَّسَعَ الأْمُر الَّذِي ضَاقَ‏.‏

رُبَّمَا صَحَّتِ الأْجَساُم بِالعِلَلِ‏.‏

رُبَّ سُكُوتٍ أّبْلَغُ مِنْ كَلاَمٍ‏.‏

رُبَّ عَطَبٍ تَحْتَ طَلَبٍ‏.‏

رُبَّ مُسْتَعْجِلٍ لأَذِيَّةٍ ومُسْتَقْبِلٍ لِمَنِيَّة‏.‏

رُبَّ صَبَاحٍ لاِمْرِئٍ لَمْ يُمْسِهِ‏.‏

رَدُّ الظَّرْفِ، مِنَ الظَّرْفِ‏.‏

رُبَّ كَلِمَةٍ لَيِسْتُ علَيَهْاَ أْذُنِى مَخَافَةَ أَنْ أَقْرَعَ لهَا سِنِّى‏.‏

الرَّأْسُ صَوْمَعَةُ الحَوَاسِّ‏.‏

الرَّدِئُ لاَ يُسَاوِي حَمُولَتَهُ‏.‏

الرَّدِئُ رَدئُ كلَّما جَلَوْتَهُ صَدِى‏.‏

أَرْدَى الدَّوَابِّ يَبْقَى عَلَى الآرِىِّ‏.‏

وقال الشاعر‏:‏

والدهر قِدْماً يا أبا مَعْمَرٍ * يُبْقى على الآرىِّ شَرّ الدَّوَابْ‏.‏ ‏[‏ص 319‏]‏

الباب الثاني عشر فيما أوله سين

  ما جاء على أفعل من هذا الباب‏

  المولـــدون‏

الباب الثاني عشر فيما أوله سين

1763- سَبَقَ السَّيْفُ العَذَلَ

قاله ضَبَّة بن أدّ لما لامه الناسُ على قتله قاتلَ ابنه في الحرم، وقد مر تمامُ القصة فيما تقدم عند قوله ‏"‏إنَّ الحديثَ ذو شُجُون‏"‏ ويقال‏:‏ إن قولهم ‏"‏سبق السيف العذل‏"‏ لخزيم بن نَوْفل الهَمْدَاني‏.‏

1764- سَقَطَ العَشَاءُ بِهِ عَلَى سِرْحَانٍ

قال أبو عبيد‏:‏ أصلُه أن رجلا خرج يلتمس العَشَاء، فوقع على ذئب فأكله، وقال الأصمعي‏:‏ أصلُه أن دابةً خرجت تطلب العشاء، فلقيها ذئب فأكلها، وقال ابن الأعرابي‏:‏ أصل هذا أن رجلا من غَنِىٍّ، يقال له سِرْحَان بن هزلة كان بطلاً فاتكا يتَقَّيه الناسُ، فقال رجل يوماً‏:‏ والله لأرْعِيَنَّ إبلي هذا الوادي، ولا أخاف سرحان بن هزلة، فورد بإبله ذلك الوادي، فوجد به سِرْحان وهَجَم عليه فقتله، وأخذ إبله، وقال‏:‏

أبلغ نَصيِحَةَ أن رَاعِيَ أَهْلِهَا *سَقَطَ العَشَاءُ بِهِ على سِرْحَانِ

سَقَطَ العَشَاء به على مقتمر* طَلْقِ الْيَدَيْنِ مُعَاوِدٍ لِطِعَانِ

يضرب في طلب الحاجة يؤدّي صاحبها إلى التلف‏.‏

1765- سَرَتْ إِلَيْنَا شَبَادِعُهُمْ

الشبدع‏:‏ العقربُ، ويشبه بها اللسان، لأنه يَلْسَع به الناسَ، قال الْجَعْدِي‏:‏

يخبركم أَنَّهُ نَاصِحٌ * وفي نُصْحِه ذَنَبُ الْعَقْرَبِ

ومعنى المثل سَرَى إلينا شَرُّهم ولومهم إيانا وما أشبه ذلك‏.‏

1766- سَدَّ ابْنُ بَيْضٍ الطَّرِيقَ

ويروى ابن بِيض بكسر الباء‏.‏

قال الأضمعي‏:‏ أصله أن رجلا كان في الزمن الأول يقال له‏"‏ابن بيض‏"‏عَقَرَ ناقَةً على ثنية فسدَّ بها الطريق، فمنع الناسَ من سلوكها‏.‏

وقال المفضل‏:‏ كان ابن بيض رجلا من عادٍ وكان تاجراً مكثراً، وكان لقمان بن عاد يَخْفره في تجارته ويُجيره على خَرْج يعطيه ابنَ بيضٍ يَضَعه له على ثَنِيَّةٍ إلى أن يأتي ‏[‏ص 329‏]‏ لقمان فيأخذه، فإذا أبْصَرَه لقمان قد فعل ذلك قال‏:‏ سدَّ ابن بيضٍ السبيلَ‏.‏ يقول إنه لم يجعل لي سبيلا على أهله وماله حين وَفَى لي بالجُعْلِ الذي سَمَّاه لي، وينشد على قول الأصمعي‏:‏

سَدَدْنَا كما سَدَّ ابْنُ بيضٍ طريقَهُ * فلم يَجِدُوا عند الثَّنِيَّةِ مَطْلَعَا

وقال المخبل السعدي‏:‏

لقد سَدَّ السَّبِيلَ أبو حُمَيْد * كما سَدَّ المخاطبة ابنُ بيضِ

1767- أَسَعْدٌ أَمْ سُعِيْدٌ‏.‏

هما ابنا ضبة بن أد، وقد ذكرتُ قصتَهما في باب الحاء عند قوله‏"‏الحديث ذو شُجُون‏"‏‏.‏

يضرب في العناية بذي الرحم، وفي الاستخبار أيضاً عن الأمرين الخير والشر، أيهما وقع‏.‏

ومنه قول الحجاج لقتيبة بن مسلم وقد تزوج، فقال‏:‏ أسعد أم سعيد‏؟‏ أراد أحسناء أم شَوْهَاء، جعل التصغير مثلا للقبح، والتكبيرَ مثلا للحسن، وكما قال أبو تمام‏:‏

غَنِيتُ به عَمَّن سِواه، وحُوِّلَتْ * عِجَافُ رِكَابِي عن سُعَيْد إلى سَعْدِ

يَعني عن الجدب إلى الخصب‏.‏

1768- سَاَوَاكَ عَبْدُ غَيْرِكَ

هذا المثل مثل قولهم‏:‏ عبد غيرك حُرٌّ مثلُك، يعني أنه بتَعَاليه عن أمرك ونَهْيك مثلُك في الحرية‏.‏

1769- السِّرَاحُ مِنَ النَّجَاحِ

يضرب لمن لا يريد قَضَاء الحاجة، أي ينبغي أن تُؤيسه منها إذا لم تَقْضِ حاجته‏.‏

1770- أَسْمَحَتْ قَرُونَتُهُ

القَرُونة والقَرُون والقَرِينة والقَرِين‏:‏ النَّفْسُ، أي استقامت له نفسُه وانقادت، وقال مصعب بن عطاء‏:‏ أي ذهب شكه وعزم على الأمر‏.‏

1771- سَوَاسِيَةٌ كأسْنَانِ الْحِمَارِ

قال الأصمعي وأبو عمرو‏:‏ ما أَشَدَّ ما هجا القائل‏"‏سَوَاسية كأسنان الحمار‏"‏ومثله‏:‏ ‏"‏سَوَاسيةٌ كأسنان المُشْطِ‏"‏ قال كُثَير‏:‏

سَوَاءٌ كأسْنَانِ الحمار، فلا تَرَى * لذي شَيْبة منهم على ناشِىء فَضْلاَ

وقالت الخنساء‏:‏

فَاْليَوْمَ نَحْنُ وَمَنْ سِوَا * نَا مِثْلُ أَسْنَانِ الْقَوَارِحْ

أي لا فَضْلَ لنا على أحد، قال أصحاب المعاني‏:‏ السَّوَاء‏:‏ العدل، وهو مأخوذ من الاستواء والتساوي، يقال‏:‏ فلان وفلان ‏[‏ص 330‏]‏ سَوَاء أي متساويان، و‏"‏قوم سَوَاء‏"‏ لا يُثَنَّى ولا يجمع، لأنه مصدر، وأما ‏"‏سواسية‏"‏ فقال الأخفش‏:‏ وَزْنُه فَعَلْفِلة، وهي جمع سواء على غير قياس، فسواء فَعَال وسية فِعَة أو فِلة، إلا أن فعة أقيس، لأن أكثر ما ينقلون موضع اللام، وأصل سِيَة سِوْيَة، فلما سكنت الواو وانكسر ما قبلها صارت الواو ياء، ثم حذفت إحدى الياءين تخفيفاً، فبقي سية، وقال بعضهم‏:‏ الأصل سَوَاء سِيّ يعني السِّيَّ الذي هو المثل، ثم خافوا إيهام كونهما اسمين باقيين على الأصل، فحذفوا مَدَّة سَوَاء وأبدلوا من الياء الثانية من سي هاءً كما فعلو في زَنَادِقة وصَيَارِفة، وأصله زَنَاديق وصَيَاريف‏.‏

سَكَتَ أَلْفاً وَنَطَقَ خَلْفاً

الْخَلْفُ‏:‏ الرديء من القَوْل وغيره، قال ابن السكيت‏:‏ حدثني ابن الأعرابي قال‏:‏ كان أعرابي مع قوم فحبَقَ حَبْقَة، فتشور فأشار بإبهامه إلى إسْتِه وقال‏:‏ إنها خَلْفٌ نَطَقَتْ خلفاً‏.‏ونصب ‏"‏ألفا‏"‏ على المصدر‏:‏ أي سكت ألفَ سكتة ثم تكلم بخطأ‏.‏

1773- أَسَاءَ سَمْعاً فأَساءَ جَابَةً

ويروى ‏"‏سَاءَ سَمْعاً فأساءَ إجابة‏"‏ وساءَ في هذا الموضع تعمل عمل بئس، نحوقوله تعالى ‏(‏ساء مثلا‏)‏ ونصب سمعاً على التمييز، وأساء سمعاً نصب على المفعول به، تقول‏:‏ أسأت القولَ وأسأت العمل، وقوله‏"‏فأساء جابة‏"‏ هي بمعنى إجابة، يقال‏:‏ أجابَ إجابةً وجَابة وجَوَابا وجَيْبةً ‏.‏ ومثل الجابة في موضع الإجابة‏:‏ الطَّاعَة والطَّاقَة والغَارة والعَارَة، قال المفضل‏:‏ هذه خمسة أحرف جاءت هكذا ‏.‏قلت‏:‏ وكلها أسماء وُضِعت موضع المصادر‏.‏ قال المفضل‏:‏ إن أول من قال ذلك سُهَيل بن عَمْرو أخو بني عامر بن لؤي، وكان تزوج صفية بنت أبي جهل بن هشام، فولدت له أنَسَ بن سُهْيل، فخرج معه ذات يوم وقد خرج وَجْهُه، يريد الْتَحَىِ، فوقفا بحَزَوَّرَة مكة، فأقبل الأخنس ابن شَرِيق الثقفي، فقال‏:‏ مَنْ هذا‏؟‏ قال سهيل‏:‏ ابني، قال الأخنس‏:‏ حَيَّاكَ اللّه يا فتى، قال‏:‏ لا واللّه ما أمي في البيت، انطلَقَتْ إلى أم حنظلة تَطْحَنُ دقيقاً، فقال أبوه‏:‏ أساء سَمْعاً فأساء جَابة، فأرسلها مثلا، فلما رجَعا قال أبوه‏:‏ فَضَحَني ابنُكَ اليوم عند الأخنس قال كذا وكذا، فقالت الأم‏:‏ إنما ابني صبي، قال سهيل‏:‏ أشْبَهَ امرؤٌ بعضَ بَزِّه، فأرسلها مثلا‏.‏

1774- سُقطَ فِي يَدِهِ

يضرب لمن نَدِم‏.‏ ‏[‏ص 331‏]‏

وقال الأخفش‏:‏ يقال سُقِط في يده أي نَدِم، وقرأ بعضُهم ‏(‏ولما سُقِط في أيديهم‏)‏ كأنه أضمر الندم، وجوز أُسْقِطَ في يده، وقال أبو عمرو‏:‏ لا يقال ‏"‏أسْقِطَ‏"‏ بالألف على ما لم يُسَمَّ فاعلُه، وكذلك قال ثعلب، وقال الفراء والزجاج‏:‏ يقال سُقِط وأُسْقِطَ في يده، أي ندم‏.‏ قال الفراء‏:‏ وسُقِط أكثر وأَجْوَد، وقال أبو القاسم الزجاجي‏:‏ سُقِط في أيديهم نَظْم لم يسمع قبل القرآن، ولا عَرَفَتْهُ العرب، ولم يوجد ذلك في أشعارهم، والذي يدل على ذلك أن شعراء الإسلام لما سمعوا هذا النظم واستعملوه في كلامهم، خفي عليهم وجهُ الاستعمال، لأن عاداتهم لم تَجْرِ به، فقال أبو نواس‏:‏

ونَشْوَة سُقِطْتُ مِنْهَا في يدي*

وأبو نُوَاس هو العالم النحرير، فأخطأ في استعمال هذا اللفظ، لأن فُعِلْتُ لا يبنى إلا من فعل يتعدَّى، لا يقال رُغِبْتُ ولا يقال غُضِبْت، وإنما يقال‏:‏ رُغِبَ فيَّ وغُضِبَ عليَّ، قال‏:‏ وذكر أبو حاتم‏:‏ سَقَطَ فلان في يده أي ندم، وهذا خطأ مثل قول أبي نواس، هذا كلامه، قلت‏:‏ وأما ذكر اليد فلأن النادم يعضُّ على يديه، ويَضْرِبُ إحداهما بالأخرى تَحَسُّراً كما قال ‏(‏ويومَ يعضُّ الظالم على يَدَيْه‏)‏ وكما قال ‏(‏فأصْبَحَ يُقَلِّبُ كفيه على ما أنفق فيها‏)‏ فلهذا أضيف سقوط الندم إلى اليد‏.‏

1775- سَقَطَ فِي أُمِّ أَدْرَاصٍ

الدَّرْصُ‏:‏ ولد اليربوع وما أشبهه، وأُمُّ أَدْرَاصٍ‏:‏ اليربوع‏.‏

يضرب لمن وقع في داهية، قال طفيل‏:‏

وماأم أَدْرَاصٍ بليل مُضَلل * بأغْدَرَ من قَيْسٍ إذا الليلُ أَظْلَمَا

ويروى ‏"‏بأرض مضلة‏"‏‏.‏

1776- سَحَابُ نَوْءٍ مَاؤُهُ حَميِمٌ

يضرب لمن له لسان لطيف ومَنْظَر جميل وليس وَرَاءه خير‏.‏

1777- سَهْمُكَ يَا مَرْوَانُ ليِ شَبِيعُ

السهم الشبيع‏:‏ القاتل، قلت‏:‏ وهذا لفظ لم أسمعه إلا في هذا المثل، ولا أدري ما صحته، واللّه أعلم، وإنما وجدته في أمثال الإصطخري

قال‏:‏ يضرب لسيفهِ يَتَبَذَّى على حليم أي اعْدِلْ سهمك إلى مَنْ يُبَاذيك‏.‏

1778- السِّرُّ أَمَانَة

قاله بعض الحكماء، وفي الحديث المرفوع ‏"‏إذا حَدَّثَ الرجل بحديث، ثم الْتَفَتَ، فهو ‏[‏ص 332‏]‏ أمانة، وإن لم يستكتمه‏"‏ قال أبو محجن الثقفي في ذلك‏:‏

وأطعن الطَّعْنَةَ النَّجْلاَء عن عرض * وأكْتُمُ السِّرَّ فيِه ضَرْبَةُ الْعُنُقِ

1779- اسْتُ البَائِن أَعْلَمُ

البائن‏:‏ الذي يكون عند حَلْبِ الناقة من جانبها الأيسر، ويقال للذي يكون من الجانب الآخر‏:‏ المُعَلِّى، والمستعلى، وهو الذي يُعْلِى العُلْبة إلى الضَّرْع، والبائن‏:‏ الذي يحلب، ويقال بخلاف هذا، وهما الحالبان في قولهم ‏"‏خَيْرَ حَالبَيْكِ تَنْطَحِين‏"‏

وهذا المثل يروى أن قائله الحارث بن ظالم، وذلك أن الْجُمَيْح وهو مُنْقذ بن الطَّمَّاح خرج في طلب إبل له، حتى وقع عليها في قبيلة مرة، فاستجار بالحارث بن ظالم المُرِّي، فنادى الحارث مَنْ كان عنده شيء من هذه الإبل فليردَّها، فردَّتْ جميعاً غير ناقة يقال لها اللِّفْاع، فانطلق يَطُوف حتى وجدها عند رجلين يَحْلُبانها، فقال لهما‏:‏ خَلِّيا عنها فليست لكما، وأهْوَى إليهما بالسيف، فضَرَط البائنُ، فقال المعلى‏:‏ واللّه ما هي لك، فقال الحارث‏:‏ اسْتُ البائن أعلم، فأرسلها مثلا‏.‏

يضرب لمن ولى أمراً وصلى به فهو أعلم به ممن لما يمَارسه ولم يصل به‏.‏

1780- اُسْتٌ لَمْ تُعَوَّدِ الِمْجمَرَ

يقال‏:‏ إن أول مَنْ قال ذلك حاتم بن عبد اللّه الطائي، وذلك أنَّ ماوية بنت عَفْزَر كانت ملكة، وكانت تتزَّوج مَنْ أرادت، وربما بعثت غِلْمانا لها ليأتُوها بأوْسَمِ مَنْ يجدونه بالحِيرة، فجاؤها بحاتم، فقالت له‏:‏ استقدم إلى الفِراش، فقال‏:‏ اسْتٌ لم تُعَوَّدِ المجمر، فأرسلها مثلا‏.‏

1781- اُسْتُهُ أضْيَقُ مِنْ ذَلكَ

قاله مهلهل أخو كُلَيب لما أخْبَره هَمّام بن مُرَّة أن أخاه جَسَّاسَ بن مُرَّة قتل كليبا، وكان همام ومهلهل متصافين، فلما قتل جساس كليبا أخبر همام مهلهلا بذلك، فقال مهلهل هذا، استعباداً لما أخبر به‏.‏

1782- ساَعِدَايَ أحْرَزُ لَهُماَ

أول من قال ذلك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم، وكان أحمق، فزوَّجه أخوه سعدُ بن زيد نَوَار بنت حُلّ بن عديّ بن عبد مَنَاة ابن أد، ورجا سعد أن يولَد لأخيه، فلما بَنَى مالك بيته وأدخلت عليه امرأته انطلق به سعد حتى إذا كان عند باب بيته قال له سعد‏:‏ لِجْ بيتَكَ، فأبى مالك، مرارا، فقال‏:‏ لِجْ مَالِ ولَجْتَ الرَّجْمَ، والرجم‏:‏ القبر، ثم إن مالكا ولَجَ ونعلاه معلقتان في ذراعيه، ‏[‏ص 333‏]‏ فلما دنا من المرأة قالت‏:‏ ضَعْ نعليك، قال ساعداي أحْرَزُ لهما، فأرسلها مثلا، ثم أتى بطِبيبٍ، فجعل يجعله في استه، فقالوا‏:‏ ما تصنع‏؟‏ فقال‏:‏ استي أخْبَثِى، فأرسلها مثلا

1783- اُسْقِ أخَاكَ النَّمَرِيَّ

قال أبو عبيد‏:‏ أصله أن رجلا من النمر ابن قاسطٍ صحب كَعْبَ بن مَامَةَ وفي الماء قلة، فكانوا يشربون بالْحَصَاة، وكان كلما أراد كعب أن يشرب نظر إليه النمري فيقول كعب للساقي‏:‏ اسْقِ أخاك النمري، فيسقيه، حتى نفذ الماء ومات كعب عطشاً‏.‏

يضرب للرجل يطلب الحاجة بعد الحاجة

1784- اُسْقِ رَقَاشِ إِنَّها سَقَّايَة

رَقَاشِ مثل حذام مبني على الكسر‏:‏ اسم امرأة‏.‏

يضرب في الإحسان إلى المحسن‏.‏

1785- اُسْتَنَّتِ الِفصَالُ حَتَّى القَرْعى

ويروى ‏"‏اسْتَنَّتِ الفُصْلاَن حتى القريعى‏"‏

يضرب للذي يتكلم مع مَنْ لا ينبغي أن يتكلم بين يديه لجلالة قدره‏.‏

والقَرْعى‏:‏ جمع قَريع مثل مَرْضَى ومَرِيض، وهو الذي به قَرَع، بالتحريك، وهو بَثْر أبيض يخرج بالفصال، ودواؤه المِلْحُ وحَبَابُ ألبان الإبل، ومنه المثل‏"‏هو أحَرُّ مِنَ الْقَرَعِ‏"‏‏.‏

1786- سِرْحَانُ القَصيِمِ

هذا مثل قولك‏"‏ذئب الغضى‏"‏

والقصيم‏:‏ رملة تنبت الغَضَى

1787- سَمِّنْ كَلبْكَ يَأْكُلْكَ

ويروى ‏"‏أسْمِنْ‏"‏

قالوا‏:‏ أول من قال ذلك حازم بن المنذر الحمَّاني، وذلك أنه مر بمحلة هَمْدَان فإذا هو بغلام ملفوف في المَعَاوِز ‏(‏المعاوز‏:‏ جمع نعوز - بوزن منبر - وهو الثوب الخلق‏)‏، فرحِمَه وحَمَله على مُقَدَّم سَرْجه حتى أتى به منزله وأمر أمةً له أن ترضعه، فأرضعته حتى فطم وأدرك وراهق الحُلم، فجعله راعيا لغنمه وسَمَّاه جُحَيْشاً، فكان يرعى الشاء والإبل، وكان زاجرا عائفا، فخرج ذاتَ يومٍ فعرَضَت له عُقَاب، فعافها، ثم مر به غدَاف فزجره، وقال‏:‏

تُخْبِرُنيِ شواحِجُ الغُدْفَانْ * والخُطْبُ يَشْهَدْنَ مع العِقْبَانْ ‏(‏الخطب‏:‏ جمع أخطب، وهو الصرد والصقر‏)‏

أني جُحَيْش مَعْشرِى هَمْدانْ * ولَسْتُ عَبْداً لبني حَّمانْ

فلا يزال يتغنى بهذه الأبيات، وإن ابنةً لحازم يقال لها رَعُوم هَوِيَت الغلام وهَوِيَهَا، وكان الغلام ذا منظر وجمال، ‏[‏ص 334‏]‏ فتبعه ذاتَ يوم حتى انتهى إلى موضع الكلأ فسرح الشاء فيه واستظلَّ بشجرة واتكأ على يمينه وأنشأ يقول‏:‏

أمَالَكَ أم فُتدْعَى لَهَا * ولا أنت ذُو وَالِدٍ يُعْرَفُ‏؟‏

أرى الطَّيْرَ تُخْبِرُنِي أنَّنِي * جحيش وأنَّ أبى حرشف

يقولُ غُرَابٌ غدا سَانِحاً *وشاهده جاهدا يَحلِفُ

بأنِّى لهَمْدَانَ في غرّهَا * وَمَا أنا جاَفٍ ولا أهْيَفُ

ولكنَّنِي من كرام الرجال * إذا ذكر السَّيِّدُ الأشْرَفُ

وقد كَمنتْ له رَعُوم تنظر ما يصنع، فرفع صوته أيضاً يتغنى ويقول‏:‏

يا حَبَّذَا رَبِيبَتِي رَعُومُ * وحَبَّذَا مَنْطِقُهَا الرَّخِيمُ

وَرِيحُ مَا يأتي بهِ النَّسِيمُ * إنِّي بها مكلّفٌ أهِيمُ

لو تعلمين العلم يا رَعُومُ * إنَي مِنْ هَمْدَانِهاَ صَميمُ

فلما سمعت رَعُومُ شعره ازدادت فيه رغبة وبه إعجابا، فدنت منه وهي تقول‏:‏

طار إلَيْكُمْ عَرَضاً فُؤَادِي * وقَلَّ من ذِكْرَاكُمُ رُقاَدِي

وَقَدْ جَفَا جَنْبي عن الوِسَادِ *أبيتُ قَدْ حاَلَفنِي سُهَادِي

فقام إليها جُحَيش فعانقها وعانقته، وقعدا تحت الشجرة يتغازلان، فكانا يفعلان ذلك أيَّاماً، ثم إن أباها افْتَقَدَها يوماً وفَطِنَ لها فرصَدَها، حتى إذا خرجت تبعها فانتهى إليهما وهما على سوأة، فلما رآهما قال‏:‏ سَمِّنْ كَلْبَكَ يأكلك، فأرسلها مثلا، وشدَّ على جُحَيش بالسيف فأفلت ولحق بقومه هَمْدان، وانصرف حازم إلى ابنته وهو يقول‏:‏ مَوْتُ الْحُرَّة خيرٌ من العَرَّة، فأرسلها مثلا، فلما وصل إليها وجدها قد اختنقت فماتت، فقال حازم‏:‏ هَان عَلَيَّ الثُّكْل لسوء الفعل، فأرسلها مثلا، وأنشأ يقول‏:‏

قَدْ هَانَ هذَا الثُّكْلُ لَوْلاَ أَّننِي * أحْبَبْتُ قَتْلكِ بالُحساَم الصَّارِمِ

ولقد هَمَمْتُ بذاك لولا أنني *شَمَّرْتُ في قتل اللَّعِينِ الظالم

فَعَلَيْك مَقْتُ الَلهِ مِنْ غَدَّارةٍ * وعَلَيْكِ لَعْنَتُهُ ولعنة حَازِمِ

وقال قوم‏:‏ إن رجلا من طَسْم ارتَبَطَ كلبا، فكان يُسَمنه ويطعمه رجاء أن يصيدَ به، فاحتبس عليه بطعمه يوما، فدخل عليه صاحبُه فوثَب عليه فافترسه، قال عوف بن الأحوص‏:‏ ‏[‏ص 335‏]‏

أرَانِي وعَوْفاً كالْمُسَمِّنِ كَلْبَهُ * فخدشه أنيابه وأظافره

وقال طرفة‏:‏

ككَلْب طَسْم وَقَدْ تَرَبَّبَهُ * يَعُلهُ بالْحَليِب فِي الْغَلَسِ

طلَّ عَلَيْه يَوماً بقَرْقَرَةٍ * إنْ لاَ يَلْغِ فِي الدماء يَنْتَهِسِ

1788- أَسَافَ حَتَّى مَا يَشْتَكيِ السَّوَافَ

الإسافة‏:‏ ذَهَاب المالِ، يقال‏:‏ وقَعَ في المال سَوَاف، بالفتح، أي موت، هذا قول أبي عمرو ‏.‏

وكان الأصمعي يضمه ويلحقه بأمثاله‏.‏ قال أبو عبيد‏:‏ يضرب لمن مَرنَ على جوائح الدهر فلا يجزع من صروفه‏.‏

1789- سِرْ وَقَمرٌ لَكَ

أي اغتنم العمَلَ ما دام القمر لك طالعا يضرب في اغتنام الفُرْصة ‏.‏

ويروى ‏"‏أسْرُ وقمرلك‏"‏من السُّرَى، والواو في الروايتين للحال‏:‏ أي سر مُقْمِراً‏.‏

1790- أَساَئِرٌ الْقَوْمُ وَقَدْ زَالَ الظُّهْرُ

قال يونس‏:‏ أصله أن قوما أغِيرَ عليهم، فاستصرخوا بني عمهم، فابطئوا عنهم حتى أسِرُوا وذُهِبَ بهم، ثم جاؤا يسألون عنهم، فقال لهم المسئول هذا القول‏.‏

يضرب في اليأس من الحاجة، يقول‏:‏ أتطمع فيما بعد وقد تبين لك اليأس‏.‏

1791- سَالَ الْوَادِي فَذَرْهُ

يضرب للرجل يُفَرِّطُ في الأمر‏.‏

1792- أَساَءَ رَعْياً فَسَقَي

أصله أن يُسيء الراعي رَعْيَ الإبل نهاره، حتى إذا أراد أن يُريحها إلى أهلها كره أن يظهر لهم سوء أثره عليها فيسقيها الماء لتمتلىء منه أجوافُها‏.‏

يضرب للرجل لا يُحْكِم الأمر ثم يريد إصلاحه فيزيده فساداً‏.‏

1793- سلُّوا السُّيُوفَ وَاسْتَلَلْتُ الَمنْتَنَ

قالوا‏:‏ الْمَنْتَنُ السيفُ الردىء ‏.‏

يضرب للرجل لا خير عنده يريد أن يلحق بقوم لهم فعال‏.‏

قلت‏:‏ لفظ الْمَنْتن معناه مما ينبو عنه السمع ولا يطمئنُّ إليه القلب، والله أعلم بصحته‏.‏

1794- سَوَاءٌ عَلَيْنَا قَاتِلاَهُ وَساَلبُه

وأوله *فَمُرَّا على عُكْلٍ نُقَضِّ لُبَانَةً*

قالوا‏:‏ معناه إذا رأيتَ رجلا قد سَلَبَ رجلا دَلّكَ على أنه لم يسلبه وهو حي ممتنع، فعلم بهذا أنه قاتله، فمن هذا جعلوا السالب قاتلا، وتمثل به معاوية في قَتَلَة عثمان رضي الله عنه، ورأيت في شرح ‏[‏ص 336‏]‏ الإصلاح للفارسِيِّ أبياتاً ذكر أنها للوليد ابن عقبة أولُها‏:‏

بني هاشم كَيْفَ الهَوَادَةُ بيننا * وعند علّيٍ دِرْعُهُ ونَجَائِبُهْ

قَتْلتُمْ أخي كَيْمَا تكونوا مَكانَهُ * كما غَدَرَتْ يوماً بِكِسْرَى مَرَازِبُهْ

وإلا تحللْهَا يُعَالُوكَ فَوْقَهَا * وكَيْفَ يُوَقَّى ظَهْرُ مَا أَنْتَ رَاكِبُهْ

ثَلاَثَةُ رَهْطٍ قاَتِلاَنِ وَسَالِبٌ * سَوَاء عَلَيْنَا قاتِلاَهُ وَسَالِبُهْ

قال‏:‏ يعني بالقاتلين التجيبي ‏(‏التجيبي‏:‏ كنانة بن بشر قاتل عثمان رضي الله عنه، من تجيب بطن من كندة ‏)‏

ومحمد بن أبي بكر، وبالسالب عليّاً رضي الله عنه‏.‏

1795- ساَجَلَ فُلاَنٌ فُلاَناً

أصله من السَّجْل، وهو الدَّلْو العظيمة، والمُسَاجلة‏:‏ أن يَسْتَقى ساقيان فيُخْرِج كل واحد منهما في سَجْله مثلَ ما يخرج الآخر فأيهما نكَل فقد غُلب، فضربت العربُ به المثلَ في المفاخرة والمساماة، قال الفضل بن العباس بن عُتْبة بن أبي لَهَبٍ‏:‏

مَنْ يُسَاجِلْني يسَاجِلْ ماجداً * يَمْلأَ الدَّلْو إلى عَقْد الكَرَبْ

يقال‏:‏ إن الفرزدق مرَّ بالفضل وهو يستقي وينشد هذا الشعر فَسَرَى الفرزدق ثيابَه عنه، وقال أنا أسَاجِلُكَ، ثقةً بنسبه، فقيل له‏:‏ هذا الفضل بن العباس بن عُتْبة بن أبي لهب، فردَّ الفرزدق عليه ثيابه، وقال‏:‏ ما يساجلك إلا من عَضَّ أيْرَ أبيه

1796- سَبَقَ دِرَّتَهُ غِرَارُهُ

الغِرار‏:‏ قلة اللّبن، والدرة‏:‏ كثرته، أي سبق شره خيره، ومثله‏:‏

1797- سَبَقَ مَطَرَهُ سَيْلُهُ

يضرب لمن يسبق تهديدُه فعلَه‏.‏

1798- سَرْعَاَنُ ذَا إِهَالَةً

سَرْعان‏:‏ بمعنى سرع، نقلت فتحة العين إلى النون فبنى عليها، وكذلك وَشْكان وعَجْلان وشَتّان، قال الخليل‏:‏ هي ثلاث كلمات سَرْعان، وعَجْلان، ووَشْكان، وفي وَشْكان وسَرْعان ثلاث لغات‏:‏ فتح الفاء، وضمها، وكسرها، تقول العرب‏:‏ لَسَرْعَانَ ما خَرَجْتَ، ولَسَرْعَانَ ما صَنَعْتَ كذا‏.‏

وأصل المثل أن رجلا كانت له نَعْجة عَجْفاء، وكان رُغَامها يسيل من منخريها لهزالها، فقيل‏:‏ وَدَكُها، فقال السائل‏:‏ سَرْعَان ذا إهَالَةً‏:‏ نصب إهالة على الحال، وذا‏:‏ إشارة ‏[‏ص 337‏]‏ إلى الرُّغَام، أي سَرُع هذا الرغام حالَ كونه إهالة، ويجوز أن يُحْمَل على التمييز على تقدير نقل الفعل، مثل قولهم‏:‏ تَصَبَّبَ زيدٌ عَرَقاً‏.‏

يضرب لمن يخبر بكينونة الشيء قبل وقته

1799- سَمْنُكُمْ هُرِيقَ فيِ أَدِيمِكُمْ

يضرب للرجل يُنْفِقُ مالَه على نفسه، ثم يريد أن يمتنَّ به‏.‏

1800- سَمِنَ حَتَّى صَارَ كأنَّهُ الَخْرْسُ

قالوا‏:‏ الخَرْسُ الدَّنُّ العظيم، والخَرَّاسُ‏:‏ صانعه‏.‏

1801- سُوءُ حَمْلِ الفَاقَةِ يَضَعُ الشَّرَفَ

أي إذا تعرض للمطالب الدَّنِيَّةِ حَطَّ ذلك من شرفه، قال أوس بن حارثة لابنه‏:‏ خيرُ الغنى القُنُوع، وشر الفقر الخُضُوع، وينشد‏:‏

ولقد أبِيتُ عَلَى الطّوَى وَأظَلّهُ * حَتَّى أَنَالَ بِه كَرِيمَ المأْكَلِ

أراد أبيتُ على الطوى وأظل عليه، فحذف حرف الجر وأصل الفعل، والباء في ‏"‏به‏"‏ بمعنى مع، أي حتى أنال مع الجوع المأكَلَ الكريمَ فلا يُتَّضع شرفي ولا تنحطُّ درجتي، وينشد أيضاً‏:‏

فَتىً كان يُدْنِيِه الغِنَي من صَدِيقِهِ * إذَا ما هُوَ اسْتَغْنَي ويُبْعِدُهُ الفَقْرُ

والأصلُ في هذا كلام أكثم بن صيفي حيث قال‏:‏ الدنيا دُوَل، فما كان منها لك أتاك على ضَعْفك، وما كان منها عليك لم تَدْفَعْه بقوتك، وسُوءُ حمل الغنى يْورِثُ مرحاً، وسوء حمل الفاقة يضع الشرفَ، والحاجة مع المحبة خيرٌ من البغضة مع الغنى والعادة أمْلَكُ بالأدب ‏.‏

1802- سَمِنَ كَلْبٌ بِبُؤْسِ أَهْلِهِ

يقال‏:‏ كلبٌ اسمُ رجلٍ خِيف فسئل رَهْناً فرهَنَ أهله ثم تمكن من أموال مَنْ رهنهم أهلَه فساقها وترك أهله، قال الشاعر‏:‏

وفينا إذا ما أنْكَرَ الكَلْبُ أهْلَهُ * غَدَاةَ الصَّبَاحِ الضَّارِبُونَ الدَّوابِراَ

‏(‏كذا، ولعله ‏"‏غداة الصياح‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

يعني إذا خذل غيرُنا أهلَه تخلُّفاً عن الحرب فنحن نضرب الدروعَ، والدوابر‏:‏ حلَقُ الدُّروعِ، يقال‏:‏ درع مُقَابَلَة مُدَابَرَة، إذا كانت مُضَاعفة‏.‏

1803- اسْتَكَّتْ مَسَامِعُهُ

معناه صَمَتَ، وأصله السَّكَكُ، وهو صغر الأذنين، وكأنَّ السكك صار كنايةً عن انتفاء السمع، حتى كأن الأذن ليست، وفي انتفائها معنى الصَّمَم، والمراد منه صَمَّتْ أذنه ولا سَمِعَ ما يسره‏.‏ ‏[‏ص 338‏]‏

1804- اسْمَحْ يُسْمَحْ لكَ

ويروى ‏"‏أسْمِحْ‏"‏ بقطع الألف ‏.‏

يضرب في المُوَاتاة والمُوَافقة‏.‏

1805- أَساَءَ كَارِهٌ مَا عَمِلَ

وذلك أن رجلا أكْرَهَ رجلا على عمل فأساء عملَه فقال هذا المثل‏.‏

يضرب لمن تُطلب إليه الحاجة فلا يبالغ فيها‏.‏

1806- َاٌد مِنْ عَوَزٍ

السِّدَاد‏:‏ اسم من سَدَّ يَسُدَّ سَدّا، والسَّداد‏:‏ لغة فيه، قاله ابن السكيت، وقال ثعلب‏:‏ السِّداد من سَدّ يَسُد، والسَّدَاد من سَدَّ السهم يَسُدُّ، وقال النضر بن شميل‏:‏ أصل السِّداد شيء من اللبن يَيْبَس في إحليل الناقة، سمي به لأنه يَسُدُّ مَجْرَى اللبن، والعَوَز‏:‏ اسم من الإعواز، يقال‏:‏ أعْوَزَ الرجلُ، إذا افتقر، وعَوِز مثله، وعَوِز الشيء يَعْوَزُ عَوَزاً، إذا لم يوجد‏.‏

يضرب للقليل يسد الخَلَّة ‏.‏

1807- سَبَّحَ ليَسْرِقَ

يضرب لمن يُرَائي في عمله‏.‏

1808- سَلأََتْ وأَقَطَتْ

أي أذَابَتِ السمنَ وجَفَّفَتِ الأقِطَ‏.‏

يضرب لمن أخْصَبَ جنابه بعد جَدْب

1809- استُرْ عَوْرَةَ أَخِيكَ لِمَا يَعْلَمُهُ فِيكَ

أي إن بحثْتَ عنه بحثَ عنك، كقولهم‏:‏ من نَجَلَ الناسَ نَجَلُوه

1810- سَفِيهٌ مَأْمُورٌ

هذا من كلام سعد بن مالك بن ضُبَيعة للنعمان بن المنذر، وقد ذكرته في قولهم‏"‏إن العصا قُرِعَتْ لذي الحلم‏"‏‏.‏

1811- سَوَاءُ ُهَو والعَدَمُ

ويقال‏:‏ العُدْم، وهما لغتان، ويروى‏:‏ سواء هو والقَفْرُ، أي إذا نزلْتَ به فكأَنك نازل بالقِفَار المُمْحِلَة، قاله أبو عبيد‏.‏

يضرب للبخيل‏.‏

1812- سَمِنَ فَأَرِنَ

الأرَنُ‏:‏ النشاط، يقال‏:‏ أرِنَ فهو أرِنٌ وأرُونُ مثل مَرِحٍ ومَرُوح‏.‏

يضرب لمن تَعَدَّى طَوْره‏.‏

1813- سَوَّاءٌ لَوَّاءٌ

هما فَعَّال من اسْتَوَى والْتَوَى

قلت‏:‏ هذا شاذ‏:‏ أن يبنى فَعَّالٌ من غير الثلاثي، ومثل قول الأخطل‏:‏

لاَ بِالْحَصُورِ وَلا فِيهَا بِسأَّرِ*

وقولهم جَبَّار، وهما من اسْأرْت وأجْبَرْتُ‏.‏ ‏[‏ص 339‏]‏

والمثل يضرب للنساء، أي هن يستوين ويلتوين ويجتمعن ويتفرقن ولا يثبتن على حال واحدة، ويضرب للمُتَلَوِّن‏.‏

ويقال أيضا للنساء‏:‏

1814- سَوَاهٍ لَوَاهٍ

من السَّهْو واللَّهْو، يعني أنهن يَسْهُونَ عما يجب حفظُه ويشتغلن باللهو‏.‏

1815- سُرِقَ السَّارِقُ فَانْتَحَرَ

يقال ‏"‏انْتَحَرَ الرجلُ‏"‏ إذا نَحَر نفسه حزنا على ما فاته‏.‏

وأصله أن سارقاً سرق شيئاً فجاء به إلى السوق ليبيعه، فسُرِقَ، فنحر نفسه حزناً عليه، فصار مثلاً للذي يُنتزع من يده ما ليس له فيجزع عليه، يقال‏:‏ سَرَق منه مالاً، وسَرَقَه مالاً، على حذف حرف الجر وتعدية الفعل بعد الحذف، أو على معنى السَّلْب كأنه قال‏:‏ سَلَبه مالاً‏.‏

وتقدير المثل سُرِق السارقُ سرقَتَه، أي مسروقه، فانتحر‏:‏ أي صار منحوراً كمداً‏.‏

1816- سَفِيهُ لَمْ يَجِدْ مُسَافِهاً

هذا المثل يروى عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما، قاله لعمرو بن الزبير حين شمته عمرو‏.‏

1817- السَّليِمُ لاَ يَنَامُ َولاَ يُنِيمُ

قال المفضل‏:‏ أول مَنْ قال ذلك إلياس ابن مُضَر، وكان من حديث ذلك - فيما ذكر الكلبي عن الشَّرْقي بن القطامي - أن إبل إلياس نَدَّتْ ليلاً، فنادى ولدَه وقال‏:‏ إني طالب الإبل في هذا الوجه، وأمر عَمْرا ابنه أن يطلب في وَجْه آخر، وترك عامراً ابنه لعلاج الطعام، قال‏:‏ فتوجه إلياس وعمرو وانقطع عمير ابنه في البيت مع النساء، فقالت ليلى بنت حُلْوان امرأتُه لإحدى خادميها‏:‏ اخرجي في طلب أهلك، وخرجت ليلى فلقيها عامر محتقباً صيداً قد عالجه، فسألها عن أبيه وأخيه فقالت‏:‏ لا علم لي، فأتى عامر المنزل وقال للجارية‏:‏ قُصِّي أثر مولاك، فلما ولَّت قال لها‏:‏ تَقَرْصَعِي، أي اتئدي وانقبضي، فلم يَلْبَثوا أن أتاهم الشيخ وعمرو ابنه قد أدرك الإبل، فوضع لهم الطعام، فقال إلياس‏:‏ السليم لا ينام ولا ينيم، فأرسلها مثلاً، وقالت ليلى امرأته‏:‏ والله إن زِلْتُ أخَنْدِفُ في طلبكما والهة، قال الشيخ‏:‏ فأنت خِنْدِف، قال عامر‏:‏ وأنا والله كنت أدْأبُ في صَيْدٍ وطَبْخٍ، قال‏:‏ فأنت طَابِخَةٌ قال عمرو‏:‏ فما فعلت أنا أفضل، أدْرَكْتُ الإبلَ، قال‏:‏ فأنت مُدْرِكة، وسمي عميراً قمعَةً، لانقماعه في البيت، فغلبت هذه الألقاب على أسمائهم،‏[‏ص 340‏]‏

يضرب مثلا لمن لا يستريح ولا يُريح غيرَه‏.‏

1818- اسْعَ بِجَدَّكَ لاَ بِكَدِّكَ

قالوا‏:‏ إن أول من قال ذلك حاتم بن عميرة الهَمْدَاني، وكان بَعَثَ ابنيه الحِسْلَ وعاجنة إلى تجارة، فلقي الحِسْلَ قومٌ من بني أسد، فأخذوا ماله وأسروه، وسار عاجنة أياما ثم وقع على مالٍ في طريقه من قبل أن يبلغ موضع مَتْجَره، فأخذه ورجع وقال في ذلك‏:‏

كَفَائيِ اللّه بُعْدَ السَّيْر، إني * رَأيتُ الخَيْرَ في السفر الْقَرِيبِ

رأيتُ الْبُعْدَ فيِه شَقاً وَنأيٌ * ووَحْشَة كلِّ مُنْفَرِدٍ غَرِيبِ

فأسْرَعْتُ الإيابَ بخَيْرِ حالٍ * إلى حَوْرَاء خُرْعبُةٍ لَعُوبِ

وإني لَيْسَ يَثْنيني إذا ما * رَحَلتُ سنوحُ شَحَّاج نَعُوب

فلما رجع تباشَر به أهلُه، وانتظروا الحِسْل، فلما جاء إبَّانُه الذي كان يجيء فيه ولم يرجع رَابَهم أمرُهُ، وبعث أبوه أخاً له لم يكن من أمه يقال له شاكر في طلبِه والبحثِ عنه، فلما دنا شاكر من الأرض التي بها الحِسْلُ وكان الحسل عائفاً يَزْجُر الطيرَ فقال‏:‏

تُخَبِّرُنيِ بالنجاةِ القَطَاةُ * وقَوْلُ الْغُرَابِ بها شَاهِدُ

تقول‏:‏ ألاَ قَدْ دَنَا نَازِحٌ * فِدَاء له الطرف وَالتَّالِدُ

أخ لم تكُنْ أمُّنَا أمَّهُ * ولكن أبوُنا أبٌ واحِدُ

تداركَنِي رأفَةً حَاتِمٌ * فَنِعْمَ المربِّبُ وَالوَالِدُ

ثم إن شاكراً سأل عنه، فأخبر بمكانه فاشتراه ممن أسَره بأربعين بعيراً، فلما رجع به قال له أبوه‏:‏ اسْعَ بجَدِّك لا بكدك، فذهبت مثلا‏.‏

1819- سِرْ عَنْكَ

قالوا‏:‏ إن أول من قال ذلك خِدَاش بن حابس التَّميمي، وكان قد تزوج جارية من بني سَدوس يقال لها الرَّباب وغاب عنها بعد ما مَلَكها أعواما، فعلقها آخر من قومها يقال سلم، ففضحها، وإن سلما شَرَدَت له إبل فركب في طلبها، فوافاه خِداش في الطريق، فلما علم به خداش كتَمَه أمرَ نفسِه ليعلم علم امرأته، وسارا، فسأل سلم خداشا‏:‏ ممن الرجل‏؟‏ فخبره بغير نسبه، فقال سلم‏:‏

أغِبْتَ عَنِ الرَّبَابِ وَهَامَ سَلْمٌ * بِهَا وَلَها بِعِرْسِكَ يَاخِدَاشُ ‏[‏ص 341‏]‏

فَيَالَكَ بَعْلَ جاريةٍ هَوَاهَا * صَبُورٌ حين تَضْطَرِبُ الْكِبَاشُ

وَيَا لَكَ بَعْلَ جاريةٍ كَعُوبٍ ‏(‏كذا، ولعله‏"‏لعوب‏"‏أو ‏"‏كعاب‏"‏‏)‏ * تَزيدُ لذاذةً دُونَ الرَّيَاشِ

وَكُنْتَ بها أخَا عَطَشٍ شَدِيدٍ * وَقَدْ يَرْوَى عَلَى الظّمَأ العِطَاشُ

فإن أرْجِعْ وَيَأْتيهَا خِدَاش * سَيُخْبِرُهُ بمَا لاقى الفِرَاشُ

فعرف خداش الأمر عند ذلك، ثم دنا منه فقال‏:‏ يا أخا بني سَدوس، فقال سلم‏:‏ علقتُ امرأةً غاب عنها زوجُها، فأنا أنْعَمُ أهلِ الدنيا بها، وهي لذة عيشي، فقال خداش‏:‏ سر عنك، فسار ساعة، ثم قال‏:‏ حدثنا يا أخا بني سَدوس عن خليلتك، قال‏:‏ تَسَدَّيتُ خِباءها ليلا فبتُّ بأقر ليلة أعلُو وأعْلى وأعانِق وأفْعَلُ ما أهوى، فقال خداش‏:‏ سر عنك، وعرف الفضيحةَ، فتأخرَّ واخترط سيفه وغَطّاه بثوبه، ثم لحقه وقال‏:‏ ما آية ما بينكما إذا جئْتَها، قال‏:‏ أذهَبُ ليلا إلى مكان كذا من خِبائها وهي تخرج فتقول‏:‏

يالَيْلُ هَلْ مِنْ ساهرٍ فيكَ طالبٍ * هَوَى خلَّةٍ لا يَنْزَحَنْ مُلْتَقَاهُماَ

فأجاوبها‏:‏

نَعَمْ سَاهِرٌ قَدْ كَابَدَ الليلَ هائِم * بِهاَئِمَةٍ ما هَوَّمَتْ مُقْلَتَاُهُماَ

فتعرف أني أنا هو، ثم قال خداش‏:‏ سر عنك، ودنا حتى قَرَن ناقته بناقته، وضربه بسيفه فأطار قِحْفَهُ وبقي سائره بين سرخي الرَّحْل يضطرب، ثم انصرف فأتى المكانَ الذي وصَفه سلم، فقعد فيه ليلا، وخرجت الرَّباب وهي تتكلم بذلك البيت، فجاوبها بالآخر، فدنَتْ منه وهي ترى أنه سلم، فقنَّعها بالسيف ففلَق ما بين المفرق إلى الزور، ثم ركب وانطلق ‏.‏

يضرب في التغابي والتغاضي عن الشيء‏.‏ قلت‏:‏ بقي معنى قوله‏"‏سر عنك‏"‏ قيل‏:‏ معناه دَعْني واذْهَبْ عني، وقيل‏:‏ معناه لا تربع على نفسك، وإذا لم يربع على نفسه فقد سار عنها، وقيل‏:‏ العربُ تزيد في الكلام ‏"‏عن‏"‏ فتقول‏:‏ دع عنك الشك، أي دع الشك، وقيل‏:‏ أرادوا بعنك لا أبالك وأنشد‏:‏

فصار واليوم له بَلاَبِلُ * من حُبِّ جُمْلٍ عَنْكَ ما يُزَايِلُ

أي لا أبالك، فعلى هذا معناه‏:‏ سر لا أبالك، على عادتهم في الدعاء على الإنسان من غير إرادة الوقوع‏.‏

1820- اُسْتُ المسْؤُلِ أَضْيَقُ‏.‏

لأن العيب يرجع إليه، قاله أسَدُ بن ‏[‏ص 342‏]‏ خُزَيمة في وصيته لبنيه عند وفاته، قال‏:‏ يا بني اسألوا فإن اسْتَ المسؤل أَضْيَقُ‏.‏

1821- سُوءُ الاسِتْمسَاكِ خَيْرٌ مِنَ حُسْنِ الصِّرْعَةِ

يعني حصول بعض المراد على وجه الاحتياط خيرٌ من حصول كله على التهور‏.‏

1822- سَدِكَ بامْرِىءٍ جُعَلُهُ

أي‏:‏ أولِعَ به كما يُولَع الْجُعَل بالشيء ‏.‏

يضرب لمن يُفْسد شيئاً‏.‏

قال أبو زيد‏:‏ وذلك أن يطلب الرجل حاجة فإذا خلا ليذكر بعضَها، جاء آخر يطلب مثلها، فالأول لا يقدر أن يذكر شيئاً من حاجته لأجله فهو جُعَله، وقال‏:‏

إذا أَتَيْتُ سُلَيْمَى شبَّ ليِ جُعَلٌ * إنَّ الشَّقِيَّ الذي يُلْكَى به الُجْعَلُ

‏(‏يلكى به الجعل‏:‏ يولع به‏.‏‏)‏

وقال أبو الندى‏:‏ سَدِك بأمْرِي جُعَله، ومَنْ قال ‏"‏ بامرىء ‏"‏ فقد صَحَّف‏.‏

1823- سُقُوا بِكَأْسِ حَلاَقِ

يعني أنَّهم اسْتُؤْصِلوا بالموت، وحَلاَقِ‏:‏ اسمٌ للمنية لأنه يستأصِلُ الأحياء كما يستأصل الْحَلْقُ الشعْرَ ‏.‏

1824- سُلِّي هَذَا مِنَ اُسْتِكِ أَوَّلاً

يضرب لمن يَلُومك وهو أَحَقُّ باللوم منك ‏.‏

1825- سُبَّنِي وَأُصْدُقْ

يضرب في الحثِّ على الصدق في القول، وأصلُ السبِّ إصابة السُّبَّة، يعني الاست‏.‏

1826- سَيْرُ السّوَانِي سَفَرٌ لا يَنْقَطِعُ

السَّوَاني‏:‏ الإبلُ يُسْتَقى عليها الماء من الدوليب، فهي أبداً تسير‏.‏

1827- سَلَكُوا وَادِيَ تُضُلِّلَ

يضرب لمن عمل شيئاَ فأخطأ فيه‏.‏

1828- سَقَطَتْ بِهِ النَّصيِحةُ عَلَى الظِّنَّة

أي أسْرَفَ في النصيحة حتى اتُّهم‏.‏

1829- سَبَّكَ مَنْ بَلَّغَكَ السَّبَّا

أي مَنْ واجَهَك بما قَفاك به غيره من السبّ فهو السابّ‏.‏

1830- سَبِّحْ يَغْتَرُّوا

أي أَكْثِرْ من التسبيح يغترُّوا بك فيثقوا فتخونهم‏.‏

يضرب لمن نَافَقَ‏.‏

1831- سِيلَ بِهِ وَهْوَ لا يَدْرِي

أي ذهب به السيلُ، يريد دُهِي وهو لا يعلم‏.‏

يضرب للساهي الغافل، وقال‏:‏

يا مَنْ تمادى في مُجُون الْهَوَى * سالَ بك السَّيْلُ ولا تدْرِي ‏[‏ص 343‏]‏

1832- سِرُّكَ مِنْ دَمِكَ

أي ربما كان في إضاعة سرك إراقة دمك، فكأنه قيل‏:‏ سرُّك جزءٌ من دَمِكَ

1833- سُوءُ الاكْتِسَابِ يَمْنَعُ مِنَ الانْتِسَابِ

أي قُبْحُ الحال يمنع من التعرف إلى الناس‏.‏

1834- سَيْرَيْنِ في خُرْزَةٍ‏.‏

يضرب لمن يجمع حاجتين في حاجة، وقال‏:‏

سأجْمَعُ سَيْرَيْنِ في خُرزة * أمجِّدُ قومي وأحْمِي النَّعَمْ

وقال ابو عبيدة‏:‏ ويروى ‏"‏خرزتين في سير‏"‏ قال‏:‏ وهو خطأ، ونصب ‏"‏سيرين‏"‏ على تقدير استعمل أو جَمَع، قال أبو عبيد‏:‏ ويروى ‏"‏خرزتين في خرزة‏"‏‏.‏

1835 سَأَكْفِيكَ ما كانَ قِوَالا‏.‏

كان النَّمْرُ بن تَوْلَب العُكْلي تزوج امرأة من بني أسَد بعد ما أسنَّ يقال لها‏:‏ جمرة بنت نوفل، وكان للنمر بنو أخ، فراودها عن نفسها، فشكَتْ ذلك إليه، فقال لها‏:‏ إذا أرادوا منك شيئاً من ذلك، فقولي كذا وقولي كذا، فقالت‏:‏ سأكفيك ما يرجع إلى القول والمُجَاملة ‏.‏

1836- أَسْرَعَ فِي نَقْصِ امْرِيءٍ تمامهُ‏.‏

يعني أن الرجل إذا تمَّ أخذ في النُّقْصَان‏.‏

1837- اسْتَوَتْ بِهِ الأَرْضُ‏.‏

يعنون أنه مات ودَرَس قبره حتى لا فرق بينه وبين الأرض التي دُفن فيها‏.‏

1838- أَسْوأُ القَوْلِ الإفْرَاطُ‏.‏

لأن الإفراط في كل أمر مُؤَدٍّ إلى الفساد‏.‏

1839- السَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بغَيْرِهِ‏.‏

أي ذو الْجَدِّ من اعتبر بما لحق غيره من المكروه فيجتنب الوقوع في مثله‏.‏

قيل‏:‏ إن أول من قال ذلك مَرْثَد بن سَعْد أحد وَفْد عاد الذين بُعِثُوا إلى مكة يَسْتَسْقُون لهم، فلما رأى ما في السحابة التي رُفعت لهم في البحر من العَذَاب أَسْلَم مرثد، وكتم أصحابَه إسلامه، ثم أقبل عليهم فقال‏:‏ ما لكم حَيَارى كأنكم سَكَارى، إن السعيد من وُعِظ بغيره، ومن لم يعتبر الذي بنفسه يلقى نَكَال غيره، فذهبت من قوله أمثالا‏.‏

1840- سِيَّانِ أَنْتَ وَالعُزْلُ‏.‏

الأعزل‏:‏ الذي لا سلاح معه‏.‏

يضرب لمن لا غَنَاء عنده في أمر‏.‏

1841- سَفَهٌ بالنَّابِ الرُّغَاءُ‏.‏

أي سَفَه بالشيخ الكبير الصِّبا والتَّضَجر ‏[‏ص 344‏]‏

1842- سَوْفَ تَرَىَ وَيَنْجَلِي الغُبَارُ * أَفَرَسٌ تَحْتَكَ أَمْ حِمَارُ

يضرب لمن يُنْهَى عن شيء فيأبى ‏.‏

1843- أَسْمَعُ صَوْتاً، وَأَرَى فَوْتاً

يضرب لمن يَعِدُ ولا يُنْجز‏.‏

1844- أَسْرِعْ فِقْدَاناً تُسْرِعُ وِجْدَانا‏.‏

أي إذا كنت متفقداً لأمرك لم تَفُتْكَ طَلِبَتُكَ‏.‏

1845- سَلَّطَ اللّهُ عَلَيْهِ الأَيْهَمَيْنِ‏.‏

ويقال‏:‏ ‏"‏الأعميين‏"‏ يعني السيلَ والجَمَلَ الهائج‏.‏

1846- سُورِى سَوارِ‏.‏

مثل قولهم ‏"‏ صمي صَمَامِ‏"‏ للداهية، قال الأزدي‏:‏

فقام مُؤَذِّنٌ مِنَّا وَمِنْهُمْ * يُنَادِي بالضُّحَى سُورِي سَوَارِ

1847- سَبَهْلَلٌ يَعْلُو الأَكَمَ‏.‏

السَّبَهْلَل‏:‏ الفارغ‏.‏

يضرب لمن يصعد في الآكام نَشَاطا وفراغا‏.‏

1848- سَائِلُ اللّهِ لا يَخِيبُ‏.‏

يضرب في الرغبة عن الناس وسؤالهم

1849- سَحَابَةُ صَيْفٍ عَنْ قَلِيلٍ تَقَشَّعُ‏.‏

يضرب في انقضاء الشيء بسرعة‏.‏

1850- السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَاب‏.‏

يعني من عذاب جهنم، لما فيه من المشاق‏.‏

1851- السَّفَرُ مِيزَانُ السَّفْرِ‏.‏

أي أنه يُسْفِرُ عن الأخلاق‏.‏

1852- سُوءُ الظَّنِّ مِنْ شِدَّةِ الضَّنِّ‏.‏

هذا مثل قولهم‏:‏ ‏"‏ إن الشَّفيق بسوء ظَنِّ مُولَع‏"‏‏.‏

1853- سَقَطَ العَشَاءُ بِهِ عَلَى مُتَقَمِّرِ‏.‏

قالوا‏:‏ هو الأسد يَطْلُب الصيد في القَمْراء، وأراد سقط طلبُ العَشَاء به على كذا، وعلى هذا تقدير ما تقدم من قولهم‏"‏ سقط العشاء به على سِرْحَان‏"‏‏.‏

1854- سَمْعاً لا بَلْغاً‏.‏

يضرب في الخبر لا يعجب، أي نسمع به ولا يتم‏.‏

ويقال‏"‏ سِمْعاً لا بِلْغاً‏"‏ وقال الكسائي إذا سمع الرجل الخبرَ لا يعجبه، قال اللهم‏:‏ سَمْع لا بَلْغ، وسِمْع لا بِلْغ‏.‏

قلت‏:‏ السَّمْع‏:‏ مَصْدر وضع موضع ‏[‏ص 344‏]‏ المفعول، والبَلْغ‏:‏ البالغ، يقال‏:‏ أمر الله بَلْغ، والسِّمْع - بالكسر - فِعْل بمعنى مفعول كالذِّبْح والطِّحن والفِرْق والفِلْق، والبِلْغ - بالكسر - ازدواج وإتباع للسِّمْع، ونصب سمعاً وبلغا على معنى اللهم اجعله - يعني الخبر - مسموعاً لا بالغاً، ومن رفع حذف المبتدأ‏:‏ أي هذا مسموع لا يبلغ تمامه، وحقيقته على طريق التفؤل ‏.‏

1855- سَهْمُ الْحَقِّ مَرِيشٌ يَشُكُّ غَرَضَ الْحُجَّةِ‏.‏

الشَّكُّ‏:‏ الشق، ومنه قول عنترة‏:‏

فَشَكَكْتُ بالرُّمْح الأصَمِّ ثيَابَهُ * لَيْسَ الْكَرِيمُ عَلَى الْقَنَا بِمُحَرَّمِ

1856- سَلِمَ أَدِيمُهُ مِنَ الْحَلَمِ‏.‏

يقال‏:‏ حَلِمَ الأديم، إذا وقع فيه الحَلَمَةُ ‏(‏ الحلمة - بفتحات - دودة تقع في الجلد فتأكله، والأديم‏:‏ الجلد‏.‏‏)‏ يضرب لمن كان بارعاً سالماً من الدَّنَسِ

1857- سَبَنْتَاةٌ في جِلْدِ بَجَنْدَاةٍ‏.‏

السبنتي‏:‏ النَّمِرُ، وألفه ليست للتأنيث ويقال للمؤنث‏:‏ سَبَنْتَاة، والجمع سَبَانِت، ومنهم من يقول سَبَانيت، وبعضهم يقول‏:‏ سَبَاتٍ، وكذلك في جمع بَخَنْدَاة بَخَانِد وبَخَادٍ، وفي جمع عَلَنْدَاة عَلاَنِد وعَلاَدٍ‏.‏

يضرب للمرأة السَّلِيطة الصَّخَّابة‏.‏

1858- اسْمَعْ مِمَّنْ لاَ يَجِدُ مِنْكَ بُدّاً‏.‏

يضرب في قبول النصيحة، أي اقْبَلْ نصيحة من يطلب نفعك، يعني الأبوين، ومن لا يستجلب بنصحك نفعا إلى نفسه بل إلى نفسك‏.‏

1859- سَالَ بِهِمِ السَّيْلُ وَجَاشَ بِنَا البَحْرُ‏.‏

أي وقعوا في شديد ووقعنا نحن في أشد منه، لأن الذي يجيش به البحر أشَدُّ حالا من الذي يسيل به السيل‏.‏

1860- سَحَابَةٌ خَالَتْ وَلَيْسَ شَائِمٌ‏.‏

يقال‏:‏ أخالت السحابةُ، وتَخَيِّلَتْ، إذا رجت المطر، فأما خالت فلا ذكر له في كتب اللغة، والصحيح أخالت، والشائم‏:‏ الناظر إلى البرق‏.‏

يضرب لمن له مال ولا آكل له‏.‏

1861- اسْأَلْ عَنِ النَّقْيِ النَّشُّولَ المُصْطَلِب‏.‏

النِّقْي‏:‏ المُخُّ‏.‏ والنَّشول‏:‏ مبالغة الناشل، وهو الذي ينشل الحم من القِدْر، والمُصْطَلِب‏:‏ الذي يأخذ الصليب وهو الوَدَك‏.‏

يضرب لمن احْتَجَنَ مال غيره إلى نفسه‏.‏ ‏[‏ص 346‏]‏

1862- سِلْقَةُ ضَبٍّ وَاأَمَتْ مَكُوناً‏.‏

السِّلقة‏:‏ الضبة التي قد ألقت بَيْضها، والمَكُون‏:‏ التي جمعت بيضَها في جوفها، والمُوَاأمة‏:‏ المفاخرة‏.‏

يضرب للضعيف يُبَارى القوي‏.‏

1863- أَسْرِعْ بِذَاكمْ صَابَةً نِقَاباً‏.‏

يقال إن امرأةً خرجَتَ من بيتها لحاجةٍ فلما رجعت لم تهتدِ إلى بيتها، فكانت تردد بين الحي على تلك الحال خمسا، ثم أشرفت فرأت بيتها إلى جنبها فعرفته فقالت‏:‏ أسْرِعْ بذاكم صابة نقابا، يقال‏:‏ لقيت فلانا نِقَابا، أي فجأة، وتعني بقولها ‏"‏ صَابَةً‏"‏ إصابة وهي مثل الطَّاقَة والطَّاعة والجابة، أي ما أسْرَعَ الإصابة مفاجئة ‏.‏

يضرب لمن بالغ في إبطائه ويَرَى أنه أسرع فيما أمر به‏.‏

1864- سَيْلٌ بِدِمْنٍ دَبَّ فِي ظَلامِ‏.‏

الدِّمْن‏:‏ البعر والرَّوْث يدب السيلُ تحته فلا يشعر به حتى يهجم ولا سيما في الظلام‏.‏

يضرب لمن يظهر الودَّ ويضمر الود ويضمر العداوة‏.‏

1865- سَمَّيْتُكَ الفَشْفَاشَ إِنْ لَمْ تَقْطَعِ‏.‏

الفَشْفَاش‏:‏ السيف الكَهَام، وروى أبو حاتم الفشفاش - بكسر الشين - جعله مثل قطام ورقاش، ثم أدخل عليه الألفَ واللام‏.‏

يضرب لمن ينفذ في الأمور ثم خيف منه النبوّ‏.‏

1866- سِيرِي عَلَى غَيْرِ شُجُرٍ فَإنِّي غَيْرُ مُتَعَتَّهٍ لَهُ‏.‏

قال المؤرج‏:‏ سمعت رجلا من هُذْيل يقول لصاحبه إذا رَوِيَ بعيرُك فسره بهذه الصخرة، أي اربِطْهُ بها، والشُّجُر‏:‏ جمع شِجار، وهو العود يلقي عليه الثياب، والتعته‏:‏ التنوق والتحذلق، يقول‏:‏ اربطي على غير عود مَعْروض فإني غير مُتَنَوِّق فيه، وذلك لأن العود إذا عرض فربط عليه القِدُّ كان أثبتَ له‏.‏

ومعنى المثل لا تكلفني فوق ما أطيق، قاله المؤرج‏.‏ ‏[‏ص 347‏]‏

*3*ما جاء على أفعل من هذا الباب‏.

1867- أسْرَقُ مِنْ شِظَاظٍ‏.‏

هو رجل من بني ضبة كان يصيبُ الطريقَ مع مالك بن الرَّيْب المازني، زعموا أنه مَرَّ بامرأة من بني نمير وهي تعقل بعيراً لها وتتعوّذ من شر شِظَاظ، وكان بعيرها مُسِنا، وكان هو على حاشية من الإبل وهي الصغير، فنزل وقال لها‏:‏ أتخافين على بعيرك هذا شِظَاظاً‏؟‏ فقالت‏:‏ ما آمَنُه عليه، فجعل يَشْغَلها، وجعلت تُرَاعى جمله بعينها، فأغفلت بعيرها، فاستوى شِظاظ عليه وجعل يقول‏:‏

رُبَّ عَجُوزٍ من نمير شَهْبَرهْ * عَلَّمْتُهَا الإنقاض بَعْدَ الْقَرْقَرَهْ

الإنقاض‏:‏ صوت صغار الإبل، والقرقرة‏:‏ صت مَسَانِّها، فهو يقول‏:‏ علمتها استماعَ صوت بعيري الصغيرِ بعد استماعها قرقرةَ بعيرها الكبير‏.‏

1868- أسْألُ مِنْ فَلْحَسِ‏.‏

ويروى ‏"‏أعظم في نفسه من فَلْحَس‏"‏ وهو رجل من بني شَيْبان، كان سيداً عزيزاً يسأل سَهْماً في الجيش وهو في بيته فيُعْطَى لعزه، فاذا أعْطِيَه سأل لامرأته، فإذا أعْطِيَهُ سأل لبعيره‏.‏

قال الجاحظ‏:‏ كان لفلحس ابن يقال له زاهر بن فَلْحَس مَرَّ به غَزِيٌّ من بني شيبان فاعترضهم، وقال‏:‏ إلى أين ‏؟‏ قالوا‏:‏ نريد غَزْوَ بني فلان، قال‏:‏ فاجعلوا لي سَهْما في الجيش، قالوا‏:‏ قد فعلنا، قال‏:‏ ولامرأتي، قالوا‏:‏ لك ذلك، قال‏:‏ ولناقتي، قالوا‏:‏ أما ناقتُكَ فلا، قال‏:‏ فإني جارٌ لكل من طلعت عليه الشمس ومانعُه منكم، فرجعوا عن وَجْههم ذلك خائبين، ولم يغزو عامَهم ذلك‏.‏

وقال أبو عبيد‏:‏ معنى قولهم‏"‏أسْألُ من فَلْحَس‏"‏أنه الذي يتحيَّنُ طعامَ الناسِ، يقال‏:‏ أتانا فلان يتفلحس، كما يقال في المثل الآخر‏:‏ جاءنا يَتَطَفَّل، ففلحس عندُه مثل طُفَيْل‏.‏

1869- أسْأَلُ مِنْ قَرْثَعٍ‏.‏

هو رجل من بني أَوْس بن ثَعْلبة، وكان على عهد معاوية، وفيه يقول أعشى بني تغلب‏:‏

إذا ما الْقَرْثَعُ الأَوسِيُّ وَافَى * عَطَاءَ النَّاسِ أوْسَعَهُمْ سُؤَالاَ

1870- أَسْرَعُ مِنَ حُدَاجَةَ‏.‏

هو رجل من عَبْس بعثته بنو عَبْس ‏[‏ص 348‏]‏ حين قتلوا عمرو بن عمرو بن عدس - إلى الربيع بن زياد ومَرْوان بن زِنْبَاع ليُنْذِرَهُما قبل أن يبلغ بني تميم قتلُ صاحبهم فيغتالوهما فكان أسْرَعَ الناسِ، فضُرِبَ به المثل في السرعة‏.‏

1871- أَسْرَعُ مِنْ نِكاحِ أُمِّ خَارِجَةَ‏.‏

هي عَمْرَة بنت سعد بن عبد الله بن قدار بن ثعلبة، كان يأتيها الخاطبُ، فيقول‏:‏ خِطْبٌ، فتقول نِكْحٌ، فيقول‏:‏ انزلي، فتقول‏:‏ أنِخْ، ذكر أنها كانت تسير يوماً وابنٌ لها يقود جملَها فرفع لها شخص فقالت لابنها‏:‏ مَنْ ترى ذلك الشخص‏؟‏ فقال‏:‏ أراه خاطباً، فقالت‏:‏ يابنيَّ تراه يعجلنا أن نحل‏؟‏ ماله‏؟‏ أُلَّ وغلَّ‏.‏

وكانت ذَوَّاقَةً تُطَلَّقُ الرجلَ إذا جربته وتتزوج آخر، فتزوجت نيفا وأربعين زوجا وولدت عامة قبائل العرب، تزوجت رجلا من إيادٍ فخَلَعها منه ابنُ أختها خلف بن دعج، فخلف عليها بعد الإيادي بكر بن يَشْكُر بن عَدْوَان بن عمرو بن قَيْس عَيْلان فولدت له خارجة، وبه كنيت، وهو بطن ضخم من بطون العرب، ثم تزوجها عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو مُزَيْقيا، فولدت له سعداً أبا المُصْطَلق والحيا، وهما بَطْنان في خُزَاعة، ثم خَلَف عليها بكر بن عبد مَنَاة بن كِنانة، فولدت له لَيْشاً والدِّيلَ وعريجا، ثم خَلَفَ عليها مالك بن ثعلبة بن دُودَان بن أسد، فولدت له غَاضِرَةَ وعَمْراً، ثم خلَفَ عليها جُشَمُ بن مالك بن كعب بن القَيْن بن جَسْر من قُضَاعة، فولدت له عرنية بطناً ضخما، ثم خلَفَ عليها عامر ابن عمرو بن لحيون البَهْرَاني من قُضَاعة فولدت له ستة‏:‏ بَهْرَاء، وثعلبة، وهِلاَلا، وبيانا، ولخوة، والعنبر، ثم خلَفَ عليها عمروبن تميم، فولدت له أسيدا والهُجَيْم‏.‏

قال المبرد‏:‏ أم خارجة قد ولَدَت في العرب في نيف وعشرين حيا من آباء متفرقين

قال حمزة‏:‏ وكانت أم خارجة هذه ومارية بنت الجعيد العَبْدِية وعاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان السلمية وفاطمة بنت الخُرْشُب الأنمارية والسوّاء العَنْزِية ثم الهَزَّانية وسلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد أحد بني النجار وهي أم عبد المطلب بن هاشم، إذا تزوجت الواحدةُ منهنَّ رجلا وأصبحت عنده كان أمرُها إليها، إن شاءت أقامت، وإن شاءت ذهبت‏.‏

ويكون علامة ارتضائها للزوج أن تعالج له طعاما إذا أصبح‏.‏ ‏[‏ص 349‏]‏

1872- أَسْرَعُ مِنْ ذِي عَطَسٍ‏.‏

يعني به العُطَاس، وهذا كما يقال ‏"‏أسْرَعُ من رَجْعِ العُطَاس‏"‏

1873- أَسْرَعُ مِنَ الْيَدِ إِلَى الْفَمِ‏.‏

و‏"‏أقْصَدُ من اليد إلى الفم‏"‏

قال زهير بن أبي سلمى‏:‏

بكَرْنَ بُكُورَا وَاسْتَحَرْنَ بِسُحْرَةٍ * فَهُنَّ وَوَادِي الرَّسِّ كَالْيَدِ لِلْفَمِ

1874- أَسْمَعُ مِنْ فَرَسٍ، بِيَهْمَاء في غَلَسِ‏.‏

يقال‏:‏ إن الفرس يسقط الشعر منه فيسمع وقعه على الأرض ‏.‏

1875- أَسْرَعُ مِنْ فَرِيقِ الْخَيلِ‏.‏

هذا فَعِيل بمعنى مُفَاعل كنَدِيمٍ وجَلِيس، ويعني به الفرسَ الذي يُسَابق فيسبق، فهو يفارق الخيل وينفرد عنها‏.‏

1876- أَسْرَعُ غَدْرَةً مِنَ الذِّئْبِ‏.‏

وقال فيه بعض الشعراء‏:‏

وَكُنْت كذِئْبِ السُّوءِ إذْ قَالَ مَرَّةً * لعمروسة وَالذِّئْبُ غَرْثَانُ مُرْمِلُ

أأنْتِ الَّتِي فِي غَيْرِ ذَنْبٍ شَتَمْتِنِي * فَقَالَتْ‏:‏ مَتَى ذَا‏؟‏ قال‏:‏ ذَا عَامُ أوَّلُ

فَقَالَتْ‏:‏ وُلِدْت الْعَام، بَلْ رُمْتَ غَدْرَةً * فَدُونَكَ كُلْنِي لاَهَنَا لَكَ مَأكَلُ

1877- أسْرَعُ مِنْ وَرَلِ الْحَضِيضِ‏.‏

قال الخليل‏:‏ الوَرَلُ شيء على خِلْقة الضبِّ، إلا أنه أعظم، يكون في الرمال، فإذا نظر إلى إنسانٍ مَرَّ في الأرض لا يردُّه شيء‏.‏

1878- أَسْمَعُ مِنْ قُرَادٍ‏.‏

وذلك أنه يَسْمع صوتَ أخفاف الإبل من مسيرة يوم، فيتحرك لها‏.‏

قال أبو زياد الأعرابي‏:‏ ربما رحل الناسُ عن دارهم بالبادية وتركوها قِفَاراً، والقردان منتثرة في أعطان الإبل وأعقار الحياض، ثم لا يعودون إليها عشر سنين وعشرين سنة، ولا يخلفهم فيها أحد من سواهم، ثم يرجعون إليها فيجدون القردان في تلك المواضع أحياء، وقد أحَسَّت بروائح الإبل قبل أن توافي فتحركت، قال ذو الرمة‏:‏

بأعْقَارِه القِرْدَانُ هَزْلَي كأنَّهَا * نَوَادِرُ صيصاء المبيد المحطَّمِ

إذا سمعَتْ وَطْء الركاب تَنَعَّشَتْ * حُشَاشاتُهَا في غير لَحْمٍ ولا دَمِ

1879- أَسْرَعُ مِنْ الْخُذْرُوفِ‏.‏

هو حَجَر يُثْقَب وسَطُه فيُجْعَل فيه خيط يَلْعَبُ بها الصبيان، إذا مَدُّوا الخيطَ دَرَّ دَرِيراً، قال يصف الفرس‏:‏ ‏[‏ص 350‏]‏

وكأنَّهُنَّ أجادِلٌ وكأنَّهُ * خُذْرُوف يَرْمَعَةٍ بكفِّ غُلاَم

1880- أَسْرَعُ مِنْ عَدْوَى الثُّؤَبَاءِ‏.‏

وذلك أن من رأى آخر يتثاءب لم يَلْبث أن يفعل مثل فعله‏.‏

1881- أَسْرَعُ مِنْ تَلَمُّظِ الوَرَلِ‏.‏

ويروى‏"‏من تَلْميظة الوَرَل‏"‏

قالوا‏:‏ هو دابة مثل الضبِّ، واللمظ‏:‏ الأكل والشرب بطرف الشفة، يقال‏:‏ لَمَظَ يلمظ لَمْظاً، وتَلَمَّظَ يَتَلَمَّظُ أيضاً، إذا تتبع بلسانه بقيةَ الطعام في فمه، أو أخرج لسانه فمسح به شفتيه، ومن روى ‏"‏تلميظة وَرَل‏"‏ أراد الكثرة، ويقال ‏"‏ تلمظَتِ الحيةُ‏"‏ إذا أخرجت لسانَها كتلمظ الأكل‏.‏

1882- أَسْرَعُ مِنْ المُهَثْهِثَةِ‏.‏

وهي النمَّامة، هذه رواية محمد بن حبيب، وروى ابن الأعرابي المهتهتة - بالتاء المعجمة من فوقها بنقطتين - وقال‏:‏ هي التي إذا تكلمت قالت هت هت، قال حمزة‏:‏ وهذا التفسير غير مفهوم، قلت‏:‏ قال ابن فارس‏:‏ الهثهثة الاختلاط، والهتهتة صوتُ البكر، ‏"‏ورجل مِهَتٌّ‏"‏خفيف في العمل وقال الأصمعي‏:‏ رجل مِهَتٌّ وهَتَّات، أي خفيف كثير الكلام، وكلاهما - أعني التاء والثاء - يدلان على ما ذهب إليه محمد بن حبيب، لأن النَّمَّامة تخف وتسرع في نقل الكلام وتخليطه، وحكي عن أبي عمرو أن الهتاء الكذابة والنمامة، وأما ما قاله ابن الأعرابي‏:‏ إنها هي التي إذا تكلمت قالت هت هت، فإنه أراد قلة مبالاتها بما تقول لسخافة عقلها وكلامها، وجعل قولها صوتا لا معنى وراءه، كقولهم في حكاية الأصوات غَسْغَسَ إذا قال غس غس وهَجْهَجَ إذا قال هج هج، وأشباه ذلك، وإذا كان على هذا الوجه فتفسير ابن الأعرابي مفهوم‏.‏

1883- أَسْرَعُ غَضَباً مِنْ فَاسِيَةٍ‏.‏

يعنون الخنفَسَاء، لأنها إذا حركت فَسَتْ ونَتَّنَتْ‏.‏

1884- أَسْرَعُ مِنَ الْعَيْرِ‏.‏

قالوا‏:‏ إن العَيْر ههنا إنسان العين، سمي عيراً لنتوِّهِ، ومن هذا قولهم في المثل الآخر ‏"‏جاء فلان قبل عَيْر وما جرى‏"‏ يريدون به السرعة، أي قبل لحظة العين، قال تأبط شرا‏:‏

ونارٍ قد حَضَأتُ بُعَيْدَ وَهْنٍ * بِدَارٍ ما أرَدْتُ بها مُقَامَا

سِوَى تَحْلِيل رَاحِلَةٍ وعَيْر *أكَالِئُهُ مَخَافَةَ أنْ يَنَامَا ‏[‏ص 351‏]‏

ويروى‏"‏أغالبه‏"‏ وقوله‏"‏حضأت ‏"‏ أي أوقدت، ومما يجرى هذا المجرى قول الحارث بن حِلِّزَةَ‏:‏

زَعَمُوا أنَّ كُلَّ مَنْ ضَرَبَ الْعَيْـ * ـرَ ‏(‏العير‏)‏ مَوَالٍ لَنَا وَأنَّا الْولاَءُ

قالوا‏:‏ معنى قوله‏"‏كل من ضرب العير‏"‏ أي كل من ضرب بجَفْنٍ على عين، وهذا قول الخليل بن أحمد في كتاب العين، وحكى أبو حاتم عن أبي عبيدة والأصمعي عن أبي عمرو بن العَلاَء أنه قال‏:‏ ذهب مَنْ كان يُحْسِنُ تفسيرَهذا البيت، وقال قوم‏:‏ العيرُ السيد، وعنى به ههنا كليب وائل، سماه عيرا لأن كل ما أشرف من عَظْم الرجل يسمى عَيْراً، فلما كان كليب أشرفَ قومِه سماه عَيْرا، وزعم آخرون ممن العيرُ عندهم السيدُ أن السيد إنما سمي عَيْرا على التشبيه، لأن العير قَيِّمُ الأتُنِ وقَريعُها، وقال آخرون‏:‏ معنى قوله‏"‏زعموا أن كل من ضرب العير مُوَالٍ لنا‏"‏ أن العربَ ضربت العيرَ في أمثالها من وجوه كثيرة، فقالوا ‏"‏أقبل عير وما جرى‏"‏ و ‏"‏العير يضرط و المكواة في النار‏"‏ و‏"‏كذب العير وإن كان برح‏"‏ فيقول هذا الشاعر‏:‏ إن العربَ كلها قد ضربت العيرَ مثلا، وكُلُّ من جنى عليكم من العرب ألزمتمونا ذَنْبَه، وقال بعضهم‏:‏ إن هذا الشاعر عَنَى بقوله العير الوتد، سماه عيرا لنتوه مثل عير النصل، وهو الناتىء في وسطه، وذلك أن العرب كلها تضرب لبيوتها أوتاداً فيقول‏:‏ كل من ضرب لبيته وَتِداً ألزمتمونا ذنبه، وقال بعضهم‏:‏ العير جبل معروف، ومعنى قوله ضرب العير أي ضرب في عير وتد الخيمة، فيقول‏:‏ كل من سكن ناحيةَ عيرٍ ألزمتمونا ما يجنيه عليكم، وجاء في الحديث أن عَيْراً يسير في آخر الزمان إلى موضع كذا ثم يسير أحُد بعده، فيُرَاعُ الناسُ فيقولون‏:‏ سار أحدكم كما سار عير، وقال قوم‏:‏ عنى بقوله كل من ضرب العير إيادا أي أنهم أصحاب حمير، وقال آخرون‏:‏ بل عنى به المنذر بن ماء السماء لأن شمرا قتله يوم عين أباغ، وشمر حنفي من ربيعة فهو منهم، وقال آخرون‏:‏ المعنى أن العرب تضرب الأخْبِية لأنفسها والمضاربَ لملوكها، والمضارب إنما ترتبط بالأوتاد، فيقول‏:‏ إن كل من تُضرب له المضاربُ لنا خَوَل وعَبيد، قال أبو حاتم‏:‏ قد أكثر الناسُ في هذا، وليس شيء منه بمُقْنع، وإنما أصل العَيْر العَيِّرُ والعائر، فأحوجه الشعر واضطره إلى أن قال العَيْر، والعَيْر والعَيَّر والعائر كلُّها هو ما ظَهَر على الحَوضْ من قذًى، فإذا أرادوا أن ينفوا عنه ما عارضه من القذى نَضَحوه بالماء ‏[‏ص 352‏]‏ فانتفت الأقذاء عنه إلى جُدْرَان الحوض وصَفَا الماء لشاربه، فالعربُ أصحاب حِياض، وهذا فعلُهم بها، فيقول هذا الشاعر‏:‏ إن إخواننا من بكر بن وائل، زعموا أن كل من قَرَى في الحِياض ونَفَى الأقذاء عن مائها مَوَالٍ لنا وأن لنا الولاء عليهم‏.‏

1885- أَسْمَعُ مِنْ سِمْعٍ‏.‏

ويقال أيضاً‏"‏ أسْمَع من السِّمْع الأزَلِّ‏"‏لأن هذه الصفة لازمة له، كما يقال للضبع ‏"‏العَرْجَاء‏"‏والسِّمْع‏:‏ سبع مركب، لأنه ولد الذئب من الضبع، والسِّمْع كالحية لا يَعْرِف الأسقام والعلل، ولا يموت حَتْفَ أنفه، بل يموت بعَرَض من الأعراض يعرض له، وليس في الحيوان شيء عَدْوه كعدو السِّمْع لأنه أسرع من الطير، قال الشاعر‏:‏

تراه حَديدَ الطَّرْفِ أبْلَجَ واضِحاً * أغَرَّ طويلَ الباع أسْمَعَ من سِمْعِ

يقال‏:‏ وثَبَاتُ السِّمْع تزيد على عشرين أو ثلاثين ذراعاً، قال حمزة‏:‏ ومن المركبات العِسْبَار والأسبور والدَّيْسَم، فأما العسبار فولد الضبع من الذئب، وهو بإزاء السِّمْع، وأما الأسبور فولد الكلب من الضبع، وأما الدَّيْسَم فولد الذئب من الكلبة، قال‏:‏ ومن المركبات حيوان بين الثعلب والهرة الوحشية، حكى ذلك يحيى بن حكيم، ويقال يحيى بن بحيم، وأنشد لحسان بن ثابت الأنصاري في ذلك‏:‏

أبُوكَ أبُوكَ وأنْتَ ابْنُهُ * فبئس البُنَيُّ وبئْسَ الأبُ

وأمُّكَ سَوْدَاء نُوبِيَّةٌ * كأنَّ أنَامِلَهَا الحُنْظُبُ

يَبِيتُ أبُوكَ لها مردفا * كَمَا سَاَفَد الهرةَ الثَّعْلَبُ

ومن المركبات نوع آخر إلا أنه لا يكون بأرض العرب، وهو الزرافة، وذلك أن بأرض النوبة يعرض الذيخ للناقة من الحوش فيفسدها فيجيء شيء بين الضبع والناقة، فإن كان الولد أنثى عرض لها الثور الوحشي فيضربها فتجيء الزرافة، وإن كان الولد ذكراً عرض للمَهَاة فألقحها الزرافة‏.‏

قلت‏:‏ قوله ‏"‏للناقة من الحوش‏"‏ يحتاج إلى تفسير، وهو أنهم زعموا أن الحوش بلاد الجن، وهو من وراء رَمْل يَبْرين لا يسكنها أحد من الناس، والإبل الحوشية منسوبة إلى الحوش، يعني أن فحولها من الجن، لأن العرب تزعم أنها ضربت في نَعَم بعضهم فنسبت الإبل إليها، فقوله‏"‏للناقة من الحوش ‏"‏أي من نَسْل فحول الحوش، ويقال أيضاً للنعم المتوحشة الحوش، فيجوز على هذا أن الذيخَ يعرض للناقة منها فيفسدها‏.‏ ‏[‏ص 353‏]‏

قالوا‏:‏ ومن المركبات نوع آخر من الحيات يقال له الهرهير، حكى ذلك المبرد، وزعم أنه مركب بين السُّلَحْفَاة وبين أسْوَدَ سالخ، قالوا‏:‏ وهو من أخْبَثِ الحيات، ينام ستة أشهر ثم لا يسلم سليمُهُ ‏(‏سليمه‏:‏ أي لديغه‏.‏‏)‏

1886- أسْمَحُ مِنْ لاَفِظَةٍ‏.‏

قد اختلفوا فيها، فقال بعضهم‏:‏ هي العَنْز التي تُشْلَى ‏(‏تشلى‏:‏ تدعى‏)‏ للحلب فتجيء لافظَةً بجرَّتها فرحاً بالحلب، وقال بعضهم‏:‏ هي الحَمَامة لأنها تُخْرِج ما في بطنها لفَرْخها، وقال بعضهم‏:‏ هي الديك، لأنه يأخذ الحبة بمنقاره فلا يأكلها، ولكن يُلْقِيها إلى الدَّجَاجة، والهاء فيها للمبالغة ههنا، وقال بعضهم‏:‏ هي الرَّحَى، لأنها تلفِظُ ما تَطْحَنه، أي تقذف به، وقال بعضهم‏:‏ هي البحر، لأنه يلفظ بالدرة التي لاقيمة لها، قال الشاعر‏:‏

تجودُ فتُجْزِلُ قَبْلَ السُّؤَالِ * وكَفُّكَ أسْمَحُ مِنْ لاَفِظَهْ

1887- أَسْمَحُ مِنْ مُخَّةِ الرَّيْرِ‏.‏

الرَّيِرُ والرَّارُ‏:‏ اسمان للمخ الذي قد ذاب في العظم حتى كأنه خَيْطٌ أو ماء، يقال‏:‏ سَمَاحُهما من حيث الذَّوَبان والسَّيَلان، لأنهما لا يُحْوِجانك إلى إخراجهما‏.‏

1888- أَسْرَقُ مِنْ بُرْجَانَ‏.‏

يقال إنه كان لِصّاً من ناحية الكوفة، صُلِب في السَّرَق فسَرَقَ وهو مصلوب‏.‏

1889- أَسْرَقُ مِنْ تاجَةَ‏.‏

قال حمزة‏:‏ حكى هذا المثلَ محمدُ بن حبيب فلم ينسب الرجل ولا ذكر له قصة‏.‏

1890- أَسْرَقُ مِنْ زَبَابَةٍ‏.‏

هي الفأرة البرية، والفأر ضروب، فمنها الجُرَذ والفأر المعروفان، وهما كالجواميس والبقر والبُخْت والعِرَاب، ومنها اليرابيع والزَّبَاب والخلد، فالزباب صُمٌّ، يقال‏:‏ زبابة صَمَّاء، ويُشَبَّه بها الجاهِلُ، قال الحارث بن حِلِّزَةَ‏:‏

ولقد رأيْتُ مَعَاشِراً * جَمَعُوا لهم مالاً ووُلْدَا

وَهُمُ زَبَابٌ حَائِرٌ * لا تسمع الآذَانُ رَعْدَا

أي لا يسمعون شيئاً، يعني الموتى، والخلد ضرب منها أعمى‏.‏

1891- أسْلَطُ مِنْ سِلْقَةٍ‏.‏

قال حمزة‏:‏ هي الذئبة، ولم يزد على هذا، وفي بعض النسخ ولا يقال للذكر سِلْق‏.‏

قلت‏:‏ السِّلْق الذئب، والسِّلْقة الذئبة، وتُشَبَّه بها المرأة السَّلِيطة فيقال‏:‏ هي سِلْقَة، وأما قولهم ‏"‏أسلط من سلقة‏"‏ فإن أرادوا امرأةً بعينها تسمى سلقة فلا وجه لتنكيرها، ‏[‏ص 354‏]‏ وإن أرادوا بالسَّلاَطة الصَّخبَ فالكلامُ صحيح، كأنهم قالوا‏:‏ أصْخَبُ من ذئبة، ويقولون ‏"‏امرأة سليطة‏"‏ أي صَخَّابة، ويجوز أن يكون من السَّلاَطة التي هي القَهْر والغلبة، ومنها يقال‏:‏ السُّلْطَان، وإناثُ السباعِ أجرأ من ذكورها، يقولون‏:‏ اللَّبُؤة أجْرَأ من الأسد، وهذا وجه‏.‏

1892- أَسْهَلُ مِنْ جِلْذَاَنَ

هو حِمىً قريبٌ من الطائف لَيِّن مستوٍ كالراحة، وهي بععض الأمثال ‏"‏قد صرحت بجلذان‏"‏‏.‏

يضرب للأمر الواضح الذي لا يخفى، لأن جلذان لاخَمَرَ فيه يُتَوَارى به‏.‏

1893- أسْلَحُ مِنْ حُباَرَى، وَمِنْ دَجاَجَةٍ

الحُبَارى تسلح ساعةَ الخوفِ، والدجاجة ساعَة الأمن‏.‏

1894- أسْبَحُ مِنْ نُونٍ

يعني السمك، وجمع النون أنْوَان ونِينان، كما يقال أحْوَات وحِيتان في جمع الحُوتِ‏.‏

1895- أَسْيَرُ مِنْ شِعّرٍ

لأنه يَرِدُ الأندية، ويَلِجُ الأخبية، سائراً في البلاد، مُسَافراً بغير زاد‏.‏

يَرِدُ المياه فَلاَ يزالُ مداولا * فِي الْقَوْمِ بين تَمَثُّلٍ وسَمَاعِ

وقال بعض حكماء العرب‏:‏ الشعر قَيْدُ الأخبار، وبَرِيدُ الأمثال، والشعراء أمراء الكلام، وزُعَمَاء الفَخَار، ولكل شيء لسان، ولسانُ الدهر هو الشعر‏.‏

1896- أسْرَى مِنْ جَرَادٍ

قال حمزة‏:‏ هو من السرى التي هي سير الليل، والجراد لا يَسْرِى ليلا‏.‏

قلت‏:‏ لو قيل أسرأ من قولهم‏"‏ سَرَأت الجرادة تَسْرَأ سَرْأ‏"‏ إذا باضت، فلينت الهمزة فقيل أسرا من جَرَاد أي أكثر بيضا منه لم يكن بأس، والسِّرْاة بالكسر‏:‏ بيضة الجراد، وقد يقال سَرْوَة، والأصلُ الهمزُ‏.‏

1897- أسْرَى مِنْ أَنْقَدَ‏.‏

هذا من السُّرَى، وأنْقَدُ‏:‏ اسمٌ للقنفذ معرفة لا يصرف ولا تدخله الألف واللام، كقولهم للأسد أُسَامة وللذئب ذُؤَالة، والقنفذ لا ينام الليل، بل يَجُول ليلَه أجمع، ويقال في مثل آخر ‏"‏بات فلان بليل أنقد‏"‏ وفي مثل آخر ‏"‏اجعلوا ليلَكم ليل أنقد‏"‏‏.‏

1898- أَسْعَى مِنْ رِجْلٍ

قال حمزة‏:‏ لا أدري أرجلُ الإنسان يراد بها أم رجل الجراد‏.‏ ‏[‏ص 355‏]‏

قلت‏:‏ أكثر الحَيَوَانات يسعى على الرجل، فلا يبعد أن يراد به رجل الإنسان وغيره التي يسعى عليها‏.‏

1899- أَسْهَرُ مِنْ قُطْرُبٍ‏.‏

هو دويبة لا تنام الليلَ من كثرة سيرها، هذا قول أبي عمرو، وغيرهُ لا يرويه ‏"‏ أسهر ‏"‏ وإنما يروى ‏"‏أسعى‏"‏ ويحتجُّ بأن سَهَره إنما يكون نهاراً لا ليلاً، ويستشهد بقول عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه‏:‏ لا أعرفن أحدَ جيفَةَ ليلٍ قطربَ نهارٍ، قال‏:‏ وذلك أن القطرب لا يسترح النهار‏.‏

1900- أَسْهَرُ مِنَ النَّجْمِ‏.‏

1901- أسْرَى مِنَ الخَيَال‏.‏

1902- أسْرَى مِنَ جُدْ جُدٍ‏.‏

هو شيء شيبه بالجراد قَفَّاز، يقال له صَرَّار الليل‏.‏

1903- أَسْمَنُ مِنَ يَعْرٍ‏.‏

ويقال ‏"‏يغر‏"‏ قالوا‏:‏ هو دابة تكون بِخُرَاسان تسمن على الكد‏.‏

1904- أَسْرَعُ مِنَ الرّيحِ، وَمِنَ البَرْقِ، وَمِنَ الإِشَارةِ، وَمِنَ الَجْوَابِ، وَمِنَ البَيْنِ، وَمِنَ اللَّمْحِ، وَمِنَ الطَّرْفِ، وَمِنْ لَمْح البَصَرِ، وَمِنْ طَرْفِ العَيْنِ، وَمِنْ رَجْعِ الصَّدَى ‏.‏

وهو الذي يُجِيُكَ بمثل صوتك من الجبل وغيره‏.‏

و‏"‏مِنْ رَجْعِ العُطَاس ‏"‏ و‏"‏مِنْ حَلْبِ شَاةٍ‏"‏ و‏"‏مِنْ مَضْغِ تَمْرَة‏"‏ و‏"‏مِنْ لَمْعِ الكَفِّ‏"‏‏.‏

اللَّمْع‏:‏ التحريك، ومنه‏:‏

كلَمْع اليَدَيْنِ في حَبِيٍّ مُكَلَّلِ*

وأَلْمَعْتُ بالشيء، والتمعته‏:‏ أي اختلسته و‏"‏من السَّمِّ الوَحِيِّ‏"‏و‏"‏مِنَ المَاءِ إلَى قَرَارِهِ‏"‏ و‏"‏مِنْ كَلْبٍ إلَى وُلُوغِهِ‏"‏، يقال‏:‏ وَلَغ الكلبُ بَلِغ وُلُوغاً، إذا شرب ما في الإناء‏.‏

و‏"‏مِنْ لَحْسةِ الكلْبِ أَنْفَهُ‏"‏و ‏"‏مِن لَفْتِ رِدَاءِ الُمْرتَدِي‏"‏، و‏"‏مِنَ السَّيْلِ إلى الُحْدُور‏"‏، و‏"‏مِنَ النَّارِ فِي يَبيِسِ العَرْفَج‏"‏، و‏"‏مِنْ شرَارَةِ في قَصْبَاءَ‏"‏، و‏"‏مِنَ النَّار تُدْنَي مِنَ الحَلْفْاَء‏"‏، وَ‏"‏أَسْرَعُ مِنْ دَمْعَةِ الَخْصِيِّ‏"‏، وَ‏"‏ مِنْ قَولِ قَطَاةٍ قَطاً‏"‏

1905- أَسْمَعُ مِنْ حَيَّةٍ، وَمِنْ ضَبِّ، وَمِنْ قُنْفُذِ، وَمِنْ دُلْدُلِ، وَمِنْ صَدًى، وَمِنْ فَرْخِ العُقَابِ ‏[‏ص 356‏]‏

1906- أَسْفَدُ مِنْ هِجْرِسٍ، وَمِنْ ضَيْوَنِ، وَمِنْ دِيكٍ، وَمِنْ عُصْفُور

1907- أَسْوَدُ مِنَ اْلأَحْنَفِ ‏.‏

هذا من السِّيادة‏.‏

1908- أَسْجُد مِنْ هُدْهُدٍ‏.‏

يضرب لمن يرمى بالأبنة‏.‏

1909- أَسْبَقُ مِنَ اْلأَجَلِ، وَمِنَ اْلأَفْكَارِ‏.‏

1910- أَسْيَرُ مِنَ الْخَضِرِ ‏.‏

عليه السلام‏.‏

1911- أَسْمَجُ مِنْ شَيْطَانٍ عَلَى فِيلٍ‏.‏

1912- أَسَرُّ مِنْ غِنىً بَعْدَ عُدْمٍ، وَبُرْءٍ بَعْدَ سُقْيمٍ‏.‏

1913- أَسْأَلُ مِنْ صَمَّاءَ ‏.‏

قال ابن الأعرابي‏:‏ يعنون الأرض، وذلك أنها لا تسمع صَليلَ الماء، ولا تمَلُّ انصبابه فيها، وأنشد‏:‏

فلو كُنْتَ تُعْطِى حينَ تَسْأَلُ ساَمَحَتْ * لَكَ النَّفْسُ وَاحْلَوْلاَكَ كلُّ خَليِلِ

أَجَلْ لاَ وَلَكِنْ أَنْتَ أَلأَْمُ مَنْ مَشَى * وَأَسْأَلُ مِنْ صَمَّاءَ ذَاتِ صَليِلِ

يعني الأرض، وصَليلُها‏:‏ صوتُ دخولَ الماء فيها‏.‏

*3*المولدون‏.

سُوسُوا السَّفِلَ بالْمَخَافَةِ‏.‏

سُلْطَاَنٌ غَشُومٌ، خَيْرٌ مِنْ فِتْنَةٍ تَدُومُ‏.‏

سُوءُ الخُلْقُ يُعْدي‏.‏

سَمَاعُ الِغنَاء بِرْسَامٌ حَادٌّ‏.‏

لأن المرء يَسْمَع فيَطْرب، ويطرب فيَسْمَح، ويسمح فيفتقر، ويفتقر فيغنتم، ويغتم فيمرض، ويمرض فيموت، قاله الكندي‏.‏

سُبْحَانَ الَجْاَمِعِ بَيْنَ الثَّلْج والنار، وَبَيْنَ الضَّبِّ والنُّونِ‏.‏

يضرب للمتضادين يجتمعان‏.‏

سَواءٌ قَوْلُهُ وَبَوْلُه‏.‏

سَبُعٌ في قَفَصٍ‏.‏

يضرب للرجل الجلد المحبوس‏.‏

سَرَاوِيُلهُ فِي زِيِقهِ‏.‏

أي أن الحاجة والجَهْد ألجآه إلى أن رقع قميصه بسراويله‏.‏

سَارَتُ بِه الرُّكْبَانُ‏.‏

يضرب للحديث الفاشي‏.‏

السُّكُوتُ أَخُو الرِّضا‏.‏ ‏[‏ص 357‏]‏

سيِّدُ القَوْمِ أَشْقَاهُم‏.‏

لأنه يُمَارس الشدائد دون العشيرة‏.‏

سَامِعاً دَعَوْتَ‏.‏

يُخَاطِبُ به الرجلُ الرجلَ قد أَمَرَه بشيء فظن أنه لم يفهمه‏.‏

سُوقُنَا سُوقُ الجنَّةِ‏.‏

كناية عن الكساد‏.‏

سَالَ به السَّيْلُ ‏.‏

إذا هلك‏.‏

سَخُنَ صَدْرُهُ عَلَيْكَ‏.‏

سَفِيرُ السُّوء يُفْسِدُ ذَاتَ البَيْنِ ‏.‏

سَتُسَاقُ إِلىَ ما أَنْت لاَقِ‏.‏

السُّودَدُ مَعَ السَّوادِ‏.‏

أي مع الجماعة والجمهور‏.‏

السَّلَفُ تَلَف‏.‏

الأسْوَاقُ مَوَائِدُ اللّه فِي أَرْضِهِ‏.‏

السَّيْف يَقْطَعُ بِحَدِّهِ‏.‏

السَّاجُورُ خَيْرٌ مِنَ الكَلْبِ‏.‏

الاسْتِقْصَاءُ فُرْقَةٌ‏.‏

السَّالِمُ سَرِيعُ اْلأَوْبِةَ‏.‏

السَّعِيُد مَنْ كُفِيَ‏.‏

السَّلاَمَةُ إِحْدَى الغَنِيمَتيْنِ‏.‏

السِّعْرُ تَحْتَ الِمنْجَلِ‏.‏

السُّلطَانُ يُعْلَمُ وَلاَ يُعَلُّمُ‏.‏

السُّودَانُ بالتَّمرِ يُصْطَادُونَ‏.‏

اسْتَنَدْتَ إِلىَ خُصٍّ مائِلٍ‏.‏

اسْتَغْنِ أَوْ مُتْ‏.‏

اسْمَعْ ولا تُصَدِّقْ

اسْجُدْ لِقرْدِ السُّوء فِي زَمَانِهِ‏.‏

اسْتُرْ مَا سَتَرَ اللّه‏.‏

اسْعَيِنُوا عَلَى حَوَائِجِكُمْ بالإبْرَامِ‏.‏

السِّنَّورُ الصَّيَّاحُ لا يَصْطاَدُ شَيْئاً‏.‏

لأن الفأر يأخذ منه حذره‏.‏

يضرب لمن يُوعِدُ ولا يفي‏.‏ ‏[‏ص 358‏]‏

الباب الثالث عشر فيما أوله شين

  ما جاء على أفعل من هذا الباب

  المولـــدون‏

الباب الثالث عشر فيما أوله شين

1914- شَتَّى يَؤُوبُ الَحْلَبَةُ‏.‏

وذلك أنهم يُورِدُون إبلَهم وهم مجتمعون فإذا صَدَرُوا تَفَرَّقوا، واشتغل كلُّ واحدٍ منهم بحلب ناقته، ثم يؤوب الأول فالأول‏.‏

يضرب في اختلاف الناس وتفرقهم في الأخلاق‏.‏

وشَتَّى‏:‏ في موضع الحال، أي يَؤُوب الحلَبة متفرقين، وشَتَّى‏:‏ فَعْلَى من شَتَّ يشت إذا تفرق‏.‏

1915- شَغَلَتْ شِعاَبِي جَدْوَاى‏.‏

ويروى‏"‏سَعَاتِي‏"‏وهو اسم من سَعَى يَسْعَى، والْجَدْوَى‏:‏ العَطَاء، أي شغلَتْني النفقةُ على عيالي عن الإفضال على غيري‏.‏

قال المنذري‏:‏ سَعَاتي تصحيف وقع في كثير من النسخ‏.‏

1916- شَاكِهْ أباَ يَسَارٍ‏.‏

المُشَاكهة‏:‏ المُشَابهة، وأصل المثل أن رجلا كان يعرض فرساً له على البيع، فقال له رجل يقال له أبو يسار‏:‏ أهذه فرسُكَ التي كنت تصيد الوحْشَ عليها‏؟‏ فقال له صاحب الفرس‏:‏ شَاكِهْ أبا يَسَار، يعني اقْصِدْ في مَدْحك وقارِبِ الموصوفَ في وَصْفك وشابهه وقوله‏"‏أبا يسار‏"‏ نداء لا مفعول شاكه‏.‏

يضرب لمن يبالغ في وصف الشيء‏.‏

1917- شَرٌّ مَا يُجيِئُكَ إِلىَ مُخِّةِ عُرْقُوبٍ‏.‏

ويروى ‏"‏ ما يُشِيئك‏"‏ والشين بدل من الجيم، وهذه لغة تميم، يقال‏:‏ أجَأتُه إلى كذا، أي ألجاته، والمعنى ما ألجأك إليها إلا شر، أي فقر وفاقة، وذلك أن العُرْقُوب لا مخ له، وإنما يُحْوَجُ إليه مَنْ لا يقدر على شيء ‏.‏

يضرب للمضطر جداً‏.‏

1918- شَرُّ الرَّأْيِ الدَّبَرِيُّ‏.‏

وهو الرأي الذي يأتي ويَسْنَحُ بعد فَوْتِ الأمر، مأخوذ من دبر الشيء، وهو آخره، يقال‏:‏ فلان لا يُصَلِّي الصلاَةَ إلا دَبَرِيّاً، أي في آخر وقتها، والمحدثون يقولون‏:‏ دبريا بالضم‏.‏ وقال ابن الأعرابي‏:‏ دَبَريا ودُبرِيا، وقال أبو الهيثم‏:‏ بجزم الباء، قال القُطَامي‏:‏ ‏[‏ص 359‏]‏

وخَيْرُ الأمْرِ ما اسْتَقْبَلْتَ منه * ولَيْسَ بأنْ تَتَبَّعَهُ اتِّبَاعَا

وقيل‏:‏ الدبري منسوب إلى دَبَرِ البعير الذي يعجزه عن تحمل الأحمال، كذلك هذا الرأي يعجز عن حمل عبء الكفاية في الأمور‏.‏

1919- شَرُّ ما رَامَ امْرُؤٌ مالَمْ يَنَلْ‏.‏

لأنه يَتْعَب ثم لا يَحْلَى ولا يفوز بمطلوبه‏.‏

1920- شَرُّ السَّيْرِ الَحْقْحَقَة ‏.‏

يقال‏:‏ هي أَرْفَع السير وأتعبه للظهر، ويقال‏:‏ هي كف ساعة وإتعاب ساعة‏.‏

قال مطرف بن عبد اللّه بن الشِّخِّير لابنه لما اجتهد في العبادة‏:‏ خير الأمور أوساطُهَا، وشر السير الحقحقة‏.‏

1921- شَرُّ المالِ القُلْعَةُ‏.‏

وروى أبو زيد ‏"‏ القلَعة‏"‏ بتحريك اللام - يعني المالَ الذي لا يثبُتُ مع صاحبه مثل العارية والمستأجَر، من قولهم‏:‏ ‏"‏مجلس قُلْعة‏"‏ إذا احتاج صاحبُه كل ساعة أن يقوم وينتقل، يقال‏:‏ إيَّاكَ وصَدْرَ المجلس فإنه مجلس قُلْعة‏.‏

1922- شَرُّ يومَيْهَا وَأَغْوَاهُ لهَا‏.‏

أصْلُه أن امرأة من طَسْمِ يقال لها عنز أخِذَتْ سبيةً فحملوها في هَوْدَج وألْطَفُوها بالقول والفعل، فعند ذلك قالت‏:‏ شَرُّ يَوْمَيْها وأغواه لها، تقول‏:‏ شَرُّ أيامي حين صِرْتُ أكْرَمُ للسِّباء، قال أبو عبيد‏:‏ وفيها بيتٌ سائر وهو‏:‏

شَرُّ يوميها وأغْوَاهُ لهَا * ركبت عَنْزٌ بِحِدْجٍ جَمَلاَ

وشر نصب على الظرف، والعاملُ فيه باقي البيت، وهو ‏"‏ ركبت عنز بحدج جملا‏"‏وأغوى‏:‏ أفعل من الغيّ، والهاء راجع إلى اليوم على الاتساع، كقوله تعالى ‏(‏بل مكر الليل والنهار‏)‏ وكقول جرير‏:‏

ونمْتَ ومَا لَيْلُ الَمطِيِّ بنائِمِ*

وقوله‏"‏بحدج‏"‏ أي في حِدْج، والحدج والحداجة‏:‏ مركب من مراكب النساء، ومن روى ‏"‏شَرُّ‏"‏ بالرفع أراد هذا شرُّ يوميها، أي يومي إعزازها و إذلاها، وأغواه‏:‏ أي أكثرهما غَيّاً ويجوز أن تعود الهاء في ‏"‏أغواه‏"‏ إلى الشر، ويكون أغوى أفعل من الإغواء وهو الإهلاك، أي‏:‏ أهْلَكُ شر يوميها لها هذا اليوم، وبناء التفضيل من المنشعبة شاذ كقولك‏:‏ ما أعْطَاه للمال، وما أوْلاَه للمعروف‏.‏

1923- شَرُّ أَيَّام الدِّيكِ يَوْمُ تُغْسَلُ رِجْلاَهُ‏.‏

ويقال‏"‏براثنه‏"‏وذلك أنه إنما يُقْصَد ‏[‏ص 360‏]‏ إلى غسل رجليه بعد الذَّبْح والتهيئة للاستواء قال الشيخ علي ين الحسن الباخَرْزِي في بعض مُقَطعاته يشكو قومه‏:‏

ولا أُبَالِي بإذلالٍ خُصِصْتُ به * فيهمْ ومنهم وإنْ خُصُّوا بإعزاز

رِجْلُ الدَّجَاجَةِ لا من عِزِّهَا غُسِلَتْ * ولا مِنَ الذل حِيصَتْ مُقْلَةُ الْبَازِ

1924- شَرُّ الَمالِ مَالاَ يُزَكَّى ولاَ يُذَكَّى ‏.‏

أي‏:‏ لا يُذْبح، يعنون الْحُمُرَ لأنه لا زكاة فيها، لقوله صلى اللّه عليه وسلم ‏"‏ليس في الْجَبْهَة ولا في الكُسْعَة ولا في النُّخَّةِ صدقة ‏"‏ فالجبهة‏:‏ الخيل، والكسعة‏:‏ الحمير، والنخة‏:‏ الرقيق، ويقال‏:‏ البقر العوامل‏.‏

1925- شوَى أَخُوكَ حَتّى إِذَا أَنْضَجَ رَمَّدَ‏.‏

الترميد‏:‏ إلْقَاء الشيء في الرَّمَاد‏.‏ يضرب لمن يُفْسِدُ اصطناعَه بالمنِّ ويُرْدِفُ صَلاَحَه بما يورث سوء الظن‏.‏

ويروى عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنه مَرَّ بدارِ رجل عُرف بالصلاح، فسَمِعَ من داره صوت بعض الملاهي، فقال‏:‏ شَوَى أخوك حتى إذا أنْضَجَ رَمَّدَ‏.‏

1926- شُخْبٌ فِي اْلإِنَاء وشُخْبٌ فِي الأرْضِ‏.‏

يقال‏:‏ شَخَبَ اللبنُ والدمُ، إذا خرج كلُّ واحدٍ منهما من موضعه ممتداً، والغَابِرُ يَشْخُبُ ويَشْخَب، والمصدر الشَّخْب بالفتح والشُّخْب بالضم الاسمُ‏.‏

وأصلُ المثلِ في الحالب يحلب، فتارة يخطىء فيحلب في الأرض، وتارة يُصيب فيحلب في الإناء ‏.‏

يضرب مثلا لمن يتكلم فيخطىء مرة ويصيب مرة‏.‏

1927- شَرَّابٌ بأَنْقُعٍ‏.‏

أي مُعَاود للأمر مرة بعد مرة، وأصله الحَذِرُ من الطير لا يَرِدُ المَشَارِع لكنه يأتي المنافع يشرب منها، فكذلك الرجل الكَيِّسُ الحَذِر لا يتقحَّم الأمور، والأنْقُع‏:‏ جمع نَقْع، وهو الأرض الحرة الطين يستنقع فيها الماء، والجمع نِقَاع وأنْقُع، وهذا مثل قاله ابن جُرَيْج في معمر بن راشد‏.‏

1928- شَرِقَ مَا بَيْنَهُمْ بِشَرّ‏.‏

أي نَشِبَ الشَّرُّ فيهم فلا يفارقهم‏.‏

1929- شُبْ شَوْباَ لَكَ بَعْضُهُ‏.‏

يضرب في الحثِّ على إعانة مَنْ لك فيه منفعة‏.‏ ‏[‏ص 361‏]‏

وهو مثل قولهم ‏"‏احْلُبْ حلبا لك شَطْره‏"‏وقد مر في باب الحاء

1930- شَمِطَ حُبُّ دَعْدٍ‏.‏

دعد‏:‏ اسم امرأة يُصْرَف ولا يُصْرَف، قال الشاعر‏:‏

لم تَتَلَفَّعْ بفَضْلِ مِئْزَرهَا * دَعْدٌ، وَلَمْ تُغْذِ دَعْدُ في الْعُلَبِ

يضرب في قدم المودة وثبوتها‏.‏

1931- شَدَّ لَهُ حَزِيمَهُ‏.‏

ويقال ‏"‏ حَيْزُومَه‏"‏وهما الصدر، ومعناه تشمَّرَ وتأهَّبَ‏.‏

1932- شَرِقَ بِالرِّيقِ‏.‏

أي ضره أقربُ الأشياء إلى نَفْعه، لأن ريقَ الإنسان أقربُ شيء إليه‏.‏

1933- شِنْشنَةٌ أَعْرفُهَا مِنْ أَخْزَمِ‏.‏

قال ابن الكلبي‏:‏ إن الشعر لأبي أخزم الطائي، وهو جَدُّ أبي حاتم أو جَدُّ جَدٍّه، وكان له ابن يقال له أخزم، وقيل‏:‏ كان عاقّاً، فمات وترك بنين فوثَبُوا يوما على جَدِّهم أبي أخْزَمَ فأدْمَوْهُ فقال‏:‏

إنَّ بنَّي ضَرَّجُونِي بالدَّمِ * شِنْشِنَةٌ أعرفُهَا من أخزم

ويروى ‏"‏زَمَّلُوني ‏"‏ وهو مثل ضرجوني في المعنى‏:‏ أي لَطَّخوني، يعني أن هؤلاء أشبهوا أباهم في العُقُوق، والشِّنْشِنة‏:‏ الطبيعة والعادة، قال شمر‏:‏ وهو مثل قولهم‏"‏ العصا من العُصَيَّة‏"‏ ويروى ‏"‏نشنشة‏"‏ كأنه مقلوب شنشنة، وفي الحديث أن عمر قال لابن عباس رضي اللّه عنهم حين شاوره فأعجبه إشارته‏:‏ شنشنة أعرفها من أخزم، وذلك أنه لم يكن لقرشي مثلُ رأى العباسِ رضي اللّه عنه، فشبهه بأبيه في جَوْدة الرأي، وقال الليث‏:‏ الأخزم الذكر، وكمرة خَزْمَاء قصر وترها، وذكَر أخزم، وقال‏:‏ وكان لأعرابي بُنَيٌّ يعجبه، فقال يوما‏:‏ شنشنة من أخزم، أي قطران الماء من ذكر أخذم‏.‏

يضرب في قُرْب الشَّبَه‏.‏

1934- شَرِيقَةُ تَعْلَمُ مَنِ اطَّفَحَ ‏.‏

يقال‏:‏ اطَّفَحَت القِدْرَ - على افْتَعَلْتُ - إذا أخذت طفاحتها، وهي زَبَدُها، وشَرِيقة‏:‏ امرأة ‏.‏

يضرب لمن يعلم كيفية أمر، ويعلم المُذْنِبَ فيه من البرىء‏.‏

1935- شَاهِدُ الْبُغْضِ اللَّحْظُ‏.‏

ومثله في الحب ‏"‏ جَلَّى محبٌّ نظره‏"‏ ومنه قول زهير‏:‏

متى تَكُ فِي صَدِيق أو عَدُوٍّ * تُخَبّرْكَ الْوجُوهُ عَنِ القلوب ‏[‏ص 362‏]

1936 شَفَيْتُ نَفْسِي وَجَدَعْتُ أَنْفِي‏.‏

يضرب لمن يَضُرُّ بنفسه من وَجْه ويشتفي من وجه‏.‏

1937- اُشْدُدْ يَدَيْكَ بِغَرْزِهِ‏.‏

يضرب لمن يحثُّ على التمسك بالشيء ولزومه‏.‏

1938- شمِّرْ واْئِتزِرْ والْبَسْ جِلْدَ النَّمِرِ‏.‏

يضرب لمن يؤمر بالجد والاجتهاد‏.‏

1939- شَيْطَانُ الَحْمَاطَةِ‏.‏

يقال‏"‏كأنه شَيْطَان اَلحَمَاطة‏"‏ و‏"‏ما هو إلا شيطان الحَمَاطة‏"‏يقال لِيَبِيسِ الأفَانِي ‏"‏حَمَاط‏"‏ قال أبو عمرو‏:‏ الأفاني من أحرار البقول ‏(‏ في القاموس‏:‏ الحماطة عشبة كالصليان سوى أنها خشنة‏.‏‏)‏ واحدتها أفَانِية، والشيطان‏:‏ الحية، وأضيف إلى الحماط لإلفه إياه كما يقال‏:‏ ضَبُّ كُدْبة، وذئبُ غَضًى‏.‏

يضرب للرجل إذا كان ذا مَنْظَر قبيح‏.‏

1940- شَهدْتُ بأَنَّ الخُبْزَ باللّحَمْ طَيِّب وَأَنَّ الْحُبَارَى خاَلَة الكَرَوَانِ‏.‏

ويروى ‏"‏بأن الزبد بالتمر طيب‏"‏

قال أبو عمرو‏:‏ يضرب عند الشيء يتمنَّى ولا يُقْدَرُ عليه‏.‏

1941- شَمِّرْ ذَيْلاً، وأدَّرِعْ لَيْلاً‏.‏

يضرب في الحث على التشمير والجِدِّ في الطلب‏.‏

1942- أَشْرِقْ ثَبِيرُ، كَيْمَا نُغِيرُ‏.‏

أشرق‏:‏ أي ادخُلْ يائبير في الشروق كي نسرع للنحر، يقال‏:‏ أغار فلان إغارة الثَّعْلَب، أي أسرع، قال عمر رضي اللّه عنه‏:‏ إن المشركين كانوا يقوون ‏"‏أشرق ثبير كيما نغير‏"‏وكانوا لا يُفِيضُون حتى تطلع الشمس‏.‏

يضرب في الإسراع والعَجَلَة‏.‏

1943- شَرْعُكَ مَا بَلَّغَكَ المَحَلَّ‏.‏

أي حَسْبُك من الزاد ما بَلَّغك مَقْصدك، ومنه قول الراجز‏:‏

من شاء أن يُكْثِرَ أو يُقِلاَّ * يَكْفِيهِ ما بَلَّغَهُ الْمَحَلاَّ

1944- أَشْبَهَ شَرْجٌ شَرْجًا لَوْ أَنَّ أُسَيْمِرًا‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ كان المُفَضَّل يحدِّثُ أن صاحبَ المثل لقيم بن لقمان، وكان هو وأبوه قد نزلا منزلا يقال له شرج، فذهب لُقَيم يُعَشِّى إبله، وقد كان لقمان حَسَدَ لقيما وأراد هلاكه، فاحتفر له خَنْدَقا، وقطع كل ما هناك من السَّمُر ثم ملأبه الخندق فأوقد ‏[‏ص 363‏]‏ عليه ليقع فيه لُقَيم، فلما أقبل عَرَفَ المكان وأنكَرَ ذهاب السَّمُر، فعندها قال‏:‏ أشبه شَرْجٌ شَرْجاً لو أن أسيمرا، فشرج ههنا‏:‏ موضع بعينه، والشرج في غير هذا الموضع‏:‏ مَسِيلُ الماء من الحَرَّة إلى السَّهْل، والجمع شِرَاج، وقوله ‏"‏لو أن أسيمرا‏"‏ هو تصغير أسْمُر، وأسْمُر جمع سَمُر، مثل ضَبُع وأضْبُع، وأراد لو أن أسيمرا كانت فيه أو به، يعني أن هذا الذي أراه الآن هو الذي قبل هذا كان لو أن أسيمرا موجودة‏.‏

يضرب في الشيئين يَتَشَابهان ويفترقان في شيء‏.‏

1945- شَجَرٌ يَرِفُّ‏.‏

أي يهتزُّ نَضَارة، ويجوز يَرِفُ - بالتخفيف - من وَرِفَ الظلُّ إذا اتَّسع، وحقه أن يذكر معه الظل، أي شجر يرف ظلُّه‏.‏

يضرب لمن له مَنْظر ولا مَخْبر عنده‏.‏

1946- شَرُّ الرَّعَاءِ الُحْطَمَةُ‏.‏

وهو الذي يَحْطِم الراعية بعُنْفه‏.‏ يضرب لمن يلي شيئاً ثم لا يحسن ولايته وإنما ينبغي أن يكون الراعي كما قال الراعي‏:‏

ضَعيفُ الْعَصَا بَادِي الْعُرُوقِ تَرَى لَهُ*عَلَيْهَا إذا ما أمْحَلَ الناسُ أصْبُعَا

أي أثراً حسنا

1947- شُغِلَ عَنِ الرَّامِي الكِنَانَةَ بالنَّبْلِ‏.‏

أصله أن رجلا من بني فَزَارة ورجلا من بني أسد كانا متواخين، وكانا راميين لا يسقط لهما سهم، ومع الفزاري كِنانة جديدة، ومع الأسدي كنانة رَثِّةٌ، فأعجبته كنانة الفزاري، فقال الأسدي‏:‏ أينا ترى أرمي أنا أم أنت ‏؟‏ قال الفزاري‏:‏ أنا أرمى منك، وأنا عَلَّمتك، قال الأسدي‏:‏ انْصِبْ لي كِنانتك وأنْصِبُ لك كِنانتي، فقال له الفزاري‏:‏ انْصِبْ لي كِنانتك، فعلق الأسدي كنانَتَه على شجرة، ورماها الفزاري فجعل لا يرمى بسهم إلا شكلها حتى قَطَّعها بسهامه فلما نَفِدَتْ سهامُه قال‏:‏ انْصِبْ لي كنانَتَكَ حتى أرميها، فرمى فسدد السهم نحوه، فشَكَّ كبدَ الفزاري، فسقط الفزاري ميتاً، فأخذ الأسدي قوسَه وكنانته، قال الفرزدق‏:‏

فَقُلْتُ أظَنَّ ابنُ الخبيِثَة أنني * شُغِلتُ عن الرامِي الكنَانَةَ بالنَّبْلِ

يريد بهذا جريراً، يقول‏:‏ أراد جرير بهجائه البعيثَ غيرَه وهو أنا، أي أرادني ولم يرد البعيثَ، كما أن الأسدي أراد رَمْيَ الفزازي ولم يرد رَمْيَ الكنانة‏.‏

قلت‏:‏ ومعنى المثل شغل فلان عن ‏[‏ص 364‏]‏ الذي يرمي الكنانة بالنبل، يعني أنه لم يعلم أن غَرَضَ الرامي أن يرميه لا أن يرمي كنانته ‏.‏

يضرب لمن يغفل عما يراد به ويُكاد له‏.‏

وقريب من هذا بيت الحماسة‏:‏

فإن كنت لا أرمي وتُرْمَي كنايتي * تُصِبْ جَانِحَاتُ النَّبْلِ كَشحِي وَمَنْكبِي

1948- شَقَّ فُلاَن عَصَا المُسْلِمينَ‏.‏‏.‏

إذا فَرَّق جَمْعهم‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ معناه فَرَّق جماعتهم، قال‏:‏ والأصل في العَصَا الاجتماع والائتلاف، وذلك أنها لا تُدْعَى عَصاً حتى تكون جميعا، فإن انشقَّت لم تُدْعَ عَصاً، ومن ذلك قولهم للرجل إذا أقام بالمكان واطمأنَّ به واجتمع له فيه أمرهُ ‏"‏قَدْ ألْقَى عَصَاهُ‏"‏ قال معقر البارقي‏:‏

فألْقَتْ عَصَاها واستقرت بها النَّوَى * كما قَرَّ عَيْناً بالإياب الْمُسَافِرُ

قالوا‏:‏ وأصل هذا أن الحاديين يكونان في رفقة، فإذا فرقَهم الطريقُ شُقَّتِ العصا التي معهما، فأخذ هذا نصفَها وهذا نصفها

يضرب مثلاً لكل فرقة‏.‏

قال صِلة بن أشيم لأبي السليل‏:‏ إياك أن تكون قاتلا أو مقتولا في شَقِّ المسلمين

1949- الشُّجَاعُ مُوَقًّى‏.‏‏.‏

وذلك أنه قَلَّ مَنْ يرغب في مبارزته خوفاً على نفسه، وهذا كما يقال‏:‏ ‏"‏احْرِصْ على الموت تُوهَبْ لك الحياة‏"‏

1950- شُخْبٌ طَمَحَ‏.‏‏.‏

الشُّخْب‏:‏ اللبنُ يمتدُّ من الضَّرْع

يضرب للرجل يكون منه السَّقْطة‏.‏

ويقال‏:‏ معناه حَظٌّ فات، يقال‏:‏ طَمَحَ الشُّخْبُ، وهو أن يسقط على الأرض فلا ينتفع به‏.‏

1951- شَحْمَتِي فِي قَلْعِي ‏.‏‏.‏

القَلْع‏:‏ كِنْفٌ يجعل الراعي فيه أداته، قيل للذئب‏:‏ ما تقول في غنم يكون معها غلام‏؟‏ قال‏:‏ أخاف إحدى حَظِيَّاته - أي سهامه - فقيل‏:‏ في غنم معها جارية‏؟‏ قال‏:‏ شَحْمَتي في قَلْعي، أي أتَصَرَّفُ فيها كما أريد‏.‏

يضرب للشيء الذي هو في ملك الإنسان يَضْرِب بيده إليه متى شاء، وكذلك إن كان في ملك مَنْ لا يمنعه منه، وجمع القَلْع قِلَعَة وقِلاَع ‏(‏وقلوع وأقلع‏.‏‏)‏

1952- اشْنَأْ حَقَّ أَخِيكَ‏.‏‏.‏

قال ابن الأعرابي‏:‏ يقول سَلِّم إليه حَقِّه فلا تحملنك محبةُ الشيء أن تمنعه‏.‏

1953- الشَّرُّ يَبْدَؤُهُ صِغَارُهُ‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ يقول فاصفح عنه واحتمله، لئلا يخرجك إلى أكثر منه، قال مسكين الدَّارِمِيُّ‏:‏ ‏[‏ص 365‏]‏

ولقد رأيْتُ الشرَّ بَيْـ * ـنَ ‏(‏بين‏)‏ الحيِّ يَبْدَؤُهُ صِغَارُهْ

وقال آخر‏:‏

الشر يبدؤه في الأصل أصْغَرُه * وليس يَصْلَي بحرِّ الحرب جَانِيهَا

والحربُ يلحق فيها الكارهُونَ كما * تدنو الصِّحَاحُ إلى الْجَرْبَى فَتُعْدِيهَا

1954- الشَّرُّ أَخْبَثُ ما أَوْعَيْتَ مِنْ زَادِ‏.‏

يضرب في اجتناب الذم والشر، قاله أبو عبيد‏.‏وهو بيت أوّله‏:‏

الْخَيْرُ يَبْقَى وَإنْ طَالَ الزَّمَانُ بِهِ*

وزعموا أي هذا بيت قالته الجن، وقيل‏:‏ بل هو لعَبِيد بن الأبرص‏.‏

1955- الشَّحِيحُ أَعْذَرُ مِنَ الظَّالِمِ‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ هذا مثل مبتذل عند العامة، وإنما نراهم جعلوا له عذراً إذا كان استبقاؤه مالَه ليَصُونَ به وجهه وعرضه عن مسألة الناس، يقولون فهذا ليس بمُلِيم، إنما هو تارك للفَضْل، ولا عتب على من حفظ شيئه، إنما يلزم اللائمة الآخذَ مالَ غيره‏.‏

قال‏:‏ وهذا كالمثل الذي لأكثم بن صَيْفي‏:‏ ربَّ لأئمٍ مُلِيم، يقول‏:‏ إن الذي يلوم المُمْسِكَ هو الذي قد ألام في فعله، لا الحافظ له، وقال أبو عمرو‏:‏ الشحيح أعْذَرُ من الظالم، أي مَنْ بخل عليك بماله فشتمته فقد ظلمته، وهو أعذر منك‏.‏

قالوا‏:‏ إن أول من قال ذلك عامر بن صَعْصَعة، وكان جمع بنيه عند موته ليوصيهم، فمكث طويلاً لا يتكلم، فاستحثَّه بعضُهم، فقال‏:‏ إليك يُسَاق الحديث، ثم قال‏:‏ يَا بَنِيَّ جُودُوا ولا تسألوا الناس، واعلموا أن الشحيح أعْذَرُ من الظالم، وأطْعِمُوا الطعام، ولا يُسْتَذَلَّنَّ لكم جار‏.‏

1956- شَرِبْنَا عَلَى الخَسْفِ‏.‏

أي على غير أكل، من قولهم‏.‏ باتَتِ الدابةُ على الخَسْفِ، أي على غير عَلَفٍ، وكذا ‏"‏بات القومُ على الْخسْفِ‏"‏ أي جياعاً‏.‏قلت‏:‏ وأصلُ الخَسْفِ الذلُّ والمشقة، يقال‏:‏ سامه خَسْفاً وخُسْفاً - بالضم - أي كلَّفه مشقة وذلا، وفي كل ما تقدم ضَرْبٌ من الذل ونوع من المشقة‏.‏

1957- اشْتَرِ لِنَفْسِكَ ولِلسُّوق‏.‏‏.‏

أي اشتر ما ينفُقُ عليك إذا بِعْتَهُ‏.‏

1958- اشْتَدِّى زِيَمُ‏.‏

الاشتداد‏:‏ العَدْو، وزيم‏:‏ اسم فرس

يضرب في انتهاز الفُرْصَة‏.‏

1959- الشَّعِيرُ يُؤْكَلُ ويُذَمُّ‏.‏

ويقال‏:‏ خُبْزُ الشعير يؤكل ويُذَمُّ، وهذا كالمثل الآخر ‏"‏أكْلاً وَذَمّاً‏"‏ ‏[‏ص 366‏]‏

1960- أَشَوَار عَرُوسٍ تَرَى‏.‏

الشَّوَار‏:‏ الفَرْج، قالته الزباء لجَذِيمة، وقد مر ذكرها في باب الخاء، والتقدير‏:‏ أترى شَوَارَ عَرُوسٍ‏؟‏ تتهكم بجذيمة‏.‏ يضرب عند الهزء‏.‏

1961- شُبِّرَ فَتَشَبَّرَ‏.‏

أي‏:‏ أُكْرِمَ فاستحمق، وعَظِّم فتعظم، والشبر القُرْبان الذي يقرب، ومعناه قرب فتقرب‏.‏

يضرب للذي يُجَاوز قدره‏.‏

1962- شَعْبَانُ فِي يَدِهِ كِسْرَةٌ‏.‏

يضرب لمن مالُه يُرْبِى على حاجته‏.‏

1963- شَيْئاً ما يَطْلُبُ السَّوْطُ إِلىَ الشقْرَاءِ‏.‏

أي‏:‏ يَطْلب العَدْوَ، وأصله أن رجلا ركب فرسا له شقراء، فجعل كُلَّما ضربها زادته جريا‏.‏

يضرب لمن طلب حاجة وجَعَل يَدْنو من قضائها والفراغ منها‏.‏

و‏"‏ما‏"‏صِلَة، قاله أبو زيد‏.‏

1964- شَمَّ خِمَارَهَا الكَلْبُ‏.‏

يضرب للمرأة إذا كانت سَهِكة الرِّيحِ، ويقال ذلك للفاجرة أيضاً‏.‏

1965- شِفَاؤُهُ نَكْءُ الدَّبَرِ‏.‏

أي الْقَ الشَّرَّ بمثله‏.‏

يضرب لمن لا يصلُحُ إلا على الذل‏.‏

1966- الشَّرُّ للشَّرِّ خُلِقَ‏.‏

كقولهم ‏"‏الحديدُ بالحديد يُفْلَحُ‏"‏‏.‏

1967- أُشِئْتَ عُقَيْلُ إِلىَ عَقْلِكَ‏.‏

عقيل‏:‏ اسمُ رجلٍ، وأشئت‏:‏ ألْجِئْتَ، يريد لما ألجئت إلى عقلك ووُكِلْتَ إلى رأيك جَلَبَا إليك ما تكره، قال أبو عمرو‏:‏ أشئت إلى عَقَلِكَ، قال‏:‏ والعَقَل العَرَجُ، وكان عقيل أعرج‏.‏

يضرب هذا للرجل يقع في أمرٍ يهتم للخروج منه، فيقال‏:‏ اضطررت إلى نفسك فاجتهد، فإنك وإن كنت عليلا إذا اجتهدت كنت قَمِناً أن تنجو‏.‏

1968- شَعْبَانُ مَقْصُورٌ لَهُ‏.‏

يضرب لمن حسن حاله بعد الهُزَال، مثل قولهم ‏"‏‏[‏أسْمَنَنِي‏]‏ الْقَيْدُ والرَّتْعَةُ‏"‏‏.‏

والقَصْر‏:‏ الحَبْس، وقوله ‏"‏مقصور له‏"‏ أي محبوس لنفسه، لأن فائدة حَبْسه ترجع إليه، وهو سمنه وحسن حاله‏.‏

1969- اشْدُدْ حَيَازِيمَكَ لِذَلِكَ الأَمْرِ‏.‏

أي وَطِّنْ نفسَك عليه وخُذْه بجد، قال أحَيْحَة بن الجُلاَح لابنه‏:‏ ‏[‏ص 367‏]‏

اشْدُدْ حَيَازِيمَكَ لِلْمَوْتِ * فَإنَّ الْمَوْتَ لاَقِيكَ

ولا تَجْزَعْ مِنَ الموتِ * إذَا حَلَّ بِوَادِيكَ

‏"‏اشدد‏"‏ في البيت زيادة، ويُسَمِّى العروضيون هذا خَزْماً، والنقصانَ خَرْماً، الزايُ مع الزاي، والخزم يكون من حرفٍ إلى أربعة كاشدد في هذا البيت، والخرم‏:‏ إسقاطُ الحرفِ الأول من الجزء الأول من البيت، وفيه اختلاف بينهم‏.‏

1970- شَيْخٌ يُعَلِّلُ نَفْسَهُ بالبَاطِلِ‏.‏

يُضْرب للعِنِّين أو الشيخ الكبير الذي لا يقدر على الباه‏.‏

1971- شَاخَسَ لَهُ الدَّهْرُ فَاهُ‏.‏

أي تغير عما كان له عليه، من قولهم‏:‏ ‏"‏تَشَاخَسَتْ أسنانه‏"‏إذا اختلفت نِبْتَتُهَا‏.‏

1972- شَقَّ عَصَاهُم نَوىً شَجُورٌ‏.‏

أي مخالفة بعيدة، وشَجُور‏:‏ من قولهم ‏"‏ما شَجَرَك عن كذا‏"‏ أي ما صَرَفَك، ونَوًى شَجُورٌ‏:‏ بُعْدٌ بعيد يَصْرِفُ القاصدَ له لغَوْرِ بعده‏.‏

1973- الشَّرْطُ أَمْلَك، عَلَيْكَ أَمْ لَكَ‏.‏

يضرب في حفظ الشرط يجري بين الإخوان‏.‏

1974- الشّرُّ قَلِيلُةُ كَثِيرٌ‏.‏

هذا قريبٌ من قولهم‏:‏ ‏"‏الشرُّ تَحْقِرُهُ وقد يَنْمِى‏"‏‏.‏

1975- الشَّيْبُ قِنَاعُ الْمَقْتِ‏.‏

يعني أن الغواني تمقُتُ المشايخ، كما قال‏:‏

رَأَيْنَ شَيْخَاً ذِرئَتْ مَجَالِيه‏"‏1‏"‏ * يَقْلِي الْغَوَانِي وَالْغَوَانِي تَقْلِيه

‏(‏ذرئت‏:‏ شابت، والمجالي‏:‏ ما يرى من الرأس إذا استقبل الوجه، واحدها مجلي، والبيت لأبي محمد الفقعسي‏)‏

1976- الشَّبَابُ مَطِيَّةُ الْجَهْلِ‏.‏

ويروى‏:‏ ‏"‏مَظِنَّةُ الجهل‏"‏ أي منزلُه ومحلُّه الذي يُظَن به‏.‏

1977- شَرُّ العِيشَةِ الرَّمَقُ‏.‏

العِيشة‏:‏ العَيْش، والرمَقُ‏:‏ جمع رَمَقة، وهي البُلْغة التي يُتَبلغ بها، ويروى الرَّمِقُ‏:‏ أي العيشُ الرمِقُ، وهو الذي يُمْسِك الرَمقَ

يضرب في ضيق المعيشة وشدتها‏.‏

1978- الشَّمَاتَةُ لُؤْمٌ‏.‏

قال أكْثَمُ بن صَيْفي التميمي، أي لا يفرح بنكبة الإنسان إلا مَنْ لَؤُم أصله، وقال‏:‏

إذَا ما الدَّهْرُ جَرَّ على أُنَاسٍ * كَلاَ كِلَهُ أنَاخَ بآخَرِينَا

فَقُلْ للشَّامِتِينَ بِنَا أفِيقُوا * سَيَلْقَى الشَّامِتُونَ كَمَا لَقِينَا ‏[‏ص 368‏]‏

وفي حديث أيوب عليه السلام أنه لما خرج من البلاء الذي كان فيه قيل له‏:‏ أي شيء كان أشَدَّ عليك مِن جملة ما مَرَّ بك‏؟‏

قال‏:‏ شماتة الأعداء ‏.‏

1979- الشَّرُّ كَشَكْلِهِ‏.‏

أي الشر يشبه بعضُه بعضاً، ويروى الشيء كشكله‏.‏

1980- شَرٌّ مِنَ المَرْزِئَةِ سُوءُ الْخَلَفِ مِنْهَا‏.‏

المَرْزِئة‏:‏ الرُّزْء، وهو المصيبة‏.‏

يضرب للخلف قام مقام الخلف‏.‏

وقيل‏:‏ أراد بالخلف ما يستوجبه من الصبر إن صبر، وسُوءه‏:‏ أن يُحْبِط ذلك بالجزع‏.‏

1981- شَرٌّ مِنَ المَوْتِ ما يُتَمَنَّى مَعَهُ المَوْتُ‏.‏

يضرب في الداهية الدهياء‏.‏

1982- شَرُّ اللَّبَنِ الَوالِجُ‏.‏

يقال‏:‏ وَلَجَ إذا دخل، يريد شر اللبن ما دخل بيتك، يحث على بَذْل اللبن للضيف وإيثاره على نفسك وولدك‏.‏

يضرب في الحثِّ على الإحسان إلى الناس ‏.‏

وقيل‏:‏ الوالج ما يُرَدُّ في الضرع، بأن يُرَشَّ عليه الماء، قال الحارث بن حِلِّزة لابنه عمرو‏:‏

قُلْتُ لعمرو حين أرْسَلْتُهُ * وقد حَبَا مِنْ دُونِهَا عَالجُ

لا تَكْسَعِ الشَّوْلَ بأغْبَارِهَا * إِنَّكَ لا تَدْرِي مَنِ النَّاتِجُ

وَأصْبُبْ لأَضْيَافِكَ أَلْبَانَهَا * فإنَّ شَرَّ اللَّبَنِ الْوَالجُ

قوله‏"‏حبا‏"‏ أي عَرَض، والهاء للإبل، وعالج‏:‏ رَمْل، والكَسْع‏:‏ ضربُ الماء على الضَّرْعِ ليرتفع اللبن فتسمن الناقة، والغُبْرُ‏:‏ بقية اللبن‏.‏

1983- أَشْرَبْتَنِي مالَمْ أَشْرَبْ‏.‏

أي ادَّعَيْتَ على مالم أفعل‏.‏

1984- الشُّبْهَةُ أُخْتٌ الْحَرَام‏.‏

يضرب للشيئين لا يكون بينهما كثيرُ بَوْنٍ‏.‏

1985- الشَّرُّ خَيْرٌ إِذَا كانَ مُشْتَرَكاً‏.‏

يضرب في تهوين الأمر العظيم يَهْجُم على الخلق الكثير‏.‏

1986- الشَّبْعَانُ يَفُتُّ لِلْجاَئِعِ فَتًّا بَطِيئاً‏.‏

يضرب لمن لا يهتم بشأنك ولا يأخذه ما أخَذَكَ‏.‏ ‏[‏ص 369‏]‏

1987- شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ‏.‏

الشقْشِقة‏:‏ شيء كالرئة يُخْرِجها البعيرُ من فِيهِ إذا هاج، وإذا قالوا للخطيب ‏"‏ ذو شِقَشِقْةٍ‏"‏ فإنما يُشَبَّه بالفَحْل، ولأمير المؤمنين علي رضي اللّه عنه خطبة تعرف بالشقشقية، لأن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال له حين قطع كلامه‏:‏ ياأمير المؤمنين، لو اطَّرَدَتْ مقالتك من حيث أفضيت، فقال‏:‏ هيهات يا ابنَ عباسٍ تلك شِقْشِقَة هَدَرَتْ ثم قَرَّتْ‏.‏

1988- شَرُّ الضُّرَوعِ ما دَرَّ عَلَى العَصْبِ‏.‏

وهو أن يُشَدَّ فخذا الناقة حتى تَدِرُّ، ويقال لتلك الناقة عَصُوب‏.‏

1989- شَرُّ النَّاسِ مَنْ مِلْحُهُ عَلَى رُكْبَتِهِ‏.‏

يضرب للنزيق السريع الغضب، وللغادر أيضاً‏.‏ قلت‏:‏ هذا لفظ يحتاجُ إلى شَرْح، والأصل فيه‏:‏ أن العرب تسمى الشحم مِلْحاً لبياضه، وتقول‏:‏ أَمْلَحْتُ القِدْرَ، إذا جعلت فيها الشحم، وعلى هذا فسر قوله‏:‏

لا تَلُمْهَا إِنهَا مِنْ نِسْوَةٍ * مِلْحُهَا مَوْضُوعَةٌ فَوْقَ الرَكب

يعني من نسوة هَمُّها السمن والشحم، فكان معنى المثل‏:‏ شر الناس مَنْ لا يكون عنده من العقل ما يأمره بما فيه مَحْمدة، إنما يأمره بما فيه طَيْش وخفة وميل إلى أخلاق النساء، وهو حُبُّ السمن، والمِلْحُ يذكر ويؤنث‏.‏

1990- أَشْأَمُ كلِّ امْرِىءٍ بَيْنَ فَكَّيْهِ‏.‏

ويروى ‏"‏لَحْيَيْه‏"‏ وهما واحد، وأشأم بمعنى الشؤم، كقوله‏:‏

فتنتج لَكُمْ غِلْمَانَ أشام*

أي غلمان شؤم، يراد أن شؤم كل إنسان في لسانه، وهذا كما روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏"‏أيْمَنُ امرىء وأشأمه بين لحييه‏"‏ وكما قيل ‏"‏مَقْتَلُ الرجُل بين فكيه‏"‏ قال أبو الهيثم‏:‏ للعرب أشياء جاءُوا بها على أفعل، هي كالأسامي عندهم في معنى فاعل أو فَعِيل أو فَعِلٍ، كقولهم‏:‏ أشأمُ كل امرىء بين لحييه، بمعنى شُؤْم، وكقولهم‏:‏ المرء بأصْغَرَيْهِ أي بصَغِيريْهِ، وكقولهم‏:‏ إني منه لأوْجَلُ وأَوْجَر، أي وَجِل ووَجِر، أي خائف، وكقول الشاعر‏:‏

لا أعتِبُ ابنَ الْعَمِّ إن كان عَاتِباً * وَأَغْفِرُ عَنْهُ الْجَهْلَ إن كَانَ أَجْهَلاَ

أي جاهلا‏.‏

1991- أَشْبَهَ فُلانٌ أُمَّه‏.‏

يضر لمن يَضْعُف ويعجز‏.‏ ‏[‏ص 370‏]‏

1992- شَجِىَ بِرِيِقِهِ‏.‏

إذا غَصَّ بريقه‏.‏

يضرب لمن يُؤْتَى من مأمَنِهِ‏.‏

1993- شَدِيدُ الْحُجْزَةِ‏.‏

قالوا‏:‏ هي مَعْقِدُ الإزار‏.‏

يضرب للصَّبُور على الشدة والجهد‏.‏

وسئل علي بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه عن بني أمية فقال‏:‏ أشَدُّنَا حُجَزاً وأَطْلَبُنَا للأمر لا يُنَالُ فينالونه‏.‏

1994- شَرٌّ أَهَرَّ ذَا نَابٍ‏.‏

يقال ‏"‏أهرهُ‏"‏إذا حَمَلَه على الْهَرِير، و‏"‏ شر‏"‏ رَفْعٌ بالابتداء، وهو نكرة، وشرط النكرة أن لا يبتدأ بها حتى تخصص بصفة كقولنا‏:‏ رجُلٌ من بني تميم فارس، وابتدؤا بالنكرة ههنا من غير صفة، وإنما جاز ذلك لأن المعنى ما أهر ذا نابٍ إلا شرٌّ، وذو الناب‏:‏ السبعُ‏.‏

يضرب في ظهور أمارات الشر ومخايله‏.‏

1995- اشْدُدْ حُظُبَّى قَوْسَكَ‏.‏

هذا من أمثال بني أسد، وحُظُبَّي‏:‏ اسم رجل‏.‏

يضرب عند الأمر بتهيئة الأمر، والاستعداد له‏.‏

1996- شَرِبَ فَمَا نَقَعَ وَلاَ بَضَعَ‏.‏

يقال‏:‏ بَضَعْتُ من الماء بَضْعاً رَوِيتُ، ونَفَعْتُ‏:‏ أي شفيت غليلي‏.‏

يضرب لمن لا يسأم أَمْراً‏.‏

1997- شَهْرٌ ثَرَى، وَشَهْرٌ تَرَى، وَشَهْرٌ مَرْعَى‏.‏

يعنون شهور الربيع‏:‏ أي يمطر أولا، ثم يطلع النبات فتراه، ثم يطول فترعاه النَّعَمُ، وأرادوا شهر ثَرًى فيه، وشهر ترى فيه، فحذفا كا قال‏:‏

فَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيَوْمٌ لَنَا * ويَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرُّ

أي نُسَاءُ فيه ونُسَرُّ فيه، وإنما حذف التنوين من ثَرى ومَرْعىً في المثل لمتابعة ترى الذي هو الفعل‏.‏

1998- شَعَبَتْ قَوْمِي شَعُوبُ‏.‏

الشَّعْبُ من الأضداد، يكون بمعنى الْجَمْع وبمعنى التفريق، وهو بمعنى التفريق ههنا، وشَعُوبُ‏:‏ اسمُ للمنية لأنها تَشْعَبُ بين الناس، أي تُفَرِّقُ‏.‏ يضرب عند تَفَرُّقِ القومِ‏.‏

1999- شَوْفُ النُّحَاسِ يُظْهِرُ النُّحَاسَا‏.‏

الشَّوْف‏:‏ الجَلاَء، يقال‏:‏ شُفْتُه ‏[‏ص 371‏]‏ إذا جَلَوْتُه، يقول‏:‏ إذا شُفْتَ النحاس، فإن شَوْفَه لا يُخْرِجه من النحاسية‏.‏

يضرب للئيم يُحَثُّ على الكرم فيأباه‏.‏

2000- شَرِيبُ جَعْدٍ قَرْوُهُ المُقَيَّرُ‏.‏

الشَّرِيب‏:‏ الذي يُشَاربك، وجَعْد‏:‏ اسمُ رجلٍ، والقَرْو‏:‏ أصلُ شجرة يُنْقَر، فيجعل كالحوض يصب فيه العصير، والمُقَير‏:‏ المَطْلي بالقير‏.‏

يضرب للبخيل لا فَضْلَ عنده، يعطي أحداً‏.‏

2001- شَنُؤَةٌ بَيْنَ يَتَامَي رُضَّعِ‏.‏

الشَّنُؤَة‏:‏ ما يستقذر من القول والفعل‏.‏

يضرب لقومٍ اجتمعوا على فُجُور وفاحشة ليس فيهم مُرْشِد ولا ناهٍ‏.‏

2002- شِيكَ بِسُلاَّءَةِ أُمِّ جُنْدُعِ‏.‏

السُّلاَّءة‏:‏ شَوْكة النخل، وأم جندع‏:‏ امرأة‏.‏

يضرب لمن يؤتى من مَأْمَنِهِ‏.‏

2003- شَرُّ دَوَاءِ الإِبِلِ التَّذْبِيحُ‏.‏

وذلك أن السنة إذا كانت مُجْدِبة، يُخَاف منها على الإبل، ذَبَحُوا أولادها لتسلم الأمهات‏.‏

يضرب لمن فر من أمْرٍ، فوقَع في شر منه‏.‏

2004- شمَّ بِخِنَّابَةِ أُمّ شِبْلٍ‏.‏

الْخِنَّابة‏:‏ مالان من الأنْفِ مما يلي الخد، وأم شبل‏:‏ الأسد ‏.‏

يضرب للمتكبر‏.‏

2005- شَمَّرَ ثَرْوَانُ وَصَاوٍ هُكَعَةٌ‏.‏

يقال‏:‏ رجل ثَرْوَان، إذا كان كثيرَ المالِ، والصَّاوِي‏:‏ اليابس، يقال‏:‏ صَوَى يَصْوِي صويّاً إذا يبس، والهُكَعَة‏:‏ الأحمق الكسلان‏.‏

يضرب للغنى المشمِّر الجادِّ في أمره، يُبَاهيه ويُبَاريه كسلان رثّ الحال، فمن أين يلتقيان‏؟‏‏.‏

2006- شَيْخٌ بِحَوْرَانَ لَهُ أَلْقَابُ‏.‏

حَوْرَان‏:‏ من أرض الشأم، وبعده‏:‏

الذئب والعَقْعَقُ والْغُرَاب*

يضرب لمن يُظْهِر للناس العَفَاف والصَّلاَح ومِنْ حقه أن يُحْتَرز من قُرْبه‏.‏

2007- شَهْرَا رَبِيعٍ كجُمَادَى الْبُوسِ‏.‏

جُمَادى‏:‏ عبارة عن الشتاء، وجمود الماء فيه‏.‏

يضرب لمن يَشْكُو حالَه في جميع الأوقات أخْصَبَ أم أجْدَبَ‏.‏

2008- شَرِيفُ قَوْمٍ يُطْعِمُ الْقَدِيدَ‏.‏

يقال‏:‏ إن القَدِيدِ شر الأطعمة، والرجل ‏[‏ص 372‏]‏ الشريف لا يقدِّدُ اللحم، وهذا الشريف يُقَدِّدُ‏.‏

يضرب لمن يظهر السَّخَاء ولا يُرَى منه إلا قليل خير‏.‏

2009- شَكَوْتُ لَوْحاً فَخَزَا لِي يَلْمَعَا‏.‏

اللَّوْح‏:‏ العَطَش، وحَزَا يَحْزُو وحَزْواً‏:‏ رَفَعَ، واليَلْمَع‏:‏ السَّرَاب‏.‏

يضرب لمن يَشْكو حالَه إلى صاحبٍ له فأطمعه فيما لا مَطْمَعَ فيه‏.‏

2010- شَمْلٌ تَعَالَى فَوْقَ خَصْبَاتِ الدَّقَلِ‏.‏

الشَّمل والشِّمْل‏:‏ ما يبقى على النَّخْل بعد الصِّرَام، والخصبة‏:‏ النخلة الكثيرة الحمل، قال الأعشى‏:‏

كأنَّ على أَنْسَائِهَا عِذْقَ خَصْبَةٍ * تَدَلَّى من الكَاُفوِر غَيْر مُكَمَّمِ

والدقَل‏:‏ أراد التمر‏.‏

يضرب لمن قلَّ خيره، وإن استخرج منه شيء كان مع تعب وشدة‏.‏

2011- شِوَالُ عَيْنٍ يَغْلِبُ الضِّمارَا‏.‏

الشِّوَال‏:‏ الشيء القليلُ، والضِّمار‏:‏ النسيئة، والعين‏:‏ النقد، والمعنى قليلُ النقدِ خيرٌ من النسيئة‏.‏

قاله أبو جابر بن مليل الهذلي أيام حاصر الحجاجُ بنُ يوسف عبدَ اللّه بن الزبير، وكان عبد اللّه يحسن الوعد ويُطِيل الإنجاز، وكان الحجاج يَفْجَأ أصحابه بالعَطِيَّات، فقيل لأبي جابر‏:‏ كيف ترى ما نحن فيه‏؟‏ فقال هذا القول، فذهب مثلا‏.‏

2012- أَشْرَى الشَّرِّ صِغَارُهُ‏.‏

أي‏:‏ ألَجُّه وأبْقَاه من قولهم‏"‏ شَرِيَ البرق‏"‏ إذا كثر لمعانه، وشَرِيَ الفرسُ، إذا لَجَّ في سيره ‏.‏

قالوا‏:‏ إن صياداً قدم بنِحْىٍ من عسل ومعه كلب له، فدخل على صاحب حانوت، فعرض عليه العسل ليبيعه منه، فقطَر من العسل قطرة، فوقع عليها زنبور، وكان لصاحب الحانوت ابنُ عرسٍ فوثَبَ ابنُ عرس على الزنبور، فأخذه فوثَبَ كلبُ الصائد على ابن عرس فقتله‏.‏فوثَبَ صاحبُ الحانوت على الكلب فضربه بعصاً ضربةً فقتله، فوثب صاحبُ الكلب على صاحب الحانوت فقتله، فاجتمع أهلُ قرية صاحب الحانوت فقتلوه، فلما بلغ ذلك أهلَ قرية صاحب الكلب اجتمعوا فاقتتلوا هم وأهلُ قرية صاحب الحانوت حتى تفانوا، فقيل هذا المثل في ذلك‏.‏ ‏[‏ص 373‏]‏

2013- أُشِبَّ لِي إِشْبَاباً

قال أبو زيد‏:‏ إذا عَرَضَ لك إنسان من غير أن تذكُرَه قلتَ هذا، أي رُفِع لي رَفْعاً‏.‏

قلت‏:‏ وأصلُه من ‏"‏شَبَّ الغلامُ يَشِبُّ‏"‏ إذا ترعرع وارتفع، وأشّبَّهُ اللّه إشبابا أي رَفَعه‏.‏

يضرب في لقاء الشيء فَجْأة

2014- شَرُّ مَرْغُوبٍ إليْهِ فَصِيلٌ رَيَّانٌ

وذلك أن الناقة لا تكاد تَدِرُّ إلا على ولد أو على بَوٍّ، فإذا كان الفصيلُ ريَّان لم يَمْرِهَا فبقي أربابُهَا من غير لبن‏.‏

يضرب للغني التجأ إليه محتاج‏.‏

2015- شَوْقٌ رَغِيبٌ وَزُبْير أَصْمَعُ

قيل‏:‏ الشوق ههنا الشقو، وهو فتح الفم، فقدم الواو في المصدر، والفعل جاء على أصله، يقال‏:‏ ‏"‏شَقَا فَمَه يَشْقُوه‏"‏ إذا فَتَحه والزبير‏:‏ القمة، والأصمع‏:‏ الصغير‏.‏

يضرب لمن وَعَدَ وأكد ثم لا يفي بشيء مما قال وإن قلَّل وصَغَّر‏.‏

2016 شَرُّ إِخْوَانِكَ مَنْ لاَ تُعَاتِبُ

هذا كقولهم ‏"‏ معاتبة الأخ خيرٌ مِنْ فَقْده‏"‏ أي لأن تعتبه ليرجع إلى ما تحبُّ خَيْرٌ من أن تقطعه فتفقده، وقوله ‏"‏مَنْ لا تعاتب‏"‏ أي لا تعاتبه، ومن روى بالياء أراد من لا يعاتبك‏.‏

2017- الشَّمْسُ أَرْحمُ بِناَ

يعني أنها دِثَارهم في الشتاء، كما قال الشاعر‏:‏

إذا حَضَرَ الشِّتَاءُ فأنْت شَمْسٌ * وإنْ حَضَرَ الْمَصِيفُ فأنْتَ ظِلُّ

2018- شِدَّةُ الَحْذَرِ مُتْهمِةٌ

أي مُوقِعة في التُّهَمَة

2019- شَنِئْتُهَا فِي أَهْلهَا* مِنْ قَبْلِ أَنْ تُزْأَى إِلَيَّ

أي أبغضُتَها من قبل أن تزف إلى

يضرب للمَشْنُوء

قلت‏:‏ كذا وَجَدْتُ هذا المثل‏"‏ من قبل أن تُزْأَى‏"‏ والصواب ‏"‏تُزْوَى‏"‏ أي تضم وتجمع، وإلا فليس لهذا التركيب ذكر في كتب اللغة ويمكن أن يُحْمَل على أن الهمزة بدلٌ من الهاء، أي تُزْهَى، ومعناه ترفع، يقال‏:‏ زَهَا السرابُ السيء يزهاه إذا رفَعه‏.‏

2020- شَغَرَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِرِجْلِهَا

شَغَرت‏:‏ أي رفعت، والباء في ‏"‏برجلها ‏"‏ زائدة‏.‏

يضرب لمن ساعدته الدنيا فنال منها حَظَّه‏.‏ ‏[‏ص 374‏]‏

2021- شَرُّ الأَخِلاَّءِ خَلِيلٌ يَصْرِفُهُ وَاشٍ

يضرب للكثير التَّلَوُّنِ في الوداد

2022- اُشْرَب تَشبَعْ وَاُحْذَرْ تَسْلَمْ وَاتَّقِ تُوقَهْ

قال أبو عبيد‏:‏ يضرب في التوقِّي في الأمور، قال‏:‏ وهو في بعض كتب الحكمة

قلت‏:‏ والهاء في قوله ‏"‏توقه‏"‏ يجوز أن تكون للسكت، ويجوز أن تكون كنايةً عن الشر، كأنه قال‏:‏ اتق الشر تُوقَهْ

2023- شَاوِرْ في امْرِكَ الذَّيِنَ يَخْشَوْنَ اللّه

هذا يروى عن عمر رضي اللّه عنه‏.‏

2024- شِدَّةُ الحِرْصِ مِنْ سُبُلِ اُلْمُتَأَلِّفِ

يضرب في الشَّهْوَان الحريصِ على الطعام وغيره‏.‏

2025- شَوَى زَعَمَ ولم يَأْكل

يعني زَعَم أنه تولَّى شَيَّةُ ثم لم يأكل ‏.‏

يضرب لمن تولَّى أمراً ثم نَزَعَ نفسه منه‏.‏

2026- شَغَلَ اَلْحْليُ أَهْلَهُ أَنْ يُعاَرا

أي أهلَ الحلي، احتاجوا أن يُعَلِّقوه على أنفسهم، فلذلك لا يعيرون، وهذا قريب من قولهم ‏"‏شَغَلَتْ شِعَابِي جَدْوَاىَ ‏"‏يضربه المسؤل شيئا هو أحْوَجُ إليه من السائل‏.‏

*3*ما جاء على أفعل من هذا الباب

2027- أَشَدُّ الرِّجَال اْلأَعْجَفُ اْلأَضْخَمُ ‏.‏

يعني المهزول الكبير الألواح

2028- أَشْأَمُ مِنَ البَسُوسِ

هي بَسُوس بنت منقذ التميمية خالَةُ جَسَّاس بن مُرَّة بن ذُهْل الشيباني قاتل كليب، وكان من حديثه أنه كان للبسوس جارٌ من جَرْم يقال له سعد بن شمس، وكانت له ناقة يقال لها سَرَاب، وكان كليب قَدْ حَمَى أرضاً من أرض العالية في أنف الربيع، فلم يكن يرعاه أحدٌ إلا إبل جساس لمصاهرة بينهما، وذلك أن جليلة بنت مرة أختَ جَسَّاس كانت تحت كليب، فخرجت سَرَابُ ناقةُ الجرمي في إبل جَسِّاسٍ ترعى في حمى كليب، ونظر إليها كليبٌ فأنكرها فرماها بسَهْم فاختلَّ ضَرْعها فولَّت حتى بركَتْ بفناءِ صاحبها ‏[‏ص 375‏]‏ وضَرْعُها يَشْخُب دماً ولبناً، فلما نظر إليها صرخ بالذل، فخرجت جارية البَسُوس ونظرت إلى الناقة فلما رأت ما بها ضَرَبَتْ يدها على رأسها ونادت‏:‏ وَا ذُلاَّه، ثم أنشأت تقول‏:‏

لعمرك لو أصْبَحْتَ في دار مُنْقِذٍ * لما ضِيمَ سعدٌ وهو جارٌ لأبْيَاتِي

ولَكِنَّنيِ أصْبَحْتُ في دار غُرْبَةٍ * مَتَى يَعْدُ فيها الذئبُ يَعْدُ على شَاتِي

فيا سعدُ لا تُغْرَرْ بنفسكَ وَارْتَحلْ * فإنَّك في قومٍ عن الجارِ أمْوَاتِ

ودُونَكَ أذْوَادِي فإنيَ عنهمُ * لَرَاحِلةٌ لا يُفْقِدني بُنَيَّاتِي

فلما سمع جساس قولها سكنها وقال‏:‏ أيَّتُهَا المرأة ليقتلَنَّ غداً جملٌ هو أعظم عَقْراً من ناقة جارك، ولم يزل جساس يتوقَّع غِرَّةَ كليب حتى خَرَجَ كليبٌ لا يخاف شيئا، وكان إذا خرج تباعَدَ عن الحي، فبلغ جساسا خروجُه، فخرج على فرسه وأخذ رمحه واتبعه عمرو بن الحارث فلم يدركه حتى طعن كليبا ودَقَّ صُلْبه، ثم وقف عليه فقال‏:‏ يا جساس اغثني بشَرْبَة ماء‏.‏فقال جساس‏:‏ تركْتَ الماء وراءك، وانصرف عنه، ولحقه عمرو فقال‏:‏ يا عمرو أغثني بشربة، فنزل إليه فأجْهَزَ عليه، فضرب به المثل فقيل‏:‏

المستجِيرُ بَعْمرٍو عند كربيه * كالمستجير من الرَّمْضَاء بالنار

قال‏:‏ وأقبل جساس يركُضُ حتى هَجَم على قومه، فنظر إليه أبوه وركبته بادية فقال لمن حوله‏:‏ لقد أتاكم جساس بداهية، قالوا‏:‏ ومن أين تَعْرف ذلك‏؟‏ قال‏:‏ لظهور ركبتيه فإني لا أعلم أنها بَدَتْ قبل يومها، ثم قال‏:‏ ما وراءك يا جساس‏؟‏ فقال‏:‏ واللّه لقد طَعَنْتُ طعنةً لتجمعن منها عجائز وائل رقصا، قال‏:‏ وما هي ثكلتك أمك‏؟‏ قال‏:‏ قتلت كليبا، قال أبوه‏:‏ بئس لعمر اللّه ما جَنَيْتَ هلى قومك‏!‏ فقال جساس‏:‏

تأهَّبْ عنكَ أهْبَةَ ذي امتناعٍ *فإن الأمْرَ جَلَّ عن التَّلاَحِي

فإني قد جَنَيْتُ عليك حَرْباً * تُغصُّ الشيخَ بالماءِ القَرَاحِ

فأجابه أبوه

فإن تَكُ قَدْ جَنَيْتَ علي حَرْباً * فَلاَ وَانٍ وَلا رَثُّ السِّلاَح

سألبسُ ثَوْبَهَا وأذبّ عَنِّي * بها يَوْمَ الَمَذَّلةِ والفضاح

قال‏:‏ ثم قَوَّضُوا الأبنية، وجمعوا النَّعَم والخيول، وأزمعوا للرحيل، وكان همام بن مرة أخو جساس نديماً لمهلهل بن ربيعة أخي كليب، فبعثوا جاريةً لهم إلى همام لتعلمه ‏[‏ص 376‏]‏ لخبر، وأمروها أن تسره من مهلهل، فأتتهما الجارية وهما على شَرَابهما، فسارَّت هماما بالذي كان من الأمر، فلما رأى ذلك مهلهل سأل هماما عما قالت الجارية، وكان بينهما عهد أن لا يكتم أحدهما صاحبه شيئاً، فقال له‏:‏ أخبرتني أن أخي قتل أخاك، قال مهلهل‏:‏ أخوك أضْيَقُ اسْتاً من ذلك، وسكت همام، وأقبلا على شَرَابهما، فجعل مهلهل يشرب شُرْبَ الآمِنِ، وهمام يشرب شرب الخائف، فلم تلبث الخمرُ مهلهلا أن صَرَعَتْه، فانْسَلَّ همام فرأى قومه وقد تحملوا فتحمل معهم، وظهر أمرُ كليبٍ، فقال مهلهل لنسوته‏:‏ ما دها كن ‏؟‏ قلن‏:‏ العظيم من الأمر، قَتَلَ جساسٌ كليبا، ونَشِبَ الشر بين تغلب وبكر أربعين سنة كلها يَكون لتغلب على بكر، وكان الحارث بن عُبَاد البكري قد اعْتَزَل القومَ، فلما استحَرَّ القتلُ في بكر اجتمعوا إليه وقالوا‏:‏ قد فَنِيَ قومُك، فأرسَلَ إلى مهلهل بجيراً ابْنَه وقال‏:‏ قل له أبو بُجَيْر يقرئك السلام، ويقول لك‏:‏ قد علمتَ أني اعتزلْتُ قومي، لأنهم ظَلَموك وخَلَّيتك وإياهم وقد أدركت وِتْرَكَ فأنشدك اللّه في قومك، فأتى بجيرٌ مهلهلاً وهو في قومه، فأبلغه الرسالَةَ فقال‏:‏ من أنت ياغلام‏؟‏قال‏:‏ بجير بن الحارث بن عُبَاد، فقتله، ثم قال‏:‏ بُؤْبِشِسْعِ كليب، فلما بلغ الحارثَ فعلُه قال‏:‏ نعم القتيلُ بجير إن أصْلَح بين هذين الغارين قتلُه وسكنت الحرب به، وكان الحارثُ من أحلم الناسِ في زمانه فقيل له‏:‏ إن مهلهلا قال له حين قتله بُؤْبِشِسْعِ كليب فلما سمع هذا خرجَ مع بني بكر مقاتلا مهلهلا وبني تغلب ثائراً ببجير وأنشأ يقول‏:‏

قَرِّباَ مَرْبِطَ النَّعَامَةِ منِّي * إنّ بَيْعَ الكريمِ بالشِّسْعِ غَالِي

قَرِّباَ مَرْبِطَ النعامة مِنِّي * لَقِحَتْ حَرْبُ وائِلٍ عن حِيَالِ

لم أكن من جُنَاتِهَا عَلِمَ الَّل * هُ َوإنِّي بِشَرِّها الْيَوْمَ صَالِي

ويروى‏"‏ بِحَرِّهَا‏"‏ والنعامة‏:‏ فرسُ الحارث، وكان يقال للحارث‏:‏ فارس النَّعَامة، ثم جمع قومه والتقى وبنو تغلب على جبل يقال له قضة فهزمَهم وقتلهم ولم يقوموا لبكر بعدها‏.‏

2029- أَشْغَلُ مِنْ ذَاتِ النِّحْيَيْنِ ‏.‏

هي امرأة من بني تَيْم اللّه بن ثعلبة، كانت تبيع السمن في الجاهلية، فأتاها خَوَّات بن جُبَير الأنصاري يبتاع منها سَمْنا، فلم يَرَ عندها أحدا، وساوَمَها فحَلَّت نِحْياً، فنظر إليه ثم ‏[‏ص 377‏]‏ قال‏:‏ أمسكيه حتى أنظر إلى غيره، فقالت‏:‏ حُلَّ نِحْياً آخر، ففعل، فنظر إليه فقال‏:‏ أريد غير عذا فأمسكيه، ففعلت، فلما شَغَلَ يديها ساوَرَها فلم تقدر على دَفْعه حتى قضي ما أراد وهرب، فقال‏:‏

وَذَاتِ عِيَالٍ وَاثِقينَ بِعقْلهَا * خَلَجْتُ لهَا جَارَاسْتِهَا خَلَجَاتِ

شَغَلْتُ يَدَيْهَا إذْا أرَدْتُ خِلاَطَهَا * بِنِحْيَيْنِ مِنْ سَمْنٍ ذَوَيْ عجَرَاتِ

فأخْرَجُتُه رَيَّانَ ينطف رَأسه *مِنَ الرامك المدموم بالمقرات

ويروى ‏"‏بالتفرات‏"‏جمع ثفرة‏.‏والرامك‏:‏ شيء تُضَيق به المرأة قبلها ‏.‏والمدموم‏:‏ المخلوط، والمقرة‏:‏ الصبر‏.‏

فكان لها الويلات من ترك سمنها * ورَجْعَتها صِفْراً بغير بَتَاتِ

فَشَدَّتْ على النِّحْيَيْنِ كَفّاً شَحِيحَةً * على سَمْنِهَا والْفَتْكُ من فَعَلاَتِي

ثم أسلم خَوَّات رضي اللّه عنه، وشهد بَدْراً، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ يا خَوَّات كيف شِرَادُك‏؟‏ ويروى كيف شراؤك، وتَبَسَّم صلوات اللّه عليه، فقال‏:‏ يا رسول اللّه قد رَزَقَ اللّه خيرا، وعوذ باللّه من الحور بعد الكور، وفي رواية حمزة فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ما فَعَلَ بعيرُك‏؟‏ أيشرد عليك‏؟‏ فقال‏:‏ أما منذ أسلمت - أو منذ قَيَّده الإسلام - فلا، ويَدَّعِى الأنصار أنه عليه السلام دعا بأن تسكن غُلْمته، فسكنت بدعائه، وهجا رجل بني تيم اللّه فقال‏:‏

أنَاسٌ رَبَّةُ النِّحْيَيْنِ منهم * فَعُدُّوها إذا عُدَّ الصَّمِيمُ

وزعموا أن أم الورد العَجْلاَنية مَرَّتْ في سوق من أسواق العرب، فإذا رجل ييبع السمن، ففعلت به كما فَعَل خَوَّاتٌ بذات النحيين من شَغْل يديها ثم كشفت ثيابه وأقبلت تضربُ شقَّ استه بيديها، وتقول‏:‏ يا ثارات ذاتِ النِّحْيَيْنِ‏.‏

2030- أشْأمُ مِنْ خَوْتَعَة ‏.‏

وهو أحد بني غُفَيلة بن قاسط بن هِنْب بن أفْصَى بن دُعْمِىِّ بن جَدِيلة ‏.‏

ومن حديثه أنه دلَّ كُثَيْفَ بن عمرو التَّغْلَبي ‏[‏وأصحابَه‏]‏ على بني الزَّبَّان الذُّهْلي لِتِرَةٍ ‏(‏الترة - بوزن عدة وصفة - الثأر، وأصل تائها واو‏)‏ كانت له عند عمرو بن الزَّبَّان، وكان سبب ذلك أن مالك بن كومة الشيباني لقي كُثَيِّفَ بن عمرو في بعض حروبهم، وكان مالك نحيفا قليل اللحم، وكان كُثَيف ضَخْما، فلما أراد مالك أسْرَ كُثَيف اقتحم ‏[‏ص 378‏]‏ كثيف عن فرسه لينزل إليه مالك، فأوْجَرَه مالك السِّنَانَ، وقال‏:‏ لتسأسِرَنَّ أو لأقتلنك، فاحْتَقَّ فيه هو وعمرو بن الزَّبَّان، وكلاهما أدركه، فقالا‏:‏ قد حكمنا كُثَيفا، يا كثيف مَنْ أسَرَك‏؟‏ فقال‏:‏ لولا مالك بن كومة كنت في أهلي، فلطَمه عمرو بن الزَّبَّان، فغضب مالك، وقال‏:‏ تَلْطم أسيري ‏؟‏ إن فداءك يا كثيف مائة بعير، وقد جعلتُهَا لك بلَطْمة عمرو وَجْهَك، وجَزَّ ناصيته وأطلقه، فلم يزل كُثَيف يطلب عمرا باللَّطْمة حتى دلَّ عليه رجل من غُفَيلة يقال له خَوْتَعة، وقد بَدَّتْ لهم إبل، فخرج عمرو وإخوته في طَلَبها فأدركوها فذبَحُوا حُوَارا فاشْتَوَوْهُ وجلسوا يَتَغَدَّون، فأتاهم كُثَيف بضِعْف عددهم، وأمرهم إذا جلسوا معهم على الغدَاء أن يكتنف كلَّ رجلٍ منهم رجلان، فمروا بهم مجتازين، فدُعُوا فأجابهم، فجلسوا كما ائتمروا فلما حَسَر كُثَيف عن وجهه العمامةَ عرفه عمرو، فقال‏:‏ ياكثيف إن في خَدِّي وَفَاء من خدك، وما في بكر بن وائل خد أكْرَمُ منه، فلا تشبَّ الحربَ بيننا وبينك، فقال‏:‏ كلا بل أقتلك وأقتل إخْوَتَكَ، قال‏:‏ فإن كنت فاعلا فأطلق هؤلاء الفتية الذين لم يتلبسوا بالحروب، فإن وراءهم طالباً أطْلَبَ مني، يعني أباهم، فقتلهم وجعل رؤوسهم في مِخْلاَة وعلَّقها في عنق ناقة لهم يقال لها الدُّهَيْم، فجاءت الناقة والزبَّان جالسٌ أمام بيته حتى بركت، فقال‏:‏ يا جارية هذه ناقة عمرو، وقد أبطأ هو وإخوتُه، فقامت الجارية فجَسَّت المخلاة، فقالت‏:‏ قد أصاب بَنُوكَ بَيْضَ نعام، فجاءت بها إليه، وأدخلت يدها فأخرجت رأس عمرو أولَ ما أخرجت، ثم رؤوسَ إخوته، فَغَسلها ووضَعها على تُرْسٍ وقال‏:‏ آخِرُ البَزِّ على القَلُوص، وقال أبو الندى‏:‏ معناه هذا آخر عهدي بهم، لا أراهم بعده، فأرسلها مثلا، وضرب الناس بحمل الدُّهَيْم المثلَ، فقالوا‏:‏ أثْقَلُ من حمل الدهيم، فلما أصبح نادى‏:‏ يا صَبَاحاه، فأتاه قومه، فقال‏:‏ واللّه لأحَوِّلَنَّ بيتي ثم لا أردُّه إلى حاله الأول حتى أدرك ثاري، وأطفى ناري فمكث بذلك حيناً لا يدري مَنْ أصاب ولده ومَنْ دَلَّ عليهم، حتى خُبِّر بذلك، فحلف لا يحرِّمُ دم غُفَلِىٍّ حتى يدلُّوه كما دلُّوا عليه، فجعل يغزو بني غُفَيلة حتى أثْخَن فيهم، فبينما هو جالس عند ناره إذ سمع رُغَاء بعير، فإذا رجل قد نزل عنه حتى أتاه فقال‏:‏ من أنت ‏؟‏ فقال‏:‏ رجل من بني غُفَيلة، فقال‏:‏ أنت وقد آن لك، فأرسلها مثلا، فقال‏:‏ هذه خمسة وأربعون بيتاً من بني تَغْلب بالإقطانتين، يعني موضعا بناحية الرقة، فسار إليهم الزَّبَّان ‏[‏ص 379‏]‏ ومعه مالك بن كومة، قال مالك‏:‏ فَنَعِسْتُ على فرسي وكان ذريعا فتقدم بي، فما شَعَرْتُ إلا وقد كرع في مقراة القوم، فجذبته فمشى على عقبيه فسمعت جارية تقول‏:‏ ياأبت هل تمشي الخيل على أعقابها‏؟‏ فقال لها أبوها‏:‏ وما ذاك يا بنية ‏؟‏ قالت‏:‏ رأيت الساعة فرسا كَرَعَ في المقراة ثم رجع على عقبيه، فقال لها‏:‏ ارْقُدِي فإني أبغض الجاريةَ الكَلُوء العينِ، فلما أصبحوا أتتهم الخيل دَوَاسَّ، أي يتبع بعضُها بعضا فقتلوهم جميعا‏.‏

قوله ‏"‏ دَوَاسَّ‏"‏ كذا أورده حمزة في كتابه، والصواب‏"‏ دوائس‏"‏ يقال‏:‏ داستهم الخيلُ بحَوَافرها، وأتتهم الخيل دَوَائِسَ، أي يتبع بعضُها بعضا، ووجدت في بعض النسخ يقال‏:‏ دَسَّتِ الخيلُ تدسُّ دَسّاً إذا تبع بعضها بعضا، وأنشد‏:‏

خَيْلاً تًدسُّ إليهمُ عجلا * وَبَنُو رَحَائِلهَا ذّوُو بَصَرِ

أي ذوو حزم

2031- أشْأَمُ مِنْ أحْمَرِ عاد ‏.‏

هو قُدَار بن سالف، عاقر الناقة، ويقال له أيضاً‏:‏ قُدَار بن قُدَيرة، وهي أمه، وهو الذي عَقَر ناقة صالح عليه السلام، فأهلك اللّه بفعله ثمودَ‏.‏

2032- أشْهَرُ مِنَ الَفَرسِ الأْبلَقِ‏.‏

ويقال أيضاً‏"‏ أشهر من فارس الأبلق‏"‏

2033- أشأمُ مِنْ دَاحِسٍ‏.‏

وهو فرس لقَيْس بن زُهَير العَبْسِي، وهو داحس بن ذي العُقَّال، وكان ذو العُقَّال فرساً لحَوْطِ بن جابر ‏(‏في القاموس ‏"‏حوط بن أبي جابر‏"‏‏)‏ بن حُمَيْرَي بن رياح بن يَرْبُوع بن حَنْظَلة، وكانت أم داحس فرسا لِقِرْوَاش بن عَوْف بن عاصم بن عبيد بن يربوع يقال لها جَلْوَى، وإنما سمي داحسا لأن بني يربوع احتملوا سائرين في نُجْعَةٍ لهم، وكان ذو العُقَّال مع ابنتي حَوْط بن جابر ‏(‏في القاموس ‏"‏حوط بن أبي جابر‏"‏‏)‏ يَجْنُبانه، فمرَّتْ به جَلْوى، فلما رآها ذو العُقَّال وَدَى، فضحك شابٌّ منهم، فاسْتَحْيَتِ الفتاتان، فأرسَلَتَاهُ فنَزَا على جَلْوَى فوافق قبولها فأقصت ثم أخذه لهما بعض رجال القوم، فلحق بهم حوط - وكان رجلا سيء الخلق - فلما نظر إلى عين فرسه قال‏:‏ واللّه لقد نزا فَرَسِي فأخْبِرَاني ما شأنه، فأخبرتاه بما كان، فنادى‏:‏ يال رياح، واللّه لا أرضى حتى آخذ ماء فرسي، قال بنو ثعلبة‏:‏ واللّه ما استكرهْنَا فرسَك وما كان إلا منفلتا، قال‏:‏ فلم يزل الشر بينهم حتى عَظُم، فلما رأوا ذلك قالوا‏:‏ ما تريدون يابني رياح‏؟‏ قالوا‏:‏ فدونكم الفرس، فسطا عليها ‏[‏ص 380‏]‏ حَوْط وجعل يَدَه في ماء وملح ثم أدخلها في رحمها ودَحَسَ بها حتى ظن أنه فَتَحَ الرحم وأخرج الماء، واشتملت الرحم على ما فيها، فَنَتَجَها قِرْوَاش بن عوف داحساً، فسمي داحساً لذلك، والدَّحْس‏:‏ إدخال اليد بين جلد الشاة ولحمها حين يسلخها، ثم رآه حَوْط فقال‏:‏ هذا ابن فرسي، فكرهوا الشر، فبعثوا به إليه مع لَقُوحَيْن ورواية من لبن، فاستحيا فردَّه إليهم وهو الذي ذكره جرير حيث يقول‏:‏

إن الجِيَادَ يَبِتْنِ حول قِبَابِنَا * من آل أَعْوَجَ أو لذي العُقّالِ

2034- أَشأَمُ مِنْ قَاشِرٍ‏.‏‏.‏

هو فحل لبني عوافة بن سعد بن زيد مَنَاة بن تميم، وكان لقوم إبل تذكر، فاستطرقوه رجاء أن يؤنث إبلهم، فماتت الأمهات والنَّسْل، ويقال‏:‏ قاشر اسم رجل وهو قاشر بن مرة أخو زَرْقَاء اليمامة، وهو الذي جَلَبَ الخيل إلى جَوٍّ حتى استأصلهم‏.‏

2035- َشْجَعُ مِنْ لَيْثِ عِفِرِّينَ‏.‏

زعم الأصمعي أنه دابة مثل الحِرْباء، تتعرض للراكب وتضرب بذنبها، وقالوا‏:‏ هو منسوب إلى عِفِرِّينَ اسم بلد، ويقال‏:‏ ليث عفرين دزيبة مأواها التراب السهل في أصول الحيطان، تدور ثم تندسّ في جوفها، فإذا هيجت رَمَتْ بالتراب صُعُداً ‏.‏

وقال الجاحظ‏:‏ إنه ضرب من العَنَاكب يصيد الذباب صَيْدَ الفُهُود، وهو الذي يسمى الليث، وله ست عيون، فإذا رأى الذباب لطىء بالأرض وسكن أطرافه، فمتى وثب لم يخطىء، ويقولون في سن الرجل‏:‏ ابن العشر سنين لَعَّاب بالْقُلِينَ، وابن العشرين باغي نِسِين، أي طالب نِسَاء، وابن الثلاثين أسعى الساعين، وابن الأربعين أبطش الباطشين، وابن الخمسين ليث عِفِرِّينَ، وابن الستين مؤنس الجليسين، وابن السبعين أحكم الحاكمين، وابن الثمانين أسرع الحاسبين، وابن التسعين أحد الأرذلين، وابن المائة لا حاء ولا ساء، أي لا رجل ولا امرأة‏.‏

2036- أَشَدُّ حُمْرَةً مِنْ بِنْتِ المَطَر ‏.‏

وهي دويبة حمراء تظهر غِبَّ المطر‏.‏

2037- أَشْأَمُ مِن حُمَيْرَةَ ‏.‏

هي فرس شَيْطان بن مُدْلج الْجُشَمي ثم أحد بني إنسان‏.‏

وكان من حديثه أن بني جُشَمَ بن معاوية أسهلوا قبل رجب بأيام يطلبون المرعى فأفلت حميرة، فجاء صاحبها يُرِيفها عامة ‏[‏ص 381‏]‏ نهاره حتى أخذها، وخرجت بنو أسد وبنو ذبيان غارّين، فرأوا آثار حميرة فقالوا‏:‏ إن هؤلاء لَقَرِيبٌ منكم، فاتبعوا آثارها حتى هجموا على الحي فغنموا، وذلك يوم يَسْيَان فقال شيطان يذكر شؤمها‏:‏

جاءَتْ بما تَزْبِي الدُّهَيْمُ لأهلها * حُمَيْرةُ، أو مَسْرَى حُمَيْرةَ أَشْأَمُ

فلا ضير إن عرضتها ووقَفْتُهَا * لِوَقْعِ القنا كيما يُضَرِّجَهَا الدَّمُ

وعرَّضْتُها في صَدْر أظْمى يَزِينُهُ * سنِاَن كَنِبْرَاسِ التهامى لَهْذَمُ

وكنتُ لها دُونَ الرماح دَرِيئَةً * فتَنْجُو وَضَاحِي جِلْدِهَا ليس يُكْلَم

وبينا أُرَجِّى أنْ أوفى غَنِيمَةً * أَتَتنِي بأْلَفْي دَارِعٍ يَتَعَمَّمُ

2038- أشأَمُ مِن مَنْشِمَ‏.‏

ويقال ‏"‏أشأم من عِطْرِ َمنْشَمَ‏"‏‏.‏

وقد اختلف الرواة في لفظ هذا الاسم، ومعناه، وفي اشتقاقه، وفي سبب المثل‏.‏

فاما اختلاف لفظه فإنه يقال‏:‏ مَنْشِم، ومَنْشَم، ومَشْأَم‏.‏

وأما اختلاف معناه فإن أبا عمرو بن العَلاَء زعم أن المَنْشِمَ الشرُّ بعينه، وزعم آخرون أنه شيء يكون في سُنْبُل العطر، يسميه العطارون قرون السنبل، وهو سم ساعة، قالوا‏:‏ وهو البيش، وقال بعضهم‏:‏ إن المنشم ثمرة سوداء منتنة، وزعم قوم أن منشم اسم امرأة ‏.‏

وأما اختلاف اشتقاقه فقالوا‏:‏ إن مَنْشِم اسمٌ موضوع كسائر الأسماء الأعلام، وقال آخرون‏:‏ مَنْشَم اسم وفعل جعلا اسماً واحداً وكان الأصل مَنْ شَمَّ فحذفوا الميم الثانية من شَمَّ، وجعلوا الأولى حرف إعراب، وقال آخرون‏:‏ هو من نشم إذا بدأ، يقال ‏"‏نشم في كذا‏"‏ إذا أخذ فيه، يقال ذلك في الشر دون الخير، وفي الحديث ‏"‏لما نشم الناسُ في عثمان‏"‏ أي طعنوا فيه، فأما مَنْ رواه مَشْأم فإنه يجعله اسماً مشتقاً من الشؤم‏.‏

وأما اختلاف سبب المثل فإنما هو في قول مَنْ زعم أن منشم اسم امرأة، وهو أن بعضَهم يقول‏:‏ كانت مَنْشِم عطارةً تبيع الطيب، فكانوا إذا قَصَدُوا الحربَ غَمَسُوا أيديَهم في طيبها وتحالفوا عليه بأن يستميتوا في تلك الحرب ولا يُوَلُّوا أو يُقْتَلُوا، فكانوا إذا دخلوا الحربَ بطيب تلك المرأة يقول الناس‏:‏ قد دَقُّوا بينهم عِطْرَ مَنْشِمَ، فلما كثر منهم هذا القول سار مثلا، فمن تمثل به زهير بن أبي سلمى حيث يقول‏:‏ ‏[‏ص 382‏]‏

تَدَاركْتُما عَبْساً وذُبْيَانَ بَعْدَمَا * تَفَاَنْوا ودَقُّوا بَيْنَهُمْ عِطْرَ مَنْشِم

وزعم بعضهم أن مَنْشِم كانت امرأة تبيع الْحَنُوطَ، وإنما سموا حنوطها عطراً في قولهم ‏"‏ قد دقوا بينهم عطر منشم‏"‏ لأنهم أرادوا طيبَ الموتى‏.‏ وزعم الذين قالوا‏:‏ إن اشتقاق هذا الاسم إنما هو عطر مَنْ شَمَّ، أنها كانت امرأة يقال لها ‏"‏خفرة‏"‏ تبيع الطيب، فورد بعضُ أحياء العرب عليها، فأخذوا طيبها وفَضَحُوها، فلحقها قومُها، ووضعوا السيفَ في أولئك وقالوا‏:‏ اقتلوا مَنْ شَمَّ، أي من شَمَّ من طيبها‏.‏ وزعم آخرون أنه سار هذا المثلُ في حَلِيمة أعني قولهم‏:‏ ‏"‏قد دَقُّوا بينهم عطر منشم‏"‏ قالوا‏:‏ ويومُ حليمة هو اليوم الذي سار به المثل فقيل‏:‏ ‏"‏ما يَوْمُ حَليمة بِسِرٍّ‏"‏ لأن فيه كانت الحرب بين الحارث بن أبي شمر ملك الشام، وبين المنذر بن المنذر بن امرىء القيس ملك العراق، وإنما أضيف هذا اليوم إلى حليمة لأنها أخرجت إلى المعركة مَرَاكِنَ من الطيب، فكانت تُطَيِّبُ به الداخلين في الحربِ، فقاتلوا من أجل ذلك حتى تفانوا، وزعم آخرون أن منشم امرأة كان دخل بها زوجُها، فنافرته، فدقَّ أنفها بفِهْرٍ، فخرجت إلى مُدَمَّاة، فقيل لها‏:‏ بئس ما عَطَّرك به زوجُك، فذهبت مثلا‏.‏

وقال ابن السكيت العربُ تكنى عن الحرب بثلاثة أشياء‏:‏ أحده عِطْرُ مَنْشِم، والثاني‏:‏ ثَوْبُ محارب، والثالث‏:‏ برد فاخر، ثم حكى في تفسير عطر منشم قولَ الأصمعي، وقال في ‏"‏ ثوب محارب‏"‏ إنه كان رجلا من قيس عَيْلاَن يتخذ الدروع، والدرعُ ثوبُ الحربِ، وكان مَنْ أراد أن يشهد حرباً اشترى درعاً، وأما ‏"‏ برد فاخر‏"‏ فإنه كان رجلا من تميم، وهو أول من لبس البرد المَوْشِيَّ فيهم، وهو أيضاً كناية عن الدرع، فصار جميعُ ذلك كنايةً عن الحرب‏.‏

2039- أَشْأَمُ مِنْ رَغَيِفِ اَلْحوْلاءِ‏.‏

قالوا‏:‏ إنها كانت خَبَّازة، ومن حديثها - فيما ذكر ابن أخي عمارة بن عقيل ابن بلال بن جرير - أن هذه الخبازة كانت في بني سَعْد بن زيد مَنَاة بن تميم، فمرت بخبزها على رأسها، فتناول رجل منهم من رأسها رغيفاً، فقالت له‏:‏ واللّه ما لك على حق، ولا اسْتَطْعَمْتَنِي، فَبِمَ أَخَذْتَ رغيفي ‏؟‏ أما إنك ما أردت بما فعلتَ إلا أَبْسَ فلان، رجلٍ كانت في جواره، فثار القوم، فقُتِل بينهم ألف إنسان‏.‏ ‏[‏ص 383‏]‏

2040- أَشأَمُ مِنْ طَيْرِ العَرَاقِيبِ‏.‏

هو طير الشؤم عند العرب، وكل طائر يتطير منه للإبل فهو طير عرقوب، لأنه يعرقبها‏.‏

2041- أشأَمُ مِنَ اْلأَخْيَلِ‏.‏

هو الشِّقِرَّاق، وذلك أنه لا يقع على ظهر بعير دَبِر إلا خَزَل ظهره، قال الفرزدق يخاطب ناقته‏:‏

إذ قَطَناً بَلَّغْتِنيهِ ابْنَ مُدْرِك * فَلُقّيتِ مِنْ طَيْرِ العراقيب أَخْيَلاَ

ويروى من ‏"‏طير الأشائم ‏"‏ ويقال‏:‏ ‏"‏بعير مَخْيول‏"‏إذا وقَع الأخيل على عجزه فقطعه، ويسمونه مُقَطِّع الظهور، وإذا لقي الأخيلَ منهم مسافرٌ تَطَيَّر وأيقن بالعَقْر في الظهر إن لم يكن موت، وإذا عاين أحدُهم شيئاً من طير العَرَاقيب قالوا‏:‏ أتِيحَ له ابنا عِيَان، كأنه قد عَايَنَ القتل أو العَقْر، وإذا تكهن كاهنهم أو زَجَر زاجر طيرهم، أو خطَّ خاطُّهم فرأى في ذلك ما يكره قال‏:‏ ابْنَا عِيان، أَظْهَرَا البيان، ويروى ‏"‏أسْرَعَا البَيَان‏"‏ وهما خَطَّان يخطهما الزاجر ويقول هذا اللفظ، كأنه بهما ينظر إلى ما يريد أن يعلمه، ويروى ‏"‏ابنَيْ عيان، أظهِرَا البيان‏"‏على النداء، أي يا ابني عيان أظهر البيان‏.‏

2042- أشأَمُ مِنْ غُرَابِ الْبَيْنِ‏.‏

إنما لزِمه هذا الاسم لأن الغراب إذا بان أهلُ الدَّار للنُّجْعة وقَع في موضع بيوتهم يتلمس ويتقمم، فتشاءموا به، وتطيروا منه، إذ كان لا يعترى منازلهم إلا إذا بانوا، فسموه غراب البين، ثم كرهوا إطلاق ذلك الاسم مخافة الزجر والطيرة، وعلموا أنه نافذ البصر صافي العين، حتى قالوا‏:‏ أصفى من عين الغراب، كما قالوا‏:‏ أصفى من عين الديك، وسموه ‏"‏الأعور‏"‏ كنايةً، كما كنوا طيرةً عن الأعمى فكنوه ‏"‏ أبا بصير‏"‏ وكما سموا الملدوغ والمنهوس ‏"‏ السليم‏"‏ وكما قالوا للمَهَالك من الفيافي ‏"‏المَفَاوز‏"‏ وهذا كثير، ومن أجل تشاؤمهم بالغراب، اشتقوا من اسمه الغُرْبَة والاغتراب والغَرِيب، وليس في الأرض بَاوِح، ولا نَطِيح، ولا قَعِيد، ولا أَعْضَب، ولا شيء مما يتشاءمون به إلا والغُرَابُ عندهم أنكَدُ منه، ويرون أن صياحه أكثر أخباراً، وأن الزجر فيه أعمُّ، قال عنترة‏:‏

خَرق الْجَنَاح، كأنَّ لَحْيَيْ رَأْسِهِ * جَلمَاَنِ، بالأخْبَارِ هَشٌّ مُولَعُ

وقال غيره‏:‏

وصَاحَ غُرَابٌ فَوْقَ أَعْوَادِ بَانَةٍ * بأَخْبَارِ أَحْبَابِي فقسَّمَنِي الفِكْرُ ‏[‏ص 384‏]‏

فَقُلْتُ غُرَابٌ باغْتِرابٍ وَبَانَة * تبينُ النَّوَى، تِلْكَ العِيَافَةُ وَالزَّجْرُ

وَهَبَّتْ جَنُوبٌ باجْتِنَابِيَ مِنْهُمُ * وَهَاجَتْ صَباً قُلْتُ‏:‏ الصَّبَابَةُ وَالْهَجْرُ

وقال آخر‏:‏

تَغَنَّى الطَّاِئرَان بِبَيْنِ سَلْمَى * عَلَى غُصْنَيْنِ مِنْ غَرَبٍ وَباَنِ

فكَانَ الْبَانُ أَنْ بَانَتْ سُلَيْمَى * وَفِي الغَرَب اغْتِرَابٌ غَيرُ دَانِ

وقال آخر‏:‏

أقُولُ يَوْمَ تَلاَقَيْنَا وَقَدْ سَجَعَتْ * حَمَامَتَانِ عَلَى غُصْنَيْنِ مِنْ باَنِ

الآن أعلم أن الْغُصْنَ لِي غَصَصٌ * وأنما الْبَانُ بَيْنٌ عَاجِلٌ دَانِ

فَقُمْتُ تَخْفِضُنِي أَرْضٌ وَتَرْفَعُنِي *حَتَّى ونيت وَهَدَّ السَّيْرُ أرْكَانِي

فهذا نَمَطُ شعرهم في الغُرَاب لا يتغير، بل قد يزجرون من الطير غيرَ الغُرَاب على طريقين‏:‏ أحدهما على طريق الغراب في التشاؤم، والآخر على طريق التفاؤل به،

قال الشاعر‏:‏

وقَاُلوا‏:‏ تَغَنَّى هُدْهُدٌ فوق بَانَةٍ * فقلْتُ‏:‏ هُدًى يَغْدُو به ويَرُوحُ

وقال آخر‏:‏

وقالوا‏:‏ عُقَاب، قُلْتُ‏:‏ عُقْبَى مِنَ النَّوَى

دَنَتْ بَعْدَ هَجْرٍ منهمُ ونُزُوحِ

وقال آخر‏:‏

وقالوا‏:‏ حَمَامٌ، قُلْتُ‏:‏ حُمَّ لِقَاؤُهَا * وَعَادَ لَنَا رِيحُ الْوِصَالِ يَفُوحُ

فهذا إلى الشاعر، لأنه إن شاء جعل العُقَاب عُقْبى خير، وإن شاء جعلها عُقْبَى شر، وإن شاء جعل الْحَمَام حِمَاما، وإن شاء قال‏:‏ حُمَّ اللقاء، والهدهد هُدًى وهِدَاية، والْحُبَارى حُبُورا وحبرة، والبان بَيَانا يلوح، والدَّوْم دَوَام العهد، كما صارت الصَّبا عنده صبابة، والجنوب اجتنابا، والصُّرَد تَصْريدا، إلا أن أحداً منهم لم يزجر في الغراب شيئاً من الخير، هذا قول أهل اللغة‏.‏

وذكر بعضُ أهل المعاني أن نَعِيبَ الغُرَاب يُتَطير منه، ونَغِيقه يتفاءل به، وأنشد قول جرير‏:‏

إن الغُرَاب بِمَا كَرِهْت لمَوُلَعٌ * بِنَوَى الأحِبَّةِ دَائِمُ التّشْحَاِج

لَيْتَ الْغُرَابَ غَدَاة يَنْعَبُ دَائِباً * كان الغُرَابُ مُقَطَّعَ الأوْدَاج

وقول ابن أبي ربيعة‏:‏

نَعَبَ الْغُرَابُ بِبَيْنِ ذَاتِ الدُّمْلُجِ *لَيْتَ الْغُرَابَ بِبيَنْهِا لَمْ يَشحَجِ ‏[‏ص 385‏]‏

ثم أنشدوا في النغيق‏:‏

تَرَكْتُ الطَّيْرَ عَاكِفَةً عَلَيْهِمْ * وَلِلْغِرْبَانِ من شبع نَغِيقُ

قال‏:‏ ويقال ‏"‏ نَغَقَ الغرابُ نَغِيقا‏"‏ إذا قال‏:‏ غيق غيق، فيقال عندها ‏"‏نغق بخير‏"‏ ويقال ‏"‏ نَعَبَ نَعيبا‏"‏ إذا قال‏:‏ غاق ‏[‏غاق‏]‏، فقال عندها ‏"‏ نَعَبَ بشر‏"‏ قال‏:‏ ومنهم من يقول ‏"‏نغق ببين‏"‏ وزهير منهم وأنشد له‏:‏

ألقَى فِرَاقُهُمُ فِي الْمُقْلَتَيْنِ قَذًى * أمْسَى بِذَاكَ غُرَابُ الْبَيْنِ قَدْ نَغَقَا

وقال من احتج للغراب‏:‏ العربُ قد تتيمن بالغراب فتقول‏:‏ هم في خير لا يَطيرُ غُرابه، أي يقع الغراب فلا يُنَفَّر لكثرة ما عندهم، فلولا تَيَمُّنُهُمْ به لكانوا ينفرونه، فقال الدافعون لهذا القول‏:‏ الغرابُ في هذا المثل السَّوَاد، واحتجوا بقول النابغة‏:‏

ولرهْطِ حَرَّابٍ وَقَدّ سَوْرَةُ * في الْمَجْدِ لَيْسَ غُرَابُهَا بِمُطَارِ

أي مَنْ عرض لهم لم يمكنه أن ينفر سوادهم لعزهم وكثرتهم ‏.‏

2043- أَشْأَمُ مِنْ وَرْقَاءَ‏.‏

يعنون الناق، وهي مشئومة، وذلك أنها ربما نَفَرت فذهبت في الأرض‏.‏

وهذا المثل ذكره أبو عُبيد القاسم بن سَلاَّم ولم يعتلَّ فيه بأكثر من هذا، قاله حمزة‏.‏

قلت‏:‏ روى لأبو الندى ‏"‏أشأم من زَرْقَاء ‏"‏وقال‏:‏ هي اسم ناقة نفرت براكيها فذهبت في الأرض‏.‏

2044- أشَمُّ مِنْ نَعَامَةٍ، وَمِنْ ذِئْبٍ، وَمِنْ ذَرَّةٍ‏.‏

قالوا‏:‏ إن الرأل يَشَمُّ ريحَ أبيه وأمه وريح الضبع والإنسان من مكان بعيد، وزعم أبو عمرو الشيباني أنه سأل الأعراب عن الظَّلِيم‏:‏ هل يسمع ‏؟‏ فقالوا‏:‏ لا، ولكن يعرف بأنفه ما لا يحتاج معه إلى سَمْع، قال‏:‏ وإنما لقب بَيْهَس بنَعَامة لأنه كان شديدَ الصمم‏.‏ والذئب يشم ويستروح من ميل وأكثر من ميل‏.‏

والذَّرة تَشَمُّ ماليس له ريح مما لو وضَعْتَه على أنفك لما وجدت له رائحة، ولو اسقصيْتَ الشَّمَّ، كرجل الجرادة تنبذها من يَدِك في موضع لم تَرَ فيه ذرة قط ثم لا تلبث أن ترى الذر إليها كالخيط الممدود‏.‏

2045- أَشْهَرُ مِنْ فَلَقِ الصُّبْحِ، وَمِنْ فَرَقِ الصُّبْحِ‏.‏

والأصلُ اللامُ، قال اللّه تعالى ‏(‏قل أعوذ برب الفلق‏)‏ يعني الصبحَ، ويقال‏:‏ يعني الخلق، ويقال‏:‏ الفلقُ اسمُ وادٍ في ‏[‏ص 386‏]‏ جهنم، فأما قولهم ‏"‏أشهر وأبين من فَلَق الصبح‏"‏ فيجوز أن يكون فَعَلاً في معنى مفعول، مأنه من مَفْلُوق الصبح، والأصلُ من الصبح الفلوق الذي اللّهُ فالقُهُ، وإن جعلت الفلق الصبح نفسه، كما قال ذو الرمة

حَتَّى إذا ما انْجَلَى عن وَجْهِهِ فَلَقٌ * هاديه في أخْرَيَاتِ اللَّيْلِ مُنْتَصِبُ

فإنما أضافه في المثل لاختلاف اللفظين‏.‏

2046- أَشْبَهُ بِهِ مِنَ التَّمْرَةِ بالتَّمْرَةِ‏.‏

في هذا حديث وذلك أن عُبَيد اللّه ابن زياد بن ظبيان أحَدَ بني تَيْم اللات بن ثَعْلبة دخل على عبد الملك بن مروان، وكان أحدَ فُتَّاك العرب في الإسلام، وهو الذي احْتَزَّ رأسَ مُصْعَب بن الزبير، فدخل به على عبد الملك بن مروان، وألقاه بين يديه، فسَجَد عبدُ الملك، وكان عبيد اللّه هذا يقول بعد ذلك‏:‏ ما رأيت أعْجَزَ مني أن لا أكون قتلتُ عبدَ الملك فأكونَ قد جمعتُ بين قتلي ملك العراق وملك الشام في يوم واحد، وكان يجلس مع عبد الملك على سريره بعد قتله مُصْعَبَ بن الزبير، فَبَرِمَ به‏.‏ فجعل له كرسياً يجلس عليه، فدخل يوماً وسُوَيْدُ بن مَنْجُوف السَّدُوسي جالسٌ على السرير مع عبد الملك، فجلس على الكرسي مُغْضَبا، فقال له عبد الملك‏:‏ يا عبيدَ اللّه بلَغني أنك لا تشبه أباك، فقال‏:‏ لأَنَا أشبه بأبي من التمرة بالتمرة، والبيضة بالبيضة، والماء بالماء، ولكني أخبرك يا أمير المؤمنين عَمَّنْ لم تنضجه الأرحام، ولا وُلِدَ لتَمَام، ولا أشبه الأخوال والأعمام، قال‏:‏ ومن ذلك‏؟‏ قال‏:‏ سُوَيْد بن مَنْجُوف، فقال عبد الملك‏:‏ سُوَيْدُ أكذلك أنت‏؟‏ فقال‏:‏ إنه ليقال ذلك، وإنما عَرَّضَ بعبد الملك لأنه وُلد لسبعة أشهر، فلما خرجا قال له عبيد اللّه‏:‏ واللّه يا ابن عمي ما يَسُرُّني بِحلْمِكَ عليَّ حمر النعم، فقال له سويد‏:‏ وأنا واللّه ما يسرني بجَوَابك إياه سُودُ النَّعَم‏.‏

2047- أَشْرَهُ مِنَ الأسَدِ‏.‏

وذلك أنه يبتلع البَضْعَة العظيمة من غير مَضْغ، وكذلك الحية، لأنهما واثقان بسهولة المَدْخَل وسَعَة المَجْرَى‏.‏

2048- أَشْهَى مِنْ كَلْبَةِ حَوْمَل‏.‏

قلت‏:‏ أشْهى من قولهم ‏"‏شَهِيتُ الطعام أشْهَى شَهْوَة‏"‏ أي اشتهيته، ويقال‏:‏ رجل شَهْوَان وامرأة شَهْوَى، ورجال ونساء شَهَاوَى، وأشهى‏:‏ أشدُّ شهوةً، وذلك أنها رأت القمر طالعا فعَوَتْ إليه تظنه لاستدارته رغيفا، وحومل‏:‏ امرأة من العرب ‏[‏ص 387‏]‏ كانت تُجِيعُ كلبة لها، وقد ذكرت قصتها في حرف الجيم‏.‏

2049- أَشْبَقُ مِنْ حُبَّى‏.‏

هي امرأة مَدَنية، كانت مِزْوَاجاً، فتزوجت على كبر سنها فَتًى يقال له ابن أم كلاب، فقام ابن لها كهل فمشى إلى مروان ابن الحكَمِ وهو والي المدينة، وقال‏:‏ إن أمي السفيهة على كبر سنها وسِنِّي تزوجت شابّاً مُقْتَبِلَ السِّنِّ فصيرتني ونفسَهَا حديثاً، فاستحضرها مروان وابنها، فلم تكترث لقوله، ولكنها التفتت إلى ابنها وقالت‏:‏ يا برذعة الحمار، أما رأيت ذلك الشاب المَقْدُود العَنَطْنَطَ، فليشفيَنَّ غَليلَهَا ولتخرجَنَّ نفسُها دونه، ولودِدْتُ أنه ضَبٌّ وأني ضُبَيْبَتُه، وقد وجدنا خَلاَء، فانتشر هذا الكلام عنها، فضُربت بها الأمثال، فمن ضرب في الشعر المثل بها هُدْبَة بن الْخَشْرَم العذري قال‏:‏

فَمَا وَجَدَتْ وَجْدِي بها أمُّ وَاحِدٍ * وَلا وَجْدُ حُبَّى بابن أمِّ كِلاَبِ

رَأَتْهُ طَوِيلَ الساعِدَيْنِ عَنَطْنَطاً * كَمَا انْبَعَثَتْ مِنْ قُوَّةٍ وَشَبَابِ

وكانت نساء المدينة تسمين حبى ‏"‏حواء أم البشر‏"‏ لأنها علمتهنَّ ضروبا من هيآت الجماع، ولقبت كل هيئة منها بلقب، منها القبع والغربلة والنَّخير والرَّهْز، فذكر الهيثم ابن عدي أنه زَوَّجَتْ بنتاً لها من رجل، ثم زارتها وقالت‏:‏ كيف تَرَيْنَ زوجَكِ‏؟‏ قالت خير زوج، أحسن الناس خُلُقا، وخَلْقا، وأوسَعُهم رَحْلا وصَدْراً، يملأ بيتي خيراً وحِرِى أيرا، إلا أنه يكلفني أمراً صعباً، قد ضِقْتُ به ذَرْعاً، قالت‏:‏ وما هو ‏؟‏ قالت‏:‏ يقول عند نزول شهوته وشهوتي انخري تحتي، فقالت حُبَّى‏:‏ وهل يطيب نيك بغير رهز ونخير‏؟‏ جاريتي حرة إن لم يكن أبوك قدم من سفر وأنا على سطح مُشْرِفة على مِرْبَد إبل الصدقة، وكلُّ بعير هناك قد عُقل بعِقَالين، فصرعني أبوك ورفع رجلي وطعنني طعنة نَخَرْتُ لها نخرة نفرت منها إبل الصدقة نفرة قطعت عُقُلَها وتفرقت فما أخذ منها بعيران في طريق، فصار ذلك أول شيء نقم على عثمان، وما له في ذلك ذنب، الزوجُ طعَنَ، والزوجة نخرت، والإبل نَفَرت، فما ذنبه‏؟‏

2050- أَشْبَقُ مِنْ جُمَالَةَ‏.‏

هو رجل من بني قَيْس بن ثَعْلبة، دخل على ناقة له في العَطَن باركة تجتَرُّ، فجعل ينيكها، فقامت الناقة، وتشبث ذيله ‏[‏ص 388‏]‏ بمؤخر كُورها، فأتت به كذلك وسَطَ الحي والقومُ جلوس، فجرَت فيه هذه الأمثال، فقالوا‏:‏ أشْبَقُ من جُمَالة، وأخْزَى من جمُاَلة، وأفضح من جمالة، وأرفع مناكا من جمالة،

2051- أَشْرَدُ مِنْ خَفَيْدَدٍ‏.‏

هو الظَّليم الخفيف السريع، من خَفَدَ إذا أسرع، وقال‏:‏

وهم تَرَكُوكَ أسْلَحَ من حُبَارى * وَهُمْ تَرَكُوكَ أشْرَدَ مِنْ ظَلِيمِ

ويقال‏:‏ أشرد من نعامة‏.‏

2052- أَشْرَدُ مِنْ وَرَلٍ‏.‏

هو دابة تشبه الضبَّ، ويقال أيضاً ‏"‏أشرد من وَرَل الحضيض‏"‏وذلك أنه إذا رأى الإنسان مَرَّ في الأرض لا يَرُدُّه شيء‏.‏

2053- أَشْكرُ مِنْ بَرْوَقَةٍ‏.‏

هي شجرة تخضَرُّ من غير مطر، بل نبت بالسحاب إذا نشأ فيما يقال‏.‏

2054- أَشْكَرُ مِنْ كَلْبٍ‏.‏

قال محمد بن حرب‏:‏ دخلتُ على العتَّابي بالمخرَّم، فرأيته على حصير، وبين يديه شراب في إناء، وكلبٌ رابِضٌ بالفِناء يشرب كأسا ويُولِغه أخرى، قال‏:‏ فقلت له‏:‏ ما أردت بما اخترت‏؟‏ فقال‏:‏ اسمع، إنه يكفّ عني أذاه، ويكفيني أذى سواه، ويشكر قليلي، ويحفظ مَبيتي ومَقيلي، فهو من بين الحيوان خليلي، قال ابن حرب‏:‏ فتمنيت واللّه أن أكون كلبا له لأحُوزَ هذا النعت منه‏.‏ وقولهم‏:‏

2055- أَشْرَهُ مِنْ وَافِدِ البَرَاجِمِ‏.‏

قد ذكرتُ قضته في أول الكتاب عند قولهم‏"‏ إن الشقي وافدُ البَرَاجِمِ‏"‏

2056- أَشْقَى مِنْ رَاعِي بَهْمٍ ثمَانِينَ‏.‏

قد مر ذكره في باب الحاء في قولهم ‏"‏أحمق من راعي ضأن ثمانين‏"‏

2057- أَشْعَثُ مِنْ قتَاَدةٍ

هي شجرة شديدة الشوك، وهذا أفعل من شَعِثَ أمره يَشْعَثُ شَعَثاً فهو شَعِث، إذا انتشر‏.‏

يقال‏:‏ لَمّ اللّه شَعَثَكَ، أي ما انتشر من أمرك‏.‏

2058- أشَحُّ مِنْ ذَاتِ النَّحْيَيْنِ‏.‏

قد ذكرتُ قصتها في هذا الباب عند قولهم‏"‏ أشغل من ذات النِّحْيَيْن‏"‏

2059- أَشَدُّ مِنْ لُقْمَانَ الْعَادِي‏.‏

قالوا‏:‏ إنه كان يَحْفِر لإبله بظفره حيث بَدَا له إلا الصَّمَّان والدَّهْناء فإنهما غَلَبتاه بصلابتهما‏.‏ ‏[‏ص 389‏]‏

2060- أَشَدُّ مِن فِيلٍ‏.‏

قال حمزة‏:‏ إن الهند تخبر عنه أن شدته وقوته مجتمعان في نابه وخرطومه، ثم زعموا أن قرنه نابه، وأن خُرْطومه أنفه، وأوردوا من الحجة على ذلك أن نابيه خَرَجَا مستطيلين حتى خَرَقَا الحَنَكَ وخرجا أعْقَفَيْن، قالوا‏:‏ ودليلُنا على ذلك أنه لا يَعَضُّ بهما كما يعض الأسد بنابه، بل يستعملهما كما يستعمل الثور قرنه عند القتال والغضب، وأما خرطومه فهو وإن كان أنفه فإنه سلاحٌ من أسلحته، ومَقْتَل من مقاتله أيضاً‏.‏

2061- أَشَدُّ مِنْ فَرسٍ‏.‏

هذا يجوز أن يكون من الشدة ومن الشَّدِّ أيضاً وهو العَدْو‏.‏

2062- أَشْأَى مِنْ فَرَسِ‏.‏

هذا من الشأو، وهو السَّبْق يقال‏:‏ شَأوْتُ وشَأيْتُ‏.‏

2063- أَشَدُّ قُوَيْسٍ سَهْمَا‏.‏

يقال هذا في موضع التفضيل، ومثله هو ‏"‏أعْلاهم ذا فُوقٍ ‏"‏أي سهما‏.‏

2064- أَشْرَبُ مِنَ الهِيمِ‏.‏

وهي الإبل العِطَاش، قال اللّه تعالى ‏(‏فشاربون شُرْبَ الهِيمِ‏)‏ وهو جمع أهْيَمَ وهَيْمَاء، من الهُيَام وهو أشَدُّ العَطَشِ، وقال الأخفش‏:‏ هي الرمل، جعله من الْهَيَامِ وهو الرمل الذي لا يتماسك في اليد، قلت‏:‏ هذا وجه جيد، إلا أن جمعه هُيُم مثال قَذَال وقُذُل، ثم يجوز أن يقدر سكون الياء فيصير فُعْلا مثل قُذْل وسُحْب في تخفيف قُذُل وسُحُب، ثم فُعِلَ به ما فعل بِعينٍ وبِيضٍ ليفرق بين الواوي واليائي، والمفسرون على أنها الإبلُ العِطاش، قال ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما‏:‏ هي التي بها الهُيَام وهو داء فلا تَرْوَى، قال الشاعر‏:‏

ويأكل أكْلَ الفِيلِ من بَعْد شبْعِهِ * ويَشْرَبُ شُرْبَ الهِيمِ من بعد أن يَرْوَى

2065- أشْرَبُ مِنْ رَمْلٍ‏.‏

قال أعرابي ووصف حفظه‏:‏ كنتُ كالرملة لا يُصَبُّ عليها ماء إلا نشفته، قال الشاعر‏:‏

فيا آكَلَ من نار* ويا أشْرَبَ من رَمْلِ

ويا أَبْعَدَ خَلْقِ اللـّ * ـه ‏(‏الله‏)‏ إنْ قَالَ مِنَ الْفِعْلِ

2066- أشْهَى مِنَ الخَمْرِ‏.‏

هذا من المثل الآخر ‏"‏كالخمر يُشْتَهى شربها ويكره صُدَاعها‏"‏ وأشهى‏:‏ أفعل من المَفْعُول، يقال‏:‏ طعام شَهِيٌّ، أي مُشْتَهى من قولك‏:‏ شَهيتُ الطعامَ أي اشتهيته‏.‏

2067- أشأمُ مِنْ شَوْلَةَ النَّاصِحَةِ‏.‏

يقال‏:‏ إنها كانت أمَةً لعَدْوَان رعْناء، ‏[‏ص 390‏]‏ وكانت تَنْصَح مواليها فتعودُ نصيحتُها وَبَالا عليهم لحمقها‏.‏

2068- أَشْهَى مِنْ كَلْبَةِ بَنِي أَفْصى‏.‏

قال المفضل‏:‏ بلغنا أن كلبة كانت لبني أفْصَى بن تدمر من بَجيلة، وأنها أتت قِدْراً لهم قد نَضِجَ ما فيها فصار كالقِطْرِ ‏(‏القطر - بكسر القاف - النحاس الذائب‏)‏ حرارة، فأدخلت رأسَها في القدر، فنشب رأسُها فيها واحترقت، فضربت برأسها الأرض، فكسرت الفخارة وقد تَشَيَّطَ رأسُها ووجْهُها، فصارت آيةً، فضرب الناس بها المثلَ في شدة شهوة الطعام‏.‏

2069- أَشْبَهُ مِنَ الماءِ بِالماءِ‏.‏

قالوا‏:‏ إن أول من قال ذلك أعرابي وذكر رجلا فقال‏:‏ واللّه لولا شَوَار به المُحِيطة بفمه ما دَعَتْه أمهُ باسمه، ولهو أشْبَه بالنساء من الماء بالماء، فذهبت مثلا‏.‏

2070- أشأمُ مِنَ الزُّمَّاحِ‏.‏

هذا مثل من أمثال أهل المدينة، والزمَّاح‏:‏ طائر عظيم، زعموا أنه كان يقع على دور بني خَطْمة من الأوس ثم في بني معاوية كل عام أيام التمر والثمر، فيصيب طعما من مَرَابدهم، ولا يتعرض أحد له، فإذا استوفى حاجَتَه طار ولم يَعْدُ إلى العام المقبل، وقيل‏:‏ إنه كان يقع على آطام يثرب، ويقول‏:‏ خرّب خرّب، فجاء كعادته عاما فرماه رجل منهم بسهم فقتله ثم قسم لحمه في الجيران، فما امتنع أحدٌ من أخذه إلا رفاعة بن مرار، فإنه قبض يده ويدَ أهله عنه فلم يَحِلُ الحولُ على أحد ممن أصاب من ذلك اللحم حتى مات، وأما بنو معاويةُ فهلكوا جميعاً حتى لم يبق منهم دَيَّار، قال قيس بن الخَطيم الأوسي‏:‏

أعَلَى العَهْدِ أصْبَحَتْ أمُّ عَمْرٍو* لَيْتَ شِعْرِي أمْ عَاقَهَا الزُّمَّاحُ

2071- أشأمُ مِنْ سَرَابِ‏.‏

قالوا‏:‏ هو اسمُ ناقةِ البَسُوس، وقد تقدم ذكرها في هذا الباب‏.‏

2072- أشأمُ مِنْ طُوَيْسٍ‏.‏

قد مَرَّ ذكره في باب الخاء عند قولهم ‏"‏أخنث من طَوَيْس‏"‏

2073- أَشْهَرُ مِمَّنْ قَادَ الجَمَلَ، وَ‏"‏مِنَ الشَّمْسِ‏"‏ وَ ‏"‏مِنَ القَمَرِ‏"‏ وَ ‏"‏مِنَ الْبَدْرِ‏"‏ وَ ‏"‏مِنَ الصبْحِ‏"‏ وَ ‏"‏مِنْ رَايَةِ الْبَيْطَارِ‏"‏ وَ ‏"‏مِنَ الْعَلَمِ‏"‏ يعنون الجبل وَ ‏"‏مِنْ قَوْسِ قُزَحَ‏"‏ وَ ‏"‏مِنْ عَلاَئِقِ الشَّعَرِ‏"‏‏.‏ ‏[‏ص 391‏]‏

ويروى الشجر‏.‏

2074- أشْجَى مِنْ حَمَامَةٍ‏.‏

يجوز أن يكون من شَجِىَ يَشْجَى شَجًى، أي حَزِنَ، ومن شَجَا يَشْجُو إذا أحْزَنَ‏.‏

2075- أشْجَعُ مِنْ دِيكٍ، وَ ‏"‏مِنْ صَبِّيٍ‏"‏ وَ ‏"‏مِنْ أُسَامَةَ‏"‏ وَ ‏"‏مِنْ لَيْثِ عِرِّيسَةٍ‏"‏ وَ ‏"‏مِنْ هُنَىٍّ‏"‏‏.‏

وهو رجل‏.‏

2076- أشَدُّ مِنْ نَابِ جائِع، وَ ‏"‏مِنْ وَخْزِ الأَشَافِي‏"‏ وَ ‏"‏مِنَ الحَجَرِ‏"‏ وَ ‏"‏مِنْ أسَدٍ‏"‏‏.‏

2077- أشْرَبُ مِنَ الرَّمْلِ، وَ ‏"‏مِنَ الْقِمَعِ‏"‏ وَ ‏"‏مِنْ عَقْدِ الرَّمْلِ‏"‏

وهو ما تعقَّد وتَلَبّدَ منه‏.‏

2078- أشَدُّ مِنَ عَائِشَةَ بْنِ عَثْم‏.‏

زعموا أنه كان يحمل الجَزُورَ‏.‏

2079\ - أشَدُّ مِنْ دَلَمٍ‏.‏

قالوا‏:‏ الدَّلَم شيء يُشْبه الحية وليس بالحية، يكون بناحية الحجاز، والجمع أدْلاَم مثل زلَم وأزْلاَم وصَنَم وأصْنَام‏.‏

يضرب في الأمر العظيم‏.‏

2080- أشْعَثُ مِنْ وَتِدٍ‏.‏

2081- أشْغَلُ مِنْ مُرضِعِ بَهْم ثمَانِينَ‏.‏

2082- أشَمُّ مِنْ هِقْلٍ‏.‏

مثل قولهم‏"‏أشم من نعامة‏"‏‏.‏

*3*المولدون‏.

شَرُّ السَّمَكِ يُكَدِّرُ المَاءَ‏.‏

أي لا تَحْقِرْ خَصْماً صغيراً‏.‏

شِبْرٌ فِي ألْيَةٍ، خَيْرٌ مِنْ ذِرَاعٍ في رِيَّة‏.‏

يضرب في صرف ما بين الجيد والرديء

شَرْطُهُ أهْلُ الجَنَّةِ‏.‏

لمن يقول بالمُرْدِ

شَهْرٌ لَيْسَ لَكَ فِيهِ رِزْق لاَ تَعُدَّ أَيَّامَهُ‏.‏

شَغَلَنِي الشَّعِيرُ عَنِ الشِّعْر، والبُرُّ عَنِ البِرِّ‏.‏

شَفِيعُ المُذْنِبِ إِقْرَارُهُ وَتَوبَتُهُ اعْتِذَارُهُ‏.‏

شَرًّ الناسِ مَنْ لا يُبالي أَنْ يَراهُ النَّاسُ مُسِيئاً‏.‏

شَهَاداتُ الفِعَالِ، أعْدَلُ مِنْ شَهَاداتِ الرِّجَالِ‏.‏ ‏[‏ص 392‏]‏

الشَّبَابُ جُنُونٌ بُرؤُهُ الكِبَرُ‏.‏

الشَّرُّ قَدِيمُ‏.‏

الشَّاةُ المَذْبُوحَةُ لاَ تألَمُ السَّلْخ‏.‏

الشَّيْطَانُ لا يُخَرِّبُ كَرْمَهُ‏.‏

شَهَادَةُ العقُولِ أصَحُّ مِنْ شَهَادَةِ الْعُدُول‏.

الباب الرابع عشر فيما أوله صاد

  ما جاء على أفعل من هذا الباب

  المولـــدون

الباب الرابع عشر فيما أوله صاد

2083- صَدَقَنِي سِنَّ بَكْرِهِ‏.‏

البَكْرُ‏:‏ الفَتِىُّ من الإبل، ويقال‏:‏ صَدَقْتُهُ الحديثَ، وفي الحديث

يضرب مثلا في الصدق

وأصله أن رجلا ساوَمَ رجلا في بَكْرٍ فقال‏:‏ ما سنُّه‏؟‏ فقال صاحبه‏:‏ هِدَعْ هِدَعْ، وهذه لفظة يُسَكَّن بها الصِّغار من الإبل، فلما سمع المشتري هذه الكلمة قال‏"‏صدقني سِنَّ بكره‏"‏ ونصب سن على معنى عَرَّفَني سنَّ، ويجوز أن يقال‏:‏ أراد صدقني خبر سن، ثم حذف المُضَاف ويروى ‏"‏صَدَقَنِي سِنُّ‏"‏ بالرفع، جعل الصدق للسن توسعاً‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ وهذا المثل يروى عن علي رضي اللّه عنه أنه أتى فقيل له‏:‏ إن بني فلان وبني فلان اقْتَتَلُوا فغلب بنو فلان، فأنكر ذلك، ثم أتاه آتٍ فقال‏:‏ بل غلب بنو فلان، للقبيلة الأخرى، فقال علي ‏"‏صَدَقَني سن بكره‏"‏

وقال أبو عمرو‏:‏ دخل الأحنفُ على معاوية بعد ما مضى علي رضي اللّه تعالى عنه فعاتبه معاوية، وقال له‏:‏ أما إني لم أنْسَ ولم أجهل اعتزالَكَ يوم الجمل بيني سعد ونزولَكَ بهم سَفَوَان وقريشٌ تُذْبَحُ بناحية البصرة ذَبْحَ الحِيرَان، ولم أنس طلَبَكَ إلى ابن أبي طالب أن يُدْخِلك في الحكومة لتزيل عني أمراً جعله اللّه لي وقضاه، ولم أنْسَ تخضيضَكَ بني تميم يوم صِفَّين على نُصْرة علي، كل يبكته، قال‏:‏ فخرج الأحنف من عنده، فقيل له‏:‏ ما صنع بك‏؟‏ وما قال لك‏؟‏ قال‏:‏ صَدَقَنِي سن بكر، أي خبرني بما في نفسه وما انْطَوَت عليه ضُلوعه‏.‏

2084- صَبَاءٌ فِي هَمَامَةٍ‏.‏

الصَّبَاء‏:‏ الصِّبَا، إذا فَتَحْتَ مَدَدْتَ ‏[‏ص 393‏]‏ وإذا كسرت قَصَرْتَ، والهَمَامة‏:‏ مصدر الهم، يقال‏:‏ شيخ هِمٌّ إذا أشرف على الفَنَاء وهَمَّ عمره بالنفاد‏.‏

يضرب للشيخ يتصابى‏.‏

2085- صَمَّتْ حَصَاةٌ بِدَمٍ‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ أصله أن يكثر القتلُ وسَفْك الدماء حتى إذا وقعت حَصَاة من يَدِ راميها لم يسمع لها صوت، لأنها لا تقع إلا في دم فهي صَمَّاء، وليست تقع على الأرض فتصوِّتُ، ومثله في تجاوز الحد ‏"‏بَلَغَتِ الدِّمَاء الثُّنَنَ‏"‏ وإنما جُعل الصَّمَم فعلاً للحصاة، وهو - أعني الصمم - انسدادُ طريق الصوت على السامع حتى لا يخل أذنه لأنهم جعلوا الدمَ سادا لما يخرج من صوت الحصاة إلى السامع فَعَدُّوا عدمَ الخروج كعدم الدخول، ويجوز أن يقال جعل الحصاة سمَّاء لأنها لا تسمع صوتَ نفسها لكثرة الدم، ولولا ذلك لصوتت فسمعت‏.‏

يضرب في الإسراف في القتل وكثرة الدم

2086- صَبْراً عَلَى مَجامِرِ الكِرَامِ‏.‏

قال قوم‏:‏ راودَ يَسَار الكواعِبِ مولاتَه عن نفسها، فنهته، فلم ينته، فقالت‏:‏ إني مُبَخَّرَتُكَ ببخور، فإن صَبَرْتَ عليه طاوعتُكَ، ثم أتته بمِجْمَرَة فلما جعلتها تحته قبضت على مَذَاكيره فقطعتها وقالت‏:‏ صَبْراً على مَجَامر الكرام‏.‏

يضرب لمن يؤمَرُ بالصبر على ما يكره تهكما‏.‏

وقال المفضل‏:‏ بلغنا ان أعرابياً قدم الحَضَر بإبلٍ، فباعها بمال جَمٍّ وأقام لحوائج له، ففطن قومٌ من جيرته لما معه من المال، فعرضوا عليه تزويجَ جارية وصَفُوها بالجمال والحَسَب والكمال طمعاً في ماله، فرغب فيها، فزوَّجُوه إياها، ثم إنهم اتخذوا طعاما وجمعوا الحيَّ وأجلس الأعرابي في صَدْر المجلس، فلما فرغوا من الطعام، ودارت الكؤوسُ، وشرب الأعرابي، وطابت نفسُه، أتَوْه بكسوة فاخِرَة وطيبٍ، فألبس الخلعَ ووُضِعت تحته مجمرة فيها بخور لا عهد له بذلك، وكان لا يَلْبَسُ السراويل، فلما جلس عليها سَقَطَتْ مذاكيره في المجمرة، فاستحيا أن يكشفَ ثوبه، وظن أن تلك سُنة لا بدَّ منها، فصبر على النار وهو يقول‏:‏ صَبْراً على مجامر الكرام، فذهبت مثلا، وارتحل الأعرابي إلى البادية، وترك امرأته وماله، فلما قصَّ على قومه ما أرى قالوا‏:‏ اُسْتٌ لم تعود المجمر، فذهبت قولهم مثلا أيضاً‏.‏

يضرب لمن لم يكن له عهد قديم‏.‏

2087- صَمِّى ابْنَةَ الْجَبَلِ، مَهْمَا يُقَلْ تَقُلْ‏.‏

ابنة الجبل‏:‏ الصَّدَى، وهو الصوت ‏[‏ص 394‏]‏ يُجيبك من الجبل وغيره، والداهية يقال لها ابنة الجبل أيضاً، وأصلها الحية فيما يقال، يقول‏:‏ اسكتي إنما تكلمين إذا تكلم‏.‏

يضرب مثلا للإِمَّعَةِ الذليل، أي أنك تابعٌ لغيرك، قاله أبو عبيدة‏.‏

2088- صَيْدَكَ لاَ تُحْرَمْهُ‏.‏

يضرب للرجل يطلب غيره بِوِتر فيسقط عليه وهو مُغْتَر‏.‏

أي أمكنك الصيدُ فلا تغفل عنه، أي‏:‏ اشتفِ منه‏.‏

2089- صَفْقَةٌ لَمْ يَشْهَدْهَا حَاطِبٌ‏.‏

هو حاطب بن أبي بَلْتَعَهَ، وكان حازماً وباع بعضُ أهله بيعةً غُبِنَ فيها حين لم يَشْهَدْها حاطب، فضرب هذا المثل لكل أمرٍ يُبْرَمُ دون صاحبه‏.‏

2090- صَادَفَ دَرْءُ السَّيْلِ دَرْءًا يَصْدَعُه‏.‏

الدِّرء‏:‏ الدَّفْع، ويسمى ما يُحْتَاج إلى دفعه من الشر دَرْءاً، ويعني به ههنا دفعات السيل، أي صادف الشر شرّاً يغلبه، وهذا كما يقال ‏"‏الحديد بالحديد يُفْلَح‏"‏

2091- أَصَابَنَا وِجَارُ الضَّبُعِ‏.‏

هذا مثل تقوله العرب عند اشتداد المطر، يعنون مطراً يستخرج الضبع، وِجَارِهَا‏.‏

2092- صَارَتِ الْفِتْيَانُ حُمَمَا‏.‏

هذا من قول الحمراء بنت ضَمْرة بن جابر وذلك أن بني تميم قتلوا سعد بن هند أخا عمرو بن عبد الملك، فنَذَر عمرو ليقتلَنَّ بأخيه مائةً من بني تميم، فجمع أهلَ مملكته فسار إليهم، فبلغهم الخبر، فتفرقوا في نواحي بلادهم، فأتى دارهم فلم يجد إلا عجوزاً كبيرة وهي الحمراء بنت ضمرة، فلما نظر إليها وإلى حُمْرَتها قال لها‏:‏ إني لأحْسَبُك أعجمية، فقالت لا، والذي أسأله أن يخفض جَنَاحَك ويهدَّ عِمادك، ويَضَع وِسادك، ويَسْلبك بلادك، ما أنا بأعجمية، قال‏:‏ فمن أنت‏؟‏ قال‏:‏ أنا بنت ضمرة بن جابر، ساد معدّاً كابرا عن كابر، وأنا أخت ضمرة بن ضمرة، قال‏:‏ فمن زوجك‏؟‏ قالت‏:‏ هَوْذَة بن جَرْوَل، قال‏:‏ وأين هو الآن ‏؟‏ أما تعرفين مكانه‏؟‏ قالت‏:‏ هذه كلمة أحمق، لو كنت أعلم مكانه حال بينك وبيني، قال‏:‏ وأي رجل هو‏؟‏ قالت‏:‏ هذه أحمق من الأولى، أعَنْ هَوْذة يُسأل ‏؟‏هو واللّه طيب العِرْق، سمين العَرْقِ لا ينام ليلة يَخَاف، ولا يشبع ليلة يُضَاف، يأكل ما وجَدَ، ولا يَسأل عما فَقَد، فقال ‏[‏ص 395‏]‏ مرو‏:‏ أما واللّه لولا أني أخاف أن تَلِدِي مثلَ أبيك وأخيك وزوجك لاستبقيتك، فقالت‏:‏ وأنت واللّه لا تقتل إلا نساءً أعليها ثُدِيّ وأسافلها دُمِيّ، واللّه ما أدركت ثأراً، ولا مَحَوْت عاراً، وما مَنْ فعلتَ هذه به بغافلٍ عنك، ومع اليوم غد، فأمر بإحراقها فلما نظرت إلى النار قالت‏:‏ ألا فتى مكانَ عَجُوزٍ‏؟‏ فذهبت مثلاً، ثم مكثت ساعة فلم يَفْدِهَا أحدٌ فقالت‏:‏ هيهات‏!‏ صارت الفتيان حُمَماً، ولبث عمرو عامةَ يومِه لا يقدر على أحد حتى إذا كان في آخر النهار أقبل راكبٌ يسمى عمارا تُوضِع به راحِلتُه حتى أناخ إليه، فقال له عمرو‏:‏ مَنْ أنت قال أنا رجل من الْبَرَاجم ‏؟‏قال‏:‏ فما جاء بك إلينا‏؟‏ قال‏:‏ سطع الدخان، وكنت قد طَوِيتَ ‏(‏طوى - بوزن رضى - جاع‏)‏

منذ أيام فظننته طعاماً، فقال عمرو‏:‏ إن الشقيّ وافدُ البراجم، فذهبت مثلا، وأمر به فألقى في النار، فقال بعضهم‏:‏ ما بلغنا أنه أصاب من بني تميم غيره، وإنما أحرق النساء والصبيان، وفي ذلك يقول جرير‏:‏

وأخزاكُمُ عمرٌو كما قد خَزِيتُمُ * وأدرك عَمَّارا شقيَّ الْبَرَاجِمِ

ولذلك عيرت بنو تميم بحب الطعام لما لقي هذا الرجل، قال الشاعر‏:‏

إذا ما مَاتَ مَيْتٌ من تميم * فَسَرَّكَ أن يعيش فجيء بزاد

بخبزٍ أو بلحمٍ أو بتمرٍ* أو الشيء الملَفَّفِ في البِجَادِ

تراه ينقِّبُ الآفاقَ حَوْلا * ليأكُلَ رأسَ لقمانَ بْن عَاد

2093- صَدَقَتْهُ الكَذُوبُ‏.‏

يعني بالكذوب النفسَ‏.‏

يضرب لمن يتهدَّدُ الرجل فإذا رآه كذَبَ أي كَعَّ وجَبُن، قال الشاعر‏:‏

فأقبل نَحْوِي على غِرَّةً * فَلَمَّا دَنَا صَدَقَتْهُ الكَذُوبُ

2094- صُهْبُ السِّبالِ‏.‏

كناية عن الأعداء، قال الأصمعي‏:‏ صُهْبُ السِّبال وسُودُ الأكباد يضربان مثلا للأعداء وإن لم يكونوا كذلك، قال ابن قَيْسِ الرُّقَيَّات‏:‏

إن تَرَيْنِي تَغَيَّرَ اللَّوْنُ مِنِّي* وعَلاَ الشيبُ مَفْرِقِي وقَذَالِي

فَظِلاَلُ السُّيُوفِ شَيَّبْنَ رَأسِي * وَاعْتِنَاقِي فِي الْحَرْبِ صُهْبَ السَّبَالِ

يقال‏:‏ أصله الروم، لأن الصُّهوبة فيهم وهم أعداء العرب ‏[‏ص 396‏]‏

2095- الصَّبِيُّ أَعْلَمُ بمَضْغِ فِيهِ‏.‏

يضرب لمن يُشَار عليه بأمر هو أعلم بأنَّ الصوابَ في خلافه‏.‏

وروى أبو عبيدة بمصغى فيه - بالصاد غير معجمة - من صَغِىَ يَصْغَى إذا مال، أي يعلم كيف يميل بلقمته إلى فيه، كماقيل‏:‏ أهْدَى من اليد إلى الفم، وروى أبو زيد ‏"‏الصبي أعلم بمَضْغَى خده‏"‏ أي يعلم إلى من يميل ويذهب إلى حيث ينفعه، فهو أعلم به وبمن يشفق عليه‏.‏

2096- صَفِرَتْ يَدَاهُ مِنْ كلِّ خَيْرٍ‏.‏

أي خَلَتَا، وفي الدعاء‏:‏ نعوذ باللّه من صَفَر الإناء وقرع الفناء‏.‏

2097- صَدْرُكَ أَوْسَعُ لِسِرِّكَ‏.‏

يضرب في الحثِّ على كتمان السر‏.‏

يقال‏:‏ مَنْ طلب لسره موضعا فقد أفشاه، وقيل لأعرابي‏:‏ كيف كِتْمَانك للسر‏؟‏ قال‏:‏ أنا لَحْدُه‏.‏

2098- صَارَ شَأْنهُمْ شُوَيْناً‏.‏

يضرب لمن نَقَصَوا وتغيرت حالهم‏.‏

يقال‏:‏ تقدم المهلَّب بن أبي صُفْرة إلى شُرَيح القاضي فقال له‏:‏ أبا أمية لَعَهْدِي بك وإن شأنَكَ لَشُوَيْن، فقال له شريح‏:‏ أبا محمد أنت تعرف نعمة اللّه على غيرك، وتجهلها من نفسك‏.‏

2099- صَمِّى صَمَامِ‏.‏

يقال للداهية والحرب صَمَامِ - على وزن قَطَام وحَذَام - و‏"‏صَمَّى اْبنَةَ الجَبَلِ‏"‏ وأصلها الحية فيما يقال، أنشد ابن الأعرابي لسَدُوس بن ضباب‏:‏

إني إلى كُلِّ أيسارٍ وَبَادِيَةٍ * أدْعُو حُبَيْشاً كَمَا تُدْعَى ابْنَةُ الْجَبَلِ

أي أنوه به كما يُنَوَّه بابنة الجبل، وهي الحية، وإنما يقولون‏:‏ صَمِّى صَمَامِ، وصَمِّى اْبنَةَ الجبل، إذا أبى الفريقان الصلحَ ولَجُّوا في الاختلاف، أي لا تُجِيِبي الراقي، ودُومِى على حالك، قال ابن أحمر‏:‏

فَرُدُّوا ما لَدَيْكُمْ من رِكَابِي * ولَمَّا تأتِكُمْ صَمِّى صَمَامِ

فجعلها عبارة عن الداهية، وقال الكُمَيْتُ‏:‏

إذا لقَى السفير بها وَنَادَى * لَهَا صَمِّى ابْنَةَ الْجَبَلِ السفير

بها ولها يرجعان إلى الحرب‏.‏

2100- صَقْرٌ يَلوذُ حَمَامُهُ بِالْعَوْسِجِ‏.‏

يضرب للرجل المهيب‏.‏ وخصَّ العوسج لأنه متداخل الأغصان يَلُوذ به الطير خوفا من الجوارح، قال عِمْرَان ابن عصام العنزي لعبد الملك بن مروان‏:‏ ‏[‏ص 397‏]‏

وبَعَثْتَ من وَادِ الأغر مُعَتِّباً * صَقْراً يَلُوذُ حَمَامُه بالعَوْسَجِ

فإذا طَبَخْتَ بِنَارِهِ أنْضَجْتَهُ * وَإذا طَبَخْتَ بِغَيْرِهَا لم تُنْضِجِ

يعني الحجاج بن يوسف‏.‏

2101- صَنْعَةَ مَنْ طَبَّ لِمَنْ حَبَّ‏.‏

أي اصْنَعْ هذا الأمر لي صنعَةَ من طَبَّ لمن حَبَّ‏:‏ أي صنعَةَ حاذقٍ لإنسان يحبه

يضرب في التَّنَوُّقِ في الحاجة واحتمال التعب فيها‏.‏

وإنما قال حَبَّ لمزاوجة طَبَّ وإلا فالكلام أحَبَّ، وقال بعضهم‏:‏ حَبَبْتُهُ وأحْبَبْتُه لغتان، وقال‏:‏

وَوَاللّه لَوْلاَ تَمْرُهُ مَا حَبَبْتُهُ * وَلاَ كَانَ أدْنى من عُبَيْدٍ وَمُشْرِقِ ‏(‏نسبه في اللسان ‏(‏ح ب ب‏)‏ إلى غيلان بن شجا النهشلي‏)‏

وهذا وإن صح شاذ نادر، لأنه لا يجيء من باب فَعَلَ يَفْعِلُ بكسر الععين في المستقبل من المضاعف فعلُ يتعدَّى إلا أن يشركه يَفْعُلُ بضم العين نحو نَمَّ الحديث يَنِمُّه وَيُنمُّهُ وشَدَّ الشيء يَشِدُّهُ وعَلَّ الرجل يَعِلُّهُ ويَعُلُّه، وكذلك أخواتها، وحبه يحبه جاءت وحدها شاذة لا يشركها يَفْعُلُ بالضم‏.‏

2102- أَصَابَ قَرْنَ الْكَلأَ‏.‏

يضرب للذي يُصيب مالاً وافراً، لأن قَرْنَ الكلأ أنفُه لم يؤكل منه شيء‏.‏

2103- صَلَدَتْ زِنَادُهُ‏.‏

إذا قَدَح فلم يُور

يضرب للبخيل يُسْأل فلا يُعْطِى، قال الشاعر‏:‏

صَلَدَتْ زِنَادُكَ يا يزيد، وطالما* ثَقَبَتْ زِنَادُكَ لِلَّضرِيكِ الْمُرْمِلِ ‏(‏ثقبت‏:‏ قدحت نارا، والضريك‏:‏ الفقير السيء الحال، والمرمل‏:‏ الذي نفد زاده‏)‏

2104- صَارَ الأَمْرُ إلَى الْوَزَعَةِ‏.‏

يعني قام بإصلاح الأمر أهلُ الأناة والحلم، والوَزَعَة‏:‏ جمع وازع، يقال‏:‏ وَزَع إذا كَفَّ‏.‏

وذكر أن الحسن البصري لما اسْتُقْضِىَ ازدحَمَ الناس عليه فآذَوْه، فقال‏:‏ لابد للسلطان من وَزَعة، فلذلك، ارتبط السلاطينُ هذا الشرط‏.‏

2105- صَارَ خَيْرَ قُوَيْسٍ سَهْمَا‏.‏

أي صار إلى الحال الجميلة بعد الخَسَاسة، وتقدير الكلام‏:‏ صار خير سهام قُوَيْسٍ سهما وصَغَّر القوس لأنها إذا كانت صغيرة كانت أنْفَذَ سَهْماً من العظيمة‏.‏ ‏[‏ص 398‏]‏

2106- أصْمَى رَمِيَّتَهُ‏.‏

يقال‏:‏ أصْمَى الرامي، إذا أصاب، وأنْمَى، إذا أشْوَى أي أصابَ الشَّوَى ولم يصب المَقْتَلَ، ويقال‏:‏ بل هو الذي يَغيبُ عنك ثم يموت، وفي الحديث‏"‏كُلْ ما أصْمَيْتَ ودَعْ ما أنْمَيْتَ‏"‏

يضرب للرجل يَقْصِدُ الأمرَ فيصيب منه ما يريد‏.‏

2107- أَصَاخَ إِصَاخَةَ المِنْدَهِ لِلنَّاشِدِ‏.‏

الإصاخة‏:‏ السكوت، والناشد الذي يَنْشُد الشيء، والناده‏:‏ الزاجر، والمِنْدَه‏:‏ الكثير النَّدْه، أي الزجر للإِبل‏.‏

يضرب لمن جَدَّ في الطلب ثم عجز فأمسك

2108- صَرَّحَ الحَقُّ عَنْ مَحْضِهِ‏.‏

أي انكشَفَ الأمر وظهر بعد غيوبه، وقال أبو عمرو‏:‏ أي انكشف الباطلُ واستبان الحق فَعُرِفَ‏.‏

2109- صَفِرَتْ وِطَابُهُ‏.‏

الوَطْبُ‏:‏ سِقاء اللَّبن، وصَفِرت‏:‏ خَلَتْ، وهذا اللفظ كناية عن الهلاك، قال امرؤ القيس‏:‏

فأفْلَتَهُنَّ عِلْبَاءٌ جَرِيضاً * وَلَوْ أدْرَكْنَهُ صَفِرَ الْوِطَابُ

قوله‏"‏جريضا‏"‏ أي بآخر رَمَقٍ، ولو أدركنه لقُتِل ومن قُتل أو مات ذهب قِراه وخَلَتْ وِطابه من حلبه‏.‏

2110- صَدَقَني وَسْمَ قِدْحِهِ‏.‏

وَسْمُ القِدْح‏:‏ العلامة التي عليه لتدل على نصيبه، وربما كانت العلامة بالنار، ومعنى المثل خَبَّرني بما في نفسه، وهو مثل قولهم ‏"‏صَدَقَنِي سِنَّ بَكْرِهِ‏"‏‏.‏

2111- الصِّدْقُ يُنْبىء عَنْكَ لاَ الْوَعِيدُ‏.‏

يقول‏:‏ إنما ينبىء عدوَّكَ عنك أن تصدقه في المحاربة وغيرها، لا أن توعِدَه ولا تنفذ لما توعد به‏.‏

2112- صُغْرَاهُنَّ شُرَّاهُنْ‏.‏

ويروى ‏"‏صُغْرَاها شُرَّاها‏"‏ ويروى ‏"‏مُرَّاهَا‏"‏‏.‏

وأول من قال ذلك امرأة كانت في زمن لقمان بن عاد، وكان لها زوج يقال له الشَّجِي، وخليل يقال له الْخَلِيُّ، فنزل لقمان بهم، فرأى هذه المرأة ذات يوم اْنتَبَذَتْ من بيوت الحي، فارتاب لقمان بأمرها، فتبعها، فرأى رجلا عَرَضَ لها ومَضَيَا جميعا وقَضَيَا حاجتهما، ثم إن المرأة قالت للرجل‏:‏ إني أتَمَاوَتُ فإذا أسندوني في رَجَمِي ‏(‏الرجم - بالتحريك - القبر‏)‏ فأْتنِي ليلا فأخْرجيني ثم اذهب إلى مكان لا يعرفنا أهلُه، فلما سمع لقمان ذلك قال‏:‏ ويل للشَّجِيِّ من الخلي، فأرسلها ‏[‏ص 399‏]‏ مثلا، ثم رجعت المرأة إلى مكانها وفعلت ما قالت، فأخرجها الرجل وانطلق بها أياماً إلى مكان آخر، ثم تحولت إلى الحي بعد بُرْهة، فبينا هي ذاتَ يوم قاعدةُ مرت بها بناتها، فنظرت إليها الكبرى فقالت‏:‏ أمي واللّه، قالت الوُسْطَى‏:‏ صدقتِ واللّه، قالت المرأة‏:‏ كذبتما ما أنا لكما بأم، ولا لأبيكما بامرأة، فقالت لهما الصغرى‏:‏ أما تعرفان محياها، وتعلقت بها وصرخَتْ، فقالت الأم حين رأت ذلك‏:‏ صغراهن شراهن، فذهبت مثلا، ثم إن الناس اجتموا فعرفوها فرفعوا القصة إلى لقمان بن عاد، وقالوا له‏:‏ اقض بيننا، فلما نظر لقمان إلى المرأة عرفها فقال‏:‏ عند جُهَيْنَةَ الخبرُ اليقين، يعني نفسه وما عاين منها، فأخبر لقمان الزوجَ بما عرف، وأقبل على المرأة فقصَّ عليها قصتها كيف صنعت، وكيف قالت لصديقتها، فلما أتاها بما لا تنكر قالت‏:‏ ما كان هذا في حسابي، فأرسلتها مثلا، فقيل للقمان‏:‏ احكم فيها، فقال‏:‏ ارجُمُوهَا كما رَجَمَتْ نفسها في حياتها، فرجمت، فقال الشجي‏:‏ احكم بيني وبين الخلي، فقد فرق بيني وبين أهلي، فقال‏:‏ يفرق بين ذكره وأنثييه كما فرق بينك وبين أنثاك فأخذ الخلي فجُبَّ ذكره‏.‏

2113- صَحِيفَةُ المُتَلَمِّسِ‏.‏

قال المفضل‏:‏ كان من حديثها أن عمرو بن المنذر بن امرىء القَيْس كان يُرَشِّحُ أخاه قابوس - وهما لهند بنت الحارث بن عمرو الكندي آكل المرار - ليملك بعده، فقدِمَ عليه المتلمس وطَرَفة فجعلهما بهده في صحابة قابوس وأمرهما بلزومه، وكان قابوس شابّاً يعجبه اللّهو، وكان يركب يوما في الصيد فيركُضُ ويتصيَّد وهما معه يركضان حتى رجعا عشية وقد لَغبا فيكون قابوس من الغد في الشراب فيقفان بباب سرادقه إلى العشي، وكان قابوس يوماً على الشراب فوقفا ببابه النهارَ كلَّه ولم يصلا إليه، فضَجِرَ طرفة وقال‏:‏

فَلَيْتَ لنا مكانَ المَلْكِ عمرٍو* رَعُوثاً حَوْلَ قُبَّتِنَا تَخُورُ

مِنَ الزِّمِرَاتِ أَسْبَلَ قَادِمَاهَا * ودرَّتُهَا مركنَة دَرُورُ

يُشَارِكُنَا لنا رَخِلاَنِ فيها * وتَعْلُوهَا الْكِبَاشُ فَمَا تَنُورُ

لَعَمْرُكَ إِنَّ قَابُوسَ ابْنَ هِنْدٍ * لَيَخْلِطُ مُلْكَهُ نُوكٌ كَبِيرُ

قَسَمْتَ الدَّهْرَ فِي زَمَنٍ رَخِىٍّ * كَذَاكَ الْحُكْم يَقْصِدُ أَوْ يَجُورُ

لَنَا يَوْمٌ وَلِلْكِرْوَانِ يَوْمٌ * تَطِيُر البَائِسَاتُ وَلاَ نَطِيرُ ‏[‏ص 400‏]‏

فأما يَوْمُهُنَّ فَيَوْمُ سُوءٍ * يُطَاِردُهُنَّ بالخرب الصُّقُورُ

وأما يَوْمُنَا فَنَظَلُّ رَكْباً * وُقُوفا لاَ نَحُلُّ وَلاَ نَسِيرُ

وكان طرفة عدواً لابن عمه عبد عمرو، وكان كريماً على عمرو بن هند، وكان سَمينا بادنا، فدخل مع عمرو الحمام، فلما تجرَّدَ قال عمرو بن هند‏:‏ لقد كان ابنُ عمك طرفَةُ رَآك حين قال ما قال، وكان طرفة هَجَا عبدَ عمرو فقال‏:‏

ولا خَيْرَ فيه غيرَ أَنَّ له غِنًى * وَأَنَّ له كَشْحاً إذَا قَامَ أَهْضَمَا

تَظَلُّ نساءُ الحي يعكُفْنَ حَوْلَهُ * يقلن عَسيبٌ من سَرَارة مَلْهما

له شربتان بالعَشِيِّ وشَرْبَةٌ * من الليل حتى آضَ جَبْساً مُوَرَّمَا

كأن السلاح فوق شُعْبِةِ بَانَةٍ * تَرَى نَفَحا وَرْد الأسرة أَصْحَمَا

ويَشْرَبُ حتى يغمر المحضُ قَلْبَهُ * فإن أعطه أَتْرُكْ لِقَلْبِيَ مَجْثَمَا

فلما قال له ذلك قال عبد عمرو‏:‏ إنه قال ما قال، وأنشده

فليت لنا مكان الملك عمرو

فقال عمرو‏:‏ ما أُصَدِّقُكَ عليه، وقد صَدَّقه ولكن خاف أن يُنْذِره وتدركه الرحِمُ، فمكث غير كثير ثم دَعَا المتلمسَ وطرفَة فقال‏:‏ لعلكما قد اشتقتما إلى أهلكما وسَرَّكما أن تنصرفا، قالا‏:‏ نعم، فكتب لهما إلى أبي كَرِب عاملِه على هَجَر أن يقتلهما وأخبرهما أنه قد كَتَبَ لهما بِحِبَاءٍ ومعروف، وأعطى كل واحد منهما شيئاً، فخرجا، وكان المتلمس قد أَسَنَّ فمر بِنَهر الْحِيَرة على غِلْمان يلعبون، فقال المتلمس‏:‏ هل لك في كِتَابَيْنَا فإن كانْ فيهما خير مَضَيْنَا له وإن كان شراً اتقيناه، فأبي طرفة عليه، فأعطى المتلمسُ كتابَه بعض الغلمان فقرأه عليه فإذا فيه السوأة، فألقي كتابه في الماء، وقال لطرفة‏:‏ أطعني وأَلْقِ كتابَكَ، فأبى طرفة ومضى بكتابه، قال‏:‏ ومضى المتلمس حتىلحق بملوك بني جَفْنَة بالشام، وقال المتلمس في ذلك‏:‏

مَنْ مُبْلغُ الشُّعَرَاءِ عَنْ أَخَوَيْهِم * نَبَأ فَتَصْدُقَهُمْ بذَاكَ الأنْفُسُ

أَوْدَى الَّذِي عَلِقَ الصَّحِيفَةَ مِنْهُمَا * ونَجَا حِذَارَ حِبَائِهِ المتلَمِّسُ

أَلْقَى صَحِيَفَتُه ونَجَّتْ كورَهُ * وَجْنَاءُ محمرة المَنَاسِم عِرْمِسُ

عَيْرَانه طَبَخَ الهَوَاجِرُ لَحْمَهَا * فكأنَّ نُقْبَتَهَا أَدِيمٌ أَمْلَسُ ‏[‏ص 401‏]‏

أَلْقِ الصَّحِيفَةَ لاَ أَبَا لَكَ إنَّهُ * يُخْشَى عَلَيْكَ مِنَ الْحِبَاءِ النَّقْرِسُ

ومضى طرفة بكتابه إلى العامل فقتله‏.‏

وروى عبيد راوية الأعشى قال‏:‏ حدثني الأعشى قال‏:‏ حدثني المتلمس - واسمه عبد المسيح بن جرير - قال‏:‏ قدمت أنا وطَرَفة غلاماً معجباً تائهاً، فجعل يَتَخَلَّجُ في مشيه بين يديْهِ، فنظر إليه نظرة كادت تقتلعه من مجلسه، وكان عمرو لا يبتسم ولا يضحك وكانت العرب تسميه مُضَرِّطَ الحجارة لشدة ملكه، وملك ثلاثاً وخمسين سنة، وكانت العرب تهابه هيبة شديدة، وهو الذي يقول له الذهاب العجلي ‏(‏واسمه مالك بن جندل بن سلمة، من بني عجل، ولقب بالذهاب لقوله‏:‏

وما سَيْرُهُنَّ إذ عَلَوْنَ قُرَاقِراً * بذي أمَمٍ ولا الذَّهَابُ ذَهَابُ‏)‏‏:‏

أبى القَلْبُ أن يأتي السديرَ وأهلَه * وإن قيل عَيْشٌ بالسَّدِيرِ غَرِيرُ

به الْبَقُّ والحَّمى وأسْدُ خَفِيَّةٍ * وعَمْرو بن هند يَعْتَدِى ويَجُورُ

قال المتلمس‏:‏ فقلت لطرفة حين قمنا‏:‏ يا طرفة إني أخاف عليك من نظرته إليك، مع ما قلت لأخيه، قال‏:‏ كلا، قال‏:‏ فكتب له كتاباً إلى المكَعْبَر - وكان عامله على البحرين وعمان - لي كتاب ولطرفة كتاب، فخرجنا حتى إذا أنا بشيخ عن يساري يتبرز ومعه كِسْرَة يأكلها ويَقْصَع القمل، فقلت‏:‏ تاللّه إن رأيت شيخاً أَحْمَقَ وأضعَفَ وأقلَّ عَقْلاً منك، قال‏:‏ ما تنكر‏؟‏ قلت تتبرز وتأكل وتَقْصع القمل، قال‏:‏ أخرج خبيثاً، وأدخِلُ طيباً، وأقْتُلُ عدواً، وأحْمَقُ مني وألْأَم حاملُ حَتْفِهِ بيمينه لا يدري ما فيه، فنبهني وكأنما كنت نائماً، فإذا أنا بغلام من أهل الحِيرة يَسْقى غنيمة له من نهر الحيرة، فقلت‏:‏ ياغلام أتقرأ‏؟‏ قال‏:‏ نعم، قلت‏:‏ اقرأ، فإذا فيه ‏"‏باسمك اللّهم، من عمرو بن هند إلى المُكَعْبر، إذا أتاك كتابي هذا مع المتلمس، فاقْطَعْ يديه ورجليه وادفنه حياً، فألقيت الصحيفة في النهر، وذلك حين أقول‏:‏

أَلْقَيْتُهَا بالثِّنْىِ مِنْ جَنْبِ كَافِر* كَذَلِكَ أقنو كلَّ قطٍّ مُضَلِّلِ

رَضِيُت لها لما رَأَيْتُ مَدَارَهَا * يَجُولُ به التَّيَّارُ في كل جَدْوَلِ

وقلت‏:‏ يا طرفة معك واللّه مثلها، قال‏:‏ كَلاَّ ما كان ليكتب بمثل ذلك في عقر دار قومي، فأتى المكعبَر فقطع يديه ورجليه، ودفنه حياً‏.‏

يضرب لمن يَسْعَى بنفسه في حَيْنها ويغررها‏.‏ ‏[‏ص 402‏]‏

2114- صَاحَتْ عَصَافِيرُ بَطْنِهِ‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ العصافير الأمعاء‏.‏

يضرب للجائع‏.‏

2115- أَصَمُّ عَمَّا سَاءَهُ سَمِيعُ‏.‏

أي أصم عن القبيح الذي يَكْرِثُهُ ‏(‏تقول كرثه الغم - من بابي ضرب ونصر - وأكرثه، إذا اشتد عليه‏)‏

ويغمه، وسميع لما يسره، أي يسمع الحسنَ ويتصامم عن القبيح فعلَ الرجلِ الكريم‏.‏

2116- صَابَتْ بقُرِّ‏.‏

أي نزل الأمر في قَرَاره، فلا يستطاع له تحويل، وصابت‏:‏ من الصَّوْب وهو النزول، والقُرُّ‏:‏ القَرَار‏.‏

يضرب عند شدةٍ تصيبهم، أي صارت الشدة في قرارها‏.‏

ويروى ‏"‏وقعت بقر‏"‏ قال عدي بن زيد‏:‏

تُرَجِّيَهَا وقد وقَعَتْ بِقُرٍّ* كما تَرْجُو أصاغِرَهَا عتيب

2117- صَبَحْنَاهُم فَغَدَوْا شَأْمَةً‏.‏

أي أوقعنا بهم صبحاً، فأخذوا الشق الأشأم، أي صاروا أصحاب شأمة، وهي ضد اليمنة‏.‏

2118- أصْلَحَ غَيْثٌ مَا أَفْسَدَ البَرْدُ‏.‏

يعني إذا أفسد البرد الكَلَأَ بتحطيمه إياه أصلحه المطر بإعادته له‏.‏

يضرب لمن أصلح ما أفسده غيره‏.‏

2119- الصَّمْتُ حُكْمٌ وَقَلِيلٌ فَاعِلُه‏.‏

الحُكْم‏:‏ الحِكْمة، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وآتيناه الحُكْمَ صبياً‏)‏ ومعنى المثل استعمال الصمت حكمة، ولكن قلَّ من يستعملها‏.‏

يقال‏:‏ إن لقمان الحكيم دخل على داود عليهما السلام وهو يصنع دِرْعاً، فهمَّ لقمان أن يسأله عما يصنع، ثم أمسك ولم يسأل حتى تم داود الدرعَ وقام فلبسها، وقال‏:‏ نعْمَ أداةُ الحرب، فقال لقمان‏:‏ الصَّمتُ حُكْمٌ وقليل فاعله‏.‏

2120- الصَّمْتُ يُكْسِبُ أهْلَهُ الْمَحَبَّةَ‏.‏

أي محبة الناس إيَّاه لسلامتهم منه‏.‏

يضرب في مدح قلة الكلام‏.‏

2121- صَارَ الأَمْرُ عَلَيْه لزَامِ‏.‏

مكسور مثل حَذَامِ وقَطَامِ، أي صار هذا الأمر لازماً له‏.‏

2122- صَوْتُ امْرِيءٍ وَاسْتُ ضَبُعٍ‏.‏

وذلك أن رجلا من بني عَقيل كان أسيراً في عَنَزَة اليمن، فيقي أربَعَ حِجَج، فعلق النساء يُرْسِلْنه فيَحْطبُهُنَّ ويَسْقيهن من الماء، فإذا أقبل نظرن إلى صدرع وإذا ما نهض تضاعف، فقلن يا أبا كليب، أمَّا حينَ ‏[‏ص 403‏]‏ تقوم فصدرة أم أسد، وأما إذا أدبرت فرجلا أم ضبع، وأنه كره أن يهرب نهاراً فتأخذه الخيل، فأرسلنه عشية مع الليل، فمر من تحت الليل، فأصبح وقد استحرز

يضرب للداهي الذي يُخَادع القومَ‏.‏

2123- صَاحِبُ سِرٍّ فِطْنَتُهُ فِي غُرْبَة‏.‏

أي أنه لا يدري كيف يدبره‏.‏ ويحفظه حتى يضيعه، يعني السر‏.‏

2124- صَبْراً وَإِنْ كانَ قَتْراً‏.‏

القَتْر‏:‏ شدة المعيشة، ويروى ‏"‏وإن كان قبراً‏"‏‏.‏

يضرب عند الشدائد والمَشَاقِّ‏.‏

2125- صَهْ صَاقِعُ‏.‏

يقال ‏"‏صَهْ‏"‏ أي اسكت، و‏"‏صَقَع‏"‏ إذا كَذَبَ، قال ابن الأعرابي‏:‏ الصاقع الذي يصقع في كل النواحي، أي اُسْكُتْ فقد ضللت عن الحق‏.‏

يضرب لمن عُرِف بالكذب‏.‏

2126- صُرِّى وَاحْلُبِي‏.‏

الصَّرُّ‏:‏ شَدُّ الضرع بالصِّرَار‏.‏

يضرب في حفظ المال‏.‏

2127- أَصِيدَ القُنْفُدُ أَمْ لُقَطَةٌ‏.‏

يضرب لمن وجد شيئاً لم يَطْلُبه‏.‏

2128- أَصَابَتْهُمْ خُطُوبٌ تَنَبَّلُ‏.‏

أي تختار الأنْبَلَ فالأنبل، يعني تُصِيبُ الخيارَ منهم‏.‏

2129- أَصَابَتْهُ حَطْمَةٌ حَتَّتْ وَرَقَهُ‏.‏

أي نكبَةٌ وزلزلت أركانه‏.‏

2130- أَصْغَرُ القَوْمِ شَفْرَتُهُمْ‏.‏

أي خادِمُهم الذي يكفي مِهْنَهم، شُبِّه بالشفرة تُمْتَهَنُ في قَطْع اللحم وغيره‏.‏

2131- صَارَ الزُّجُّ قُدَّامَ السِّنَانِ‏.‏

يضرب في سَبْقِ المتأخِّرِ المتقدمَ من غير استحقاق‏.‏

2132- أَصْبِحْ لَيْلُ‏.‏

ذكر المفضل بن محمد بن يعلى الضبي أن امرأ القَيْس بن حُجْر الكِنْدِيَّ كان رجلا مفرَّكاً لا تحبه النساء، ولا تكاد امرأة تصبر معه، فتزوج امرأة من طَيِّء فابتنى بها، فأبغضته من تحت ليلتها، وكرهت مكانها معه، فجعلت تقول‏:‏ يا خَيْرَ الفِتْيَانِ أصْبَحْتَ أصبحت، فيرفع رأسه فينظر فإذا الليل كما هو، فتقول‏:‏ أصْبَحْ لَيْلُ، فلما أصبح قال لها‏:‏ قد علمتُ ما صنعتِ الليلَةَ، وقد عرفتُ أن ما صنعتِ كان من كراهية مكاني في نفسك، فما الذي كرهت مني‏؟‏ فقالت‏:‏ ما كرهتُك، فلم يَزَلْ بها حتى قالت‏:‏ ‏[‏ص 404‏]‏ كرهت منك أنك خفيف العَزَلة ثقيل الصدر، سريع الإراقة، بطيء الإفاقة، فلما سمع ذلك منها طَلَّقها، وذهب قولها ‏"‏أَصْبِحْ ليل‏"‏ مثلا، قال الأعشى‏:‏

وحتى يبيت القوم كالضَّيْفِ لَيْلة * يَقُولُونَ أَصْبِحْ لَيْلُ والليلُ عَاتِمُ

وإنما يقال ذلك في الليلة الشديدة التي يَطُول فيها الشر، ومعنى بيت الأعشى حتى يبيت القوم غيرَ مطمئنين‏.‏

2133- أَصَابَ تَمْرَةَ الغُرَابِ‏.‏

يضرب لمن يَظْفَر بالشيء النفيس، لأن الغراب يختار أَجْوَدَ التمر‏.‏

2134- أَصْبَحَ فِيما دَهَاهُ كالْحِمَاِر الْمَوحُولِ‏.‏

يضرب لمن وقَع في أمر لا يُرْجى له التخلص منه‏.‏

والمَوْحُولُ‏:‏ المغلوب بالوَحَل، يقال‏:‏ واحتله فوحَلْتُه أوحَلُه، إذا غَلَبْتَه به‏.‏

2135- أَصْبَحَ جَنِيبَ الْعَصَا‏.‏

الْجَنِيبُ‏:‏ بمعنى المَجْنُوب، والعصا‏:‏ الجماعة‏.‏

يضرب لمن انقاد لما كلف‏.‏

2136- أَصَمَّ اللّه صَدَاهُ‏.‏

أي دِمَاغه وموضِعَ سَمْعه، يقال في الدعاء على الإنسان بالموت، قال الأصمعي‏:‏ العربُ تقول‏:‏ الصَّدَى في الهامة، والسمع في الدماغ، و‏"‏أصم اللّه صداه‏"‏ من هذا‏.‏ قلت‏:‏ الصحيح في هذا أن يقال‏:‏ الصَّدَى الذي يُجِيبُك بمثل صوتك من الْجِبال وغيرها وإذا مات الرجلُ لم يسمع الصدى منه شيئاً فيجيبه فكأنه صَمَّ‏.‏

2137- صَاحَ بِهِمْ حَادِثَاتُ الدَّهْرِ‏.‏

يضرب لقومٍ انْقَرَضُوا واستأصلتهم حوادث الزمان‏.‏

2138- صَفِرَتْ عِيَابُ الوُدِّ بَيْنَنَا‏.‏

يضرب في انقطاع المودة وانقضائها‏.‏

2139- صَارَ حِلْسَ بَيْتِهِ‏.‏

إذا لزمه لزوماً بليغاً، والحِلْسُ‏:‏ ما وَلىَ ظهرَ البعير تحت الْقَتب من كساء أو مسح يلازمه ولا يفارقه، ومنه حديث أبي بكر رضي اللّه عنه في فتنة ذكرها‏:‏ ‏"‏كُنْ حِلْسَ بَيْتِكَ حتى تأتيك يَدٌ خاطئة أو مَنِيَّة قاضية‏"‏ يأمره بلزوم بيته‏.‏

2140- صَرَّحَتْ كَحْلٌ‏.‏

وذلك إذا أصابت الناسَ سنةٌ شديدة يقال‏:‏ صَرُحَ - بالضم - صراحَةً وصُرُوحةً إذا خَلَصَ، وكذلك صَرَّح - بالتشديد - وكَحْل‏:‏ السنة والْجَدْبُ، معرفة لا تداخلها ‏[‏ص 405‏]‏ الألف واللام، فإذا قيل ‏"‏صَرَّحَتْ كحل‏"‏ كان معناه خَلَصَت السنة في الشدة والجدوبة، وقيل‏:‏ كَحْل اسمٌ للسماء، يقال ‏"‏صَرَّحَتْ كَحْل‏"‏ إذا لم يكن في السماء غَيْم، قال سَلاَمة بن جَنْدَل‏:‏

قومٌ إذا صَرَّحَتْ كَحْلٌ بُيُوتُهُمُ * مَأْوَى الضَّرِيكِ وَمَأْوَى كلِّ قُرْضُوبِ

ومعنى صرحت ههنا انكشفت كما يقال ‏"‏صَرَّح الحق عن مَحْضِهِ‏"‏‏.

2141 صَرَّ عَلَيْهِ الغَزْوُ اسْتَهُ‏.‏

الصَّرُّ‏:‏ شد الصِّرَار على أطْبَاء الناقة

يضرب لمن ضَيَّقَ تصرفُه عليه أمره

قال المؤرج‏:‏ دخل رجل على سليمان ابن عبد الملك، وكان سليمان أولَ مَنْ أخذ الجار بالجار، وعلى رأس سليمان وَصِيفة ‏(‏روقة - بضم الراء - أي حسنة‏)‏ رُوقَة‏.‏

فنظر إليها الرجل، فقال له سليمان‏:‏ أتُعْجِبُكَ‏؟‏فقال‏:‏ بارك اللّه لأمير المؤمنين فيها، فقال‏:‏ أخبرني بسبعة أمثال قيلت في الاست وهي لك، فقال الرجل‏:‏ اسْتُ البائِن أعْلَم، قال سليمان‏:‏ واحد، قال‏:‏ صَرَّ عليه الغَزْوُ اسْتَه، قال سليمان‏:‏ اثنان، قال‏:‏ اسْتٌ لم تُعَوَّد المِجْمَرَ، قال سليمان‏:‏ ثلاثة، قال‏:‏ اسْتُ المَسْؤُل أضْيَقُ، قال سليمان‏:‏ أربعة، قال‏:‏ الحرُّ يُعْطِى والعبدُ يألم اسْتُه، قال سليمان‏:‏ خمسة، قال الرجل‏:‏ اسْتِي أخْبَثَيِ، قال سليمان‏:‏ ستة، قال‏:‏ لا مَاءَكِ أَبْقَيْتَ ولا حِرَكَ أنْقَيْتَ، قال سليمان‏:‏ ليس هذا في هذا، قال‏:‏ بلى أخَذْتُ الجارَ بالجار كما يأخذ أميرُ المؤمنين، قال‏:‏ خُذْهَا لا بارَكَ اللّه لَكَ فيها‏.‏

2142- صَدَقَنِي قُحَاحَ أَمْرِهِ‏.‏

و‏"‏قُحَّ أمرِهِ‏"‏ أي صحةَ أمره وخالصَه من قولهم‏"‏عربي قُحٌّ‏"‏ أي خالص‏.‏

2143- صَرَّحَتْ بِجِلْذَانَ‏.‏

كذا أورده الجوهري بالذال المعجمة، ووجدت عن الفراء غير معجمة، قال‏:‏ يقال ‏"‏صرحت بِجِلْدَان‏"‏و‏"‏بجدان‏"‏و‏"‏بجداء‏"‏ إذا تبين لك الأمر وصرح، وقال ابن الأعرابي‏:‏ يقال صرحت بجد وجدان وجلدان وجداء وجلداء، وأورده حمزة في أمثاله بالذال المعجمة، وأظن الجوهري نقل عنه، وهو على الجملة موضِعٌ بالطائف لين مستوٍ كالراحة لا خَمَرَ فيه يتوارى به‏.‏ والتاء في ‏"‏صرحت‏"‏ عبارة عن القصة أو الخُطَّة‏.‏

2144- صَرَّحَ المَحْضُ عَنِ الزُّبْدِ‏.‏

يقال للأمر إذا انكشَفَ وتبين‏.‏ ‏[‏ص 406‏]‏

2145- الصَّرِيحُ تَحْتَ الرُّغْوَةِ‏.‏

قال أبو الهيثم‏:‏ معناه أن الأمر مُغَطى عليك وسيبدو لك‏.‏

2146- صَلْخاً كَصَلْخِ النَّعَامَةِ‏.‏

أي صَلَخه اللّه كما صَلَخ النعامة، وهذا كما يقال للنعامة‏:‏ مُصَلَّم الأذُنَيْنِ‏.‏

2147- - صَلْمَعةُ بْنُ قَلْمَعَة‏.‏

قال ابن الأعرابي‏:‏ هذا مثل قولهم ‏"‏طامر بن طامر‏"‏ إذا كان لا يُدْرَي من هو، ولا يعرف أبوه، وهو من طَمَرَ إذا وثب

يضرب لمن يَظْهر ويَثِبُ على الناس من غير أن يكون له قديم، وينشد‏:‏

أَصَلْمَعَةُ بْنُ قَلْمَعَةَ بْنِ فَقْعٍ * بِقَاعٍ مَا حَدِيثُكَ تَزْدَرِينِي

لَقَدْ دَافَعْتُ عَنْكَ النَّاسَ حَتى * رَكِبْتَ الرَّحْلَ كالْجُرَذِ السَّمِينِ

2148- أَصَابَهُ ذُباَبٌ لاَذِعٌ‏.‏

يضرب لمن نَزَلَ به شر عظيم يرقُّ له مَنْ سمعه‏.‏

2149- صِئْبَانُ ثَوْبٍ لُقِّبَتْ هَرَانِعَا‏.‏

الْهُرْنُوعُ‏:‏ القَمْلَة الكبيرة، والصِّئبان‏:‏ جمع صُؤَاب، وهي بيضة القملة‏.‏

يضرب لمن يظهر جِدَةً والناس يعلمون أنه سيء الحال‏.‏

2150- صَارَتْ ثُرَيَّا وَهْيَ عُودٌ أَقْشَرُ‏.‏

الثرية والثريَّاء‏:‏ الأرض الندية، ومال ثرى‏:‏ أي كثير، ورجل ثَرْوَان وامرأة ثَرْوَى إذا كثر مالُهما، وثُرَيَّا‏:‏ تصغير ثَرْوَى، والأقشر‏:‏ الأحمر الذي كأنه نُزِعَ قشره‏.‏ يضرب لمن حَسُنت حالُه بعد فقر وكثر مادِحُوه بعد ذم‏.‏

2151- صَبْرًا أَتَانُ فَالجِحَاشُ حُولُ‏.‏

الحُولُ‏:‏ جمع حائل، وهي التي لم تحمل عامَهَا، ونصب‏"‏صبراً‏"‏على المصدر‏.‏

يضرب لمن وعَدَ وعْداً حسناً والموعود غيرُ حاضر، وخص الجِحاش ليكون التحقيق أبعد‏.‏

2152- صَبُوحُ حَيَّانَ بِهِ جُمُوحُ‏.‏

حَيَّان‏:‏ اسم رجل، والصَّبُوح‏:‏ ما يشرب عند الصبح، وهو يجمح بشار به أنه شَربِها في غير وقتها‏.‏

يضرب لمن يَتَصَدَّر للرياسة في غير حِينها‏.‏

2153- صَبْحَى شَكوْتُ فَاسْتَشَنَّتْ طَالِقُ‏.‏

يقال‏:‏ ناقة صَبْحَى، إذا حلب لبنها، والطالق‏:‏ الناقة التي يتركها الراعي لنفسه فلا ‏[‏ص 407‏]‏ يَحْلبها على الماء، يقول‏:‏ هذه الصَّبْحَى شكوتُهَا إذ حلبت فما بالُ هذه الطالق صار ضَرْعُها كالشَّنِّ البالي‏.‏

يضرب للرجلين يعذر أحدهما في أمر قد تَقَلَّداه معا ولا يعذر الآخر فيه لاقتداره عليه إن عجز عنه صاحبه‏.‏

2154- صَبَعْتَ لِي إصْبَعَكَ العَمَّالَةَ‏.‏

يقال‏:‏ صَبَعْت بفلان وعلى فلان أصْبَعَ صَبْعاً، إذا أشَرْتَ نحوه بأصبعك مُغْتَابا، وههنا صَبَعْت لي ولم يقل على ولا بي لأنه أراد استعملتَ أصبعك العَمَّالة لي، أي لأجلي، ويصح أن تقول‏:‏ صَبَعْتَ أصْبَعَكَ أي أصَبْتَهَا كما يقول‏:‏ رأسْتُه وصَدَرْتُه ويَدَيْتُه، أي أصبت هذه الأشياء والأعضاء منه، ويجوز أن يكون لي بمعنى إلى، كما يقال‏:‏ هَدَيْتُه للطريق، وإلى الطريق، وأوحيت إليه وله، فيكون من صلة معنى صَبَعْتَ، وهوأشرت، كأنه قال‏:‏ أشرتَ لي أي إلىِّ، والعَمَّالة‏:‏ مبالغى العاملة، أي أنها تَعَوَّدَتْ ذلك العملَ‏.‏

يضرب لمن يعيبك باطناً ويثني عليك ظاهراً‏.‏

2155- صَرَاةُ حَوْضٍ مَنْ يَذُقْهَا يَبْصُقِ‏.‏

الصَّرَاة‏:‏ الماء المُجْتَمِع في الحوض أو في البئر أو غير ذلك، فيبقى الماء فيه أياماً ثم يتغير‏.‏

يضرب للرجل يجتنبه أهلُه وجيرانه لسوء مذهبه‏.‏

2156- صُبَابَتِي تَرْوِى وَلَيْسَتْ غَيْلاً‏.‏

الصُّبَابة‏:‏ بقية الماء في الإناء وغيره، والغَيْل‏:‏ الماء يجري على وجه الأرض‏.‏

يضرب لمن ينتفع بما يبذل وإن لم يدخل في حد الكثرة‏.‏

2157- الصُّوفُ مِمَّنْ ضَنَّ بِالرِّسْلِ حَسَنٌ‏.‏

يقال‏:‏ هذا قاله رجل نظر إلى نَعْجَة لها صوف كثير، فاغترَّ بصُوفها وظن أن لها لبنا، فلما حلبها لم يكن بها لبن، فقال هذا‏.‏

يضرب لمن نال قليلا ممن طمع في كثير

2158- صَكًّا وَدِرْهَمَاكَ لَكَ‏.‏

قال المفضل‏:‏ إن امرأة بَغِيّاً كانت تؤاجر نفسَها من الرجال بدرهمين لكل من طَلَبها، فاستأجرها يوما رجل بدرهمين، فلما جامعها أعجبها جِمَاعُه وقوته وشدة رَهْزه فجعلت تقول ‏"‏صكا‏"‏ أي صُكَّ صكا ‏"‏ودرهماك لك‏"‏ فذهبت مثلا‏.‏

وروى ابن شميل‏"‏ غَمْزَاً ودرهماك لك، فإن لم تغمز فبُعْدٌ لَكَ ‏"‏رفعت البعد‏.‏ ‏[‏ص 408‏]‏

قال‏:‏ يضرب مثلاً للرجل تراه يعمل العمل الشديد‏.‏

2159- اصْطِنَاعُ الْمَعْرُوفِ يَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ‏.‏

يقال‏:‏ صَنَع معروفاً واصْطَنَع كذلك في المعنى، أي فِعْلُ المعروف في أهله يقي فاعله الوقوع في السوء‏.‏

2160- الصَّدْقُ عِزٌّ وَالْكَذِبُ خُضُوعٌ‏.‏

قاله بعض الحكماء‏.‏

يضرب في مَدْحِ الصدق وذم الكذب

2161- صَالِبِي أَشَدُّ مِنْ نَافِضِكَ‏.‏

هما نوعان من الحمى‏.‏

يضرب في الأمرين يزيد أحدُهما على الآخر شدة‏.‏

2162- الصِّدْقُ فِي بَعْضِ الأمُورِ عَجْز‏.‏

أي ربما يضر الصدقُ صاحبَه‏.‏

2163- صَرَرْنَا حُبَّ لَيْلَى فَانْتَثَر‏.‏

أي صُنَّاه فضاع‏.‏

يضرب لما يُتَهَاون به‏.‏

2164- صَبَّحَ بَنِي فلاَنٍ زُوَيْرُ سَوْءٍ‏.‏

إذا عَرَاهم في عُقْر دارهم، والزُّوَير‏:‏ زعيم القوم، وقال‏:‏

قد نضرب الجيش الخميسَ الأزْوَرَا * حَتَّى تَرَى زُوَيْرَهُ مُجَوَّرَا

2165- صَبْرًا وَبِضَبِّيٍّ‏.‏

قاله شتير بن خالد لما قتله ضِرار بن عمرو الضبي بابنه حُصَين، ونصب ‏"‏صبراً‏"‏ على الحال، أي أقْتَلُ مَصْبُوراً، أي محبوساً وقوله‏"‏وبضبي‏"‏ أي أُقتل بضبي، كأنه يأنف أن يكون بدل ضبي‏.‏

يضرب في الخصلتين المكروهتين يُدْفَع الرجل إليهما‏.‏

*3*ما جاء على أفعل من هذا الباب

2166- أَصْبَرُ مِنْ قَضِيبٍ‏.‏

قال ابن الأعرابي‏:‏ هو رجل كان في الدهر الأول من بني ضبة، وله حديث سيأتي في باب اللام، وضربت به العرب المثلَ في الصبر على الذل، وأنشد‏:‏

أقيمي عَبْدَ غنْمٍ لا تُرَاعِي * منَ القَتلَى التي بِلِوَى الْكَثِيبِ

لأنْتُمْ حينَ جَاءَ الْقَوْمُ سَيْراً * عَلَى الْمَخْزَاة أصْبَرُ مِنْ قَضِيبِ

2167- أَصْبَرُ مِنْ عَوْدٍ بِدَفَّيْهِ جُلَبٌ‏.‏ ‏[‏ص 409‏]‏

2168- وَأَصْبَرُ مِنْ ذِي ضَاغِطٍ مُعَرَّكٍ‏.‏

قال محمد بن حبيب‏:‏ كان من حديث هذين المثلين أن كلباً أوقَعَتْ ببني فزارة يوم‏.‏ العاه قبل اجتماع الناس على عبد الملك بن مروان، فبلغ ذلك عبدَ العزيز بن مروان، فأظهر الشماتة، وكانت أمه كليبة، وهي ليلى بنت الأصبع بن زبان‏.‏ وأم بشر بن مروان قطبة بنت بشر بن عامر بن مالك بن جعفر، فقال عبد العزيز لبشر أخيه‏:‏ أما علمت ما فَعَلَ أخوالي بأخوالك‏؟‏ قال بشر‏:‏ وما فعلوا‏؟‏ فأخبره الخبر، فقال‏:‏ أخوالُكَ أضْيَقُ أسْتَاهاً من ذلك، فجاء وَفْدُ بني فَزَارة إلى عبد الملك يخبرونه بما صُنِعَ بهم، وأن حُرَيْث بن بَجْدل الكلبي أتاهم بعهدٍ من عبد الملك أنه مصدق، فسمعوا له وأطاعوا، فاغْتَرَّهم فقتل منهم نَيِّفَّا وخمسين رجلا، فأعطاهم عبدُ الملك نصف الحَمَالات، وضَمِنَ لهم النصف الباقي في العام المقبل، فخرجوا ودَسَّ إليهم بشر ابن مروان مالا فاشْتَرَوُا السلاح والكُرَاع، ثم اغْتَرُّوا كلبا ببني فزارة فَلَقُوهم ببنات قين، فتعدَّوْا عليهم في القتل، فخرج بشر حتى أتى عبدَ الملك وعندهُ عبدُ العزيز بن مروان فقال‏:‏ أما بلغك ما فعل أخوالي بأخوالك‏؟‏ فأخبره الخبر، فغضب عبدُ الملك لإخفارهم ذمتَهُ وأخْذِهم مالَه، وكتب إلى الحجاج يأمره إذا فَرَغَ من أمر ابن الزُّبير أن يُوقِع ببني فَزَارة إن امتنعوا، ويأخُذَ مَنْ أصاب منهم، فلما فرغ الحجاجُ من أمر ابن الزبير نَزَلَ ببنب فزارة، فأتاهم حَلْحَلَةُ ابن قيس بن أشْيَمَ وسعيد بن أبان بن عُيَينة ابن حِصْن بن حُذَيفة بن بدر، وكانا رئيسي القوم، فأخبرا الحجاج أنهما صاحبا الأمر، ولا ذنْبَ لغيرهما، فأوثقهما وبَعَثَ بهما إلى عبد الملك، فلما أدْخِلاَ عليه قال‏:‏ الحمدُ لله الذي أقاد منكما، قال حلحلة‏:‏ أما واللّه ما أقادمني، ولقد نَقَضْتُ وِتْرَي، وشَفَيْتُ صَدْرِي، وبردت وَحْرِي، قال عبد الملك‏:‏ مَنْ كان له عند هذين وِتر يطلبه فليقم إليهما، فقام سفيان بن سُوَيْد الكلبي - وكان أبوه فيمنقتل يوم بنات قين - فقال‏:‏ يا حلحلة هل حست لي سُوَيدا، قال‏:‏ عهدي به يوم بنات قن وقد انقطع خُرْؤه في بطنه، قال‏:‏ أما واللّه لأقتلنك، قال‏:‏ كذبت واللّه ما أنت تَقْتُلني وإنما يقتلني ابنُ الزرقاء، والزرْقَاء إحدى أمهات مَرْوَان بن الحكم، وكانت لها راية، وكانوا يُسَبُّون بالزرقاء، فقال بشر‏:‏ صَبْراً حَلْحَلُ، فقال‏:‏ إي واللّه‏.‏

أصْبَرُ مِن عَوْدٍ بجنبه جُلَبْ * قد أثَّرَ البِطَانُ فِيهِ وَالحقَبْ ‏[‏ص 410‏]‏

ثم التفت إلى ابن سُوَيد فقال‏:‏ يا ابن استها أجدِ الضربَةَ فقد وقعت مني بأبيك ضربةٌ أَسْلَحَتْهُ، فضرب عنقَه، ثم قيل لسعيد نحو ما قيل لحلحلة، فردَّ مثلَ جواب حلحلة، فقام إليه رجل من بني عليم ليقتله فقال له بشر‏:‏ اصْبِرْ، فقال‏:‏

أصْبَرُ مِن ذِي ضَاغِطٍ مُعَرَّكِ * أَلْقَى بَوَانِي زَوْرِهِ للْمَبْرَكِ

ويروى ‏"‏من ذي ضاغط عَرَكْرَكِ ‏"‏ وهو البعير الغليظ القويُّ، والضاغط‏:‏ الْوَرَمُ في إبط البعير، شِبْهُ الكيس، يضغطه، أي يضيقه، ويقال ‏"‏فلان جيد البَوَانِي‏"‏ إذا كان جيدَ القوائم والأكتاف‏.‏

2169- أَصَحُّ مِنْ عَيْرِ أبِي سَيَّارَةَ‏.‏

هو رجل من بني عَدْوَان اسمه عميلة بن الأعزل، وكان له حمار أسود أجاز الناسَ خالد عليه من المزدلفة إلى منًى أ ربعين سنةً، وكان يقول‏:‏ أشْرِقْ ثَبير كيما نُغِير، ويقول‏:‏

لاهُمَّ إنِّي تَابِعٌ تَبَاعَهْ * إنْ كَانَ إثْمٌ فَعَلَى قُضَاعَهْ ‏(‏في أصول هذا الكتاب ‏"‏لاهم إني بائع بياعة‏"‏ تحريف ما أثبتناه عن سيرة ابن هشام‏.‏‏)‏

لاهم مَالِي فِي الحِمَارِ الأْسَوْد * أصْبَحْتُ بَيْنَ الْعَالَمِينَ أحْسَدْ

هَلاَّ يكاد ذُو الْبَعِيرِ الْجَلْعَدْ * فَقِ أبا سَيَّارَةَ الْمُحَسَّدْ

مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدٍ إذَا حَسَدْ * وَمِنْ أذَاةِ النَّافِثَاتِ فِي الْعُقَدْ

اللّهم حبب بين نسائنا، وبَغِّضْ بين رِعائنا، واجعل المال في سُمَحَائنا، وفيه يقول الشاعر‏:‏

خَلُّوا الطَّرِيقَ عن أبي سَيَّارَهْ * وعَنْ مَوَاليه بَنِي فَزَارَهْ

حَتَّى يُجيزَ سَالماً حِمَارَهْ * مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو جَارَهْ

وكان خالد بن صَفْوَان والفضل بن عيسى الرَّقَاشي يختاران ركوبَ الحمير على ركوب البَرَاذين، ويجعلان أبا سَيَّارة لهما قُدْوَة‏.‏

فأما خالد فإن بعض الأشراف بالبصرة تلقَّاه فرآه على حمار فقال‏:‏ ما هذا المركب ياأبا صفوان‏؟‏فقال‏:‏ عَيْر من نَسْل الكداد، أصْحَر السِّرْبال، مفتول الأجلاد، محملج القوائم، يحمل الرجلة، ويبلُغ العقبة، ويقل داؤه، ويَخِفُّ دواؤه، ويمنعني أن أكون جَبِّاراً في الأرض أو أكون من المفسدين، ولولا ما في الحمار من المنفعة لما امتطى أبو سَيَّارة ظهر عَيْر أربعين سنة‏.‏

وأما الفضل بن عيسى فإنه سئل أيضاً عن ركوب الحمار، فقال‏:‏ لأنه أقل الدوابِّ مَؤُنة، وأكثرها مَعُونة، ‏[‏ص 411‏]‏ وأسهلها جِمَاحا، وأسلمها صريعا، وأخْفَضُها مَهْوًى، وأقربها مُرْتَقًى، يزهى راكبه وقد تواضع بركوبه، ويسمى مقتصدا وقد أسرف في ثمنه، ولو شاء عُمَيْلة بن خالد أبو سَيَّارة أن يركب جملا مَهْرِيّاً أو فرساً عربياً لفَعَلَ، ولكنه امتطى عَيْراً أربعين سنة، فسمع أعرابي كلامه، فعارضه فقال‏:‏ الحمار شَنَار، والعَيْر عار، مُنْكَر الصوت، بعيد الفَوْت، متغرق في الوَحْل، متلوث في الضَّحْل ليس بركوبَةِ فَحْل، ولا مطية رَحْل، إن وقفته أدْلى، وان تركته وَلَّى، كثير الرَّوْث، قليل الغَوْث، سريع إلى الفرارة، بطيء في الغارة، لا تُرقأ به الدماء، ولا تُمْهَر به النساء، ولا يحلب في إناء‏.‏

قال أبو اليقطان‏:‏ أبو سَيَّارة أولُ من سَنَّ في الدِّيَة مائةً من الإبل‏.‏

2170- أصْنَعُ مِنْ سُرْفَةَ‏.‏

هي دويبة، وقد اختلفوا في نَعْتها، قال اليزيدي‏:‏ هي دويبةٌ صغيرة تَنْقُب الشجر وتبني فيه بيتا، وقال أبو عمرو بنُ العَلاَء‏:‏ هي دويبة مثلُ نصف عدسة تَنْقُب الشجر ثم تبني فيه بيتاً من عِيدانٍ تجمعها مثل غَزْل العنكبوت منخرطا من أعلاه إلى أسفله كأن زواياه قُوِّمَتْ بخط، وله في إحدى صَفَائحه باب مُرَبع قد ألزمت أطراف عيدانه من كل صفيحة أطراف عيدان الصفيحة الأخرى كأنها مَفْرُوَّة، وقال محمد بن حبيب‏:‏ هي دويبة تنسج على نفسها بيتاً فهو نَاوُوسُها حقّاً، والدليل لى ذلك أنه إذا نُقِضَ هذا البيتُ لم توجَدِ الدودة فيه حية أصلا، وزاد بعض رواة الأخبار على ابن حبيب زيادة، فزعم أن الناس في أول الدهر حين كانوا يتعَلَّمون الحِيَلَ من البهائم تعلموا من السُّرْفَةِ إحداثَ بناء النواويس على موتاهم، فإنها في خرط وشكل بيت السُّرْفَة، ويقال ‏"‏وَادٍ سَرِفٌ‏"‏ أي كثير السُّرْفَة، و‏"‏أرض سَرِفَة ‏"‏ و‏"‏سُرِفَتِ الشجرةُ‏"‏ إذا أصابتها السُّرْفة، ويقال أيضاً ‏"‏أصْنَعُ من سَرَفٍ‏"‏ ويقال ‏"‏من سُرُفٍ‏"‏‏.‏

2171- أَصْنَعُ مِنْ تُنَوِّطٍ، ويقال ‏"‏مِنْ تَنَوُّطٍ‏"‏‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ إنما سُمِّي تُنَوِّطاً لأنه يدلي خيوطا من شجرة ثم يفرخ فيها، والواحد تُنَوِّطة، وقال حمزة‏:‏ هو طائر يركِّبُ عُشَّه تركيبا بين عودين من أعواد الشجر فينسجه كقارورة الدُّهْن ضَيِّقَ الفَمِ واسعَ الداخل، فيودعه بيضَهُ، فلا يوصَل إليه حتى تدخل اليد فيه إلى المعصم‏.‏

2172- أَصْنَعُ مِنْ نَحْلٍ‏.‏

ويقال‏"‏من النحل‏"‏ إنما قيل هذا لما ‏[‏ص 412‏]‏ فيه من النِّيقَة في عمل العسل، قال الشاعر‏:‏

فجاءُوا بمَزْجٍ لم يَرَ الناسُ مثلَه * هو الضَّحْكُ إلا أنه عَمَلُ النَّحْلِ

2173- أصْدَقُ مِنْ قَطَاةٍ‏.‏

لأن لها صَوْتاً واحداً لا تغيره، وصوتها حكاية لاسمها، تقول‏:‏ قَطاً قَطاً، ولذلك تسميها العرب الصَّدُوق، وكذلك قولهم ‏"‏أنْسَبُ من قَطَاة‏"‏ لأنها إذا صَوَّتَت عرفت، قال أبو وَجْرَة السَّعْدي‏:‏

مَا زِلْنَ يَنْسُبْنَ وَهْناً كُلَّ صَادِقَةٍ * بَاتَتْ تُبَاشِرُ عُرْماً غَيْرَ أزْوَاجِ

قلت‏:‏ قوله‏"‏ما زلن‏"‏ يعني الأتُنَ التي وردت الماء ‏"‏ ينسبن‏"‏ جعل الفعلَ لهن لأنهن أثرن القَطَا عن أماكنها حتى قالت قطا قطا، فلما كن سَبَبَ النِّسْبة جعل الفعلَ لهن كقوله تعالى ‏(‏كما اخْرَجَ أبَوَيْكُمْ من الجنة يَنْزِعُ عنهما لباسهما‏)‏ لما كان إبليس سببَ النزع جعل النزع له نفسه، ونصب ‏"‏وهنا‏"‏ على الظرف، والجملة بعد قوله ‏"‏كل صادقة‏"‏ صفة لها، والعُرْمُ‏:‏ جمع الأعرم، وهو الذي فيه بياض وسواد، أي باتت القطا تباشر بيضاتٍ عُرْماً، وكذلك يكون بيضُ القطا، وجعل البيض غَيْرَ أزواج لأن بَيْضَ القطا يكون أفراداً ثلاثا أو خمسا‏.‏

2174- أَصدَقُ ظَنًّا مِنْ أَلْمَعِيٍَ‏.‏

قالوا‏:‏ هو الذي يظن الظَّنَّ فلا يُخْطىء واشتقاقه من لَمَعَان النار وتوقُّدِها، وعَرَّفه بعضهم ‏(‏هو أوس بن حجر‏)‏ نظماً فقال‏:‏

الألْمَعِيُّ الّذِي يَظُنُّ بِكَ الـ * ـظَّنَّ ‏(‏الظن‏)‏ كأنْ قَدْ رَأَى وَقَدْ سَمِعَا

واللوذعي‏:‏ مثل الألمعي، واشتقاقُه من لَذْع النار، والأحْوَذِى‏:‏ القَطَّاع للأمور الخفيفُ في العملِ لحِذْقه، من الحَوْذِ وهو السَّوْقُ السريع، وقال الأصمعي‏:‏ هو المُشَمِّر في الأمور، القاهر الذي لا يَشِدُّ

عليه منها شيء، والأحوزي‏:‏ الجامع لما يشذُّ من الأمور، من الحوز وهو الْجَمْع‏.‏

2175- أصفَى مِنْ مَاءِ المفَاصِل‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ هو مُنْفَصَلُ الجبل من الرملة، يكون بينهما رَضْرَاض وحَصًى صغار يَصْفُو ماؤه ويرقُّ، قال أبو ذؤيب‏:‏

وإنَّ حَدِيثًا مِنْكِ لَوْ تَبْذُلِينَهُ * جَنَي النَّحْلِ في أَلْبَانِ عُوذٍ مَطَافِل

مَطَافِيل أبكَارٍ حَدِيثٍ نَتَاجُهَا * تُشَابُ بماءٍ مِثْلِ مَاءِ المَفَاصِلِ

2176- أَصفَى مِنْ جَنَي النّحْلِ‏.‏

هو العَسَل، ويقال له المَزْج، والأرْىُ والضَّحْك، والضَّرْبُ، أيضاً‏.‏ ‏[‏ص 413‏]‏

2177- أَصفَى مِنْ لُعَابِ الْجَرَادِ‏.‏

قالوا‏:‏ هو مأخوذ من قول الأخطل‏:‏

إذا ما نَدِيمِى عَلَّنِي ثم عَلَّنِي * ثَلاَثَ زُجَاجَاتٍ لهنَّ هَدِيرُ

عُقَاراً كَعَيْنِ الدِّيكِ صِرْفاً كأنه* لُعَابُ جَرَادٍ فِي الْفَلاَةِ يَطِيرُ

2178- أَصْرَدُ مِنْ جَرَادَةٍ‏.‏

من الصَّرَد الذي هو البَرْدُ، وذلك لأنها لا تُرَى في الشتاء أبداً لقلة صَبْرها على البَرْد، يقال‏:‏ صَرِدَ الرجلُ يَصْرَدُ صَرَداً فهو صَرِد ومِصْرَاد، للذي يجد البرد سريعاً، ومنه قولهم حكاية عن الضب‏:‏

أصْبَحَ قَلْبِي صَرِدَا*

2179- أصْرَدُ مِنْ عَنْزٍ جَرْبَاءَ‏.‏

وذلك أنها لا تَدْفأ لقلة شَعْرها ورقة جلدها، فالبرد أَضَرُّ لها‏.‏

2180- أَصْرَدُ مِنْ عَيْنِ الحِرْباءِ‏.‏

قال حمزة‏:‏ هذا المثلُ تصحيفٌ للمثل الذي قبله، يعني صحف عنز من عَيْن وحِرْباء بجرباء‏.‏

قلت‏:‏ إنما يكون هذا لو قيل ‏"‏من عين حرباء‏"‏ منكراً، فأما إذا قالوا‏:‏ ‏"‏من عين الحِرْبَاء‏"‏ معرفاً بالألف واللام، ولا يقال‏:‏ ‏"‏عنز الجرباء‏"‏ فكيف يقع التصحيف‏؟‏ ثم قال‏:‏ إلا أن بعض الناس فَسَّره على وَجْه مُطَّرد، فقال‏:‏ الحرباء أبداً تستقبلُ الشمسَ بعينها تستجلب إليها الدفء، وهذا مَخْلَص حسن‏.‏

2181- أَصْرَدُ مِنَ السَّهْمِ‏.‏

هذا من الصَّرَد الذي هو بمعنى النفوذ، يقال ‏"‏صَرِدَ السهمُ صَرَداً‏"‏ إذا نَفَذَ في الرمِيَّة، قال الشاعر‏:‏

فما بُقْيَا عَلَىَّ تَرَكْتُمانِي* وَلَكِنْ خِفْتُمَا صَرَدَ النِّبَالِ

2182- أَصْرَدُ مِنْ خَازِقِ وَرَقَةٍ‏.‏

هذا من صَرِدَ السهمُ أيضاً، يقال‏:‏ خَزَقَ السهمُ وخَسَقَ، إذا نَفَذَ، ويقال في مثل آخر‏:‏ ‏"‏وَقَعَ على خازق ورقة‏"‏ يقال ذلك للداهِي الذي يخزق الورقَةَ من ثَقَافته وضَبْطه للأشياء، ويقال‏:‏ ‏"‏ ما زال فلانٌ يخزق علينا منذ اليوم‏"‏‏.‏

2183- أَصْعَبُ مِنْ رَدِّ الشَّخْبِ فِي الضَّرْعِ‏.‏

هذا من قول من قال‏:‏

صَاحِ هَلْ رَيْتَ أَوْ سَمِعْتَ بِرَاعٍ * رَدَّ في الضَّرْعِ ما قَرَى في الِعَلابِ

العِلاَب‏:‏ جمع عُلْبة، ويروى ‏"‏في الحِلاب‏"‏ وهو إناء يُحْلَب فيه، و‏"‏رَيْتَ‏"‏ يريد به رَأَيْتَ‏.‏ ‏[‏ص 414‏]‏

2184- أَصْعَبُ مِنْ وُقُوفٍ عَلَى وَتَدٍ‏.‏

هذا من قول الشاعر‏:‏

وَلِي صَاحِبَانِ عَلَى هَامَتِي * جُلُوسُهُمَا مِثْلُ حَدِّ الْوَتَدْ

ثَقِيلاَنِ لَمْ يَعْرِفَا خِفَّةً * فَهذَا الزُّكامُ وَهذَا الرَّمَدْ

2185- أَصْوَلُ مِنْ جَمَلٍ‏.‏

معناه‏:‏ أعَضُّ، يقال‏:‏ صال الجملُ، وعَقَر الكلبُ، قاله حمزة‏.‏

قلت‏:‏ وقال غيره‏:‏ صال إذا وثَبَ صَوْلاً وصَوْلَةً وصِيَالا، والفَحْلَانِ يَتَصَاوَلانِ أي يتواثبان، وصال العَيْرُ، إذا حمل على العَانَةِ، فأما صال إذا عَضَّ، فمما تفرد به حمزة، وأما قولهم‏:‏ جمل صَؤُول، فقال أبو زيد‏:‏ صَؤُل البعير بالهمز يَصْؤُل صَآلة، إذا صار يَقْتُلُ الناسَ ويعْدُو عليهم، فهو صَؤُول، وفي الحديث‏:‏ ‏"‏أنَّ المَعْرِفَةَ تنفَعُ عند الجمل الصَّؤُول والكلب العَقُور‏"‏ وقال‏:‏

ولم يَخْشَوْا مُصَاءلة عَلَيْهِمْ * وتَحْتَ الرَّغْوَةِ اللبنُ الصَّرِيحُ

ويروى‏"‏ ولم يخشوا مَصَالته عليهم‏"‏ وهما رواية حمزة‏.‏

قلت‏:‏ والصحيح ‏"‏ولم يخشوا مصالته عليهم‏"‏ وهو مصدر صال كالمَقَالة مصدر قال والشعر لنَضْلَة، وأوله‏:‏

ألم تَسَلِ الفَوَارِسَ يَوْمَ غَوْلٍ * بنَضْلَةَ وَهْوَ مَوْتُورٌ مُشِيحُ

رَأوْهُ فَازْدَرَوْهُ وَهْوَ حُرٌّ * وَيَنْفَعُ أَهْلَهُ الرَّجُلُ القَبِيحُ

وَلَمْ يَخْشَوْا مَصَالَتَهُ عَلَيْهِمْ * وَتَحْتَ الرَّغْوَةِ الَّلبَنُ الصَّرِيحُ

أي صَوْلَه، قال المبرد‏:‏ يقول إذا رأيتَ الرِّغْوَةَ - وهو ما يرغو كالجلدة في أعلى اللبن - لم تدر ما تحتها، فربما صادفْتَ اللبن الصريح إذا كشفتها، أي أنهم رأوني فازدروني لدَمَامتي، فلما كَشَفُوا عني وجدوا غيرَ ما رأوا

2186- أَصَحُّ مِنْ بَيْضِ النَّعَامِ‏.‏

قلت‏:‏ هذا من قول الفرزدق‏:‏

خَرَجْنَ إِلَيَّ لم يُطْمَثْنَ قَبْلِي * وَهُنَّ أَصَحُّ مِنْ بَيْضِ النَّعَامِ

فَبِتْنَ بجانبيَّ مُصَرَّعَاتٍ * وَبِتُّ أَفُضُّ أَغْلاَقَ الختَامِ

كأنَّ مَفَالِقَ الرمَّانِ فِيَها * وَجْمَر غَضًى جَلَسْنَ عَلَيْهِ حَامِ

2187- أَصَبُّ مِنَ الْمُتَمَنِّيَةِ‏.‏

هذا مثل من أمثال أهل المدينة سار في صدر الإسلام، والمتمنية‏:‏ امرأة مَدَنية ‏[‏ص 415‏]‏ عَشِقت فتىً من بني سُلَيم يقال له‏:‏ نَصْر بن حَجَّاج، وكان أحْسَنَ أهل زمانه صُورة، فَضَنِيَتْ من حبه، ودَنِفَتْ من الوَجْدِ به، ثم لَهِجَتْ بذكره، حتى صار ذكره هِجِّيرَاهَا، فمرَّ عُمَر بن الخطاب رضي اللّه عنه ذات ليلة بباب دارها، فسمعها تقول رافعةً عَقِيرَتهَا‏:‏

ألا سَبيلَ إلى خَمْرٍ فأشْرَبَهَا * أم لاَ سَبِيلَ إلى نَصْر بن حَجَّاجِ

فقال عمر رضي اللّه عنه‏:‏ مَنْ هذه المتمنية‏؟‏ فعرف خَبَرَها، فلما أصبح استحضر الفتى المتمنَّى، فلما رآه بَهَرَه جمالُه، فقال له‏:‏ أأنت الذي تتمناكَ الغانياتُ في خدورهن‏؟‏ لا أمُّ لك‏!‏ أما واللّه لأزيلَنَّ عنك رِدَاء الجمال، ثم دعا بحجَّام فحَلَقَ جُمَّته، ثم تأمَّله فقال له‏:‏ أنت مَحْلُوقاً أَحْسَنُ، فقال‏:‏ وأيُّ ذنب لي في ذلك ‏؟‏ فقال‏:‏ صدقت، الذنْبُ لي أَنْ تركتُكَ في دار الهجرة، ثم أركَبَهُ جملا وسَيَّره إلى البَصْرة، وكتب إلى مُجَاشع ابن مسعود السُّلَمي‏:‏ إني قد سَيَّرْتُ المتمنَّي نصرَ بن حجَّاج السُّلمي إلى البصرة، فاسْتَلَبَ نساءُ المدينة لفظةَ عمر، فضر بْنَ بها المثل، وقلن ‏"‏أصَبُّ من المتمنية‏"‏ فسارت مثلا‏.‏

قال حمزة‏:‏ وزْعم النسابون أن المتمنية كانت الفريعة بنت هَمَّام أم الحجاج بن يوسف، وكانت حين عَشِقَتْ نصراً تحت المُغِيرة بن شُعْبة، واحتجوا في ذلك بحديث رَوَوْه، زعموا أن الحجاج حضَرَ مجلس عبد الملك يوماً وعُرْوَة بن الزبير عنده يحدثه ويقول‏:‏ قال أبو بكر كذا، وسمعت أبا بكر يقول كذا، يعني أخاه عَبْدَ اللّه بن الزبير، فقال له الحجاج‏:‏ أعند أمير المؤمنين تَكْنَي أخاك المنافق‏؟‏ لا أم لك‏!‏ فقال له عروة‏:‏ يا ابن المتمنية ألي تقول هذا‏؟‏ لا أم لك وأنا ابن عجائز الجَنَّة صفِيَّة وخَدِيجة وأسماء وعائشة رضي اللّه عنهن‏.‏

وكما قالوا بالمدينة ‏"‏أصب من المتمنية‏"‏ قالوا بالبصرة ‏"‏أدْنَفُ من المتمنَّى‏"‏ وذلك أن نصر بن حجاج لما ورَدَ البصرةَ أخذ الناسُ يسألون عنه، ويقولون‏:‏ أين هذا المتمني الذي سَيَّرهُ عمر رضي اللّه عنه‏؟‏ فغلب هذا الاسم عليه بالبصرة كما غلب ذلك الاسم على عشيقته بالمدينة‏.‏

ومن حديث هذا المثل أن نصراً لما ورد البصرة أنزله مُجَاشع بن مسعود السُّلَمي منزلَه من أجل قَرَابته، وأَخْدَمَه امرأته شُمَيْلة، وكانت أجملَ امرأة بالبصرة، فعلقته وعَلِقها، وخفي على كل واحدٍ منهما خبرُ الآخر، لملازمة مُجَاشع لضَيْفه، وكان مجاشع ‏[‏ص 416‏]‏ أمياً ونَصْر وشُمَيلة كاتبين، فَعِيلَ صبرُ نصر، فكتب على الأرض بحضرة مجاشع‏:‏ إني قد أحببتك حباً لو كان فَوْقَك لأظَلَّكِ، ولو كان تحتك لأقَلَّكِ، فوقَّعَتْ تحته غير محتشمة‏:‏ وأنا، فقال لها مجاشع‏:‏ ما الذي كَتَبه‏؟‏ فقالت‏:‏ كتب كم تَحْلب ناقتكم‏؟‏ فقال‏:‏ وما الذي كتبت تحته‏؟‏ فقالت‏:‏ كتبت وأنا، فقال مجاشع‏:‏ كم تَحْلب ناقتكم، وأنا، ما هذا لهذا بطبق، فقالت‏:‏ أصدقك إنه كتب كم تغلُّ أرضكم‏؟‏ فقال مجاشع‏:‏ كم تغل أرضكم، وأنا، ما بين كلامه وجوابك قرابة، ثم كَفَأ على الكتابة جَفْنة ودعا بغلام من الكُتَّاب، فقرأ عليه، فالتفت إلى نَصْر فقال له‏:‏ يا ابن عم ما سَيَّرَكَ عمر من خيرٍ فقم، فإنَّ وراءك أوسَعَ، فنهض مستحيياً، وعَدَلَ إلى منزل بعض السَّلَمين، ووقع لجنبه، فضَنِىَ من حب شُمَيْلة، ودَنِفَ حتى صار رَحْمَة، وانتشر خبره، فضرب نساء البصرة به المثل، فقلن ‏"‏أَدْنَفُ من المتمنَّى‏"‏ ثم إن مجاشعاً وقف على خبر علة نصر بن حجاج، فدخل عليه فلحقته رقَّة، لما رأى به من الدنف، فرجع إلى بيته وقال لشُمَيْلة‏:‏ عَزَمْتُ عليكِ لما أخذت خُبْزَة فَلَبَكْتِهَا بسمن ثم بادرتِ بها إلى نصر، فبادت بها إليه، فلم يكن به نهوض، فضمته إلى صَدْرها، وجععلت تلقمه بيدها، فعادت قُوَاه وبرأ كأنْ لم يكن به قَلَبة ‏(‏القلبة - بالتحريك - الداء، والعيب أيضا‏)‏

فقال بعض عُوَّاده‏:‏ قاتل اللّه الأعشى فكأنه شَهِدَ منهما النجوى حيث قال‏:‏

لو أَسْنَدَتْ مَيْتاً إلى صَدْرِهَا * عَاشَ وَلَمْ يُنْقَلْ إلى قَابِرِ

فلما فارقته عاود النُّكْس، فلم يزل يتردد في علته حتى مات فيها‏.‏

2188- أَصْلَفُ مِنْ مِلْحٍ فِي مَاءَ‏.‏

الصِّلَف‏:‏ قلة الخير‏.‏

يضرب لمن لا خير فيه، وذلك أن الملح إذا وقَعَ في الماء ذاب فلا يبقى منه شيء، ومنه ‏"‏صَلِفَتِ المرأة‏"‏ إذا لم يَبْقَ لها عند زوجها قَدْر ومَنْزِلة‏.‏

2189- أَصْلَفُ مَنْ جَوْزَتَيْن فِي غَرَارةٍ‏.‏

لأنهما يُصَوِّتان باصطكاكهما، ولا معنى وراءهما‏.‏

2190- أَصْلَبُ مِنَ الأنْضُرِ‏.‏

يعنون جمع النِّضر، وهو الذهب‏.‏وَ‏"‏مِنَ الْجَنْدَلِ‏"‏وَ‏"‏مِنَ الحَجَرِ‏"‏، وَ‏"‏مِنَ الحَدِيدِ‏"‏، وَ‏"‏مِنَ النُّضَارِ‏"‏، وَ‏"‏مِنْ عُودِ النَّبْعِ‏"‏‏.‏ ‏[‏ص 417‏]‏

2191- أَصْفَى مِنَ الدَّمْعَةِ، و‏"‏مِن المَاءِ‏"‏ و‏"‏مِنْ عَيْن الْغُرَابِ‏"‏ و‏"‏مِنْ عَيْنِ الدِّيْكِ‏"‏ و‏"‏مِنْ لُعَابِ الْجُنْدَبِ‏"‏‏.‏

2192- أَصْعَبُ مِنْ رَدِّ الْجَمُوحٍ، و‏"‏مِنْ نَقْلِ صَخْرٍ‏"‏ و ‏"‏مِنْ قَضْمِ قَتّ‏"‏‏.‏

2193- أَصْفَرُ مِنْ لَيْلَةِ الصَّدَرِ، و ‏"‏مِنْ بُلْبُلٍ‏"‏‏.‏

هذا من الصفير، والأول من الصِّفَر والخَلَاء‏.‏

2194- أَصْيَدُ مِنْ لَيْثِ عِفِرِّينَ، و‏"‏مِنْ ضَيْوَنٍ‏"‏‏.‏

2195- أَصْبَرُ مِنْ حِمَارِ، و‏"‏مِنْ ضَبٍّ‏"‏، و ‏"‏مِنَ الْوَدِّ عَلَى الذُّل‏"‏، و‏"‏مِنَ الأثَافِي عَلَى النَّارِ‏"‏، و ‏"‏مِنَ الأَرْضِ‏"‏، و ‏"‏مِنْ حَجَرٍ ‏"‏، و‏"‏ مِنْ جِذْلِ الطِّعَانِ‏"‏‏.‏

2196- أَصْنَعُ مِنْ دُودِ الْقَزِّ‏.‏

2197- أَصَحُّ مِنْ ظَبْيٍ، و‏"‏مِنْ ظَلِيمٍ‏"‏، و‏"‏مِنْ ذِئْبٍ‏"‏، و ‏"‏مِنْ عَيْرِ الْفَلاَةِ‏"‏‏.‏

1982- أَصغَرُ مِنْ قُرَادٍ، و‏"‏مِنْ صُؤَابَةٍ‏"‏، و‏"‏مِنْ حَبَّةٍ‏"‏ و‏"‏مِنْ صَعْوَةٍ‏"‏ و‏"‏مِنْ صَعَة‏"‏‏.‏

*3*المولدون

صُوَرةُ المَوَدَّةِ الصِّدْقُ‏.‏

َصاِحُب الحَاجَةِ أعْمَى‏.‏

صَارَتِ الْبِئْرُ المُعَطَّلَةُ قَصْراً مَشِيداً

يضرب للوضيع يرتفع

صَاحِبُ ثَرِيدٍ وَعَافِيَةٍ‏.‏

يضرب لمن عرف بسلامة الصدر‏.‏

صَارَ إِلَى مَا مِنْهُ خُلِقَ‏.‏

يضرب للميت

صَارَ الأَمْرُ حَقِيقَةً، كَعِيَانِ الطَّرِيقَةِ‏.‏

صَلاَبَةُ الْوَجْهِ خَيْرٌ مِنْ غَلَّةِ بُسْتَانٍ‏.‏

صَفْقَةٌ بِنَقْدٍ خَيْرٌ مِنْ بَدْرَةٍ بِنَسِيئَةٍ‏.‏

صَبَعَةُ الشَّيْطَانُ‏.‏ ‏[‏ص 418‏]‏

يضرب للتأوه في ولايته

صَدِيقُ الْوَالِدِ عَمُّ الْوَلدِ‏.‏

صَامَ حَوْلاً، ثُمَّ شَرِبَ بَوْلاً‏.‏

صَبْرُ سَاعَةٍ أَطْوَلُ لِلرَّاحَةِ‏.‏

صِيغَ وفَاقَ الْهَوى وَكَفَى المُرَادَ‏.‏

صَبْرُكَ عَنْ مَحَارِمِ اللّه، أيْسَرُ مِنْ صَبْرِكَ عَلَى عَذَابِ اللّه‏.‏

الصَّعْوُ فِي النَّزْعِ وَالصِّبْيَانُ فِي الطَّرَبِ‏.‏

الصَّبْرُ مِفْتَاحُ الْفَرَجِ‏.‏

الإِصلاَحُ أَحَدُ الْكَاسِبَين‏.‏

الصِّنَاعَةُ فِي الْكَفِّ أَمَانٌ مِنَ الْفَقْرِ‏.‏

الصَّرْفُ لاَ يَحْتَمِلُهُ الظَّرْفُ‏.‏

أصَابَ الْيَهُودِيُّ لَحْماً رَخِيصاً فَقَالَ هذَا مُنْتِنٌ‏.‏

الصَّبُوحُ جَمُوحٌ‏.

الباب الخامس عشر فيما أوله ضاد معجمة

  ما جاء على أفعل من هذا الباب

  المولـــدون

الباب الخامس عشر فيما أوله ضاد معجمة

2199- ضَرَبَ أَخْمَاساً لأَسْدَاسٍ‏.‏

الخِمْسُ والسِّدْسُ‏:‏ من أظماء الإِبل، والأصل فيه أن الرجل إذا أراد سفراً بعيداً عَوَّدَ إبلَه أن تشرب خِمْسَاً، ثم سِدْسَاً، حتى إذا أخَذَتْ في السير صَبَرَتْ عن الماء، وضرب بمعنى بَيَّن وأظهر، كقوله تعالى ‏(‏ضَرَبَ لكم مَثَلاً ‏مِنْ أنْفُسِكُمْ‏‏‏)‏ والمعنى أظهر أخماساً لأجل أسداس‏:‏ أي رقي إبله من الخِمْس إلى السِّدْسِ‏.‏

يضرب لمن يظهر شيئاً ويريد غيره أنشد ثعلب‏:‏

اللّه يعلم لَوْلاَ أنني فَرِقٌ * مِنَ الأمير لَعَاتَبْتُ ابْنُ نِبْرَاسِ

في مَوْعِدٍ قاله لي ثم أخلفني * غدا غدا ضرب أخماس لأسداس

2200- ضَرَبَ في جَهَازِهِ

أصلُه في البعير يشقط عن ظهره القَتَبُ بأداته فيقع بين قوائمه، فينفر منه حتى يذهب في الأرض، وضَرَبَ‏:‏ معناه سار، و‏"‏في ‏"‏من صلة المعنى، أي صار عاثراً في جَهَازِهِ‏.‏

يضرب لمن يَنْفِرُ عن الشي نفوراً لا يعود بعده إليه‏.‏

2201- ضَرَبَ عَلَيْهِ جِرْوَتَهُ

الجِرْوَة‏:‏ النفسُ ههنا، أي وطَّنَ عليه ‏[‏ص 419‏]‏ نفسَه، وكذلك ‏"‏ ألقى جِرْوَتَه‏"‏ وقال ابن الأعرابي‏:‏ معناه اعْتَرَفَ له وصبَر عليه

2202- ضِغْثٌ عَلَى إِبَّالَةٍ

الإبَّالة‏:‏ الحُزْمَة من الحَطَب، والضِّغْث‏:‏ قَبْضَة من حشيش مختلطة الرطب باليابس، ويروى ‏"‏ إيبالة‏"‏ وبعضهم يقول ‏"‏ إبَالَة‏"‏ مخففاً، وأنشد‏:‏

لِي كُلَّ يَوْمٍ مِنْ ذُؤَالَةْ * ضِغْثٌ يَزِيدُ عَلَى إبَالَهْ

ومعنى المثل بَلِيَّةٌ على أخرى‏.‏

2203- ضَرَبَةُ ضَرْبَ غَرَائِبِ اْلإِبِلِ

ويروى ‏"‏أضْرِبْهُ ضَرْبَ غَريبة الإبِلِ‏"‏ وذلك أن الغَريبة تزدحم على الحِيَاض عند الوِرْد، وصاحب الحوض يَطْرُدها ويضربها بسبب إبله، ومنه قول الحجاج في خُطْبته يُهَدِّد أهلَ العراق ‏"‏واللّه لأضْرِبَنَّكُمْ ضَرْبَ غرائب الإبل ‏"‏ قال الأعشى‏:‏

كَطَوْافِ الغَرِيبَةِ وَسْطَ الحِيَاضِ * تَخَافُ الرَّدَى وَتُرِيدُ الجِفَارَا

يضرب في دَفْعِ الظالم عن ظلمه بأشدِّ ما يمكن‏.‏

2204- ضَلَّ دُرَيصٌ نَفَقَهُ‏.‏

ويروى ‏"‏ضَلَّ الدُّرَيْصُ نفقهُ‏"‏الدِّرْصُ‏:‏ ولد الفأرة واليربوع والهرة وأشباه ذلك، ونَفَقُه‏:‏ حُجْره، ويقال‏:‏ ضلَّ عن سواء السبيل، إذا مال عنه، وضلَّ المسجدَ والدار، إذا لم يَهْتَدِ إليهما ولم يعرفهما

يضرب لمن يُعْنَى بأمره ويُعِدُّ حُجَّةً لخصمه فينسى عند الحاجة‏.‏

2205 ضَحَّ رُوَيْداً‏.‏

هذا أمر من التضحية، أي لا تَعْجَلْ في ذَبْحها، ثم استعير في النَّهْي عن العَجَلة في الأمر، ويقال‏:‏ ضَحِّ رويداً لم تُرَعْ، أي لم تفزع، ويقال‏:‏ ضّحِّ رويداً تدرك الهَيْجَا حَمَلَ، يعني حَمَلَ بن بَدْر، وقال زيدُ الخيل‏:‏

فَلَوْ أن نَصْراً أصْلَحَتْ ذَاتَ بَيْنِنَا* لضَحَّتْ روُيْداً عَنْ مَطَالِبِهَا عَمْرُو

ولكنَّ نَصْراً أرْتَعَتْ وتَخَاذَلَتْ * وكَانَتْ قدَيِماً مِنْ خَلاَئِقِهَا الغَفْرُ

أي المغفرة، ونصرٌ وعمرٌو‏:‏ ابْنا قُعَيْن، وهما حَيَّان من بني أسد‏.‏

2206- ضَلَّ حِلْمُ اُمْرَأةٍ فأَيْنَ عَيْنَاهَا‏.‏

أي هَبْ أن عَقْلها ذَهَب فأين ذهب بَصَرُها‏.‏

يضرب في اسبعاد عقل الحليم‏.‏

2207- ضَرِيَتْ فَهْيَ تَخْطَفُ‏.‏

يعني العُقاب‏.‏ ‏[‏ص 420‏]‏

يضرب لمن يجترىء عليك فَيُعَاود مَسَاءتك‏.‏

2208- الضَّجُورُ قَدْ تَحْلَبُ العُلْبَةَ‏.‏

الضَّجُور‏:‏ الناقة الكثيرة الرُّغَاء فهي تَرْغُو وتَحْلُب‏.‏

يضرب للبخيل يُسْتَخْرج منه الشيء وإن رَغِمَ أَنْفُه‏.‏

ونصب العلبة على المصدر، كأنه قيل‏:‏ قد تحلب الحلبة المعهودة، وهي أن تكون مِلءْ العُلْبة‏.‏

2209- ضَرَبَ وَجْهَ اْلأَمْرِ وَعَيْنَهُ‏.‏

يضرب لمن يُدَاور الشؤون ويُقَلِّبُها ظهراً لبطن من حسن التدبير‏.‏

2210- أَضْحَكُ مِنْ ضَرِطِهِ وَيَضْرِطُ مِنْ ضَحِكِى‏.‏

أصله أن رجلا كان في عِصَابة يتحدثون، فضرط رجل منهم، فضحك رجل من القوم، فلما رآه الضارط يضحك ضحك الضارط فاستغرق في الضحك، فجعل لا يملك اُسته ضَراطاً فقال الضاحك‏:‏ العجبُ أضْحَكُ من ضَرِطه ويَضْرِطُ من ضحكى، فأرسلها مثلا‏.‏

2211- أَضَرِطاً وَأَنْتَ اْلأَعْلى‏.‏

قاله سُلَيْك بن سُلَكة السَّعْدي، وذلك أنه بينما هو نائم إذ جَثَم عليه رجل من الليل، وقال‏:‏ اسْتَأسِرْ، فرفَعَ إليه سليكٌ رأسَه، فقال‏:‏ الليل طويل وأنْتَ مُقْمِرٌ، فأرسلها مثلا، ثم جعل الرجل يَلْهَزُه ويقول‏:‏ ياخبيثُ استأسِرْ، فلما آذاه بذلك أخْرَجَ سليكٌ يَدَه وضَمَّ الرجلَ إليه ضَمَّة أضرطته وهو فوقه، فقال له سليك‏:‏ أضَرِاطاً وأنت الأعلى ‏؟‏ فأرسلها مثلا‏.‏

يضرب لمن يشكو في غير موضع الشَّكْو

2212- ضَرَحَ الشَّمُوسَ نَاجِزاً بِنَاجزِ‏.‏

الضَّرْحُ‏:‏ الدَّفْعُ بالرِّجْل، وأصله التنحية

يضرب لمن يكابِدُ مثلَه في الشراسة‏.‏

ونصب ‏"‏ناجزا‏"‏ على الحال‏.‏

2213- ضَرِطٌ ذَلِكَ‏.‏

تزعم العرب أن الأسد رأى الحمار، فرأى شدةَ حوافِرِه وعظم أذنيه وعظم أسنانه وبطنه، فهَابَهُ وقال‏:‏ إن هذا الدابة لمنكر، وإنه لَخَليق أن يغلبني، فلو زُرْتُه ونظرت ما عنده، فدنا منه فقال‏:‏ يا حمار أرأيت حوافرك هذه المنكرة لأي شيء هي‏؟‏ قال‏:‏ للأكم، فقال الأسد‏:‏ قد أمنت حوافره، فقال‏:‏ أرأيت أسنانَكَ هذه لأي شيء هي‏؟‏ قال‏:‏ للحنظل، قال الأسد‏:‏ قد أمنتُ أسنانه، قال‏:‏ أرأيْتَ أذنيك هاتين المنكرتين لأي شيء هما‏؟‏ قال‏:‏ للذباب، قال‏:‏ أرأيت بطنك هذا لأي شيء ‏[‏ص 421‏]‏ هو‏؟‏ قال‏:‏ ضَرِطٌ ذلك، فعلم أنه لا غَنَاء عنده، فافترسَهُ‏.‏

يضرب لما يَهُولُ منظرهُ ولا معنى وراءه‏.‏

2214- الضَّبُعُ تأكلُ العِظاَمَ ولاَ تَدْرِي ما قَدْرُ اُسْتِهَا‏.‏

يضرب للذي يُسْرِفُ في الشيء‏.‏

2215- اُضْطَرَّهُ السَّيْلُ إِلَى مَعْطَشَةٍ‏.‏

يضرب لمن ألقاه الخيرُ الذي كان فيه إلى شر‏.‏

2216- أضِىءْ لِيَ أقْدَحْ لَكَ‏.‏

أي كُنْ لي أكُنْ لك، وقيل‏:‏ بين لي حاجَتَكَ حتى أسعى فيها، كأنه رأى في لفظ السائل استبهاما فقال له‏:‏ صَرَّحْ ما تريد أحَصِّلْ لك غرضا، ويروى‏"‏ أكْدَحْ لك‏"‏

يضرب للمساواة في المكافأة بالأفعال‏.‏

وقال يونس بن حبيب‏:‏ زعم بعضُ العرب أنه هزؤ، لأنه إذا قال‏"‏أضيء لي‏"‏ كيف يقول ‏"‏أقدح لك‏"‏ لأن القادر على القَدْح لا يتعرض لإضاءة غيره، كأنه يقول‏:‏ وَاسِنِي مع استعنائي عن ذلك، هذا كلامه، وحقيقة المعنى كن لي أكثر مما أكون لك، لأن الإضاءة أكثر من القدح‏.‏

2217- ضَرَبَه فَرَكِبَ قُطْرَهُ‏.‏

إذا سقط ععلى أحد قُطْرَيْه، أي جانبيه

2218- ضَعِيفُ العَصَا‏.‏

يقال للراعي الشَّفِيق‏:‏ هو ضعيف العصا، وفي ضده‏:‏ صُلْبُ الْعَصَا‏.‏

2219- ضَرِطُ الْبَلْقَاءَ جاَلَتْ فيِ الرَّسَنِ‏.‏

قال ابن الأعرابي‏:‏ يضرب للباطل الذي لا يكون، وللذي يَعِدُ الباطلَ‏.‏

2220- ضَرْبُكَ بِالْفطِّيسِ خَيْرٌ مِنَ المطْرَقَةِ‏.‏

أي إذا أذلَّكَ إنسان فليكن أكْبَرَ منك

2221- ضَغا مِنِّي وَهْوَ ضَغَاء‏.‏

أصل الضَّغْو في الكلب والثعلب إذا اشتدَّ عليه أمر عَوَى عُوَاء ضعيفا، ثم كثر ذلك حتى جعل لكل مَنْ عَجَز عن شيء، وضَغَا المُقَامِرُ ضَغْواً وضُغَاءً، إذا خان ولم يَعْدِلْ

يضرب لمن لا يقدر من الانتقام إلا على صِياح

2222- ضُلُّ بْنُ ضُلٍّ‏.‏

يضرب لمن لا يُعْرَفُ هو ولا أبوه‏.‏

2223- ضَرْباً وَطَعْناً أَوْ يَمُوتَ اْلأَعْجَلُ‏.‏

يضرب للعدو، أي نتجاهد حتى يموت أعجلُنا أجلا‏.‏

2224- أَضْلَلْتَ مِنْ عَشْرٍ ثماَنِيَا‏.‏

يضرب لمن يُفْسد أكْثَرَ ما يليه من الأمر ‏[‏ص 422‏]‏

2225- ضَرَطَ وَرْدَانُ بِوَادٍ قٍّي‏.‏

وَرْدَان‏:‏ اسم حمار، والقِيُّ‏:‏ الفَلَاة‏.‏

يضرب لمن يخاصم غيرَه في باطل‏.‏

2226- ضَرِطُ البَلْقاءِ وَخْوَاخٌ نَفِقٌ‏.‏

الوَخْوَاخ‏:‏ الضعيف، والنَّفِقُ‏:‏ السريع النَّفَاد‏.‏

يضرب للنَّفَّاج المُبَقْبِق ‏(‏النفاج‏:‏ الذي يفخر بما ليس عنده، والمبقبق‏:‏ المكثار‏)‏

ويروى ‏"‏ضَرِطُ‏"‏ رفعا ونصبا، فالرفع على تقدير هذا ضرط، والنصب على المصدر‏:‏ أي ضَرِطَ ضَرِطَ البلقاءِ‏.‏

2227- الضَّرْبُ يُجْلِي عَنْكَ لاَ الْوَعِيدُ‏.‏

يعني لا يدفع الوعيدُ عنك الشرِّ، وإنما يدفعه الضرب، وهذا كقولهم ‏"‏الصِّدْقُ ينبىء عنك لا الوعيد‏"‏‏.‏

2228- ضَجَّتْ فَزدْهَا نَوْطاً‏.‏

النَّوْط‏:‏ جُلَّة صغيرة فيها تمر تُعَلَّق من البعير، وضَجَّت‏:‏ ضَجِرَتْ

يضرب لمن يُكَلِّفُ حاجة فلا يضبطها فيطلب أن يخفف عنه فيزداد أخرى‏.‏

2229- ضَاقَتْ عَلَيْهِ اْلأَرْضُ بِرُحْبِهَا‏.‏

يضرب لمن يَتَلَدَّد في أمره‏.‏

2230- ضَرِمَ شَذَاهُ‏.‏

يضرب للجائع إذا اشتدَّ جُوعُه، قاله الخليل‏.‏

2231- ضَبِّبُوا لصَبِيَّكُمْ‏.‏

يقال أيضاً‏"‏ضَبِّبْ لأخيك واستبقه‏"‏ الضبيبة‏:‏ سَمْن ورُبٌّ يجعل في العُكَّة للصبي يُطْعَمه‏.‏

يضرب في إبقاء الإخاء وتربية المودة‏.‏

2232- ضَرَبَهُ ضَرْبَةُ ابْنَة اقْعُدى وَقُومِي‏.‏

أي ضربةَ مَنْ يُقال لها اقعدي وقومي، يعني ضربة أَمَةٍ، لقيامها وقعودها في خدمة مَوَاليها‏.‏

2233- ضِباَبُ أرْضِ حَرْشُهَا اْلأَرَاقِمُ‏.‏

حَرْشُها‏:‏ أي مَحْرُوشها وما يحصل عليه منها، والأرقم، الحية تَقْتُل إذا لسعت‏.‏

يضرب لمن له هَيْبَة وجَاه ثم لا يسلم عليه جار ولا قريب‏.‏

2234- ضُرُوعُ مَعْزٍ ماَلَهَا أَرمْاَثُ‏.‏

الرِّمْثُ‏:‏ بقية قليلة من اللبن تبقى في الضَّرْع، يعني أن هذه مَعْزٌ لا أرماث لها في ضُرُوعها‏.‏

يضرب لمن له ظاهرُ بِشْرٍ ولا يكون وراءه إحسان‏.‏ ‏[‏ص 423‏]‏

2235- ضَرَُّه جَبَّارٍ رَعَاهَا المُنْصُلُ‏.‏

الضَّرَّةُ‏:‏ المالُ الكثيرمن الإبل والشاء وجميعِ السوائم، ورَجُلٌ مُضِرٌ، إذا كان صاحب أموال كثيرة‏.‏

يضرب للضعيف يستجير القويَّ فيحميه ويكنُفُه بِكَنَفِهِ‏.‏

2236- ضَائِفُ اللَّيْثِ قَتِيلُ الْمَحْلِ‏.‏

يقال‏:‏ ضَافَه يَضِيفه، إذا أتاه ضَيْفا، يقول‏:‏ لا يَضيف الأسدَ إلا من قَتَله المَحْلُ والجَدْبُ‏.‏

يضرب لمن اضطر فغرَّر بنفسه

2237- ضَوَارِبٌ بُسَّتْ لِعَرْفٍ باْليَدِ‏.‏

الضارب‏:‏ الناقَة تضرب حالبَهَا، ولم يلحق الهاء لأنها في مَعْرِض النسبة، أي ذات الضرب، كقولهم‏:‏ امرأة حائض، ولاَبِنٌ، وتامر، والبَسُّ‏:‏ السَّوْق اللين، والعَرْف والعَرْفَة‏:‏ قُرُوحٌ تخرج باليد، يقال‏:‏ رجل مَعْرُوف، إذا كان به عَرْفَة، وإذا عُرِفَ الحالبُ لم يقدر أن يحلب، والتقدير‏:‏ هذه نوقٌ ضوارب سِيَقتْ إذا ذي عَرْف بيده ليحلبها‏.‏

يضرب لمن كُلِّفَ ما يعجز عنه‏.‏

2238- ضَبَّةُ حُزْنٍ في حَوَامِي قَلَعٍ‏.‏

الحَوَامي‏:‏ النواحي والأطراف، والقَلَع‏:‏ الصخرة ‏(‏الصواب أن القلع جمع قلعة - بفتحات - وهي الصخرة العظيمة‏)‏

العظيمة، والضَّبَّة إذا كانت في مثل هذا المكان لا يقدر عليها صائدها‏.‏

يضرب لليقِظِ الحازم لا يخادِع عن نفسه وماله‏.‏

2239- ضَيَّقَ الْغَزْوُ اُسْتَهُ‏.‏

يضرب للجَبَان يحضُر الحربَ‏.‏

2240- ضَرْبَةٌ بَيْضَاءُ في ظَرْفِ سَوْءٍ‏.‏

الضَّرْبُ‏:‏ العَسَلُ الأبيض الغليظ‏.‏

يضرب للسيء المَرْآة الكَرِيم الخُبْر

2241- أضَرِاطاً آخِرَ الْيَوْمِ وَقَدْ زَالَ الظُّهْرُ‏.‏

أي تضرط ضرطاً، نصبه على المصدر، وهذا المثل قاله عمرو بن تِقْن للقمان بن عاد حين نهض لقمان بالدَّلْو فضرط، وقد ذكرته في باب الهمزة عند قوله ‏"‏إحْدَى حُظَيَّات لُقْمَان‏"‏ في قصة طويلة‏.‏

2242- ضَجَّ فَزِدْهُ وِقْراً‏.‏

هذا مثل قولهم ‏"‏إن جرجر العود فزده نوطا‏"‏ وقد مر قبل هذا ‏[‏ص 424‏]‏

*3*ما جاء على أفعل من هذا الباب

2243- أضْبَطُ منْ عَائِشَةَ بْنِ عَثْم‏.‏

من بني عَبْشَمْس بن سعد، وكان من حديثه أنه سَقَى إبله يوماً وقد أنزل أخاه في الركيَّةِ يَميحُه، وازدحمت الإبل فهَوَتْ بَكْرة منها في البئر، فأخذ بذَنَبها، وصاح به أخوه‏:‏ يا أخي الموت، قال‏:‏ ذاك إلى ذَنَب البَكْرَةِ، يريد إذا انقطع ذَنَبُها وقعت، ثم اجتذبها فأخرجها، فضرب به المثل في قوة الضَّبْطِ، فقيل ‏"‏أضْبَطُ من عائشة بن عثم ‏"‏ هذه رواية حمزة وأبي الندى وقال المندري ‏"‏ عابسة ‏"‏ بالباء والسين من العُبُوس، والله أعلم‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ عائشة بن غنم الغين والنون‏.‏

2244- أضعَفُ منْ يَدٍ فِي رَحِمٍ، وَأضَلُّ منْ يَدٍ في رَحِمٍ‏.‏

يريد الجَنِين، قاله أبو عمرو، وقيل‏:‏ معناه أن صاحبها يتوقَّى أن يصيبَ بيده شيئاً‏.‏

2245- أضْيَعُ منْ قَمَرِ الشِّتَاءٍ‏.‏

لأنه لا يُجْلَسَ فيه، ولابن حجاج يصف نفسه‏:‏

حَدَث السِّن لم يَزَلْ يتلَهَّى * علمه بالَمَشايخِ العُلَمَاءِ

خَاطِرٌ يَصْفَعُ الفرزدقَ في الشِّعـْ * ـرِ ‏(‏الشعر‏)‏ وَنَحْو ينيك أمَّ الكسائي

غَيْرَ أني أَصْبَحتُ أَضْيَعَ في القو * مِ مِنَ البَدْرِ في لَيَالِي الشِتِّاَءِ

2246- أَضْيَعُ مِنْ غِمْدٍ بِغَيرِ نَصْلٍ‏.‏

قال حمزة‏:‏ ذكره بعضُ الشعراء بأحْسَن لفظ فقال‏:‏

وإني وإسماعيلَ يومَ وَدَاعِهِ * لَكاَلْغِمْدِ يَوْمَ الرَّوْع فَارَقهُ النَّصْلُ

فَإِنَّ أغْشَ قَوْماً بَعْدَهُ أوْ أزُرْهُمُ * فَكاَلْوَحْشِ يُدْنِيهَا مِنَ الأنَسِ المَحْلُ

2247- أَضْيَعُ مِنْ دَمِ سَلاَّغٍ‏.‏

ويروى بالعين غير معجمة، قال حمزة‏:‏ هو رجل من عبد القيس، له حديث في مثل آخر‏"‏ دم سلاغ جُبَار‏"‏ قال‏:‏ وهذان المثلان حكاهما النضر بن شميل في كتابه في الأمثال، قال أبو الندى‏:‏ قُتل سلاغ بحضرموت، فترك دمه وثأره فلم يُطْلَبْ، فضربت العربُ به المثلَ‏.‏

2248- أَضَلُّ مِنْ مَؤْوُدَةٍ‏.‏

هي اسم كان يقع لى مَنْ كانت العربُ ‏[‏ص 425‏]‏ تدفنها حَيَّةً من بناتها، قال حمزة‏:‏ واشتقاق ذلك من قولهم ‏"‏قد آدَهَا بالتراب ‏"‏ أي أثْقَلَها به، ويقولون‏:‏ آدَتْه العلَّة، ويقول الرجل للرجل‏:‏ اتَّئِدْ، أي تثبت في أمرك

قلت‏:‏ هذا حكم فيه خلل، وذلك أن قوله اشتقاق المؤودة من آدها بالتراب لا يستقم لأن الأول من المعتل الفاء، والثاني من المعتل العين، تقول من الأول‏:‏ وأد يَئِدُ وَأْداً، ومن الثاني آد يؤد أودا، اللهم إلا أن يجعل من المقلوب، ولا أعلم أحداً حكم به

قال حمزة‏:‏ وذكر الهيثم بن عدي أن الوأد كان مستعملا في قبائل العرب قاطبة، وكان يستعمله واحد ويترك عشرة، فجاء الإسلام وقد قلَّ ذلك فيها إلا من بني تميم فإنه تزايد فيهم ذلك قبل الإسلام، وكان السبب في ذلك أنهم منعوا الملك ضَرِيبته، وهي الإتاوة التي كانت عليهم، فجرَّدَ إليهم النعمانُ أخاه الريان مع دَوْسَر، ودوسر‏:‏ إحدى كتائبه، وكان أكثر رجالها من بكربن وائل، فاستاق نَعَمَهم وسَبَى ذراريهم، وفي ذلك يقول أبو المشمرج اليشكري‏:‏

لما رأوا رَايَةَ النعمان مُقْبِلَةً * قالُوا ألا لَيْتَ أدْنى دارِناَ عَدَنُ

يا لَيْتَ أمَّ تميم لم تكُنْ عَرَفَتْ * مُرّاً وكانَتْ كمن أوْدَى به الزَّمَنُ

إن تَقْتُلُونَا فأعْيَارٌ مُجَدَّعَةٌ * أو تُنْعِمُوا فقديماً منكمُ المِنَنُ

فوفدت وفود بني تميم على النعمان بن المنذر وكَلَّموه في الذَّرَارِي، فحكم النعمان بأن يجعل الخيار في ذلك إلى النساء، فأية امرأة اختارت زوجها رُدَّت عليه، فاختلفن في الخيار، وكان فيهنَّ بنت لقيس بن عاصم فاختارت سابيَهَا على زوجها، فَنَذَرَ قيس بن عاصم أن يدسَّ كل بنت تولَدُ له في التراب، فوأَدَ بِضْعَ عَشْرَةَ بنتا، وبصنيع قيس بن عاصم وإحيائه هذه السُّنَّةَ نزل القرآن في ذم وأد البنات‏.‏

2249- أَضَلُّ مِنْ سِنَانٍ‏.‏

هو سِنَان بن أبي حارثة المُرِّي ‏.‏

وكان قومُه عَنَّفُوة على الجود فقال‏:‏ لا أراني يُؤْخَذُ على يدي، فركب ناقةً له يقال لها الجهول، ورمى بها الفلاة، فلم يُرَ بعد ذلك، فسَمَّتْه العربُ‏"‏ضَالَّةَ غَطَفَان‏"‏ وقالوا في ضرب المثل به‏:‏ لا أفعلُ ذلك حتى يرجع ضَلَّةُ غطفان، كما قالوا‏:‏ لا أفعل ذلك حتى يرجع قارظُ عَنَزَة، وقال زهير في ذلك‏:‏

إنَّ الرزيَّةَ لا رزيةَ مثلها * ما تَبْتَغِى غَطَفَانُ يَوْمَ أضَلَّتِ ‏[‏ص 426‏]‏

إنَّ الركاَبَ لَتَبْغَيِ ذَا مرة * بِجَنُوبِ خَبْت إذَا الشُّهُورُ أَهَلَّتِ

وزعمت أعراب بني مرة أن ينانا لما هام استفحلته الجن تطلب كرمَ نجله‏.‏

2250- أَضَلُّ مِنْ قَارِظِ عَنَزَةَ‏.‏

هو يذكر بن عنزة، واقتصَّ ابنُ الأعرابي حديثه فذكر أن بسببه كان خروج قُضَاعة من مكة، وذلك أن جزيمة بن مالك بن نَهْد هَوْيَ فاطمة بنت يذكر بن عنزة، فطرد عنها، فخرج ذاتَ يوم هو وأبوها يذكر يطلبان القَرَظَ، فمرا بقليب فيه مُعَسَّلُ النَّحْلِ، فتقارَعَا للنزول فيه، فوقعت القرعة على يذكر، فنزل واجْتَنَى العسَلَ حتى رفع منه حاجته، ثم قال‏:‏ أخْرِجْنِي، فقال جزيمة كلا أخرجك أو تُزَوِّجَنِي فاطمة، فقال‏:‏ أما وأنا على هذه الحالة فلا، ولكن أخرجني ثم اخطبها فإني أزوجكها، فأبى وتركه ومضى، فلما انصرف إلى الحي سألوه عنه فقال‏:‏ أخذ طريقاً وأخذت أخرى، فلم يقبلوا منه، ثم سمعوه يترنم بهذا الشعر‏:‏

فَتَاةٌ كأنَّ فُتَاتَ الْعَبِيرِ * بِفِيهَا يُعَلُّ بهِ الزَّنْجَبِيلْ

قَتَلْتُ أبَاهَا عَلَى حُبَّهَا * فيمنَعُني نَيْلَهَا أوْ تُنيِلْ

فاتهموه وأرادوا قتله، فمنعه قومُه، فاحتربت بكر وقُضَاعة بسببه، فكان أول سبب لتفرقهم عن تهامة، فلما أخذوا يتفرقون قيل لجزيمة‏:‏ إن فاطمة قد ذُهِبَ بها فلا سبيل إليها، فقال‏:‏ أما ما دامت حية فإني أطمع فيها، وقال في ذلك‏:‏

إذَا الَجْوزَاءُ أرْدَفَتِ الثريَّا * ظَنَنْتُ بآلِ فَاطِمَةَ الظُّنُونَا

وَأعرِضُ دُونَ ذَلِكَ مِنْ هُمُومِي * هُمُوم تُخْرِجُ الدَّاءَ الدَّفِينَا

قال أبو الندى‏:‏ أي إذا كان الصيفُ ورجع الناسُ إلى المياه ظننت بها على أيّ المياه هي، فهذا هو حديث أحد القارظين‏.‏

وأما القارظ الثاني فليس له حديث، غير أنه فُقِدَ في طلب القَرَظِ، واسمه ‏(‏في القاموس أن اسمه ‏"‏عامر بن رهم‏"‏ وفي الصحاح أنه ‏"‏المنخل‏"‏‏)‏ هميم وقد ذكرت بعض هذا في حرف الحاء‏.‏

2251- أَضَلُّ مِنْ ضَبٍّ، و‏"‏مِنْ وَرَلٍ‏"‏ و‏"‏مِنْ وَلَدِ الْيَرْبُوعِ‏"‏‏.‏

لأنها إذا خرجَت من جِحَرَتها لم تَهْتَدِ إلى الرجوع إليها، وسوء الهداية أكثر ما يوجد في الضب والورل والديك‏.‏ ‏[‏ص 427‏]‏

2252- أَضَلُّ مِنْ يَدٍ فِي رَحِمٍ‏.‏

زعم محمد بن حبيب أنها يدُ الجنين، وقال غيره‏:‏ هي يد الناتج‏.‏

2253- أَضْيَقُ مِنْ ظِلِّ الرُّمْحِ، و‏"‏مِنَ خَرْتِ الأبْرَةِ‏"‏ و‏"‏مِنْ سَمّ الِخْيَاطِ‏"‏

ويقال أيضاً‏:‏

2254- أَضْيَقُ مِنْ زُجٍّ‏.‏

يعنون زُجَّ الرُّمْحِ‏.‏

و‏"‏مِنْ تِسعين‏"‏

أرادوا عَقْدَ تسعين، لأنه أضيق العقود قال الشاعر‏:‏

مضى يوسفٌ عنَّا بِتِسْعيَنَ دِرْهَماً *فَعَاد وَثُلْثُ المالِ في كَفِّ يُوسُفِ

وكيفَ يُرَجَّى بَعْدَ هذا صَلاَحُهُ * وقَدْ ضَاعَ ثُلْثَا مالِهِ فِي التَّصَرُّفِ

2255- أَضْيَقُ مِنْ مَبْعِج الضَّبِّ‏.‏

هو ُسْتَقَرُّ الضب في جحره حيث يبعجه‏:‏ أي يشقه ويُوَسِّعُه‏.‏

2256- أَضْيَقُ مِنَ الُّنْخُروبِ‏.‏

وهو بيت الزَّنابير‏.‏

2257- أَضْعَفُ مِنْ بَقَّةٍ، و‏"‏مِنْ بَعُوضَةٍ ‏"‏ومِنْ فَرَاشةٍ‏"‏ و‏"‏مِنْ قارُورةٍ‏"‏‏.‏

2258- أَضْعَفُ مِنْ بَرْوَقةٍ‏.‏

هي شجرة ضعيفة، وقد مر وصفها في حرف الشين، وقال‏:‏

تطيح أكُفُّ الْقَوْمِ فيها كأنَّمَا * تطيح بها في النقعِ عِيدَانُ بَرْوَقِ

2259- أَضْيَعُ مِنْ لَحْمٍ عَلَى وَضَمٍ و‏"‏منْ بَيْضَةِ الْبَلَدِ‏"‏، و‏"‏منْ ترَابٍ فِي مَهَبِّ رِيحٍ‏"‏و‏"‏مِنْ وَصيَّةٍ‏"‏‏.‏

2260- أَضْرَطُ مِنْ عَيْرٍ، و‏"‏مِنْ عَنْزٍ ‏"‏ و‏"‏منْ غُولٍ‏"‏‏.‏

2261- أَضْبَطُ منْ ذَرَّةٍ، و‏"‏مِنْ نَمْلَة‏"‏ و‏"‏مِنَ الأعْمَى ‏"‏، و‏"‏منْ صَبِيٍّ‏"‏‏.‏

2262- أَضْوَأُ منْ الصُّبْحِ، و‏"‏من نَهَارٍ‏"‏و‏"‏ منَ ابْنِ ذُكاءَ ‏"‏‏.‏

وهو الصبح أيضاً، وسميت الشمس ذكاء لأنها تذكو، من ‏"‏ذَكَتِ النار‏"‏ إذا تَوَقَّدَتْ ‏"‏تَذْكُو ذُكاً‏"‏ مقصور، يقال‏:‏ هذه ذُكَاء طَالِعَةً‏.‏ ‏[‏ص 428‏]‏

*3*المولدون

ضِحْكُ الجَوْزَةِ بَيْنَ حَجَرَيْنِ

ضَيِّقُ الَحْوْصَلِة

للبخيل

ضَرَطَتْ فَلَطَمَتْ عَيْنَ زَوْجِهَا

ضَعِ الأمُورَ مَوَاضِعَهَا تَضَعْكَ مَوْضِعَكَ

اضْرِبِ الْبَرِىءَ حَتَّى يَعْتَرفَ السَّقِيم

الضَّرْبُ فِي الَجْناحِ، والسَّبُّ في الرياَح

ضِحْكُ الأفَاعِي في جِرَابِ النَّوْرَة

الباب السادس عشر فيما أوله طاء

  ما جاء على أفعل من هذا الباب

  المولدون

الباب السادس عشر فيما أوله طاء

2263- طَوَيَتُهُ عَلَى بِلاَلِهِ، و‏"‏عَلَى بُلُلَتِهِ‏"‏‏.‏

البِلاَل‏:‏ جمع بُلَّة، مثل بُرْمَة وبِرَام يقال‏:‏ ما في سقائك بِلال، أي ماء، قال الراجز‏:‏

وَصَاحِبٍ مُرَامِقِ دَاجَيْتُهُ * عَلَى بِلاَلِ نَفْسِهِ طَوَيْتُهُ

ويقال‏:‏ طويت السقاء على بُلَلَتِهِ، إذا طويتهُ وهو نَدِيٌّ، لأنك إن طويته يابساً تكسر، وإذا طوى على بلَّته تعفَّن، وصار مَعيباً‏.‏

يضرب للرجل تحتمله على ما فيه من العيب، وداريته وفيه بقية من الود، وقال‏:‏

ولقد طَوَيْتُكُمُ عَلَى بُلُلاَتِكُمْ * وعَلِمْتُ ما فيكُمْ من الأذْرَابِ

فإذَا القَرَابَةُ لا تُقَرِّبُ قَاطِعاً * وإذَا الَمَودَّةُ أقْرَبُ الأنْسَابِ

الأذراب‏:‏ جمع ذَرَبٍ، وهو الفساد، يقال‏:‏ ذَرِبَتْ معدتُه، إذا فسدت‏.‏

وقيل‏:‏ قدم أعرابي على نصر بن سيار، فقال‏:‏ أتيتك من شُقَّة بعيدة أحْفَيْتُ فيها الركاب، وأَخْلَقْتُ فيها الثياب، وقرابتي قريبة، ورَحِمِي ماسَّة، قال‏:‏ وما قرابتك‏؟‏ قال‏:‏ ولَدَتْني فلانة، قال‏:‏ رحم عودة، قال‏:‏ إنما مَثَلُ الرحم العودة مثل الشنَّةِ البالية مُلْقَاة لا ينتفع بها، فإذا بُلَّت انتفَعَ بها أهلُها، فكذلك قرابتي إن تبلَّها تقربْ منك، وإن تقطَعْهَا تبعدْ عنك، قال‏:‏ لله أنت، ما تشاء ‏؟‏قال‏:‏ ألف شاة ربَّى ومائة ناقة أبَّى، فأعطاه إياها‏.‏ ‏[‏ص 429‏]‏

2264- طاَرتْ بِهِمِ الْعَنْقَاءُ‏.‏

قال الخليل‏:‏ سميت عنقاء لأنه كان في عُنُقها بياض كالطَّوْق، ويقال‏:‏ لطولٍ في عنقها، قال ابن الكلبي‏:‏ كان لأهل الرسِّ نبي يقال له‏:‏ حَنْظَلة بن صَفْوَان، وكان بأرضهم جبل يقال له دَمْخ مَصْعَدُه في السماء مِيل، وكانت تَنْتَابُه طائرة كأعظم ما يكون لها عنق طويل، من أحسن الطير، فيها من كل لون، وكانت تَقَعُ منتصبة، فكانت تكون على ذلك الجبل تنقَضُّ على الطير فتأكله، فجاعت ذاتَ يوم وأَعْوَزَتِ الطير فانقضَّتْ على صبي فذهبت به، فسميت‏:‏ ‏"‏عَنْقَاء مُغْرِب‏"‏ بأنها تغرب كل ما أخذته ثم إنها انقضَّتْ على جارية فضَمَّتها إلى جناحين لها صغيرين ثم طارت بها، فشكَوْا ذلك إلى نبيهم، فقال‏:‏ اللهم خُذْهَا، واقْطَعْ نَسْلَها، وسَلِّطْ عليها آفة، فأصابتها صاعقة فاحترقت، فضربتها العربُ مثلا في أشعارها وأنشد لعنترة بن الأخرس الطائي في مرثية خالد بن يزيد‏:‏

لقد حَلَّقَتْ بالجود فَتْخَاُء كَاسِر * كفَتْخَاء دَمْخ حَلَّقَتْ بالَحْزَوَّرِ

2265- طَالَ الأبَدُ عَلَى لُبَدٍ‏.‏

يعنون آخِرَ نسور لقمان بن عاد، وكان قد عُمِّر عُمْرَ سبعة أنسُر، وكان يأخذ فَرْخَ النسر، فيجعله في جوبة في الجبل الذي هو في أصله، فيعيش الفرخُ خمسائة سنة أو أقل أو أكثر، فإذا ماتَ أَخَذَ آخَرَ مكانه، حتى هلكت كلها إلا السابع أَخَذَه فوضعه في ذلك الموضع، وسماه لُبَداً، وكان أطولَهَا عُمْراً، فضربت العربُ به المثلَ فقالوا‏:‏ طال الأبَدُ على لُبَد، قال الأعشى‏:‏

وأَنْتَ الَّذِي أَلْهَيْتَ قَيْلاً بكاَسِهِ * ولُقْمَانَ إذ خَيّرْتَ لُقْمَانِ فيِ الْعُمِرْ

لِنَفْسِكَ أن تختار سَبْعَةَ أَنْسُرٍ * إِذَا مَا مَضَى نَسْرٌ خَلَوْتَ إلى نَسْرِ

فَعُمِّرَ حتَّى خَالَ أنَّ نُسوُرَه * خلُودٌ، وَهَلْ تَبْقَي النُّفُوسُ عَلَى الدَّهْرِ‏؟‏

فعاش لقمان - زعموا - ثلاثَةَ آلافٍ وخمسمائة سنة، قال النابغة‏:‏

أََخْنَي عليها الَّذِي أَخْنَى على لُبَدِ*

وقال لبيد‏:‏

ولقد جَرَى لُبَدٌ فأدْرَكَ جَرْيَهُ * رَيْبُ الَمُنونِ وَكاَنَ غَيْرَ مثقَّلِ

لَمَّا رَأَى لُبَدُ النسورَ تَطَايَرَتْ * رَفَعَ الْقَوَادِمَ كالْفَقِيرِ الأعْزَلِ

مِنْ تَحْتِهِ لُقْمَانُ يَرْجُو نَهْضَهُ * وَلَقَدْ يَرَى لُقْمَان أن لا يأتَلِي

قال أبو عبيدة‏:‏ هو لقمان بن عاديا بن لجين بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن ‏[‏ص 430‏]‏ نوح، كأنه جعل عادياً وعاداً اسمَيْ رجلٍ، والعربُ تزعم أن لقمان خيِّرَ بين بقاء سَبْع بَعَرَاتٍ سُمْر، من أَظْبٍ عُقْرٍ، في جَبَل وَعْر، لا يمَسُّها القَطْر وبين بقاء سَبْعَة أنْسُرٍ، كلما هلك نسر خلف بعده نسر، فاستحقر الأبعار واختار النسور، فلما لم يبق غير السابع قال ابن أخ له‏:‏ ياعمِّ ما بقي من عمرك إلا عمر هذا‏؟‏ فقال لقمان‏:‏ هذا لبد، ولبد بلسانهم الدهر، فلما انقضى عمر لبد رآه لقمان واقِعاً، فناداه‏:‏ انْهَضْ لُبَد، فذهب لينهض فلم يستطِعْ، فسقط ومات، ومات لقمان معه، فضرب به المثل، فقيل‏:‏ طال الأبد على لبد، وأتى أبَد على لُبَد‏.‏

2266- أَطِرِّى فإِنَّكِ نَاعِلَةٌ‏.‏

الإطرار‏:‏ أن تركب طُرَرَ الطريق، وهي نواحيه، وقال ابن السكيت‏:‏ معناه أَدلِّى، وقال أبو عبيد‏:‏ معناه ارْكَبِ الأمْرَ الشديدَ فإنك قويّ عليه، قال‏:‏ وأصلُه أن رجلا قال لراعية كانت له ترعى في السهولة وتَدَعُ الحزونة‏:‏ أَطِرَّى، أي خُذِي طُرَرَ الوادي وهي نواحيه، فإن عليك نَعْلَين، قال‏:‏ أحسبُه عني بالنعلين غِلَظَ جلد قَدَمَيْهَا‏.‏

يضرب لمن يؤمر بارتكاب الأمر الشديد لاقتداره عليه‏.‏

ويستوي فيه خطابُ المذكر والمؤنث والجمع والاثنين على لفظ التأنيث، كذا قاله المبرد وابن السكيت‏.‏

وقال قوم ‏"‏أَظِرِّى‏"‏بالظاء المعجمة، أي اركبي الظرَرَ، وهو الْحَجَرُ المحدَّدُ، والجمع ظِرَّانٌ، ويصعب المَشْيُ عليها، قال الشاعر‏:‏

يفرقُ ظِرَّانَ اَلحْصَى بمَنَاسِمٍ * صِلاَبِ العجى مَلْثُومُهَا غَيْرُ أَمْعَرَا

2267- اطْرُقِي وَمِيشِي‏.‏

الطَّرْقُ‏:‏ ضربُ الصوف بالمِطْرَقَة، والمَيْشُ‏:‏ خَلْط الشعر بالصوف، قال رؤبة‏:‏

عَاذِلَ قَدْ أولِعْتِ بالتَّرْقِيشِ * إلَيَّ سِرَّاً فَاطْرقُي وَمِيشِي

أراد ‏"‏يا عاذلة‏"‏ فحذف التاء للترخيم، وحذف حرف النداء، وذلك لا يجوز إلا في الأسماء الأعلام، وأما قولهم‏:‏ ‏"‏ صاح‏"‏ و‏"‏عاذل‏"‏ فإنما حذف يا منهما، لكثرة الاستعمال ولعلم المخاطب، والترقيش‏:‏ التزيين ونصب ‏"‏سِرّاً‏"‏ على التمييز، وتقديره‏:‏ أولِعْتِ بترقيشِ سِرٍّ، بإضافة المصدر إلى المفعول، لكنه فَكَّ الإضافة بإدخال الألف واللام فخرج سر مميزاً، ويجوز أن يكون نصباً على الحال، أي بالترقيش المُسرِّ إليَّ، ‏[‏ص 431‏]‏ فلما قطع منه الألف واللام نصب على القطع‏.‏

يضرب لمن يَخْلِطُ في كلامه بين خطأ وصواب ‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ المَيْشُ أن تخلط صوفاً حديثاً بنكث صوف عتيق ثم تطرقه، أي تندفه، قال‏:‏ يُضْرَبُ في المزاوِلِ ما لا يَتَّجِه له‏.‏

2268- أَطْعَمَتْكَ يَدٌ شَبِعَتْ ثُمَّ جَاعَتْ، وَلاَ أَطْعَمَتْكَ يَدٌ جَاعَتْ ثُمَّ شَبِعَتْ‏.‏

قال الشرقي‏:‏ أولُ مَنْ قاله امرأة قال لها ابنها‏:‏ إني أَخْرُجُ فأطلبُ من فضل الله، فدَعَتْ له بهذا، وزعموا أن الْحُرَقَةَ بنت النعمان بن المنذر - واسْمُها هند، وهي صاحبة الدَّيْر - أتاها عبيد الله بن زياد فسألَهَا عما أدركَتْ ورأتْ، فأخبرته، ثم قالت‏:‏ كنا مَغْبُوطِين فأصبحنا مَرْحُومين، فأمر لها بوَسْقٍ من طعام ومائةِ دينارٍ، فقالت‏:‏ أطعمتك يَدٌ شبعي فجاعت لا يد جَوْعَى فشبعت‏.‏

2269- طَارَ بَاْسٍت فَزِعَةٍ‏.‏

يضرب للرجل يُفْلت فَزَعاً بعد ما كاد يقع‏.‏

2270- طَلَبَ الأبْلَقَ الْعَقُوقَ‏.‏

يقال‏:‏ أعَقّتِ الفرسُ فهي عَقُوق، ولا يقال مُعِقٌّ، وذلك إذا حَمَلَتْ، والأبلق لا يحمل، قال رجل لمعاوية‏:‏ افْرِضْ لي، قال‏:‏ نعم، قال‏:‏ ولولَدِي، قال‏:‏ لا، قال‏:‏ ولعشيرتي، فتمثل معاوية بهذا البيت‏:‏

طَلَبَ الأبْلَقَ الْعَقُوقَ فَلَمَّا * لم يَجِدْهُ أَرَادَ بَيْضَ الأنُوقِ

يضرب لما لا يكون ولا يوجد‏.‏

2271- أَطْعِمْ أَخَاكَ منْ عَقَنْقَلِ الضَّبّ إِنَّكَ إنْ تَمْنَعْ أَخَاكَ يَغْضَبِ‏.‏

عقنقل الضب‏:‏ كرشُهُ وهو مِعًي من أمعائه فيه جميع ما يأكله‏.‏

يضرب مثلاً في المواساة‏.‏

2272- أَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاعِ‏.‏

يعني الحيَّةَ‏.‏

يضرب للمفكِّرِ الداهي في الأمور ‏.‏

قال المتلمس‏:‏

وأطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاع، ولَوْ رَأَى * مَسَاغَاً لنَابَيْهِ الشُّجَاعُ لَصَمّمَا

2273- أَطْرِقْ كَرَا إِنَّ النَّعَامةَ فِي الْقُرَى‏.‏

يقال‏:‏ الكَرَا الكَرَوَان نفسُه، ويقال‏:‏ إنه مُرَخَّمُ الكروان، وجمع الكَرَوَان‏:‏ كِرْوَان ومثله فرس صَلَتان، وهو النَّشِيط ‏[‏ص 432‏]‏ وصَمَيَان وهو الصُّلْبُ والجمع صِلْتَان وصِمْيَان ورجل غَذَيان أي نشيط والجمع غِذْيان أيضاً، وكذلك الوَرَشَان وجمعه وِرْشَان، قال الخليل‏:‏ الكَرَا الذكر من الكِرْوَان، ويقال له‏:‏ أطْرِقْ كَرَا، إنك لن ترى، قال‏:‏ يصيدونه بهذه الكلمة، فإذا سمعها يلبد في الأرض، فيُلْقَى عليه ثوبٌ فَيُصَاد، وقال أبو الهيثم‏:‏ هو طائر شبيه البطَّة لا ينام بالليل، فسمى بضده من الكَرَى، قال‏:‏ ويقال للواحدة كَرَوَانة، وللجمع الكِرْوَان والكَرَى‏.‏

يضرب للذي ليس عنده غَنَاء، ويتكلم فيقال له‏:‏ اسكت وتَوَّق انتشار ما تلفظ به كراهة ما يتعقبه‏.‏

وقولهم‏:‏ ‏"‏إن النعامة في القرى‏"‏ أي تأتيك فتدوسُكَ بأخفافها‏.‏

ويقال أيضاً‏:‏

2274- أَطْرِقْ كَرَا يُحْلَبْ لَكَ‏.‏

يضرب للأحمق تمنِّيه الباطلَ فيصدّق ‏.‏

2275- طَارَتْ عَصَافِيرُ رَأسِهِ‏.‏

يضرب للمَذْعُور أي كأنما كانت على رأيه عصافير عند سكونه، فلما ذُعِرَ طارت‏.‏

2276 طَيُورٌ فَيُوءٌ‏.‏

يضرب للسَّرِيع الغَضَب السريع الرجُوع، من فَاءَ يَفِيءُ‏.‏

2277- طَامِرُ بْنُ طَامِرٍ‏.‏

قال أبو عمرو‏:‏ أي بعيدُ بن بعيد من قولهم ‏"‏طَمَرَ إلى بلد كذا‏"‏ إذا ذَهَبَ إليها‏.‏

يضرب لمن يَثِبُ على الناسِ وليس له أصل ولا قديم‏.‏

2278- طَمِعُوا أنْ يَنَالُوهُ فَأصَابُوا سَلَعا وَقَاراً‏.‏

السَّلَع‏:‏ شجر مر، وكذلك القار، قال ابن الأعرابي‏:‏ يقال ‏"‏هذا أقْيَرُ من ذلك‏"‏ أي أمَرُّ من ذلك ‏.‏

يضرب لمن لا يُدْرَكُ شأوه‏.‏

2279- الطَّعْنُ يَظأَرُ‏.‏

يقال‏:‏ ظَأَرْتُ الناقَةَ أظأرها ظأرا، إذا عَطَفْتها على ولد غيرها‏.‏

يضرب في الإعطاء على المَخَافة، أي طَعْنُك إياه يَعْطِفه على الصلح‏.‏

2280- أَطْيَبُ مَضْغَةٍ صَيْحَانِيَّةٌ مُصَلَّبٌة‏.‏

أي أطيبُ ما يُمْضَغ صَيْحَانية، وهي ضرب من التمر، ومُصَلَّبة‏:‏ من الصَّليب وهو الوَدَكُ، أي ما خلط من هذا التمر بوَدَكٍ فهو أطْيَبُ شيء يمضغ ‏.‏

يضرب للمُتَلاَئمين المتوافقين‏.‏ ‏[‏ص 433‏]‏

2281- أَطْعِمَ أَخَاكَ مِنْ كُلْيَةِ الأرْنَبِ‏.‏

مثل قولهم ‏"‏أطعم أخاك من عَقَنْقَل الضب‏"‏‏.‏

يضربان في المواساة‏.‏

2282- طَعَنَ فُلاَنٌ فُلانَاً الأثْجَلَيْنِ‏.‏

إذا رماه بداهية من الكلام، وهو من الثُّجْلَة وهي عِظَمُ البطنِ وسَعَته‏.‏

قلت‏:‏ يروى هذا على وجه التثنية، والصواب ‏"‏الأثُجَلِينَ ‏"‏على وجه الجمع، مثل الأقْوَرِينَ والَفْتَكَرِين والبُلَغِينَ وأشباهها، والعرب تجمع أسماء الدواهي على هذا الوجه للتأكيد وللتهويل والتعظيم‏.‏

2283- طَارَتْ عَصَا بَنِي فُلاَنٍ شِقَقاً‏.‏

إذا تفرقوا في وُجُوهٍ شَتَّى، قال الأسدي‏:‏

عِصِيُّ الشَّمْل من أسدٍ أراها * قد انْصَدَعَتْ كَمَا انْصَدَعَ الزُّجَاجُ

2284- طَرَقَتْهُ أُمُّ اللُّهَيْمِ، وَأُمُّ قَشْعَمٍ‏.‏

وهما للمنية‏.‏

2285- طَعْنُ اللِّسَانِ كَوَخْزِ السِّنَانِ‏.‏

لأن كَلْم الكلمة يَصِلُ إلى القلب، والطعن يصل إلى اللحم والجلد‏.‏

2286- طَرَاثِيثُ لاَ أرْطَى لَهَا‏.‏

الطرْثُوثُ‏:‏ نَبْت ينبت في الأرطى‏.‏

يضرب لمن لا أصل له يرجع إليه‏.‏

2287- أطَاعَ يَداً بِالْقَوْدِ فَهْوَ ذَلُول‏.‏

يضرب للصعب يَذِلُّ ويسامح، ونصب ‏"‏يدا‏"‏ على التمييز‏.‏

2288- طَالِبُ عُذْرٍ كَمُنْجِحٍ‏.‏

قال أبو عمرو‏:‏ أي إذا غَضِب عليك قومٌ فاعتذرت إليهم فقبلوا عُذْرَكَ فقد أنْجَحْتَ في طَلِبَتِكَ‏.‏

2289- طَلَبَ أَمْراً وَلاَتَ أَوَانٍ‏.‏

يضرب لمن طلب شيئاً وقد فاته وذهَب وقته، وقال‏:‏

طَلَبُوا صُلْحَنَا وَلاَتَ أَوَانٍ * فأجَبْنَا أنْ لَيْسَ حِين بَقَاء

قال ابن جني‏:‏ من العرب مَنْ يَخْفِضُ بلات، وأنشد هذا البيتَ‏.‏

2290- طَارَ طَائِرُ فُلاَنٍ‏.‏

إذا استخفّ كما يقال في ضده ‏"‏وقَعَ طائره‏"‏ إذا كان وَقُورا‏.‏

2291- طَحَتْ بِكَ الْبِطْنَهُ‏.‏

يضرب لمن يكثر ماله فيأشَرُ ويَبْطَر ‏.‏

وهذا مثل قولهم ‏"‏نَزَتْ بك البِطْنَةُ‏"‏

2292- اطَّلَعَ عَلَيْهِ ذُو الْعَيْنَيْنِ‏.‏

أي اطلع عليه إنسان‏.‏

يضرب في التحذير‏.‏ ‏[‏ص 434‏]‏

2293- طَمَسَ اللّهُ كَوْكَبَهُ‏.‏

يضرب لمن ذهب رَوْنَقُ أمره وانهدَّ ركنه

2294- طَمَحَ مِرْثَمُهُ‏.‏

أي عَلاَ مكاناً لم يكن ينبغي له أن يَعْلُوه والمرثم‏:‏ الأنفُ، من الرَّثْمِ وهو الكسر، وطَمَح‏:‏ علا وارتفع‏.‏

2295- طارَ أنْضَجُهَا‏.‏

قالها رجل اصطاد فِرَاخَ هامةٍ فملَّهُنَّ في رَمَاد هامد وهن أحياء، فانْفَلَتَ أحدُها فلم يَرُعْهُ إلا وهو يَطِير، فعند ذلك قال‏"‏طار أنْضَجُهَا ‏"‏ فبينا هو كذلك إذِ انْفَلَتَ آخر منها يسعى، وبقي تحت الرماد واحد، فجعل يَصْأى، فقال‏:‏ اصْأَ صويَّان فالدويرجان أنضج منك، قال أبو عمرو‏:‏ وكلهن يُضْرَبْنَ أمثالا، ولم يبين في أي موضِعٍ تستعمل‏.‏

2296- طَأْطِىْء بَحْرَكَ‏.‏

أي على رِسْلِكَ ولا تَعْجَلْ، يقال‏:‏ طأطأت رأسي، أي خَفَضْته، جعل البحرَ بما فيه من اضطراب الأمواج مثلا للعَجَلة، وجعل الطأطأة مثلا لتسكين ما يعرض منها‏.‏

يضرب للغضبان‏.‏

2297- أطْلِقْ يَدْيكَ تَنْفَعَاكَ يَارَجُل‏.‏

ويروى ‏"‏أَطْلِقْ‏"‏ بقطع الألف من الإطلاق، وهو التقييد، يقال‏:‏ أطلقْتُ الأسير، وأطلقْتُ يَدِي بالخير، وطَلَقْتها أيضاً، ومعنى المثل الحثُّ على بَذْل المال واكتساب الثناء ‏.‏

2298- طَوَيْتُهُ عَلَى غَرِّهِ‏.‏

غَرُّ الثوبِ‏:‏ أثر تَكَسُّره، يقال‏:‏ اطوه على غَرِّه، أي على كسره الأول‏.‏

يضرب لمن يُوكَلُ إلى رأيه، أي تركته على ما انْطَوَى عليه ورَكَنَ إليه‏.‏

2299- طَعْمُ ذِكْرِكَ مَعْسُولٌ بِكُلِّ فَمٍ‏.‏

يقال‏:‏ طعام مَعْسُول ومُعَسَّل، إذا جُعِل فيه العَسَل، وهذا مثل على صيغة الخبر، والمراد منه الأمر، أي ليكن ذكْرُكَ حُلْواً في أفواه الناس، وفي هذا حث على حُسْن القول والفعل‏.‏

2300- طَالَ طِوَلُهُ‏.‏

ويقال طِيَلُه، وطُولُه وطِيلُه ساكنةَ الواوِ والياء، ويقال‏:‏ طال طُوَلُه بضم الطاء وفتح الواو، وطال طَوَالُه وطَيَاله بالفتح، كُلٌّ يقال، ولها معنيان، قالوا‏:‏ معناه طال عُمْرُك، وقالوا‏:‏ معناه طالت غيبتك، قال القطامي‏:‏

إنَّا مُحُّيوكَ فَاسْلَمْ أيُّهَا الطَّلَلُ * وَإنْ بَلِيتَ وإن طَالَتْ بِكَ الطِّيَلُ

أراد‏:‏ وإن طالت بك الغَيْبة، فلهذا أنَّثَ الفعْلَ، ويجوز أنه قَدَّر الطِّيَلَ جمع طيلَة فأنث فعلها على هذا التقدير‏.‏ ‏[‏ص 435‏]‏

2301- طَعَنْتَ فِي حَوْصِ أَمْرٍ لَسْتَ مِنْهُ فِي شَيْءٍ‏.‏

الحَوْصُ‏:‏ الخِياطة في الجلد، لا يكون في غير ذلك، قاله أبو الهيثم، ومنه‏:‏ حُصْ عَيْنَ البازي، وحُصْ شقَّ كَعْبِكَ، ويقال‏:‏ لاطْعَنَنَّ في حَوْصِهم، أي لأخرقنَّ ما خَاطوه ولَفَّقُوه من الأمر، والحَوْصُ‏:‏ المصدر، ويجوز أن يكون بمعنى المَحُوص كالقَوْل بمعنى المَقُول والنَّوْل بمعنى المَنُول‏.‏

يضرب لمن تناول من الأمر ما ليس له بأهل

2302- طَاعَةُ النِّسَاء نَدَامَةٌ‏.‏

الطاعة‏:‏ بمعنى الإطاععة كالطَّاقَة والجَابَة، والمصدر في قوله ‏"‏طاعة النساء ‏"‏ مضافٌ إلى المفعول‏:‏ أي طاعتك النساء، والطاعة لا تكون نفس الندامة، ولكن سببها، كأنه قال‏:‏ طاعتُكَ النساءَ مُورِثة للندامة‏.‏

يضرب في التحذير عواقب طاعتهن فيما يأمرن

2303- طُوُل التَّنَائِي مَسْلاَةٌ للتَّصَافِي‏.‏

مَسْلاَة‏:‏ مَفْعَلَة من السلُوِّ والسُّلْوَان، يقال‏:‏ الخمر مَسْلاَة للهم، أي مُذْهِبة للحزن، وهذا كما أنشده الرِّيَاشي‏:‏

يُسْلِي الْحَبِيبَيْنِ طولُ النَّأيِ بَيْنَهُما * وَتَلْتَقِي طُرُقٌ أخْرَى فَتَأْتَلِفُ

فَيُحْدِثُ الواصِلُ الأدْنَى مَوَدَّتَهُ * وَيَصْرِمُ الْوَاصِلُ الأنأى فَيَنْصَرِفُ

2304- طَالَمَا مُتِّعَ بِالْغِنَى‏.‏

ويروى ‏"‏أُمْتِعَ‏"‏ وكلاهما بمعنى واحد، وبنو عامر يقولون أمْتَعَ في موضع تمتع، ومنه قول الراعي‏:‏

‏[‏قَلِيلاً‏]‏وكانا بالتفرق أمْتَعَا* ‏(‏صدره * خليلين من شعبين شتى تجاورا*‏)‏

ومعنى المثل طالما تمتع الإنسان بغناه‏.‏

يضرب في حَمْدِ الغنى‏.‏

2305- اطْمَئِنَّ عَلَى قَدْرِ أَرْضِكَ‏.‏

هذا قريب من قول العامة‏:‏ مُدَّ رِجْلَكَ على قدر الكساء‏.‏

يضرب في الحث على اغتنام الاقتصاد

2306- طَرَافَةٌ يُولَعُ فِيهَا الْقُعْدُدُ‏.‏

الطَّرَافة‏:‏ مصدر الطَّرِيف والطَّرِف، وهما الكثير الآباء إلى الجد الأكبر، ويمدح به، والقُعْدُد‏:‏ نقيضه، ويذم به، لأنه من أولاد الهَرْمَى، وينسب إلى الضعف، قال الشاعر‏:‏ ‏(‏هو دريد بن الصمة‏)‏

دَعَانِي أَخِي وَالْخَيْلُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ * فَلَمَّا دَعَانِي لم يَجِدْنِي بِقُعْدُدِ

وقال في الطرف‏:‏

طَرِفُونَ وَلاَّ دُونَ كلَّ مُبَارَكٍ * أمرون لاَ يَرِثُونَ سَهْمَ الْقُعْدُدِ ‏[‏ص 436‏]‏

ومعنى المثل‏:‏ أولع هذا القعدد بالوقيعة في طَرَافة هذا الطرِف والغَضِّ منه‏.‏

يضرب لمن يحتقر محاسن غيره، ولا يكون له منها حَظ ولا نصيب‏.‏

2307- طَلَيْتُ عَنْ فِيقَتِهِ الْعَجِيَّ‏.‏

يقال‏:‏ طَلَوْتُ الطَّلاَ وطَلَيْته، إذا حبسته عن أمه، والْفِيقَة‏:‏ ما يجتمع من اللبن في الضَّرْع بين الحلبتين، والْعَجِيٌّ‏:‏ الولَدُ تموت أمُّه فيربيه صاحبه بلبن غيرها، يقال‏:‏ عَجَوْتُه أَعْجُوه، إذا فعلْتَ ذلك به‏.‏

يضرب لمن يظلم مَنْ لا ناصر له، ولا يقاومه‏.‏

2308- اطْلُبْ تَظْفَرْ‏.‏

الظَّفَر‏:‏ الفَوْز بالمراد والبغية، يقول‏:‏ الظَّفَرُ ثانٍ للطلب، فاطلب طَلِبَتَكَ، أو لا تَظْفَرْ به ثانياً‏.‏

يضرب في الحثِّ على طلب المقصود‏.‏

2309- اطْلُبْهُ مِنْ حَيْثُ وَلَيْسَ‏.‏

حَيْث‏:‏ كلمة تُبْنَى على الضم كقَطُّ، وعلى الفتح ككَيْفَ، وتضاف إلى الجمل، تقول‏:‏ اجلس حَيْثُ تجلس، واقعد حَيْث عَمْرٌو، أي حَيْثُ عمرو قاعد، وحيث يقوم زيد، وليس‏:‏ أصله لا أيس، والأيْسُ‏:‏ اسْمٌ للموجود، فإذا قيل ‏"‏لا أَيْسَ‏"‏ فمعناه لا موجود ولا وجود، ثم كثر استعماله، فحُذِفَتِ الهمزة، فالتقى ساكنان أحدهما ألف لا والثاني ياء أيْسٍ، فحذفت الألف فبقي لَيْسَ، وهي كلمة نَفْي لما في الحال، ويُوضَع موضَع لا، كقول لبيد‏:‏

إنما يَجْزِى الْفَتَى لَيْسَ الجَمَل*

أي لا الجمل، وفي هذ المثل وضع موضع لا، يعني اطلب ما أمرتك من حيث يوجد ولا يوجد، وهذا على طريق المبالغة، يقول‏:‏ لا يفوتَنَّكَ هذا الأمر على أي حال يكون وبَالِغْ في طلبه‏.‏

2310- طَرْفُ الْفَتيَ يُخْبِرُ عَنْ لِسَانِهِ‏.‏

ويروى ‏"‏عن ضميره‏"‏ وقال بعض الحكماء‏:‏ لا شاهِدَ على غائب أعْدَلُ من طَرْفٍ على قلب ‏.‏

2311- طَرِيقٌ يَحِنُّ فِيهِ الْعَوْدُ‏.‏

ويروى ‏"‏يحنُّ فيه إلى العَوْدِ‏"‏ فمعنى الأول يحنُّ أي يَنْشط فيه العَوْدُ لوضوحه، ومعنى الثاني أي يحتاج فيه إلى العود لدروسه والعَوْدُ أهدى في مثله من غيره، ويجوز أن يكون الْعَوْدُ في معنى الأول يَحِنُّ لصعوبته فيكون المعنيان واحداً‏.‏

2312- طَأْمُعْرِضاً حَيْثُ شِئْتَ‏.‏

أي ضَعْ رجليك حيث شئت، ولا تَتَّقِ شيئا قد أمكنك‏.‏

يضرب لمن قرب مما كان يطلبه في سُهُولة‏.‏ ‏[‏ص 437‏]‏

*3*ما جاء على أفعل من هذا الباب

2313- أَطْوَلُ منْ ظِلِّ الرُّمْحِ‏.‏

ه ذا من قول يزيد بن الطَّثْرية‏:‏

وَيَوْم كَظِلِّ الرُّمْحِ قَصَّر طُولَه * دَمُ الزَّقِّ عَنَّا وَاصْطِكَاكُ الْمَزَاهِرِ

ويقال للإنسان إذا أفرط في الطول‏:‏ ظل النعامة، ويقال‏:‏ فلان ظل الشيطان، للمنكر الضَّخْم، فأما ‏"‏لطيم الشيطان‏"‏ فإنما يقال ذلك للذي بوجهه لقوة‏.‏

2314- أطْوَلُ مِنْ طُنُبِ الخَرْقَاءِ‏.‏

وذلك لأن الخرقاء لا تعرف المقدار فتُطِيله، وذكرهم للخرقاء ههنا كذكرهم للحَمْقاء في موضع آخر، وهو قولهم ‏"‏إذا طلع السماك ذهب العكاك وبَرَدَ ماءُ الحمقاء‏"‏ وذلك أن الحمقاء لا تبرد الماء، فيقولون‏:‏ إن البرد يُصِيبُ ماءها وإن لم تُبَرِّدْهُ‏.‏

2315- أَطْوَلُ مِنَ الصُّبْح‏.‏

ويروى‏"‏من الفَلَق‏"‏ أيضاً، والصبح يعرض ويطول عند انتشاره، لكنهم اكْتَفَوا بذكر الطول عن ذكر العَرْضِ للعلم بوجوده‏.‏

2316- أطْوَلُ مِنَ السُّكَاكِ‏.‏

ويقال له ‏"‏ السُّكَاكة‏"‏ أيضاً، وهما الهواء الذي يلاقي عَنَانَ السماء، ومنه قولهم‏"‏ لا أفعل ذلك ولو نَزَوْتَ في السُّكَاك‏"‏ أي في السماء، ويقال له ‏"‏اللُّوح‏"‏ أيضاً‏.‏

2317- أطْوَلُ ذَمَاءً مِنَ الضَّبِّ‏.‏

الذَّماء‏:‏ ما بين القَتْل إلى خروج النفس، ولا ذَمَاء للإنسان، ويقال‏:‏ الذَّمَاء بقية النَّفَس وشدة انعقاد الحياة بعد الذبح وهَشْمِ الرأس والطعن الجائف، والتامور أيضاً‏:‏ بقية النَّفَسِ، وبعضهم يفصح عنه فيجعله دمَ القلب الذي ما بقي الإنسان، والضبُّ يبلغ من قوة نَفَسه أنه يُذْبَح فيبقى ليلته مذبوحا مَفْرِيَّ الأوداج ساكنَ الحركة ثم يطرح من الغد في النار، فإذا قدروا أنه نضج تحرك حتى يتوهَّمُوا أنه قدر صار حياً وإن كان في العين ميتاً‏.‏

2318- أَطْوَلُ ذَمَاءً مِنَ الأَفْعَى‏.‏

وذلك أن الأفعى تُذْبَحُ فتبقى أياما تتحرك‏.‏

2319- أطْوَلُ ذَمَاءً مِنَ الحَيَّةِ‏.‏

لأنه ربما قُطِع منها الثلث من قِبَلِ ذَنَبَها فتعيش إن سلمت من الذَّرَّ‏.‏

2320- أَطْوَلُ ذَمَاءً مِنَ الخُنْفُسَاءِ‏.‏

وذلك أنها تُشْدَخ فتمشي، ومن ‏[‏ص 438‏]‏ الحيوان ضروبٌ يطول ذَمَاؤها ولا يضرب بها المثل كالكلب والخنزير‏.‏

2321- أطْوَلُ مِنْ فَرَاسِخِ دَيْرِ كَعْبٍ‏.‏

هذا من قول الشاعر‏:‏

ذَهَبْتَ تَمَادِياً وذَهَبْت طُولاً * كَأَنَّكَ مِنْ فَرَاسِخِ دَيْرِ كَعْبِ

وقولهم‏:‏

2322- أطوَلُ صُحْبةً مِنَ الْفَرْقَدَيْنِ‏.‏

هو من قول الشاعر أيضاً حيث يقول

وكُلُّ أخٍ مُفَارِقُهُ أخُوهُ * لَعَمْرُ أبِيكَ إلاَّ الْفَرْقَدَانِ

2323- أطْوَلُ صُحْبَةً مِنَ اْبنَيْ شَمَامِ‏.‏

من قول الشاعر أيضاً‏:‏

وكُلُّ أخٍ مُفَارِقُهُ أخُوهُ * لَعَمْرُ أبِيكَ إلاَّ اْبنَيْ شَمَامِ

2324- أطْوَلُ صُحْبَةُ مِنَ نَخْلَتَيْ حُلْوَانَ‏.‏

هذا من قول الشاعر‏:‏

أسْعِدَانِي يَا نَخْلَتَيْ حُلْوَانِ * وَارْثِيَا لِي مِنْ رَيْبِ هذَا الزَّمَانِ

وَاعْلَمَا إنْ بَقِتُمَا أنَّ نَحْساً * سَوْفَ يَلْقَاكُمَا فَتَفْتَرِقَانِ

وكان المهديُّ خرج إلى أكناف حُلْوَان متصيداً، فانتهى إلى نخلتي حلوان، فنزل تحتهما وقعدا للشرب، فغناه المغنى‏:‏

أيا نَخْلَتَيْ حُلْوَانَ بِالشَّعْبِ إنَّمَا * أشَذَّ كُمَا عَنْ نَخْلِ جَوْخَي شَقَاكُمَا

إذَا نَحْنُ جَاوَزنَا الثَّنِيَّةً لم نَزَلْ * عَلَى وَجَلٍ مِنْ سَيْرِنَا أوْ نَرَاكُمَا

فهمَّ بقطعهما، فكتب إليه أبوه المنصور‏:‏ مَهْ يا بنيَّ، واحذر أن تكون ذلك النَّحْسَ الذي ذكره الشاعر في خطابهما حيث قال‏:‏

وَاعْلَمَا إنْ بقيتُمَا أنَّ نَحْساً * سَوْفَ يَلْقَاكُمَا فَتَفْتَرِقَان

2325- أَطْيَرُ مِنْ عُقَابٍ‏.‏

وذلك أنها تتغدَّى بالعراق، وتتعشَّى باليمن، وريشُها الذي عليها هو فروتها في الشتاء وخَيْشُها في الصيف‏.‏

2326- أطْيَرُ مِنْ حُبارَى‏.‏

لأنها تُصَاد بظهر البصرة فتوجَدُ في حَوَاصلها الحبة الَخْضَراء الغَضَّة الطرية، وبينها وبين ذلك بلاد وبلاد‏.‏

2327- أطْيَشُ مِنْ فَراشَةٍ‏.‏

لأنها تُلْقِى نفسَهَا في النار‏.‏

وأما قولهم‏:‏

2328- أَطْيَشُ مِنْ ذُبابٍ‏.‏

فهو من قول الشاعر‏:‏ ‏[‏ص 439‏]‏

وَلأنْتَ أطْيَشُ حِينَ تَغْدُو سَادِراً * رَعْشَ الْجَنَانِ مِنَ القَدُوحِ الأقْرحِ

السادر‏:‏ الراكبُ رأسَه، والجنانَ‏:‏ القلبُ، والقَدُوح الأقرح‏:‏ الذباب، وذلك أنه إذا سقَط حَكَّ ذراعاً بذراع كأنه يقدح، والأقرح‏:‏ من القُرْحَة، وكل ذباب في وجهه قرحة‏.‏

2329- أطْيَشُ مِنْ عِفْرٍ‏.‏

قال ابن الأعرابي‏:‏ الْعِفْرُ‏:‏ ذكَرُ الخَنَازير، والعِفْر أيضاً‏:‏ الشيطان، والعفريت أيضاً‏.‏

2330- أطْيَبُ نَشْراً مِنَ الرَّوْضَة‏.‏

النَّشْرُ‏:‏ الريحُ، يعني الرائحة‏.‏

2331- أطْيَبُ نَشْراً مِنَ الصِّوَارِ‏.‏

قالوا‏:‏ الصِّوار‏:‏ المِسْكَ، وأنشد‏:‏

إذَا لاَحَ الصِّوَارُ ذَكَرْتُ لَيْلَى * وَأذْكُرُهَا إذَا نَفَحَ الصِّوَارُ

2332- أَطْمَعُ مِنْ قَالِبِ الصَّخْرَةِ‏.‏

هو رجل من مَعَدٍّ رأى حَجَراً ببلاد اليمن مكتوباً عليه بالمُسْنَد‏:‏ اقْلِبْنِي أنْفَعْكَ، فاحتال في قلبه، فوجد على جانبه الآخر‏:‏ رُبَّ طَمَعٍ يَهْدِي إلَى طَبَعٍ، فما زال يضرب بهامته الصخرة تَلَهُفاً حتى سال دماغُه وقاظ‏.‏

2333- أَطْمَعُ مِنْ أَشْعَبَ‏.‏

هو رجل من أهل المدينة يقال له ‏"‏أشْعَبُ الطَّمَّاع‏"‏ وهو أشْعَبُ بن جُبَير مولَى عبدِ الله بن الزبير، وكتنه أبو العلاء، سأل أبو السمراء أبا عبيدة عن طَمَعه، فقال‏:‏ اجتمع عليه يوماً غِلْمان من غِلْمان المدينة يُعَابثونه، وكان مَزَّاحاً ظريفاً مغنياً، فآذاه الغِلْمة، فقال لهم‏:‏ إن في دار بني فلان عُرْساً، فانْطَلِقُوا إلي ثَمَّ فهوا أنْفَعُ لكم، فانْطَلَقُوا وتركوه، فلما مَضَوْا قال‏:‏ لعل الذي قلتُ من ذلك حَقّ، فمضى في أثرهم نحو الموضع، فلم يجد شيئاً، وظفر به الغلمانُ هناك فآذِوْه‏.‏

وكان أشعب صاحبَ نوادر وإسناد، وكان إذا قيل له حدثنا، يقول‏:‏ حدثنا سالم بن عبد الله - وكان يبغضني في الله - فيقال له‏:‏ دَعْ ذا، فيقول‏:‏ ما عَنِ الحقِّ مَدْفَع، ويروى‏:‏ ليس للحق مَتْرَك، وكانت عائشة بنت عثمان كَفَلَته وكفلت معه ابن أبي الزناد فكان يقول أشعب‏:‏ تربيت أنا وابن أبي الزناد في مكان واحد، فكنْتُ أسْفُلُ ويعلو، حتى بلغنا إلى ما ترون‏.‏

وقيل لعائشة‏:‏ هل آنَسْتِ من أشْعَبَ رُشْداً‏؟‏ فقالت‏:‏ قد أسلمتُه منذ سَنَةٍ في البز ‏[‏ص 440‏]‏ فسألته بالأمس‏:‏ أين بلغت في الصناعة‏؟‏ فقال‏:‏ يا أُمَّه قد تعلمْتُ نصفَ العمل، وبقي على نصفه، فقلت‏:‏ كيف‏؟‏ فقال‏:‏ تعلمت النَّشْرَ في سنة، وبقي على تعلم الطيِّ، وسَمِعْتُهُ اليومَ يخاطب رجلا وقد ساوَمَه قوس بندق، فقال‏:‏ بدينار، فقال‏:‏ والله لو كنت إذا رميت عنها طائراً وقع مَشْوِياً بين رغيفين ما اشتريتها بدينار، فأيَّ رشد يؤنس منه‏؟‏‏.‏

قال مصعب بن الزبير خرج سالم بن عبد الله بن عمر إلى ناحية من نواحي المدينة هو وحُرَمُه وجَوَارِيه، وبلغ أشعبَ الخبرُ، فوافى الموضع الذي هم به، يريد التطفل، فصادف البابَ مُغْلقاً فتسوَّرَ الحائط، فقال له سالم‏:‏ وَيْلَكَ يا أشعب من بناتي وحُرَمي ‏؟‏ فقال‏:‏ لقد علمْتَ ما لنا في بناتك من حق، وإنك لتعلم ما نريد، فوجَّهَ إليه من الطعام ما أَكلَ وحَمَلَ إلى منزله‏.‏

وقال أشعب‏:‏ وَهِبَ لي غلامٌ، فجئت إلى أمي بحمار موقور من كل شيء والغلام، فقالت أمي‏:‏ ما هذا الغلام‏؟‏ فأشفقت عليها من أن أقول‏:‏ وهب لي، فتموت فرحا، فقلت‏:‏ وهب لي غين، فقالت‏:‏ وما غين‏؟‏ قلت‏:‏ لام، قالت‏:‏ وما لام ‏؟‏ قلت‏:‏ ألف، قلت‏:‏ وما ألف ‏؟‏قلت‏:‏ ميم، قالت‏:‏ وما ميم‏؟‏ قلت‏:‏ وهب لي غلام، فغشى عليها فَرَحاً، ولو لم أقطع الحروف لماتت‏.‏

وقال له سالم بن عبد الله‏:‏ ما بلغ من طَمَعِك‏؟‏قال‏:‏ ما نظرتُ قَطُّ إلى اثنين في جنازة يتساران إلا قَدَّرْتُ أن الميتَ قد أوصى لي من ماله بشيء، وما أدخل أَحَدٌ يده في كمه إلا أظنه يعطيني شيئاً‏.‏

وقال له ابن أبي الزناد‏:‏ مابلغ من طمعك‏؟‏ فقال‏:‏ ما زُفَّتْ بالمدينة امرأة إلا كَسَحْتُ بيتي رجاء أن يغلظ بها إلي‏.‏

وبلغ من طمعه أنه مَرَّ برجل يعمل طَبَقاً فقال‏:‏ أحبُّ أن تزيدَ فيه طوقا، قال‏:‏ ولم‏؟‏ قال‏:‏ عسى أن يُهْدَي إلى فيه شيء ‏.‏

ومن طمعه أنه مر برجل يمضغ علكا، فتبعه أكثر ن ميل حتى علم أنه علك‏.‏

وقيل له‏:‏ هل رأيتَ أطمَعَ منك‏؟‏ قال‏:‏ نعم، خرجت إلى الشام مع رفيق لي، فنزلنا عند دَيْر فيه راهب، فتلاحَيْنَا في أمر، فقلت‏:‏ الكاذب منا كذا من الراهب في كذا منه، فنزل الراهبُ وقد أنغط، وقال‏:‏ أيكما الكاذب ‏؟‏ ثم قال أشعب‏:‏ ودَعُوا هذا، امرأتي أَطْمَعُ مني ومن الراهب، قيل له‏:‏ وكيف‏؟‏ قال‏:‏ إنها قالت لي كما يخطر على قلبك من الطمع شيء يكون بين الشك واليقين إلا و‏[‏أنا‏]‏ أتيقنه‏.‏ ‏[‏ص 441‏]‏

2334- أَطْمَعُ مِنْ طُفَيْلٍ‏.‏

هو رجل من أهل الكوفة مشهور بالطمع واللَّعْمَظَة، وإليه يُنْسَبُ الطفيليون، وسيأتي ذكره مستقصى في باب الواو عند قولهم‏"‏ أَوْغَلُ من طُفَيْلٍ‏"‏‏.‏

2335- أَطْمَعُ مِنْ فَلْحَسٍ‏.‏

قد مر ذكره في باب السين عند قولهم ‏"‏أَسْأَلُ مِنْ فَلْحَسٍ‏"‏ فأغنى عن الإعادة‏.‏

2336- أَطْمَعُ مِنْ قِرِلَّى‏.‏

قد مر ذكره والاختلافُ فيه في باب الخاء عند قولهم ‏"‏أَخْطَفُ من قِرِلَّي ‏"‏‏.‏

2337- أَطْمَعُ مِنْ مَقْمُورٍ‏.‏

إنما قيل هذا لأنه يطنع أن يعود إليه ما قمر‏.‏

2338- أَطْوَعُ مِنْ ثَوَابٍ‏.‏

هذا رجل من العرب كان مِطْوَاعاً، فضرب به المثل، قال الأخنس بن شهاب‏:‏

وكُنْتُ الدَّهْرَ لَسْتُ أطِيعُ أُنثَى * فصِرْتُ الْيَوْمَ أَطْوَعَ مِنْ ثَوَابِ

2339- أَطْوَعُ مِنْ فَرَسٍ، وَمِنْ كَلْبٍ‏.‏

2340- أَطَبُّ مِنَ ابْنِ حِذْيَمٍ‏.‏

هذا رجل كان معروفا بالحِذْقْ في الطب قال أبو الندى‏:‏ هو حِذْيَمٌ رجلٌ من تَيْم الرَّباب، كان أَطَبَّ العرب، وكان أَطَبَّ من الحارث، قال أَوْسُ بن حَجَر يذكره‏:‏

فَهَلْ لكُمُ فِيهَا إِلَىَّ فإِنَّنِي * بَصِيرٌ بمَا أَعْيَا النِّطَاسِيَّ حِذْيَمَا

2341- أَطْغَى مِنَ السَّيْلِ، و ‏"‏من اللَّيْلِ‏"‏‏.‏

2342- أَطْيَرُ مِنْ جَرَادَة‏.‏

2343- أَطْمَرُ مِنْ بُرْغُوثٍ‏.‏

2344- أَطْوَلُ مِنْ يَوْمِ الْفِرَاقِ، و‏"‏من شَهْرِ الصَّوْمِ‏"‏ و ‏"‏مِنَ السَّنَةِ الْجَدْبَةِ‏"‏‏.‏

2345- أَطفَلُ من لَيْلٍ عَلَى نَهَارٍ، و‏"‏مِنْ شَيْبٍ عَلَى شَبَابِ‏"‏‏.‏

ويقال أيضاً‏:‏

2346- أطْفَلُ مِنْ ذُبَابٍ‏.‏

2347- أطْيَبُ من الْحَيَاةِ، و‏"‏من المَاءِ عَلَى الظَّمَإِ‏"‏‏.‏

2348- أطْوَلُ مِنَ الدَّهْرِ، و‏"‏مِنَ اللُّوحِ‏"‏‏.‏

وهو السُّكاَك، وقد مَرَّ قبل‏.‏ ‏[‏ص 442‏]

المولدون

طَاعَةُ اللِّسَانِ نَدَامَةٌ‏.‏

طَبِيبٌ يُدَاوِي النَّاسَ وَهْوَ مَرِيض‏.‏

طَرِيق الْحَافِي عَلَى أَصْحَابِ النِّعَالِ، وطريقُ الأصْلَعِ على أصْحَابِ الْقَلاَنِسِ‏.‏

طَبَّلَ بِسِرِّي‏.‏

إذا أفشاه

طُولُ اللِّسَانِ يُقَصِّرُ الأَجَلَ‏.‏

طَوَاهُ طَيَّ الرِّدَاءِ‏.‏

طِلاَبُ الْعُلاَ بِرُكُوبِ الْغَرَرِ‏.‏

طُعْمَةُ الأَسَدِ تُخَمَةُ الذِّئْبِ‏.‏

طُولٌ بِلاَ طَوْلٍ وَلاَ طَائِلٍ‏.‏

طَاعَةُ الوُلاَةِ بَقَاءُ الْعِزِّ‏.‏

طُولُ التَّجَارِبِ زِيَادَةٌ فِي الْعَقْلِ‏.‏

الطَّمَعُ الكَاذِبُ فَقْرٌ حَاضِرٌ‏.‏

الطَّمَعُ الكَاذِبُ يَدُقُّ الرَّقَبَة‏.‏

قاله خالد بن صفوان حين واكَلَه لأعرابي، وذلك أنه كان قد بَنَى دكاناً مرتفعاً لا يَسَعُ غيره ولا يصل إليه الراجلُ، فكان إذا تغدَّى قَعَد عليه وحيداً يأكل لبُخْله، فجاء أعرابي على جَمَل ساوى الدكان ومد يدَه إلى طعامه، فبينما هو يأكل إذ هَبَّتْ ريح وحركت شَنّاً هناك، فنفر البعير، وألقى الأعرابيَّ، فاندقتْ عنقُه، فقال خالد‏:‏ الطمع الكاذب يدقُّ الرقبة، فذهبت مثلا‏.‏

الطَّيْرُ بالطَّيْرِ يُصْطَادُ‏.‏

الطُّيُورُ عَلَى ُألاَّفِهَا تَقَعُ‏.‏

الطَّبْلُ قَدْ تَعَوَّدَ اللِّطَامَ‏.‏

اطْرَحْ نَهْدَكَ، وَكُلْ جَهْدَك‏.‏

اطَّلَعَ الْقِرْدُ فِي الْكَنِيفِ، فقَالَ‏:‏ هَذِهِ المِرْآةُ لِهَذَا الْوُجَيْهِ‏.‏

اطْرَحْ وَافْرَحْ‏.‏

طُفَيْلٌّي وَمُقْتَرِحْ‏.‏

يضرب للفضولي

الباب الثامن عشر فيما أوله عين

  ما جاء على أفعل من هذا الباب

  المولدون

الجزء الثاني

*2* الباب الثامن عشر فيما أوله عين

2382- عِنْدَ الصَّبَاح يَحْمَدُ القَوْمُ السُّرَى

قال المفضل‏:‏ إن أول مَنْ قال ذلك خالد بن الوليد لما بَعَثَ إليه أبو بكر رضي الله عنهما وهو باليمامة‏:‏ أن سِرْ إلى العراق، فأرادَ سُلوكَ المَفازة، فقال له رافع الطائى‏:‏ قد سلكتها في الجاهلية، وهى خِمسٌ للإِبل الواردة، ولا أظنك تقدِرُ عليها إلا أن تحمل من الماء، ثم سَقَاها الماء حتى رَوِيت، ثم كتَبَها وكَعَم أفواها، ثم سلك المَفَازة حتى إذا مضى يومان وخاف العطَشَ على الناس والخيل، وخشى أن يذهب ما في بطونه الإبل نحَرَ الإبلَ واستخرج ما في بطونها من الماء، ومضى، فلما كان في الليلة الرابعة قال رافع‏:‏ انْظُرُوا هل تَرَوْنَ سِدْرا‏"‏ عِظاماً‏؟‏ فإن رأيتموها وإلا فهو الهلاك، فنظر الناسُ فرأوا السِّدْر، فأخبروه، فكبَّر، وكَبَّر الناس، ثم هجموا على الماء، فقال خالد‏:‏

للّه دَرُّ رَافِع أََنَّي اهْتَدَى * فَوّزَ من قُرَاقِر إلى سُوَى

خِمْساً إذا سار بِه الجيشُ بَكَى * ما سَارَهَا من قبله إنْسٌ يُرَى

عِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ القَوْمُ السُّرَى * وَتَنْجَلِي عَنهُمُ غَيَابَاتُ الْكَرَى

يضرب للرجل يحتمل الَشَّقةَ رَجَاءَ الراحة

2383- عِنْدَ جُهَيْنَةَ الْخَبَرُ اليقِينُ ‏(‏انظر الفاخر 1‏.‏2 فقد ذكر له أحاديث أخر‏)‏ قال هشام بن الكلبي‏:‏ كان من حديثه أن حُصَيْن بن عَمْرو بن مُعَاوية بن كِلاب، خرج ومعه رجل من جُهَينة يقال له‏:‏ الأخْنَس بن كعب، وكان الأخنس قد أَحدثَ في قومه حَدَثاً، فخرج هارباً، فلقيه الْحُصَيْنُ فقال له‏:‏ مَن أنت ثكلتك أمك‏؟‏ فقال له الأخنس‏:‏ بل مَن أنت ثكلتك أمك، فردد هذا القول حتى قال الأخنس بن كعب، فأخبرني مَن أنت وإِلاَّ أنقذتُ قلبك بهذا السنان، فقال له الحصين‏:‏ أنا الحصين ابن عمرو الكلابي، ويقال‏:‏ بل هو الحصين ‏[‏ص 4‏]‏ بن سبيع الغطفاني، فقال له الأخنس‏:‏ فما الذي تريد‏؟‏ قال خرجت لما يخرج له الفِتْيَانُ، قال الأخنس‏:‏ وأنا خرجتُ لمثل ذلك، فقال له الحصين‏:‏ هل لك أن نتعاقَدَ أن لا نلقى أحداً من عشيرتك أو عشيرتي إلا سلبناه‏؟‏ قال‏:‏ نعم، فتعاقدا على ذلك وكلاهما فاتِكٌ يَحْذَر صاحبه، فلقيا رجلا فسلَباه، فقال لهما‏:‏ لكما أن تردَّا على بعض ما أخذتما منى وأدلكما على مغنم‏؟‏ قالا‏:‏ نعم، فقال‏:‏ هذا رجل من لَخْم قد قدم من عند بعض الملوك بمغنم كثير، وهو خَلْفي في موضع كذا وكذا، فردَّا عليه بعضَ ماله وطلبا اللَّخْميَّ فوجَدَاه نازلا في ظل شجرة، وقُدَّامه طعام وشراب، فَحَيَّيَاه وحَيَّاهما، وعرض عليهما الطعام، فكره كل واحد أن ينزل قبل صاحبه فيفتك به، فنزلا جميعاً فأكلا وشربا مع اللخميُّ يتشحَّطُ في دمه، فقال الجهني - وهو وسَلَّ سيفه لإن سيف صاحبه كان مَسلُولا‏:‏ وَيْحَكَ فتكتَ برجل قد تحرَّمْنَا بطعامه وشرابه خرجْنَا، فشربا ساعةً وتحدثا، ثم إن الحصين قال‏:‏ يا أخا جهينة أتدري ما صعلة وما صعل‏؟‏ قال الجهني‏:‏ هذا يوم شُرْب وأكل، فسكت الحصين، حتى إذا ظن أن الجهنى قد نسى ما يُرَاد به، قال‏:‏ يا أخا جهينة، هل أنت للطير زاجر‏؟‏ قال‏:‏ وما ذاك‏؟‏ قال‏:‏ ما تقول هذه العُقَاب الكاسر، قال الجهني‏:‏ وأين تراها‏؟‏ قال‏:‏ هي ذه، وتطاوَلَ ورفع رأسه إلى السماء، فوضع الجهني بادرةَ السيف في نَحْره، فقال‏:‏ أنا الزاجر والناحِرُ، واحتوى على مَتَاعه ومتاع اللخمي، وانصرف راجعاً إلى قومه، فمر ببطنين من قيس يقال لهما‏:‏ مراح وأنمار، فإذا هو بامرأة تَنْشُدُ الحصينَ ابن سبيع، فقال لهما، من أنت‏؟‏ قالت أنا صخرة امرأة الحصين، قال أنا قتلته، فقالت‏:‏ كذبت ما مِثْلُك يقتل مثله، أما لو لم يكن الحي خلواً ما تكلمتَ بهذا، فانصرف إلى قومه فأصلحَ أمرهم ثم جاءهم، فوقف حيث يسمعهم، وقال‏:‏

وكم من ضَيْغم وَْردٍ هَمُوسٍ * أبي شِبْلَيْن مَسْكَنُهُ العَرِينُ

عَلَوْتُ بًيَاضَ مَفْرِقِهِ بِعَضْبٍ * فأضْحى في الفَلاة له سُكونُ

وَضْحَتْ عِرْسُه ولَهاَ عليه * بُعَيْدَ هُدُوءٍ ليلتها رَنِينُ

وكَمْ من فارسٍ لا تَزْدَرِيهِ * إذا شَخَصَتْ لموقِعِهِ العُيُونُ

كصخرة إذا تسائل في مَرَاجٍ * وأنْمَارٍ وعلمهُما ظُنُونُ ‏‏

تُسَائِلَ عن حُصَيْنٍ كُلَّ رَكْبٍ * وعنْدَ جُهَيْنَةَ الْخَبَرُ اليَقِنُ

فَمَنْ يَكُ سائلاً عَنْهُ فَعِنْدِى * لِصَاحِبِهِ البَيَانُ المُسْتَبِينُ

جُهَيْنَةُ مَعْشَرِي وَهُمُ مُلوُك * إذَا طَلَبُوا المَعَالِيَ لم يَهوُنُوا

قال الأصمعي وابن الأعرابي‏:‏ هو جُفَينة - بالفاء - وكان عنده خبر رجل مقتول، وفيه يقول الشاعر‏:‏

تسائل عن أبيها كل ركب * وعند جُفَيْنةَ الخبَرُ اليقنُ

قال‏:‏ فسألوا حفينة، بالحاء المهملة

يضرب في معرفة الشيء حقيقةً‏.‏

2384- عَثَرَتْ عَلَى الغَزْلِ بأَخَرَةٍ فَلَمْ تَدَعْ بَنَجْدٍ قَرَدَةً

القَرَدُ‏:‏ ما تمعَّطَ من الإبل والغنم من الوَبَر والصوف والشعر‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ أن تَدَعَ المرأةُ الغزلَ وهي تجد ما تغزله من قطن أو كتان أو غيره، حتى إذا فاتها تَتَبَّعَتْ القَرَد في القُمَامات فتلقطها‏.‏

يضرب لمن ترك الحاجة وهي ممكنه ثم جاء يطلبها بعد الْفَوت‏.‏

قال الزاجز‏:‏

لو كنتُمُ صوفاً لكنتُمْ قَرَدَا * أو كنتُمُ ماءً لكنتم زَبَدَاً

أوكنتم لَحْماً لكنتُمْ غُدَدَا * أو كنتُمُ شاءَ لكنتُمْ نَقَدَا

أو كنتُمُ قَوْلاً لكنتُمْ فَنَدَا *

2385- عَادَتْ لِعتْرِهَا لَمِيسُ

العِتْر‏:‏ الأصل، ولَمِيسُ‏:‏ اسم امرأة‏.‏ يضرب لمن يرجع إلى عادة سوء تركها واللام في لعترها بمعنى إلى، يقال‏:‏ عُدْتُ إليه، وله، قال الله تعالى ‏(‏ولو رُدُّوا لَعَادُوا لما نُهُوا عنه‏)‏

2386- عبْدٌ صَرِيخُهُ أََمَةٌ

يضرب في استعانة الذليل بآخَرَ مثلِهِ‏.‏

أي ناصره أذلٌ منه، والصريخ‏:‏ المُصْرِخُ ههنا‏.‏

2387- عَبْدُ غَيْرِكَ حُرٌّ مِثْلُكَ يضرب للرجل يرى لنفسه فَضْلاً على الناس من غير تَفَضُّلٍ وتَطَوُّلٍ‏.‏

2388- عَبْدٌ وَحلْىٌ في يَدَيْه يضرب في المال يملكه مَنْ لا يستأهله ويروى عَبْدٌ وخَلاً ويروى عبد وخليٌ في يديه وكلها في المعنى قريب، والتقدير‏:‏ هذا عبد، أو هو عبد، فالابتداء محذوف، والخبر مُبَقَّي‏.‏ ‏[‏ص 6‏]‏

2389- عَبْدٌ مَلَكَ عَبْداً فأَوْلاَهْ تَبّاً يضرب لمن لا يليق به الغنى والثروة‏.‏ والتبُّ‏:‏ التَّباب، وهو الخَسَار‏.‏

2390- عَبْدٌ أُرْسِل في سَوْمِهِ السُّوم‏:‏ اسم من التسويم، وهو الإهمال أي أرسل مُسَوَّماً في عمله، وذلك إذا وثقت بالرجل وفوّضْتَ إليه أمرك، فأتى فيما بينك وبينه غير السَّداد والعفاف

2391- أعطاهُ بِقُوفِ رَقَبَتِهِ، و بِصُوفِ رَقَبَتِهِ وبِطُوف رَقَبَتِهِ، قال ابن دريد‏:‏ يقال أخّتُ بقُوفَةِ قفاه وهو الشعر المتَدلِّي في نُقْرَة القفا‏.‏ يضرب لمن يعطي الشيء بجملته وعينه ولا يأخذ ثمناً ولا أجراً‏.‏

2392- أَعْوَرُ عَيْنَكَ والْحَجَرَ يريد‏:‏ يا أعور احْفَظْ عينَكَ واحذر الحجر، أو ارْقُب الحجَرَ، وأصله أن الأعور إذا أصِبَتْ عينُه الصحيحة بقي لا يبصر، كما قال إسماعيل بن جرير البَجَلي الشاعر، لطاهر ابن الحسين، مَدَّاحاً له فقيل له‏:‏ إنه ينتحل ما يمدحك به من الشعر، فأحبَّ أن يمتحنه، فأمره أن يهجوه، فأبى إسماعيل، فقال طاهر‏:‏ إنما هو هجاؤك لي أو ضَرْبُ عنقك، فكتب في كاغد هذه الأبيات‏:‏

رأيْتُكَ لا تَرَى إلا بعَيْن * وَعَيْنُك لا ترى إلاّ قَليلاَ

فَأما إذا أصبت بفَرْد عَيْنٍ * فَخُذْ من عَيْنِكَ الأخرى كَفيلاَ

فَقَدْ أَبْقَيتَ أنَّكّ عَنْ قَليلٍ * بظَهْرِ الكَفِّ تَلْتَمسُ السَّبيلاَ ثم عرض هذه الأبيات على طاهر، فقال‏:‏ لا أرَيَنَّكَ تنشدها أحداً، ومَزَقَ القرطاس، وأحسن صلَته‏.‏ ويقال‏:‏ إن غراباً وقع على دَبَرَة ناقةٍ فكِرهَ صاحبُها أن يرميه فتثور الناقة، فجعل يُشِير إليه بالحجر، ويسمى الغراب أعور لحدة بصره، على التشؤم، أو على القلب كالبَصِير للضرير وأبي البَيضَاء للحبشي‏.‏

2393- عِنْدَهُ من المالِ عَائِرَةُ عَيْنٍ

يقال‏:‏ عُرْتُ عينه أي عَوَّرْتها، ومعنى المثل أنه من كثرته يملأ العين، حتى يكاد يعورها، وقال‏:‏ أبو حاتم‏:‏ عَارَتْ عينُه أي ذهبت، قال‏:‏ ومعنى المثل عنده من المال ما تَعِيرُ فيه العين، أي تجئ وتذهب وتحير، وقال الفراء‏:‏ عنده من المال عائِرةُ عينٍ، وعائرة عَيْنَين، وعَيَّرَة، وأصل ‏[‏ص 7‏]‏ هذا أنهم كانوا إذا كَثُرَ عندهم المالُ فَقَؤُ عين بعير دفعاً لعين الكمال، وجُعِلَ العَوَرُ لها لأنها سببه، وكانوا يفعلون ذلك إذا بلغت الإبل ألفاً، والتقدير‏:‏ عنده من المال إبلٌ عائرةُ عين، أي مقدار ما يُوجِبُ عَوَرَ عين، أي ألفٌ‏.‏

2394- عَيْنٌ عَرَفَتْ فَزَرَفَتْ يضرب لمن رأى الأمر فعرف حقيقته‏.‏

2395- أَعْيَيْتِنِي بأُشُرٍ فَكَيْفَ بِدُرْدُرٍ

أصل ذلك أن رجلاً أبغض امرأته و أحبته، فولدت له غلاماً، فكان الرجل يقبل دردره، وهو مُعْرِزُ الأسنان، ويقول‏:‏ فَدَيْتُ دُردُرَك، فذهبت المرأة فكسرت أسنانها، فلما رأى ذلك منها قال‏:‏ أعْيَيْتِنِي بأشُرٍ فكيف بدُرْدُرٍ‏؟‏ فازداد لها بغضاً، والأشُرُ‏:‏ تحزيز الأسنان، وهو تحديد أطرافها، والباء في بأشُرٍ وبدردر بمعنى مع، أي أعييتِنِي حين كنت مع أشر فكيف أرجو فلاحَكِ مع دردر‏؟‏

قال أبو زيد‏:‏ معنى المثل أنك لم تَقْبَلِي الأدبَ وأنت شابة ذات أشُر في أسنانك، فكيف الآن وقد أسننت ‏؟‏ومثله‏:‏

2396- أعْيَيْتِنِي من شُبُّ إلى دُبَّ، ومنْ شُبَ إلى دُبٍّ

فمن نَوَّن جعله بمنزله الاسم بإدخال من عليه، ومن لم ينون جعله كقولهم نهى رسول الله عن قِيلَ وقَالَ على وجه الحكاية للفعل‏.‏ والمثلان يضربان لمن يكون في أمر عظيم غير مرضى فيمتد فيه، أو يأتي بما هو أعظم منه ويقال في قولهم من شب أي من لدن كنت شاباً إلى أن دَبَبت على العصا، لأي أنك معهودٌ منك الشرُّ منذ قديم فلا يرجى منك أن تقصر عنه، يقال‏:‏ شَبَّ الغلامُ يَشبُّ شَبَاباً وشَبيبة، إذا ترعرع‏.‏ قلت‏:‏ الكلام شَبَّ بالفتح والمثلُ شُبَّ بالضم، ولا وجه له يحمل عليه، إلا أن يقال‏:‏ شعرها يَشُبُّ لونَهَا أي يظهره، وكذلك شَبَّ النار إذا أوقدها وأظهرها، كأنهم أرادوا أعييتني من لدن قيل أظهر، أي ولد وظهر للرائين، إلى أن شابَ ودَبَّ على العصا، ثم نزل الفعل منزلة الاسم وأدخل عليه من ونُوِّنّ، وإذا لم ينون حكى على لفظ الفعل، ورفعوا دُبَّ في الوجهين على سبيل الإتباع والمزاوجه؛ لأن دَبَّ ليتعدى البتة ويروى من لدن شَبَّ إلى دَبَّ ‏[‏ص 8‏]‏

2397- عَلَيْهِ مِنَ اللّهِ لِسَانٌ صَالِحَةٌ

يعني الثناء يضرب لمن يُثْنَى عليه بالخير

2398- عَضَّ عَلَى شِبْدِعِهِ

الشِّبْدِعُ‏:‏ العقرب يضرب لمن يحفظ اللسان عما لا يَعْنِيه

2399- عَلَى يَدَيَّ دّارَ الحَدِيثُ يضرب به منْ كان عالماً بالأمر ويروى هذا المثل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه تكلم به في المُتْعَة

2400- عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ قال ابن السِّكِّيت‏:‏ هو العَدْلُ بن جزء بن سعد العشيرة، وكان على شرط تُبَّع، وكان تبع إذا أراد قتل رجل دفعه إليه، فجرى به المثل في ذلك الوقت؛ فصار الناس يقولون لكل شئ قد يُئِس منه‏:‏ هو على يَدَيْ عدل

2401- أعْطَى عَنْ ظهْرِ يَدٍ

أي ابتداء، لاعن بيع ولا مكافأة، قَال الأَصمَعي‏:‏ أعطيته مالاً عن ظهر يدٍ، يعني تفضُّلاً ليس من بيع ولا من قرْض ولا مكافأة قلت‏:‏ الفائدة في ذكر الظهر هي أن الشَيء إذا كان في بطن اليد كان صاحبُهُ أملَكَ لحفظه، وإذا كان على ظهرها عَجَزَ صاحبها عن ضبطه؛ فكان مبذولا لمن يريد تناوله‏.‏ يضرب لمن يُنَالُ خيره بسهولة من غير تعب

2402- عَيٌّ أَبْأَسُ مِنْ شَلَلٍ

أصل هذا المثل أن رجلين خَطَبا امرَأة وكان أحدهما عَيَّ اللسان كثير المال، والآخَر أشَلَّ، لا مال له، فاختارت الأشل، وقَالت‏:‏ عَيٌّ أبأس من شلل، أي شر وأَشَدُّ احتمال

2403- عَرَكْتُ ذَلِكَ بِجَنْبِي

أي احتملته وسَتَرتُ عليه

2404- عَرَفَ بَطْنِي بَطْنَ تُرْبَةَ

هذا رجل كان غاب عن بلاده، ثم قدم فألصق بطنه بالأرض، فَقَال هذا القول، وتربة‏:‏ أرضٌ معروفة من بلاد قيس

يضرب لمن وصل إليه بعد الحنين له

2405- عَيَّرَ بُجَيْرٌ بُجَرَةَ

البُجَر‏:‏ جمع بُجْرَة، وهي نُتُوء السرة يعبر بها عن العيوب، وبجرة في المثل‏:‏ اسم رجل، وكذلك بجير، ويروى بَجرة بفتح الباء يُقَال‏:‏ عير‏:‏ بجير بُجَرَة، نسى بجير خبره، والتعيير‏:‏ التنفير، من قولك ‏"‏عَارَ ‏[‏ص 9‏]‏ الفَرَسُ يَعيِرُ‏"‏ إذا نفر، وعَيَّر نَفَّر، كأنه نفَّر الناس عنه بما ذكر من عيوبه، وحذف المفعول الثاني للعلم به

2406- عَلَى أُخْتِكِ تُطْرَدِينَ

وذلك أن فرساً عارت فركب طالبها أختَها فطلبها عليها‏.‏

يضرب للرجل إذا لقى مثله في العلم والدهاء، أو في الجهل والسفه

2407- عَرَفَتْنِي نَسَأَها الله

النَّسىء‏:‏ التأخير، يُقَال‏:‏ نَسَأَه في أجله وأنسأه أجله، عن الأَصمَعي، والنَّسِىء والنَّساء‏:‏ اسم منه، ومنه قولهم ‏"‏ من سرَّه النَّساء ولا نساء فليخفف الرداء، وليباكر الغَدَاء، وليُقِلَّ غِشْيَان النِّساء‏"‏ ومعنى المثل أخَّرَ الله أجلها، وأصله أن رجلا كانت له فرس فأخذت منه ثم رأها بعد ذلك في أيدي قوم، فعرفته فجَمَحَتْ حين سمعت كلامه، فَقَال الرجل‏:‏ عرفَتْني نَسَأها الله، فذهبت مَثَلاً، هذا قول الأَصمَعي

وأما غيره فَقَال‏:‏ المثل لِبيهَسٍ الملقب بنعامة، وإنما لُقب بها لِطوُل ساقيه، وقَال حمزة‏:‏ لقب به لشدة صَمَمِهِ، فطرق امرأته ذات ليلة فجأة في الظلماء، فَقَالت امرأته‏:‏ نَعَامَةُ والله، فَقَال بيهس‏:‏ عرفتني نَسَأها الله وقيل‏:‏ خرج قوم مُغِيرون على آخرين فلما طلع الصبح قَالت امرَأة لبعض المُغِيرين‏:‏ خالاتك يا عماه، فَقَال‏:‏ عرفَتْنِي نسَأها الله، أي أخَّرَ الله مدتها‏.‏

2408- أعْجَبَ حَيَّاً نَعَمُهُ

حي‏:‏ اسم رجل أتاه رجل يسأله فلم يُعْطِهِ شيئاً، فشكاه فقيل‏:‏ أعجب حياً نعمه، أي راقُه وأعجبه فبخِلَ به عليك‏.‏

2409- الْعَاشِيَةُ تُهَيِّجُ الآبِيَّةَ

يُقَال‏:‏ عَشَوْتُ في معنى تَعَشَّيْتُ، وغَدَوْتُ في معنى تَغَدَّيْتُ، ورجل عَشْيَان أي مُتَعشٍّ، وقَال ابن السكيت‏:‏ عَشِي َالرجلُ وعَشيتِ الإبل تَعْشَى عَشَىً إذا تَعَشّتْ، قَال أبو النجم‏:‏

تَعْشَي إذا أظلم عن عشَائِه*

يقول‏:‏ يتعشّى وقت الظلمة‏.‏ قَال المفضل‏:‏ خرج السُلَيْكُ بن السَلَكَةِ واسمه الحارث بن عمرو بن زيد مُناة بن تميم، وكان أنكر العرب وأشعرهم، وكانت أمه أمةً سوداء، وكان يدعى ‏"‏سُلَيْكَ المَقَانِب‏"‏ وكان أدلَّ الناس بالأرض وأعداهم على ِرْجِله لا تعلق به الخيل، وكان يقول‏:‏ اللهم إنك تهيئ ما شِئت لما شِئت إذا شِئت، إني لو كنت ‏ ضعيفاً لكنت عبداً، ولو كنت امرَأة لكنت أمة، اللهم إني أعوذ بك من الخَيْبَة فأما الهيبة فلا هيبة، أي لا أهاب أحداً‏.‏ زعموا أنه خرج يريد أن يُغير في ناسٍ من أصحابه، فمر على بني شيبان في ربيع والناسُ مُخْصِبُون في عشية فيها ضباب ومطر فإذا هو ببيت قد انفرد من البيوت عظيم، وقد أمسى، فَقَال لأصحابه‏:‏ كونوا بمكان كذا وكذا حتى آتي هذا البيت فلعلي أصيب خيراً و آتيكم بطعام، فَقَالوا له‏:‏ افعل، فانطلقَ إليه، وَجَنَّ عليه الليل، فإذا البيت بيت يزيد بن رُوَيْمٍ الشيباني، وإذا الشيخُ وامرأته بفناء البيت، فاحتال سليك حتى دخل البيت من مؤخَّره، فلم يلبث أن أراح ابن الشيخ بإبله في الليل، فلما رآه الشيخ غضِبَ وقَال‏:‏ هلا كنت عشَّيْتَهَا ساعةً من الليل، فَقَال ابنه‏:‏ إنها‏:‏ أبَتِ العشاء، فَقَال يزيد‏:‏ إن العاشية تهيج الآبية، فأرسلها مَثَلاً، ثم نفض الشيخ ثوبه في وَجْهها، فرجعت إلى مَرَاتعِها وتبعها الشيخ حتى مالت لأدنى روضة فرتعت فيها، وقَعد الشيخ عندها يتعشَّى وقد خنس وجهه في ثوبه من البرد، وتبعه السُليك حين رآه انطلق، فلما رآه مغتراً ضربه من ورائه بالسيف فأطار رأسه وأطرد إبله، وقد بقى أصحاب السليك وقد ساء ظنهم وخافوا عليه، فإذا به يطرد الإبل، فأطردوها معه، فَقَال سُلَيك‏:‏ في ذلك

وعَاشية رُجٍّ بِطَانٍ ذَعَرْتُهَا * بصَوْتِ قَتِيْلٍ وسْطَهَا يُتَسَيَّفُ

أي يضرب بالسيف

كأن عليه لَوْنَ بُرْدٍ مُحَبَّرٍ * إذا ماَ أتَاهُ صَارِخٌ مُتَلَهِّفُ

يريد بقوله ‏"‏لون برد محبر‏"‏ طرائق الدم على القتيل، وبالصارخ الباكي المتحزن له

فَبَاتَ لهَا أهْلٌ خَلاَء فِنَاؤُهُمْ * ومَرَّتْ بِهمْ طَيْرٌ فَلم يَتَعَيَّفُوا

أي لم يزجروا الطير فيعلموا من جملتها أيقتل هذا أو يسلم‏.‏

وَبَاتُوا يَظُنُّونَ الظُّنُونَ وَصُحْبَتَي * إذا مَا عَلَوْا نَشْزَاً أهَلُّوا وَ أَوْجَفُوا

أي حملُوها على الوَجيف، وهو ضرب من السير‏.‏

وَمَا نِلْتُهَا حَتَّى تَصَعْلَكْتُ حِقْبَةً * وَكِدْتُ لأسبابِ المَنِيَّةِ أعرِفُ

أي أصبر‏.‏

وَحَتَّى رأيتُ الجُوْعَ بالْصَّيْفِ ضَرَّني * إذا قُمْتُ يَغْشَانِي ظِلال فأسدِف

خص الصيف دون الشتاء لأن بالصيف لا يكاد يجوع أحد لكثرة اللبن، فإذا جاع ‏[‏ص 11‏]‏ هو دلَّ على أنه كان لا يملك شيئاً، وقوله ‏"‏أسدف‏"‏ يريد أدور فأدخل في السُّدْفَةَ وهي الظلمة، يعني يظلم بصرى من شدة الجوع‏.‏

يُقَال‏:‏ إنه كان افتقر حتى لم يبق عنده شَيء، فخرج على رجليه رجاء أن يصيب غِرَّةً من بعض مَنْ يمرُّوا عليه فيذهب بإبله، حتى إذا أمسى في ليلة من ليالي الشتاء باردة مقمرة اُشتمل الصَّمَّاء وهو أن يَرُدَّ فَضْلَ ثوبِه عَلى عضُدِهِ اليمنى ثم ينام عليها فبينما هو نائم إذ جثم عليه رجل فَقَال له‏:‏ اسْتَأْسِرْ فرفع سليك رأسه وقَال‏:‏ الليلُ طويل وأنت مقمر، فذهب قوله مَثَلاً، ثم جَعَل الرجل يلهزه ويقول‏:‏ يا خبيث استأسر، فلما آذاه أخرج سليك يده فضمَّ الرَجلَ ضَمَةً ضرِطَ منها، فَقَال‏:‏ أضَرِطاً وأنت الأعلى‏؟‏ فذهبت مَثَلاً، وقد ذكرته في باب الضاد، ثم قَال له سليك‏:‏ مَنْ أنت‏؟‏ فَقَال‏:‏ أنا رجل افتقرت فقلت لأخْرُجَنَّ فلا أرجع حتى أستغني، قَال فانطلق معي، فانطلقا حتى وجدا رجلاً قصتُه مثل قصتُهما، فاصطحبوا جميعا، حتى أتوا الجوف جوف مراد الذي باليمن إذا نَعَمٌ قد ملاء كل شَيء من كثرته، فهابوا أن يغيروا فيطردوا بعضها فيلحقهم الحي، فَقَال لهما سليك‏:‏ كُنا قريبا حتى آتي الرِّعاء فأعلم لكما علم الحي، أقريب هم أم بعيد، فإن كانوا قريباً رجعتُ إليكما، وإن كانوا بعيدا قلت لكما قولاً ألحَنُ به لكما فأغِيرَا، فانطلق حتى أتى الرِّعاء فلم يزل يتسقَّطهم حتى أخبره بمكان الحي، فإذا هم بعيد إن طلبوا لم يدكوا، فَقَال السليك‏:‏ ألا أغنيكم‏؟‏ قَالوا‏:‏ بلى، فتغنى بأعلى صوته‏:‏

يا صَاحِبَيَّ ألا لاحَيَّ بالوادي * إلا عَبِيدٌ وَآمٍ بَيْنَ أذْوَادَ

أَتنظران قليلاً رَيثَ غَفْلَتِهمْ * أمْ تَغْدُوَانِ فَإنَّ الرِّبحَ لِلْغَادي

فلما سمعا ذلك أتَيَاه فأطردوا الإبل، فذهبوا بها، ولم يبلغ الصريخُ الحيَّ حتى مَضَوا بما معهم‏.‏

2410 عَوْدٌ يُقَلَّحُ

العَوْد‏:‏ البعير المُسِنُّ، يُقَال‏:‏ عَوَّد تعويداً إذا صار عَوْداً، وهو السِّنُّ بعد البُزُول بأربع سنين، ويقَال ‏"‏سُودَدٌ عَوْد‏"‏ أي قديم، وينشد‏:‏

هَلِ المجدُ إلاَّ السُّودَدُ العَوْدُ وَالنَّدَى * وَرَأبُ الثَّأى وَالصَّبْرُ عِنْدَ المَوَاطِنِ

والتلقيح‏:‏ إزالة القَلَح وهو خُضْرة أسنانها وصفرة أسنان الإنسان‏.‏

يضرب للمُسِنِّ يُؤَدَّبُ ويُرَاض ‏[‏ص 12‏]‏

2411- عَوْدٌ يُعَلَّمُ العَنْجَ

العَنْج بتسكين النون ضرب من رياضة البعير، وهو أن يَجْذِب الراكب خِطامه فيرده على رجليه، يُقَال عَنَجَه يَعْنِجُه، والعَنَج‏:‏ الاسم، ومعنى المثل كالأول في أنه جَلَّ عن الرياضة كما جل ذلك عن التلقيح، وذلك أن العَنْج إنما يكون للبَكَارة، فأما العِوَدَةُ فلا تحتاج إليه

2412- عَرَضَ عَلىَّ الأمْرَ سَوْمَ عَالَّةٍ‏.‏

قَال الأَصمَعي‏:‏ أصلُه في الإبل التي قد نَهِلَت في الشرب ثم علَّت الثانية، فهي عالَّة؛ فتلك لا يعرض عليها الماء عرضاً يبالغ فيه، ويُقَال‏:‏ سَامَهُ سَوْمَ عالَّة، إذا عرض عليه عرضاً ضعيفاً غير مبـالَغ فيه، والتقدير‏:‏ عرض علىَّ الأمر عَرْضَ عالَّة، ولكن لما تضمن العَرضُ معنى التكليف جعل السوم له مصدراً، فكأنه قَال‏:‏ عرض على الأمر فسَامني ما يُسَام الإبل التي عَـلَّت بعد النَّهَلِ ومن روى ‏"‏سامني الأمر سَوْمَ عالةٍ‏"‏، كان على اللقم الواضح‏.‏

2413- أَعْطَانِي اللَّفَاءَ غَيْرَ الوَفَاءِ

اللَّفاء‏:‏ الخسيس، والوَفاء‏:‏ التام‏.‏ يضرب لمن يَبْخَسُك حَقَّكَ ويظلمك فيه‏.‏

2414- عَرَفَ حُمْيق جَمَلَهُ

أي عرف هذا القدر وإن كان أحمق، ويروى ‏"‏عرف حميقاً جملُه‏"‏ أي أن جمله عرفه فاجترأ عليه‏.‏

يضرب في الإفراط في مؤانسة الناس ويقَال‏:‏ مَعنَاهُ عَرَفَ قَدْرهُ، ويُقَال

يضرب لمن يستضعف أنساناً ويُولَعُ به فلا يزال يؤذيه ويظلمه‏.‏

2415- عَجَبَاً تُحَدِثُ أَيُّها العَوْدُ

يضرب لمن يكذب وقَدّ أسَنَّ أي لا يَجْمُلُ الكذبُ بالشيخ، ونصب عجباً على المصدر أي تحدث حديثاً عجباً

2416- أَعْدَيْتِنِي فَمَنْ أَعْدَاكِ

أصل هذا أن لصاً تَبِعَ رجلاً معه مال وهو على ناقة له، فتثاءب اللص فتثاءبت الناقة، فتثاءب راكبها، ثم قَال للناقة‏:‏ أعْدَيتِنِي فمن أعداك‏؟‏ وأحسَّ باللص فحذره ورَكضَ ناقته‏.‏

يضرب في عدوى الشر‏.‏

والعرب تقول أعدى من الثَّؤَباء من العدوى‏.‏

2417- العُنوقَ بَعْدَ النُّوقِ

العَنَاق‏:‏ الأنثى من أولاد المعز، وجمعه عنوق، وهو جمع نادر، والنوق‏:‏ جمع ناقة‏.‏ ‏[‏ص 13‏]‏

يضرب لمن كانت له حال حسنة ثم ساءت‏.‏ أي كنت صاحب نُوقَ فصِرْتَ صاحبّ عُنوُق‏.‏

2418- العَيْرُ أَوْقَى لِدَمِهِ

يضرب للموصوف بالحذر‏.‏ وذلك أنهُ ليس شَيء من الصيد يحْذَر حَذَرَ العير إذا طلب‏.‏

ويقَال‏:‏ هذا المثل لزرقاء اليمامة لما نظرت إلى الجيش، وكان كل فارس منهم قد تناول غُصْنَاً من شجرة يستتر به، فلما نظرت إليه قَالت‏:‏ لَقَد مَشَى الشَجَرُ، ولقد جائتكم حمير، فكذبوها، ونظرت إلى عَيْرٍ قد نَفَر من الجيش، فَقَالت‏:‏ العير أوقى لدمه، من راعٍ في غَنَمِه، فذهبت مَثَلاً‏.‏

2419- عَيْرٌ بِعَيْرٍ وَزِيادَةُ عَشَرَةٍ

قَال أبو عبيدة‏:‏ هذا مثل لأَهل الشام ليس يتكلم به غيرهم، وأصلُ هذا أن خلفاءهم كلما مات منهم واحد وقَام آخر زادهم عشرة في أعطياتهم؛ فكانوا يقولون عند ذلك هذا، والمراد بالعَيْر ههنا السيد‏.‏

2420- عَيْرٌ عَارَهُ وَتِدُهُ

عَارَهُ‏:‏ أي أهلكه، ومنه قولهم‏:‏ ما أدرِي أي الجراد عَارهُ، أي أيُّ الناس ذهب به، يُقَال‏:‏ عَارَهُ يعورَهُ و يَعِيره، أي ذهب به وأهلكه، وأصل المثل أن رجلاً أشفقَ على حماره فربَطَه إلى وَتِد، فهجمَ عليه السبع فلم يمكنه الفرار فأهلكه ما احترس له به‏.‏

2421- عَيْرٌ رَكَضَتْهُ أُمُهُ

ويروى رَكَلَته أمه يضرب لمن يظلمه ناصرُهُ‏.‏

2422- عُيَيْرُ وَحْدِهِ

يضرب لمن لا يخالط الناس‏.‏ وقَال بعضهم‏:‏ أي يُعَاير الناس والأمورَ ويَقيسها بنفسه من غير أن يشاور، وكذلك جُحَيْشُ وَحْدِهِ ويقَال جُحَيْشُ نفسه والكلام في‏"‏ وَحْدَه‏"‏ يجيء مستقصيً عند قولهم ‏"‏هو نسيجُ وَحْدِهِ‏"‏ إن شاء الله تعالى‏.‏

2423- عِنْدَ النِّطَاحِ يُغْلَبُ الكَبْشُ الأجَمُّ

ويقَال أيضاً ‏"‏التَّيسُ الأجَمُّ‏"‏ وهو الذي لا قَرْنَ له‏.‏

يضرب لمن غَلَبه صاحبه بما أعدَّ له‏.‏

2424- عَنْزٌ بِهَا كلُ داءٍ

يضرب للكثير العُيُوبِ من الناس والدوابِّ‏.‏ ‏[‏ص 14‏]‏

قَال الفَزَاري‏:‏ للمِعْزَى تسعة وتسعون داء، وراعي السوء يوفيها مائة‏.‏

2425- عِيثِي جَعَارٍ

قَال أبو عمرو‏:‏ يقَال للضبع إذا وقعت في الغنم أفْرَعْتِ في قَرَاري، كأنما ضِراري، ‏"‏أردتِ يا جَعَار القرار‏:‏ الغنم، وأفرعَ‏:‏ أراق الدم، من الفرَع، وهو أول ولد تنتجه الناقة، كانوا يذبحونه لآلهتهم، يُقَال‏:‏ أفرَعَ القوم إذا ذبحوه، وقَال الخليل‏:‏ لكثرة جعرها سُمِّيت جَعَار، يعني الضبعَ، قَال الشاعر‏:‏

فَقُلْتُ لَها عِيثِي جَعَارِ، وأبشِري * بلَحْمِ امرئٍ لم يَشْهَدِ اليوم نَاصِرُه

قَال المبرد‏:‏ لما أتى عبد الله بن الزبير قتلُ أخيه مُصْعب قَال‏:‏ أشَهِدَه المهلَّبُ بن أبي صُفْرة‏؟‏ قَالوا لا، قَال‏:‏ أفشهده عباد بن الحصين الحبطي‏؟‏ قَالوا‏:‏ لا، قَالَ‏:‏ أفشهده عبد الله بن حازم السلمى‏؟‏ قَالوا‏:‏ لا، فتمثل بهذا البيت‏:‏

فقلتُ لها عِيثِي جَعَارِ وأبشري*

2426- عَرَضَ عَلَيه خَصْلَتَي الضُّبُعِ

إذا خَيَّره بين خصلتين ليس في واحدة منهما خيار، وهما شَيء واحد، تقول العرب في أحاديثها‏:‏ إن الضبع صادت ثعلباً، فَقَال، لها الثعلب‏:‏ مُنِّى علىَّ أم عامر، فَقَالت‏:‏ أخيرك بين خصلتين فاختر أيهما شَئت، فَقَال‏:‏ وما هما ‏؟‏ فَقَالت‏:‏ إما أن آكلك، وإما أن أمزقك، فَقَال لها الثعلب‏:‏ أما تذكرين يوم نكحتك‏؟‏ قَالت‏:‏ متى‏؟‏ وفتحت فاها فأفْلَتَ الثعلب‏.‏

2427- عَلَى أََهْلِهاَ تَجْنىِ بَرَاقشُ

كانت بَرَاقشُ كلبةً لقومٍ من العرب، فأغير عليهم، فهَرَبُوا ومعهم بَرَاقش، فاتبع القومُ آثارَهُم بنُبَاح بَرَاقش، فهجموا عليهم فاصطلموهم، قَال حمزة بن بيض‏:‏

لم تكن عن جناية لَحِقَتْنِي * لا يَساري ولا يَمينِي رَمَتْنِي

بل جَنَاها أخٌ عليَّ كريمٌ * وعلى أهلها بَرَاقِشُ تَجْنِي

وروى يونس بن حبيب عن أبي عمرو بن العلاء قَال‏:‏ إن براقش امرَأة كانت لبعض الملوك، فسافر الملك واستخلفها، وكان لهم موضع إذا فَزِعوا دخَّنُوا فيه، فإذا أبصره الجند اجتمعوا، وإن جواريها عبثن ليلة فَدخَّنَّ فجاء الجند، فلما اجتمعوا قَال لها نصحاؤها‏:‏ إنك إن رَدّدْتهم ولم تستعمليهم في شَيء ودخّنتهم مرة أخرى لم يأتِكِ منهم أحد، فأمرتهم فبنوا بناء دون دارها، فلما جاء الملك، سَألَ عنْ البِناءَ فأخبروه بالقصة، ‏[‏ص 15‏]‏ فَقَال‏:‏ على أهْهِا ‏[‏‏؟‏‏؟‏‏]‏ تَجنىِ بَرَاقش، فصارت مَثَلاً وقَال الشرقي بن القطَامى‏:‏ براقش امرَأة لقمان بن عاد، وكان لقمان من بني ضد، وكانوا لا يأكلون لحوم الإبل، فأصاب من براقش غلاما، فنزل مع لقمان في بني أبيها، فأولموا ونَحَرُوا الجزر، فراح بن براقش إلى أبيه بعرقَ من جزور، فأكله لقمان، فَقَال‏:‏ يا بني ما هذا‏؟‏ فما تَعَرَّقْتُ قط طيباً مثله، فَقَال‏:‏ جذور نَحَرَها أخوالي فَقَال‏:‏ وإن لحوم الإبل في الطيب كما أرى‏؟‏ فَقَالت براقش‏:‏ جَمِّلْنَا واجْتْمِلْ، فأرسلتها مَثَلاً، و الجميل الشحْمُ المُذَاب، ومعنى جَمِّلْنا أي أطْعِمْنَا الجميل، واجْتَملْ‏:‏ أي أُطْعم أنت نفُسك منه، وكانت براقش أكثر قومها إبلا فأقبل لقمان على إبلها فأسرع فيها وفي إبل قومها، وفَعَلَ ذلك بنو أبيه لما أكلوا لحوم الجزور، فقيل‏:‏ على أهلها تجنى براقش يضرب لمن يعمل عملا يرجع ضرره إليه

2428- عَجِلَتْ الكَلْبَةُ أنْ تَلِدَ ذَا عَيْنَينَ

وذلك أن الكبةُ تُسرع الولادة حتى تأتي بولد لا يبصر، ولو تأخر ولادها لخرج الولد وقد فتح يضرب للمستَعْجِل عن أن يستتَّم حاجته

2429- عَلِقَتْ مَعَالِقِهَا وَصَرَّ الجُنْدَبُ

أي قد وجب الأمر ونَشِبَ، فجزع الضعيف من القوم‏.‏ وأصله أن رجلاً انتهى إلى بئر وعلَّقَ رِشاءه برشائها، ثم صار إلى صاحب البئر فادعى جواره، فَقَال له‏:‏ وما سبب ذلك‏؟‏ قَال‏:‏ علقتُ رِشائي برشائك، فأبى صاحب البئر وأمره بالرحيل، فَقَال‏:‏ عَلِقَتْ معالقَهَا وصر الجندب، أي جاء الحر، ولا يمكنني الرحيلَّ قَالَ ابن الأَعرابي‏:‏ رأى رجل امرَأة سَبْطَة تامةً فخطبها فأنْكِحَ، ثم هديت إليه امرَأة قَمِيئة، فَقَال‏:‏ ليست هذه التي تزوجتها، فَقَالت المزفوفة‏:‏ عَلِقَتْ معَالِقَها وصر الجندبُ، يعني وقع الأمر‏.‏

وعَلِقَ‏:‏ بمعنى تعلَّقَ، والمعالق‏:‏ يجوز أن يكون جمع معلق، وهو موضع العلوق، ويجوز أن يكون جميع متعلقَ بمعنى موضع التعلق، والتاء في علقت يجوز أن تكون كناية عن الدلو، ويجوز أن تكون كناية عن الأرْشِيَةِ‏:‏ أي تعلَّقَتِ الأرْشِيَةُ بمواضع تعلقها‏.‏

2430- عَنْدَ الله لَحْمُ حُبَارَياتٍ

و‏"‏عند الله لحمُ قَطاً سمان‏"‏ يتمثل به في الشَيء يُتَمَنَّى ولا يوصل إليه‏.‏ ‏[‏ص 16‏]‏

2431- العُقُوقَ ثُكْلُ مَنْ لَمْ يَثْكَلْ

أي‏:‏ إذا عَقَّه ولدُه فقد ثَكِلهم وإن كانوا أحياء، قَالَ أبو عبيد‏:‏ هذا في عُقُوقَ الولد للوالد، وأما قطيعة الرحم من الوالد للولد فقولهم المُلْكُ عَقِيم يريدون أن المَلِكَ لو نازعه ولدُه المُلْكَ لقطع رحمه وأهلكه، حتى كأنه عَقيم لم يولد له‏.‏

2432- عَشِّ وَلا تَغْتَرَّ

أصل المثل فيما يُقَال أن رجلا أراد أن يُفَوِّزَ بإبله ليلا، واتّكَل على عشب يجده هناك، فقيل له‏:‏ عّشِّ ولا تَغْتَر بما لست منه على يقين، ويروى أن رجلاً أتى ابن عمر وابن عباس وابن الزبير رحمهم الله تعالى، فَقَال‏:‏ كما لا ينفع مع الشرك عمل كذلك لا يضر مع الإيمان ذنب، فكلهم قَال‏:‏ عّشِّ ولا تّغْتَر، يقولون‏:‏ لا تُفَرِّطْ في أعمال الخير وخُذْ في ذلك بأوثقَ الأمور، فإن كان الشأن على ما ترجو من الرُّخصَة والسَّعة هناك كان ما كسبت زيادةً في الخير، وإن كان على ما تخاف كنت قد احْتَطْتَ لنفسك

2433- عِشْ رَجَباً تَرَ عَجَباً

قَالوا من حديثه‏:‏ إن الحارث بن عُبَاد بن قيس بن ثَعْلَبة طلَّق بَعض نسائه من بعد ما أسنَّ وخَرِف، فخَلَفَ عليها بعده رجل كانت تُظْهر له من الوَجْدِ به مالم تكن تظهر للحارث، فلقي زوجُها الحارثَ فأخبره بمنزلته منها، فَقَال الحارث‏:‏ عِشْ رَجَباً تَرَ عَجَباً، فأرسلها مَثَلاً‏.‏ قَال أبو الحسن الطوسي‏:‏ يريد عِشْ رَجَباً بعد رجب، فحذف، وقيل‏:‏ رجب كناية عن السَّنَة لأنه يحدث بحدوثها، ومن نَظَر في سنةٍ واحدة ورأى تغير فصولها قاس الدهر كله عليها، فكأنه قَال‏:‏ عِشْ دهراً تَرَ عجائب، وعيش الإنسان ليس إليه، فيصح له الأمر به، ولكنه محمول على معنى الشرط، أي‏:‏ إن تَعِشْ تَرَ، والأمر يتضمن هذا المعنى في قولك‏:‏ زُرْنِي أُكْرِمْكَ

2434- عَلَى مَا خَيَلَتْ وَعْثُ القَصِيْم

أي‏:‏ لأركبَنَّ الأمرَ على ما فيه من الهول‏.‏ والقصيم‏:‏ الرملُ، والوعث المكان السهل الكثير الرمل تَغِيبُ فيه الأقدام، ويشقَ المَشْيُ فيه، وقوله ‏"‏على ما خيلت‏"‏ أي على ما شَبَهَتْ، من قولهم‏:‏ فلان يمضي على المخَيَّلِ أي على ما خيلت أي على غَرَر من غير يقين والتاء في ‏"‏خيلت‏"‏ للوعث، وهو جمع وَعْثَة، ‏"‏وعلى‏"‏ من صِلَة فعل محذوف أي أمضي على ما خيلت‏.‏ ‏[‏ص 17‏]‏

2435- عَسَى الغُوَيْرُ أَبْؤساً

الغُوَيْر‏:‏ تصغير غَارٍ، والأبؤس‏:‏ جمع بُؤْس، وهو الشدة‏.‏ وأصل هذا المثل فيما يُقَال من قول الزبَّاء حين قَالت لقومها عند رجوع قَصير من العراقَ ومعه الرجال وبات بالغُوَير على طريقه ‏"‏عَسَى الغُويرُ أبؤسا‏"‏ أي لعل الشرَّ يأتيكم من قبل الغار‏.‏ وجاء رجل إلى عمر رضي الله عنه يحمل لَقِيطاً فَقَال عمر ‏"‏عسى الغوير أبؤسا‏"‏ قَال ابن الأعرابي‏:‏ إنما عَرَّض بالرجل، أي لعلك صاحب هذا اللقيط، قَال‏:‏ ونصب ‏"‏أبؤسا‏"‏ على معنى عسى الغوير يصير أبؤسا، ويجوز أن يقدَّر عسى الغوير أن يكون أبؤسا، وقَال أبو علي جعل عسى بمعنى كان، ونزلهُ منزلته‏.‏

يضرب للرجل يُقَال له‏:‏ لعلَّ الشرَّ جاء من قبلك‏.‏

2436- عِيصُكَ مِنْكَ وَإنْ كان أَشِبَا

العيصُ‏:‏ الجماعة من السِّدْر تجتمع في مكان واحد، والأشَبُ‏:‏ شدة التفاف الشجر حتى لا مَجَازَ فيه‏.‏ يُقَال‏:‏ غَيْضَة أشِبَة، وإنما صار الأشب عيبا لأنه يذهب بقوة الأَصول، وربما يوضع الأشب موضع المدح يراد به كثرة العَدد و وفور العُدَد كما قَال‏:‏

ولِعَبْدِ القَيس عيِصٌ أشِبُ*

ويجوز أن يريد به الذم، أي كثرةٌ لا غَنَاء عندها ولا نفع فيها، قَال أبو عبيد في معنى المثل‏:‏ أي منك أصْلُكَ وإن كان أقاربُكَ على خلاف ما تريد، فاصبر عليهم فإنه لا بدَّ منهم‏.‏

2437- عَصَبَهُ عَصْبَ السَّلَمَةِ

ويروى ‏"‏اعْصِبْهُ‏"‏ على وجه الأمر، وهي شجرة إذا أرادوا قَطْعها عَصَبُوا أغصانَها عَصْباً شديداً حتى يصلوا إليها وإلى أصلها فيقطعوه‏.‏ يضرب للبخيل يُسْتَخرَجُ منه الشيء على كرْهٍ، قَال الكميت‏:‏

ولا سَمُرَاتِي يَبْتَغِيهنَّ عاضِدٌ * ولاَ سَلَمَاتي في بَجِيلَةَ تُعْصَبُ

أرد أن بجيلة لا يقدر على قهرها وإذلالها وقَال الحجاج على مِنْبر الكوفة‏:‏ والله لأحزِمَنَّكم حَزَمَ السلمة، ويروى ‏"‏لأعْصِبنكم عَصْبَ السَّلمة، ولأضربنكم ضرب غرَائِبِ الإبل‏"‏‏.‏

2438- عَثَر بأشْرَسِ الدَّهْرَ

أي بداهية الدهر وشدته، يُقَال‏:‏ إن الشَّرس ما صغر من شجر الشوك، ومنه الشَّراسة في الخلق‏.‏ ‏[‏ص 18‏]‏

2439- عُشْبٌ وَلا بَعَيِرٌ

أي هذا عُشْبٌ وليس بعير يرعاه‏.‏

يضرب للرجل له مال كثير ولا ينفقه على نفسه ولا على غيره‏.‏

2440- عَادَ غَيْثٌ عَلَى مَا أَفْسَدَ

ويروى ‏"‏على ما خبل‏"‏ قيل‏:‏ إفساده إمساكه، وعَوْدُه إحياؤه، وإنما فسر على هذا الوجه لأن إفساده يصوبه ولا يصلحه عوده، وقد قيل غير هذا، وذلك أنهم قَالوا‏:‏ إن الغَيْثَ يحفر ويفسد الحياض، ثم يعفى على ذلك بما فيه من البَرَكة ‏.‏

يضرب للرجل فيهِ فساد ولكنَّ الصلاح فيه أكثر‏.‏

2441- أعْطَاهُ غَيْضاً من فَيْضٍ

أي قليلاً من كثير‏.‏

يضرب لمن يسمح بالقُلِّ من كُثْرِهِ

2442- عَنِيَّتُهُ تَشْفِي الجَرَبَ

العَنيَّة‏:‏ بولُ البعير يُعَقَدَّ في الشمس يُطْلى بها الأجرب‏.‏ قلت‏:‏ هي فَعِيلة من العنَاء أي يُعَنَّى من طُلىِ بها وتشتدَّ عليه، ويجوز تُعَنيِّهِ أي تزيل عناءه الذي يلقاه من الجرب؛ فيكون من باب ‏"‏قَرَّدَتُه‏"‏ أي أزلت قُرَاده‏.‏

يضرب للرجل الجيد الرأي يُستشفى برأيه فيما يَنُوبُ‏.‏

2443- عَيَّ بِالإِسْنَافِ

قَال الخليل‏:‏ السِّنافُ للبعير بمنزلة الَّلبَبِ للدابة، و‏"‏قد سَنَفْتُ البعير‏"‏ شددت عليه السِّناف، وقَالَ الأَصمَعي‏:‏ أسْنَفْتُ، ويقولون ‏"‏أسْنَفُوا أمرهم‏"‏ أي أحكموه، ثم يُقَال لِمَن تحير في أمره ‏"‏عَيَّ بالإسْنَافِ‏"‏ وأصلهُ أنَ رَجلاً دُهِشَ فَلم يدرِ كَيفَ يُشدُّ السِّاف مِن الخَوف، فَقَالوا‏:‏ عَيَّ بالإسناف، قَال الشاعر‏:‏

إذا مَا عَيَّ بِالإِسْنَافِ قَوْمٌ * مِنَ الأَمْرِ المُشَبَّهِ أن يَكُونا

قلت‏:‏ قَال الأزهري‏:‏ الإسناف التقدُّمُ وأنشد هذا البيت، ثم قَال‏:‏ أي عَيُّوا بالتقدم، وليس قول من قَال ‏"‏إن معنى قوله إذا ما عي بالإسناف‏:‏ أن يدهش فلا يدري أنى يشدُّ السِّناف‏"‏ بشَيء، إنما قَاله الليث‏.‏

2444- عَادَ السَّهْمُ إلي النَّزَعَةِ

أي رجع الحقُ إلى أهله، والنَّزَعَةُ‏:‏ الرُّماة، من ‏"‏نَزَع في قوسه‏"‏ أي رمى، فإذا قَالوا ‏"‏عاد الرمى على النَّزَعَة‏"‏ كان المعنى عاد عاقبة الظلم على الظالم، ويكنى بها عن الهزيمة تقع على القوم‏.‏‏[‏ص 19‏]‏

2445- أَعْطِ القَوْسَ بارِيَهَا

أي اسْتَعِنْ على عملك بأهل المعرفة والحِذقَ فيه، ينشد‏:‏

يَا بَارِيَ الْقَوْسِ بَرْياً لَسْتَ تُحْسِنُهَا * لاَ تُفْسِدَنْهَا وَأعْطِ القَوْسَ بَارِيها

2446- عَصَا الْجَبَانِ أَطْوَلُ

قَال أبو عبيد‏:‏ وأحسبه يفعل ذلك من فشله، يَرَى أن طولها أشَدُّ ترهيباً لعدوه من قصرها، قَال‏:‏ وقد عاب خالد بن الوليد من الإفراط في الاحتراس نحوَ هذا، وذلك يوم اليمامة، لما دنا منها خرج إليه أهلها من بني حنيفة فرآهم خالد قد جَرَّدوا السيوف قبل الدُّنوِّ، فَقَال لأصحابه، أبشروا فإن هذا فَشَل منهم، فسمعها مجَّاعة بن مرارة، الحنفي، وكان موثقاً في جيشه، فَقَال‏:‏ كلا أيها الأمير، ولكنها الهُنْدُوانية، وهذه غداة باردة، فخشوا تَحَطُّمها، فأبرزوها للشمس لتلين متونها، فلما تدانى القوم قَالوا له‏:‏ إنا نعتذر إليك يا خالد من تجريد سيوفنا، ثم ذكروا مثل كلام مجَّاعة

2447- العَبْدُ يُقْرعُ بالْعَصَا * والحُرُّ تَكْفيِهِ الإشَارَةْ

وقيل ‏"‏المَلاَمَهْ‏"‏

يضرب في خِسِّةِ العبيد، وقولهم‏:‏

2448- عَبِيدُ العَصا

قَال المفضل‏:‏ أول من قيل لهم ذلك بنو أسد، وكان سبب ذلك أن أبناً لمعاوية بن عمرو حَجَّ ففُقِد، فاتُّهم به رجل من بني أسد يُقَال له حبال بن نصر بن غاضرة، فأخبر بذلك الحارث، فأقبل حتى وردَ تِهامة أيام الحج وبنو أسد بها فطلبهم، فهربوا منه، فأمر منادياً ينادي‏:‏ مَنْ آوى أسديا فَدمُه جُبَار، فَقَالت بنو أسد‏:‏ إنما قتل صاحبهم حبال بن نصر وغاضرةُ منهم من السكون فانطِلقُوا بنا حتى نخبرهُ، فإن قتل الرجل فهو منهم، وإن عفا فهو أعلم، فخرجوا بحبال إليه، فَقَالوا‏:‏ قد أتيناك بطلَبِتك فأخبره حبال بمقَالتهم، فعفا عنه وأمر بقتلهم، فَقَالت له امرَأة من كِنْدَةَ من بني وهب بن الحارث يُقَال لها عُصَيَّة وأخوالها بنو أسد‏:‏ أَبَيْتَ اللَّعنَ هَبْهم لي فإنهم أخوالي قَال‏:‏ هم لكِ، فأعتِقيهم، فَقَالوا إنا لا نأمن إلا بأمان الملك فأعطى كلَّ واحد منهم عصاً، وبنو أسَد يومئذٍ قليل، فأقبلوا إلى تهامة ومع كل رجل منهم عصا، فلم يزالوا بتهامة حتى هلك الحارث، فأخرجتهم بنو كنانة من مكة، وسموا ‏"‏عَبِيدَ العصا‏"‏ بعُصَيَّةَ التي أعتقتهم وبالِعصِيِّ التي أخذوها، قَال ‏[‏ص 20‏]‏ الحارث بن ربيعة بن عامر يهجو رجلاً منهم‏:‏

اشْدُدْ يَدَيْكَ عَلَى العصا؛ إن العصا * جُعِلَتْ أمارَتَكُمْ بِكُل سَبِيلِ

إن العَصَا إنْ تُلْقِهَا يا ابْنَ اسْتِهَا * تُلْفَى كفَقْعٍ بالفَلاَة محيلِ

وقَال عتبة بن الوعل لأبي جهمة الأسدي‏:‏

أعَتِيقَ كِنْدَةَ كَيْفَ تَفْخَرُ سَادِراً * وَأَبُوكَ عَنْ مجد الكِرَامِ بِمَعْزِلِ

إن العصا، لادَرَّ دَرُّكَ، أحْرَزَتْ * أشْيَاخَ قَوْمِكَ في الزمان الأوَّلِ

فأشْكُرُ لِكِنْدَةَ مَا بَقِيتَ فَعَالَهُمْ * ولتكفرنَّ الله إن لـَمْ تَفْعَـلِ

وهذا المثل يضرب للذليل الذي نفعه في ضره وعزُّه في إهانته‏.‏

2449- أّعْرَضَ ثَوْبُ المِلْبَسِ

وذلك إذا عرضَتِ القَرْفَةُ ‏(‏القَرْفَةُ - بكسر القاف وسكون الراء - التهمة‏)‏

فلم يدر الرجل من يأخذ، ويروى ‏"‏عَرَضَ‏"‏ فمن روى ‏"‏أعرض‏"‏ كان معناه ظهر، كقول عمر‏:‏ وأعْرَضَتِ اليَمَامَةُ واشْمَخَرَّتْ*

ومن روى ‏"‏عَرَضَ‏"‏ كان معناه صار عريضاً، والَمِلْبَسُ‏:‏ المُغَطَّى، وهو المتهم، كأنه قَال‏:‏ ظهر ثوب المتهم، يعني ما هو فيه واشتمل عليه من التهمة، وهذا قريب مِن قولهم ‏"‏أعْرَضَتِ القرْفَةُ‏"‏ وذلك إذا قيل لك‏:‏ من تتهم‏؟‏ فتقول‏:‏ بني فلان، للقبيلة بأسرها، وهذا من قولهم ‏"‏أعرَضْتُ الشَيء‏"‏ جعلته عريضاً

قَال أبو عمرو‏:‏ كان أبو حاضر الأسدي أسيد بن عمرو بن تميم من أجمل الناس وأكملهم منظراً، فرآه عبد الله بن صَفْوَان بن أمية الجُمَحِيُّ يطوف بالبيت، فراعَهُ جماله، فَقَال الغلام له‏:‏ ويْحَكَ أدنِنِي من الرجل، فإني أخاله امرأ من قريش العراق، فأدناه منه، وكان عبد الله أعرج، فَقَال ممن الرجل‏؟‏ فَقَال أبو حاضر‏:‏ أنا امرؤ من نِزَار، فَقَال عبدُ الله ‏(‏‏(‏ أعرض ثَوْبُ الملبس، نزار كثير، أيهم أنت‏؟‏‏)‏‏)‏ قَال‏:‏ امرؤ من مضر، قَال‏:‏ مضر كثير، أيهم أنت‏؟‏ قَال أحد بني عمرو بني تميم ثم أحد بني أسيد بن عمرو، وأنا أبو حاضر، فَقَال ابن صَفْوان‏:‏ أفه لك عُهَيْرَةَ تَيَّاس، والعُهَيْرة‏:‏ تصغير العُهر وهو الزنا‏.‏ قلت‏:‏ لعله أدخل الهاء في عُهَيْرَة للمبالغة، أو إرادة القبيلة، ونصبه على الزم، أو أراد يا عهيرة تياس‏.‏

قَال أبو عمرو‏:‏ وتزعم العربُ أن بني أسد تيَّاسُو العرب، وقَال الفرذدقَ في ‏[‏ص 21‏]‏ أبي حاضر وبعضُهم يرويها لزياد الأعجم، وكان أبو حاضر أحد المشهورين بالزنا‏:‏

أبا حاضِرٍ مَابالُ بُرْدَيْكَ أصْبَحَا * على ابنة فَرُّوج ردّاءً ومَئْزَرَا

أبا حاضَرٍ من يَزْنِ يَظْهَرْ زِنَاؤُهُ * ومَنْ يَشْرَبْ الصَّهْبَاء يُصْبِحُ مُسْكِرَا

وبنت فروج اسمها حمامة، وكان أبو حاضر يُتَّهم بها‏.‏

2450- اعْلُلْ تَحْظُبْ

الحُظُوب‏:‏ السمن ‏(‏تقول‏:‏ حظب يحظب على مثال فرح وضرب ونصر إذا سمن وامتلأ‏)‏ والامتلاء، أي اشرب مرةً بعد مرة تسمن‏.‏ يضرب في التأني عند الدخول في الأمور رَجَاء حسن العاقبة‏.‏

2451- عَنْ صَبُوحٍ تُرَقِّقُ

الصَّبُوح‏:‏ ما يشرب صَبَاحاً، والغَبُوق‏:‏ ضده، وترقيقَ الكلام‏:‏ تزيينه وتحسينه، أي تُرَقِّقَ وتحسن كلامك كائناً عن صَبُوح وأصله أن رجلاً اسمه جابان نزل بقوم ليلاً، فأضافوه وغَبَقُوه، فلما فرغ قَال‏:‏ إذا صَبَحْتُموني كيف آخذ في طريقي وحاجتي‏؟‏ فقيل له‏:‏ عَنْ صَبُوح تُرَقَّقُ، وعن من صلة معي الترقيقَ، وهو الكناية لأن الترقيقَ تلطيف وتزيين، وإذا كنّيْتَ عن شَيء فهو ألطف من التصريح، فكأنه قيل‏:‏ عن صبوح تكنى‏.‏

يضرب لمن كَنَى عن شَيء وهو يريد غيره، كما أن الضيف أراد بهذه المقَالة أن يوجب الصبوح عليهم‏.‏ قَال أبو عبيد‏:‏ ويروى عن الشعبي أنه قَال لرجل سأله عمن قَبَّلَ أمَّ امرأته، فَقَال أعن صَبُوح تُرَقِّق‏؟‏ حَرُمَتْ عليه امرأتُهُ، قَال أبو عبيد‏:‏ ظن الشعبي فيما أحسب ما وراء ذلك‏.‏

2452- عَدَا القَارِصُ فَحَزَرَ

القارص‏:‏ اللبنُ يحذى اللسان، والحازِرُ‏:‏ الحامض جداً يضرب في الأمر يتفاقم، قَال العَجَّاج‏:‏

يا عمرُ و يا بن مَعْمَرٍ لا مُنْتَظَرْ * بعد الَّذِي عَدَا القَرُوصَ فَحَزَرْ

يَعْني الحَرُورِيَّ الذي مَرَقَ فجاوز قدره، ويروى المثل ‏"‏عدا القارص‏"‏ بالنصب، أي عدا اللبن القارص يعني حد القارص ومن رفع جعل المفعول محذوفاً، أي جاوز القارصُ حَدَّه فحزر‏.‏

2453- اسْتَعْجَلَتْ قَدِيرَها فَامْتَلَّتِ

يضرب يَعجَل فيصيب بعضَ مراد ويفوته بعضه، ‏[‏ص 22‏]‏ والقدير‏:‏ اللحم المطبوخ في القِدر، والامتِلاَلُ‏:‏ المَلُّ وهو جَعْل اللحم في الرماد الحار، وهو المَلَّة‏.‏

2454- عَرَفَ النَّخْلُ أَهْلَهُ

أصله أن عبد القيس وشَنَّ بن أفْصَى لما ساروا يطلبون المتَّسَع والريف وبعثوا بالرُّوَّاد والعيون، فبلغوا هَجَر وأرض البحرين، ومياها ظاهرة وقرى عامرة ونخلاً وريفاً وداراً أفضل وأريَفَ من البلاد التي هم بها؛ ساروا إلى البحرين وضاموا مَنْ بها من إياد ولأزد وشَدَّوا خيولهم بكرانيف النخل، فَقَالت إياد‏:‏ عَرَفَ النخلُ أهْلَه، فذهبت مثلاً‏.‏

يضرب عند وكول الأمر إلى أهله

2455- أَعْطِ أَخَالَ تَمْرَةً، فإنْ أبَى فَجَمْرَةً

يضرب للذي يختار الهوان على الكرامة

2456- عُرَّ فَقْرَهُ بِفِيهِ، لَعَلَهُ يُلْهِيهِ

يُقَال ذلك للفقير يُنفقَ عليه وهو يتمادى في الشر، أي خَلِّه وغيَّه

والعَرُّ‏:‏ اللطخ، أي الطَخْ فاه بفقره، لعله يشغله عن ركوب الشر، والمعنى كله إلى فقره ولا تنفق عليه يصلح، ويروى أغرُ بالغين المعجمة، وهو أصوب، يُقَال‏:‏ غَرَوتُ السهمَ، إذا ألزقت الريشَة عليه بالغراء، ومعناه‏:‏ الْزَقَ فقره بفيه، أي ألزمه إيَّاه ودَعْه فيه لعله يلهيه، قَال الأزهري‏:‏ يريد خَلِّه و غَيَّه إذا لم يُطِعْكَ في الإرشاد، فلعله يقع في هَلَكَة تلهيه عنك وتشغله

2457- عِنْدَ النَّوَى يَكْذِبُكَ الصَّادِقُ

قَال المفضل‏:‏ إن رجلا كان له عبد لم يكذب قَطُّ، فبايَعَهُ رجل ليكذبنه، أي يحملنه على الكذب، وجعلا الْخَطَر بينهما أهلهما وما لهما، فَقَال الرجل لسيد العبد‏:‏ دَعْه يَبِيت عندي الليلَةَ، ففعل، فأطعمه الرجلُ لحمَ حُوَار وسَقَاه لبناً حليباً، وكان في سقاء حازر، فلما أصبحوا تحمَّلُوا وقَال للعبد‏:‏ الحَق بأهلك، فلما تَوَارى عنهم نزلوا، فأتى العبدُ سيدَه، فسأله فَقَال‏:‏ أطعموني لحماً لاغَثَّا ولا سَمِيناً وسَقَوْني لبناً لا مَخْضَاً ولا حقيناً، وتركتهم قد ظعنوا فاستقلُّوا، ولا أعلم أساروا بعدُ أو حلُّوا، وفي النوى يكذبك الصادق، فأرسلها مَثَلاً، وأحرز مولاه مالَ الذي بايعه وأهله‏.‏

يضرب للصَّدُوقَ يحتاج إلى أن يكذب كذبة‏.‏ وقَال أبو سعيد‏:‏ يضرب للذي ينتهي إلى غاية ما يعلم، ويكف عما وراء ذلك، لا يزيد عليه شيئاً‏.‏ ‏[‏ص 23‏]‏

ويروى ‏"‏وفي النوى ما يكذبك‏"‏ ‏"‏وما ‏"‏ صلة، والتقدير وفي نَوَاهم يكذب الصادقَ إن أخبر أن آخر عهدي بهم كان هذا‏.‏

2458- عَدُوُّ الرَّجُل حُمْقُهُ، وَصَدِيقُهُ عَقْلُهُ

قَاله أكْثَمُ بن صَيفي

2459- عَلَى الشَّرَفِ الأََقْصَى فابْعَدْ

هذا دعاء على الإِنسَان، أي باعَدَه الله وأسحقه‏.‏ والشرف‏:‏ المكانة العالية، وابْعَدْ‏:‏ من بَعِدَ إذا هلك، كأنه قَال‏:‏ أهْلَكْ كائناً أو مُطِلاًّ على المكان المرتفع، يريد سقوطه منه‏.‏

2460- عِيلَ ما هُوَ عَائِلُهُ

أي غُلِبَ ما هو غالبه، من العَول وهو الغَلَبة و الثقل، يُقَال عَاَلني الشَيء أي غلبني وثقل علي، وهذا دعاء للإنسان يعجب من كلامه أو غير ذلك من أموره

2461- أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخَيْبَةِ، فأَمَّا الهَيْبَةُ فَلاَ هَيْبَةَ

قَالها سُليك بن سُلَكَة و المعنى أعوذ بك أن تخيبني، فأما الهيبة فلا هَيْبة، أي لست بِهيَوُبٍ

2462- عِلْمَان خَيْرٌ مِنْ عِلْمٍ

وأَصْلُه أن رجلا وابنه سلكا طريقاً، فَقَال الرجل‏:‏ يا بني استبحث لنا عن الطريق، فَقَال‏:‏ إني عالم، فَقَال‏:‏ يا بنيَّ عِلْمَانِ خَيْرٌ من علم‏.‏

يضرب في مَدْح المُشَاورة والبحث‏.‏

2463- عُضَلَةٌ مِنْ العُضَلَ

قَال أبو عبيد‏:‏ هو الذي يسميه الناس بَاقِعَةً من البَوَاقع، من قولهم‏"‏عَضَل به الفَضَاءُ‏"‏ أي ضاق، و‏"‏عَضَّلَةِ المرأة‏"‏ نشب فيها الولد، كأنه قيل له عُضَلَة لنُشُو به في الأمور أو لتضييقه الأمرَ على مَنْ يُعالجه، قَال أََوْس‏:‏

تَرَى الأرضََ منَّا بِالفَضَاءِ مَرِيضَةً * مُعَضِّلَةً مِنَّا بِجَيْشٍ عَرَمْرَمِ

2464- عَادَ الْحَيْسُ يُحَاسُ

يُقَال‏:‏ ‏"‏هذا الأمرُ حَيْس‏"‏ أي ليس بِمُحْكَم، وذلك أن الحَيْسَ تمر يخلط بسمن وَأَقِطٍ فلا يكون طعاماً فيه قوة، يُقَال‏:‏ حَاس يَحيسُ، إذا اتخذ حَيْساً؛ فصار الحيس اسماً للمخلوط، ومنه يُقَال للذي أحدقت به الإماء من طرفيه‏:‏ مَحْيُوس، والمعنى‏:‏ عاد الأمر المخلوطُ يُخلط، أي عاد الفسادُ يُفسد‏.‏ وأصله أن رجلً أُمِرَ بأمر فلم يحكمه، ‏[‏ص 24‏]‏ فذمَّه آمره فَقَام آخر ليحكمه ويجيء بخير منه، فَجاء بِشَرٍ مِنهُ فَقَال الآمر‏:‏ عاد الحيس يحاس، وقَال‏:‏

تَعِيِبِنَ أمراً ثمَّ تأتيِنَ مِثْلَهُ * لَقَدْ حَاسَ هذا الأََمْرَ عِنْدَكِ حَائِسُ

2465- اعتَبِرِ السَّفَرَ بأَوَّلِهِ

يعني أن كل شَيء يعتبر بأول ما يكون منه‏.‏

2466- عَلَى الخَبِيرِ سَقَطْتَ

الخبير‏:‏ العالم، والْخُبْرُ‏:‏ العلم، وسقطت‏:‏ أي عثرت، عَبَّر عن العثور بالسقوط؛ لأن عادة العاثر أن يسقط على ما يعثر عليه‏.‏

يُقَال‏:‏ إن المثل لمالك بن جُبَير العامري وكان من حكماء العرب، وتمثل به الفرزدقَ للحسين بن علي رضي الله عنهما حين أقبل يريد العراق، فلقيه وهو يريد الحجاز، فَقَال له الحسين رضي الله عنه‏:‏ ما وراءك‏؟‏ قَال‏:‏ على الخبير سَقَطْت، قلوب الناس معك، وسيوفُهم مع بني أمية، والأمر ينزل من السماء، فَقَال الحسين رضي الله عنه‏:‏ صَدَقْتَنٍي

2467- عَاطٍ بَغْيْرِ أَنْوَاطٍ

العَطْوُ‏:‏ التناول، والأنواط‏:‏ جمع نَوْط وهو كل شَيء معلق، يقول‏:‏ هو يتناول وليس هناك معاليق‏.‏ يضرب لمن يّدَّعِي ما ليس يملكه‏.‏

2468- عَادَةُ السُّوءِ شَرٌّ مِنْ الْمَغْرَم

قيل‏:‏ معناه مَنْ عَوَّدته شيئاً ثم منعته كان أشدَّ عليك من الغريم، وقيل‏:‏ معناه أن المَغْرم إذا أديْتَه فارقَكَ، وعادة السوء لا تفارقَ صاحبها، بل توجد فيه ضَرْبَةَ لازِبٍ‏.‏

2469- العَجَبُ كُلُّ العَجَبِ، بيْنَ جُمَادى وَرَجَبَ

أول من قَال ذلك عاصم بن المُقْشَعِرِّ الضبى وكان أخوه أبَيْدَةُ علِقَ امرَأة الخُنَيْفِسُ بن خَشرَم الشَيباني وكان الخنيفس أغْيَرَ أهل زمانه وأشجَعَهم، وكان أُبَيْدَةُ عزيزاً مَنِيعاً، فبلغ الخنيفس أن أُبَيْدَةَ مضى إلى امرأته، فركب الخنيفسُ فرسه وأخذ رمحه وانطلقَ يرصُدُ أُبيدة، وأقبل أبيدة وقد قضى حاجتَه راجعاً إلى قومه، وهو يقول‏:‏

ألا إنَّ الخُنَيْفسَ فَاعْلَمُوهُ * كما سمَّاهُ والدُهُ اللَّعينُ

بَهيمُ اللَّونِ مُحْتِقِرٌ ضَئِيلٌ * لئيماتٌٌ خلائقهُُ، ضَنِينُ

أيوعِدُنِي الخُنَيْفِسُ مِنْ بَعَيدٍ * ولمَّا يَنْقَطِعْ مِنْهُ الوَتِينُ ‏[‏ص 25‏]‏

لَهَوْتُ بِجَارَتَيهِ وَحَادَ عَنِّي * وَيَزْعُمُ أَنَّهُ أَنَّفٌ شَنُونُ

قَال‏:‏ فشدَّ عليه الخُنَيفسُ، فَقَال أبيدة‏:‏ أذكِّرُكَ حرمةَ خَشْرم، فَقَال وحُرْمةِ خَشْرَمٍ لأقتلنك، قَال‏:‏ فأمْهِلْني حتى أسـتلئم قَال‏:‏ أو يستلئم الحاسر‏؟‏ فقتله، وقَال‏:‏

أيا ابْنَ المُقْشَعِرِّ لَقِيْتَ لَيْثاً * له في جَوفِ أَيكَتِهِ عَرِينُ

تقولُ صَدَدْتُ عَنْكَ خَناً وجُبْناً * وإنَّكَ مَاجِدٌ بَطَلٌ مَتِينُ

وَإنَّكَ قَد لَهَوتَ بِجَارَتَينَا * فَهَاكَ أُبَيْدُ لاَ قَاكَ القَرِينُ

سَتَعْلمُ أَيُّنا أَحْمى ذِماراً * إذا قَصُرَتْ شِمَالُكَ واليَمَينُ

لَهَوْتَ بٍها فَقَدْ بُدِّلْتَ قَبْراً * وَنَائِحَةً عَلَيْكَ لَهَا رَنِينُ

قَال‏:‏ فلما بَلَغ نَعِيه أخاه عاصماً لبس أطمَاراً من الثياب، وركب فرسه، وتقلَّد سيفه، وذلك في آخر يوم من جُمادى الآخَرة وبادر قَتْلَه قبل دخول رجب ؛ لأنهم كانوا لا يقتلون في رجب أَحَداً، وانطلقَ حتى وقف بفناء خباء الخُنَيفس، فنادى‏:‏ يا ابن خَشْرَم، أَغِثِ المُرْهقَ فطالما أَغَثتَ، فَقَال‏:‏ ما ذاك‏؟‏ قَال‏:‏ رجل من بني ضبة، غصَبَ أخى امرأته فشدَّ عليه فقتله، وقد عجزت عنه فأخذ الخنيفسُ رمحه وخرج معه، فانطلقا فلما عَلمَ عَاصم أنهُ قَد بَعَدَ عَن قَومهِ داناه حتى قارنه ثم قَنَّعه بالسيف فأطار رأسه، وقَال‏:‏ العجَبُ كل العجب بين جمادى ورجب، فأرسلها مَثَلاً، ورجع إلى قومه

2470 عِيُّ الصَّمْتِ أََحْسنُ مِنْ عِيَُ الْمَنْطقِ

العَيُّ - بالكسر - المصدرُ، والعَيُّ - بالفتح - الفاعلُ، يعني عِيٌّ مَعَ صَمْت خير من عيٌّ مع نطق، وهذا كما يُقَال‏:‏ السكوتُ ستر ممدود على العي، وفِدَامٌ ‏(‏الفدام - بوزن سحاب أو كتاب - المصفاة تجعل على فم الإبريق ليصفى ما فيه‏)‏ على الفَدَامة، وينشد‏:‏

خَلِّ جَنْبَيْكَ لِرَامِ * وَامْضِ عَنْهُ بسَلاَمِ

مُتْ بدَاءِ الصَّمْتِ خَيْرٌ * لَكَ مِنْ دَاءِ الْكَلاَمِ

عِشْ مِنْ النَّاسَ إنِ اسْطَعـ * تَ سَلاَما بسَلاَمِ

قَال ابن عَوْن‏:‏ كنا جلوساً عند ربيعة بن أبي عبد الرحمن، قَال‏:‏ فجعل يتكلم وعنده رجل من أهل البادية، فَقَال له ربيعة‏:‏ ما تَعُدُّن البلاغَةَ فيكم‏؟‏ قَال‏:‏ الإيجاز في الصواب، قَال‏:‏ فما تَعُدُونَ العِيَّ فيكم‏؟‏ قَال‏:‏ ما كنت فيه منذ اليوم‏.‏‏[‏ص 26‏]‏

حدث المنذرى عن الأَصمَعي قَال‏:‏ حدثني شيخٌ من أهل العلم قَال‏:‏ شهدت

الجمعة بالضرية وأميرها رجل من الأعراب، فخرج وخطب ولفَّ على أسه وبيده قَوسٌ فَقَال‏:‏ الحمد للَّه رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين، أما بعد فإن الدنيا دار بلاء، والآخَرة دار قَرار، فخذوا من ممركم لمَقَرِّكم، ولا تَهْتِكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم، واخرُجُوا من الدنيا إلى ربكم قبل أن يخرج منها أبدانكم، ففيها جئتم، ولغيرها خلقتم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، والمدعو له الخليفة والأمير جعفر، قومُوا إلى صلاتكم‏.‏

قلت‏:‏ ومثل هذا في الوَجَازة والفصاحة كلام أبي جعفر المنصور حين خطب بعد إيقاعه بأبي مُسْلم فَقَال‏:‏ أيها الناس، لا تخْرُجُوا من أنس الطاعة إلى وَحْشَة المعصية، ولا تُسِرُّوا غشَّ الأئمة فإنه لا يُسِرُّه أحد إلا ظهر في فَلَتات لسانه وصَفَحات وجهه، إنه مَنْ نازعَنَا عُرْوَة هذا القَميص أو طأناه خَبْءَ ‏(‏الخبء - بالفتح - ما خبيء وغاب، وخبء الغمد‏:‏ هو السيف‏)‏ هذا الغمد، وإنَّ أبا مُسْلم بايَعَنا وبايَعَ لنا على أنه من نكَثَ عهداً فقد أبا حَنَا دَمَه، ثم نكث علينا فحكَمْنَا عليه لأنفسنا حكمَهُ على غيره لنا، لا تمنعنا رعايةُ الحقَ له من إقامة الحقَ عليه‏.‏

2471- العُلْفُوفُ مُولَعٌ بالصُّوفِ

العُلْفُوف‏:‏ الجافي من الرجال المُسِنُّ، قَاله ابن السكيت، وأنشد‏:‏

يَسَرٌ إذا هَبَّ الَّشمالُ وأمْحَلُوا * في القَوْمِ غير كُبُنَّةٍ عُلْفُوفِ

‏(‏الكبن - بوزن عتل - والكبنة‏:‏ اللئيم، أو الذي لا يرفع طرفه بخلا‏)‏

ومعنى المثل‏:‏ إن الشيح المُهْتَرَ الفاني يُلولَعُ بأن يلعب بشَيء‏.‏

يضرب للمُسٍنُّ الخَرِفِ‏.‏

2472- أعْرَضْتَ القِرفَةَ

يُقَال‏"‏ فلانٌ قِرْفَتِي‏"‏ أي الذي أتَّهِمه فإذا قَال الرجل‏:‏ سَرَقَ ثوبى رجلٌ من خراسان أو العراق، يُقَال له‏:‏ أعْرَضْتَ القِرْفَة، أي التهمَةَ حين لم تصرح، وأعرضَ الشيء‏:‏ جعله عريضاً، ويجوز أن يكون من قولهم ‏"‏أعرَضَ‏"‏ أي ذهب عرضاً وطولاً، فيكون المعنى أعرضت في القرفة، ثم حذف ‏"‏في‏"‏ وأصل الفعل‏.‏

يضرب لمن يتَّهم غيرَ واحد‏.‏

2473- اعْقِلْ وَتَوَكَلْ

يضرب في أخْذِ الأمر بالحزم والوثيقة‏.‏ ‏[‏ص 27‏]‏

ويروى أن رجلاً قَال للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أأرْسِلُ ناقتي وأتوكل‏؟‏ قَال‏:‏ ‏"‏اعْقِلْهَا وتوكَّلْ‏"‏

2474- عَادَ الأَمْرُ إلى الوزَعَةِ

جمع وازع، يعني أهل الحلم الذين يَكُفُّونَ أهلَ الجهل‏.‏

2475- عَدْوَكَ إذْ أََنْتَ رُبَعٌ

أي اعْدُ عَدْوَكَ إذ كنت شابا‏.‏

يضرب في التحضيض على الأمر عند القدرة بإتيان ما كان يفعله قبلُ من الحزم وحسن التدبير ويروى ‏"‏عَدُوَّكَ إذ أنت رُبَع‏"‏ أي احْذَرْ عَدُوَّكَ إذ كنت ضعيفاً

2476- عَيْرٌ رَعَى أنْفُهُ الكَلأَ

أي وجَدَ ريحَه فطلبه يضرب لمن يستدلَّ على الشَيء بظهور مَخَايله‏.‏

2477- عَلِقَتْ بِثَعْلَبَةَ العَلوقُ

يضرب للولقع في أمر شديد

والعَلُوق‏:‏ المنية، وثعلبة‏:‏ اسم رجل

2478- عَنْ ظَهْرِهِ يَحُلُّ وِقْراً

أي لنفسه يعمل، وذلك أن الدابة تُسْرعُ في السير لتضَعَ الحمل عن ظهرها، ويروى ‏"‏يَحِل‏"‏ أي يضع

2479- عَضَّ مِنْ نَابِهِ عَلَى جِذْمٍ

يضرب للمنجَّذِ المُحَنَّك، والجِذْم‏:‏ الأصل، وقَال‏:‏

الآنَ لَمَّا ابْيَضَّ مَسْرُبَتِي * وَعَضِضْت من نابِي عَلَى جِذْم

2480- عَجِّلْ لإبِلكَ ضَحَاءَهَا

الضَّحَاء‏:‏ مثل الغَدَاء يضرب في تقديم الأمر

2481- عُودي إلى مَبَارككِ

يضرب لمن نفَرَ من شَيء أشدَّ النِّفار، وأصل المثل لإبل نَفَرَتْ

2482- عَادَ في حَافِرَتِهِ

أي عاد إلى طريقه الأولى‏.‏

يضرب في عادة السوء يَدَعُها صاحبُها ثم يرجع إليها‏.‏

2483- عِشْ تَرَ مَالَمْ تَرَ

أي مَنْ طال عمره رأى من الحَوَادث ما فيه معتبر‏.‏

2484- عَمُّ العَاجِزِ خُرْجُهُ

ويروى ‏"‏عمك خُرْجُك‏"‏ وأصله أن رجلا خرج مع عمه إلى سَفَر ولم يتزود؛ اتكالا على ما في خُرْجِ عمه، فلما جاع قَال‏:‏ يا عم أطْعِمْنِي، فَقَال له عمه‏:‏ عَمُّكَ خُرْجُك‏.‏ ‏[‏ص 28‏]‏

يضرب لمن يتكل على طعام غيره‏.‏

2485- عَلَى هَذَا دَارَ القُمْقُمُ

أي إلى هذا صار معنى الخبر وأصله - فيما يُقَال - أن الكاهن إذا أراد استخراجَ السرقة أخذ قمقُمَةً وجعلها بين سبابتيه يَنْفُث فيها و يَرْقِي ويُديرها، فإذا انتهى في زَعْمه إلى السارقَ دار القمقم، فجعل ذلك مَثَلاً لمن ينتهي إليه الخبر ودَارَ عليه

2486- عَلِّقَ سَوْطَكَ حَيْثُ يَرَاهُ أَهْلُكَ

هذا يروى عن النبي عليه الصلاة والسلام، والمعنى اجْعَلْ نفسَكَ بحيث يَهَابك أهلُك ولا تغفل عنهم وعن تخويفهم ورَدْعهم

2487- أُعْطِيَ مَقُولاً، وَعَدِمَ مَعْقُولاً

يضرب لمن له مَنْطقَ لا يُسَاعده عَقْل

2488- عَاقُولُ حَدِيثٍ

يضرب لمن لا يَفُوته حديث سمعه والعاقول من النهر والوادي‏:‏ المُعْوَجُّ منه، وذلك يحفظ ما يتستر به ويلجأ إليه

2489- أَعْشارٌ ارفَضَّتْ

يُقَال ‏"‏بُرْمَةٌ أعْشار‏"‏ إذا كانت كسرا، وارفضَّتْ‏:‏ تفرقت‏.‏ يضرب للقوم عند تفرقهم

2490- عِزُّ الرَّجُلِ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ

هذا يروى عن بعض السلف

2491- عَلَى غَريبَتِهاَ تُحْدَى الإبِلُ

وذلك أن تُضْرَبَ الغريبةُ لتسير، فتسير بسيرها الإبلُ‏.‏

2492- عَطَشاً أَخْشَى عَلَى جَانَي كَمْأَةً لاَ قُرًّا

الكَمْأَة تكون آخر الربيع، فإذا باكَرَ جانيها وجَدَ البرد، فإذا حَمِيَتِ الشمسُ عطش، والعطش أضر له من القُرّ الذي لا يَدُوم

2493- اعْذِرْ عَجَبُ

أراد يا عجب، وهو اسم أخي القائل، وكان الأخُ على طعام الجيش، فَقَال له أخوه عجب‏:‏ لو زِدْتَنِي، فَقَال‏:‏ لا أستطيع، فَقَال‏:‏ لا أستطيع، فَقَال‏:‏ بلى، ولكنك عاقّ، فهمَّ بذلك فَنَهَوْهُ، فَقَال‏:‏ اعْذِرْ عجب‏.‏

وقَال أبو عمرو‏:‏ قَال له أخوه فأما إذْ أبيت فانظر فإني حازٌّ بقفا الشَّفْرة، فإن غَفَل القوم أُوتِيتَ سُؤْلك، وإن انتبه القومُ لفعلي فاعلم أنهم لحظهم أحفظ، فطفقَ يحز بقفا الشفرة، فهتف به القومُ، فَقَال‏:‏ اعْذِرْ عَجَبُ يضرب مَثَلاً لما لا يُقْدَرُ عليه ‏[‏ص 29‏]‏

2494- عُثَيْثَةٌ تَقْرِمُ جِلْداً أمْلَسَا

يضرب للرجل يجتهد أن يؤثر في الشيء فلا يقدر عليه‏.‏

قَال الأحنف بن قيس لحارثة بن بدر الغُدَاني، وقد عابه عند زياد للدخول فيما لا يعنيه، وذلك أنه طلب إلى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أن يُدْخله في الحكومة، فلما بلغ الأحنفَ عَيْبُ حارثة إياه قَال‏:‏ عُثَيْثَة تَقْرِمُ جلْداً أمْلَسَا، وهي تصغير عُثَّة، وهي دويبة تأكل الأدَمَ، قَال المخبَّلُ‏:‏

فأنْ تَشْتُمُونَا عَلَى لُؤْمِكُمْ * فَقَدْ تَقْرِمُ العُثُّ مُلْسَ الأدَمْ

يضرب عند احتقار الرجل واحتقار كلامه

2495- عَيٌّ صَامِتٌ خَيْرٌ مِنْ عَيٍّ نَاطِقٍ

أصل عَيٌّ - قَالوا - عَيِيٌّ فأدغم، قَاله أبو الهيثم‏.‏ قلت‏:‏ ويجوز أن يكون عِيّ فَعْلاً لا فَعِيلاً، يُقَال‏:‏ عَيَّ يَعْيا عِيّاً فهو عَيٌّ، كما يُقَال‏:‏ حَيَّ يَحْيا حَيَاةً فهو حَيٌّ، ومثله رجلٌ طَبٌّ وَصّبٌّ وبَرٌّ وغيرها، وهذا كما مضى ‏"‏عِيُّ الصَّمْتِ خيرٌ من عِيِّ النطق‏"‏ إلا أنه جَرَى على المصدر هناك، وههنا على الفاعل، يُقَال‏:‏ عَيِيَ يَعْيَا عِيّاً فهو عَيٌّ وعَيِيٌّ، ويجوز أن يُقَال‏:‏ أصله فَعِلَ - بكسر العين - على قياس جَدِبَ فهو جَدْبٌ وترِبَ فهو تَرْبٌ، وعلى هذا قياسُ بابه، أعني باب فَعِلَ يفْعَلُ‏.‏

يضرب هذا المثل عند اغتنام السكوت لمن لا يحسن الكلام‏.‏ ويروى ‏"‏عِيٌّ صامت‏"‏ على المصدر بجَعْل صامت مبالغة، كما يُقَال‏:‏ شِعْرٌ شَاعِرٌ

2496- أَعْذَرَ مَنْ أَنْذَرَ

أي مَنْ حَذَّرَك ما يحلُّ بك فقد اعذر إليك، أي صار مَعْذُوراً عندك‏.‏

2497- أَعْمَى يَقُودُ شُجْعَةً ‏(‏الشجعة - بتثليث الشين وسكون الجيم - جمع الشجاع‏.‏ والشجعة - بضم الشين أوفتحها - العاجز الضاوي الذي لا فؤاد له‏.‏‏)‏

الشُّجْعَةً‏:‏ الْزَّمْنِى، أي ضعيف يقود ضعيفاً ويعينه، قَاله أبو يزيد، قَال‏:‏ وإذا رأيتَ أَحْمَقَ ينقادُ له العاقل قلتَ هذا للعاقل أيضا، وقَال الأزهري‏:‏ الشُّجْعَة بسكون الجيم الضعيف‏.‏

2498- العِدَةُ عَطِيَّة

أي يَقْبُح إخلافُهَا كما يقبح استرجاعُ العطية، ويقَال‏:‏ بل معناه تَعْدِلُها، كما يُقَال سرور الناس بالآمال أكْثَرُ من سرورهم بالأموال ‏[‏ص 30‏]‏

2499- عِلَّةٌ مَا عِلَّهْ، أوتَاد وَأخِلَّهْ، وَعَمَدُ المِظَلَّه، أبْرِزُوا لِصِهْرِكُمْ ظُلَّهْ

قَالتها امرَأة زُوِّجتْ وأبطأ أهلها هداءها إلى زوجها، وأعتلوا بأنه ليس عندهم أداة للبيت، فَقَالته اسْتِحْثَاثاً لهم وقَطْعاً لعلتهم،

يضرب في تكذيب العلل‏.‏

2500- عَجِلَتْ بِخَارِجَةَ العَجُوُلُ

خارجة‏:‏ اسم رجل، والعَجُول‏:‏ أمه ولدته لغير تمام‏.‏ يضرب عند ما عجل قبل إنَاهُ‏.‏

2501- عَنْ مُهْجَتِي أُجَاحِشُ

المجاحشة‏:‏ المدافعة، وهذا مثل قولهم ‏"‏جاحَشَ عَنْ خَيْط رَقَبَته‏"‏

2502- عَلِقَتْنِي مِنْ هذا الأَمْرِ قِيَرَةٌ

أي ما يكره ويثقل، والقير‏:‏ القير والقار، وهما ما مر ‏(‏قيل‏:‏ هو الزفت وقيل‏:‏ شَيء أسود يطلى به الإبل‏.‏‏)‏

2503- عِنْدَ رُؤُوسِ الإبِلِ أَرْبَابُها

يضرب لمن يَتَدَرَّأُ ويَطْغَى على صاحبه أي عندي من يمنعك‏.‏

2504- عَنِ الشَّرِّ لاَ تَنَاسيَنَّ

ويروى ‏"‏لا تنسين‏"‏ يضرب لمن لا يَرْدَعُه عن الشر زَجْرُ زاجرٍ‏.‏

و‏"‏عن‏"‏ من صلة الزجر، كأنه قَال‏:‏ زَجْره عن الشر لا تتركن ‏.‏

2505- أََعْرِفُ ضَرِطِى بِهِلاَلٍ

قَال يونس بن حبيب‏:‏ زعموا أن رُقية بنت جُشَم بن معاوية وَلَدَت نميراً وهلالا وسُواءة، ثم اعتاطت، فأتت كاهنة بذي الخلصة فأرتها بطنها، وقَالت‏:‏ إني قد وَلَدُتْ ثم اعْتَطْتُ، فنظرتْ إليها ومَسَّت بطنها، وقَالت‏:‏ رب قبائل فَرِق، ومجالس حلق، وظعن خرق، في بَطِنِك زق، فلما مخضت بربيعة بن عامر، قَالت‏:‏ إني أعرف ضَرِطى بهلال، أي هو غلام، كما أن هلالا كان غلاما‏.‏ يضرب هذا المثل حين يحدثك صاحبك بخبر فتقول‏:‏ ما كان من هذا شَيء، فيقول صاحبك‏:‏ بلى، إني أعرفُ بعضَ الخبر ببعض، كما قَالت القائلة‏:‏ أعرف ضَرِطى بهلال‏.‏

2506- أَعِنْ أَخَاك وَلَوْ بالصَّوْتِ

يضرب في الحثِّ على نُصْرَة الإخوان ‏[‏ص 31‏]‏

2507- عَلَى شَصَاصَاءَ تَرَى عَيْشَ الشَّقِيِّ

أي لا ترى الشقَّي إلا على شدة حال والشَّصاصَاء‏:‏ شدةُ العيشِ

2508- عِنْدَ التَّصْرِيحِ تُرِيحُ

أي‏:‏ إذا صرح الحقَ استرحْتَ، ولم يبقَ في نفسك شَيء، وأراح‏:‏ معناه استراح وصَرَّح‏:‏ معناه صَرُحَ

2509- الاعْتِرَافُ يَهْدِمُ الاقْتِرَافَ

2510- عجْعَجَ لما عَضَّهُ الظِّعان

عَجْعَج‏:‏ أي صاح، والظعان‏:‏ نِسْع يشدُّ به الهودج‏.‏

يضرب لمن يَضِجُّ إذا لزمه الحقَ وهذا قريب من قولهم ‏"‏دَرْدَبَ لما عَضَّه الثِّقَافُ‏"‏

2511- عَطَوْتَ في الحَمْضِ

العَطْو‏:‏ التناوُلُ، أي أَخَذْتَ في رَعْى الْحَمْض يضرب للمُسْرِف في القول

2512- عَارِيَّةٌ أكْسَبَتْ أَهْلَهَا ذَمَّاً

وذلك أن قوماً أعاروا شيئاً ثم استردُّوه فذُمُّوا، فَقَالوا هذا القول

يضرب للرجل يحسن إليه فيذم المحسن

2513- عَرَفَتِ الْخْيلُ فُرْسَانهَا

يضرب لمن يعرف قِرْنَه فينكسر عنه لمعرفته به

2514- العَبْدُ مَنْ لاَ عَبْدَ لَهُ

يضرب لمن لا يكون له مَنْ يكفيه عملَه فيعمله بنفسه

2515- عِنْدَكِ وَهِيٌ فَارْقَعِيِه

أي بِكِ عيبٌ وأنت تعيبين غيرك

2516- عَنَاقَ الأَرْضِ إِنَّ ذَنبِى اقْتُفِرَ

عناقَ الأرض‏:‏ دابة نحو الكلب الصغير، ويُقَال له‏:‏ التُّفَةُ، وليس يُوَبِّرُ من الدواب إلا الأرنبُ وعَنَاقَ الأرض، والتُّوْبِير‏:‏ أن تضمَّ براثنَهَا إذا مَشَتْ، فلا يرى لها أثر في الأرض، والاقتفار‏:‏ الاتباع يضربه البريءُ الساحةِ يقول‏:‏ أنا عَنَاقَ الأرض إن تَتْبَعْ أثرى في الذي أرمى به، يعني لا يُرَى له أثر عَلَىَّ أثر

2517- عَوْدُكَ وَالبَدْءُ دَرَنٌ بِبَدَنٍ

العرب تقول في موضع السرعة والخفة‏:‏ ما هو إلا دَرَنٌ ببَدَن؛ لسرعة اتساع البدن، يقول‏:‏ عَوْدُك إلى هذا الأمر وَبَدؤُك به كان سَرِيعاً‏.‏ ‏[‏ص 32‏]‏

يضرب لمن يَعْجَلُ فيما همَّ به من خير أوْشر

2518- عَلَىَّ فَاضَ مِنْ نَتَاقِي الأَلَبَةُ

فَاضَ الشَيء يَفيضُ فَيْضَاً‏:‏ كثر، ونَتَقَتِ المرأة تَنْتُقَ نَتَقْا، إذا كثر أولادها، والألَبَةَ‏:‏ جمع آلب، يُقَال‏:‏ ألِبَ يألِبُ، إذا رجَع، والنَّتَاج والنَّتَاقَ واحد

وهذا من قول امرَأة اجتمع عليها ولدُها وولدُ ولدِها فظلَموها وقهروها، فَقَالت‏:‏ أنا التي فعلْتُ هذا بنفسي حيث ولدْتُ هؤلاء يضرب لمن جَنَى على نفسه شراً‏.‏

2519- اعْزُ الحَديِثَ لِلْخَطِيبِ الأوَّلِ

يُقَال‏:‏ عَزَوْتُ وعَزَيتُ، إذا نَسَبْتَ‏.‏ يضرب للرجل إذا حَدَّث؛ فيقَال‏:‏ إلى من تَنْسُبُ حديثكَ فإن فيه رِيبة، أي انْسُبْه إلى من قاله وانْجُ

2520- عَلَى بَدْءِ الْخَيْرِ وَالْيُمْنِ

يُقَال هذا عند النكاح‏:‏ أي ليَكُنْ ابتداؤه على الخير واليُمْن أي البركة، ويروى ‏"‏على يَدِ الخير واليمن‏"‏ ومعناه ليكن أمرك في قَبْضَة الخير‏.‏

2521- عُلِّمُوا قِيلاَ، وَلَيْسَ لَهُمْ مَعْقُول

يضرب للإنسان تَسْمَعه بين الكلام ولا عقل له

2522- اسْتَعَنْتُ عَبْدِي فَاسْتَعانَ عَبْدِي عَبْدَه

جعل العبدَ مَثَلاً لمن له دونه في القوة، وعبد العبد مَثَلاً لمن هو دونه بدرجتين

2523- العِتَابَ قَبْلَ العِقَابِ

يروى بالنصب على إضمار استعمل العتاب وبالرفع على أنه مبدأ، يقول‏:‏ أصلح الفاسدَ ما أمكن بالعتاب، فإن تعذَّر وتعسَّر فبالعقاب

2524- عُرْفُطَةٌ تُسقَى مِنْ الغَوَابق

يُقَال‏:‏ غَبَقْتُه إذا سقيتَه الغَبُوقَ، والعُرْفُط‏:‏ من شجرة العَضَاه ينضح المُغْفُور‏.‏

يضرب لمن يُكْرَم مخافَةَ شره وأراد بالغوابقَ السحابَ، جعل سقيها إياه غَبْقاً

2525- العِتَابُ خَيْرٌ مِنْ مَكْتُومِ الْحْقْدِ

ويروى ‏"‏من مكنون الحقد‏"‏ قَاله بعض الحكماء من السلف ‏[‏ص 33‏]‏

2526- أعمرْتَ أرضاً لَمْ تَلُسْ حَوْذَانَهَا

اللَّوْسُ‏:‏ الأكل، والحَوذَان‏:‏ بقلة طيبة الرائحة والطعم، وأعمرتها‏:‏ وَصَفْتَها بالعمارة

يضرب لمن يحمد شيئاً قبل التجربة

2527 المُعْتَذرُ أعْيَا بالقِرَى

قَالوا إنهم يَحْمَدون تَلَقَّى الصيف بالقِرى قبل الحديث ويعيبونه تلقيه بالحديث والالتجاء إلى المعذرة والسُّعَال والتَّنَحنح، ويزعمون أن البخيل يعتريه عند السؤال بَهْر وعيٌّ فيسعل ويتنحنح، وأنشدوا لجرير

وَالتَّغْلَبِيُّ إذَا تَنَحْنَح لِلقِرى * حَكَّ اسْتَهُ وَتَمَثَّلَ الأمثَالا

ويحكون أن جريراً قَال‏:‏ رميتُ الأخطل ببيت لو نَهَشَتْه بعده الأفعى في اسْتِهِ ما حكَّها، يعني هذا البيت قَالوا‏:‏ وإلى هذا ذهب زيد الأرانب، حين سأل عن خزاعة، فَقَال‏:‏ جوُع وأحاديث، واحتجُّوا أيضاً بقول الآخَر‏:‏

وَرَبَّ ضَيْفٍ طَرَقَ الحضيَّ سرى * صَادَفَ زَاداً وَحَدِيثاً ما اشْتَهَى

إن الحديثَ جَانِبٌ مِنْ القِرَى*

فجل الحديث بعد الزادِ جانباً من القِرى، لا قبله، قَالوا‏:‏ والذي يؤكد ما قلناه مَثَلُهم السائر على وجه الدهر ‏"‏المَعْذِرَةُ طَرَفٌ مِنْ البُخْلِ‏"‏

2528- عَثَرَةُ القَدَمِ أسْلَمُ مِنْ عَثْرَةِ الِّلسانِ

2529- عُقَرَةُ العِلْمِ النِّسيانُ

العُقَرَةُ‏:‏ خَرَزَة تشدها المرأة في حِقْوَيهَا لئلا تحبل‏.‏

2530- عَادَ إِلى عِكْرِهِ

العِكْر‏:‏ الأصل، والعِكَرَةُ‏:‏ أصل اللسان، وهذا كقولهم‏:‏

2531- عَادَتْ لِعِتْرِها لَمِيس

أي أصلها

2532- عَلَى جَارَتِي عِقَقٌ ولَيْسَ عَلَىَّ عِقَقٌ

العِقَّة‏:‏ العَقيقة، وهي قطعة من الشَّعْر، يعني الذُّؤابة، قَالته امرَأة كانت لها ضَرَّة، وكان زوجها يكثر ضربها، فحسدت ضَرتَها على أن تُضْرب، فعند ذلك قَالت هذه الكلمة، أي أنها تضرب وتحَبُّ وتُكْرم وهي لا تضرب ولا تكرم‏.‏

يضرب لمن يَحْسُدُ غيرَ محسود ‏[‏ص 34‏]‏

ٍ2533- عِتَابٌ وَضَنٌّ

أي لا يزال بين الخليلين وُدٌ ما كان العتاب، فإذا ذهب العتاب فقد ذهب الوِصَالُ

2534- عَذَرَتْنِي كلُّ ذَاتِ أبٍ

قَالتها امرَأة قيل أن أباها وَطِئها فَقَالت‏:‏ عذَرَتْني كلُّ ذاتِ أبٍ، أي كل امرَأة لها أب تعلم أن هذا كذب،

يضرب في استبعاد الشَيء، وإنكار كَوْنه‏.‏

2535- عَمُّكَ أوَّلُ شَارِبٍ

أي عمك أحقَ بخيرك ومنفعتك من غيره فابدأ به‏.‏ يضرب في اختصاص بعض القوم‏.‏

2536- أعَنْدي أنْتَ أمْ في الْعِكْمِ

يُقَال‏:‏ عَكَمْتُ المتاع أعكمه عَكْمَاً، إذا شددته في الوعاء وهو العِكْم، وَعكَمْتُ الرجلَ العَكم؛ إذا عكمته له، يضرب لمن قَلَّ فهمُه عند خطابك إياه‏.‏

2537- أَعَضَّ بِهِ الكَلاَلِيِبَ

يُقَال‏:‏ أَعَضَّه، إذا حمله على العضِّ، أي جعل الكلاليبَ تَعَضُّ، يُقَال‏:‏ عَضَّه، وعَضَّ به، وعَضَّ عَليه أي ألصقَ به شراً

2538- عَلَى وَضَرٍ مِنْ ذَا الإنَاءِ

الوَضَر‏:‏ الدَّرَن والدَّسم، و ‏"‏على‏"‏ من صلة فعل محذوف، أي أرجى الدهر على كذا‏.‏

يضرب لمن يتبلغ باليسير

2539- عَرِّضْ للكَرِيْمِ وَلا تُبَاحِثْ

البَحْث‏:‏ الصرف الخالص، أي لا تبين حاجتك له ولا تصرح؛ فإن التعريض يَكْفيه

2540- عَمِلَ بِهِ الفَاقِرَةَ

أي عَمِلَ بِهِ عملاً كسر فقاره، وفي التنزيل ‏(‏تظُنُّ أن يُفَعَلَ بها فَاقِرَة‏)‏ أي داهية‏.‏

2541- عِرْضٌ مَا وَقَعَ فِيهِ حَمْدٌ وَ لا ذَمَمٌ

يضرب لمن لا خيرَ عنده ولا شر

2542- عَذَابٌ رَعَفَ بِهِ الدَّهْرُ عَلَيْهِ

يُقَال‏:‏ رَعَفَ الفرسُ يرعَفُ ويرعُفُ، إذا تقدم‏.‏ يضرب لمن استقبله الدهر بشر شمَّر‏:‏ أي شديد‏.‏

2543- العَوْدُ أَحْمَدُ

يجوز أن يكون ‏"‏أحمد‏"‏ أفعل من الحامد، يعني أنه إذا ابتدأ العُرْفَ جَلب ‏[‏ص 35‏]‏ الحمد إلى نفسه، فإذا عاد كان أحمد له، أي أكسب للحمد له، ويجوز أن يكون أَفعَلَ من المفعول، يعني أن الابتداء محمود والعود أحقَ بأن يحمد منه‏.‏

وأول من قَال ذلك خِدَاش بن حابس التميمى، وكان خطب فتاة من بني ذَهل ثُمَ مِنْ بَني سَدُوس يُقَال لها الرَّباب، وهام بها زماناً، ثم أقبل يخطبها، وكان أبواها يتمنَّعان لجمالها وَمِيسَمِها، فردَّا خداشاً، فأضرب عنها زماناً، ثم أقبل ذاتَ ليلةٍ راكباً، فانتهى إلى محلتهم وهو يتغنى ويقول‏:‏

أَلا لَيْتَ شِعْرِي يا رَبَابُ مَتَى أرى * لَنَا منك نُجْحاً أوْشفاء فأشْتَفِي

فقد طالما عَنَّيْتنِي وَ رَدَدْتِنِي * وأنت صَفِيَّي دون مَنْ كُنْتُ أَصْطَفِي

لَحَى الله مَنْ تسمو إلى المال نَفْسُهُ * إذا كان ذا فَضْلٍ به لَيْسَ يَكْتَفِي

فَيُنْكِح ذَا مالٍ دَميماً مُلَوَّماً * وَيَتْرُك حُرَّاً مثله لَيْسَ يَصْطَفِي

فعرفت الرباب منطقه، وجعلت تتسمَّع إليه، وحفظت الشعر، وأرسلت إلى الركب الذين فيهم خِداش أن انزلوا بنا الليلة، فنزلوا، وبعثت إلى خِداش أن قد عرفت حاجتك فاغْدُ على أبي خاطباً، ورجعت إلى أُمُها، فَقَالت‏:‏ يا أُمَّه، هل أنكح إلا مَنْ أهوى و ألتحف إلا من أرضى‏؟‏ قَالت‏:‏ لا، فما ذاك‏؟‏ قَالت‏:‏ فأنكحيني خِداشاً، قَالت‏:‏ وما يدعوك إلى ذلك مع قلة ماله‏؟‏ قَالت‏:‏ إذا جمع المالَ السيءُ الفَعَالِ فقبحاً للمال، فأخبرت الأم أباها بذلك، فَقَال‏:‏ ألم نكن صَرَفْناه عنا، فما بدا له‏؟‏ فلما أصبحوا غدا عليهم خِداش فسلَّم وقَال‏:‏ العَوْدُ أحمد، والمرء يرشد، والورد يحمد، فأرسلها مَثَلاً‏.‏ ويقَال‏:‏ أول من قَال ذلك وأخذ الناسُ منه مالكُ بن نُوَيرة حين قَال‏:‏

جَزَيْنَا بني شَيْبَان أمس بقَرْضِهِمْ * وَعُدْنَا بمثل البَدْءِ والعَوْدُ أَحْمَدُ

فَقَال الناس‏:‏ العود أحمد

2544- عِنْدَ الرَّهَانِ يُعْرَفُ السَّوَابَق

يضرب للذي يَدَّعِي ماليس فيه‏.‏

2545- عَلَيْكَ وَطْبَكَ فَادَّوِهِ

الادَّوَاء‏:‏ أكل الدُّواية، وعليك‏:‏ إغراء، أَي لا تَتَّكِلْ على مال غيرك‏.‏

2546- عَادَ الأََمْرُ إِلَي نِصَابِهِ

يضرب في الأمر يتولاَّه أربابه

2547- العَزِيمَةُ حَزْمٌ، وَالاخْتِلاَطُ ضَعْفٌ

هذا من كلام أكثم بن صيفي ‏[‏ص 36‏]‏ يضرب في اختلاط الرأي، وما فيه من الخطأ والضعف

2548- عَلَى الحَازِي هَبَطْتْ

يُقَال‏:‏ حَزَا يَحْزُو ويَحْزِي، إذا قدر، والحازي‏:‏ الذي ينظر في خِيلاَنِ الوجه وفي بعض الأعضاء ويتكهن، وهذا مثل قولهم ‏"‏على الخبير سَقَطَتْ‏"‏ وقد مر

2549- عَاشَ عَيْشَاً ضَارِباً بِجِرانٍ

الجِران‏:‏ باطن عُنُقَ البعير، ويقَال‏:‏ ضربَ الأرضَ بِجِرانه، إذا ألقى عليها كَلاَ كله‏.‏

يضرب لمن طاب عيشُهُ في دَعّة وإقامة

2550 أََعْطِنِي حَظيَّ مِنْ شُوَايَةَ الرَّضْفِ

قَال يونس‏:‏ هذا مثل قَالته امرَأة كانت غريرة، وكان لها زوج يكرمها في المطعم والملبس، وكانت قد أوتيت حظاً من جمال فَحُسِدتْ على ذلك، فابتدرت لها امرَأة لتَشِينها، فسألتها عن صنيع زوجها، فأخبرتها بإحسانه إليها، فلما سمعت ذلك قَالت، وما إحسانه، وقد منعك حظك من شُواية الرضف‏؟‏ قَالت‏:‏ وما شُوَاية الرضف‏؟‏ قَالَت‏:‏ هي من أطيب الطعام، وقد استأثر بها عليك فاطْلُبيها منه، فأحبَّتْ قولها لغَرارَتها، وظنت أنها قد نصحت لها، فتغيرت على زوجها، فلما أتاها وجدها على غير ما كان يعهدها، فسألها ما بالها، قَالت‏:‏ يا ابن عمِّ تزعم أني عليك كريمة، وأنَّ لي عندك مزية، كيف وقد حرمتني شُوَاية الرَّضْف‏؟‏ بَلِّغْنِي حظي منها فلما سمع مقَالتها عرف أنها قد دُهِيَتْ، فأصاخ وكره أن يمنعها فترى أنه إنما منعها إياها ضَنّاً بها، فَقَال‏:‏ نعم وكرامة، أنا فاعل الليلة إذا راح الرعاء، فلما راحوا وَفَرَغُوا من مهنهم وَرَضَفُوا غَبُوقهم دعاها فاحتمل منها رضفة فوضعها في كفها، وقد كانت التي أوردتها قَالت لها‏:‏ إنك ستجدين لها سخنا في بطن كفك فلا تطرحيها فتفسد، ولكن عَاقِبِي بين كفيك ولسانك، فلما وضعها في كفها أحرقتها فلم تَرْمِ بها، فاستعانت بكفها الآخَرى فأحرقتها، فاستعانت بلسانها تبردها به فاحترق، فمجلت يديها، ونفطت لسانها، وخاب مطلبها، فَقَالت‏:‏ قد كان عِيِّ وشِيِّ يَصْريِني عن شر، فذهبت مَثَلاً‏.‏ يضرب في الذرابة على العاثر الذي يتكلَّفُ ما قد كُفِيَ قَال‏:‏ وقولها ‏"‏ أََعطِنِي حظي من شُوَاية الرَّضْف‏"‏ يضرب للذي يسمو إلى ما لاحظ له فيه هذا ما حكاه يونس عن أبي عمرو، وكذلك في أمثال شمر‏.‏ ‏[‏ص 37‏]‏ قلت‏:‏ قولها ‏"‏شُوَاية الرَّضْف‏"‏ الشُّوَاية بالضم‏:‏ الشَيء الصغير من الكبير كالقطعة من الشاة، يُقَال‏:‏ ما بقي من الشاة إلا شُواية وشُواية الخبز‏:‏ القُرص منه، وشُواية الرضف‏:‏ اللبن يغلي بالرَّضْفة، فيبقى منه شَيء يسير قد انشوى على الرضْفة وقولها ‏"‏قد كان عِيِّ وشِيِّى يَصْرِيني‏"‏ الصَّرْي‏:‏ القَطع، ومنه‏:‏

هَواهُنَّ أنْ لَمْ يصره الله قَاتِلُهْ*

والعى‏:‏ مصدر قولهم‏:‏ عَيَ بالكلام يَعْيَا عِيَّا، والشَيء‏:‏ إتباع له، ويقَال ‏"‏عَيِيٌّ شَيِيٌ‏"‏ إتباع له، وبعضهم يقول‏:‏ شَوِىّ، ويقَال‏:‏ ما أَعْيَاه وما أَشْياه وما أَشْواه، أي ما أصغره، وجاء بالعى والشَي، فالعى‏:‏ من بنات الياء، والشَيء‏:‏ من بنات الواو وصارت الواوْ ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، ومعناه جاء بالشَيء الذي يَعْيَا فيه لحقارته‏.‏ ومعنى المثل قد كان عجزى مِن الكلام وسكوني يدفع عني هذا الشر، تَنْدَمُ على ما فَرَطَ منها

2551- أَعِلَّةً وَبُخْلاً

قَاله النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله تَعالى عنها حين قَالَ لها‏:‏ أرخي علَىَّ مرطَك، فَقَالت‏:‏ أنا حائض

2552- أعْشَبْتَ فَانْزِلْ

أي أصبت حاجتك فاقنع، يُقَال‏:‏ أَعْشَبَ الرجلُ، إذا وجد عُشْباً، وأَخْصَبَ إذا وجد خِصْباً‏.‏

2553- العُقُوبَةُ أَلأَمُ حَالاتِ القُدْرَةِ

يعني أن العفو هو الكرم

2554- العَجَلَةُ فُرْصَةُ العَجَزَةِ

يضرب في مدح التأني وذم الاستعجال

2555- العَاقِلُ مَنْ يَرى مَقَرَّ سَهْمِهه مِنْ رَمْيَتِهِ

يضرب في النظر في العواقب

2556- العَيْنُ أَقْدَمُ مِنَ السِّنِّ

أي أن الحديث لا يغلب القديم

2557- عِنْدَ الامْتِحَانِ يُكْرَمُ المَرْءُ أَويُهانُ

2558- عِنْدَ النَّازِلَةِ تَعْرِفُ أَخَاكَ

2559- عَلَيْهِ مِنَ الله إِصْبَع حَسنٌ

أي أثر حسن، ويقَال‏:‏ للراعي على ماشيته إصبع، أي أثر حسن‏.‏

2560- عَلَيْهِ وَاقِيَةٌ كَوَاقِيةَ الكِلاَبِ

يضرب للئم الموقّى‏.‏ ‏[‏ص 38‏]‏

والواقية‏:‏ الوقاية، وهو في المثل مصدر أضيف إلى الفاعل، أي كما تقي الكلابُ أولادَهَا‏.‏

2561- عَلَيْكَ نَفْسَكَ

أي اشتغِلْ بشأنك، وهذا يسمى إغراء ونصباً على الإغراء، وحروف الإغراء‏:‏ عليك، وعندك، ودونك، وهنَّ يقمن مقام الفعل، ومعنى كلها خُذْ، ويجوز ‏"‏عَلَيْكَ نفسُكَ‏"‏ بالضم، إذا أَردت أن تؤكد الضمير المرفوع المستتر في النية، كأنك قلت‏:‏ عليك أنت نفسُك زيداً، ويجوز ‏"‏عليك نفسكَ‏"‏ بالخفض، إذا أردت أن تؤكد الكاف وحده كأنك قلت‏:‏ عليك نفسٍكَ زيداً

2562- عَقْراً حَلْقاً

في الدعاء بالهلكة، وفي الحديث حين قيل له عليه السلام‏:‏ إن صفية بنت حُيَيٍّ رضي الله تعالى عنها حائض، فَقَال‏:‏ عَقْرَى حَلْقِى، ما أراها إلا حابستَنَا، قَال أبو عبيد، هو عَقْراً حلقا بالتنوين، والمحدِّثون يقولون‏:‏ هو عَقْرى حَلْقَى، وأصل هذا ومعناه عَقَرَها الله وحَلَقها، وهذا كما تَقول‏:‏ رَأَسْتُهُ وَعَضَدتْهُ وبَطَنْته، وقَال أبو نصر أحمد بن حاتم‏:‏ يُقَال عند الأمر يعجب منه‏:‏ خَمْشَى عَقْرَى حَلْقَى، كأنهُ الحلق والعَقر والخدش، وقال‏:‏

ألا قَوْمي أولو عَقْرى وحَلقَى * لَمَا لاَقَتْ سَلاَمانُ بنُ غَنْمِ

يعني قومي أولو نساء عقرى وحَلقى، أي قدّ عقرن وجوههن وحلَقنَ شعورهن متسلبات على أزواجهن‏.‏

قُلت‏:‏ عقرى وحلقى في البيت جمع عقير وحليق، يقال‏:‏ عقره إذا جرحه فهو عقير‏:‏ أي جريح، والجمع عَقْرَ مثل قتيل وقتلى‏.‏

قَالَ الليث‏:‏ يقال للمرأة عقرى حلقى، يعني أنها تحلق قومها وتعقرهم بشؤمها‏.‏

2563- عَرَكَهُ عَرْكَ الأْدِيمِ

و ‏"‏عَرْكَ الرَّحَى بثفالها‏"‏ و ‏"‏عَرَكَ الصَّناع أديم غير مدهون‏"‏

2564- عَالَى بِهِ كلَّ مَرْكَب

إذا كلَّفه كلَّ أمر شاق‏.‏

2565- عَسَى غَدٌ لِغَيْرِكَ

يُريد عسى غدٌّ يكون لغيرك، أي لا تؤخر أسَر اليوم إلى الغد، فلعلك لا تدركه

2566- عَسَ البَرِقَ لاَ تُخْلِفُ

البارقة‏:‏ السحاب ذات البرق‏.‏ يضرب في تَعليقْ الرجاء بالإحسان‏.‏ ‏[‏ص 39‏]‏

2567- عَذَرْتُ القِرْدَانَ فَمَا بَالُ الحَلَمِ

القِرْدان‏:‏ جمع قُرَاد، والحَلَم‏:‏ جنس منه صغار، وهذا قريب من قولهم ‏"‏اسْتَنَّتِ الفِصَالُ حتى القَرْعَى‏"‏

2568- عَاثّ فِيهِمْ عَيْثَ الذِّئَابِ يَلْتَبِسْنَ بِالغَنَمِ

العَيث‏:‏ الفساد يضرب لمن يجاوز الحد في الفساد بين القوم‏.‏

2569- أَعْرَبَ عَنْ ضَمِيِرِهِ الفَارِسِيُّ

يضرب لمن ما في قلبه‏.‏

2570- عِنْدَ فُلانٍ كَذِبٌَ قَليل

أي هو الصدوقَ الذي لا يكذب، وإذا قَالوا ‏"‏عنده صدق‏"‏ فهو الكذوب

2571- عَلَيْهِ العَفَارُ والدَّبارُ وَسُوءُ الدَّارِ

العَفار‏:‏ التراب، والعفَر مقصور منه كالزَّمان والزَّمَن، والدَّبار‏:‏ اسم من الإدبار كالعّطَاء من الإعطاء، ويجوز أن تكون الباء بدلاً من الميم فيراد به الَّدمار وهو الهلاك وسوء الدار قَال المفسرون‏:‏ هو جهنم، نعوذ بالله تعالى منها

2572- عَلَيهِ العَفَاءُ وَالذِّئْبُ العَوَّاءُ

العَفَاء‏:‏ بالفتح والمد‏:‏ التراب، قَال صفوان بن محرز‏:‏ إذا دخلتُ بيتي فأكلت رغيفاً وشربت عليه ماء فعلى الدنيا العَفَاء، وقَال أبو عبيد‏:‏ العَفَاء الدُّرُوس والهلاك، وأنشد لزهير يذكر دارا‏:‏

تَحَمَّلَ أهْلُهَا عَنْهَا فَبَانُوا * عَلَى آثارِهَا ذَهَبَ العَفَاءُ

قَال‏:‏ وهذا كقولهم ‏"‏عليه الدبار‏"‏ إذا دعا عليه أن يدبر فلا يرجع‏.‏ والذئب العَوَّاء‏:‏ الكثير العُواَء‏.‏

2573- عَرَفْتُ شَوَاكِلَ ذّلِكَ الأمْر

أي ما أشكل من أمرهم، قَاله عمارة بن عقيل‏.‏

2574- عَجَبٌ مِنْ أَنْ يَجِيءَ مِنْ جَحِنٍ خيْرٌ

الجَحِن‏:‏ القصير النبات، يعني النماء، يُقَال‏:‏ جَحِن يَجْحَن فهو جَحِن، إذا كان سيء الغذاء، وأجحنه غيره؛ إذا أساء غذاءه يضرب للقصير لا يجيء منه خير‏.‏

2575- أَعَانَكَ العَوْنُ قَلِيلاً أوْأَباهُ وَالعَوْنُ لا يُعِينُ إلاَّ ما اشْتَهاهُ

قَال أبو الهيثم‏:‏ يعني مَنْ أعانك من غير أن يكون ولداً أوْأخاً أوْعبداً يهمه ‏[‏ص 40 ‏]‏ ما أهمك ويسعى معك فيما ينفعك فإنما يعينك بقدر ما يحب ويشتهى، ثم ينصرف عنك‏.‏

2576- العَجْزُ وَطِئُ

يُقَال‏:‏ وَطُؤ فهو وطئ بين الوَطَاءة، وفراشٌ وَطِئ‏:‏ أي وَثير‏.‏

يضرب لمن استوطأ مركب العجز وقعد عن طلب المكاسب والمحامد، ولمن ترك حقه مخافة الخصومة‏.‏

2577- العَجْزُ رِيبَةٌ

يعني أن الإنسان إذا قَصَدَ أمراً وجدَ إليه طريقاً، فإن أقرَّ بالعجز على نفسه ففي أمره ريبة، قَال أبو الهيثم‏:‏ هذا أحَقَ مثلٍ ضربته العرب‏.‏

2578- عّهْدُكَ بِالْفَالِياَتِ قَدِيمُ

يضرب لما فات ويُتَعَذَّر تداركُه وأصله في الرأس يَبْعد عهدُه بالدهن والفَلْيِ

2579- عُرْفُطَةٌ تُسْقَي مِنَ الغَوادِقِ

الْعُرْفُطة‏:‏ شجرة من العَضَاه خَشِنةُ المس، والغَدَق‏:‏ الماء الكثير، وهو في الأصل مصدر يُقَال‏:‏ غَدقَتْ عين الماء، أي غَزُرت، ثم يوصف به فيقَال‏:‏ ماء غَدَق، ويقَال‏:‏ سحابة غَادَقَة، والغوادق‏:‏ السحاب الكثير الماء يضرب للشرير يكرم ويبجل‏.‏

2580- عَوْرَاءُ جَاءَتْ وَالنَّدِىُّ مُقْفِر

العَوْراء‏:‏ الكلمة الفاحشة، والنَّدِىُّ والنادي‏:‏ المجلس، والمقفر‏:‏ الخالي‏.‏

يضرب لمن يؤذي جليسه بكلامه وتعظمه عليه من غير استحقاق‏.‏

2581- عَرْجَلَةٌ تَعْتَقِلُ الرَّمَاحَ

العَرْجَلَة‏:‏ الرَّجَّالة في الحرب، والاعتقَال‏:‏ أن يُمْسِكَ الفارسُ رمحه بين جنب الفرس وفخذه‏.‏

يضرب لمن يخبر عن نفسه بما ليس في وُسْعِه‏.‏

2582- أُعْتُوبَةٌ بَيْنَ ظِمَاءٍ جُوَّعِ

يُقَال‏:‏ بينهم أُعْتُوبة يتعاتَبُون بها، أي إذا تعاتبوا أصلح ما بينهم العتاب‏.‏

يضرب لقوم فقراء أذلاء يفتخرون بما لا يملكون‏.‏

2583- عَارِيَةُ الفَرْجِ وَبَتٌ مُطَّرَحٌ

البَتُّ‏:‏ كِساء غليظ النسج، ويقَال‏:‏ هو طيلسان من خز‏.‏

يضرب لمن رضي بالتقشف وهو قادر على ضده‏.‏ أي هي عارية الفرج وعندها بَتٌ مطروح، ويحتمل أن يعني به أنها تتجمل وقد عجزت عما يستر عورتها‏.‏ ‏[‏ص 41‏]‏

2584- عَشيِرَةٌ رِفَاغها تُوَسَّعُ

يعني أن أفْنِية العشيرة أوسَعُ وأحمل لجناياته يضرب لمن يرجع بجنايته إلى العشيرة ويؤذيهم بالقول والفعل‏.‏

2585- عَيْنٌ بِذَاتِ الْحَبَقَاتِ تَدْمَعُ

العين‏:‏ عين الماء، والحَبَق‏:‏ بَقْل من بقول السهل والحزن، وتدمع‏:‏ كناية عن قلة الماء فيها‏.‏

يضرب لمن له غنى وخيره قليل، ولا ينتفع به إلا الأخسَّاء، لأنه قَال فيما بعد

وارِدُهَا الذئْبُ وكّلْبٌ أبْقَعُ*

2586- عَيْشُ المُضِرِّ حُلْوُهُ مُرٌّ مَقِرٌ

المضر‏:‏ الذي له ضرائر، والمقِر‏:‏ الشديد المرارة‏.‏

يُقَال‏:‏ إنه يضرب لمن كان له كَفَاف فطلب عيشا أرفع وأنفع فوقع فيما يتعبه‏.‏

2587- عَيْنُكَ عَبْرَى وَالفُؤَادُ في دّدِ

الدَّد، والدَّدَن، والدَّدَاء‏:‏ اللعبُ واللهو ويقَال‏:‏ رجل عَبْرَان، وامرَأة عَبْرَى، أي باكية‏.‏

يضرب لمن يظهر حزنا لحزنك وفي قلبه خلاف ذلك‏.‏

2588- أََعْلاَمُ أََرْضٍ جُعِلَتْ بَطَاَئِحاً

الأعلام‏:‏ الجبال، واحدها عَلَم، والبطائح‏:‏ جمع البَطيحة، وهي الأرض المنخفضة‏.‏

يضرب لأشراف قوم صاروا وضُعَاء، ولمن كان حقه أن يشكر فكفر‏.‏

2589- عَافِيكُمْ في القِدْرِ ماءٌ أَكْدَرُ

العافي‏:‏ ما يبقى في أسفل القدر لصاحبها وقَال‏:‏

إذا رَدَّ عَافِي القِدْرِ مَنْ يَسْتعِيرُهَا*

وماء كدر وأكدر‏:‏ في لونه كُدْرَة، يضرب لمن أحسن إليه فأساء المكافأةَ

2590- عُرَاضَةٌ تُورِى الزِّنَادَ الكائلِ

العُراضة‏:‏ الهدية، والزَّنْد الكائل‏:‏ الكابي، يُقَال‏:‏ كان الزَنْدُ يَكيل كيلا، إذا لم تخرج ناره، وإنما قيل ‏"‏الزند الكائل‏"‏ ولم يقل الكائلة لأن الزناد إن كان جمع زَنْد فهو على وزن الواحد مثل الكتاب والجدار، وهذا كما قَالَ امرؤ القيس‏:‏

نُزُولَ اليَمَاني ذي العِياب المُحَمَّل* ‏(‏صدره* وألقى بصحراء الغبيط بعاعه*‏)‏

وكما قَال زهير‏:‏

‏[‏مَغَانِمُ شتَّى‏]‏ من إفالٍ مُزَنَّمِ* ‏(‏صدره*وأصبح يحذى فيهم من تلادكم*‏)‏

يضرب لمن يخدع الناس بحسن منطقه ويضرب في تأثير الرُّشَا عند إنغلاقَ المراد ‏[‏ص 42‏]‏

2591- عَشَّرَ والمَوْتُ شَجَا الوَريدِ

التعشير‏:‏ نهيقَ الحمار عشرةَ أصواتٍ في طلقَ واحد، قَال الشاعر‏:‏

لَعَمْرِي لئن عَشَّرتُ من خِيفةِ الرَّدى * نُهَاقَ الحمير إنَّني لَجَزُوعُ

وذلك أنهم كانوا إذا خافوا من وَبَاء بلدٍ عَشَّروا تعشير الحمير قبل أن يدخلوه، وكانوا يزعمون أن ذلك ينفعهم، يقول‏:‏ عشَّرَ هذا الرجل والموتُ شَجَا وريده، أي مما شجِىَ به وريده، يريد قرب الموت منه يضرب لمن يجزع حين لا ينفعه الجزع

2592- أَعْلَمُ بِمَنْبِتِ القَصِيصِ

والمعنى‏:‏ أنه عارف بموضع حاجته، والقصيص‏:‏ منابت الكمأة، ولا يعلم بذلك إلا عالم بأمور النبات، وأما قولهم‏:‏

2593- أَعْلَمُ مِنْ أَينَ يُؤْكَلُ الْكَتِفُ

فزعم الأَصمَعي أن العرب تقول للضعيف الرأي‏:‏ إنه لا يحسن أكل لحم الكتف قلت‏:‏ أورد حمزة هذين المثلين في كتاب أفعل، وهما إن كانا على أفعل فهذا الموضع أولى بهما؛ لأنهما عَرِيَا مِنْ من

*3* ما جاء على أفعل من هذا الباب

2594- أَعَزُّ مِنْ كلَيْبِ وَائِلٍ

هو كُلَيب بن ربيعة بن الحارث بن زهير، وكان سيد ربيعةَ في زمانه، وقد بلغ من عزه أنه كان يَحْمي الكلأ فلا يُقرَبُ حِماه، ويُجِير الصيد فلا يهاج، وكان إذا مر بروضة أعجبته أوْغَدير ارتضاه كّنَّعَ كُليباً ثم رمى به هناك، فحيثُ بلغ عُواؤه كان حِمَىً لا يُرْعى، وكان اسم كليب بن ربيعة وائلا‏:‏ فلما حَمَى كليبة المرْمىُّ الكلأ قيل‏:‏ أعز من كليب، ثم غلب هذا الاسمُ عليه حتى ظَنُّه اسمه، وكان من عزه لا يتكلم أحد في مجلسه، ولا يَحْتَبِي أحَدٌ عنده، ولذلك قَال أخوه مهلهل بعد موته‏:‏

نُبَّثْتُ أن النارَ بعدك أوقِدَتْ * واسْتَبَّ بَعْدَكَ يا كليبُ المجلِسُ

وتَكلَّموا في أمْرِ كُلِّ عَظِيمَةٍ * لو كُنْتَ شاهدَهُمْ بِهَا لم يَنْسُبوا

وفيه أيضاً يقول معبد بن عبد سعنة التميمي‏:‏

كفعل كُلَيبٍ كنت خُبِّرْتُ انَّه * يُخَطِّطُ أكلاء المِياه وَيَمْنَعُ

يُجِيرُ على أفناء بَكْرِ بن وَائِلٍ * أرانب ضاح والظباء فَتَرْتَعُ ‏[‏ص 43‏]‏

وكليب هذا هو الذي قتله جساس بن مرة الشيباني وقد ذكرت قصته عند قولهم ‏"‏أشأم من البسوس‏"‏ في باب الشين ‏.‏

2595- أَعْيَا مِنْ بَاقِلٍ

هو رجل من إياد، قال أبو عبيدة‏:‏ باقل رجل من ربيعة، بلغ من عِيِّه أنه اشترى ظبياً بأحدَ عشَرَ درهماً، فمر بقوم فقالوا له‏:‏ بكم اشتريت الظبي‏؟‏ فمد يده ودلعَ لسانه يريد أحد عشر، فَشَرَدَ الظبي وكان تحت إبطه، قال حميد الأرقط في ضَيْف له أكثر من الطعام حتى منعه ذلك من الكلام‏:‏

أَتَانَا وَمَا دَاناهُ سَحْبَانُ وَائِلٍ * بَيَاناً وَعِلماً بِالَّذِي هُوَ قَائِلٌ

فمَا زَالَ مِنهُ اللَّقْمُ حتى كَأَنَهُ * مِنَ الْعِيِّ لما أن تَكَلَّمَ بَاقِلُ

يَقُولُ وَقَدّ أَلْقَى المَرَسِيَ لِلْقُرِى * أبن ليَ مَا الحَجَّاجُ بالناس فَاعِلُ

يدلل كفاه ويحدر حلقه * إلى الْبَطْنِ ما ضُمَّتْ عليه الأَنَامِلَ

فَقُلْتُ‏:‏ لَعَمْرِي مَا لِهَذَا طَرَقْتَنَا * فَكُلْ وَدَعِ الإرْجَافَ مَا أَنْتَ آكِلُ

2596- أَعَزُّ مِنَ الزّبَّاءِ

هي امرَأة من العماليق، وأمها من الروم وكانت ملكة الحِيرة تغزو بالجيوش، وهي التي غزت مارداً والأبلق، وهما حصانان كانا للسَّمَوأل بن عاديا اليهودي، وكان ماردا مبنيّاً من حجارة سُودٍ، والأبلقَ من حجارة سود وبيض، فاستصعبا عليها، فَقَالت‏:‏ تَمَّرد مارد وعَزَّ الأبلق، فذهبت مَثَلاً، وقد تقدمت قصتها مع جَذِيمة قَبْلُ

2597- أعْيَا مِنْ يَدٍ في رَحِمٍ

يضرب لمن يتحير في الأمر ولا يتوجه له قَال أبو الندى‏:‏ ما في الدنيا أعيا منها؛ لأن صاحبها يَتَّقِي كل شَيء، قد دهن يده بدهن وغسلها بماء حتى تلين ولا يلتزقَ بها الرحم؛ فهو لا يكاد يمسُّ بيده شيئاً حتى يفرغ‏.‏

2598- أَعَزُّ مِنْ الأبْلَقَ العَقُوقِ

يضرب لمن يعزُّ وجودُه‏.‏ وذلك لأن العَقُوقَ في الإناث، ولا تكون في الذكور‏.‏ قَال المفضل‏:‏ إن المثل لخالد بن مالك النشهلى، قَاله للنعمان بن المنذر، وكان أسَرَ ناساً من بني مازن بن عمر بن تميم فقال‏:‏ من يكفل بهؤلاء‏؟‏ فَقَال خالد‏:‏ أنا، فَقَال النعمان‏:‏ وبما أحدثوا‏؟‏ فَقَال خالد‏:‏ نعم، وإن كان الأبلقَ العَقُوقَ، فذهبت مَثَلاً‏.‏ ‏[‏ص 44‏]‏ يضرب في عزة الشَيء والعرب كانت تسمي الوفاء الأبلَقَ العَقُوق؛ لعزة وجوده‏.‏

2599- أَعْقَرُ مِنْ بَغْلَةٍ

2600- وأَعْقَمُ مِنْ بَغْلَةٍ

2601- أَعزُّ مِنْ بَيْضِ الأنُوقِ

قَالوا‏:‏ الأنوقَ الرَّخمة، وعز بيضها لأنه لا يظفر به؛ لأن أوكارها في رؤوس الجبال والأماكن الصعبة البعيدة، قَال الأخطل‏:‏

مِنْ الجَارياتِ الحُورِ، مَطْلَبُ سِرِّهَا * كَبَيْضِ الأنُوقَ المُسْتَكِنَّةِ في الوَكْرِ

2602- أَعَزُّ مِنَ الغُرَابِ الأعْصَمِ

قَال حمزة‏:‏ هذا أيضاً في طريقَ الأبلقَ العقوقَ في أنه لا يُوجَد، وذلك أن الأعصم الذي تكون إحدى رجليه بيضاء، والغراب لا يكون كذلك، وفي الحديث ‏"‏أن عائشة في النساء كالغُرَابِ الأعصم‏"‏

2603- أَعَزُّ مِنْ قَنُوع

هو من قول الشاعر‏:‏

وكُنْتَ أَعَزَّ عِزَاً مِنْ قَنُوعِ * تَرَفَّعَ عَنْ مُطالَبَةِ المَلُولِ

فَصِرْتُ أذلَّ مِنْ مَعْنىً دَقِيقٍَ* بِهِ فَقْرٌ إلى ذِهْنٍ جَلِيلِ

وأما قولهم‏:‏

2604- أَعَزُّ مِنَ الكِبْرِيتِ الأحمَرِ

فيقَال‏:‏ هو الذهب الأحمر، ويقَال‏:‏ بل هو لا يوجد إلا أن يذكر، وقَال

عَزَّ الوَفَاءُ - فَلاَ وَفَاءَ وإنه * لأعَزُّ وُجْدَاناً مِنْ الكِبْريتِ

2605 أَعَزُّ مِنْ مَرْوَانِ القَرَظِ

هو مروان بن زِنْبَاع العبسي، وكان يَحْمي القرظ لعزه، ويقَال‏:‏ بل سمى بذلك لأنه كان يغزو اليمن وبها منابتُ القَرَظِ، ووَصِفَ مروان للمنذر بن ماء السماء، فاستوفده عليه، فَقَال له، أنت مع ما حُبِيتَ به من العز في قومك، كيف عِلْمُكَ بهم‏؟‏ فَقَال أَبَيتَ اللعن، إني إن لم أعلمهم لم أعلم غيرهم، قَال‏:‏ ما تقول في عبس‏؟‏ قَال‏:‏ رمح حديد، إن لم تطعن به يطعنك، قَال‏:‏ ما تقول في فَزَارة، ‏؟‏ قَال‏:‏ وادي يحمى ويمنع قَالَ فما تقول في مرة قَال‏:‏ لا حُرَّ بوادي عَوْف، قَال‏:‏ فما تَقول في أَشْجَع‏؟‏ قَال‏:‏ ليسوا بِدَاعِيكَ ولا بِمِجيبيك، قَالَ فما تقول في عبد الله بن غَطَفَان‏؟‏ قَال‏:‏ صُقُور لا تصيدك‏:‏ قَال‏:‏ فما تقول في ثعلبة بن سعد‏؟‏ قَال‏:‏ أصواتٌ ولا أنيس‏.‏‏[‏ص 45‏]‏

2606- أَعَزُّ مِنْ حَلِيمَةَ

هي بنت الحارث بن أبي شمر ملك عرب الشام، وفيها سار المثل فقيل‏:‏ ما يَوْمُ حليمة بِسِرٍّ، وهذا اليوم هو اليوم الذي قُتل فيه المنذر بن ماء السماء ملك العراق، وكان قد سار بعربها إلى الحارث الأعْرَج الغَسَّاني، وهو الأكبر، وكان في عرب الشام، وهو أشهر أيام العرب وإنما نُسِبَ هذا اليوم إلى حليمة لأنها حَضَرَت المعركة مُحَضِّضَة لعسكر أبيها، فتزعم العرب أن الغبار ارتفع في يوم حليمة حتى سّدَّ عَينَ الشمس فظهرت الكواكب المتباعدة عن مطلع الشمس، فسار المثل بهذا اليوم، فقيل‏:‏ لأرِيَنَّكَ الكَواكِبَ ظُهْراً، وأخذه طَرَفَة فَقَال‏:‏

إِنْ تُنَوِّلْهُ فَقَدْ تَمْنَعُهُ * وَتُرِيهِ النَّجْمَ يَجْرِي بالظُّهُرْ

وقد ذكر النابغة يوم حليمة في شعره، فَقَال يصف السيوف‏:‏

تُخُيِّرْنا مِنْ أَزْمَانِ عَهْدِ حَلِيمَةٍ * إِلَى الْيَوْمِ قَدْ جُرِّبْنَ كُلَّ التَّجَارِبِ

2607- أَعَزُّ مِنْ أُمِّ قِرْفَةَ

هي امرَأة فَزَارية كانت تحت مالك بن حُذَيفة بن بدر، وكان يُعَلَّقَ في بيتها خمسون سيفاً لخمسين رجلا كلُّهم لها مَحْرَم

2608- أَعْدَى مِنَ الظَّلِيمِ

وذلك أنه إذا عدا مَدَّ جناحيه، فكان حُضْره بين العَدْو والطَّيَرَان

2609- أَعْدَى مِنَ الحَيَّةِ

هذا من العِدَاء، وهو الظلم، وهذا كقولهم‏"‏ أظْلَم من حيَّة‏"‏ وأما قولهم‏:‏

2610- أَعْدِي مِنَ الذِّئْبِ

فمن العِدَاء والعَدَاوة والعَدْو، وقولهم‏:‏

2611- أَعْدَى مِنَ الْعَقْربِ هذا مِنَ العِدَاء والعَدَاوة، وقولهم‏:‏

2612- أَعْدَى مِنَ الجَرَبِ

من العَدْوَى، وكذلك‏:‏

2613- أَعْدَى مِنَ الثُّؤَبَاءِ

من العَدْوَى أيضاً، والثُّؤَبَاء‏:‏ التثاؤب وزعم أن شِظَاظاً كان على ناقة يَتَبَعْ رجل وكان شِظَاظٌ رَجل مُغيراً، فتثاءب شِظاظ، فتثاءبت ناقته، وتثاءبت ناقة الرجل المطلوب، فتثاءب الرجل من فوقها فَقَال‏:‏

أَعْدَيْتِني فَمَنْ تُرَى أَعْدَاكِ * لا حَلَّ مَنْ أَغْفَي ولا عَدَاكِ

قَال حمزة يقول‏:‏ لاحَلَّ رَحْلَه مَنْ أَرْكَضَك‏.‏ ‏[‏ص 46‏]‏ قلت‏:‏ قد روى حمزة ‏"‏لاحل من غفا‏"‏ ثم قَال في تفسيره‏:‏ لاحل رحله من أركضك، وليس في البيت ما يدل على هذا المعنى؛ لأن غفا غير معروف، قَال ابن السكيت‏:‏ تقول أغفيت إذا نمت، ولا تقل‏:‏ غَفَوْت، يقول‏:‏ لاحل رَحْلَهُ من نام ولم يركضك حتى يفلت، والدليل عليه قولُ حمزة بعد هذا‏:‏ ثم التفت الرجل فإذا شِظَاظ في طلبه، فأَجْهَدَهَا حتى أفلت، وهذا هو الوجه

2614- أَعْدَى مِنَ الشَّنْفَرَى

هذا من العَدْو، ومن حديثه - في ما ذكر أبو عمرو الشيباني - أنه خرج هو وتأبَّطَ شراً‏:‏ وعمرو بن برَّاق فأغارو على بجيلة فوجدوا له رَصَداً على الماء، فلما مالوا له في جوف الليل قَال لهما تأبط شراً‏:‏ إن بالماء رَصَدَاً، وإني لأسْمَعُ وجِيبَ قلوب القوم، فَقَال‏:‏ ما تسمع شيئاً، وما هو إلا قَلْبك يَجِبُ، فوضع أيديَهُمَا على قلبه وقَال‏:‏ والله ما يَجِبُ وما كان وَجَّابا، قَالوا‏:‏ فلا بُدَّ لنا من ورود الماء، فخرج الشنفرى، فلما رآه الرصَدُ عَرَفُوه فتركوه حتى شرب من الماء، ورَجَع إلى أصحابه فَقَال‏:‏ والله ما بالماء أحد، ولقد شربت من الحوض، فَقَال تأبط شراً للشنفرى‏:‏ بلى، ولكن القوم لا يريدونك، وإنما يريدونني، ثم ذهب ابْنُ بَرَّاقَ فشرب ورجع ولم يَعْرِضوا له، فَقَال تأبط شراً للشنفرى‏:‏ إذا أنا كَرعْتُ في الحوض، فإن القوم سيشدون علي فيأسرونني، فاذْهَبْ كأنك تهرب، ثم كُنْ في أصل ذلك القَرْنِ فإذا سمعتَنِي أقول‏:‏ خذوا خذوا، فتعال فأطْلِقْنِي، وقَال لابن براق‏:‏ إني سآمُرُكَ أن تستأسر للقوم، فلا تَنْأََ عنهم ولا تمكنهم من نفسك، ثم مر تأبط شراً حتى وَرَدَ الماء فحين كَرَعَ في الحوض شَدَّوا عليه فأخذوه وكتفوه بوتر، وطار الشنفرى، فأتى حيث أمره، وانحاز ابنُ براقَ حيث يَرَونْه، فَقَال تأبط شرا‏:‏ يا معشر بَجيلة، هل لكم في خير أن تُيَاسرونا في الفِدَاء ويستأسر لكم ابنُ براق‏؟‏ قَالوا‏:‏ نعم، فَقَال‏:‏ ويلك يا بن براقَ أما الشفنرى فقد طار، وهو يصطلى نارَ بنى فلان، وقد علمت مابينَنَا وبين أهلك، فهل لك أن تستأسر ويُيَاسرونا في الفداء‏؟‏ قَال‏:‏ لا والله حتى أََرُوزَ نفسي شَوْطاً أوْشوطين فجعلَ يَسْتَنُّ نحو الجبل ويرجع حتى إذا رأوا أنه قد أََعْيى طَمِعُوا فيه فاتبعوه ونادى تأبط شراً‏:‏ خذوا خذوا، فخالف الشنفرى إلى تأبط شراً فقطع وَثاقه مال إلى عِنْده فناداهم تأبط شراً‏:‏ يا معشر بجيلة ‏[‏ص 47‏]‏ أعجبكم عَدْوُ ابن براق‏؟‏ أما والله لأعْدوَنَّ لكم عدوا ينسيكم عَدْوَّه، ثم احضروا ثلاثتهم، فَنَجوا وفي ذلك يقول تأبط شراً‏:‏

لَيلَةَ صاحوا وَأغْرَوا بِي سِرَعَهمُ * بلعبيتين لدى مَعْدَى ابنِ بَرَّاقِ

كأنَّما حّثْحَثُوا حُصَّاً قَوَدِمُهُ * أوْأمَّ خَشْفٍ بِذِى شَثّ وَطبَّاقِ

لا شَيْءَ أََسْرَعُ منيَّ غَيْرُ ذِي عذر * أوْذِي جَنَاحٍ بجَنْبِ الَّريْدِ خَفَاقِ

فكل هؤلاء الثلاثة كانوا عدَّئين، ولم يَسِرِ المثل إلا بالشَّنفرى

2615- أّّعْدَى مِنَ السُّلَيْك

هذا من العَدْوِ أيضاً ومن حديثه - فيما زعم أبو عبيدة - أنه رأته طَلاَئعُ جيشٍ لبكر بن وائل جاءوا متجردين ليغيروا على تميم، ولا يعلم بهم، فَقَالوا‏:‏ إن علم السليك بنا أَنْذَرَ قومه، فبعثوا إليه فارسين على جوادين، فلما هايَجَاه خرج يَمْحَص كأنه ظبي، فطارداه سَحَابَةَ نهارِه، ثم قَالا‏:‏ إذا كان الليل أعيا فسقط فنأخذه، فلما أصبحا وجَدَا أثره قد عثر بأصل شجرة فنزا ونَدَرَتْ قَوسُه فانحطمت، فوجدا قِصْدَةً منها قد ارَتزَّتْ في الأرض فَقَالا‏:‏ لعلَّ هذا كان من أول الليل ثم فَتَرا فتبعاه فإذا أثره متفاجا قد بال في الأرض وخَدَّ، فَقَالا‏:‏ مَالَه قَاتَله الله ماأشدَّ مَتْنَهُ، والله لاتبعناه، وانصرفا، فتم السليك إلى قومه، فأنذرهم، فكذبوه لبعد الغاية، فَقَال‏:‏

يُكَذبني العَمْرَانِ عَمْرُو بْنُ جُنْدبْ * وعَمْرُو بن سَعْدٍ، والمُكَذِّبُ أكْذَبُ

سَعَيْتُ لَعَمْرِ سَعْيَ غير مُعَجز * وَلا نَأنأ لَوْ أَنَّنِي لا أكَذَّبُ

ثَكِلتكُمَا إن لم أكُنْ قَدْ رَأيْتُها * كَرَادِيسَ يَهْدِيهَا إلى الحيِّ مَوْكِبُ

كَرَادِيس فيها الحَوْفَزَانُ وَحَوْلَهُ * فَوَارِيسُ همام مَتى يَدْعُ يَرْكَبُوا

وجاء الجيش فأغاروا وسليك تميمي من بني سعد، وسُلَكةُ أمُه، وكانت سوداء وإليها ينسب، السلكة‏:‏ ولد الحَجَلِ، وذكر أبو عبيدة السليك في العدائين مع المنتشر بن وهب الباهلي وأوفى بن مطر المازني، والمثلُ سار بِسُليك من بينهم

2616- أَعَقَ مِنْ ضَبٍّ

قَال حمزة‏:‏ أرادوا ضبة فكثر الكلام بها فَقَال‏:‏ ضب‏.‏ قلت‏:‏ يجوز أن يكن الضب اسم الجنس كالنعام والحمام والجراد، وإذا كان كذلك وقع على الذكر والأنثى‏.‏ ‏[‏ص 48‏]‏ قَال‏:‏ وعقوقها أنها تأكل أولادها وذلك أن الضب إذا باضَتْ حَرَسَتْ بيضها من كل ما قدرت عليه من وَرَل وحية وغير ذلك، فإذا نقبت أولادها وخرجت من البيض ظنتها شيئاً يريد بيضها فوثبت عليها تقتلها، فلا ينجوا منها إلا الشَّريد، وهذا مثل قد وضعته العرب في موضعه، وأتت بعلته، ثم جاءت إلى ما هو في العقوقَ مثل الضبة فضربت به المثل على الضد، فَقَالوا‏:‏ ‏"‏أبر من هرة‏"‏ وهي أيضاً تأكل أولادها، فحين سُئلوا عن الفرقَ وجّهوا أكل الهرة أولادَها إلى شدة الحب لها، فلم يأتوا في ذلك بحجة مُقنعة، قَال الشاعر‏:‏

أما تَرَى الدهْرَ وهذا الوَرَى * كَهِرَةٍ تأكُلُ أولادَهَا

وقَالوا أيضاُ‏:‏ أكرمُ من الأسد، والأم من الذئب، فحين طولبوا بالفرقَ قَالوا‏:‏ كرمُ الأسد أنه عند شَبعه يتجافى عما يمر به، ولُؤْم الذئب أنه في كل أوقاته متعرض لكل ما يعرض له، قَالوا‏:‏ ومن تمام لؤمه أنه ربما يعرض للإنسان منه إثنان فَيَتَساندان وَيُقْبِلانِ عليه إقبالا واحداً فإن ادمى الإنسان واحداً من الذئبين وثبَ الذئب الآخَر على الذئب المدمى فمذقه وأكله وترك الإنسان، وانشدوا لبعضهم‏:‏

وكنت كذئب السوء لما رأى دماًً * بِصَاحِبِهِ يوماً أحَالَ عَلَى الدَّمِ

أحال‏:‏ أي أقبل، قَالوا‏:‏ فليس في خَلقَ الله تعالى ألأم من هذه البهيمة؛ إذ يحدث لها عند رؤية الدم بِمُجَانسها الطمع فيه، ثم يحدث ذلك الطمع لها قوة تعدوا بها على الآخَر‏.‏ ومما أجروه مجرى الذئب والأسد والضب والهر في تضادِّ النعوت‏:‏ الكَبْش، والتَّيْسُ، فإنهم يقولون للرئيس‏:‏ يا كبش، وللجاهل‏:‏ يا تيس، ولا يأتون في ذلك بعلة، وكذلك المعز والضأن، يقولون فيهما‏:‏ فلان ماعز من الرجال، وفلان أمعز من فلان، أي أمْتَنُ منه، ثم يقولون فلان نَعْجَة من النِّعاج، إذا وَصفوه بالضعف والمُوقِ، وقَالوا العُنُوقَ بعد النُّوق، ولم يقولوا الحَمَل بعد الجَمَل‏.‏ قَال حمزة‏:‏ فمعنى قولهم ‏"‏العنوقَ بعد النوق‏"‏ أي بعد الحال الجليلة صغر أمركم، وهذا كما يُقَال‏:‏ الحور بعد الكور، وكذلك يقولون ‏"‏أبعد النوقَ العنوق‏"‏ فإن أرادوا ضد ذلك قَالوا ‏"‏أبعد العنوقَ النوق‏"‏ والأفراس عند العرب معز الخيل، والبراذين ضأنها، كما أن البُخْتَ ضأنُ الإبل، والجواميس ضأن البقر، وهذا كما حكى عن ‏[‏ص 49‏]‏ ثمامة أنه قَال‏:‏ النمل ضأن الذر، وخالفه مخالف فَقَال‏:‏ النمل والذر كالفأر والجرذان

2617- أَعقَ مِنْ ذِئْبَةٍ

لأنها تكون مع ذئبها فيُرمى، فإذا رأته أنه قد دمى شَدَّتْ عليه فأكلته، قَال رؤبة‏:‏

فَلاَ تَكُونِي يَابْنَةَ الأشَمَِ * وَرْقَاءَ دَمَّى ذِئْبَهَا المُدَمِّى

وقَال آخر‏:‏

فَتىً ليس لابن العَمِّ كالذِّئْبِ إن رَأي* بصَاحِبِهِ يَوْماً دَماً فَهْوَ آكِلُهْ

2618- أَعْطَشُ مِنْ ثُعَالَةَ

قد اختلفوا في التفسير؛ فزعم محمد بن حبيب أنها الثعلب، وخالفه ابن الأعرابي فزعم أن ثعالة رجل من بني مُجَاشع خرج هو ونجيح بن عبد الله بن مجاشع في غَزاة، ففوَّزا فلَقَم كل واحد منهما فَيْشَلة الآخَر وشرب بَوله، فتضاعف العطش عليهما من ملوحة البول، فماتا عطشانين، فضربت العرب بثُعالة المثلَ، وأنشد لجرير‏:‏

ما كانَ يُنْكَرُ في غَزِىِّ مُجَاشِع * أكْلُ الخَزِيرِ وَلا ارتِضاعُ الفَيْشَلِ

وقَال‏:‏

رَضَعْتُم ثم بَالَ عَلى لِحَاكُمْ * ثُعَالةُ حِينَ لَم تجدِواِ شَرَابَا

2619- أَعْطَشُ مِنَ النَّقَّاقَةِ

ويروى ‏"‏من النَّقَّاقِ‏"‏ أيضاً، يعنون به الضفدع، وذلك أنه إذا فارقَ الماء مات، ويقَال للإنسان إذا جاع‏:‏ نقَّتْ ضَفَادعُ بطنه، وصاحت عصافير بطنه‏.‏

2620- أَعْطَشُ مِنَ النَّمْلِ

لأنه يكون في القفار حيث لا ماء ولا مَشرب‏.‏

2621- أَعْذَبُ مِنْ مَاءِ البَارِقِ

وهو ماء السحاب يكون فيه البرق‏.‏

2622- وَمَاءِ الغَادِيَةِ

وهو ماء السحابة التي تغدو

2623- وَمَاءِ المَفَاصِلِ

وهو ماء المفصل بين الجبلين، قَال‏:‏ أبو ذؤيب‏:‏

وإنَّ حديثاً مِنْكِ لو تَبْذُلِينَهُ * جَنَى النَّحْلِ في ألبانِ عُوذٍ مَطَلِلِ

مَطَافِل أبكار حَدِيثٌ نِتَاجُها * تُشَابُ بمَاء مِثْلِ مَاءِ المَفَاصِلِ

2624- وَمَاءِ الحَشْرَجِ

وهو ماء الحصى، قَال‏:‏

فَلَثِمْتُ فَاهَا آخِذاً بِقُرُونِهَا * شُرْبَ النَّزِيفِ بِبَرْدِ مَاءِ الحَشْرَجَ ‏[‏ص 50‏]‏

ويقَال‏:‏ الحشرج الحِسْىُ، ويقَال هو الكوز اللطيف‏.‏

2625- أَعْجَلُ مِنْ نَعْجَةٍ إلى حَوْضٍ

لأنها إذا رأت الماء لم تنثن عنه بِزَجْرٍ ولا غيره حتى توافيه

2626- أَعْجَلُ مِنْ مُعْجِلِ أَسْعَدَ

قد مر تفسيره والخلاف فيه في باب الراء عند قولهم ‏"‏أَرْوى من معجل أسعد‏"‏

2627- أََعْبَثُ مِنْ قِرْدٍ

لأنه إذا رأى إنساناً يُولَع بفعل شَيء يفعله أخذ يفعل مثله‏.‏

2628- أَعْيَثُ مِنْ جَعَارِ

العَيث‏:‏ الفساد، وجَعَار‏:‏ الضبع، وقد مر ذكره في مواضع من هذا الكتاب

2629- أَعْقَدُ مِنْ ذَنَبِ الضَّبِّ

قَالوا إن عقده كثيرة، وزعموا أن بعض الحاضرة كسا أعرابياً ثوباً فَقَال له‏:‏ لأكافئنك على فعلك بما أعَلِّمك، كَمْ في ذنب الضب من عقدة‏؟‏ قَال‏:‏ لا أدري، قَال‏:‏ فيه إحدى وعشرون عُقْدَةً

2630- أَعْزَبُ رَأْياً مِنْ حَاقِنْ

الحاقن‏:‏ الذي أخذَه البَولُ، ومن ذلك يُقَال ‏"‏لا رَأي لحاقِنٍ‏"‏ وكذلك يُقَال‏:‏

2631- أَعْزَبُ رَأياً مِنْ صَارِبٍ

وهو الذي حَبَسَ غائطَه، ومنه قولهم‏:‏ صَرَبَ الصبيُّ ليسمن

2632- أَعْمَرُ مِنْ قُرَادٍ

قَال حمزة‏:‏ العربُ تدَّعي أن القُراد يعيش سبعمائة سنة، قَال‏:‏ وهذا من أكاذيب الأعراب والضَّجَرُ منهم به دَعَاهم إلى هذا القول فيه

2633- أّعْمَرُ مِنْ ضَبٍّ

حكى الزيادى عن الأَصمَعي أنه قَال‏:‏ يبلغ الحِسلُ مائةَ سنةٍ ثم تسقط سنُّة؛ فحينئذ يسمى ضبًّ؛ وأنشد لرؤبة

فقلت لو عُمِّرْتَ سِنَّ الحِسلِ * أوْعُمْرَ نُوحٍ زَمَنَ الفِطَحَلِ

والصَّخْرُ مُبتَلٌّ كَطِينِ الوَحْلِ * صِرْتَ رَهِينَ هَرَمِ أوْقَتْل

2634- أَعمْرُ مِنْ نَسْرٍ

تزعم العرب أن النسر يعيش خمسمائة سنة، وقد مر ذكر لقمان ولُبَد فيما تقدم من الكتاب في باب الهمز عند قولهم ‏"‏أتى أبَد على لُبَد‏"‏

2635- أَعْمَرُ مِنْ نَصْرٍ

يعنون نَصر بن دُهْمان، زعم أبو عبيدة أنه كان من قادة غَطَفان وسادتها، فعُمِّر ‏[‏ص 51‏]‏ حتى خرف، ثم عاد شاباً يافعاً، فعاد بياض شعره سواداً، ونبتت أسنانه بعد الدَّرَدِ‏.‏

قَال أبو عبيدة‏:‏ فليس في العرب أعجوبة مثلها، وأنشد لبعض شعراء العرب فيه‏:‏

كَنَصْرِ بِنْ دُهْمانَ الهُنَيْدَةَ عَاشَها * وَتَسْعِينَ حَوْلاً ثُم قُوِّمَ فانصاتا

وعَادَ سَوَادُ الرأسِ بعدَ بَيَاضهِ * وَرَاجَعَهُ شَرْخُ الشَّبَابِ الَّذي فَاتَا

فَعَاشَ بخَيرٍ في نَعيمٍ وَغِبْطَةٍ * ولكنَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَا كُلِّهِ مَاتَا

2636- أَعْمَرُ مِنْ مُعَاذٍ

هذا مثل مولَّد إسلامي، ومعاذ هذا‏:‏ هو مُعاذ بن مسلم، وكان صَحِبَ بني مروان في دولتهم، ثم صحب بني العباس، وَطَعَنَ في مائة وخمسين سبة، فَقَال فيه الشاعر‏:‏

إنَّ مُعَاذَ بنَ مُسلمِ رَجُلٌ * لَيْسَ يَقِيناً لِعُمْرِهِ أمَدُ

قَدْ شَابَ رَأسُ الزَّمانِ واكْتَهَلَ الـ * دَّهْرُ وَأثْوَابَ عُمْرِهِ جُدُدُ

قُلْ لِمُعَاذٍ إذا مَرَرْتَ بِهِ * قَدْ ضَجَّ مِنْ طُولِ عُمْرِكَ الأَبَدُ

يا بِكْرَ حَوَّاءَ كَمْ تَعِيشُ وَكَمْ * تَسْحَبُ ذَيلَ الحَياةِ يَالُبَدُ

قَدْ أصْبَحَتْ دَارُ آدَمٍ خَرِبَتْ * وَأَنْتَ فِيها كأنكَ الوَتِدُ

تَسأَلُ غِرْبَانَهَا إذا نَعَبَتْ * كَيْفَ يَكُونُ الصُّدَاعُ وَالرَّمَدُ

مُصَحَّحاً كالظَّلِيمِ تَرْفُلُ في * بُرْدَيْكَ مِنْكَ الجبِينُ يتَّقِدُ

صَاحَبْتَ نُوْحَاً ورُضْتَ بَغْلَةَ ذِي الـ * قَرْنَينِ شيْخَاً لِوُلْدِكَ الولَدُ

مَا قَصَّرَ الجَدُّ يَا مُعَاذُ وَلاَ * زُحْزِحَ عَنْكَ الثَّراءُ وَالعُدَد

فَاشْخَصْ وَدَعْنا فَإنَّ غَايَتَكَ الـْ * مَوْتُ وإن شَدَّ رُكْنَكَ الجَلَدُ

2637- أَعْقَلُ مِنْ ابْنِ تقْنٍ

هذا رجل يُقَال له‏:‏ عَمْرو بن تقْنٍ، وهو الذي يُضرَبْ به المثل فيقَال‏:‏ أرْمى مِن ابنِ تِقْنٍ، وكان من عادٍ من عقلائها ودُهاتها، وكان لقمان بن عاد أراده على بيع إبل له معجبة، فامتنع عليه، واحْتال لقمان في سرقتها منه، فلم يمكنه ذلك، ولا وجَد غِرَةٍ منه، وفيه قَال الشاعر

أتَجْمعُ انْ كُنْتَ ابنَ تِقْنٍ فَطَانَةً * وتُغْبَنُ أحْيَاناً هَنَاتٍ دَوَاهِيا

وأما قولهم‏:‏ هو

2638- أَعْلَمُ بِمَنْبِتِ القَصِيصِ

فالمعنى أنه عارف بموضع حاجته، والقَصيص‏:‏ منابتُ الكَمْأة، ولا يعلم ذلك ‏[‏ص 52‏]‏ إلا عالم بأمور النبات، وأما قولهم‏:‏ هو

2639- أَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ يُؤْكَلُ الكَتِفَ

فزعم الأَصمَعي أن العرب تقول للضعيف الرأي‏:‏ إنه لا يحسن أكْلَ لَحم الكتف

2640- أَعْجَزُ مِنْ هِلْبَاجَةٍ

هو النَّؤُوم الكَسْلان العطل الجافي قَال حمزة‏:‏ وقد سار في وصف الهلباجة فَصْلٌ لبعض الأعراب المتفصِّحِينَ، وفصل آخر لبعض الحضريين، فأما وصف الأعرابي فإن الأصمعي قَال‏:‏ أخبرني خَلَفٌ الأحمر أنه سأل ابن أبي كبشةَ ابن القَبْعَثري عن الهلباجة، فتردد في صدره من خبث الهلباجة مالم يستطع معه إخراج وصفه في كلمةٍ واحدة، ثم قَال‏:‏ الهلباجة الضعيف العاجز الأخرقَ الأحمقُ الجِلْفُ الكَسلان الساقطُ، لامَعْنى فيه، ولا غَنَاء عنده، ولا كِفايةَ معه، ولا عملَ لَديه، وبلى يستعمل، وضِرسُهُ أشدُّ من عمله، فلا تحاضِرانَّ به مجلساً، وبلى فَليَحْضُرْ ولا يتكلَّمَنّ

وأما وصف الحضريِّ فإن بعض بلغاء الأمصار سئل عن الهِلْباجَةِ فَقَال‏:‏ هو الذي لا يَرْعَوِي لعذل العاذل، ولا يُصْغِي إلى وَعْظَ الواعظ، ينظر بعين حَسود، ويُعْرَض إعراض حَقُود، إن سأل أَلْحَفَ، وإن سُئل سَوَّفَ‏.‏ وإن حدَّثَ حَلَفَ، وإن وعد أخْلف، وإن زَجَر عَنَّف، وإن قدر عَسَفَ، وإن احتمل أسف، وإن استغنى بَطَر، وإن افتقر قَنِطَ، وإن فرح أشِرَ، وإن حزن يئس، وإن ضحِكَ زَأر، وإن بكى جَأر، وإن حَكم جَار، وإن قدمته تأخَّرَ، وإن أخَّرته تقدَّم، وإن اعطاك منَّ عليك، وإن أعطيته لم يشكُرْك، وإن أسْرَرت إليه خَانَكَ، وإن أسرَّ إليك اتهمك، وإن صار فوقَكَ قَهَرك، وإن صار دُونَك حسَدك، وإن وثِقْتَ به خانك، وإن انبسطْتَ إليه شانك، وإن أكرمتَه أهانكَ، وإن غاب عنه الصديقَ سلاَه، وإن حضَرَهُ قَلاَه، وإن فاتحه لم يُجبه، وإن أمسك عنه لم يَبْدَأه، وإن بدأ بالودِّ هجَر، وإن بدأ بالبر جَفَا، وإن تكلمَّ فَضَحه العِيّ، وإن عمل قصَّر به الجهل، وإن اؤتُمِنَ غدَرَ، وإن أجار أخْفر، وإن عاهد نكثَ، وإن حلف حَنِث، لا يصدر عنه الآمل إلا بِخَيْبَةٍ ولا يضطر إليه حر إلا بمِحنة‏.‏ قَال خلف الأحمر‏:‏ سألت أعرابياً عن ‏[‏ص 53‏]‏ الهِلْبَاجة فَقَال‏:‏ هو الأحمقَ الضَّخم الفَدْم الأكُول الذي والذي، ثم جعل يلقاني بعد ذلك ويزيد في التفسير كلَّ مرة شيئاً، ثم قَال لي بعد حينٍ وأراد الخروج‏:‏ هو الذي جمَعَ كل شر‏.‏

2641- أعْجَزُ مِمَّنْ قَتَلَ الدُّخَانُ

هو الذي ضرب به المثل فَقيل‏:‏ أيُّ فتَىً قتل الدخان، وقد مر ذكره في الباب الأول من الكتاب‏.‏

قَال ابن الأعرابي‏:‏ هو رجل كان يطبخ قِدْراً، فغشيه الدخان، فلم يتحول حتى قتله فجعلت ابنته تبكيه وتقول‏:‏ يا أبَتاه، وأي فتىً قتل الدخان، فلما أكثرت قَال لها قائل‏:‏ ‏"‏لو كان ذا حيلة تَحَوَّل‏"‏ وهذا أيضاً مثل، ولقوله ‏"‏تحول‏"‏ وجهان‏:‏ أحدهما التنقل، والآخَر طَلَبُ الحيلَة‏.‏ وأما قولهم‏:‏

2642- أعْجَزُ عَنِ الشَيء مِنَ الثَّعلَبِ عَنِ العُنْقُودِ

فإن أصل ذلك أن العرب تَزْعُمُ أن الثعلب نظر إلى العنقود فَرَامه فلم يَنَلْهُ فَقَال‏:‏ هذا حامض وحكى الشاعر ذلك، فَقَال‏:‏

أيُّهَا العائبُ سَلْمى * أنْتَ عِنْدِي كَثُعَالَهْ

رَامَ عُنْقُوداً فَلَمَّا * أَبْصَرَ العُنْقُودَ طَالَهْ

قَال هَذَا حَامِضٌ لمـ * ا رأى أنْ لا يَنَالَهْ

2643- أَعْجَزُ مِنَ مُسْتَطْعِمِ العِنَبِ مِنَ الدَّفْلَي

هذا من قول الشاعر‏:‏

هَيْهَاتَ جِئْتَ إلى دِفْلَى تُحَرِّكُهَا * مُسْتَطْعِماً عِنَباً حَرَّكْتَ فَالْتَقِطِ

2644- أعْجَزُ مِنَ جانِي العِنَبِ مِنَ الشَّوكِ

هذا أيضاً من قول الشاعر‏:‏

إذا وَتَرْتَ امْرَأً فَاحْذَرْ عَدَاوَتَهُ * مَنْ يَزْرَعِ الشَّوكَ لا يَحْصِدْ به عِنَبِا

قَال حمزة‏:‏ وهذا الشاعر أخذ هذا المثل من حكيم من حكماء العرب من قوله ‏"‏من يزرع خيراً يَحْصِدْ غِبْطَة، ومن يزرع شراً يَحْصِدْ نَدَامة، ولن يَجْتَنِي من شوكةٍ عِنَبَةً‏"‏

2645- أََعْطَفُ مِنْ أمِّ إحْدى وَعِشْريِنَ

هي الدَجاجة؛ لأنها تحضن جميع فراخها، وتزقَ كُلَّها وإن ماتت إحداهن تبيَّن الغمُّ فيها‏.‏

2646- أََعَزُّ مِنَ اسْتِ النّمِرِ

ويقَال ‏"‏أمنع‏"‏ ‏[‏ص 54‏]‏

2647- أََعَزُّ مِنْ أََنْفِ الأسَدِ

ويراد به المَنَعَةُ أيضاً

2648- أََعْطَشُ مِنْ قَمْعٍ ‏(‏قمع - بوزن كلب أو جذع أو عنب‏)‏

2649- أََعْجَلُ مِنْ كَلْبٍ غلى وُلُوغِهِ

2650- أََعْرَضُ مِنَ الدَّهْنَاءِ

2651- أََعْرَي مِنْ إصْبَعٍ، و ‏"‏مِنْ مِغزلٍ‏"‏، و ‏"‏مِنْ حيَّةٍ‏"‏، و ‏"‏مِنَ الأيِّمِ‏"‏، و‏"‏مِنَ الرَّاحةِ‏"‏، و‏"‏مِنَ الْحَجَرِ الأسودِ‏"‏

2652- أََعْلَقَ مِنْ قُرَادٍ، و ‏"‏مِنَ الْحِنَّاءِ‏"‏

2653- أََعْطَى مِنْ عَقْرَبٍ

لم يذكر حمزة معنى قوله ‏"‏أعطى من عقرب‏"‏ ويمكن أن يُقَال‏:‏ إنه اسم رجل مِعْطَاء، أو يقال‏:‏ أرادوا هذه العقرب المعروفة، وأعطى على هذا من العَطَو الذي هو التَّناول، أي أنه أكثر تناولاً لأعراض الناس من العقرب التي تأبِرُ كلَّ ما مرَّتْ به، فأما عقرب الذي يضرب به المثل، فيقَال ‏"‏أتْجَرُ من عقرب‏"‏ و‏"‏أمطل من عقرب‏"‏ فهو ممن لا يضرب به المثل في كثرة العطاء، هذا ما سَنَحَ في معنى هذا المثل، والله أعلم

2654- أََعْدَلُ مِن الميزانِ

2655- أََعْتَقَ مِنْ بُرٍّ

2656- أََعْلَمُ مِنْ دَغْفَلٍ

2657- أََعْمَرُ مِنَ ابْنِ لَسَانِ الْحُمَّرّةِ

2658- أََعلَمُ مِنْ دَعِىٍّ

2659- أََعْمَقَ مِنَ البَحْرِ

2660- أََعْزُّ مِنَ التِّرْياقِ، و ‏"‏مِنْ ابْنِ الخَصِىّ‏"‏ و‏"‏مِنْ مُخَّ البَعُوضِ‏"‏، و ‏"‏مِنْ عُقَابِ الجَوِّ‏"‏‏.‏‏[‏ص 55‏]‏

*3* المولدون

عِزُّ المَرْءِ اسْتَغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ‏.‏

عَارُ النِسَاءِ بَاقٍ‏.‏

عَيْنُ القِلادَةِ، وَرَأْسُ التَّخْتِ، وَأوَّلُ الجَرِيدَةِ، وَبَيْتُ القَصِيِدةِ، ونُكْتةُُ المسْأَلَةِ‏.‏

عِنَايةُ القَاضِي خَيْرٌ مِنَ شَاهِدىَ عَدْلٍ

عُين الهَوى لا تَصُدقُ‏.‏

عَلَيكَ بالْجَنَّةِ؛ فإن النَّارَ في الكَفِّ‏.‏

عُصَارَةُ لؤْمٍ فِي قَرَارةِ خُبْثٍ

عَلَيهِ الدَّمارُ، وَسُوءُ الدَّارِ

عَلَيهِ مَا عَلَى الطَّبْل يَوْمَ العِيدِ

عَلَيهِ مَا عَلَى أَصْحَابِ السَّبْتِ‏.‏

أي اللعنة‏.‏

عَلَيهِ مَا عَلَى أبي لَهَبٍ‏.‏

عَلَى هذا قُتِلَ الوَليد‏.‏

يعنون الوليد بن طَرِيفٍ الخارِجِي‏.‏

يضرب للأمر العظيم يَطْلُبه مَنْ ليس له بأهل‏.‏

عُذْرٌ لم يَتَوَل الحقُّ نَسْجَهُ‏.‏

عُقُولُ الرِّجالِ تَحْتَ أَسِنَّةِ أَقْلامِها

عَلَى حَسَبِ التَّكبُّرِ في الولاَيةِ يَكُونُ التَّذَلُّلُ في العَزْلِ‏.‏

عَلَيكَ مِنَ المال ما يَعُوُلُكَ ولاَ تَعُولُهُ‏.‏

العَادَةُ تَوْأمُ الطَّبِيعَةِ‏.‏

العَزْلُ طَلاقَ الرِّجالِ، وحَيضُ العُمَّالِ قَال الشاعر‏:‏

وَقَالوا العَزْلُ للعُمَّال حَيْضٌ * لَحَاهُ الله من حَيْضٍ بَغِيضِ

فإنْ يَكُ هَكَذا فأبُو عَلٍيٍّ * مِنْ اللائى يَئِسنَ مِنَ المَحِيضِ

العادَةُ طَبيعَةٌ خامِسةٌ‏.‏

العِرْقَ نَزَّاعٌ‏.‏

العِزُّ في نواَصي الخَيلِ‏.‏

العِفَّة جَيشٌ لا يُهْزَمُ‏.‏

العَرَقَ يَسرى إلى النَّائِمِ‏.‏

العَقْلُ يُهابُ ما لا يُهَابُ السَّيفُ‏.‏

الأعمى يَخْرَأُ فوقَ السَّطح، ويَحْسَبُ النَّاسَ لا يَرَوْنَهُ‏.‏

العَجيزةُ أَحَدُ الوَجْهَينِ‏.‏

عَادَةٌ تَرَضَّعَتْ بِرُحِها تَنَزَّعَتْ‏.‏‏[‏ص 56‏]‏

الباب التاسع عشر فيما أوله غين

  ما جاء على ما أفعل من هذا الباب

  المولـــدون

الباب التاسع عشر فيما أوله غين

2661- غُرَّةٌ بَينَ عَيْنَى ذِي رَحِمٍ

أي ليس تَخْفَي الودَادة والنصح من صاحبك، كما لا يخفى عليك حُبُّ ذي رحمك لك نظره؛ فإنه ينظر بعين جَلِيلة، والعدو ينظر شزْراً، وهذا كقولهم ‏"‏جَلىً مُحِبٌّ نَظَره‏"‏ والتقدير‏:‏ غرته غرة ذي رحم‏.‏

2662- غَضَبَ الخَيلُ عَلى اللُّجُمِ

يضرب لمن يغضب غضباً لا ينتفع به، ولا موضع له‏.‏

ونصب ‏"‏غَضَبَ‏"‏ على المصدر، أي غضِبَ غَضَبَ الخيلِ‏.‏

2663- غَلَبَتْ جِلَّتَها حَوَاشِيها

الحاشية‏:‏ صغار الإبل، سميت حاشية وحشواً لأنها تحشو الكبار‏:‏ أي تتخللها، ويجوز أن يكون من إصابتها حَشَي الكبارِ إذا انضمت إلى جنبها، والجِلَّة‏:‏ عظامُهَا، جمع جَلِيل، ويراد بهما الصغار والكبار‏.‏

يضرب لمن عظم أمره بعد أن كان صغيراً فغلب ذوي الأسنان‏.‏

2664- غَشَمْشَمٌ يَغْشَى الشَّجَرَ

يراد به السيل؛ لأنه يركب الشجَرَ فيدقه ويقلعه، ويراد أيضاً الجَمَلُ الهائج، ويقَال لهما الأيهَمَان‏.‏

يضرب للرجل لا يبالي ما يصنع من الظلم وتقديره‏:‏ سيل غشمشم، أي هذا سيل، أو هو سيل‏.‏

2665- غَرْثَانُ فارْبُكُوا لَهُ

يُقَال‏:‏ دخَلَ ابنُ لسان الحُمَّرَة على أهله وهو جائع عطشان، فبشروه بمولود وأَتَوْهُ به، فَقَال‏:‏ والله ما أدرى أآكله أم أشربه فَقَالت امرأته‏:‏ غَرْثَانُ فاربُكُوا له، وروى ابن دريد ‏"‏فابكلوا له‏"‏ من البكيلة وهي أَقِطٌ يُلَتُّ بسمن، والربيكة‏:‏ شَيء من حِسا وأقط، قَال‏:‏ فلما طعم وشرب، قَال‏:‏ كيفَ الطَّلا وأمه‏؟‏ فارسلها مَثَلاً يضرب لمن قد ذهبَ هَمه وتفرغ لغيره

2666- غَزْوٌ كَوَلْغِ الذَّئبِ

الوَلْغ‏:‏ شرب السباع بألسنتها، أي غزو متدارك متتابع ‏[‏ص 57‏]‏

2667- غُدَّةُ كَغُدَّةِ البَعِيرِ وَمَوْتٌ في بيْتِ سَلُولِيَّةٍ

ويروى ‏"‏أغدة وموتاً‏"‏ نصبا على المصدر، أي أؤُغَدُّ إغْدَاداً وأموت موتاً، يُقَال ‏"‏أَغَدَّ البعيرُ‏"‏ إذا صار ذا غُدَّة، وهي طاعونة، ومن روى بالرفع فتقديره‏:‏ غدتى كغدة البعير وموتى موت في بيت سلولية، وسلول عندهم أقلُّ العرب وأذُّلهم وقَال‏:‏

إلى الله أَشْكُو أننَّي بتُّ طَاهِراً * فَجَاء سَلُولي فبَالَ عَلى رِجْلي

فقلت‏:‏ اقطعُوهَا بارَكَ الله فيكُمُ * فإنِّي كَريمٌ غيرُ مُدْخِلِهَا رَحْلىِ

وهذا من فول عامر بن الطُّفَيْل، قَدِمَ على النبي صلى الله عليه وسلم وقدم معه أَرْبَدُ بن قيس أخو لَبيد ابن ربيعة العامري الشاعر لأمه، فَقَال رجل‏:‏ يا رسول الله هذا عامر بن الطُّفَيل قد أقبل نحوك، فَقَال دعْهُ فإن يُردِ الله تعالى به خيراً يَهْدِهِ، فأقبل حتى قام عليه، فَقَال‏:‏ يا محمد مالي إن أسلمت‏؟‏ قَال‏:‏ لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم، قَال‏:‏ تجعل لي الأمر بعدك، قَال‏:‏ لا، ليس ذاك إلى، إنما ذاك إلى الله تعالى يجعله حيث يشاء، قَال‏:‏ فتجعلني على الوَبَر وأنت على المَدَرْ، قَال‏:‏ لا، قَال‏:‏ فماذا تجعل لي‏؟‏ قَال صلى الله عليه وسلم‏:‏ أجعلُ لك أَعِنَّةَ الخيل تغزو عليها قَال‏:‏ أو ليس ذلك إليَّ اليومَ‏؟‏ وكان أوصى إلى أربد بن قيس إذا رأيتني أكلمه فدُرْ من خَلْفه فاضربه بالسيف، فجعل عامر يخاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويراجعه، فدار أربد خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليضربه، فاخترط من سيفه شبرا، ثم حبَسَه الله تعالى فلم يقدر على سَلِّهِ، وجعل عامر يُومئ إليه، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أربد وما يصنع بسيفه، فَقَال صلى الله عليه وسلم‏:‏ اللهم اكفِينِيهَما بما شِئت، فأرسل الله تعالى على أربد صاعقةً في يوم صائف صاح فأحرقته، وولى عامر هارباً وقَال‏:‏ يا محمدُ دعوتَ رَبَكَ فقتل أربد، والله لأملأنَّهَا عليك خيْلاً جُرْداً وفتياناً مُرْداً، فَقَال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يمنعُكَ الله تعالى من ذلك وابنا قَيْلَةَ - يريد الأوس والخزرج - فنزل عامر ببيت امرَأة سَلُولَّية، فلما أصبح ضَمَّ عليه سلاحَهُ وخرج وهو يقول‏:‏ واللات لئن أصْحَرَ محمد إلى وصاحبه - يعني ملك الموت - لأنفذنَّهما برمحي، فلما رأى الله تعالى ذلك منه أرسل ملكاً فَلَطَمه بجناحه، فأذرأه في التراب وخرجت على ركبته غُدَّة في الوقت عظيمة، فعاد إلى بيت السَّلولية وهو يقول‏:‏ غُدَّة ‏[‏ص 58‏]‏ كغُدَّةِ البعير وموت في بيت سلولية، ثم مات على ظهر فرسه‏.‏

يضرب في خَصْلَتين إحداهما شر من الآخَرى‏.‏

2668- غَمَراتٌ ثُمَّ يَنْجَلِينَ

يُقَال‏:‏ إن المثل للأغلب العِجْلَى يضرب في احتمال الأمور العظام والصبر عليها‏.‏

ورفع ‏"‏غمرات‏"‏ على تقدير هذه غمرات، ويروى ‏"‏الغَمَرات ثم ينجلين‏"‏وكأنه قَال‏:‏ هي الغمرات، أو القصة الغمرات تُظْلِم ثم تنجلي، وواحدة الغَمَرات - وهي الشدائد - غَمْرَة، وهي ما تغمر الواقع فيها بشدتها‏:‏ أي تقهره

2669- غَنِيَتِ الشَوْكَةُ عَنِ التَّنقِيحِ

أي عنْ التَسوية والتحديد، يُقَال ‏"‏نَقَّحْتُ العُودَ‏"‏ إذا بريت عنه أبَنَهُ ‏(‏الابن‏:‏ جمع أبنة، وهي العقدة تكون في العود‏.‏‏)‏ وسَويته‏.‏ يضرب لمن يَبَصِّرُ مَنْ لا يحتاج إلى التبصير‏.‏

2670- أَغَيْرَةً وَ جُبْنَاً

قَالته امرَأة من العرب تعير به زوجها، وكان تخلَّف عن عدوه في منزله، فرآها تنظر إلى قتال الناس، فضربها، فَقَالت‏:‏ أغير وجبناً‏؟‏ أي أتغار غيرة وتجبن جبناً، نصباً على المصدر، ويجوز أن يكونا منصوبين بإضمار فعل وهو أتجمع‏.‏

يضرب لمن يجمع بين شرين، قَاله أبو عبيد‏.‏

2671- غَرَّني بُرْدَاكِ مِنْ خَدَافِلي

ويروى ‏"‏غدافلي‏"‏ وبالخاء أصح، وعليه الإعتماد، قَال المنذري‏:‏ قرأته بخط أبي الهيثم‏"‏خَدَافلي‏"‏ قَال‏:‏ وهي الخُلْقَان، ولا واحد للخَدَافل‏.‏

وأصل المثل أن رجلا استعار من امرَأة بُرْدَيْها، فلبسهما ورَمَى بخُلْقان كانت عليه، فجاءت المرأة تسترجع برديها، فَقَال الرجل‏:‏ غَرَّنِي بُرْدَاك من خَدَافلي‏.‏ يضرب لمن ضَيَّع ماله طمعاً في مال غيره

2672- غَثُّكَ خَيْرٌ مِنْ سَمِيَنِ غَيْرِكَ

قَال المفضل‏:‏ أول مَنْ قَال ذلك مَعْن بن عطية المَذْحِجى، وذلك أنه كانت بينهم وبين حي من أحياء العرب حرب شديدة، فمر معن في حملة حملها برجل من حربه صريعاً، وقَالَ‏:‏ امْنُنْ عليَّ كُفيتَ البلاء، فأرسلها مَثَلاً، فأقامه معن وسار به حتى بلغه مأمنَه، ثم عطف أولئك القوم على مَذْحج فهزموهم وأسروا معنا واخاً له يُقَال له روق، ‏[‏ص 59‏]‏ وكان يُضَعّف ويُحمَّق، فلما انصرفوا إذا صاحبُ معنٍ الذي نجاه أخو رئيس القوم، فناداه معن، وقَال‏:‏

يا خَيْرَ جازٍ بيدٍ * أوليتها نج منجيك

هل من جَزَاءٍ عندَكَ الـ * يَوْمَ لمن رَدَّ عَوَادِيك

مِنْ بَعْدِ ما نالتك بالْـ * كَلَمِ لَدَى الْحَرْبِ غَوَاشيك

فعرفه صاحبيه فَقَال لأخيه‏:‏ هذا المانُّ على ومُنْقِذِي بعد ما أشرفتُ على الموت فَهَبه لي، فوهبه له، فخليَّ سبيله، وقَال‏:‏ إني أحبُّ أن أضاعفَ لك الجزاء، فاختر أسيراً آخر، فاختار معن أخاه روقا، ولم يلتفت إلى سيد مَذْحِج وهو في الأسارَى، ثم انطلق معن وأخوه راجعين، فمرا بأسارى قومهما، فسألوا عن حاله، فأخبرهم الخبر، فَقَالوا لمعن‏:‏ قبَّحكَ الله، تدعُ سيدَ قومك وشاعرهم لا تفكه، وتفك أخاك هذا الأنْوَكَ الفَسْل الرَّذل‏؟‏ فو الله ما نكأ جُرحاً، ولا أعمل رُمحاً، ولا ذعر سَرحاً، وإنه لقبيح المَنظر، سيئ المَخْبر لئيم، فَقَال معن‏:‏ غَثُّكَ خيرٌ من سمين غيرك، فأرسلها مَثَلاً‏.‏

ولما بايع الناس عبد الله بن الزبير تمثل بهذا المثل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فَقَال‏:‏ أين المذهب عن ابن الزبير‏؟‏ أبوه حَوَارِىُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَجَدَّتُه عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت عبد المطلب، وعمته خديجة بنت خويلد زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وخالته أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وجده صِدِّيقَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر رضي الله عنه، وأمه ذاتُ النِّطَاقين قَال ابن عباس رضي الله عنهما، فشَددْتُ على يَدِهِ وعضُده، ثم آثر على الحميدات والأسامات فبأوتُ نفسي، ‏(‏بأوت نفسي - من باب سعى ويأتي من باب دعا قليلا - علوت بها وفخرت‏.‏‏)‏

ولم أَرْضَ بالهَوَان، وإن ابن أبي العاصي مَشَى اليَقْدَمِيَّةَ، وإن ابن الزبير مشى القَهْقَرَى، ثم قَالَ لعلي بن عبد الله بن عباس ‏:‏ الحَقْ بابن عمك فغَثُّكَ خيرٌ مِن سمين غيرك، ومنك أنفُكَ وإن كان أجدعَ، فلحق ابنُهُ علي بن عبد الملك بن مروان، فكان آثَرَ الناسِ عنده‏.‏ قوله ‏"‏آثرَ على الحميدات‏"‏ أراد قوماً من بني أسد بن عبد العُزَّى من قرابته، وكأنه صغرهم وحقرهم، قَالَ الأصمعي‏:‏ الحمديون من بني أسد من قريش‏.‏

وابن أبي العاصي‏:‏ عبدُ الملك بن مروان نسبه إلى جده‏.‏ ‏[‏ص 60‏]‏

وقوله‏"‏مشى اليقدمية‏"‏ أي تقدم بهمته وأفعاله‏.‏

قلت‏:‏ يُقَال‏:‏ مشى فلان اليقْدِميَّة والقدمية؛ إذا تقدم في الشرف والفضل، ولم يتأخر عن غيره في الإفضال على الناس، قَال أبو عمرو‏:‏ معناه التبختر، وهو مثل، ولم يرد المشي بعينه، كذا رواه القوم اليقدمية بالياء، والجوهري أورده في كتابه بالتاء، وقَال‏:‏ قَالَ سيبويه‏:‏ التاء زائدة، وفي التهذيب بخط الأزهري بالياء، منقوطة من تحتها بنقطتين كما روى هؤلاء‏.‏

2673- الغَبْطُ خَيْرٌ مِنَ الهَبْطِ

ويقولون‏:‏ اللهم غَبْطاً لاهبطاً، يريدون اللهم ارتفاعاً لا اتضاعاً، أي نسألك أن تجعلنا بحيث نُغْبَط، والهَبْطُ‏:‏ الذل، يُقَال‏:‏ هَبَطَه فهَبَطَ، لازم ومتعد، قَاله الفراء

2674- غُلٌّ قَمِلٌ

يضرب للمرأة السيئة الخلق‏.‏

قَال الأَصمَعي‏:‏ إنهم كانوا يغلون الأسير بالقِدِّ، وعليه الوَبَر، فإذا طال القِدُّ عليه قمِل فلقى منه جَهْداً، فضرب لكل ما يلقى منه شدة‏.‏

2675- غَيْضٌ مِنْ فَيْضٍ

أي قليل من كثير‏.‏ الغيض‏:‏ النقصان، والفيض‏:‏ الزيادة، يُقَال‏:‏ غاض يغِيْضُ غَيْضاً، ومثله فاض، وهذا كقولهم ‏"‏بَرْضٌ من عِدٍّ‏"‏ والبرض‏:‏ القليل من كل شَيء، والعِدّ‏:‏ الماء الذي له مادة، ومنه قول ذي الرمَّة‏:‏

دَعَتْ مَيَّةُ الأعْدَادَ وَ اسْتَبْدَلَتْ بِهَا * خَنَاطِيل آجال من العين خُذَّل

‏(‏الخناطيل‏:‏ جمع خنطولة وهي قطيع البقر، والهاء في ‏"‏استبدلت بها‏"‏ تعود إلى منازلها‏.‏‏)‏

2676- غَلَّ يَداً مُطْلِقُها، واسْتَرَقَ رَقَبَةً مُعْتِقُهَا

يضرب لمن يُسْتَعبد بالإحسان إليه‏.‏

2677- غادَرَ وهْيَةً لا تُرْقَعُ

أي فتَقَ فَتْقاً لا رتْقَ له‏.‏ يضرب في الداهية الدهياء‏.‏

2678- غَضْبَانُ لمْ تُؤْدَمْ لهُ البَكِيلَةُ

هذا قريب من قولهم ‏"‏غَرْثانُ فَارْبُكُوا له‏"‏ والبكيلة‏:‏ الأقِط بالدقيقَ يُلَتُّ به فيؤكل بالسمن من غير أن تمسه النار‏.‏

2679- الغَمْجُ أَرْوَى والَّرشِيفُ أَشْرَبُ

الغَمجُ‏:‏ الشرب الشديد، والرشيف‏:‏ القليل‏.‏ ‏[‏ص 61‏]‏

قَال أبو عمرو‏:‏ أي أنك إذا أقبلْتَ ترشف قليلا قليلا أوشَكَ أن يُهجم عليك مَنْ ينازعك فاحتكر لنفسك‏.‏

يضرب في أخذ الأمر بالوَثِيقَةِ والحَزْم

2680- غَلَبْتُهُمْ أنِّي خُلِقْتُ نُشَبَةً

يضرب لمن طَلَبَ شَيئاً فألحَّ حتى أْحرَز بغيته‏.‏ ونُشَبةً مثل همزة‏:‏ من النُّشُوب، يُقَال‏:‏ نَشِبَ في الشَيء، إذا عَلِقَبه، ورجل نُشَبة‏:‏ أي كثير النشوب في الأمور‏.‏

2681- اسْتَغَاثَ مِنْ جُوعٍ بِمَا أَمَاتَهُ

يضرب لمن استغاث يُؤْتَى من جهته قَال الشاعر‏:‏

لَعَلكَ أن تَغَصَّ بِرأسِ عَظْمٍ * وعَلَّكَ في شَرَابِكَ أنْ تَحِينَا

2682- غَداً غَدُها إنْ لمْ يَعُقْنِي عَائِقٌ

الهاء كناية عن الفَعْلة‏:‏ أي غداً غَدُ ضائها إن لم يحبسني حابس‏.‏

2683- اُغْفِرُوا هَذا الأمْرَ بِغَفْرَتِهِ

أي أصلحوه بما ينبغي أن يصلح به، والغَفْرة في الأصل‏:‏ ما يُغَطَّى به الشَيء من الغَفْر وهو السَتر والتَّغْطية‏.‏

2684- الغَضَبُ غُولُ الحِلْمِ

أي مُهْلكه، يُقَال‏:‏ غَالَه يَغُوله واغْتَاله إذا أهلكه، ويقَال‏:‏ أَيَّةُ غُولٍ أَغْولُ من الغضب، وكل ما أغال الإنسان فأهلكه فهو غُولٌ‏.‏

2685- غَلَقَ الرَّهْنُ بما فيِه

يضرب لمن وقع في أمرٍ لا يرجو انتياشاً منه‏.‏

وفي الحديث ‏"‏لا يَغْلِق الرهن‏"‏ أي لا يستحقه مرتهنه إذا لم يَرُدَّ الراهنُ ما رهنَهُ فيه، وكان هذا من فعل الجاهلية فأبطَلَهُ الإسلام‏.‏

2686- غّنظُوكَ غَنْظَ جَرَادَةِ العَيَّارِ

الغَنْظ‏:‏ أشد الغيْظ والكَرب، يُقَال‏:‏ غَنَظَهُ يَغْنِظُهُ غَنْظاً، أي جَهَدَه وشَقَ عليه، وكان أبو عبيدة يقول هو أن يُشْرِف الرجلُ على الموت من الكرب ثم يفلت منه وأصل المثل أن العَيَّار كان رجُلاً أثْرَمَ فأصاب جراداً في ليلة باردة وقد جفَّ، فأخذ منه كَفَّاً فألقاه في النار، فلما ظن انه انشوى طرح بعضه في فيه، فخرجت جرادة من بين سِنَّيْهِ فطارت، فاغتاظ منه جداً، فضربت العرب بذلك المثل، أنشد البياري لمسروح الكلبى يُهَاجى جريراً‏:‏ ‏(‏أنشدهما في اللسان ‏"‏غ ن ظ ‏"‏ عن اللحيانى ونسبهما لجرير، وأولهما ‏"‏ع ى ر ‏"‏ وثانيهما ‏"‏و غ ر‏"‏ غير منسوبين‏)‏ ‏[‏ص 62‏]‏

وَلَقد رَأيْتُ فَوَارِساً من قومنا * غَنَظوُكَ غَنْظَ جَرَادةً العَيَّارِ

ولَقد رأيت مكانَهم فكرهْتَهم * ككراهة الخنزيِر للإيغارِ

يضرب في خضوع الجبان‏.‏ ويقَال‏:‏ جرادة اسمُ فرسٍ للعيَّار وقع في مَضيقَ حربٍ فلم يجد منه مخرجاً، وذكر عمر بن عبد العزيز الموْتَ فَقَال‏:‏ غَنْظٌ ليس كالغَنْظ، وكَظٌّ ليس كالكظ‏.‏

2687- غَنيَة حتَّى غَرَفَ البَحْرَ بِدَلْوَينِ

يضرب لمن انتاشَ حاله فتصلَفَ‏.‏

2688- الغِرَّةُ تَجْلُبُ الدِّرَّةَ

يُقَال‏:‏ غَارَّتِ الناقةُ تغارُّ مُغَارَّة وغِرَاراً إذا قلَّ لبنها، والغِرَّة‏:‏ اسم منه، يعني أن قلت لبنها تَعِدُ وتخبر بكثرته فيما يستقبل‏.‏ يضرب لمن قل عطاؤه ويُرجَى كثرته بعد ذلك‏.‏

2689- غَاطُ بن بَاطٍ

يَقَال‏:‏ غَاطَ في الشَيء يَغُوط ويَغِيِطْ، إذا دخل فيه، ويقَال‏:‏ هذا رَمْل تَغُوط فيه الأقدام، أي تغوص، وباطٍ‏:‏ مثل قاض، من بَطَا يَبْطُو، إذا اتسع، ومنه الباطنية لهذا الإناء‏.‏

يضرب للأمر الذي اختلط فلا يُهتدى فيه، ويضرب للمخلِّطِ في حديثه إذا اردوا تكذيبه‏.‏

2690- غَرِيَتْ بالسُّودِ، وَفي البِيْضِ الكُثْرُ

يُقَال‏:‏ غَرِىَ بالشَيء يَغْرَى غَراً، إذا أولِعَ به، والكُثر‏:‏ الكثْرة، يُقَال‏:‏ الحمد لله على القُلِّ والكُثْر‏.‏

يضرب لمن لزم شَيئَاً لا يفارقه مَيْلاً منه إليه‏.‏

2691- غَذِيمَةٌ بِالظُّفْرِ ليْسَتْ تُقْطَعُ

الغَذِيمَة‏:‏ الأرض تنبت الغَذَم، يُقَال‏:‏ حَلُّوا في غَذيمة منكرة، والغَذَم‏:‏ نبت، قَال القطامي‏:‏

في عَثْعَثٍ يُنْبِتُ الحَوْذَانَ والغَذَما*

وتقدير المثل‏:‏ غَذمُ غَذِيمة، فحذف المضاف وذلك أن الغَذَم ينبت في المزارع فيقلع ويرمى به، وهذا يقول‏:‏

هذه غذيمة لا تقطع بالظفر يضرب لمن نزلت به مُلِمَّة لا يقدر كلُّ أحدٍ على دفعها لصعوبتها‏.‏

2692- غَمَامُ أَرْضٍ جَادَ آخرينَ

يضرب لمن يُعطي الأباَعِدَ ويترك الأقارب‏.‏ ‏[‏ص 63‏]‏

2693- الغُرَابُ أعْرَفُ بالتَّمْرِ

وذلك أن الغراب لا يأخذ إلا الأجود منه، ولذلك يُقَال‏:‏ ‏"‏وَجَدَ تمرةَ الغرابِ‏"‏ إذا وجد شيئاً نفيساً‏.‏

2694- غّيَّبَةُ غَيَابُهُ

أي دُفِنَ في قبره، والغَياب‏:‏ ما يُغَيِّبُ عنك الشَيء، فكأنه أريدَ ‏[‏‏؟‏‏؟‏‏]‏منه القبر

يضرب في الدعاء على الإنسان بالموت

2695- غَايَةُ الزُّهْدِ قَصْرُ الأمْلِ، وحسْنُ العَمَلِ

2696- غُزَيِّلٌ فَقَدَ طَلاً

غُزَيِّل‏:‏ تصغير غزال، أي ناعم فقد نعمة

يضرب للذي نشأ في نعمة فإذا وقع في شدة لم يملك الصبرَ عليها‏.‏

2697- غَبَرَ شَهْرَينِ، ثُمَّ جَاءَ بِكَلْبيْنِ

يضرب لمن أبطأ ثم أتى بشَيء فاسد‏.‏ ومثله ‏"‏صام حَوْلا ثم شرب بَولا‏"‏

2698- أَغْلَظُ المَوَاطِيء الحَصَا عَلَى الصَّفا

أي مَوْطئ الحصا‏.‏ يضرب للأمر يتعذر الدخول فيه، والخروج منه‏.‏

*3* ما جاء على ما أفعل من هذا الباب

2699- أََغْنَى عَنِ الشَيء مِنَ الأقْرَعِ عَنِ المِشْطِ

هذا من قول سعيد بن عبد الرحمن بن حسان‏:‏

قد كُنْتُ أغْنَى ذِي غِنىً عَنْكُمْ كما * أغْنَى الرِّجَالِ عَنِ المِشاطِ الأقْرَعُ

2700- أَغنَى عَنْهُ مِنْ التُّفةِ الرُّفةِ

التفة‏:‏ هي السبع الذي يسمى عَنَاقَ الأرض، والرُّفَة‏:‏ التبن، ويقَال‏:‏ دُقَاق التبن، والأصلُ فيهما تُفهَةَ ورُفهةَ، قَال حمزة وجميعها تُفَاتٌ ورُفَاتٌ، قَال الشاعر‏:‏

غَنِينَا عَنْ حَدِيثِكُمُ قَدِيماً * كَمَا غَنِيَ التُّفَاتُ عَنِ الرفَاتِ

ويقَال في مثل آخر ‏"‏اسْتَغْنَيتِ التُّفَةُ عن الرفة‏"‏ وذلك أن التفة سبعٌ لا يَقْتَاتُ الرُّفَةَ، وإنما يغتذي بالخم؛ فهو يستغني عن التبن‏.‏

قلت‏:‏ التفة والرفة مخففتان، وقَال ‏[‏ص 64‏]‏ الأستاذ أبو بكر‏:‏ هما مشددتان، وقد أورد الجوهري في باب الهاء التفه والرفه، وفي الجامع مثله، إلا أنه قَالَ‏:‏ ويخففان، وأما الأزهري فقد أورد الرفة في باب الرَّفْتِ بمعنى الكسر، وقَال‏:‏ قَال ثعلب عن ابن الأعرابي‏:‏ الرُّفَتُ التبن، ويقَال في المثل ‏"‏أنا أغْنَى عنك من التفه عن الرُّفَتِ‏"‏ قَال الأزهري والتُّفَه يكتب بالهاء والرُّفَتُ بالتاء ‏(‏أورد المجد ‏"‏التفه‏"‏ في باب الهاء وقَال كثبة‏.‏ و‏"‏الرفة‏"‏ في الهاء وفي التاء وقَال كصرد في الموضعين‏.‏

قلت‏:‏ وهذا أصَحُّ الأقوال لأن التبن مرفوتٌ مكسور‏.‏

2701- أَغَرُّ مِنَ الدُّبَّاءِ في المَاءِ

من الغُرور، والدُّبَّاء، القَرْع، ويقال في المثل أيضاً ‏"‏لا يَغُرَّنَّكَ الدُّبَّاء، وإن كان في الماء‏"‏ قال حمزة‏:‏ ولست أعرف معنى هذين المثلين ‏.‏

قلتُ‏:‏ معنى المثل الأول منتزع من الثاني، وذلك أن أعرابياً تناول قَرْعاً مطبوخاً وكان حاراً، فأحرق فمه، فقال‏:‏ لا يغرنك الدباء وإن كان نشوؤُهُ في الماء‏.‏

يضرب للرجل الساكن ظاهراً الكثير الغائلة باطنا‏.‏

فأخذ منه هذا المثل الآخَر فقيل‏:‏ أعَزُّ من دباء في الماء

2702- أَعَزُّ مِنْ سَرابٍ

لأن الظمآن يحسبه ماء، ويقَال في مثل آخر ‏"‏كالسَراب يَغُرُّ مَنْ رآه، ويُخْلف مَنْ رَجَاه‏"‏

2703- أغَرُّ مِن الأمانِي

هذا من قول الشاعر‏:‏

إن الأمانِيَّ غَرَرٌ * والدهر عُرْفٌ ونُكُرْ

من سَابقَ الدَّهر عثَرْ*

2704- أغَرُّ مِنْ ظَبْيٍ مُقْمرٍ

وذلك أن الخشفَ يغْترُ بالليل المُقمر فلا يحترز حتى تأكله السباع، ويقَال‏:‏ بل معناه أن الظبي صَيده في القمراء أسرع منه في الظلمة، لأنه يَعْشَى في القمراء، ويقَال معناه من الغرة بمعنى الغَرَارة، لا من الاغترار، وذلك أنه يلعب في القَمْرَاء

2705- أعْذرُ مِنْ غَديرٍ

قَال حمزة‏:‏ هذا من قول الكُمَيْت

وَمِنْ غَدرِهِ نَبَزَ الأولونَ * بأن لَقَّبُوه الغَدِيرَ الغَدِيرَا

وقَال غير حمزة‏:‏ زعم بنو أسد أن الغدير إنما سمى غَديراً لأنه يَغْدُرُ بصاحبه أحوجَ ما يكون إليه، وفي ذلك يقول الكميت وهو أسدى، وأنشد البيت الذي تقدم‏.‏

قلت‏:‏ وأهلُ اللغة يجعلونه من المُغَادرة، ‏[‏ص 65‏]‏ أي غَادره السيل أي تركَهُ، وهو فَعِيلٌ بمعنى مُفَاعِل من غادره، أوْفَعِيل بمعنى مُفْعِل من أغدره أي تركه‏.‏

2706- أغْدَرُ مِنْ كُنَاة الغَدْرِ

هم بنو سعد تميم، وكانوا يسمون الغدر فيما بينهم إذا راموا استعماله بكنية هم وضعوها له وهي كَيْسَان‏.‏ قَال النمر بن تَوْلَب‏:‏

إذَا كُنْتَ في سَعْدٍ وأمُّكَ منهمُ * غريباً فَلاَ يَغْرُرْكَ خَالُكَ مِنْ سَعْدِ

إذَا مَا دَعَوْا كَيْسَانَ كانَتْ كُهُولُهُمْ * إلى الْغَدْرِ أدْنَي مَنْ شَبِابِهِمُ الْمُرْدِ

2707- أََغْوَى مِنْ غَوْغَاءِ الْجَرَادِ

الغَوْغَاء‏:‏ اسم الجَرَاد إذا ماج بعضُه في بعض قبل أن يَطِيرَ‏.‏

قلت‏:‏ الغوغاء يجوز أن يكون فَعْلاَلاً مثل قَمْقَام عند مَنْ يَصْرِفُه، وفَعْلاَء عند من لم يَصْرِفْه‏.‏ قَال أبو عبيدة‏:‏ الغَوْغَاء شَيء شبيه بالبَعُوض إلا أنه لا يعضُّ ولا يؤذي، وهو ضعيف، وقَال غيره‏:‏ الْغَوْغَاء الجراد بعد الدَّبَى، وبه سمى الغوغاء من الناس، وهم الكثير المختلطون‏.‏

2708- أََغْزَلُ مِنْ عَنْكَبُوتٍ، و ‏"‏أغْزَلُ مِنْ سُرْفَةٍ‏"‏

قَالوا‏:‏ هما من الغزل، وأما قولهم‏:‏

2709- أَغْزَلُ مِنَ امْرِئِ القَيسِ

فهو من الغَزَلِ، وهو التشبيب بالنساء في الشعر، قَال حمزة‏:‏ وقولهم‏:‏

2710- أغْزَلُ مِنْ فُرْعُلٍ

من الغَزل والفُرعل‏:‏ ولد الضبع، ولم يزد على هذا قلت‏:‏ الغزل ههنا الخرق، ويقَال غَزَل الكلبُ إذا تبع الغزال، فإذ أدركه ثَفَا الغزال في وجهه ففتر وخرق، أي دهش، ولعل الفُرْعُلَ يفعل كذلك إذا تبع صيده، فقيل ‏"‏أَغْزَلُ من فرعل‏"‏ ويقَال هذا أيضاً من الأول وفُرْعُل‏:‏ رجلٌ قديم‏.‏

2711- أَغْدَرُ مِنْ قْيسِ بِنْ عَاصِمٍ

زعم أبو عبيدة أنه كان من أغْدَرِ العرب، وذكر أنه جاوره رجل تاجر، فربَطَه وأخذ متاعه وشرب خمره وسكر حتى جعل يتناول النجم ويقول‏:‏

وَتَاجِرٍ فاجِرٍ جَاءَ الإلهُ بِهِ * كأن لِحْيتَهُ أذْنَابُ أجْمالِ

ومن حديثه في الغدر أيضاً أنه جبى صَدَقَةَ بني منقر للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما بلغه موتُه صلى الله عليه وسلم قَسَمها في قومه، وقَال‏:‏ ‏[‏ص 66‏]‏

ألا أبلغا عني قريشاً رسالةً * إذَا ما أتَتْهُمْ مهديات الوَدَائِعِ

حَبَوْتُ بِما جَمَّعْته آلَ منقَرٍ * وآيستُ منها كلَّ أطْلسَ طَامِعِ

2712- أغْدَرُ مِنْ عُتَيْبَةَ بن الحَارِثِ

ذكر أبو عبيدة أنه نزل به أُنَيْسُ بن مرة بن مِرْدَاس السُّلَمي في صِرم من بني سُلَيم فشدَّ على أموالهم فأخذها، وربَطَ رجالَها حتى افتدَوا، فَقَال عباس بن مرداس عم أنيس‏:‏

كَثُرَ الضِّجَاجُ وَمَا سَمِعْتُ بغادرٍ * كَعُتْبَةَ بنِ الحارِثِ بن شِهابِ

ملكت حنظلة الدناءةَ كُلها * ودنست آخرَ هذِهِ الأحْقَابِ

2713- أغْلَى فِداءٍ مِنْ حَاجِبِ بْنِ زُرَارَةَ، و‏"‏أغْلى فِدَاءً مِنْ بِسْطام بْنِ قَيْسِ‏"‏

ذكر أبو عبيدة أنهما أغلى عُكاظى فِدَاءً، قَال‏:‏ وكان فداؤهما فيما يقول المقلَّلُ مائتي بعير، وفيما يقول المكثر أربعمائة بعير وقَال أبو الندى‏:‏ يُقَال‏"‏ أغلى فداء من الأشعث بن قيس الكندي‏"‏ غزا مَذْحِجاً فأسِرَ فَفَدى بألفي بعير، وألف من غير ذلك يريد من الهدايا والطُّرف، فَقَال الشاعر‏:‏

فكان فِدَاؤُهُ ألفَيْ بَعِيرٍ * وألفاً مِنْ طريفات وتُلْدِ

2714- أغْلَمُ مِنْ تَيسِ بَنِي حِمَّانَ ‏(‏نص المجد على أن حمان القبيلة بكسر الحاء‏)‏

قَالوا‏:‏ إن بني حِمَّانَ تَزعم أن تَيْسَهم قَفَط سبعين عنزا بعدما فُرِيَتْ أوداجه، وفخروا بذلك‏.‏

قَال حمزة‏:‏ يُقَال للتيس‏:‏ قَفَط، وسَفَد وقَرَعَ، ولذوات الحافر‏:‏ كامَ وكَاشَ وباكَ، وللإنسان‏:‏ نكح، وهرج، وناك

قَال‏:‏ وزعموا أن مالك بن مِسْمَع قَال للأحنف بن قيس هازلاً وهو يفتخر بالربيعة على المضرية‏:‏ لأحمقَ بكر بن وائل أشْهَرُ من سيد بني تميم، يعني بالأحمقَ هَبَنَّفَةَ القيسى، فَقَال الأحنف وكان لُقَّاعة، أي حاضر الجَوَابِ، لَتَيْسُ بني تميم أشْهَرُ من سيد بكر بن وائل، يعني تيس بني حِمَّان وحمَّانُ من تميم، قَال أبو الندى‏:‏ واسمه عبد العُزَّى بن سعد بن زيد منَاةَ، وسمي حمَّان لسواد شفتيه‏.‏

2715- أغْيَرُ مِنَ الفَحْلِ، و‏"‏مِنْ جَمَلٍ‏"‏ و‏"‏مِنْ ديكٍ‏"‏ و‏"‏مِنْ عَقِيل‏"‏ ‏[‏ص 67‏]‏

يعني عقيل بن عُلَّفة

2716- أغْرَبُ مِنَ غُرَاب

2717- أَغْوَصُ مِنْ قِرِلَّى

وهو طائر، وقد مرَّ ذكره في مواضع من الكتاب

2718- أْغْنَجُ مِنْ مُفَنّقَةٍ

وهي المرأة الناعمة

2719- أغْلَظُ مِنْ حَمْلِ الجِسْرِ

2720- أغْشَمُ مِنَ السِّيلِ

2721- أغْدَرُ مِنْ ذئْب

2722- أغْلَمُ مِنْ خَوَّاتٍ

يعنون خَوَّاتَ بن جُبير، وقد مر ذكره‏.‏

2723- أغلَمُ مِنْ هِجْرسٍ، و‏"‏مِنْ ضَيْوَنٍ‏"‏

*3* المولدون

غيْرةُ المرأةِ مفتاحُ طَلاقِهَا‏.‏

غَدَاؤُهُ مَرُهُونٌ بِعَشَائِهِ‏.‏

يضرب للفقير‏.‏

غُرابُ نُوحٍ‏.‏

يضرب للمتهم، وللمبطئ أيضاً‏.‏

غَضَبُ العُشَّاقَ كَمطَرِ الرَّبِيعِ‏.‏

غَضَبُ الجَاهِلِ في قَوْلِهِ، وغَضَبُ العَاقلِ في فعله‏.‏

غُبارُ العَمَلِ خَيرٌ من زعْفَرانِ العطْلَةِ‏.‏

غَاصَ غَوْصَةً وجَاءَ بِرَوْثَةٍ‏.‏

غَابَ حَولينِ وجَاء بِخُفِّي حُنَيْنٍ‏.‏

غِشُّ القلوبِ يَظْهَرُ في فَلتَاتِ الألْسُنِ وصفحات الوجوهِ‏.‏

غُلُولُ الكُتُبِ مِنْ ضَعْفِ المرَُّوةِ‏.‏

غِنَى المَرْءِ في الغُرْبَةِ وَطَنٌ، وفَقْرٌهُ في الوطَنِ غُرْبَةَ‏.‏

غَبْنُ الصَّدِيقَ نَذَالَةٌ‏.‏

الغَيْرَةُ مِنَ الإيمانِ‏.‏

الغَزْوُ أدَرُّ للقاح وأحدُّ للسِّلاح‏.‏

الغَائِبُ حُجَّتُه معه‏.‏

الغِناءُ رُقْيَةُ الزِّنَا‏.‏

الغَلَطُ يُرْجَعُ‏.‏

الغُرَبَاءُ بُرُدُ الآفاقِ‏.‏

الغَرْثانُ لا يُمْعك‏.‏

غَرِيمٌ لا ينامُ‏.‏

يضرب للملحِّ في طلب الشَيء‏.‏

غَضَبُهُ على طَرَفِ أنْفِهِ‏.‏

للرجل السريع الغضب ‏[‏ص 68‏]‏

الباب العشرون فيما أوله فاء

  ما جاء على أفعل من هذا الباب

  المولدون

الباب العشرون فيما أوله فاء

2724- فِي بَطْنِ زَهْمَانَ زادُهُ

زَهْمَانُ‏:‏ اسم كلب، روى أبو الندى وابن الأعرابي زَهمان بفتح الزاي، وروى أبو الهيثم وابنُ دُرَيد بضمها‏.‏ يضرب لمن يكون معه عُدَّته وما يحتاج إليه وقَال أبو عمرو‏:‏ أصله أن رجلاً نَحَر جَزُوراً فقسمها، فأعطى زَهمان نصيبه، ثم رجع زهمان ليأخذ أيضاً مع الناس، فَقَال صاحب الجزور‏:‏ في بطن زَهمان زاده‏.‏

يضرب للرجل يطلب الشَيء وقد أخذه مرة‏.‏

2725- فِي الصِّيفِ ضَيَّعْتِ اللَّبَنَ

ويروى ‏"‏الصَّيْفَ ضَيَّعْتِ اللبن‏"‏ والتاء من‏"‏ضيعت‏"‏ مكسور في كل حال إذا خوطب به المذكر والمؤنث والاثنان والجمع؛ لأن المثَلَ في الأصل خوطبت به امرَأة، وهي دَخْتَنُوس بنت لقيط بن زرارة كانت تحت عمرو بن عُدَاس، وكان شيخاً كبيراً فَفَركَتْهُ ‏(‏فركته‏:‏ كرهته‏)‏ فطلقها، ثم تزوجها فتى جميل الوجه، أجْدَبَتْ فبعثت إلى عمرو تطلب منه حَلُوبة، فَقَال عمرو ‏"‏في الصيف ضيعت اللبن‏"‏ فلما رجع الرسُولُ وقَال لها ما قَال عمرو ضربَتْ يَدَها على منكب زوجها، وقَالت ‏"‏هذا ومَذْقُه خَيرٌ‏"‏ تعني أن هذا الزوج مع عدم اللبن خيرٌ من عمرو، فذهبت كلماتها مَثَلاً‏.‏

فالأول يضرب لمن يطلب شيئاً قد فَوَّته على نفسه، والثاني يضرب لمن قَنَع باليسير إذا لم يجد الخطير‏.‏

وإنما خص الصيف لأن سؤالها الطلاقَ كان في الصيف، أو أن الرجل إذا لم يطرق ماشيته في الصيف كان مضيعاً لألبانها عند الحاجة‏.

2726 فَرِّقَ بين مَعْدٍّ تَحَابَّ

قَال الأَصمَعي‏:‏ يقول‏:‏ إن ذوي القَرابَة إذا تراخت ديارهم كان أحْرَى أن يتحابوا وإذا تدانوا تحاسدوا وتباغضوا‏.‏

وكتب عمر رضي الله تعالى عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه‏:‏ أنْ مُرْ ذَوِي القربى أن يَتَزَاوَروا ولا يتجاوروا ‏[‏ص 69‏]‏

2727- في رَأْسِهِ خُطَّةٌ

الخطة‏:‏ الأمر العظيم‏.‏

يضرب لمن في نفسه حاجة قد عزم عليها والعامة تقول‏:‏ في رأسه خطية‏.‏

2728- في رَأْسِهِ نُعَرَةٌ

هي الذباب يدخل في أنف الحمار‏.‏ يضرب للطامح الذي لا يستقر على شَيء‏.‏

2729- في وَجْهِ المَالِ تَعْرِفُ إمْرَتَهُ

أي نَماءه وخيَره، يُقَال‏:‏ أَمِرَتْ أموالُ فلانٍ تَأمَرُ أمْراً، إذا نَمَتْ وَكَثُرَت وكُثُر خيرها‏.‏

يضرب لمن يُسْتَدَل بحسن ظاهره على حسن باطنه‏.‏

قلت‏:‏ قد أورد الجَوْهَري إمْرَتَهُ بسكون الميم، وكذلك هو في الديوان، وأورد الأزهري إمَّرَتَهُ بتشديد الميم، وكذلك أبو زيد وغيرهما، قَال الأزهري‏:‏ وبعضهم يقول أمْرَتَهُ من أَمِرَ المال أمْراً‏.‏

2730- فَتَلَ في ذُرْوَتِهِ

الذُّرْوَة‏:‏ أعلى السَّنام، وأعلى كل شَيء أصل فَتْلَ الذَّروة في البعير هو أن يَخْدَعه صاحبهُ ويتلطف له بفَتْل أعلى سَنامه حكّاً ليسكن إليه فيتسلقَ بالزمام عليه، قَاله أبو عبيدة ويروى عن ابن الزبير أنه حين سأل عائشة رضي الله عنها الخروجَ إلى البصرة أبَتْ عليه، فما زالَ يَفْتِلُ في الذُّرِوة والغَارب حتى أجابته‏.‏

الذروة والغَارِبُ واحد، ودخل ‏"‏في‏"‏ على معنى تصرف فيه بأن فَتَلَ بعضه دون بعض، فكأنه قيل‏:‏ فتل بعضَ ما في ذروته، قَال الأَصمَعي‏:‏ فَتَلَ في ذروته أي خَادَعَه حتى أزاله عن رأيه‏.‏

يضرب في الخداع والمماكرة

2731- أفْلَتَ فُلانٌ جُرَيْعَةَ الذَّقْنِ

أفلت‏:‏ يكون لازماً ويكون متعدياً، وهو هنا لازم، ونصب ‏"‏جريعة‏"‏ على الحال، كأنه قَال‏:‏ أفلت قاذفاً جريعة، وهو تصغير جُرْعَة، وهي كناية عما بقى من روحه يريد أن نفسه صارت في فيه وقريباً منه كقرب الجرعة من الذقن، قَال الهُذْلى‏:‏

نَجَا سَالِمٌ والنَّفسُ مِنْهُ بِشِدِقِه * ولم يَنْجُ إلا جَفْنَ سَيْفٍ وَمِئْزَرَا

قَال يونس‏:‏ أراد بجفن سيف ومئزر، وقَال الفراء نصبه على الاستثناء، كما تقول‏:‏ ذهب مال زيد وَحَشَمُه إلا سعداً وعبيدا، ويقولون‏:‏ أفلت بجُرَيْعةِ الذَّقن، وبجريعاء الذقن وفي رواية أبي زيد ‏"‏أفْلَتَني جُرَيْعَةَ الذَّقَنِ‏"‏ وأفلت على هذه الرواية يجوز أن ‏[‏ص 70‏]‏ يكون متعدياً، ومعناه خلصني ونجاني، ويجوز أن يكون لازماً، ومعناه تخلص ونجا مني، وأراد بأفْلَتَنِي أفلَتَ مني فحذف ‏"‏من ‏"‏ وأوصل الفعل، كقول امرئ القيس

وأفْلَتَهُنَّ عِلْبسَاءٌ جَرِيضَاً * وَلَوْ أدْرَكْتُهُ صَفِرَ الِوطَابُ

أراد أفلت منهن، أي من الخيل، وجريضا‏:‏ حال من علباء، ثم قَال ‏"‏ولو أدْرَكْنَه‏"‏ أي الخيل لصَفِرَ وطابه‏:‏ أي لمات، فهذا يدلّ على أن ‏"‏أفلتني‏"‏ معناه أفلت مني، وصغر ‏"‏جريعة‏"‏ تصغير تحقير وتقليل؛ لأن الجُرعة في الأصل اسمٌ للقليل مما يُتَجَرَّع كالحُسْوة والغُرْفة والقُدْحة وأشباهها، ومنه ‏"‏نَوقَ مجاريع‏"‏ أي قليلات اللبن، ونصب جريعة على الحال، وأضافها إلى الذقن، لأن حركة الذقن تدل على قرب زهوقَ الروح، والتقدير‏:‏ أفلتني مُشْرِفاً على الهلاك، ويجوز أن يكون جريعة بدلاً من الضمير في أفْلَتَني، أي أفلت جريعةَ ذقني، يعني باقي روحي، وتكون الألف واللام في ‏"‏الذقن‏"‏ بدلاً من الإضافة كقول الله عز وجل (‏ونهى النَّفْس عَن الهَوى‏)‏ أي عن هواها، وكقول الشاعر‏:‏

وآنُفُنَا بين اللَّحَى وَالحواجب*

ومن روى ‏"‏بجريعة الذقن‏"‏ فمعناه خَلَّصني مع جُرَيَعْة كما يُقَال‏:‏ اشترى الدار بآلاتها، مع آلاتها‏.‏

2732- أفْلَتَ وَلَهُ حُصَاصٌ

الحُصَاص‏:‏ الحبق، وفي الحديث ‏"‏إن الشيطان إذا سَمِعَ الأذانَ ولَّى وله حُصَاص كحُصَاصِ الحمار‏"‏

يضرب في ذكر الجَبَانِ إذا أفْلَتَ وهَرَبَ‏.‏

2733- أفْلَتَ وانْحَصَّ الذَّنَبُ

الانحصاصُ‏:‏ تَنَاثُر الشعر‏.‏

وهذا المثل يروى عن معاوية رضي الله عنه، أنه أرسل رجلاً من غسَّان إلى ملك الروم، وجعل له ثَلاثَ دِيَاتٍ أن ينادي بالأذان إذا دَخَلَ عليه، ففعل الغسَّاني ذلك وعند ملك الروم بَطَارقَتُهُ، فاهووا ليقتلوه، فنهاهم ملكهم وقَال‏:‏ كنت أظن أن لكم عُقُولاً، إنما أراد معاوية أن أقتل هذا غدراً وهو رسول، فيفعل مثل ذلك بكل مُستأمَنٍ ويَهْدِم كل كنيسة عنده فجهزَّه وأكرمه وردَّه، فلما رآه معاوية قَال‏:‏ أفْلَتَ وانْحَصَّ الذنب، فَقَال‏:‏ كلا إنه لبهلبه، ثم حدَّثه الحديثَ فَقَال معاوية‏:‏ لقد أصاب، ما أردتُ إلا الذي قَال‏.‏

وقوله ‏"‏ كلا إنه لبهلبه‏"‏ قَالوا‏:‏ أصله ‏[‏ص 71‏]‏ أن رجلاً أخذ بذَنَب بعيرٍ فأفلتَ البعيرُ وبقى شعر الذنب في يده، فقيل‏:‏ أفْلتَ وانْحَصَّ الذنب، أي تناثر شعر ذنبه، فهو يقول‏:‏ لم يتناثر شعرُذنبي، بل هو بحاله

2734- فَاهَا لِفِيكَ

قَال أبو عبيدة‏:‏ أصله أنه يريد جعل الله تعالى بفيك الأرض، كما يُقَال‏:‏ بِفِيكَ الحَجَر، وبفيك الأثلبُ، وقَال‏:‏ ومعناها الخيبة لك، وقَال غيره‏:‏ فَاها كناية عن الأرض، وفم الأرض التراب، لأنها به تشرَبُ الماء، فكأنه قَال‏:‏ بِفِيه التراب، ويقَال ‏"‏ها‏"‏ كناية عن الداهية، أي جعَلَ الله فَمَ الداهية ملازماً لفيك، ومعنى كلها الخيبة، وقَال رجل من بَلْهُجَيْمِ يخاطب ذئباً قصد ناقته‏:‏

فَقُلْتُ لهُ‏:‏ فَاهَا لِفِيْكَ؛ فَإنَّها * قَلوُصُ اُمْرئٍ قَارِيكَ ما أنْتَ حاذِرُهْ

يعني الرمي بالنبل

2735- أَفْوَاهُهَا مَجَاسُّها

أصله أن الإبل إذا أحسنت الأكلَ اكتفى الناظر بذلك عن معرفة سمنها، وكان فيه غنىً عن جَسِّها، وقَال أبو زيد‏:‏ أَحْنَاكُهَا مَجَاسُّها

2736- في الخَيْرِ لَهُ قَدَمٌ

يريدون أن له سابقَ في الخير، قَال حسان بن ثابت الأنصَاري رضي الله عنه‏:‏

لَنَا القَدَمُ الأولى إلَيْكَ وخَلْفُنا * لأولِنا في مِلَّةِ اللهِ تَابِعٌ

ويروى عن الحسن ومجاهد في قوله تعالى ‏(‏قَدَم صِدْقٍ‏)‏ يعني الأعمالَ الصالحةَ، وقَال مقاتل بن حيان في قوله تعالى (‏أن لهم قدم صدقَ عند ربهم‏)‏ القَدَم‏:‏ محمد صلى الله عليه وسلم يشفع لهم عند ربهم، قَال أبو زيد‏:‏ يُقَال ‏"‏رجل قَدَم‏"‏ إذا كان شُجَاعاً‏.‏

2737- أَفْضَيْتُ إليهِ بِشُقُورِي

إذا أخبرتَهُ بسرائرك، والإفضاء‏:‏ الخُرُوجُ إلى الفضاء، ودخل الباء للتعدية، أي أخرجت إليه شُقُوري، قَال أبو سعيد يُقَال‏:‏ شُقُور و شَقُور، ولاأعرف اشتقاقه مِمَّ أخَذَ وسألت عنه فلم يُعْرَف، قَال العجاج‏:‏

جَارِي لا تَسْتَنْكِرِي عذيري * سَيْرِ وإشْفَاقِي على بَعِيرِي

وكَثْرَة الحديثِ عَنْ شُقُوري*

وقَال الأزهري‏:‏ مَنْ رَوى بفتح الشين فهو في مذهب النعت، والشُّقُور‏:‏ الأمور المهمة، والواحد شَقْر، ويقَال أيضاً شُقُور وفُقور، وواحد الفقور فقر، وقَال ثعلب‏:‏ يُقَال لأمور الناس فقور وفقور، وهما هَمُّ النفس وحوائجُها‏.‏ ‏[‏ص 72‏]‏

يضرب لمن يُفْضى إليه بما يُكْتَم عن غيره من السر‏.‏

2738- فِي أُسْتِها مَالا تَرَى

يضرب للباذل الهيئة يكون مخْبَرَهُ أكثر من مَرْآه، ويضرب لمن خفى عليه شَيء وهو يظنُ أنه عالم به

2739- اُفْتَحْ صُرَرَكَ تَعْلَمْ عُجَرَك

الصُرَرْ‏:‏ جمع صرَّة، وهي خِرْقَة تُجْعل فيها الدراهم وغيرُها، ثم تُصَرُّ‏:‏ أي تشدُّ وتَقْطعُ جوانبها لِتُؤمن الخيانة فيها، والعُجَرْ‏:‏ جمع عُجْرة، وهي العَيْب وأصلها العُقْدة والأُبنة تكون في العصا وغيرها، يراد ارْجِعْ إلى نَفْسِه تَعْرفْ خَيْركَ من شركَ‏.‏

2740- الفَحْلُ يَحْمِي شَوْلَهُ مَعْقُولاً

الشُّولُ‏:‏ النُّوقَ التي خفَّ لبنها وارتفع ضَرْعها وأتى عليها من نَتَاجها سبعة أشهر أوثمانية، الواحدة شائلة، والشول‏:‏ جمع على غير قياس، يُقَال‏:‏ شَوَّلَت الناقة - بالتشديد - أي صارت شولاء، ونصب‏"‏معقولاً‏"‏ على الحال‏:‏ أي أن الحر يحتمل الأمر الجليل في حفظ حُرَمَه وإن كانت به علَّة

2741- فَلِمَ رَبَضَ العَيْرُ إذَنْ

قَال امرؤ القيس لما ألبسه قيصرُ الثيابَ المسمومة وخرج من عنده وتلقَّاء عَيْر فَرَبَضَ فَتَفَاءل امرؤ القيس فقيل‏:‏ لا بأس عليك قَال‏:‏ فلما رَبَضَ العَيرُ إذن‏؟‏ أي أنا ميت‏.‏

يضرب للشَيء فيه عَلامَةَ تدل على غير ما يُقَال لكَ‏.‏

2742- فِي بَيتِهِ يُؤتَى الحَكَمُ

هذا مما زعمت العرب عن ألسُنِ البهائم قَالوا‏:‏ إن الأرنب التقطتْ ثمرةً، فاختلسها الثعلب فأكلها، فانطلقا يختصمان إلى الضب فَقَالت الأرنب‏:‏ يا أبا الحِسْل فَقَال‏:‏ سميعاً دَعَوْتِ، قَالت‏:‏ أتيناك لنختصم إليك، قَال‏:‏ عادِلاً حَكَّمْتُما، قَالت‏:‏ فاخرج إلينا، قَال‏:‏ في بيته يُؤتى الحكم، قَالت‏:‏ إني وجدت ثمرة، قَال‏:‏ حُلْوَة فكُلِيها، قَالت‏:‏ فاخْتَلَسَها الثعلب، قَال‏:‏ لنقسه بغَى الخَيْرَ، قَالت‏:‏ فَلَطَمْتُه، قَال‏:‏ بحقِّكِ أخَذْتِ، قَالت‏:‏ فَلَطَمَنِي، قَال‏:‏ حُرٌّ انتصر، قَالت‏:‏ فاقْضِ بيننا، قَال‏:‏ قد قَضَيْتُ، فذهبت أقواله كلها أمثالاً قلت‏:‏ ومما يشبه هذا ما حكى أن خالد بن الوليد لما توجَّه من الحجاز إلى أطراف العراقَ دخل عليه عبد المسيح بن عمرو بن نُفَيلَة، فَقَال له خالد‏:‏ أين أقصى أثَرِكَ‏؟‏ قَال‏:‏ ظَهْرُ أبي، قَال‏:‏ من أين خرجت، قَالَ‏:‏ من بطن أمي، قَال عَلاَمَ أنت‏؟‏ ‏[‏ص 73‏]‏ قَال‏:‏ على الأرض، قَال‏:‏ فيمَ أنت‏؟‏ قَال‏:‏ في ثيابي، قَال‏:‏ فمن أينَ أقبَلْتَ‏؟‏ قَال‏:‏ من خَلْفي، قَال‏:‏ أين تريد‏؟‏ قَال‏:‏ أمامي، قَال‏:‏ ابنُ كمْ أنت‏؟‏ قَال‏:‏ ابن رَجُلٍ واحد، قَال‏:‏ أتعقل‏؟‏ قَال‏:‏ نعم وأقيَّدُ، قَال‏:‏ أحَرْبٌ أنت أم سَلْمِ‏؟‏ قَال‏:‏ سَلْم، قَال‏:‏ فما بال هذه الحصون‏؟‏ قَال‏:‏ بنيناها لسفيه حتى يجيء حليم فينهاه‏.‏ ومثل هذا أن عَدِيَّ بن أرْطَاةَ أتى إياسَ بن مُعاوية قاضيَ البصرة في مجلس حكمه، وعَدِيٌّ أمير البصرة، وكان أعرابيَّ الطبع، فَقَال لإياس‏:‏ ياهناه أين أنت‏؟‏ قَال‏:‏ بينك وبين الحائط، قَال‏:‏ فاسْمَع مني، قَال‏:‏ للاستماع جَلَسْتُ، قَال‏:‏ إني تزوجْتُ امرَأة، قَال‏:‏ بالرِّفَاء والبَنين، قَال‏:‏ وشَرَطْتُ لأهلها أن لا أخرجها من بينهم، قَال‏:‏ أوْفِ لهم بالشرط، قَال‏:‏ فأنا أريد الخروج، قَال‏:‏ في حفْظِ الله، قَال‏:‏ فاقضِ بيننا، قَال‏:‏ قد فعلْتُ، قَال‏:‏ فَعَلى مَنْ حكمت‏؟‏ قَال‏:‏ على ابن أخي عمك، قالَ بشهادة مَنْ‏؟‏ قَال‏:‏ بشهادة ابن أختِ خالتك‏.‏

2743- فيِ الاِعْتِبَارِ غِنَى عَنْ اُلاِخْتِبَارِ

أي مَنِ اعتَبَر بما رأي استغنى عن أن يختبر مثلَه فيما يستقبل‏.‏

2744- أََفْنَيْتِهِنَّ فاَقَة فَاقَةً، إِذَا أَنْتِ بَيْضَاءُ رَقْرَاقَةً

الكناية ترجع إلى الأموال، وفاقة‏:‏ طائفة، والرقراقة‏:‏ المرأة الناعمة التي تترقرق، أي تجىء وتذهب سِمَناً‏.‏

هذا شيخ يقول لامرأته‏:‏ أفنيت أموالي قطعةً قطعةً على شبابك‏.‏

يضرب للذي يُهْلك ماله شيئاً بعد شَيء

2745- فِي الجَرِيرَةِ تَشْتَرِكُ العَشِيرَةُ

يضرب في الحثِّ على المواساة

2746- فَرَّ الدَّهْرُ جَذَعَاً

يُقَال‏:‏ فَرَرْتُ عن أسنان الدابة، إذا نَظَرْتَ إليها لتعرفَ قدر سنها، والجَذَع‏:‏ قبل الثَّنِىِّ بستة أشهر، أي الدهر لا يهرم ونصب ‏"‏جَذَعاً‏"‏ على الحال، والمعنى إن فانتا اليومَ ما نطلبه فسندركه بعد هذا

2747- في مِثْلِ حُوِلاَءِ السَّلى

ويقَال ‏"‏حُوِلاء الناقة‏"‏ يُقَال فلان في مثل حُوِلاء الناقة، وهي الماء الذي يخرج على رأس الولد، والسَّلى‏:‏ جلدةٌ رقيقة يكون فيها الولد‏.‏

يضرب لمن كان في خِصْبً ورَغَد عيشٍ وكذلك قُولهم ‏"‏في مثل حدقة البعير‏"‏ ‏[‏ص 74‏]‏

2748- فَسَا بَيْنَهُمُ الظَّرِبانُ

هو دُوَيّيةٌ فوقَ جَرو الكلب مُنْتن الريح كثير الفَسْو لا يعمل السيف في جلده، يجئ إلى حجر الضب، فيلقم إستَه جُحره ثُم يَفْسو عليه حتى يغتم ويضطرب فيخرج فيأكله ويُسَمّونه ‏"‏مُفَرقَ النعم‏"‏ لأنه إذا فسا بينها وهي مجتمعة تفرقت، وقَال الراجز يذكر حوضاً يستقي منه رجل له صُنان

إزاؤه كالظِّرِ بَان الموفى*

إزاؤه‏:‏ أي صاحبه، من قولهم فلان إزاء مالٍ، يريد أنه إذا عَرِقَ فكأنه ظربان لنتنه، وقَال الربيع بن أبي الحُقَيقِ‏:‏

وأنتُمْ ظَرَابِينُ إذ تَجْلسُونَ * وَمَا إنْ لَنا فِيكُمُ مِنْ نَدِيدِ

وأنتُمْ تُيُوسٌ وقد تُعرَفُونَ * بِرِيحِ التيوسِ وَنَتْنِ الجُلُودِ

2749- في القَمَرِ ضِياءٌ، والشَّمْسُ أضْوَأ مِنْهُ

يضرب في تفضيل الشَيء على مثله‏.‏

2750- أفِقَ قَبْلَ أن يُحْفَرَ ثَرَاكَ

قَال أبو سعيد‏:‏ أي قبل أن تُثار مَخَازيك، أي دَعها مدفونة، قَال الباهلي‏:‏ وهذا كما قَال أبو طالب‏:‏

أفيقُوا أفيقُوا قَبْلَ أن يُحْفَرَ الثّرى * وَيُصْبحَ مَنْ لم يَجْنِ ذَنْباً كَذِى الذَّئبِ

2751- في عضَةٍ ما يَنْبُتَنَّ شَكِيرُهَا

يُقَال‏:‏ شَكَرَتِ الشجرةُ تشكر شَكْراً أي خرج منها الشَّكِير، وهو ما ينت حَوْلَ الشجرة من أصولها‏.‏

يضرب في تشبه الولد بأبيه‏.‏

2752- في كلِّ شَجَرٍ نَارٌ، وَاسْتَمْجَدَ المَرْخُ والعَفَارُ

يُقَال‏:‏ مَجَدَت الإبل تمجد مَجَوداً، إذا نالت من الخَلَى قريباً من الشَّبَع، واستمجد المرخ والعَفَار‏:‏ أي استكثرا وأخَذَا من النار ما هو حَسْبهما، شبها بمن يكثر العطاء طالباً للمَجْد؛ لأنهما يسرعان الوَرْىَ‏.‏ يضرب في تفضيل بعض الشيء على بعض‏.‏

قَال أبو زياد‏:‏ ليس في الشجر كله أوْرَى زناداً من المَرْخ، قَال‏:‏ وربما كان المرخُ مجتمعاً ملتفاً وهبَّتِ الريحُ فحَكَّ بعضه بعضاً فأوْرَى فاحترقَ الوادِي كله، ولم نر ذلك في سائر الشجر، قَال الأعشى‏:‏

زِنَادُكَ خَيْرُ زِنَادِ المُلُو * كِ خَالَطَ فيهنَّ مَرْخٌ عَفَارَا

وَلَوْ بتَّ تَقْدَحُ فِي ظلمةٍ * حصاة بِنَبْع لأَوْرَيْتَ نَارَا ‏[‏ص 75‏]‏

والزَّنْدُ الأعلى يكون من العَفَار، والأسفل من المَرْخِ، كما قَال الكميت‏:‏

إذَا الْمَرْخُ لم يُورِ تَحْتَ الْعَفَارِ * وَضَنَّ بقدْرٍ فلم تعقب

2753- في نَظْمِ سَيْفِكَ ما تَرَى يَا لُقَيْمُ

حديثه أن لقمان بن عاد كان إذا اشتدَّ الشتاء وكَلِبَ كان أشدَّ ما يكون، وله راحلة لا تَرْغُو ولا يُسْمع لها صوت، فيشدُّها برَحْله ثم يقول للناس حين يكاد البردُ يقتلُهم‏:‏ ألا من كان غازياً فَلْيَغْزُ، فلا يلحقَ به أحد، فلما شبَّ لقيم ابنُ أختِهِ اتَّخذ راحلة مثل راحلته، فلما نادى لقمان ‏"‏ألا من كان غازياً فليغز‏"‏ قَال له لقيم‏:‏ أنا معك إذا شِئت، ثم إنهما سارا، فأغارا، فأصابا إبلا، ثم انصرفا نحو أهلهما، فنزلا فنحرا ناقةً فَقَال لقمان للقيمٌ‏:‏

أتعشِّى أم أعشِّي لك‏؟‏ قَال لقيم‏:‏ أي ذلك شِئت، قَال لقمان‏:‏ اذهب فَعَشِّها حتى ترى النجم قمَّ رأسٍ، وحتى ترى الجوزاء كأنها قطار، وحتى ترى الشِّعْرَى كأنها نار، فإلا تكن عَشِّيت فقد أنَيْت، قَال له لقيم‏:‏ نعم واطْبُخْ أنت لحم جَزُورك حتى ترى الكَرَاديسَ كأنها رؤوسُ رجال صُلْع، وحتى ترى الضُّلُوع كأنها نساء حَوَاسر، وحتى ترى الوَذْرَ كأنه قَطاً نَوَافر، وحتى ترى اللحم كأنه غَطَفان يقول غط غط، فإلا تكن أنْضَجْتَ فقد أنْهَيْتَ، ثم انطلقَ في إبله يُعَشيها، ومكث لقمان يطبخ لحمه، فلما أظلم لقمان وهو بمكان يُقَال له شَرْجٌ قَطَع سَمُرَ شَرْج فأوقد به النار حتى أنضج لحمه، ثم حفر دونه فملأه ناراً، ثم واراها، فلما أقبل لقيم عَرَفَ المكان وأنكر ذهاب السَّمُرِ فَقَال‏:‏ أَشْبَهَ شَرْجٌ شَرْجاً لو أنَّ أُسَيْمِراً، فأرسلها مَثَلاً، وقد ذكرتُه في حرف الشين، ووقَعَتْ ناقة من إبله في تلك النار فنفرت، وعرف لُقَيْم أنه إنما صنع لقمان ذلك ليصيبه وأنه حَسَده، فسكتَ عنه، ووجد لقمان قد نَظَم في سيفه لحماً من لحم الْجَزُورِ وكَبِداً وسَنَاما حتى توارى سيفهُ، وهو يريد إذا ذهب لقيمٌ ليأخذه أن ينحره بالسيف، فَفَطِنَ لقيم فَقَال‏:‏ في نظْم سيفك ما ترى يا لقيم، فأرسلها مَثَلاً، فحسد لقمان الصحبة، فَقَال له لقيم‏:‏ القسمة، فَقَال له لقمان‏:‏ ما تطيبُ نفسي أن تقسم هذه الإبلَ إلا وأنا مُوثَقُ، فأوثقه لقيم، فلما قَسَمها لقيم نَقَّي منها عشراً أو نحوها، فَجَشِعَتْ نفسُ لقمان، فنَحَطَ نَحْطة ‏(‏نحط نحطة‏:‏ زفر زفرة، وتقضبت‏:‏ تقطعت‏)‏ تقضَّبت منها الأنْسَاع التي ‏[‏ص 76‏]‏ هو بها مُوثَق، ثم قَال‏:‏ الغادرة والمتغادرة، والأفِيلُ النادرة، فذهب قوله هذا مَثَلاً، وقَال لقيم‏:‏ قبح الله النفس الخبيثة‏.‏ قوله ‏"‏الغادرة‏"‏ من قولهم‏:‏ غَدَرَت الناقة، إذا تخلَّفت عن الإبل، والأفِيلُ‏:‏ الصغير منها، يريد اقسم جميع ما فيها‏.‏ والمثل الأول يضرب في المماكرة والخداع والثاني في الخسة والاستقصاء في المعاملة‏.‏

2754- فَاقَ السَّهْمُ بَيْنِي وبَيْنَهُ

يُقَال‏:‏ فَاقَ السَّهْمُ وَ انْفَاقَ، إذا انكسر فُوقُه، أي فسد الأمر بيني وبينه

2755- الْفِرَارُ بِقِرَابٍ أََكْيَسُ

كان المفضل يقول‏:‏ إن المثل لجابر بن عمرو المازني، وذلك أنه كان يسير يوماً في طريقَ إذ رأى أَثرَ رجلين، وكان عائفاً قائماً، فَقَال‏:‏ أرى أَثرَ رجلين، شديداً كلَبُهما عزيزاً سَلَبُهما، والفرار بقراب أكيس، ثم مضى‏.‏

قلت‏:‏ أراد ذو الفرار، أي الذي يفرُّ ومعه قِرَابُ سيفه إذا فاته السيف أكْيَسُ ممن يُفيت القِراب أيضاً، قَال الشاعر‏:‏

أقاتلُ حتى لا أَرَى لي مُقَاَتِلاً * وَأَنْجُو إذ لم يَنْجُ إلاَّ المُكَيَّسُ

2756- فِى ذَنَبِ الكَلْبِ تَطْلُبُ الإِهَالَةَ

يضرب لمن يطلب المعروف عند اللئيم، قَال‏:‏

إنى وإنَّ ابْنَ علاقَ ليقريني * كَعَابِطِ الْكلْب يَرْجُو الطِّرْقَ فِي الذَّنَبِ

2757- افْعَلْ ذلكَ آثِراً مَّا

قَالوا‏:‏ معناه افْعَلْه أولَ كل شيء، أي افْعَلْه مؤثِراً له، وقَال الأَصمَعي‏:‏ معناه افعل ذلك عازماً عليه، و‏"‏ما ‏"‏ تأكيد، ويقَال أيضاً‏:‏ افْعَلْه آثرَ ذِى أَثيرٍ، أي أولَ كل شيء، قَال عُرْوَة بن الوَرْدِ‏:‏

وَقَالوا‏:‏ مَا تَشَاءُ‏؟‏ فَقُلْتُ‏:‏ أَلْهُو * إلَى الإِصْبَاحِ آثَرَ ذِى أثِيرِ

أرادا‏:‏ فقلت أنْ ألْهُوَ، أي الهوَ إلى الصبح آثَرَ كل شَيء يؤثَرُ فعلُه‏.‏

2758- فَرَقاً أَنْفَعُ مِنْ حُبٍّ

أولُ من قَال ذلك الحجاجُ للغَضْبَان بن الْقَبَعْثَرَى الشَّيْبَاني، وكان لما خلع عبدُ الله بنُ الجارُودِ وأهلُ البصرة الحجاجَ وانتهبوه قَال‏:‏ يا أهل العراقَ تَعَشَّوُا الْجَدْيَ قبل أن يتغداكم، فلما قَتَلَ الحجاجُ ابنَ الجارود أخذ الغَضْبَان وجماعةً من نُظَرائه فحبسهم، وكتب إلى عبد الملك بن مروان بقتل ابن الجارود، ‏[‏ص 77‏]‏ وخَبَرِهم، فأرسل عبدُ الملك عبدَ الرحمن بن مسعود الفَزَارِيَّ، وأمره بأن يؤمِّنَ كلَّ خائف، وأن يخرج المحبوسين، فأرسل الحجاج إلى الغَضْبَان، فلما دخل عليه قَال له الحجاج‏:‏ إنك لَسَمين، قَال الغضبان‏:‏ مَنْ يَكُنْ ضيفَ الأمير يَسْمَنْ، فَقَال‏:‏ أأنْتَ قلت لأهل العراقَ تَعَشَّوُا الجدْىَ قبل أن يتغداكم‏؟‏ قَال‏:‏ ما نفَعَتْ قائلَها ولا ضَرّتْ من قِيلَتْ فيه، فَقَال الحجاج‏:‏ أوْفَرَقاً خيرٌ من حُبٍّ، فأرسلها مَثَلاً‏.‏

يضرب في موضع قولهم ‏"‏رَهَبُوتٌ خير من رَحَمُوت‏"‏ أي لأن يُفْرَقَ منك فرقاً خيرٌ من أن تُحُبَّ

 الفَرْعُ أَوَّلُ النِّتَاجِ

قَالوا‏:‏ أولُ كل نِتَاجٍ فرعهُ، وهو رِبْعٌ ورِبْعىٌّ يضرب لابتداء الأمور

2760- في سَبِيلِ الله سَرْجِى وبَغْلِى

أول من قَال ذلك المِقْدَام بن عَاطِف العِجْلى، وكان قد وفَدَ على كسرى فأكرمه فلما أراد الانصرافَ حَمَلَه على بغل مُسْرَج من مَرَاكبه، فلما وصل إلى قومه قَالوا‏:‏ ما هذا الذي أتيتنا به‏؟‏ فأنشأ يقول‏:‏

أتيتكُمُ ببَغْلٍ ذي مَرَاحٍ * أقَبَّ حَمُولَةِ المَلِكِ الهُمَامِ

يَجُولُ إذا حملْت عَلَيْهِ سَرْجاً * كَما جَالَ المفَدَّحُ ذُو الِّلجَامِ

وَمَا يَزْدَادُ إلاَّ فَضْلَ جَرْىٍ * إذا مَا مَسَّهُ عَرَقَ الْحِزَامِ

ولَيْسَتْ أمُّه مِنْهُ، وَمَا إن * أبُوهُ مِنَ المُسَوَّمَةِ الْكِرَامِ

لَهُ أمٌّ مُفَدّّحَةٌ صفون * وَكَانَ أبُوهُ ذَا دَبَر دوَامى

وكان يروضه رياضةَ الخيل، فرمَحَه رمحةً كسر بها شَرَا سِيفَهُ، فمرض من ذلك بُرْهة، وأمر بالبغل فحمل عليه الكُورَ وأمتعةَ الحى، ولم يُعْلَف، فنفَقَ البغل، وبرىء المقدام من مرضه، فركب إلى الصيد‏.‏ وحَمَلَ السرج على ناقة له عَلُوق، فلما ركبها ومَسَّها وقع الركابين هَوَتْ به قيد رمحين، وطارت به في الأرض، فلم يقدر عليها، وتقطَّع السرجُ، فَقَال المقدام‏:‏ نَفَقَ البغْلُ وأوْدَى سَرْجُنَا، في سبيل الله سرجى وبغلى‏.‏ يضرب في التَّسَلِّى عما يهلك ويُودِى به الزمانُ‏.‏

2761- فِيحِى فَيَاحِ

هذا مثل قَطَامِ، مبني على الكسر، وهو اسم للغارة‏:‏ أي اتَّسِعِي، يُقَال‏:‏ فَاحَتِ ‏[‏ص 78‏]‏ الغارة تَفِيحُ، أي اتسعت، ودار فَيْحَاء‏:‏ أي وَاسعة، وأنَّثَ الفعلَ على أن الخِطاب للغارة

2762- فَتىً ولا كَمَالِكٍ

قَاله مُتَمِّمُ بن نُوَيْرة في أخيه مالك بن نُوَيْرة، لما قُتِلَ في الرِّدَّة، وقد رثاه مُتَمِّمٌ بقصائدَ، وتقديره‏:‏ هذا فتى، أو هو فتى‏.‏

2763- فَضْلُ القَوْلِ عَلَى الفِعْلِ دَنَاءَةٌ

أي مَنْ وَصَفَ نفسه فوقَ ما فيه فهو دنيء، وفضل الفعل على القول مكرمة‏:‏ أي كَرَمٌ‏:‏ وهو أن يفعلَ ولا يقول‏.‏

2764- فَشَاشِ فِشِّيهِ مِنَ اُسْتِه إلَى فِيهِ

الفَشُّ‏:‏ إخراجُ الريحِ من الوَطْب، وفَشَاشِ‏:‏ مبني على الكسر، ومعناه اُفْعَلِى به ما شِئت فما به انتصار

2765- اُفْتَدِ مَخْنُوقُ

أي يا مخنوق‏.‏ يضرب لكل مَشْفُوقَ عليه مضطر‏.‏

ويروى افْتَدَى مخنوقٌ

2766- فِى حِسِّ مَسٍّ أَبْصَرَ أنَّ أمْرَهُ مَكْس

يُقَال‏:‏ مَكَسَنِى، أي ظلمني‏.‏ يضرب للرجل إذا فَطِنَ أن قومَه أرادوا ظلمه فتركهم وخرج من بينهم‏.‏

2767- أفْرَعَ فِيمَا سَاءَنِى وصَعِدَ

أفْرَعَ‏:‏ هبَطَ، وصَعِدَ‏:‏ ارتفع، أي لم يألُ جَهْدَا في الأذى‏.‏

2768- فِي عِيصِهِ مَا يَنْبُتُ العُودُ

العِيصُ‏:‏ الشجرُ الكثير الملتفّ، و‏"‏ما‏"‏صلة، أي إن كان العيصُ كريماً كان العود كريما، وإن كان لئيما كان لئيما، يعني أن الفَرْع في وزان الأصل

2769- فِي الأْرْضِ للْحُرِّ الكَرِيمِ مَنَادِحُ

أي مُتَّسع ومُرْتَزَق، والمَنَادح‏:‏ جمع مَنْدُوحة، وهي السَّعَة، ويجوز أن يكون جمع مَنْدَح ومُنْتَدَح، وجمع نُدْح أيضاً، كالمَقَابح في جمع قُبْح، ومعنى كلها الرحْبُ والسَّعَةُ‏.‏

2770- أفَاقَ فَذَرَقَ

يضرب لمن كان في غم وكَرْب ففرج عنه

2771- فِي المَالِ أشْرَاك وإنْ شَحَّ رَبُّهُ

أشْرَاكٌ‏:‏ جمعُ شريك، كما يُقَال‏:‏ شَرِيف وأشْرَاف، يعنون الحادث والوارث

2772- فِي النُّصْحِ لَسْعُ العَقَارِبِ

أول من قَال ذلك عُبَيْد بن ضيربة النَّمَرِي، وذلك أنه سَمِعَ رجلاً يَقَعُ في ‏[‏ص 79‏]‏ السلطان، فَقَال‏:‏ ويحك‏!‏ إنك غُفْل لم تَسِمْكَ التَّجَارِب، وفي النصح لَسْعُ العقارب، وكأنني بالضاحكِ إليك باكياً عليك، فذهب قوله مَثَلاً‏.‏

2773- الإِْفْراَطُ فِي الأنْسِ مَكْسَبَةٌ لِقُرَنَاءِ السُّوءِ

قَاله أكثم بن صيفي‏.‏ يضرب لمن يُفْرِطُ في مخالطة الناس

2774- فِي الطَّمَعِ الْمَذَلّةُ للِرِّقَابِ

هذا مثل قولهم‏"‏ أذلَّ رقابَ الناس غُلُّ المَطَامع‏"‏

2775- أفْرَخَ قَيْضُ بَيْضِها المُنْقَاضُ

القَيْضُ‏:‏ قِشْر البَيْض الأعلى، والمُنْقَاضُ‏:‏ المنشقَ طولاً، وأفرخ‏:‏ خرج الفَرْخُ من البيض، أي ظهر أمره ظهورَ الفراخ من البَيْض‏.‏

قَال أبو الهيثم‏:‏ هذا المثل ضرب بعد موت زياد، يعني زياد بن أبي سفيان

2776- أفْسَدَ النّاسَ الأحْمَرانِ اللّحْمُ والْخَمْرُ

وقيل ‏"‏الأحامرة‏"‏ فيكون فيها الخَلُوقَ والزَّعْفَران‏.‏

2777- فِي الله تَعَالَى عِوَضٌ عَنْ كُلِّ فَائِتٍ

قَاله عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى

2778- فِي التَّجَارِبِ عِلْمٌ مُسْتأنَفٌ

أي جَديد

2779- فِي العَوَاقِبِ شَافٍ أو مريحٌ

يعني في النظر في عواقب الأمور‏.‏

2780- فَعَلْتُ ذَاكَ عَمْدَ عَيْنٍ

إذا تعمَّدْتَه بجد ويقين، ويقَال‏:‏ فعلنه عَمْداً على عين، قَال خُفَاف بن نَدبةُ السُّلَمِي

فإن تَكُ خَيْلٌُ قَدْ أصِيبَ صَمِيمُها * فَعَمْداً عَلَى عَيْنٍ تَيَمَّمْتْ مَالِكا

وعَمْداً‏:‏ مصدر أقيم مقام الحال

2781- فِي اُسْتِ المَغْبُونِ عُودٌ

يضرب فيمن غبن، يعنون أنه مثلُ مَنْ أُبِنَ

2782- فُقَ بِلَحْمِ حِرْباءَ لاَ بِلَحْمِ تَرْباءَ

الحِرْباء‏:‏ جنسٌ من القَطَا معروف، والتَّرْباء‏:‏ التراب، وفُقْ‏:‏ من فَاقَ بنفسه يَفُوقَ فُؤُوقاً، إذا أشرفَتْ نفسه على الخروج، ويقَال‏:‏ فُقَ من فُوَاقَ حَلْب الناقة، يُقَال‏:‏ ‏[‏ص 80‏]‏ تَفَوَّقَ الفصيلُ وفَاقَ؛ إذا شرب ما في ضَرْع أمه

وأصْلُ هذا أن رجلا نَظَرَ إلى آخَرَ ينظر إلى إبله وهي تَفُوقُ، فخاف أن يَعيِنَ ‏(‏يعين إبله - كيبيع - يصيبها بعينه‏.‏‏)‏ إبلَه فتسقط فتنحر، فَقَال‏:‏ فُقَ بلَحْم حِرْبَاء أي اجتلب لحمَ الحِرْباء، لا لحوم الإبل، وأراد بلحم تَرْباء لحماً يسقُطُ على التراب، ويقَال‏:‏ التَّرْبَاء الأرضُ نفسُها

2783- انْفَلَقَتْ بَيْضَةُ بَنِي فُلاَنٍ عَنْ هذَا الرّأىِ

يضرب لقوم اجتمعوا على رأي واحدٍ

2784- فَارَقَهُ فِرَاقاً كَصَدْعِ الزُّجَاجَةِ

أي فِراقاً لا اجتماعَ بعده؛ لأن صَدْع الزجاجة لا يَلْتئمِ، قَال ذو الرمة‏:‏

أبَى ذَاكَ أوْيَنْدَى الصَّفَا مِنْ مُتُونِهِ * وَيُجْبَرَ مِنْ رَفْضَ الزُّجَاجِ صُدُوعُ

2785- فِي العافِيَةِ خَلَفٌ منَ الرَّاقِيَةِ

أي مَنْ عُوفِيَ لم يحتج إلى رَاقٍ وطبيب، والهاء في ‏"‏الراقية‏"‏ دخلت للمبالغة، ويجوز أن تكون ‏"‏الراقية‏"‏ مصدراً كالباقية والواقية

2786- فَعَلْنَا كَذَا والدَّهْرُ إذْ ذاك مُسْجِلُ

أي لا يخاف أحدٌ أحداً، يُقَال‏:‏ أسْجَلَه، أي أرسَله على وجهه

2787- فَرَارَة تَسَفَّهَتْ قَرَارَةً

هذا مثل قولهم ‏"‏ نَزْو الفَرَارِ اسْتَجْهَلَ الْفَرَارَا‏"‏ والفَرارَة‏:‏ البهيمة تَنْفِر أوْ تقومُ ليلاً فيتبعها الغنم، والقَرَارَة - بالقاف - الغنم، ومعنى تَسَفَّهَت مالت به، قَال ذو الرمة‏:‏

جَرَيْنَ كما اهْتَزَّتْ رِماحٌ تَسَفَّهَتْ * أعَالِيَهَا مَرُّ الرِّياحِ النَّوَاسِمِ

يضرب للكبير يحمله الصغير على السَّفَه والخفة‏.‏

2788- افْعَلْ كَذَا وخَلاَكَ ذَمٌّ

قَال ابن السكيت‏:‏ ولا تقل‏"‏ وخلاك ذنب‏"‏ وقَال الفراء، كلاهما من كلام العرب، وهو من قول قَصِيرٍ اللَّخْمي، قَالهُ لعمرو بن عَدِى، وقد ذكرتُه في قصة الزباء في باب الخاء‏.‏

وقوله‏"‏ وخلاك‏"‏ الواوْ للحال، وخلا‏:‏ معناه عَدَا، أي افْعَلَ كذا وقد جاوزَكَ الذم فلا تستحقه، قَال ابن رَوَاحَةَ‏:‏ ‏[‏ص 81‏]‏

فشأنك فَانْعَمِى وَخَلاَكِ ذَمٌّ * وَلاَ أرْجِعْ إلَى أهْلِى وَمَالِى

يضرب في عذر من طلب الحاجة ولم يتوانَ‏.‏

وينشد لعُرْوَةَ بن الوَرْد‏:‏

ومَنْ يَكُ مِثْلِى ذَا عِيَالٍ وَمُقْتِراً * مِنَ الْمَالِ يَطْرَحْ نَفْسَهُ كلَّ مَطْرَحِ

لِيَبْلُغَ عُذراً أوْيُصِيبَ رَغِيبَةً * وَمُبْلِغُ نَفْسٍ عُذْرَهَا مِثْلُ مُنْجِحِ

وقَال بعض الحكماء‏:‏ إني لأسْعَى في الحاجة وإني منها لآيِسٌ، وذلك للاعذار، ولئلا أرْجِعَ على نفسي بِلَوْم

2789- أَفْرَخَ رَوْعُكَ

يُقَال‏:‏ أفْرَخَتِ البيضةُ، إذا انفلَقَتْ عن الفرخ، فخرج منها‏.‏

يضرب لمن يُدْعَى له أن يَسْكُنَ رَوْعُه‏.‏

قَال أبو الهيثم‏:‏ كلهم قَالوا رَوْعُك بفتح الراء، والصواب ضم الراء؛ لأن الرَّوْعَ المصدر، والرَّوعُ القلبُ، وموضعُ الرَّوْعِ، وأنشد بيت ذي الرمة بالضم‏:‏

ولَّى يَهُزُّ انْهِزَاماً وَسْطَهَ زعلا * جَذْلاَنَ قَدْ أفْرَخَتْ عَنْ رُوعِهِ الْكُرَبُ

2790- أَفَرَعَ بِالظَّبْىِ وفي المِعْزَى دَثَر

يُقَال‏:‏ أفْرَعَ، إذا ذبح الفَرَعَ، وهو أولُ ولدٍ تُنْتَجُه الناقة، كانوا يذبحونه لآلهتهم يتبركون بذلك، وفي الحديث ‏"‏لا فَرَعَ ولا عَتِيرَةَ ‏"‏ والعتيرة‏:‏ شاة كانوا يذبحونها لآلهتهم في رَجَبٍ، ويقَال‏:‏ عكر دَثَر - بالتحريك - أي كثير، ومال دَثْر - بالتسكين - ومالان دَثْر، وأموال دَثْر، أيضاً، والباء في ‏"‏ بالظبى‏"‏ زائدة، أي أفرعَ الظَّبْىَ، يعني ذبَحه، وفي المعزى كَثْرَة، يعني أن مِعْزَاه كثير وهو يذبح الظبى‏.‏

يضرب لمن له إخْوان كثير وهو يستعين بغيرهم‏.‏

2791- أَفْرَطَ لِلْهِيمِ حُبَيْنَاً أَقْعَسَ

أفرط‏:‏ أي قَدَّم وعَجَّل، والهِيمُ‏:‏ جمع أهْيَمَ وهَيْماء، وهي العِطاش من الإبل، وحُبَيْناً‏:‏ تصغير أَحْبَن مرخَّما، يُقَال‏:‏ رجل أَحْبَنُ وامرَأة حَبْناء، إذا كان بهما السقى، وهو الاستسقاء، والأقْعَسُ‏:‏ الذي دخل ظهرُه وخرج صدرُه، أي قدم لسقى الإبل العِطاش رجلاً عاجزاً‏.‏ يضرب لمن استعان بعاجز‏.‏

2792- فَصيِلُ ذَاتِ الزَّبْنِ لا يُخَيَّلُ

ذات الزَّبْن‏:‏ الناقة التي تَزْبَنُ ولدَهَا، ‏[‏ص 82‏]‏ وحالَبَها، والتخيل‏:‏ أن تكون الناقة لا تَرْ أَم ولدَهَا؛ فيقَال لصاحبها‏:‏ خَيِّلْ لها، فيلبَسُ جلدَ سبع ثم يمشى على أربع، يخيل إلى الأم أنه ذئب يريد أن يأكل ولدها فتعطف عليه وتَرْأمه، يقول‏:‏ فهذه التي تَزْبِنُ ولدها، لا يُخَيَّل لها؛ لأنه لا ينفع‏.‏

يضرب للسيئ المعاشرة طبعاً؛ فلا يؤثر فيه التودد إليه‏.‏

2793- أَفْرَخَ القَوْمُ بَيْضَتَهُمْ

إذا أَبْدُوا سرَّهم، وأفرخ‏:‏ لازم ومتعدٍّ تقول في اللازم‏:‏ ليُفْرِخْ روعُكَ، أي ليذهب فزعك، وأفرخ الطائرُ، إذا خرج من البيضة، وتقول في المتعدي‏:‏ أفْرِخْ رَوْعَك، أي سَكِّنْ جَأشَكَ، ومعنى أفرخَ القومُ بيضَتَهم أَخْلَوْا بيضتهم وفَرَّغُوها كما يُفَرِّغها الفرخ، حين خرج منها، جعلوا خروج السر وظهورَه منهم بمنزلة ظهور الفرخ من البيضة‏.‏

2794- فِي دونِ هذَا مَا تُنْكِرُ المَرْأَةُ صَاحِبَهَا

قَالوا‏:‏ إن أول مَنْ قَال ذلك جارية من مُزَينة، وذلك أن الحَكَم بن صَخْر الثَّقَفِي قَال‏:‏ خرجت منفرداً، فرأيت بإمَّرَةٍ - وهي مَوْضِع - جاريتين أختين لم أر كجَمَالهما وظَرْفهما، فكسوتهما وأحسنت إليهما، قَال‏:‏ ثم حَجَجْت مِن قابل ومعي أهلي، وقد أعْتَلَلْتُ ونَصَلَ خِضابي، فلما صِرْتُ بإمَّرَة إذا إحداهما قد جاءت فسألت سُؤَال منكرةٍ، قَال‏:‏ فقلت‏:‏ فلانة‏؟‏ قَالت‏:‏ فِدىً لك أبي وأمي، وأنى تعرفني وأنكرك‏؟‏ قال‏:‏ قلتُ‏:‏ الحكم بن صخر، قَالت‏:‏ فِدىً لك أبي وأمي، رأيتُكَ عامَ أولَ شابَّاً سُوقَةً، وأراك العامَ شيخاً ملكا، وفي دون هذا ما تنكر المرأةُ صاحبَهَا، فذهبت مَثَلاً، قَال‏:‏ قلت‏:‏ ما فعلَتْ أختُك، فَتَنَفَّسَتِ الصُّعَدَاء وقَالت‏:‏ قَدِمَ عليها ابنُ عم لها فتزوجها وخرج بها، فذاك حيث تقول‏:‏

إذا ما قَفَلْنَا نَحْوَ نَجْدٍ وَ أَهْلِهِ * فحَسْبِى مِنَ الدُّنْيَا قُفُولىِ إلَى نَجْدِ

قَال‏:‏ قلت‏:‏ أما إني لو أدركتها لتزوجتها، قَالت‏:‏ فِدَىً لك وأبي وأمي ما يمنعك من شريكتها في حَسَبها وجَمَالها وشقيقتها‏؟‏ قَال‏:‏ قلت‏:‏ يَمْنَعُني من ذلك قول كُثَيْر‏:‏

إذا وَصَلَتْنَا خُلَّةٌ كَىْ تُزِيلَهَا * أبَيْنَا وَقُلْنَا‏:‏ الحَاجِبِيَّةُ أوَّلُ

فَقَالت‏:‏ كُثَير بيني وبينك، أليس الذي يقول‏:‏ ‏[‏ص 83‏]‏

هَلْ وَصْلُ عَزَّةَ إلاَّ وَصْلُ غَانِيَةٍ * فِي وَصْلِ غَانِيَةٍ مِنْ وَصْلِها خَلَفُ

قَال الحكم‏:‏ فتركت جَوَابها وما يمنعني من ذلك إلا العِىّ‏.‏

2795- فاَتِكَةٌ واثِقَةٌ بِرِيٍّ

زعموا أن امرَأة كَثر لبنها فَطَفِقَتْ تهريقه، فَقَال زوجها‏:‏ لم تهر يقينه‏؟‏ فَقَالت‏:‏ فاتكة واثقة برىٍّ‏.‏

يضرب للمُفْسد الذي وراء ظهره مَيْسَرة

2796- فِصْفِصَةٌ حِمَارُهَا لاَ يَقْمُصُ

يضرب لمن يصنع المعروف في غير أهله

2797- فَي كُلِّ أَرْضٍ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ

قَاله الأضْبَطُ بن قُرَيْع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة، رأى من أهله وقومه أموراً كرهها، ففارقهم، فرأى من غيرهم مثلَ ما رأى منهم، فَقَال‏:‏ في كل أرض سعدُ بن زيدٍ‏.‏

2798- فَقْدُ الإْخْوَانِ غُرْبَةٌ

قريب من هذا قول الشيخ أبي سليمان الْخَطَّابى‏:‏

وإنى غريبٌ بين بُسْتَ وأهلها * وإن كان فيها أُسْرَتِى وبها أهْلى

وما غُرْبَةُ الإنسان في غُرْبَةِ النَّوَى * ولكنَّهَا والله في عَدَمِ الشكْلِ

2799- فَلِمَ خُلِقَتْ إِن لَمْ أَخْدَعِ الرِّجَالَ

يعني لحيته، يقول‏:‏ لم خُلِقَتْ لحيتي إن لم أفعل هذا

يضرب في الخِلاَبَةَ والمَكْر من الرجل الداهى‏.‏

*3* ما جاء على أفعل من هذا الباب

2800- أفْلَسُ مِنَ ابْنِ المُدَلَّقِ

يروى بالدال والذال، وهو رجل من بنى عبد شمس بن سعد بن زيد مَنَاة لم يكن يجد بِيتَة َليلةٍ، وأبوه وأجداده يُعْرَفون بالإفلاس، قَال الشاعر في أبيه‏:‏

فإنَّكَ إذْ ترجو تميما ونَفْعَها * كَرَاجِى النَّدَى وَالْعُرْفِ عَنْدَ المُذَلَّقِ

2801- أفْقَرُ مَنَ العُرْيَانِ

هو العُرْيَان بن شَهْلَة الطائى الشاعر، زعم المفضل أنه غَبَرَ دهراً يلتمس الغنى فلم يزدد إلا فقرا‏.‏

2802- أفْسَدُ مِنَ الْجَرَادِ

لأنه يَجْرُدُ الشجرَ والنباتَ، وليس في الحيوان أكثر إفساداً لما يتقوَّته الإنسانُ ‏[‏ص 84‏]‏ منه وفي وصية طيىء لبنيه‏:‏ يا بَنِىَّ إنكمِ قد نزلتم منزلاً لا تخرجون منه، ولا يُدْخَلُ عليكم فيه، فارعوا مَرْعَى الضب الأعور، أبصر جُحْره، وعَرَف قَدْره، ولا تكونوا كالجراد رَعَى وادياً وأنقف وادياً، أكَلَ ما وجد، وأكله ما وجده‏.‏ قوله ‏"‏أنقف واديا‏"‏ أي أنقف بيضه فيه، قَاله حمزة رحمه الله‏.‏

قلت‏:‏ والصواب ‏"‏نَقَفَ بيضه فيه‏"‏ أي شقه وكسره، يُقَال‏:‏ نَقَفْتُ الحنظل، إذا كسرته، فأما ‏"‏أنقف واديا‏"‏ فيجوز أن يكون معناه جعله ذا بيضٍ منقوفٍ بأن نَقَفَ بيضَه فيه، ويجوز أن يكون واديا ظرفا لا مفعولا، أي صار الجراد ذا بَيْضٍ منقوف فيه، كما قَالوا‏:‏ أجْرَبَ الرجلُ، وألْبَنَ، وأتْمَرَ، وأخواتها‏.‏

2803- أفْسَدُ مِنْ أرَضَةِ بَلْحُبْلَى

قَال حمزة‏:‏ يعنون بَنِى الحُبْلَى، وهم حىّ من الأنصار رَهْط ابن أبّىٍ ابنِ سَلُولَ

2804- أفْسَدُ مِنَ السُّوسِ

يُقَال في مثل أخر ‏"‏العِيَالُ سُوسُ المال‏"‏ ويقَال أيضاًً ‏"‏أفْسَدُ من السوس في الصُّوفِ في الصًّيْفِ‏"‏

2805- أفْسَدُ مِنَ الضَّبُعِ

لأنها إذا وقعت في الغنم عاثت، ولم تكتف بما يكتفي به الذئب، ومن عَيْثِ الضبع وإسرافها في الإفساد استعارت العرب اسمها للسَّنَة المُجْدِبة فَقَالوا‏:‏ أكلَتْنَا الضَّبُعُ، وقَال ابن الأعرابي‏:‏ ليسوا يريدون بالضبع السَنَة المجدبة، وإنما هو أن الناس إذا أجدبوا ضَعُفُوا عن الانبعاث، وسَقَطَتْ قُوَاهم، فعاثت بهم الضباع والذئاب، فأكلتهم، قَال الشاعر‏:‏

أبَا خُرَاشَةَ أمَّا أنْتَ ذَا نَفَرٍ * فَإنَّ قَوْمِىَ لَمْ تأْكُلْهُمُ الضَّبُعُ

أي قومى ليسوا بضِعَافٍ تَعِيثُ فيهم الضباع والذئاب، فإذا اجتمع الذئب والضبع في الغنم سلمت الغنم‏.‏ قَال حمزة‏:‏ حدثني أبو بكر بن شُقَير قَال‏:‏ حضرت المبرد وقد سئل عن قول الشاعر‏:‏

وَكانَ لهَا جَارَانِ لاَ يَخْفِرَانِهَا * أَبُو جَعْدَةَ الْعَادِى وَعَرْفَاءُ جَيْأَلُ

فَقَال‏:‏ أبو جعدةَ الذئبُ، وعَرْفاء‏:‏ الضبع؛ فيقول‏:‏ إذا اجتمعا في غَنَم مَنَع كلُّ واحد منهما صاحبه‏.‏ وقَال سيبويه في قولهم ‏"‏اللهم ضبعاً وذئباً‏"‏ أي اجْمَعْهُما في الغنم وأما قولهم‏:‏

2806- أفْسَدُ مِنْ بَيْضَةِ البَلَدِ

فهي بيضة تتركها النَّعَامة في الفَلاَة فلا ترجع إليها‏.‏ ‏[‏ص 85‏]‏

قلت‏:‏ أفسد في جميع ما تقدم من الإفساد، إلا هذا، وذلك شاذ، وحقها أكثر إفساداً، وكذلك أفلس من الإفلاس شاذ، وأما هذا الأخير فإنه من الفَسَاد لأنها إذا تركت فَسَدَتْ

2807- أفْسَى مِنْ ظَرِبان

قَالوا‏:‏ هو دُوَيبة فوقَ جَرْو الكلب مُنْتِنة الريح كثيرة الفَسْو، وقد عرف الظَّرِبان ذلك من نفسه فقد جعله من أَحَدّ سلاحه، كما عرفت الحُبَارى ما في سَلْحها من السِّلاحِ إذا قَرُبَ الصَّقْر منها، كذلك الظَّرِبَان يَقْصِد جُحْر الضب وفيه حُسُولُهُ وبَيْضُهُ فيأتى أضْيَقَ موضعٍ فيه فيسدُّه بيديه ‏(‏في نسخة ‏"‏ببدنه‏"‏‏)‏ ويُرْوى بذنبه، ويُحَوِّلُ دبره إليه، فلا يفسو ثلاث فَسَوَات حتى يُدَار بالضب فيخرُّ مَغْشِيَّاً عليه فيأكله، ثم يقيم في جُحْره حتى يأتي على آخر حُسُوله، والضب إنما يُخْدع أي يُغْتال في جُحْره حتى يضرب به المثل فيقَال ‏"‏أَخْدَعُ مِنْ ضَب‏"‏ ويُغْتَال في سربه لشدة طلب الظَّرِبَانِ له، وكذلك قولهم ‏"‏أنْتَنُ مِنَ الظَّرِبَانِ‏"‏ قَال‏:‏ والظَّرِبان يتوسَّط الهَجْمَة من الإبل فَيَفْسُو فتتفرقَ تلك الإبل كتفرُّقها عن مبرك فيه قِرْدَان، فلا يردها الراعى إلا بجَهْد، ومن أجل هذا سَمَّتِ العربُ الظَّرِبان ‏"‏مُفَرِّقَ النَّعم‏"‏ وقَالوا للرجلين يتفاحشان ويتشاتمان‏:‏ إنهما ليتجاذبان جِلْدَ الظَّرِبان، وإنهما ليتماسَّانِ الظرِبَانَ‏.‏

قلت‏:‏ وقد روى ‏"‏لَيَتَمَاشَنَانِ جِلْدَ الظَّرِبَانِ‏"‏ من قولهم ‏"‏مَشَنَه بالسيف‏"‏ إذا ضَرَبه ضربة قَشَرتِ الجلد‏.‏

2808- أفْسَى مِنْ خُنْفُسَاءَ

لأنها تَفْسُو في يد من مَسَّها، قَال الشاعر‏:‏

لنَا صَاحِبٌ مُولَع بِالْخِلاَفِ * كَثِيرُ الْخَطَاءِ قَلِيلُ الصَّوَابِ

أشَدُّ لَجاجاً مِنَ الخنفُسَاء * وَأَزْهَى إذَا مَا مَشَي مِنْ غُرَابِ

2809- أَفْسَى مِنْ نِمْسٍ

قَالوا‏:‏ هو دويبة فاسية أيضاً

2810- أَفْحَشُ مِنَ فَالِيةِ الأفَاعِى

و ‏"‏أفْحَشُ مِنْ فَاسِيَةٍ‏"‏ هما اسمان لدويبة شبيهة بالخنفساء ‏(‏فالية الأفاعى‏:‏ خنفساء رقطاء تألف الحيات والعقارب؛ فإذا خرجت من جحر دلت أن وراءها حية أوْعقرب‏.‏ والفاسية - ومثلها الفاسياء - هي الخنفساء‏.‏‏)‏ لا تملك الفُسَاء ‏[‏ص 86‏]‏

2811- أَفْحَشُ مِنْ كَلْبٍ

لأنه يهرُّ على الناس

2812- أفْرَغُ مِنْ يَدٍ تَفُتُّ الْيَرْمَعُ

قَالوا‏:‏ الْيَرْمَعُ الحجارة الرِّخْوة، ويقَال للمنكسر المغمومِ‏:‏ تركْتُه يفتُّ اليَّرْمَعَ وأما قولهم‏:‏

2813- أفْرَغُ مِنْ حَجَّامِ سَابَاطٍ

فإنه كان حجَّاماً ملازما لساباط المدئن فإذا مر به جند قد ضُرِبَ عليهم البعثُ حجَمهُم نسيئةً بدانقَ واحد إلى وقْت قُفُولِهِمْ وكان مع ذلك يعبُر الأسبوعُ والأسبوعان فلا يدنو منه أحد، فعندها يُخرِجُ أمَّهُ فيحجمها حتى يُرِىَ الناس أنه غير فارغ، فما زال ذلك دأبه حتى أنزَفَ دمَ أمه فماتت فجأة فسار مَثَلاً، قَال الشاعر‏:‏

مِطْبِخُهُ قَفْرٌ وطَبَّاخه * أفْرَغُ مِنْ حَجَّامِ سَابَاطِ

وقيل‏:‏ إنه حجَمَ كِسْرَى أبرويز مرةً في سفره ولم يعد لأنه أغناه عن ذلك‏.‏

2814- أفْرَسُ مِنْ سُمِّ الفُرْسَانِ

هو عُتَيبة بن الحارث بن شِهَاب فَارسُ تميمٍ، وكان يُسمى ‏"‏صَيَّادَ الفوارس‏"‏ أيضاً، وحكى أبو عبيدة عن أبى عمرو المدني أن العرب كانت تقول‏:‏ لو أن القمر سقطَ من السماء ما التقفَهُ غيرُ عُتَيبة لثَقَافَتِهِ

2815- أفْرَسُ مِنْ مُلاَعِبِ الأسِنَةِ

هو أبو براء عامرُ بن مالك بن جعفر بن كِلاب فارسُ قَيسٍ‏.‏

2816- أفْرَسُ مِنْ عَامِرٍ

هو عامر بن الطُّفَيل، وهى ابن أخي عامرٍ مُلاعِبِ الأسِنَّة، وكان أَفْرَسَ وأسْوَدَ أهلِ زَمَانِهِ، ومر حيَّانُ ابن سلمى بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بقبرِه، وكان غاب عن موته فَقَال‏:‏ ما هذه الأنصابُ‏؟‏

فَقَالوا‏:‏ نَصبْناها على قبر عامر فَقَال‏:‏ ضَيَّقْتُم على أبى على، وأفضلتم منه فضلا كثيراً، ثم وقف على قبره وقَال‏:‏ أُنْعَمْ ظَلاَمَا ما أبا على فوالله لقد كنتَ تَشُنُّ الغارةَ، وتَحْمِى الجارة، سريعاً إلى المولى بوعدكَ، بطيئاً عنه بوعيدك، وكنت لا تضِلُّ حتَّى يضِلَّ النَجْم، ولا تهابُوا حتى يهاب السيلُ، ولا تعطَش حتى يعطش البعير، وكنتَ والله خيرَ ما كنت تكون حين لا تَظُنُّ نَفْسٌ بنفس خيرا، ثم التفت إليهم فَقَال‏:‏ هلا جعلتم قبر أبى على ميلا في ميل، وكان مُنَادى عامر بن الطفيل ينادى بعكاظ‏:‏ هل من راجلٍ فأحْمِلَه، أو جائع فأطعِمَهُ، أو خائفٍ فأؤمنه‏؟‏ ‏[‏ص 87‏]‏

2817- أفْرَسُ مِنْ بِسْطَامٍ

هو بسطام بن قَيْس الشيباني، فارس بكرٍ‏.‏ قَال حمزة‏:‏

وحدثني أبو بكر بن شُقَير قَال‏:‏ حدثني أبو عبيدة قَال حدثني الأَصمَعي قَال‏:‏ أخبرني خَلَف الأحمر أن عَوَانَةَ بن الحكم رَوَى أن عبد الملك بن مروان سأل يوماً عن أشجع العرب شعراً، فَقِيل‏:‏ عمرو بن معد يكرب، فَقَال‏:‏ كيف وهو الذي يقول‏:‏

فَجَاشَتْ إلىَّ النَّفْسُ أوَّلَ مَرَّةٍ * وَرَدُّتْ على مَكْرُوهها فَاسْتَقَرَّتِ

قَالوا‏:‏ فعمرو بن الإطْنَابة، فَقَال‏:‏ كيف وهو الذي يقول‏:‏

وَقُولِى كٌلمَّا جَشَأتْ وَجَاشَتْ * مَكَانَكِ تُحْمِدى أوْ تَسْتَرِيحي

قَالوا‏:‏ فعامر بن الطفيل، فال‏:‏ كيف وهو الذي يقول‏:‏

أقُولُ لِنَفسِي لاَ يُجَادُ بِمِثْلَهَا * أقِلِّي مَرَاحاً إنَّنِي غَيرُ مُدْبِرِ

قَالوا‏:‏ فَمَنْ أشْجَعُهم عند أمير المؤمنين‏؟‏ قَال أربعة‏:‏ عباس بن مرداس السُّلمى، وقيس بن الخَطيم الأوسِيُّ، وعنترة بن شداد العبسي، ورجل من بنى مُزَينة؛ أما عباس فلقوله‏:‏

أشُدُّ عَلَى الكَتِيبَةِ لاَ أبالي * أفيهَا كانَ حَتْفِي أمْ سِوَاهَا

و أما قيس بن الخطيم فلقوله‏:‏

وإنِّي لَدَى الحَرْبِ العَوَانِ مُوَكَّلٌ * بِتَقْدِيمِ نَفْسٍ لاَ أريدُ بَقَاهَا

وأما عنترة بن شداد فلقوله‏:‏

إذ تتَّقُونَ بِى الأسنةَ لَمْ أخِمْ‏(‏1‏)‏ * عَنْهَا ولكِنِّى تَضَايَقَ مَقْدِمى

‏(‏1‏)‏‏(‏خام يخيم خيمومة‏:‏ جبن‏)‏

وأما المزنى فلقوله‏:‏

دَعَوْتُ بَنِي قَحَافَةَ فَاسْتَجَابُوا * فَقُلْتُ رِدُوا فَقَدْ طَابَ الوُرُودُ

وأما قولهم‏:‏

2818- أفْتَكُ مِنَ البِرَّاضِ

فهو البَّرَّاضُ بن قيس الكناني

ومن خبر فَتْكه أنَهُ كان وهو في حيَّه عَيَّاراً فاتكاً يجني الجنايات على أهله، فخَلَعه قومُه وتبرؤا من صنيعِه، ففارقهم، وقدم مكة فحالف حَرْب بن أمية، ثم نَبَابه المقام بمكة أيضاً، ففارقَ أرضَ الحجاز إلى أرض العراق، وقدم على النعمان بن المنذر الملك فأقام ببابه، وكان النعمان يبعث إلى عكاظ بلَطِيمة ‏(‏اللطيمة - بفتح أوله - جماعة الإبل تحمل الطيب والبز وعروض التجار‏)‏

كلَّ عامٍ تُباعُ له هناك، ‏[‏ص 88‏]‏ فَقَال وعنده البراض والرحَّال - وهو عُرْوَة بن عُتْبَة بن جعفر بن كلاب، سمى رَحَّالاً لأنه كان وَفَاداً على الملوك - مَنْ يُجِيز لي لطيمتى هذه حتى يقدمها عكاظ‏؟‏ فَقَال البراض‏:‏ أبَيْتَ اللعنَ أنا أجيزها على كنانة، فَقَال النعمان‏:‏ ما أريد إلا رجلا يجيزها على الحيين قيس وكنانة، فَقَال عروة الرحَّال‏:‏ أبَيْتَ اللعن أهذا العَيَّار الخليعُ يكمل لأن يجيز لطيمة الملك‏؟‏ أنا المجيزها على أهل الشِّيحِ والقَيصُوم من نَجْد وتهامة، فَقَال‏:‏ خُذهَا، فرحل عُروة بها، وتبع البراض أثَرَه، حتى إذا صار عُروة بين ظَهْرَاتى قومه بجانب فَدَك نزلت العيرُ فأخرج البَرَّاض قِدَاحا يستقسم بها في قَتْل عُروة، فمر عروة به وقَال‏:‏ ما الذي تصنع يا بَرَّاض‏؟‏ قَال‏:‏ أستخبر القِدَاح في قتلى إياك فقال اسْتُكَ أضْيَقَ من ذاك، فوَثَبَ البراض بسيفه إليه فضربه ضربةً خَمَدَ منها، واستاقَ العِير، فبسببه هاجت حربُ الفِجَار بين حي خِنْدف وقيس؛ فهذه فَنَكَة البّرَّاض التي بها المثل قد سار، وقَال فيها بعضُ شعراء الإسلام‏:‏

والفَتَى من تَعَرَّفَتْهُ الليالي * وَالفَيَافِى كَالحَيَّةِ النَّضْنَاضِ

كُلَّ يَوْمٍ له يصْرِفِ الليالي * فَتْكَةٌ مِثْلُ فَتْكَةِ البَّراضِ

2819- أفْتَكُ مِنَ الجَحَّافِ

هو الجَحَّافُ بن حَكيم السُّلَمى

ومن خبر فَتكه أن عُمَير بن الحُبَاب السُّلْمى كان ابن عمه، فَنَهضَ في الفتنة التي كانت بالشأم بين قَيْس وكَلْب بسبب الزُّبَيْرية والمَرْوانية، فلقى في بعض تلك المُغاورات خيلاً لبنى تغلب فقتلوه، فلما اجتمع الناسُ على عبد الملك بن مروان ووضَعَتْ تلك الحروبُ أوْزَارَها دخل الجَحَّاف على عبد الملك والأخطلُ عنده، فالتفَتَ إليه الأخطلُ فَقَال‏:‏

ألا سَائِلِ الجَحَّافَ هَلْ هُوَ ثائر * لقَتْلَى أصِيبَتْ من سُلَيمٍ وَعَامِرِ

فَقَال الجحاف مُجيباً له‏:‏

بَلَى سَوفَ أبكيهِمْ بكُلِّ مُهَنَّدٍ * وأبْكَى عُمَيراً بالرِّمَاحِ الخَواطِرِ

ثم قَال‏:‏ يا ابن النصرانية ما ظننتك تجترىء علىَّ بمثل هذا، ولو كنت مأسورا، فحُمَّ الأخطلُ فَرَقاً من الجَحَّاف، فَقَال عبد الملك‏:‏ لا تُرَعْ فإني جارُكَ منه، فَقَال الأخطل‏:‏ يا أمير المؤمنين هَبْكَ تجيرني منه في اليقَظَة فكيف تجيرني في النوم‏؟‏ فنهض الجَحَّاف من عند عبد الملك يَسْحَبُ كساءه فَقَال عبد الملك‏:‏ إن في قفاه لَغَدْرَةً، ومر ‏[‏ص 89‏]‏ الجَحَّاف لِطِيَّتِهِ وجمع قومَه وأتى الرُصَافه، ثم سار إلى بنى تغلب، فصادف في طريقة أربعَمَائة منهم، فقتلهم، ومضى إلى البِشْر - وهو ماء لبنى تغلب - فصادف عليه جمعاُ من تغلب فقتل منهم خمسمائة رجل، وتَعَدَّى الرجالَ إلى قتل النساء والولدان، فيقَال‏:‏ إن عجوزاً نادته فَقَالت‏:‏ حربك الله يا جحاف‏!‏ أتقتلُ نساءً أعلاهن ثُدِىٌّ وأسفلُهن دُمِىٌّ، فانحزل ورجع، فبلغ الخبرُ الأخطلَ فدخل على عبد الملك وقَال‏:‏

لَقَدْ أوْقَعَ الجَحَّافُ بِالبِشْرِ وَقْعَةً * إلي الله مِنْها المُشْتَكَى وَالمُعولُ

فأهدرَ عبدُ الملك دم الجحَّاف، فهربَ إلى الروم، فكان بها سبع سنين، ومات عبدُ الملك وقام الوليد ابن عبد الملك فاستؤمن للحجاف فأمنه فرجع

2820- أفْتَكُ مِنَ الحَارِثِ بنِ ظَالِمٍ

من خبر فَتْكِهِ أنه وَثَبَ بخالد بن جعفر بن كلاب، وهو في جِوَار الأسود بن المنذر الملِكِ، فقتله، وطلبه الملكُ ففاته، فقيل‏:‏ إنك لن تصيبه بشَيء أشدَّ عليه من سَبْي جارات له من بلى، وبَلىٌّ‏:‏ حي من قُضَاعة فبعث في طلبهن، فاستاقهن وأموالهن، فبلغه ذلك، فكَرَّ راجعاً من وَجْه مَهْرَبه، وسأل عن مَرْعى إبلهن فدُلَّ عليه، وكُنَّ فيه، فلما قرب من المَرْعَى إذا ناقة يُقَال لها اللَّفَاعُ غزيرة يحلبها حالبان، فلما رآها قَال‏:‏

إذا سَمْعْت حَنَةَ اللّفَاعِ * فَادْعى أبا لَيْلَى وَلاَ تُرَاعِى

ذَلِكَ رَاعِيكَ فِنِعْمَ الرَّاعِى ثم قَال‏:‏ خَليَّا عنها، فعرف البائنُ ‏(‏البائن‏:‏ من يكون في جهة شمال الناقة عند الحلب، والمعلى - بزنة اسم الفاعل - من يكون في جهة يمينها، وتقدم في حرف السين ‏"‏است البائن أعلم‏"‏‏)‏

كلاَمَه فحَبَقَ، فَقَال المُعَلَّى‏:‏ والله ما هي لك فَقَال الحارث‏:‏ ‏"‏استُ البائِنِ أعْلَمُ‏"‏ فذهبت مَثَلاً، فخلِّيا عنها، ثم استنقذ جارته وأموالهن وانطلقَ فأخذ شيئاً من جهاز رحل سنان بن أبى حارثة فأتى به أخته سلمى بنت ظالم، وكانت عند سنان، وقد تبنت بن الملك شرحبيل بن الأسود، فَقَال‏:‏ هذه علامة بَعْلك فضعي ابنَكِ حتى آتيه به، ففعلت، فأخذه وقَتَله، فهذه فَتْكَة الحارث بن ظالم والمثل بها سائر‏.‏

وأما قولهم‏:‏

2821- أفْتَكُ مِنْ عَمْرِو بنِ كُلثُومٍ

فإن خبر فتكه يطول، وجُملته أنه فَتَكَ بعمرو بن عبد الملك ‏(‏كذا، وهو عمرو بن هند‏)‏ في دار ملكه ‏[‏ص 90‏]‏ بين الحيرة والفرات، وهَتَكَ سُرادقه، وانتهب رَحْله، وانصرف بالتَّغَلبة إلى باديته بالشأم موفوراً لم يَكْلَم أحد من أصحابه فسار بفتكه المثل‏.‏

2822- أفْصَحُ مِنَ العِضَّينِ

يُقَال‏:‏ هما دَغْفَلٌ وابن الكَيِّس، قَال

أحَادِيث عَنْ أبْنَاءِ عَادٍ وجَرُهُمٍ * يثًوِّرُها العِضَّانِ زَيْدٌ وَدَغْفَلُ

يُقَال للرجل الدهي‏:‏ عِضّ، وقد عضضت يا رجُلُ، أي صرت عِضَّا‏.‏

2823- أفْيلً مِنَ الرأي الدَّبَرِىَّ

هو الرأي الذي يُحَاضر به بعد فَوْت الأمر، قَال الشاعر‏:‏

تتَبَّعُ الأمْرش بَعْدَ الفَوْتِ تَغْرِيرُ * وَتَرْكُهُ مُقْبِلاً عَجْزٌ وَتَقْصيرُ

2824- أفْسَدُ مِنَ الأرَضَةِ، و ‏"‏مِنَ الجَرَادِ‏"‏

2825- أفْسَى مِنْ عَبْدِىٍّ

2826- أفْرَغُ مِنْ فُؤادِ أمِّ مُوسى

على نبينا وعليه الصلاة والسلام

2827- أفْسَقَ مِنْ غُرابٍ

2828- أفْوَهُ مِنْ جَريرٍ

2829- أفخَرُ مِنَ الحَارِثِ بنْ حِلِّزَةَ

المولدون

في سَعَةِ الأخْلاَقَ كنُوزُ الأرْزَاق‏.‏

فِي بَعْضِ القُلُوبِ عُيُونٌ

فِي فَمِى مَاءٌ وَهَلْ يَنْـ * طِقُ مَنْ فِيهِ ماءٌ

فِي رأسِهِ خُيُوطٌ

فِي كَفِّهِ مِنْ رُقَى إبْلِيسَ مِفْتَاحٌ‏.‏

فِي شَمِّكَ المِسْكَ شَغْلٌ عن مَذَاقَتِهِ‏.‏

فَرَّ مِن المَطَرِ وقَعَدَ تَحْتَ المِيزابِ‏.‏

فَرَّ مِنَ المَوْتِ وفِي المَوْتِ وَقَعَ‏.‏

فَرَّ أخْزَاهُ الله خَيْرٌ مِنْ قُتِلَ رَحِمَهُ الله‏.‏

فَوْقَ كُلِّ طَامَّةٍ طَامَّة‏.‏

فَالُوذَجُ الجِسْرِ، وفَالُوذَجُ السُّوقِ‏.‏

يضربان لذي المنظر بغير مخبر‏.‏

فِي نُصحِهِ حُمَةُ العَقْرَبِ‏.‏

فَمٌ يُسَبِّحُ، وَيَدٌ تَذْبَحُ‏.‏

فَرَشْتُ لَهُ دِخْلَةَ أمْرِى‏.‏

فَوْتُ الحَاجَةِ خَيْرٌ مِنْ طَلَبِها إلى غَيرِ أهلِهَا‏.‏‏[‏ص 91‏]‏

في تقَلُّبِ الأحْوَالِ عِلْمُ جَوَاهِرِ الرِّجَالِ‏.‏

فَازَ بِخَصْلِ النَّاصِلِ - للخائب‏.‏

الفُضُولُ عَلاَوَةُ الكِفَايَةِ‏.‏

الإفْلاَسُ بذْرَقَةٌ‏.‏

افْرُشْ لَهُ بِنَفْخَةٍ‏.‏

الفَضْلُ لِلْمُبْتَدى وإنْ أحْسَنَ المُقْتَدِى‏.‏

الفُرَصُ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ‏.‏

الفِتْنَةُ يَنْبُوعُ الأحْزَانِ‏.‏

الفِاخِتَةُ عِنْدَهُ أبُو ذَرٍ‏.‏

الفِطَامُ شَدِيدٌ‏

الباب الحادي والعشرون فيما أوله قاف

  ما جاء على أفعل من هذا الباب

  المولـــدون

الباب الحادي والعشرون فيما أوله قاف

2830- قَطَعَتْ جَهِيزَةُ قَوْلَ كُلِّ خَطِيبٍ

أصله أن قوما اجتمعوا يخطبون في صُلح بين حيين قتل أحدُهُما من الآخَر قتيلا، ويسألون أن يرَضوا بالدِّية، فبيناهم في ذلك إذ جاءت أمة يُقَال لها ‏"‏جهيزة‏"‏ فَقَالت‏:‏ إن القاتل قد ظَفِرَ به بعضُ أولياء المقتول فقتله، فَقَالوا عند ذلك ‏"‏قَطَعَتْ جهِيزةُ قول كل خطيب‏"‏ أي قد استغنى عن الخُطَب‏.‏

يضرب لمن يقط على الناس ما هم فيه بَحَمَاقةً يأتي بها‏.‏

2831- قَوِّرِى وَالطُفي

قَاله رجل لامرأته، وكان لها صديقَ طَلبَ إليها أن تَقَدَّ له شِراكين من شَرج أست زوجها، فلما سمعت ذلك استعظمته وزَجَرته، فأبى إلا أن تفعل، فاختارت رضاه على صلاح زوجها، فنظرت فلم تَجِدْ له وَجْهاً ترجو به إليه السبيل إلا أن عَصَبَتْ على مَبَالِ ابنٍ لها صغير بقصبة وأخفتها، فَعَسُرَ عليه البولُ، فاستغاث بالبكاء، فلما سمع أبوه البكاء سألها‏:‏ ما يُبْكِه‏؟‏ فَقَالت‏:‏ أخذه الأسْرُ وقد نُعِت لي دَوَاؤُه طريدة تُقَدُّ له من شَرْج استك، فأعظم الرجلُ ذلك، وجعل الأمرُ لا يزداد بالصبي إلا شدة فلما رأى أبوه ذلك اضطجع وقَال‏:‏ دونَكِ يأمَّ فلان قَوِّرِى وَالطُفي، فاقتطعت منه طريدةً لتُرْضى صديقها، وأطلقت عن الصبي‏.‏ ‏[‏ص 92‏]‏

يضرب للرجل الغمر الغر ليحذر‏.‏

2832- قِيلَ لحُبْلَى‏:‏ ما تَشَتَهِينَ‏؟‏ فَقَالت‏:‏ التَّمْرَ وَوَاها لِيَهْ

أي أشتهى كل شَيء يذكر لي مع التمر، وواها ليه‏:‏ أي أشتهيه ويعجبنى‏.‏

يضرب لمن يشتهى ما يذكر‏.‏

وواها‏:‏ كلمة تعجب، تقول لما يعجبك‏:‏ واها له، قَال أبو النجم‏:‏

وَاهاً لِرَيَّا ثُم وَاهَاً واَهَا * يَالَيْتَ عَيْنَاهَا لَنَا وَفَاهَا

بِثَمَنٍ نُرْضِى بِهِ أبَاهَا*

2833- قَبْلَ النَّفَاسِ كُنْتِ مُصْفَرَّةً

يضرب للبخيل يعتلّ بالإعدام وهو مع الإثراء كان بخيلا‏.‏

2834- قَبْلَ البُكَاءِ كانَ وَجْهُكَ عَابِسا

يضرب لمن يكون العُبُوسُ له خِلْقَةً، ويضرب للبخيل يعتلُّ بالإعسار وقد كان في اليسار مانعا‏.‏

2835- قَدْ نَجَّذَتْهُ الأمُورُ

يضرب لمن أحكَمَته التَّجَارِب‏.‏

ولعله من بنات النَّوَاجذ، يُقَال‏:‏ عَضَّ على نَاجِذِهِ، أي قد أسَنَّ، قَال سُحَيْم

ابن وَثيل الرياحى‏:‏

أخو خمسينَ قَدْ تَمَّتْ شَذَاتِى * وَنَجَّذَنِى مُدَاوَرَةُ الشُّؤُنِ

‏(‏يروى صدره *أخو خمسين مجتمع أشدى* والشذاة - كفتاة - بقية القوة والشدة‏.‏‏)‏

2836- اقْصِدْ بِذَرْعِكَ

الذَّرْع والذِّراع واحد‏.‏

يضرب لمن يتوعَّدُ‏.‏

أي كلَّفْ نفسَكَ ما تطيق، والذَّرْع‏:‏ عبارة عن الاستطاعة، كأنه قَال‏:‏ اقْصِدِ الأمر بما تملكه أنت لا بما يملكه غيرك‏:‏ أي توعَّدْ بما تَسَعُه قدرتُكَ، ولا تطلب فوقَ ذلك في تهددى‏.‏

2837- انْقَطَعَ السَّلَى فِى البَطْنِ

السَّلَى‏:‏ جِلْدة رقيقة يكون فيها الولد من المَوَاشى إن نزعت عن وَجْه الفصيل ساعَةَ يولدُ وإلاَّ قتلته، وكذلك إذا انقطع السلى في البطن، فإذا خرج السَّلّى سلمت الناقة وسلم الولد، وإلا هلكت وهلك الولد، يُقَال‏:‏ ناقة سَليَاء، إذا انقطع سَلاَها‏.‏

يضرب في فُوات الأمر وانقضائه‏.‏

3838- قلَبَ الأمْرَ ظَهْراً لِبْطْنٍ

يضرب في حسن التدبير‏.‏ ‏[‏ص 93‏]‏

واللام في ‏"‏لبطن‏"‏ بمعنى على، ونصب ‏"‏ظهراً‏"‏ على البدل، أي قلَبَ ظهر الأمر على بطنه حتى علم ما فيه‏.‏

2839- قَدَحَ فِي سَاقِهِ

القَدْح‏:‏ الطعن، والساق‏:‏ الأصل، مستعار من ساقَ الشجرة، وهو جِذْعُها وأصلها‏.‏

يضرب لمن يعمل فيما يكره صاحبه‏.‏

2840- قَرَعَ لهُ ظُنُبُوبَهُ

إذا جَذَّ فيه ولم يَفْتَرْ، قَال سَلاَمة بن جَنْدَل‏:‏

إنَّا إذَا مَا أتَانَا صَارِخٌ فَزْعٌ * كانَ الصُّرَاخَ لهُ قَرْعُ الظَّنَابيبِ

أي إذا أتانا مستغيثٌ كانت إغاثته الجِدّ في نصرته‏.‏

2841- قَدْ شَمَّرَتْ عَنْ سَاقِها فَشَمِّرِى

يضرب في الحث على الجد في الأمر‏.‏ والتاء في ‏"‏شمرت‏"‏ للداهية، والخطاب في ‏"‏شَمِّرِى‏"‏ على التأنيث للنفس‏.‏

2842- قَبْلَ الضُّرَاطِ اسْتِحْصافُ الأليتَيْنْ

أي قبل وقوع الأمر تُعَدُّ الآلَةُ

2843- قُرْبُ الوِسَادَ وطُولُ السِّوادِ

يضرب للأمر الذي يُلْقى الرجلَ فيما يكره‏.‏

وقيل لابنه الخُسِّ‏:‏ لم زَنَيتِ وأنت سيدة قومِكِ‏؟‏ فَقَالت هذه المقَالة، وقَال بعض العلماء‏:‏ لو أتمت الشرح لقَالت‏:‏ قرب الوِساد، وطول السِّوَادِ، وحُبُّ السِّفَاد‏.‏

والسَّواد‏:‏ المُسَارَّة، وهو قرب السَّوَاد من السَّواد، يعنى الشخص من الشخص‏.‏

2844- قَدْ يَبْلُغُ القَطُوفُ الوساعَ

القَطُوف من الدواب‏:‏ الذي يُقارِب الخَطْو، الوسَاع‏:‏ ضِدّه‏.‏

يضرب في قناعة الرجل يبعض حاجته دون بعض‏.‏

2845- قَدْ يُبْلَغُ الخَضْمُ بِالقَضْمِ

الخَضْم‏:‏ أكلٌ بجميع الفم، والقضم‏:‏ بأطراف الأسنان‏.‏

قَال ابن أبى طرفة‏:‏ قدم أعرابي على ابن عم له بمكة، فَقَال له‏:‏ إن هذه بلاد مَقَضَم، وليست بلاد مَخْضَم‏.‏

ومعنى المثل‏:‏ قد تدرَكُ الغايةُ البعيدةُ بالرفق، كما أن الشعبة تدرك بالأكل بأطراف الفم، قَال الشاعر‏:‏

تَبَلَّغْ بأخلاقَ الثِّيَابِ جَدِيدَها * وَبالقَضْمِ حتَّى تُدْرِكَ الخَضْمَ بالقَضْمِ

2846- قد استَنْوَقَ الجَملُ

أي صار ناقةً‏.‏ ‏[‏ص 94‏]‏

وكان بعض العلماء يخبر أن هذا المثل لطرَفة بن العبد، وذلك أنه كان عند بعض الملوك والمُسَيَّبُ بن عُلَس ينشد شعراً في وصف جَمل، ثم حوَّله إلى نعت ناقة، فَقَال طرفه ‏"‏قد استَنْوَقَ الجمل‏"‏ ويقَال‏:‏ إن المنشد كان المتلمس، أنشد في مجلس لبنى قيس بن ثعلبة، وكان طرفة يلعب مع الصبيان ويتسمَّع، فأنشد المتلمس‏:‏

وَقَدْ أتَنَاسَى الهمَّ عِنْدَ احْتِضَارِهِ * بِنَاجٍ عَلَيْهِ الصَّيْعَرِيَّةُ مكدم

كُمَيْتٍ كَنَازِ اللَّحْمِ أوْحَمِيَرية * مُوَاشِكَة تَنْفِى الحَصَى بِمُلَثَّمِ

كأن على أنْسَائِهَا عِذْقَ خَصْبَةٍ * تَدَلَّى مِنْ الكَافُورِ غَيْرَ مُكَمَّمِ

والصيعرية‏:‏ سِمَة تُوسم بها النوقَ باليمن، فلما سمع طَرَفة البيتَ قَال‏:‏ استنوقَ الجمل، قَالوا‏:‏ فدعاه المتلمس وقَال له‏:‏ أخْرِجْ لسانَكَ، فأخرجه فإذا هو أسْوَد، فَقَال‏:‏ وَيْلٌ لهذا من هذا‏.‏

قَال أبو عبيد‏:‏ يضرب هذا في التخليط

2847- قُودُوهُ بي بَارِكاً

وذلك أن امرَأة حُمِلَتْ على بعير وهو بارك، فأعجبها وَطْء المركب، فَقَالت‏:‏ قُودى بي باركا‏.‏

يضرب لمن يتعوَّدُ ‏(‏كذا، وأحسبه ‏"‏لمن لم يتعود - ‏"‏ إلخ‏)‏ مُبَاشرة الترفة ثم باشرها‏.‏

2848- قَرِّبِ الحِمارَ مِنَ الرَّدْهَةِ وَلا تَقُلْ لهُ سَأْ

الرَّدْهة‏:‏ مسنتقع الماء، وسأ‏:‏ زَجْر للحمار، يُقَال‏:‏ سَأْسَأتُ يالحمار، إذا دَعَوْتَه ليشرب‏.‏

يضرب للرجل يعلم ما يصنع‏.‏

أي كِلِ الأمرَ إليه ولا تُكْرِهْهُ على فعله إذ أرَيته رشده‏.‏

2849- اقْلِبْ قَلاَبِ

هذا مثل يضرب للرجل تكون منه سقطة فيتداركها بأن يقلبها عن جهتها ويصرفها عن معناها‏.‏

وهو في حديث عمر رضي الله عنه، قَال أبو الندى في أمثاله‏:‏ يُقَال ‏"‏أحمقَ من عدى بن جناب‏"‏ وهو أخو زهير بن عد بن جناب، وكان زُهير وَفَّادا على الملوك، وفدَ على النعمان ومعه أخوه عدى، فقال النعمان‏:‏ يا زهير إن آمي تشتكى، فِبمَ يتداوى نساؤكم‏؟‏ فالتفت عَدِىٌّ فَقَال‏:‏ دواؤها الكمرة، فَقَال النعمان لزهير‏:‏ ما هذه‏؟‏ فَقَال هي الكمأة أيها الأمير، فقال عدى‏:‏ اقْلِبْ قَلاَب، ما هي إلا كمرة الرجال‏.‏ ‏[‏ص 95‏]‏

2850- قَدْ يَضْرَطُ العَيْرُ وَالمِكْوَاةُ في النَّارِ

أول من قَال ذلك عُرْفُطة بن عَرْفَجة الهَزَّاني، وكان سيد بنى هِزَّان، وكان حُصَين بن نبيت العُكْلى سيد بنى عُكْل، وكان كل واحد منهما يغير على صاحبه، فإذا أسرت بنو عكل من بنى هِزَّان أسيراً قتلوه، وإذا أسرت بنو هِزَّان منهم أسيراً فَدَوْه، فقدم راكب لبنى هِزَّان عليهم فرأى ما يصنعون، فقال لبنى هِزَّان‏:‏ لم أر قوماً ذوى عَدَد وعُدَّة وجَلَد وثَرْوَة يلجئون إلى سيد لا ينقض بهم وتْراً، أرضيتم أن يَفْنَى قومُكم رغبةً في الدِّيةِ، والقومُ مثلكم تؤلمهم الجِرَاح، ويَعضُّهم السلاح‏؟‏ فكيف تقتلون ويسلمون‏؟‏ ووبخهم توبيخاً عنيفاً، وأعلمهم أن قوماً من بنى عُكْل خرجوا في طلب إبل لهم، فخرجوا إليهم فأصابوهم، فاستاقوا الإبل وأسَروهم، فلما قدموا محلتهم قَالوا‏:‏ هل لكم في اللّقَاح، والأمة الرَّدَاح، والفَرَس الوَقَاح‏؟‏ قَالوا‏:‏ لا، فضربوا أعناقهم، وبلغ عُكْلاً الخبرُ، فساروا يريدون الغارة على بنى هِزَّان ونذرت بهم بنو هِزَّان، فالتفوا فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى فَشَتْ فيهم الجراح،

وقتل رجل من بنى هِزَّان، وأسرَ رجلان من بنى عُكْلٍ وانهزمت عكل، وإن عرفطة قَال للأسيرين‏:‏ أي كما أفضل لأقتله بصاحبنا‏؟‏ وعسى أن يفادى الآخَر، فجعل كل واحد منهما يخبر أن صاحبه أكرم منه، فأمر بقتلهما جميعاً، فقدِّم أحدُهما ليقتل، فجعل الآخَر يَضْرَطُ، فَقَال عرفطة‏:‏ قد يضْرَطُ العيرُ والمكواة في النار، فأرسلها مَثَلاً‏.‏

يضرب للرجل يخاف الأمر فيجزع قبل وقوعه فيه‏.‏

وقَال أبو عبيد‏:‏ إذا أعطى البخيل شيئاً مخافة ما هو أشد منه قَالوا‏:‏ قد يَضْرَطُ العَيْرُ والمكواة في النار‏.‏

ويقَال‏:‏ إن أول من قَاله مُسَافر بن أبى عمرو بن أمية، وذلك أنه كان يَهْوَى بنت عتبة، وكانت تهواه فَقَالت له‏:‏ إن أهلي لا يزوجونني منك لأنك مُعَسِر، فلو قد وَفَدْتَ إلى بعض الملوك لعلك تصيب مالا فتتزوجني، فرحل إلى الحِيرَة وافداً على النعمان، فبينما هو مُقيم عندهُ إذ قَدِم عليه قادم من مكة، فسأله عن خبر أهل مكة بعده فأخبره بأشياء وكان فيها أن أبا سفيان تزوج هندا، فطُعنَ مسافر من الغم، فأمر النعمان أن يكوى، فأتاه الطبيب بمَكَاويه فجعلها في النار، ثم وضع مكواة منها عليه وعِلْجٌ ‏[‏ص 96‏]‏ من عُلُوج النعمان واقف، فلما رآه يُكْوَى ضَرِط، فَقَال مسافر‏:‏ قد يَضْرَطُ العيرُ والمكواة في النار، ويقَال‏:‏ إن الطبيب ضَرِطَ‏.‏

2851- قَبْلَ عَيْرٍ وَما جَرَى

أي أولَ كل شَيء ، يُقال‏:‏ لقيته أول ذات يدين، وأولَ وَهْلَةٍ، وقَبْلَ عيرٍ وما جرى‏.‏

قَال أبو عبيد‏:‏ إذا أخبر الرجلُ بالخبر من غير استحقاقَ ولا ذكر كان لذلك قيل‏:‏ فَعَلَ كَذا وكذا قبل عَيْر وما جَرَى‏.‏

قَالوا‏:‏ خص العَير لأنه أحْذَر ما يُقَنَص وإذا كان كذلك، كان أسْرَعَ جرياً من غيره، فضرب به المثل في السرعة‏.‏

وقَال الأصمعي‏:‏ معناه قبل أن يجرى عَيْر وهو الحمار، وقَال غيره‏:‏ يريد بالعَيْر المثال في العين، وهو الذي يُقَال له اللُّعبَةُ، والذي يجرى عليه هو الطَّرْف، وجَرْيهُ حركته، فيكون المعنى قبل أن يطرف الإنسان، قَال الشماخ‏:‏

وتعدو القَبضَّى قَبْلَ عَيرٍ ومَا جَرَى * وَلَمْ تَدْرِ مَا بَالي ولَمْ أدْرِ مَالَهَا

ويروى‏:‏ القَمِصَّى، والقَبِصَّى، والباء بدل من الميم، وهما ضرب من العَدْو فيه نزو، ومن روى بالضاد فهو من القباضة وهى السرعة ومنه

يعجل ذا القباضة الوحيا*

ويقَال‏:‏ جاء فلان قبل عير وما جرى، وضرب قبل عير وما جرى، يريدون السرعة في كله‏.‏

2852- قَدْ حِيلَ بَينَ العِيرِ وَالنَّزوانِ

أولُ من قَال ذلك صَخْر بن عمْرو أخو الخَنْسَاء‏.‏

قَال ثعلب‏:‏ غزا صَخر بن عمرو بنى أسد بن جُزَيمة، فاكتَسَحَ إبلهم، فجاءهم الصَّرِيخ فركبوا فالتقوا بذات الأثل، فَطَعَنَ أبو ثَوْر الأسدى صَخْراً طعنةً في جَنْبه، وأفلت الخيل فلم يُقْعَصْ مكانه وجَوِى منها، فمرض حَوْلاً حتى ملَّه أهلُه، فسمع امرَأة تقول لامرأته سَلمى‏:‏ كيف بَعْلُكِ‏؟‏ فَقَالت‏:‏ لا حَيٌّ فُيرْجَى ولا مَيْتٌ فيُنْعى، لقد لقينا منه الأمرين، فَقَال صخر‏:‏

أرَى أمَّ صَخْرِ لاَ تَملُّ عِيَادَتى*

وفي رواية أخرى‏:‏ فمرضَ زمانا حتى مَلَّته امرأته، وكان يكرمها، فمر بها رجلٌ وهي قائمة وكانت ذات خَلْقَ وإدراك، فَقَال لها‏:‏ يباعُ الكَفَل‏؟‏ فَقَالت‏:‏ نعم عما قليل، وكان ذلك يَسْمَعُهُ صخر، فَقَال‏:‏ أما والله لئن قَدَرْتُ لأقدِّمَنَّك قبلى، ثم قَال لها‏:‏ نَاوِلينِى السيف أنظر إليه هل تُقِلُّه يدى، فناولته فإذا هو لا يٌقْلُّه، فَقَال‏:‏

أرى أمَّ صَخْرٍ لا تَمَلُّ عِيَادَتِى * وَمَلَّتْ سُلَيمَى مَضْجَعِي وَمَكَانِي ‏[‏ص 97‏]‏

فأي امْرئٍ سَاوَى بأمٍّ حَلَيلَةً * فلاَ عَاشَ إلاَّ فِي شَقاً وَهَوَانِ

أُهُمُّ بأمرِ الحَزْمِ لَوْ أسْتَطِيعُهُ * وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ العَيْرُّ والنَّزَوَانِ

وَمَا كُنتُ أَخْشَى أن أكُونَ جَنَازَةً * عَلَيْكِ وَ مَنْ يَغْتَرُّ بِالحَدْثَانِ

فَللْمَوتُ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ كأنَّها * مُعَرَّسُ يُعْسُوبٍ بِرَأْسِ سَنانِ

لَعَمْرِى لَقَدْ نَبَّهْتِ مَنْ كَانَ نَائِمَاً * وأسْمَعْتِ مَنْ كَانِتْ لَهُ أذُنَانِ

قَال أبو عبيدة‏:‏ فلما طال بهِ البَلاَء وقد نَتَأت قطعة من جنبه مثل اللبد في موضع الطعنة قيل له‏:‏ لو قطعتها لَرَجَوْنا أن تَبْرأ، فَقَال‏:‏ شأنكم، وأشفقَ عليه قومٌ فَنَهَوْه، فأبى، فأخذوا شَفْرَة فَقَطَعُوا ذلك الموضع، فيئس من نفسه، وقَال‏:‏

أجَارَتَنَا إنَّ الحُتُوفَ تَنُوبُ * على النَّاسِ كُلَّ المُخْطِئينُ تُصِيبُ

أجَارَتَنَا إنَّ تَسأَلِيِني فَإنَّني * مُقِيمٌ لَعَمْرِى مَا أَقَامَ عَسِيبُ

كَأنِّي وَقَدْ أدْنُوا لحِزٍّ شِفَارَهُم * مِنَ الصَّبْرِ دَامِي الصَّفْحَتَينِ نَكِيبُ

ثم مات، فدفن إلى جنب عَسِيب، وهو جَبَل يقرب من المدينة، وقبره معلم هناك‏.‏

2853- قَرَارَةٌ تَسَفَّهَتْ قَرَارَة

قَال الأصمعى‏:‏ القَرَار والقَرَارة‏:‏ النقد، وهو ضرب من النَغَم قِصَار الأرجل قِباح الوجوه، وهذا مثل قولهم ‏"‏نَزْوَ الفَرَارِ اسْتَجْهَلَ الفَرَار‏"‏

يضرب للرجل يتكلم في القوم بالخطأ فيطا بقونه على ذلك‏.‏

وقَال المنذرى‏:‏ فرارة بالفاء، قَال‏:‏ وهى البَهْمَة تنفر إلى أمها فيتبعها الغَنَم‏.‏

2854- القِرْدَانُ حَتَّى الحَلَمُ

يضرب لمن يتكلم ولا ينبغى له أن يتكلم لَنَدَالته‏.‏

والحلَم‏:‏ أصغر القِرْدَان‏.‏

2855- القْرَنَبَى في عَينِ أُمِّهَا حَسَنَةٌ

هي دويبة مثل الخنفس منقطعة الظهر طويلة القوائم‏.‏

2856- قيلَ للِشَّقِىِّ‏:‏ هَلُمَّ إلى السَّعَادةِ، فَقَال‏:‏ حَسْبِى مَا أنا فِيهِ

يضرب لمن قنع بالشر وترك الخير وقَبُولَ النصح‏.‏

2857- قَدْ يُدْفَعُ الشَّرُّ بِمِثْلِهِ، إذا أعْيَاكَ غَيرُهُ

قَاله بعض الماضين، وهذا مثل قول الفِنْدِ الزِّمَّانِيِّ‏:‏ ‏[‏ص 98‏]‏

وَبَعْضُ الحِلْمِ عِنْدَ الجَهـْ * ـلِ لِلذُّلَةِ إذْعَانُ

وَفِي الشَّرِّ نَجَاةٌ حِيـ * ـنَ لاَ يُنْجِيكَ إحْسَانُ

2858- قَدْ قَلَيْنَا صَفِيرَكُمْ

أصله أن رجلاً كان يعتاد امرَأة؛ فكان يجئ وهى جالسةٌ مع بنيها وزوجها فيصفر لها، فتُخرج عجزها من وراء البيت وهي تُحْدِثُ ولَدَها، فيقضى الرجلُ حاجته وينصرف، فعلم ذلك بعضُ بنيها، فغاب عنها يومَه، ثم جاء في ذلك الوقت فَصَفَر ومعه مِسْمَار مُحْمىً، فلما أن فعلت كعادتها كَوَاها به، فَجاء خِلُّها بعد ذلك فصفر فَقَالت‏:‏ قد قلينا صفيركم، قَال الكميت‏:‏

أرْجُو لَكُمْ أنْ تَكُونُوا فِي مَوَدَّتِكُمْ * كَلْبَا كَوَرْهَاء تَقْلِى كُلَّ صَفَارِ

لمَّا أجَابَتْ صَفِيراً كانَ آتِيهَا * مِنْ قَابِسٍ شَيَّطَ الوَجْعَاءَ بالنَّارِ

2859- انْقَضَبَ قُوَىٌّ مِنْ قاويةٍ

الانْقِضَابُ‏:‏ الانقطاع، أي انقطع الفرخُ من البيضة، أي خرج منها، كما يُقَال‏:‏ برئَتْ قابية من قوب‏.‏

يضرب عند انقضاء عند الأمر والفراغ منه ويقَال‏:‏ انقَضَبَتْ قَابِيَةٌ من قُوبِهَا فالقابية‏:‏ البيضة، والقوب‏:‏ الفرخ قَال، الكميت يصف النساء وزُهْدَهن في ذَوِى الشيب‏:‏

لهنَّ مِنَ المَشِيبِ ومَنْ عَلاهُ * من الأمْثَال قَابِيَةٌ وَقُوبُ

أي إذا رأين الشَّيْبَ فارقْنَ صاحبه ولم يَعُدْن إليه‏.‏

وأما اشتقاقَ قُوَىٍّ فَقَال أبو الهيثم‏:‏ لا يُعْرَف قَاوٍ وقُوَىّ مصغراً ولا مكبراً بمعنى الفرخ اسماً له، وقَال بعضهم‏:‏ أصله من قُوَى الحبل؛ لأنه إذا انقطعت قُوَّة من قُوَاه لا يمكن اتَّصالها

قلت‏:‏ يمكن أن يحمل هذا على قولهم‏:‏ قَوَيتِ الدار، إذا خَلَتْ من أهلها، مثل أقْوَتْ، لغتان مشهورتان، فهى قَاوِيَة ومُقْوية، فيقَال‏:‏ قَوَيتِ البيضة، إذا خلت من الفرخ، وقَوِى الفرخُ، إذا خرج وخلا منها، فالبيضة قَاوية‏:‏ أي خالية، والفرخُ قَاوٍ‏:‏ آي خالٍ من البيض، وقُوَىّ‏:‏ تصغير قاوٍ على مذهب الاسم؛ لأن كل فاعل إذا كان اسمَ عَلَمٍ فتصغيرُه على فُعَيل، كما قَالوا لصالح إذا كان اسماً صُلَيح، ولعامر عُمَير، ولخالد خُلَيد، طلباً للخفة، وإذا كان نعتاً صُويْلح وعُوَيمر وخُوَيلد، وقيل‏:‏ القُوَىُّ ‏[‏ص 99‏]‏ غيرُ موجودٍ في الشعر والكلام إلا في هذا المثل، والله أعلم‏.‏

2860- قَدْ أَفْرَخَ رَوْعُهُ

أي ذهب عنه خَوْفُه‏.‏

قَال الأزهري‏:‏ كلُّ مَنْ لقيتُه من أهل اللغة يقوله بفتح الراء، إلا ما أخبرني به المنذرى عن أبى الهيثم بضم الراء، قَال‏:‏ ومعناه خَرَجَ الرَّوْعُ من قلبه، قَال‏:‏ والرَّوْعُ في الرُّوعِ، كالفَرْخ في البيضة‏.‏

‏(‏أي والخوف في قلبه كالفرخ في البيضة‏)‏

قلت‏:‏ بعض هذا قد مضى في باب الفاء، فإذا قيل ‏"‏أفْرَخَ رَوْعُه، وأورُعُه‏"‏ جاز أن يكون على مذهب الدُّعَاء، وعلى معنى الخبر أيضاً، فإذا قلت ‏"‏قد أفرخ‏"‏ لا يصلح أن يكون للدعاء‏.‏

2861- قَرُبَ طِبٌّ

ويروى ‏"‏قَرُبَ طِبَّا‏"‏ وهو مثل ‏"‏نِعْمَ رَجُلاً‏"‏ وأصل المثل - فيما يُقَال - أن رجلا تزوج امرَأة، فلما هديت إليه وقعد منها مقعد الرجال من النساء قَال لها‏:‏ أبكر أنتِ أم ثيب‏؟‏ فَقَالت‏:‏ قَرُبَ طِبٌّ، ويقَال أيضاً في هذا المعنى‏:‏ أنتَ عَلَى المُجَرَّبِ، أي على التجربة، و‏"‏على‏"‏ من صلة الإشْرَافِ، أي مُشْرف عليه قريبٌ منه ومن علمه‏.‏

2862- قَدْ صَرَّحَتْ بِحِلْذَانَ

هو حِمىً قريبٌ من الطائف لين مُسْتَوٍ كالراحة لا خَمَرَ ‏(‏الخمر - بالتحريك - ما واراك من شجر أو غيره‏)‏ فيه يتوارى به‏.‏

يضرب للأمر الواضح البين الذي لا يخفى على أحد‏.‏

وقد مر ما ذكر فيه من الخلاف

2863- قَدْ بَيَّنَ الصُّبْحُ لِذِى عَيْنَينِ

بَيَّنَ هنا‏:‏ بمعنى تَبَيَّنَ

يضرب للأمر يظهر كلَّ الظهور‏.‏

2864- قَدْ سِيلَ بِهِ وَهْوَ لاَ يَدْرِى

ويقَال أيضاً ‏"‏قد سال به السيل‏"‏ يضرب لمن وقع في شدة

2865- اقْدَحْ بِدِفْلَى فِي مَرْخٍ، ثمَّ شُدَّ بَعْدُ أرْخِ

قَال المازنى‏:‏ أكثر الشجر ناراً المَرْخُ ثم العفَار ثم الدَّفْلَى‏.‏

قَال الأحمر‏:‏ يُقَال هذا إذا حملت رجلاً فاحشاً على رجل فاحش، فلم يَلْبَثَا أن يقع بينهما شر‏.‏

وقَال ابن الأعرابى‏:‏ يضرب للكريم الذي لا يحتاج أن تكدَّه وتُلِحَّ عليه

2866- القَيْدُ وَالرَّتْعَةُ

قَال المفضل‏:‏ أولُ من قَال ذلك عمرو ‏[‏ص 100‏]‏ ابن الصَّعِقَ بن خُويلَد بن نُفَيل بن عمرو بن كلاب، وكانت شاكر من هَمَدان أسَرُوه فأحْسَنُوا إليه ورَوَّحُوا عنه، وقد كان يوم فارقَ قومه نحيفاً، فهربَ من شاكر، فبينما هو بقئ من الأرض إذا اصطاد أرنباً فاشتواها فلما بدأ يأكل منها أقبل ذئبٌ فأقْعَى غيرَ بعيدٍ فنبذ إليه من شِوَائِه، فولَّى به، فَقَال عمرو عند ذلك‏:‏

لقَدْ أوعَدَتْنِى شَاكِرٌ فَخَشِيتُهَا * ومن شعب ذي همدان في الصدر هَاجِسُ

ونَارِ بِمَوْمَاةٍ قَليل أنيسُها * أتاني عَلَيهَا أطْلَسُ اللَّوْنِ بَائِسُ

قَبَائِل شَتَّى ألَّفَ الله بينَهَا * لَهَا حَجَفٌ فَوْقَ المَنَاكِبِ يَابِسُ

نَبَذْتُ إليهِ حِزَّةً مِنْ شِوَائِنَا * فَآبَ وَمَا يَخشى عَلَى مَنْ يُجَالِسُ

فَوَلَّى بِهَا جِذْلاَنَ يَنْفَضُ رَأسَهُ * كَمَا آضَ بِالنَّهْبِ المُغَيرُ المخَالِسُ

فلما وصل إلى قومه قَالوا‏:‏ أي عَمْرو خرجت من عندنا نحيفاً وأنت اليوم بَادِن، فَقَال‏:‏ القَيْد والرَّتْعَة، فأرسلها مَثَلاً، وهذا كقولهم ‏"‏العز والمَنَعة‏"‏ و ‏"‏النجاة والأمنة‏"‏

2867- قَدْ أَنْصَفَ القَارَةَ مَنْ رَامَاهَا

القَارة‏:‏ قبيلة، وهم عُضَل والديش ابنا الهُون بن خُزَيمة، وإنما سُمُّوا قارة لاجتماعهم والتفافهم، لمَّا أراد الشَّدَّاخُ أن يفرقهم في بنى كنانة، فَقَال شاعرهم‏:‏

دَعُونَا قارَةٌ لا تَنْفِرُونَا * فَنُجْفِلَ مِثْل إجْفَالِ الظَّلِيمِ

وهم رُماة الحدقَ في الجاهلية، وهم اليوم في اليمن، ويزعمون أن رجلين التَقَيَا أحدهما قارىّ، فَقَال القرى‏:‏ إن شِئت صارَعْتُكَ، وإن شِئت سابقك، وإن شِئت رَامَيْتك، فَقَال الآخَر‏:‏ قد اخترت المراماة، فَقَال القارىُّ‏:‏ قد أنصفتني، وأنشأ يقول‏:‏

قد أنْصَفَ القَارَةَ مَنْ رَامَاهَا * إنَّا إذَا ما فِئَةٌ نَلْقَاهَا

نَرُدُّ أولاَهَا عَلَى أخْرَاهَا*

ثم انتزع له بسهم فَشَكَّ به فؤاده قَال أبو عبيد‏:‏ أصل القارة الأكَمَةُ، وجمعها قُور، قَال ابن واقد‏:‏ وإنما قيل ‏"‏أنصفَ القارَةَ من راماها‏"‏ في حَرْبٍ كانت بين قريش وبين بكر بن عبد مناف بن كنانة، قَال‏:‏ وكانت القارة مع قريش، وهم قوم رُماة، فلما التقى الفريقان راماهم الآخَرون، فقيل‏:‏ قد أنصَفَهُم هؤلاء إذ ساووهم في العمل الذي هو شأنهم وصناعتهم، وفي بعض الآثار‏:‏ ألا أخبركم بأعدل الناس‏؟‏ قيل‏:‏ بلى، قَال‏:‏ مَنْ أنْصَفَ مِنْ نفسه، وفي بعضها أيضاً‏:‏ أشَدُّ الأعمالِ ثلاثة‏:‏‏[‏ص 101‏]‏

إنصافُ الناس من نفسك، والمواساة بالمال، وذكر اللَه تعالى كل حال‏.‏

2868- قَبْلَ الرِّمَاءِ تُمْلأ الكَنَائِنُ

‏(‏الكنائن‏:‏ جمع كنانة، وهى وعاء السهم‏)‏

قَال رؤبة

قبل الرِّمَاء يُمْلأ الجَفيرُ

أي تؤخذ أُهبَةَ الأمر قبل وُقوعه

2896 قَلَبَ لَهُ ظَهْرَ المَجَنِّ

يضرب لمن كان لصاحبه على موَدَّة ورعاية ثم حَالَ عن العَهْد

كتب أمير المؤمنين على كرم الله وجهه إلى بن عباس رضي الله عنه حين

أخذ من مال البصرة ما أخذ‏:‏ أني شَرَكْتُكَ في أمانتي ولم يكون رجل من أهل أوثق منك في نفسي فلما رأيتَ الزمان على ابن عمك قد كَلِبَ، والعدو قد حَرِبَ، قَلبْتَ لابن عمك ظَهْرَ المِجَنِّ لفراقه مع المفارقين، وخَذْله مع الخاذلين، واختطَفْتَ ما قدرت عليه من أموال الأمة أختطاف الذئبِ الأزَلَّ رابيةَ المِعْزَى، اصْحُ رُويداً فكأنْ قد بَلَغْتَ المَدَى، وعُرْضَتْ عليك أعمالُكَ بالمحل الذي يُنادى به المغتَرُّ بالحسرة، ويتمنَّى المضيِّعُ التَّوْبَةَ والظالِمُ الرَّجْعَةَ‏.‏

2870- قَبْلَ الرَّمْىِ يُرَاشُ السَّهْمُ

يضرب في تهيئة الآلة قبل الحاجة إليها وهو مثل قولهم ‏"‏قَبْلَ الرِّمَاءِ تُمْلأ الكَنَائِنُ‏"‏

2871- قَدْ رَكِبَ رَدْعَهُ

يُقَال به رَدْع من زَعفران أوْدَمٍ، أي لَطْخ وأثر، ثم يُقَال للقتيل‏:‏ رَكِبَ رَدْعة، إذا خَرَّ لوجهه على دمه، ويقَال‏:‏ معنى ‏"‏ركب رَدْعة‏:‏ أي دخَلَ عنقُه في جوفه، من قولهم ‏"‏ارتَدعً السهمُ‏"‏ إذا رجَعَ نَصْلُه في سِنْخِه

2872- قَدْ ألقى عَصَاهُ

إذا استقرَّ من سَفَر أو غيره، قَال جرير‏:‏

فلَمَّا التَقَى الحَيَّانِ ألقَيتِ العَصَا * وَمَاتَ الهَوَى لمَّا أصِيبَتْ مَقَاتِلُهْ

وحكى أنه لما بُولع لأبي العباس السفَّاحِ قام خطيباً، فسقط القضيبُ من يده، فَتَطَيَّرَ من ذلك، فقام رجل فأخذ القضيبَ ومَسَحه ودَفَعه إليه وأنشد‏:‏

فألقتْ عَصَاهَا وَاسْتَقرَّتْ بِهَا النَّوَى * كَمَا قَرَّ عَيْنَاً بِالأيَابِ المُسَافِرُ

وقال علي بن الحسن بن أبي الطيب

الباخَرْزِىُّ في ضده‏:‏

حَمْلُ العَصَا لِلمُبْتَلَى * بالشَّيْبِ عُنْوَانُ البَلَى

وُصِفَ المسافِرُ أنَّهُ * ألْقَى العَصَا كيْ يَنْزِلاَ ‏[‏ص 102‏]‏

فَعَلَى القِيَاسِ سَبِيلُ مَنْ * حَمَلَ العَصَا أنْ يَرْحَلاَ

2873- قَشَرْتُ لَهُ العَصَا

يضرب في خُلُوص الود‏.‏

أي أظهرت له ما كان في نفسي، ويقَال‏:‏ أقْشِرْ له العَصَا، أي كاشِفْهُ وأظْهِرْ له العداوة

2874- قَتْلُ ما نَفْسٍ مُخَيَّرُها

‏"‏ما‏"‏ صلة، تخييرها، قَال عطاء بن مصعب‏:‏ معناه أنه كان بين رجلين مالٌ فاقتسما، فَقَال أحدهما لصاحبه‏:‏ اختر أي القسمين شئت ،فجعل ينظر إلى هذا القسم مرة وإلى هذا أخرى، فيرى كلَّ واحد جيدا، فيقوا صاحبه‏:‏ قَتْلُ ما نفسىٍ مخيرها، أي قتلت نفسك حين خيرتك‏.‏

يوضع في الشره والشجع‏.‏

ويروى ‏"‏قتلَ‏"‏ نفساً مخيرُها، أي إذا جعلْتَ الحكْمَ إلى مَنْ تسأله الحاجَةَ حمل لك على نفسه‏.‏

2875- قَدْ عَلقَتْ دَلوَكَ دلوٌ أخْرَى

أصله أن الرجل يُدْلِى دَلْوَه للاستقاء فيُرْسِلُ آخرُ دلوه أيضاً، فتتعلق بالأولى حتى تمنع صاحبها أن يستقى‏.‏

يضرب في الحاجة تطلب فيحول دونها حائل أي قد دَخَلَ في أمرك داخلٌ‏.‏

2876- قَدْ نَهَيْتك عَنْ شَرْبةٍ بالوَشَلِ‏.‏

الوَشَلُ‏:‏ الماء القليل، أي قد نهيتُكَ عن سُؤَال اللئيم‏.‏

2877- قَلَّ خِيسُهُ

قَال أبو عمرو‏:‏ الخِسُ اللَّبَنُ، يُقَال في الدعاء على الإنسان ‏"‏قَلَّلَ الله خيسُهُ‏"‏ أي لبَنَه‏.‏

2878- قَدْ قِيلَ ذَلِكَ إنْ حَقَاً وإنْ كَذِباً

قَالوا‏:‏ إن أولَ من قَال ذلك النعمانُ بن المنذر اللَّخمىُّ للربيع بن زياد العبسي، وكان له صديقاً ونديماً، وإن عامراً مُلاَعِبَ الأسِنَّةِ وعَوف بن

ابن الأحوص وسُهَيلَ بن مالك ولبيدَ بن رَبيعةَ وشَمَّاساً الفَزَاري وقلابة الأسَدِى قَدِمُوا على النعمان، وخَلَّفُوا لَبِيداً يرعى إبلهم، وكان أحْدَثهم سِنّاً، وجعلوا يَغْدُونَ إلى النعمان ويرحون، فأكرمَهُم وأحْسَنَ نُزُلَهم، غيرَ أن الربيع كان أعظمَ عنده قَدْراً، فبَينما هم ذاتَ يوم عند النعمان إذ رجز بهم الربيعُ وعابَهُم وذكرهم بأقبح ما قَدَرَ عليه، فلما سمع القومُ ذلك انصرفوا إلى رِحَالهم، وكل إنسانٍ ‏[‏ص 103‏]‏ منهم مُقْبِلٌ على بَثِّه، ورَوَّحَ لبيد الشَّوْل، فلما رأى أصحابه وما بهم من الكآبة سألهم‏:‏ مالكم‏؟‏ فكتَمُوه، فقال لهم‏:‏ والله لا أحفظُ لكم مَتَاعاً ولا أسْرَحُ لكم إبلاً أو ْتُخْبِرُونى بالذي كنتم فيه، وإنما كَتَمُوا عنه لأن أم لبيدٍ امرَأة من عَبْس، وكانت يتيمة في حَجْرِ الرَّبيع، فَقَالوا‏:‏ خَالُكَ قد غَلَبَنَا على الملك وصَدَّ بوجهه عنا، فَقَال لبيد‏:‏ هل فيكم مَنْ يكفيني وتُدْخِلُونني على النعمان معكم‏؟‏ فواللاَّتِ والْعُزَّى لأَدَعَنَّهُ لا ينظر إليه أبداً، فخلفوا في إبلهم قلابة الأسدى، وقَالوا لبيد‏:‏ أوْعندك خير‏؟‏ قَال‏:‏ سترون، قَالوا‏:‏ نَبُلُوك في هذه البَقْلضة، لبَقْلَةٍ بين أيديهم دَقِيقَة الأغصان قليلة الأوراقَ لاصقة بالأرض تدعى التَّرَبَةُ صِفْهَا لنا واشْتُمْهاَ، فقال‏:‏ هذه التربة التي لا تُذْكِى ناراً، ولا تؤهل داراً، ولا تَسُرُّ جاراً، عودها ضئيل، وفرعها كَليل، وخيرها قليل، شَرُّ البقول مَرْعى، وأقصرها فَرْعا، فَتَعْساً لها وجَدْعا، القَوابى أخا عبس، أردُه عنكم بتَعس، وأدعه من أمره في لَبْس، قَالوا‏:‏ نُصْبِحُ فنرى رَأينَا، فَقَال لهم عامر‏:‏ انظر هذا الغلام، فإن رأيتموه نائما فليس أمره بشَيء، وإنما يتكلم بما جاء على لسانه، ويَهْذِى بما يَهْجِس في خاطره، وإن رأيتموه ساهراً فهو صاحبكم، فرمَقُوه، فرأوه قد رَكِبَ رَحْلا حتى أصبح، فخرج القومُ وهو معهم حتى دخلوا على النعمان وهو يتغدَّى والربيعُ يأكل معه، فَقَال لبيد‏:‏ أبيتَ اللَّعن‏!‏ أتأذن لي في الكلام‏؟‏ فأذن له، فأنشأ يقول‏:‏

يَارُبَّ هَيْجَا هيَ خَيْرٌ مِنْ دَعَهُ * أكُلَّ يَوْمٍ هامتي مُقَرَّعَهْ

نَحْنُ بَنُو أمِّ البَنِينَ الأرْبَعَةْ * وَنَحْنُ خَيْرُ عامر بنِ صَعْصَعهْ

المُطْعِمُونَ الجَفْنَةَ المُدَعْدَعَهْ * وَالضَّارِبُونَ الهَامَ تَحْتَ الخَيضَعَهْ

يا واهبَ الخَيْرِ الكَثِيرِ مِنْ سَعَهْ * إليكَ جَاوَزْنَا بلاداً مَسْبَعَهْ

نُخْبر عَنْ هذَا خَبِيراً فَاْسمَعَهْ * مَهْلاً أبيْتَ اللَّعْنَ لاَ تَأْكُلْ مَعَهْ

إنَّ اسْتَهُ مِنْ بَرَصٍ مُلَمَّعَهْ * وَإنَّهُ يُدْخِلُ فِيهَا إصْبَعَهْ

يُدْخِلُها حَتَّى يُوارِى أشْجَعَهْ * كأنَّهُ يَطْلُبُ شَيئاً أْطْمَعَهُ

ويروى ‏"‏ضَيَّعَهْ‏"‏ فلما سمع النعمانُ الشعرَ أفَّفَ، ورفع يَدَه من الطعام، وقَال للربيع‏:‏ أكذاك أنت‏؟‏ قَال‏:‏ لا، واللاتِ لقد كَذَبَ ابنُ الفاعلة، قَال النعمان‏:‏ لقد خَبُثَ علىَّ طعامي، فغضب الربيع وقام وهو يقول‏:‏ ‏[‏ص 104‏]‏

لئن رَحَلْتُ رِكَابِى إنَّ لي سَعَةً * مَا مِثْلُها سَعَةٌ عَرْضَاً وَلا طُولاَ

وَلَوْ جَمَعْتُ بنى لخمٍ بأسْرِهم * مَا وَازَنُوا رِيشةً مِنْ ريشِ سَمْوِيلاَ

فَابْرقَ بأرضكَ يانعمانُ مُتَكِئاً * مَعَ النَّطَاسِىِّ طَوْرَاً وَابنِ توفيلا

وقَال‏:‏ لا أبرحُ أرضَكَ حتى تبعثَ إلىَّ مَنْ يفتشني فتعلم أن الغلام كاذب، فأجابه النعمان‏:‏

شَرِّدْ بِرَحْلِكَ عَنِّى حَيثُ شِئت وَلاَ * تُكْثِرْ عَلَىَّ وَدَعْ عَنْكَ الأبَاطِيلاَ

فَقَدْ رٌميتَ بِداءٍ لسْتَ غاسِلَهُ * مَا جَاوَزَ النِّيلَ يَوْماً أهْلُ إبليلاَ

قَدْ قيلَ ذلِكَ إن حَقّاً وإنْ كَذِباً * فَمَا اعْتِذَارُكَ مِنْ شَيء إذا قيلاَ

قوله ‏"‏بنو أم البنين الأربعة‏"‏ هم خمسة‏:‏ مالك بن جعفر مُلاعب الأسنة، وطُفيل بن مالك أبو عامر بن الطفيل، وربيعة بن مالك، وعُبَيْدة بن مالك، ومُعَاوية بن مالك، وهم أشراف بنى عامر، فجعلهم أربعة لأجل القافية‏.‏

و ‏"‏سمويل‏"‏ أحَدُ أجداد الربيع، وهو في الأصل اسم طائر‏.‏

وأراد بالنطاسى روميا يُقَال له سرحون ‏"‏وابن توفيل‏"‏ رومى آخر كانا يُنَادمان النعمان‏.‏

2879- قد اتَّخَذَ البَاطِلَ دَغَلاً

الدَّغَل‏:‏ أصله الشجر الملتفُّ، أي قد اتَّخذ الباطلَ مأوىً يأوى إليه، أي لا يخلوا منه‏.‏

يضرب لمن جَعَلَ الباطلَ مَطِية لنفسه

2880- قَدْ أحْزِمُ لَوْ أعْزمُ

أي إن عَزَمْتُ الرأي فأمضيتُه فأنا حازم، وإن تركت الصواب وأنا أراه وضيَّعْتُ العزم لم ينفعنى حَزْمِى كما قَال سَعْدُ بن ناشب المازنى‏:‏

إذا هَمَّ ألْقَى بَيْنَ عَينيَهِ عَزْمَهُ * وَنَكَّبَ عَنْ ذكرِ العَوَاقِبِ جَانِبا

2881- قَدْ بَلَغَ مِنْهُ البُلَغين

أي الداهية، قَالت عائشة لعلي رضي الله عنهما يوم الجمل حين أخذت‏:‏ قد بلغت منا البُلَغِينَ، ويُراد بالجمع على هذه الصيغة الدَّوَاهى العظام، وأصله من البلوغ، أي داهية بلغت النهاية في الشر‏.‏

2882- قَدْ ألْنَا وإيلَ عَلَيْنَا

الإيالة‏:‏ السياسة، أي قد سُسْنَا وسَاسَنا غيرُنا، وهذا المثل يروى أن زيادا قَاله في خطبته‏.‏

2883- قَدْ حَمِى الوَطِيسُ

قَال الأَصمَعي وغيره‏:‏ الوَطِيس حِجَارة ‏[‏ص 105‏]‏ مُدوَّرة، فإذا حميت لم يمكن أحدا أن يطأ عليها‏.‏

يضرب للأمر إذا اشتدَّ‏.‏

ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم رُفِعَتْ له أرض مُؤتَةَ فرأى معترك القوم، فَقَال‏:‏ الآنَ حمَى الوطيسُ، آي أشتدَّ الأمر

2884- قَدْ تَقَطَعُ الدَّوَّيةُ النَّابَ

الدَّوُّ والدَّوِّيَّة‏:‏ المفازة، والناب‏:‏ الناقة المُسِنَّة‏.‏

يضرب للشيخ فيه بقية‏.‏

2885- اقْتُلُونى ومَالِكاً

أولُ من قَال ذلك عبدُ الله بن الزبير، وذلك أنه عانَقَ الأشْتَرَ النَّخَعِى فسَقَطَا عن جَوَاديهما إلى الأرض، واسم الأشتر مالك، فنادى عبدُ الله بن الزبير‏:‏

اقْتُلُونى وَمَالِكَاً * واقْتُلُوا مَالِكاً معي

فضرب مَثَلاً لكل مَنْ أراد بصاحبه مكروها وإن ناله منه ضرر‏.‏

2886- قَدْ كَانَ ذَلِكَ مَرَّةً فَاليَوْمَ لاَ

أولُ من قَال ذلكَ فاطمة بنت مُرٍّ الخَثْعَمية، وكانت قد قرأت الكُتُبَ، فأقبل عبدُ المطلب ومعه ابنه عبدُ الله يريد أن يزوِّجه آمنة بنت وَهَب بن عبد مناف بن زُهْرَة بن كلاب، فمرَّ على فاطمة وهى بمكة، فرأت نُورَ النبوة في وَجْه عَبْد الله، فَقَالت له‏:‏ مَنْ أنت يافتى‏؟‏ قَال‏:‏ أنا عبدُ الله بن عبد المطلب ابن هاشم، فَقَالت‏:‏ هَلْ لك أن تَقَع على وأعطيك مائةً من الإبل‏؟‏ فَقَال‏:‏

أمَّا الحَرَامُ فَألمَمَاتُ دُونَهُ * وَالحِلُّ لاَ حِلَّ فأستَبِينَهُ

فَكَيفَ بِالأمْرِ الَّذي تَنْوِينَهُ * يَحْمِى الكَرِيمُ عِرْضَهُ وَدِينَهُ

ومضى مع أبيه، فزوَّجه آمنة، وظل عندها يومَه وليلته، فاشتملت بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم انصَرَفَ وقد دَعَتْه نفسه إلى الإبل، فأتاها فلم ير منها حِرْصاً، فَقَال لها‏:‏ هل لك فيما قلت لي‏؟‏ فَقَالت‏:‏ قد كان ذلك مرة فاليوم لا، فأرسلتها مَثَلاً‏.‏

يضرب في الندم والإنابة بعد الأجترام ثم قَالت له‏:‏ أي شَيء صَنعْتَ بعدي، قال‏:‏ زوجني أبي آمنة بنت وهب، فكنت عندها، فَقَالت‏:‏ رأيتُ في وجهك نورَ النبوة فأردت أن يكون ذلك في فأبى الله تعالى إلاَّ أنْ يَضَعه حيث أحَبَّ، وقَالت‏:‏

بَنِى هاشمٍ قَدْ غَادَرَتْ مِنْ أخِيكُمُ * أمِينَةُ إذ للبـاه يَعتَلِجَانِ

كَمَا غَادَرَ المِصْبَاحُ بَعْدَ خُبُوِّهِ * فَتَائِلَ قَدْ مِيثَتْ لَهُ بِدِهَان ‏[‏ص 106‏]‏

ومَا كُلُّ ما نالَ الفتَى مِنْ نَصِيبِهِ * بِحَزْم، ولاَ مَافَاتَهُ بِتَوَانِ

فأجْمِلْ إذا طالَبْتَ أمْراً فَإنَّهُ * سَيَكْفِيكَهُ جَدَّانِ يَصْطَرِعَانِ

وقَالت في ذلك أيضاً‏:‏

إنِّى رَأيْتُ مَخِيلَةً نَشَأتْ * فَتَلألأتْ بِخَاتِمِ القَطْرِ

لله مَا زُهْرِيَّة سَلَبَتْ * ثَوْبَيْكَ مَا اسْتلَبَتْ وَمَا تَدْرِى

2887- قَصِيرَةٌ عَنْ طَويلَةٍ

قَال ابن الأعرابى‏:‏ القصيرة التمرة، والطويلة النخلة‏.‏

يضرب لاختصار الكلام

2888- قَمْقَمَ الله عَصَبَهُ

يُقَال في الدعاء على الإنسان، قَال ابن الأعرابى وغيره‏:‏ معناه جَمَعَ الله

تعالى بعضَه إلى بعض، وقبض عَصَبه، مأخوذ من القَمقَام وهو الجيش يَجْمَعُ من ههنا وههنا حتى يَعْظُم‏.‏

2889- القَوْمُ طَبُّونَ

ويروى ‏"‏ما أطبون‏"‏ أي ما أبصرهم يُقَال ‏"‏رجلٌ طَبٌّ‏"‏ أي عالم حاذق، و ‏"‏ما أطَبَّهم‏"‏ أي ما أحذقَهم، فأما رواية مَنْ روى ‏"‏ما أطبون‏"‏ فلا أعلم لها وجها، إلا أن يُقَال‏:‏ رجل طَبُّ وأطَبُّ كما يُقَال‏:‏ خَشِن وأخشَن ووجِل وأوْجل ووَجِر وأوجَر، و ‏"‏ما‏"‏ صلة فيكون كقوله‏:‏ القوم طَبُّون‏.‏

2890- القَوْلُ مَا قَالتْ حِذَامِ

أي القولُ السديدُ المعتدُّ به ما قَالته، وإلا فالصَّدقَ والكذبُ يستويان في أن كلا منهما قولٌ‏.‏

يضرب في التصديق‏.‏

قَال ابن الكلبي‏:‏ إن المثل لُلجَيْم بن صَعْب والدِ حنيفة وعِجْلٍ، وكانت حَذَامِ امرأته، فَقَال فيها زَوجها لجيم‏:‏

إذَا قَالتْ حَذَامِ فَصَدِّقُوها * فَإنَّ القَوْلَ مَا قَالتْ حَذَامِ

ويروى ‏"‏فأنصتوها‏"‏ أي أنصتوا لها، كما قَال الله تعالى ‏(‏وإذا كالوهم أو ْوَزَنُوهم‏)‏

أي كالوا لهم أو وَزَنُوا لهم‏.‏

2891- قَدْ أسْمَعَتْ لَوْ نَادْيتَ حَيّاً

يضرب لمن يُوعظ فلا يَقْبَل ولا يَفْهَم

2892- قَاتِلُ نَفْسٍ مُخَيَّلُها

التخييل‏:‏ التشبيه، يُقَال‏:‏ فلان يَمْصِي على المُخَيَّلِ، أي على غَرَر من غير يقين، و ‏"‏على ما خَيِّلَتْ‏"‏ أي على شبهة، والتاء للخطة، أي يمضي على الخطة التي خيلت له أو ْإليه‏.‏

يضرب لمن يطمع فيما لا يكون‏.‏‏[‏ص 107‏]‏

ويروى ‏"‏قاتل نفس مَخِيلتُها‏"‏ أي خُيَلاَؤُها‏.‏

يضرب في ذم التكبر‏.‏

2893- قَبْلَكَ مَا جَاءَ الخَبَرُ

أصله أن رجلا أكل مَحْرُوتا - وهو أصل الأنْجْذَان - فبات تخرج منه رياح مُنْتنة، فتأذَّى به أهله، فلما أصبح أخبرهم أنه أكل محروتا، فَقَالوا‏:‏ قَبْلَكَ ما جاء الخبر، أي قبل إخبارك جاء الخبر، و ‏"‏ما‏"‏ صلة‏.‏

2894- قَبْلَ حَسَاسِ الأَيْسَارِ

يُقَال‏:‏ حَسَسْتُ اللَّحْمَ وحَسْحَسْتُه، إذا ألقيته على الجمر، والأيسار‏:‏ أصحابُ الجَزُور في المَيْسِرِ، والواحد يَسَرٌ‏.‏

يضرب في تعجيل الأمر‏.‏

يُقَال‏:‏ لأفعلَنَّ كذا قبل حَساسِ الأيسار، وذلك أنهم كانوا يستعجلون نَصْبَ القُدُور فيمتلُّونَ‏.‏

2895- قُرِنَ الحِرْمَانُ بِالحَيَاءِ، وقُرِنَتْ الخَيبَةُ بالهَيبةِ

هذا كقولهم ‏"‏الحياء يمنع الرزق‏"‏ وكقولهم ‏"‏الهيبَة خَيبَة‏"‏

2896- قَرَّدَهُ حَتَّى أمْكَنَهُ

أي خَدَعَه حتى تمكَّنَ منه، وأصله نَزْعُ القُرَاد من البعير الصعب حتى يتمكن من خطمه

2897- قَيَّدَ الإيمانُ الفَتْكَ

يعني الغِيلَةَ، وهي القَتْل مَكْرا وفَجْأة، وهذا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

2898- قَدْ أصْبَحُوا فِي مَخْضِ وَطْبٍ خَائِرٍ‏.‏

أي في باطل‏.‏

2899- أقْلِلْ طَعَامَكَ تَحْمَدْ مَنَامَكَ

أي أن كثرته تُورِثُ الآلام المُسْهِرَةَ

2900- قَدْ أخطأ نَوْأهُ

يضرب لمن رَجَعَ عَنْ حاجته بالخيبة‏.‏

والنَّوْء‏:‏ النهوض والسقوط، وهو واحد أنواء النجوم التي كانت العرب تقول‏:‏ مُطِرْنَا بَنْوءِ كذا، أي بطلوع النجم أوْبسقوطه، على اختلاف بين أهل اللغة فيه‏.‏

2901- اقْشَعَرَّتْ مِنْهُ الذَّوائِبُ

ويقَال ‏"‏الدوائر‏"‏ وهما لا يقشعران إلا عند اشتداد الخوف، والدوائر‏:‏ جمع دائرة، وهي حيث اجتمع الشعر من جنب الفرس وصَدْره، ويقَال‏:‏ قد قَفَّ شَعْرُه من كذا، إذا قام من الفزع‏.‏

يضرب مثلاً للجبان‏.‏

2902- أقَصَّتْهُ شَعُوبُ

هي اسم للمنية، معرفة لا تدخلها الألف ‏[‏ص 108‏]‏ واللام، أي تَبِعَتْهُ داهية ثم نجا، قَال الفراء‏:‏ يُقَال قَصَّه الموت، وأقصّهُ أي دنا منه‏.‏

2903- أقْصَرَ لَمَّا أبْصَرَ

أي أمسك عن الطلب لما رأى سوء العاقبة

2904- قِيلَ لِلْشَّحْمِ‏:‏ أين تَذْهبْ‏؟‏ قَال‏:‏ أَُقَوِّمُ المُعْوَجَّ

يعني أن السمن يستر العيوب‏.‏ يضرب للئيم يستغني فيبجَّلُ ويعظم

2905- قَدْ هَلَكَ القَيْدُ وأوْدَى المِفْتَاحُ

يضرب للأمر الذي يفوت فلا يمكن إدْراكه، لأنه إذا ذهب القيد لم يجد المفتاح ما يفتحه

2906- الإِنْقِبَاضُ عَنِ النَّاس مَكْسَبَةٌ للْعَدَاوةِ، وإفرَاطُ الأنْسِ مَكْسَبَةٌ لِقُرَنَاء السُّوءِ

قَاله أكثمُ بن صيفي، قَال أبو عبيد يريد أن الاقتصادَ في الأمور أدنى إلى السلامة

يضرب في توسط الأمور بين الغُلُوّ والتقصير، كما قَال الشاعر‏:‏

إنْ كُنْتُ مُنْبَسِطاً سُمِّيْتُ مَسْخَرَةُ * أوْكُنْتُ مُنْقَبِضاً قَالوا بِهِ ثِقَلُ

وإن أُعَشِرْهُمُ قَالوا لِهيبَتِناَ * وإِنْ أُجَانِبْهُمُ قَالوا بِهِ مَللُ

2907- اقْصِدِى تَصيَدِى

يضرب في الحثِّ على الطلب

2908- قَتَلَ أرْضَاً عَالِمُهَا

أصلُ القتلِ التَّذْلِيلْ يُقَال‏:‏ قَتَلْتُ الخَمر، إذا مَزَجْتَها بالماء، قَال‏:‏

إنَّ الَّتي نَاوَلَتْنِي فَرَدَدْتُها * قُتِلَتْ قُتِلْتَ فَهَاتِها لَمْ تُقْتَلِ ‏(‏البيت لحسان بن ثابت ووقع في نسخة ‏"‏قتلت قتلت فهات من لم تقتلي‏"‏ وفي أخرى ‏"‏فهاتِ مالم تقتل‏"‏ وما آثرناه موافقَ لما في ديوانه ولما اشتهرت به الرواية‏.‏‏)‏

ويراد بالمثل أن الرجل العالم بالأرض عند سلوكها يُذَللُ الأرض ويغْلِبُها بعلمه‏.‏

يضرب في مدح العلم‏.‏ ويقَال في ضدده‏:‏

2909- قَتَلَتْ أرْضٌ جَاهِلَهَا

يضرب لمن يباشر أمراً لا عِلْم له به‏.‏ وأما قولهم ‏"‏قَتل فلان فلاناً‏"‏ فهو من القتالِ، وهو الجسمُ فكأنه ضَرَبَهُ وأصاب قَتَالَهُ، كما يُقَال ‏"‏ بطَنَه‏"‏ إذا أصاب بَطْنَهُ، ‏[‏ص 109‏]‏ و‏"‏أنَفَهُ‏"‏ إذا ضَرَب على انفْهِ، وكذلك ‏"‏ صَدَرَهُ، ورأسَه، وفَخَذه‏"‏ وهذا قياس، قَال ذو الرمة في أن القَتَالَ هو الجسم‏:‏

ألم تعْلَمِي يَا مَيِّى أنَّا وبيننا * مَهَاوْن يَدَعْنَ الجَلْس نُحْلاً قَتَالُها

‏(‏الجَلس - بالفتح - الغليظ من الأرض وجمل جلس وناقة جلس‏:‏ أي وثيق جسيم‏)‏

أي ناحلا جِسْمَهُا

2910- قَدْ تَرَهَيأ القَومُ

إذا اضطرَب عليهم أمرهم أوْرأيُهم، قَال أبو عبيدة‏:‏ ترَهيأَ الرجل في أمره، إذا هَمّ بها ثم أمْسَكَ وهو يُرِيدُ أن يفعلَه، وأصل قولِهم ‏"‏ترهيأ الجمل‏"‏ هو ان يكون أحد العِدْلَينِ أثْقَلَ من الآخَر، وإذا كان كذلك ظهر اضطرابهما، فصار مَثَلاً لفقد الاستقامة‏.‏

2911- قَدْ يُؤْتَى عَلَى يَدَيِ الحَرِيصِ

يُقَال ‏"‏أتى عليه‏"‏ إذا أهلكه، واليد‏:‏ عبارة عن التصرف؛ لأن أكثر تَصَرُّفِ الإنسان بها، كأنه قيل‏:‏ أتَتِ المقاديرُ على يديه فمنعته عن المقصود، ويجوز أن تكون اليدُ صِلَةً؛ فيكون قد يؤتى على الحريص، أي قد يَهْلِكُ الحريصُ

يضرب للرجل يُوقع نفسَه في الشر حرصاً وشَرَهَاً

2912- قَدْ كَادَ يَشْرَق بالرِّيقِ

يضرب لمن أشرف على الهلكة ثم نجا ومن لا يقدر على الكلام من الرُّعبِ

2913- قَدْ يُؤخَذْ الجَارُ بِذَنْبِ الجَارِ

مَثَلٌ إسلامي، وهو في شعر الحكمى ‏(‏الحكمى‏:‏ أبو ونواس‏)‏

2914- قَوْلُ الحَقِّ لَمْ يَدَعْ لِي صَدِيقاً

يروى عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه‏.‏

2915- قَدْ يُمْتَطَى الصَّعْبُ بَعْدَ ما رَمَحَ

هذا قريب من قولهم ‏"‏الضَّجُورُ قَدْ تَحْلُبُ العُلْبَةَ‏"‏

2916- قَامَةٌ تَنْمِي وَعَقْلٌ يَحْرِى

النَّماء‏:‏ الزيادة، يُقَال‏:‏ نَمَا يَنْمُو وَيَنْمِي، والحرى‏:‏ النقصان، يُقَال‏:‏ حَرَى يَحْرِى، قَال أبو نُخَيْلَةَ‏:‏

مَا زَالَ مُذْ كَانَ عَلَى أسْتِ الدَّهْرِ * ذَا حُمْقَ يَنْمِي وَعقْلٍ يَحرِى

يضرب للذي له مَنْظَر من غير مخبر

2917- قَدْ يُدْرِكُ المُبْطئ مِنْ حظِّهِ

هذا ضد قولهم ‏"‏آخرُهَا أقَلُّها شُرْبَاً‏"‏‏[‏ص 110‏]‏

2918- قِرْنُ الظَّهْرِ لِلْمَرْءَ شَاغِلٌ

أقرانُ الظهر‏:‏ الذين يجيئون من وَرَاء ظهرك في الحرب

2919- قَدْ كُنْتُ قَبْلَكِ مَقْرُورَةً

تزعم العرب أن الضَّبُعَ رأتْ ناراً من مكان بعيد، فقابلتها وأقْعَتْ، فِعْلَ المُصْطَلِى وقَالت‏:‏ قد كنت قبلك مقرورة

يضرب لمن يُسَرُّ بما لا يناله منه خير

2920- قَدْ رَكِبَ السَّيْلُ الدَّرَجَ

أي طريقَهُ المعهود

يضرب للذي يأتي الأمرَ على عهد ويروى ‏"‏قد عَلِمَ السيلُ الدَّرَجَ‏"‏ أي علم وجهه الذي يمر فيه ويمضي

2921- قَدْ طرًّقَتْ بِبِكْرِهَا أُمُّ طَبَقٍ

التطريق‏:‏ أن يَنْشَبَ الولَدُ في البطن فلا يَسْهُلُ خروجه، والبكر‏:‏ أول ما يولد، وأم طبق‏:‏ السُّلْحَفَاة، وهي اسم للداهية‏.‏

يضرب للأمر لا مَخْلَصَ منه

ويروى ‏"‏طَرَقَتْ‏"‏ بالتخفيف من قولهم ‏"‏طَرَقْتُه‏"‏ إذا اتيته ليلاً، يعني أتت الداهية ليلا بأمرٍ لم يُعْهَدْ مثلثه صعوبةً

2922- قِيلَ لِلْبَغْلِ‏:‏ مَنْ أبُوكَ‏؟‏ قَال‏:‏ الفَرَسُ خَالِي

يضرب للمُخْلِّط

2923- قَدْ ءَفَتْنِي‏؟‏‏؟‏ سيرتي وَأطَّتْ

يضرب لمن يشفقَ ويعطف عليك

2924- قَدْ فَكَّ وَفَرَجَ

يُقَال‏:‏ فَكَّ الرجلُ يُفَكُّ فُكُوكاً فهو فَاكٌّ، إذا استَرْخَى فَكُّه هَرَمَاً، وكذلك فَرَجَ

من قولهم‏:‏ قَوْسٌ فارِجٌ وفَرِيج، إذا بان وتَرُهَا عن كبدها، ويروى فَرَجَ وفَرَّجَ يضرب للشيخ قد استرخى لَحْيَاهُ هَرَمَاً

أنتهى الجزء الأول ويليه الجزء الثاني ...  

============

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الشرط الأوحد للشفاعة كلها هو لمن مات يوم مات علي التوبةٍ ولو ندما وعزما علي ان يعمل الصالحات سواءا أدركوا العمل ام لم يدركونه

الشرط الأوحد للشفاعة كلها هو لمن مات يوم مات علي التوبةٍ ولو ندما وعزما علي ان يعمل الصالحات سواءا أدركوا العمل ام لم يدركونه أسْعَد...