دعائي الي ربي

قلت المدون تم بحمد الله وفضله ثم قلت: اللهم فكما ألهمت بإنشائه وأعنت على إنهائه فاجعله نافعاً في الدنيا وذخيرة صالحة في الأخرى واختم بالسعادة آجالنا وحقق بالزيادة آمالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا واجعل إلى حصنك مصيرنا ومآلنا وتقبل بفضلك أعمالنا إنك مجيب الدعوات ومفيض الخيرات والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين اللهم لنا جميعا يا رب العالمين .وسبحان الله وبحمده  عدد خلقه وزنة عرشه  ورضا نفسه ومداد كلماته} أقولها ما حييت وبعد موتي  والي يوم الحساب وارحم  واغفر اللهم لوالديَّ ومن مات من اخوتي واهلي والمؤمنين منذ خَلَقْتَ الخلق الي يوم الحساب آمين وفرِّجِ كربي وردَّ اليَّ عافيتي وارضي عني في الدارين  واعِنِّي علي أن اُنْفِقها في سبيلك يا ربي اللهم فرِّج كربي واكفني همي واكشف البأساء والضراء عني وعنا.. وردَّ إليَّ عافيتي وثبتني علي دينك الحق ولا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وتوفنا مع الأبرار وألِّفْ بين قلوبنا اجمعين.يا عزيز يا غفار ... اللهم واشفني شفاءاً لا يُغَادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني وفرج كربي واكفني همي واعتقني مما أصابني من مكروه أنت تعلمه واعتقني من النار وقني عذاب القبر وعذاب جهنم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم ومن غلبة الدين وقهر الرجال اللهم آمين /اللهم ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عُقَد لساني واغنني بك عمن سواك يارب.والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين آمين.

الخميس، 25 أغسطس 2022

ج1.وج2. الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي

 ج1.وج2. الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي

 

ج1.الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي

بسم الله الرحمن الرحيم
الكتاب : الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
المؤلف : أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي
دار النشر : دار إحياء التراث العربي - بيروت
عدد الأجزاء / 4
تحقيق : عبد الرزاق المهدي
{ ترقيم الشاملة موافق للمطبوع ]

" صفحة رقم 41 "
مقدمة التفسير للعلامة الزمخشري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي انزل القرآن كلاما مؤلفا منظما ونزله بحسب المصالح منجما وجعله بالتحميد مفتتحا وبالاستعاذة مختتما واوحاه على قسمين متشابها ومحكما وفصل سورا وسوره آيات
وميز بينهن بفصول وغايات
وما هي الا صفات مبتدىء مبتدع وسمات منشىء مخترع فسبحان من استأثر بالأولية والقدم ووسم كل شيء سواه بالحدوث عن العدم أنشأه كتابا ساطعا تبيانه
قاطعا برهانه وحيا ناطقا ببينات وحجج قرآنا عربيا غير ذي عوج مفتاحا للمنافع الدينية والدنيوية مصداقا لما بين يديه من الكتب السماوية عجزا باقيا دون كل معجز على وجه كل زمان دائرا من بين سائر الكتب على كل لسان في كل مكان أفحم به من طولب بمعارضته من العرب العرباء وأبكم به من تحدى به من مصاقع الخطباء فلم يتصد للإتيان بما يوازيه أو يدانيه واحد من فصحائهم ولم ينهض لمقدار أقصر من سورة منه ناهض من بلغائهم على انهم كانوا اكثر من حصى البطحاء واوفر عددا من رمال الدهناء ولم ينبض منهم عرق العصبية مع اشتهارهم بالإفراط في المضادة والمضارة وإلقائهم الشراشر على المعازة والمعارة ولقائهم دون المناضلة عن احسابهم الخطط وركوبهم في كل يرومونه الشطط إن اتاهم أحد بمفخرة اتوه بمفاخر وإن رماهمم بمأثرة رموه بمآثر وقد جرد لهم الحجة اولا والسيف آخرا فلم يعارضوا الا السيف وحده على ان السيف القاضب مخراق لاعب إن لم تمض الحجة حده فما اعرضوا عن معارضة الحجة الا

" صفحة رقم 42 "
لعلمهم ان البحر قد زخر فطم على الكواكب وان الشمس قد أشرقت فطمست نور الكواكب
والصلاة والسلام على خير من اوحى اليه حبيب الله أبي القاسم محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب بن هاشم ذي اللواء المرفوع في بني لؤي
وذي القرع المنيف في عبد مناف بن قصي المثبت بالعصمة المؤيد بالحكمة الشادخ الغرة الواضح التحجيل النبي المي المكتوب في التوراة والإنجيل وعلى آله الأطهار وخلفائه من الأختان والأصهار وعلى جميع المهاجرين والأنصار
اعلم ان متن كل علم وعمود كل صناعة طبقات العلماء فيه متدانية وأقدام الصناع فيه متقاربة أو متساوية إن سبق العالم العالم لم يسبقه الا بخطا يسيرة أو تقدم الصانع الصانع لم يتقدمه الا بمسافة قصيرة وإنما الذي تباينت فيه الرتب وتحاكت فيه الركب ووقع فيه الاستباق والتناضل وعظم فيه التفاوت والتفاضل حتى انتهى الأمر إلى امد من الوهم متباعد وترقى إلى ان عد ألف بواحد ما في العلوم والصناعات من محاسن النكت والفقر ومن لطائف معان يدق فيها مباحث للفكر ومن غوامض اسرار محتجبة وراء أستار لا يكشف عنها من الخاصة الا اوحدهم وأخصهم وإلا واسطتهم وفصهم وعامتهم عماة عن إدراك حقائقها بأحداقهم عناة في يد التقليد لا يمن عليهم بجز نواصيهم وإطلاقهم
ثم إن أملأ العلوم بما يغمر القرائح وانهضها بما يبهر الألباب القوارح من غرائب نكت يلطف مسلكها ومستودعات اسرار يدق سلكها علم التفسير الذي لا يتم لتعاطيه وإجالة النظر فيه كل ذي علم كما ذكر الجاحظ في كتاب نظم القرآن فالفقيه

" صفحة رقم 43 "
وإن برز علم الأقران في علم الفتاوي والأحكام والمتكلم وإن برز أهل الدنيا في صناعة الكلام وحافظ القصص والأخبار وإن كان من ابن القرية أحفظ والواعظ وإن كان من الحسن البصري أوعظ والنحوي وإن كان من سيبويه واللغوي وإن علك اللغات بقوة لحييه لا يتصدى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق الا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن وهما علم المعاني وعلم البيان وتمهل في ارتيادهما آونة وتعب في التنقير عنها ازمنة وبعثته على تتبع مظانهما همة في معرفة لطائف حجة الله وحرص على استيضاح معجزة رسول الله بعد ان يكون آخذا من سائر العلوم بحظ جامعا بين أمرين تحقيق وحفظ كثير المطالعات طويل المراجعات قد رجع زمانا وردع اليه ورد ورد عليه فارسا في علم الإعراب مقدما في حملة الكتاب وكان مع ذلك مسترسل الطبيعة منقادها مشتعل القريحة وقادها يقظان النفس دراكا للمحة وإن لطف شأنها منتبها على الرمزة وإن خفي مكانها لا كزا جاسيا ولا غليظا جافيا متصرفا ذا دراية بأساليب النظم والنثر مرتاضا غير ريض بتلقيح بنات الفكر قد علم كيف يرتب الكلام ويؤلف وكيف ينظم ويرصف طالما دفع إلى مضايقه ووقع في مداحضه ومزالقه
وبقد رأيت إخواننا في الدين من أفاضل الفئة الناجية العدلية الجامعيين بين علم العربية والأصول الدينية كلما رجعوا الي في تفسير آية فأبرزت لهم بعض الحقائق من الحجب أفاضوا في الاستحسان والتعجب واستطيروا شوقا إلى منصف يضم اطرافا من ذلك حتى اجتمعوا الي مقترحين ان املى عليهم الكشف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل فاستعفيت فأبوا الا المراجعة والاستشفاع بعظماء الدين وعلماء العدل والتوحيد والذي حداني على الاستعفاء على علمي انهم طلبوا ما الإجابة اليه على واجبه لأنه الخوض فيه كفرض العين ما ارى عليه الزمان من رثاثة احواله وركاكة رجاله وتقاصر هممهم عن ادنى عدد هذا العلم فضلا ان تترقى إلى الكلام المؤسس على علمي المعاني والبيان فأمليت عليهم مسألة في الفواتح وطائفة من الكلام في حقائق سورة البقرة وكان كلاما مبسوطا كثير السؤال والجواب طويل الذيول والأذناب وإنما حاولت به التنبيه على غزارة نكت هذا العلم وان يكون لهم منارا

" صفحة رقم 44 "
ينتحنونه ومثالا يحتذونه فلما صمم العزم على معاودة جوار الله والاناخة بحرم الله فتوجهت تلقاء مكة وجدت في مجتازي بكل بلد من فيه مسكة من أهلها وقليل ما هم عطشى الكباد إلى العثور على ذلك المملى
متطلعين إلى إيناسه حراصا على اقتباسه فهز ما رأيت من عطفى وحرك الساكن من نشاطي فلما حططت الرحل بمكة إذا أنا بالشعبة السنية من الدوحة الحسنية الأمير الشريف الامام شرف آل رسول الله أبي الحسن علي بن حمزة بن وهاس أدام الله مجده وهو النكتة والشامة في بني الحسن مع كثرة محاسنهم وجموم مناقبهم أعطش الناس كبدا وألهلهم حشى واوفاهم رغبة حتى ذكر انه كان يحدث نفسه في مدة غيبتي عن الحجاز مع تزاحم ما هو فيه من المشادة بطع الفيافي وطي المهامة والوفادة علينا بخوارزم ليتوصل إلى إصابة هذا اغرض فقلت قد ضاقت على امستعفى الحيل وعيت به العلل ورأيتني قد اخذت مني السن وتقعقع الشن وناهزت العشر التى سمتها العرب دقاقة الرقاب
فأخذت في طريقة اخصر من الأولى مع ضمان التكثير من الفوائد والفحص عن السرائر ووفقه الله وسدده ففرغ منه في مقدار مدة خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عهنه وكان يقدر تمامه في أكثر من ثلاثين سنة وما هي الا آية من آيات ها البيت المحرم وبركة أفيضت علي من بركات هذا الحرم المعظم اسأل الله ان يجعل ما تعبت فيه منه سببا ينجيني ونورا على الصراط يسعى بين يدي وبيميني ونعم المسؤول

" صفحة رقم 45 "
سورة فاتحة الكتاب
مكية
وقيل مكية ومدنية لأنها نزلت بمكة مرة وبالمدينة أخرى
وتمسمى أم القرآن لاشتمالها على المعاني التي في القرآن من الثناء على الله تعالى بما هو اهله ومن التعبد بالأمر والنهي ومن الوعد والوعيد
وسورة الكنز والوافية لذلك
وسورة الحمد والمثاني لأنه تثني في كل ركعة
وسورة الصلاة لأنها تكون فاضلة أو مجزئة بقراءتها فيها
وسورة الشفاء والشافية
وهي سبع آيات بالاتفاق الا أن منهم من عد
) أنعمت عليهم ( دون التسمية ومنهم من مذهبه على العكس
بسم الله الرحمن الرحيم
الفاتحة : ( 1 ) بسم الله الرحمن . . . . .
قراء المدينة والبصرة والشام وفقهاؤها على ان التسمية ليست بآية من الفاتحة ولا من غيرها من السور وإنما كتبت للفصل والتبرك بالابتداء بها كما بدىء بذكرها في كل أمر ذي بال وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله ومن تابعه ولذلك لا يجهر بها عندهم في الصلاة وقراء مكة والكوفة وفقهاؤهما على انها آية من الفاتحة ومن كل سورة وعليه الشافعي وأصحابه رحمهم الله ولذلك يجهرون بها
وقالوا قد أثبتها السلف في المصحف مع توصيتهم بتجريد القرآن ولذلك لم يثبتوا
) امين ( فلولا انها من القرآن لما أثبتوها
وعن ابن عباس من تركها فقد ترك مائة وأربع عشرة آية من كتاب الله تعالى فإن قلت بم تعلقت الباء قلت بمحذوف تقديره بسم الله اقرأ أو أتلو لأن الذي يتلو التسمية مقروء كما ان المسافر اذا حل أو ارتحل فقال بسم الله والبركات

" صفحة رقم 46 "
كان المعنى بسم الله أحل وبسم الله أرتحل وكذلك الذابح وكل فاعل يبدأ في فعله ب بسم الله كان مضمرا ما جعل التسمية مبدأ له
ونظيره في حذف متعلق الجار قوله عز وجل
) في تسع آيات إلى فرعون وقومه ( النمل 12 اي اذهب في تسع آيات وكذلك قول العرب في الدعاء للمعرس بالرفاء والبنين وقول الأعرابي باليمن والبركة بمعنى أعرست أو نكحت ومنه قوله
" فقلت إلى الطعام فقال منهم فريق نحسد الإنس الطعاما "
فإن قلت لم قدرت المحذوف متاخرا قلت لأن الأهم من الفعل والمتعلق به هو المتعلق به لأنهم كانوا يبدءون بأسماء آلهتهم فيقولون باسم اللات باسم العزى فوجب ان يقصد الموحد معنى اختصاص اسم الله عز وجل بالابتداء وذلك بتقديمه وتأخير الفعل كما فعل في قوله
) إياك نعبد ( حيث صرح بتقديم الاسم ارادة للاختصاص
والدليل عليه قوله
) بسم الله مجراها ومرساها ( هود 41
فإن قلت فقد قال
) اقرأ باسم ربك ( العلق 1 فقدم الفعل قلت هناك تقديم الفعل اوقع لأنها اول سورة نزلت فكان الامر بالقراءة أهم
فإن قلت ما معنى تعلق اسم الله

" صفحة رقم 47 "
بالقراءة قلت فيه وجهان أحدهما ان يتعلق بها تعلق القلم بالكتبة في قولك كتبت بالقلم على معنى ان المؤمن لما اعتقد ان فعله لا يجيء معتدا به في الشرع واقعا على السنة حتى يصدر بذكر اسم الله لقوله عليه الصلاة والسلام
1 ( كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر )
الا كان فعلا كلا فعل جعل فعله مفعولا باسم الله كما يفعل الكتب بالقلم
والثاني ان يتعلق بها تعلق الدهن بالإنبات في قوله
) تنبت بالدهن ( المؤمنون 20 على معنى متبركا بسم الله أقرأ وكذلك

" صفحة رقم 48 "
قول الداعي للمعرس بالرفاه والبنين معناه أعرست ملتبسا بالرفاه والبنين وهذا الوجه أعرب وأحسن فإن قلت فكيف قال الله تبارك وتعالى متبركا باسم الله أقرأ قلت هذا مقول على ألنة العباد كما يقول الرجل الشعر على لسان غيره وكذلك
) الحمد لله رب العالمين ( إلى آخره وكثير من القرآن على هذا المنهج ومعناه تعليم عباده كيف يتبركون باسمه وكيف يحمدونه ويمجدونه ويعظمونه
فإن قلت من حق حروف المعاني التى جاءت على حرف واحد ان تبنى على الفتحة التي هي أخت السكون نحو كاف التشبيه ولام الابتداء وواو العطف وفائه وغير ذلك فما بال لام الإضافة وبائها بنيتا على الكسر قلت اما اللام فللفصل بينها وبين لام الابتداء واما الباء فلكونها لازمة للحرفية والجر والاسم أحد الأسماء العشرة التي بنوا أوائلها على السكون فإذا نطقوا بها مبتدئين زادوا همزة لئلا يقع ابتداؤهم بالساكن اذا كان دأبهم ان يبتدئوا بالمتحرك ويقفوا على الساكن لسلامة لغتهم من كل لكنة وبشاعة ولوضعها على غاية من الإحكام والرصانة واذا وقعت في الدرج لم تفتقر إلى زيادة شيء
ومنهم من لم يزدها واستغنى عنها بتحريك الساكن فقال سم وسم
قال
( باسم الذي في كل سورة سمه )
وهو من الأسماء المحذوفة الأعجاز كيد ودم وأصله سمو بدليل تصريفه كأسماء وسمي وسميت واشتقاقه من السمو لأن التسمية تنويه بالمسمى وإشادة بذكره ومنه قيل للقب النبز من النبز بمعنى النبر وهو رفع الصوت
والنبز قشر النخلة الأعلى
فإن قلت فلم حذفت الألف في الخط وأثبتت في قوله باسم ربك قلت قد اتبعوا في حذفها حكم الدرج دون الابتداء الذي عليه وضع الخط لكثرة الاستعمال وقالوا طولت الباء تعويضا من طرح الألف
وعن عمر بن عبد العزيز أنه قال لكاتبه طول الباء وأظهر السنات ودور الميم
و الله أصله الإله قال

" صفحة رقم 49 "
معاذ الإله أن تكون كظبية
ونظيره الناس أصله الأناس قال
إن المنايا يطلعن
على الإناس الآمنينا
فحذفت الهمزة وعوض منها حرف التعريف ولذلك قيل في النداء يا الله بالقطع كما يقال يا إله والإله من أسماء الأجناس كالرجل والفرس اسم يقع على كل معبود بحق أو باطل ثم غلب على المعبود بحق كما ان النجم اسم لكل كوكب ثم غلب على الثريا وكذلك السنة على عام القحط والبيت على الكعبة والكتاب على كتاب سيبويه
وأما ( الله ) بحذف الهمزة فمختص بالمعبود بالحق لم يطلق على غيره
ومن هذا الاسم اشتق تأله وأله واستأله
كما قيل استنوق واستحجر في الاشتقاق من الناقة والحجر
فإن قلت أاسم هو أم صفة قلت بل اسم غير صفة ألا تراك تصفه ولا تصف به لا تقول شيء إله كما لا تقول شيء رجل
وتقول إله واحد صمد كما تقول رجل كريم خير
وأيضا فإن صفاته تعالى لا بد لها من موصوف تجرى عليه فلو جعلتها كلها صفات بقيت غير جارية على اسم موصوف بها وهذا محال
فإن قلت هل لهذا الاسم اشتقاق قلت معنى الاشتقاق أن ينتظم الصيغتين فصاعدا معنى واحد وصيغة هذا الاسم وصيغة قولهم أله إذا تحير ومن أخواته دله وعله ينتظمهما معنى التحير والدهشة وذلك ان الأوهام تتحير في معرفة المعبود وتدهش الفطن ولذلك كثر الضلال وفشا الباطل وقل النظر الصحيح
فإن قلت هل تفخم لامه قلت نعم قد ذكر الزجاج ان تفخيمها سنة وعلى ذلك العرب كلهم وإطباقهم عليه دليل أنهم ورثوه كابرا عن كابر
و ( الرحمن ) فعلان من رحم كغضبان وسكران من غضب وسكر وكذلك ( الرحيم ) فعيل منه كمريض وسقيم من مرض وسقم وفي ( الرحمن ) من المبالغة ما ليس في ( الرحيم ) ولذلك قالوا رحمن الدنيا

" صفحة رقم 50 "
والآخرة ورحيم الدنيا ويقولون إن الزيادة في البناء لزيادة المعنى
وقال الزجاج في الغضبان هو الممتلىء غضبا
ومما طن على أذني من ملح العرب انهم يسمون مركبا من مراكبهم بالشقدف وهو مركب خفيف ليس في ثقل معامل العراق فقلت في طريق الطائف لرجل منهم ما اسم هذا المحمل أردت المحمل العراقي فقال أليس ذاك اسمه الشقدف قلت بلى فقال هذا اسمه الشقنداف فزاد في بناء الاسم لزيادة المسمى وهو من الصفات الغالبة كالدبران والعيوق والصعق لم يستعمل في غير الله عز وجل كما ان ( الله ) من الأسماء الغالبة
وأما قول بني حنيفة في مسيلمة رحمان اليمامة وقول شاعرهم فيه
( وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا )
فباب من تعنتهم في كفرهم فإن قلت كيف تقول الله رحمان أتصرفه أم لا

" صفحة رقم 51 "
قلت أقيسه على أخواته من بابه أعني نحو عطشان وغرثان وسكران فلا أصرفه
فإن قلت قد شرط في امتناع صرف فعلان ان يكون فعلان فعلى واختصاصه بالله يحظر ان يكون فعلان فعلى فلم تمنعه الصرف قلت كما حظر ذلك أن يكون له مؤنث على فعلى كعطشى فقد حظر ان يكون له مؤنث على فعلانة كندمانة فإذا لا عبرة بامتناع التانيث للاختصاص العارض فوجب الرجوع إلى الأصل قبل الاختصاص وهو القياس على نظائره
فإن قلت ما معنى وصف الله تعالى بالرحمة ومعناها العطف والحنو ومنها الرحم لانعطافها على ما فيها قلت هو مجاز عن انعامه على عباده لأن الملك اذا عطف على رعيته ورق لهم أصابهم بمعروفه وإنعامه كما انه اذا أدركته الفظاظة والقسوة عنف بهم ومنعهم خيره ومعروفه
فإن قلت فلم قدم ما هو أبلغ من الوصفين على ما هو دونه والقياس الترقي من الأدنى إلى الأعلى كقولهم فلان عالم نحرير وشجاع باسل وجواد فياض قلت لما قال
) الرحمن (
فتناول جلائل النعم وعظائمها وأصولها أردفه ( الرحيم ) كالتتمة والرديف ليتناول ما دق منها ولطف الحمد لله رب العالمين الرحمن ( الرحيم ) 1 - 2
الفاتحة : ( 2 ) الحمد لله رب . . . . .
الحمد والمدح أخوان وهو الثناء والنداء على الجميل من نعمة وغيرها
تقول حمدت الرجل على إنعامه وحمدته على حسبه وشجاعته

" صفحة رقم 52 "
واما الشكر فعلى النعمة خاصة وهو بالقلب واللسان والجوارح قال
أفادتكم النعماء مني ثلاثة
يدي ولساني والضمير المحجبا
والحمد باللسان وحده فهو احدى شعب الشكر ومنه قوله عليه الصلاة والسلام
2 ( الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لم يحمده )
ضعيف وإنما جعله رأس الشكر لأن ذكر النعمة باللسان والثناء على موليها أشيع لها وأدل على مكانها من الإعتقاد وآداب الجوارح لخفاء عمل القلب وما في عمل الجوارح من الاحتمال بخلاف عمل اللسان وهو النطق الذي يفصح عن كل خفي ويجلي كل مشتبه
والحمد نقيضه الذم والشكر نقيضه الكفران وارتفاع الحمد بالابتداء وخبره الظرف الذي هو ( لله ) وأصله النصب الذي هو قراءة بعضهم بإضمار فعله على أنه من المصادر التى تنصبها العرب بأفعال مضمرة في معنى الإخبار كقولهم شكرا وكفرا وعجبا وما أشبه ذلك ومنها سبحانك ومعاذ الله ينزلونها منزلة أفعالها ويسدون بها مسدها لذلك لا يستعملونها معها ويجعلون استعمالها كالشريعة المنسوخة والعدل بها عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبات المعنى واستقراره
ومنه قوله تعالى
) قالوا سلاما قال سلام ( هود 69 رفع السلام الثاني للدلالة على ان إبراهيم عليه السلام حياهم بتحية أحسن من تحيتهم لأن الرفع دال على معنى ثبات السلام لهم دون تجدده وحدوثه
والمعنى نحمد الله حمدا ولذلك قيل
) إياك نعبد وإياك نستعين (
لأنه بيان لحمدهم له كأنه قيل كيف تحمدون فقيل اياك نعبد
فإن

" صفحة رقم 53 "
قلت ما معنى التعريف فيه قلت هو نحو التعريف في أرسلها العراك وهو تعريف الجنس ومعناه الاشارة إلى ما يعرفه كل أحد من أن الحمد ما هو والعراك ما هو من بين أجناس الأفعال
والاستغراق الذي يتوهمه كثير من الناس وهم منهم
وقرأ الحسن البصري
) الحمد لله ( بكسر الدال لاتباعها اللام
وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة
) الحمد لله ( بضم اللام لاتباعها الدال والذي جسرهما على ذلك والاتباع إنما يكون في كلمة واحدة كقولهم منحدر الجبل ومغيرة تنزل الكلمتين منزلة كلمة لكثرة استعمالهما مقترنتين وأشف القراءتين قراءة إبراهيم حيث جعل الحركة البنائية تابعة للاعرابية التي هي أقوى بخلاف قراءة الحسن
الرب المالك ومنه قول صفوان لأبي سفيان لأن يربني رجل من قريش أحب الي من ان يربني رجل من هوازن
تقول ربه يربه فهو رب كما تقول نم عليه ينم فهو نم
ويجوز ان يكون وصفا بالمصدر للمبالغة كما وصف بالعدل ولم يطلقوا الرب الا في الله وحده وهو في غيره على التقيد بالإضافة كقولهم رب الدار ورب الناقة وقوله تعالى
) ارجع إلى ربك ( يوسف 50
) إنه ربي أحسن مثواي ( يوسف 23
وقرأ زيد بن علي رضي الله عنهما
) رب العالمين (
بالنصب على المدح وقيل بما دل عليه الحمد لله كأنه قيل نحمد الله رب العالمين

" صفحة رقم 54 "
العالم اسم لذوي العلم من الملائكة والثقلين وقيل كل ما علم به الخالق من الأجسام والأعراض
فإن قلت لم جمع قلت ليشمل كل جنس مما سمي به
فإن قلت هو اسم غير صفة وإنما تجمع بالواو والنون صفات العقلاء أو ما في حكمها من الأعلام
قلت ساغ ذلك لمعنى الوصفية فيه وهي الدلالة على معنى العلم
الفاتحة 4
الفاتحة : ( 4 ) مالك يوم الدين
قرىء ملك يوم الدين ومالك وملك بتخفيف اللام
وقرأ أبو حنيفة رضي الله عنه ملك يوم الدين بلفظ الفعل ونصب اليوم وقرأ أبو هريرة رضي الله عنه مالك بالنصب
وقرأ غيره ملك وهو نصب على المدح ومنهم من قرأ مالك بالرفع
وملك هو الاختيار لأنه قراءة اهل الحرمين ولقوله
) لمن الملك اليوم ( غافر 16 ولقوله
) ملك الناس ( الناس 2 ولأن الملك يعم والملك يخص
ويوم الدين يوم الجزاء ومنه قولهم

" صفحة رقم 55 "
3 ( كما تدين تدان )
أخرجه عبد الرزاق في المصنف 11 178 179 ومن طريقه البيهقي في الزهد ص 142 عن أبي وبيت الحماسة
( ولم يبق سوى العدوا ن
دناهم كما دانوا )
فان قلت ما هذه الإضافة قلت هي إضافة اسم الفاعل إلى الظرف على طريق الاتساع مجرى مجرى المفعول به كقولهم يا سارق الليلة اهل الدار والمعنى على الظرفية
ومعناه مالك الأمر كله في يوم الدين كقوله
) لمن الملك اليوم ( غافر 16
فإن قلت فإضافة اسم الفاعل اضافة غير حقيقة فلا تكون معطية معنى التعريف فكيف ساغ وقوعه صفة للمعرفة قلت إنما تكون غير حقيقية إذا أريد باسم الفاعل الحال أو الاستقبال فكان في تقدير الانفصال كقولك مالك الساعة أو غدا
فأما اذا قصد معنى الماضي كقولك هو مالك عبده أمس أو زمان مستمر كقولك زيد مالك العبيد كانت الاضافة حقيقية كقولك مولى العبيد وهذا هو المعنى في
) مالك يوم الدين ( ويجوز ان يكون المعنى ملك الأمور يوم الدين كقوله
) ونادى أصحاب الجنة ( الأعراف 44
) ونادى أصحاب الأعراف ( الأعراف 48 والدليل عليه قراءة أبي حنيفة ( مالك يوم الدين ) وهذه الأوصاف التى أجريت على الله سبحانه من كونه ربا مالكا للعالمين لا يخرج منهم شيء من ملكوته وربوبيته ومن كونه منعما بالنعم كلها الظاهرة والباطنة والجلائل والدقائق ومن كونه مالكا للأمر كله في العاقبة يوم الثواب والعقاب بعد الدلالة على اختصاص الحمد به وانه به حقيق في قوله الحمد لله دليل على أن من كانت هذه صفاته لم يكن أحد أحق منه بالحمد والثناء عليه بما هو اهله
إياك نعبد وإياك نستعين
الفاتحة : ( 5 ) إياك نعبد وإياك . . . . .
ايا ضمير منفصل للمنصوب واللواحق التي تلحقه من الكاف والهاء والياء في قولك إياك وإياه وإياي لبيان الخطاب والغيبة والتكلم ولا محل لها من الإعراب

" صفحة رقم 56 "
كما لا محل للكاف في أرأيتك وليست بأسماء مضمرة وهو مذهب الأخفش وعليه المحققون واما ما حكاه الخليل عن بعض العرب اذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب فشيء شاذ لا يعول عليه وتقديم المفعول لقصد الاختصاص كقوله تعالى
) قل أفغير الله تأمروني أعبد ( الزمر 64
) قل أغير الله أبغي ربا ( الأنعام 164
والمعنى نخصك بالعبادة ونخصك بطلب المعونة
وقرىء ( إياك ) بتخفيف الياء وإياك بفتح الهمزة والتشديد وهياك بقلب الهمزة هاء
قال طفيل الغنوي
( فهياك والأمر الذي إن تراحبت موارده ضاقت عليك مصادره )
والعبادة أقصى غاية الخضوع والتذلل
ومنه ثوب ذو عبدة اذا كان في غاية الصفاقة وقوة النسج ولذلك لم تستعمل الا في الخضوع لله تعالى لأنه مولى أعظم النعم فكان حقيقا بأقصى غاية الخضوع
فإن قلت لم عدل عن لفظ الغيبة إلى لفظ الخطاب قلت هذا يسمى الالتفات في علم البيان قد يكون من الغيبة إلى الخطاب ومن الخطاب إلى الغيبة ومن الغيبة إلى التكلم كقوله تعالى
) حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ( يونس 22 وقوله تعالى
) والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه ( فاطر 9
وقد التفت امرؤ القيس ثلاث التفاتات في ثلاثة أبيات
( تطاول ليلك بالأثمد
ونام الخلي ولم ترقد )
( وبات وباتت له ليلة
كليلة ذي العائر الأرمد )
( وذلك من نبإ جاءني وخبرته عن أبي الأسود )
وذلك على عادة افتنانهم في الكلام وتصرفهم فيه ولأن الكلام اذا نقل من أسلوب إلى أسلوب كان ذلك أحسن تطرية لنشاط السامع وايقاظا للإصغاء اليه من إجرائه على أسلوب واحد وقد تختص مواقعه بفوائد
ومما اختص به هذا الموضع انه لما ذكر الحقيق بالحمد وأجرى عليه تلك الصفات العظام تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن حقيق بالثناء وغاية الخضوع والاستعانة في المهمات فخوطب ذلك المعلوم المتميز بتلك

" صفحة رقم 57 "
الصفات فقيل إياك يا من هذه صفاته نخص بالعبادة والاستعانة لا نعبد غيرك ولا نستعينه ليكون الخطاب أدل على ان العبادة له لذلك التميز الذي لا تحق العبادة الا به
فإن قلت لم قرنت الاستعانة بالعبادة قلت ليجمع بين ما يتقرب به العباد إلى ربهم وبين ما يطلبونه ويحتاجون اليه من جهته
فإن قلت فلم قدمت العبادة على الاستعانة قلت لأن تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة ليستوجبوا الاجابة اليها
فإن قلت لم أطلقت الاستعانة قلت ليتناول كل مستعان فيه والأحسن ان تراد الاستعانة به وبتوفيقه على أداء العبادة ويكون قوله
) اهدنا (
بيانا للمطلوب من المعونة كأنه قيل كيف أعينكم فقالوا اهدنا الصراط المستقيم وإنما كان أحسن لتلاؤم الكلام وأخذ بعضه بحجزة بعض
وقرأ ابن حبيش ( نستعين ) بكسر النون
الفاتحة 6
الفاتحة : ( 6 ) اهدنا الصراط المستقيم
هدى أصله ان يتعدى باللام أو بإلى كقوله تعالى ) إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ( الاسراء 9 ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) الشورى 52 فعومل معاملة اختار في قوله تعالى
) واختار موسى قومه ( الأعراف 155
ومعنى طلب الهداية وهم مهتدون طلب زيادة الهدى بمنح الإلطاف كقوله تعالى
) والذين اهتدوا زادهم هدى ( محمد 17
) والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ( العنكبوت 69
وعن علي وأبي رضي الله عنهما اهدنا ثبتنا وصيغة الأمر والدعاء واحدة لأن كل واحد منهما طلب وإنما يتفاوتان في الرتبة وقرأ عبد الله أرشدنا
السراط الجادة من سرط الشيء اذا ابتلعه لأنه يسترط السابلة اذا سلكوه كما سمي لقما لأنه يلتقمهم
والصراط من قلب السين صادا لأجل الطاء كقوله

" صفحة رقم 58 "
( مصيطر ) في ( مسيطر ) وقد تشم الصاد صوت الزاي وقرىء بهن جميعا وفصاحهن اخلاص الصاد وهي لغة قريش وهي الثابتة في الإمام ويجمع سرطا نحو كتاب وكتب ويذكر ويؤنث كالطريق والسبيل والمراد طريق الحق وهو ملة الإسلام
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين
)
الفاتحة : ( 7 ) صراط الذين أنعمت . . . . .
صراط الذين أنعمت عليهم (
بدل من الصراط المستقيم وهو في حكم تكرير العامل كأنه قيل اهدنا الصراط المستقيم اهدنا صراط الذين انعمت عليهم كما قال
" الذين استضعفوا لمن ءامن منهم " الأعراف
فإن قلت ما فائدة البدل وهلا قيل اهدنا صراط الذين انعمت عليهم قلت فائدته التوكيد لما فيه من التثنية والتكرير والإشعار بأن الطريق المستقيم بيانه وتفسيره صراط المسلمين ليكون ذلك شهادة لصراط المسلمين بالاستقامة على أبلغ وجه وآكده كما تقول هل أدلك على أكرم الناس وأفضلهم فلان فيكون ذلك أبلغ في وصفه بالكرم والفضل من قولك هل أدلك على فلان الأكرم الأفضل لأنك ثنيت ذكره مجملا اولا ومفصلا ثانيا واوقعت فلانا تفسيرا وإيضاحا للأكرم الأفضل فجعلته علما في الكرم والفضل فكأنك قلت من أراد رجلا جامعا للخصلتين فعليه بفلان فهو المشخص المعين لاجتماعهما فيه غير مدافع ولا منازع
والذين انعمت عليهم هم المؤمنون وأطلق الإنعام ليشمل كل إنعام لأن من أنعم عليه بنعمة الاسلام لم تبق نعمة الا أصابته واشتملت عليه
وعن ابن عباس هم أصحاب موسى قبل ان يغيروا وقيل هم الأنبياء وقرأ ابن مسعود ( صراط من انعمت عليهم )
) غير المغضوب عليهم (
بدل من الذين أنعمت عليهم على معنى ان المنعم عليهم هم الذين سلموا من غضب الله والضلال أو صفة على معنى أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة وهي نعمة الايمان وبين السلامة من غضب الله والضلال
فإن قلت كيف صح ان يقع
) غير (
صفة للمعرفة وهو لا يتعرف وإن أضيف إلى المعارف قلت
) الذين أنعمت عليهم (
لا توقيت فيه كقوله

" صفحة رقم 59 "
( ولقد أمر على اللئيم يسبني )
ولأن المغضوب عليهم والضالين خلاف المنعم عليهم فليس في غير إذا الإبهام الذي يأبى عليه ان يتعرف وقرىء بالنصب على الحال وهي قراءة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعمر بن الخطاب ورويت عن ابن كثير وذو الحال الضمير في عليهم والعامل انعمت وقيل المغضوب عليهم هم اليهود لقوله عز وجل
) من لعنه الله وغضب عليه ( المائدة 60
والضالون هم النصارى لقوله تعالى
) قد ضلوا من قبل ( المائدة 77 فإن قلت ما معنى غضب الله قلت هو إرادة الانتقام من العصاة وإنزال العقوبة بهم وان يفعل بهم ما يفعله الملك اذا غضب على من تحت يده نعوذ بالله من غضبه ونسأله رضاه ورحمته
فإن قلت أي فرق بين
) عليهم ( الأولى و
) عليهم ( الثانية قلت الأولى محلها النصب على المفعولية والثانية محلها الرفع على الفاعلية
فإن قلت لم دخلت لا في
) ولا الضالين (
قلت لما في غير من معنى النفي كانه قيل لا المغضوب عليهم ولا الضالين
وتقول انا زيدا غير ضارب مع امتناع قولك انا زيدا مثل ضارب لانه بمنزلة قولك انا زيدا لا ضارب وعن عمر وعلي رضي الله عنهما أنهما قرآ وغير الضالين
وقرأ أيوب السختياني ( ولا الضألين ) بالهمزة كما قرأ عمرو بن عبيد ولا جأن وهذه لغة من جد في الهرب من التقاء

" صفحة رقم 60 "
الساكنين
ومنها ما حكاه أبو زيد من قولهم شأبة ودأبة
آمين صوت سمي به الفعل الذي هو استجب كما ان رويد وحيهل وهلم أصوات سميت بها الأفعال التي هي أمهل وأسرع وأقبل
وعن ابن عباس
4 سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن معنى آمين فقال ( افعل )
وفيه لغتان مد ألفه وقصرها
قال
( ويرحم الله عبدا قال آمينا )
وقال
( أمين فزاد الله ما بيننا بعدا
)
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
5 ( لقنني جبريل عليه السلام آمين عند فراغي من قراءة فاتحة الكتاب )
وقال إنه ( كالختم على الكتاب ) وليس من القرآن بدليل انه لم يثبت في المصاحف وعن الحسن لا يقولها الامام لأنه الداعي
وعن أبي حنيفة رحمه الله مثله والمشهور عنه

" صفحة رقم 61 "
وعن أصحابه أنه يخفيها
وروى الاخفاء عبد الله بن مغفل وأنس عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعند الشافعي يجهر بها
وعن وائل بن حجر
6 أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان اذا قرأ ولا الضالين قال آمين ورفع بها صوته
وعن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأبي بن كعب
7 ( ألا أخبرك بسورة لم ينزل في التوراة والإنجيل والقرآن مثلها قلت بلى يا رسول الله قال فاتحة الكتاب إنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي اوتيته )
5 114 وعن حذيفة بن اليمان ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال
8 ( إن القوم ليبعث الله عليهم العذاب حتما مقضيا فيقرأ صبي من صبيانهم في الكتاب
) الحمد لله رب العالمين ( فيسمعه الله تعالى فيرفع عنهم بذلك العذاب أربعين سنة )

" صفحة رقم 62 "
سورة البقرة

" صفحة رقم 63 "
سورة البقرة
مدنية وهي مائتان وست وثمانون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الم
)
البقرة : ( 1 ) الم
الم (
اعلم ان الالفاظ التي يتهجى بها أسماء مسمياتها الحروف المبسوطة التي منها ركبت الكلم فقولك ضاد اسم سمي به ضه من ضرب اذا تهجيته وكذلك را با أسمان لقولك ره به وقد روعيت في هذه التسمية لطيفة وهي ان المسميات لما كانت ألفاظا كأساميها وهي حروف وحدان والأسامي عدد حروفها مرتق إلى الثلاثة اتجه لهم طريق إلى أن يدلوا في التسمية على المسمى فلم يغفلوها وجعلوا المسمى صدر كل اسم منها كما ترى الا الألف فإنهم استعاروا الهمزة مكان مسماها لأنه لا يكون الا ساكنا
ومما يضاهيها في إيداع اللفظ دلالة على المعنى التهليل والحوقلة والحيعلة والبسملة وحكمها ما لم تلها العوامل ان تكون ساكنة الأعجاز موقوفة كأسماء الأعداد فيقال ألف لام ميم كما يقال واحد اثنان ثلاثة فإذا وليتها العوامل أدركها الإعراب
تقول هذه ألف وكتبت ألفا ونظرت إلى ألف وهكذا كل اسم عمدت إلى تأدية ذاته فحسب قبل ان يحدث فيه بدخول العوامل شيء من تأثيراتها فحقك ان تلفظ به موقوفا
ألا ترى أنك إذا أردت ان تلقى على الحاسب أجناسا مختلفة ليرفع حسبانها كيف تصنع وكيف تلقيها أغفالا من سمة الإعراب فتقول دار غلام جارية ثوب بساط
ولو أعربت ركبت شططا
فإن قلت لم قضيت لهذه الألفاظ بالاسمية وهلا زعمت انها حروف كما وقع في عبارات المتقدمين قلت قد استوضحت بالبرهان النير انها أسماء غير حروف فعلمت ان قولهم خليق بأن يصرف إلى التسامح وقد وجدناهم متسامحين في تسمية كثير من الأسماء التى لا يقدح إشكال في اسميتها كالظروف وغيرها بالحروف مستعملين الحرف في معنى الكلمة وذلك أن قولك ألف دلالته على أوسط حروف قال وقام دلالة فرس على الحيوان المخصوص لا فضل فيما يرجع إلى التسمية بين الدلالتين
ألا ترى ان الحرف ما دل

" صفحة رقم 64 "
على معنى في غيره وهذا كما ترى دال على معنى في نفسه ولأنها متصرف فيها بالإمالة كقولك با تا
وبالتفخيم كقولك يا ها وبالتعريف والتنكير والجمع والتصغير والوصف والإسناد والإضافة وجميع ما للأسماء المتصرفة
ثم إني عثرت من جانب الخليل على نص في ذلك
قال سيبويه قال الخليل يوما وسأل أصحابه كيف تقولون اذا أردتم أن تلفظوا بالكاف التي في لك والباء التي في ضرب فقيل نقول باء كاف فقال إنما جئتم بالاسم ولم تلفظوا بالحرف وقال أقول كه به وذكر أبو علي في كتاب الحجة في ( يس ) وإمالة يا أنهم قالوا يا زيد في النداء فأمالوا وإن كان حرفا قال فإذا كانوا قد امالوا ما لا يمال من الحروف من أجل الياء فلأن يميلوا الاسم الذي هو يس أجدر
ألا ترى ان هذه الحروف أسماء لما يلفظ بها فإن قلت من أي قبيل هي من الأسماء أمعربة أم مبنية قلت بل هي أسماء معربة وإنما سكنت سكون زيد وعمرو وغيرهما من الأسماء حيث لا يمسها اعراب لفقد مقتضيه وموجبه
والدليل على ان سكونها وقف وليس ببناء انها لو بنيت لحذى بها حذو كيف وأين وهؤلاء
ولم يقل ص ق ن مجموعا فيها بين الساكنين
فإن قلت فلم لفظ المتهجي بما آخره ألف منها مقصورا فلما اعرب مد فقال هذه باء وياء وهاء وذلك يخيل ان وزانها وزان قولك لا مقصورة فإذا جعلتها اسما مددت فقلت كتبت لاء قلت هذا التخيل يضمحل بما لخصته من الدليل والسبب في ان قصرت متهجاة ومدت حين مسها الإعراب ان حال التهجي خليقة بالأخف الأوجز واستعمالها فيه أكثر
فإن قلت قد تبين أنها أسماء لحروف المعجم وانها من قبيل المعربة وان سكون أعجازها عند الهجاء لأجل الوقف فما وجه وقوعها على هذه الصورة فواتح للسور قلت فيه اوجه أحدها وعليه اطباق الأكثر أنها أسماء السور
وقد ترجم صاحب الكتاب الباب الذي كسره على ذكرها في حد ما لا ينصرف

" صفحة رقم 65 "
ب باب أسماء السور وهي في ذلك على ضربين أحدهما ما لا يتأتى فيه إعراب نحو كهيعص والمر
والثاني ما يتأتى فيه الإعراب وهو أما ان يكون اسما فردا كص وق ون أو أسماء عدة مجموعها على زنة مفرد ك حم وطس ويس فإنها موازنة لقابيل وهابيل وكذلك طسم يتأتى فيها ان تفتح نونها وتصير ميم مضمومة إلى طس فيجعلا اسما واحد كدارا بحرد فالنوع الأول محكى ليس الا واما النوع الثاني فسائغ فيه الأمران الإعراب والحكاية قال قاتل محمد بن طلحة السجاد وهو شريح بن اوفى العبسي
يذكرني حاميم والرمح شاجر
فهلا تلا حاميم قبل التقدم
فأعرب حاميم ومنعها الصرف وهكذا كل ما أعرب من اخواتها لاجتماع سببي منع الصرف فيها وهما العلمية والتأنيث
والحكاية ان تجىء بالقول بعد نقله على استبقاء صورته الاولى
كقولك دعني من تمرتان وبدأت بالحمد لله وقرأت
) سورة أنزلناها ( النور 1 قال
وجدنا في كتاب بني تميم
أحق الخيل بالركض المعار
وقال ذو الرمة
سمعت الناس ينتجعون غيثا
فقلت لصيدح انتجعي بلالا
وقال آخر
تنادوا بالرحيل غدا
وفي ترحالهم نفسي

" صفحة رقم 66 "
وروى منصوبا ومجرورا
ويقول اهل الحجاز في استعلام من يقول رأيت زيدا من زيدا وقال سيبويه سمعت من العرب لا من أين يا فتى
فإن قلت فما وجه قراءة من قرأ ص وق ون مفتوحات قلت الأوجه ان يقال ذاك نصب وليس بفتح وإنما لم يصحبه التنوين لامتناع الصرف على ما ذكرت
وانتصابها بفعل مضمر
نحو أذكر وقد أجاز سيبويه مثل ذلك في حم وطس ويس لو قرىء به
وحكى أبو سعيد السيرافي ان بعضهم قرأ يس
ويجوز ان يقال حركت لالتقاء الساكنين كما قرأ من قرأ ( ولا الضالين )
فإن قلت هلا زعمت انها مقسم بها وأنها نصبت قولهم نعم الله لأفعلن وآي الله لأفعلن على حذف حرف الجر وإعمال فعل القسم وقال ذو الرمة

" صفحة رقم 67 "
ألا رب من قلبي له الله ناصح
وقال آخر
فذاك أمانة الله الثريد
قلت ان القرآن والقلم بعد هذه الفواتح محلوف بهما فلو زعمت ذلك لجمعت بين قسمين على مقسم واحد وقد استكرهوا ذلك
قال الخليل في قوله عز وجل
) والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى ( الليل 1 - 3 الواوان الأخريان ليستا لمنزلة الأولى ولكنهما الواوان اللتان تضمان الأسماء إلى الأسماء في قولك مررت بزيد وعمرو والأولى بمنزلة الباء والتاء قال سيبويه قلت للخليل فلم لا تكون الأخريان بمنزلة الأولى فقال إنما أقسم بهذه الأشياء على شيء ولو كان انقضى قسمه بالأول على شيء لجاز ان يستعمل كلاما آخر فيكون كقولك بالله لأفعلن بالله لأخرجن اليوم ولا يقوى ان تقول وحقك وحق زيد لأفعلن والواو الأخيرة واو قسم لا يجوز الا مستكرها قال وتقول وحياتي ثم حياتك لأفعلن فثم ههنا بمنزلة الواو
هذا ولا سبيل فيما نحن بصدده إلى ان تجعل الواو للعطف لمخالفة الثاني الأول في الاعراب
فإن قلت فقدرها مجرورة بإضمار الباء القسمية لا بحذفها فقد جاء عنهم الله لأفعلن مجرورا ونظيره قولهم لاه أبوك غير انها فتحت في موضع الجر لكونها غير مصروفة واجعل الواو للعطف حتى يستتب لك المصير إلى نحو ما أشرت اليه
قلت هذا لا يبعد عن الصواب ويعضده ما رووا عن ابن عباس رضي الله عنه انه قال أقسم الله بهذه الحروف
فإن قلت فما وجه قراءة بعضهم ص وق بالكسر قلت وجهها ما ذكرت من التحريك لالتقاء الساكنين والذي يبسط من عذر المحرك ان الوقف لما استمر بهذه الأسامي شاكلت لذلك ما اجتمع في آخره ساكنان من المبينات فعوملت تارة معاملة

" صفحة رقم 68 "
الآن وأخرى معاملة هؤلاء
فإن قلت هل تسوغ لي في المحكية مثل ما سوغت لي في المعربة من إرادة معنى القسم قلت لا عليك في ذلك وان تقدر حرف القسم مضمرا في نحو قوله عز وجل
) حم والكتاب المبين ( الدخان 2 كانه قيل أقسم بهذه السورة وبالكتاب المبين إنا جعلناه
واما قوله ( صلى الله عليه وسلم )
9 ( حم لا يبصرون فيصلح ان يقضى له بالجر والنصب جميعا على حذف الجار وإضماره
فإن قلت فما معنى تسمية السور بهذه الألفاظ خاصة قلت كأن المعنى في ذلك الاشعار بأن الفرقان ليس الا كلما عربية معروفة التركيب من مسميات هذه الألفاظ كما قال عز من قائل
) قرآنا عربيا ( يوسف 2
فإن قلت فما بالها مكتوبة في المصحف على صور الحروف أنفسها لا على صور أساميها قلت لأن الكلم لما كانت مركبة من ذوات الحروف واستمرت العادة متى تهجيت ومتى قيل للكاتب اكتب كيت وكيت ان يلفظ بالأسماء وتقع في الكتابة الحروف انفسها عمل على تلك الشاكلة المألوفة في كتابة هذه الفواتح
وأيضا فإن شهرة امرها وإقامة السن الأسود والأحمر لها وان اللافظ بها غير متهجاة لا يحلى بطائل منها وأن بعضها مفرد لا

" صفحة رقم 69 "
يخطر ببال غير ما هو عليه من مورده امنت وقوع اللبس فيها وقد اتفقت في خط المصحف أشياء خارجة عن القياسات التى بني عليها علم الخط والهجاء ثم ما عاد ذلك بضير ولا نقصان لاستقامة اللفظ وبقاء الحفظ وكان اتباع خط المصحف سنة لا تخالف
قال عبد الله بن درستويه في كتابه المترجم بكتاب الكتاب المتمم في الخط والهجاء خطان لا يقاسان خط المصحف لأنه سنة وخط العروض لأنه يثبت فيه ما اثبته اللفظ ويسقط عنه ما أسقطه
الوجه الثاني أن يكون ورود هذه الاسماء هكذا مسرودة على نمط التعديد كالإيقاظ وقرع العصا لمن تحدى بالقرآن وبغرابة نظمه وكالتحريك للنظر في ان هذا المتلو عليهم وقد عجزوا عنه عن آخرهم كلام منظوم من عين ما ينظمون منه كلامهم ليؤديهم النظر إلى ان يستيقنوا أن لم تتساقط مقدرتهم دونه ولم تظهر معجزتهم عن ان يأتوا بمثله بعد المراجعات المتطاولة وهم امراء الكلام وزعماء الحوار وهم الحراص على التساجل في اقتضاب الخطب والمتهالكون على الافتتان في القصيد والرجز ولم يبلغ من الجزالة وحسن النظم المبالغ التى بزت بلاغة كل ناطق وشقت غبار كل سابق ولم يتجاوز الحد الخارج من قوى الفصحاء ولم يقع وراء مطامح اعين البصراء الا لأنه ليس بكلام البشر وانه كلام خالق القوى والقدر
وهذا القول من القوة والخلافة بالقبول بمنزل ولناصره على الأول ان يقول إن القرآن إنما نزل بلسان العرب مصبوبا في اساليبهم واستعمالاتهم والعرب لم تتجاوز ما سموا به مجموع اسمين ولم يسم أحد منهم بمجموع ثلاثة أسماء وأربعة وخمسة والقول بأنها أسماء السور حقيقة يخرج إلى ما ليس في لغة العرب ويؤدي أيضا إلى صيرورة الاسم والمسمى واحدا
فإن اعترضت عليه بأنه قول مقول على وجه الدهر وانه لا سبيل إلى رده أجابك بأن له محملا سوى ما يذهب اليه وانه نظير قول الناس فلان يروي قفا نبك وعفت الديار
ويقول الرجل لصاحبه ما قرأت فيقول
) الحمد لله ( و
) براءة من الله ورسوله ( التوبة 1

" صفحة رقم 70 "
) يوصيكم الله في أولادكم ( النساء 11 و
) الله نور السماوات والأرض ( النور 35
وليست هذه الجمل بأسامي هذه القصائد وهذه السور والآي وإنما تعني رواية القصيدة التى ذاك استهلالها وتلاوة السورة أو الآية التى تلك فاتحتها
فلما جرى الكلام على أسلوب من يقصد التسمية واستفيد منها ما يستفاد من التسمية قالوا ذلك على سبيل المجاز دون الحقيقة
وللمجيب عن الاعتراضين على الوجه الأول ان يقول التسمية بثلاثة أسماء فصاعدا مستنكرة لعمري وخروج عن كلام العرب ولكن اذا جعلت اسما واحدا على طريقة حضرموت فأما غير مركبة منثورة نثر أسماء العدد فلا استنكار فيها لأنها من باب التسمية بما حقه ان يحكى حكاية كما سموا بتأبط شرا وبرق نحره وشاب قرناها
وكما لو سمى بزيد منطلق أو بيت شعر
وناهيك بتسوية سيبويه بين التسمية بالجملة والبيت من الشعر وبين التسمية بطائفة من أسماء حروف المعجم دلالة قاطعة على صحة ذلك
وأما تسمية السورة كلها بفاتحتها فليست بتصيير الإسم والمسمى واحدا لأنها تسمية مؤلف بمفرده والمؤلف غير المفرد
ألا ترى انهم جعلوا اسم الحرف مؤلفا منه ومن حرفين مضمومين اليه كقولهم صاد فلم يكن من جعل الإسم والمسمى واحدا حيث كان الإسم مؤلفا والمسمى مفردا
الوجه الثالث أن ترد السور مصدرة بذلك ليكون اول ما يقرع الأسماع مستقلا بوجه من الإعراب وتقدمه من دلائل الإعجاز
وذلك ان النطق بالحروف أنفسها كانت العرب فيه مستوية الأقدام الأميون منهم وأهل الكتاب بخلاف النطق بأسامي الحروف
فإنه كان مختصا بمن خط وقرأ وخالط أهل الكتاب وتعلم منهم وكان مستغربا مستبعدا من الأمي التكلم بها استبعاد الخط والتلاوة كما قال عز وجل
) وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون ( العنكبوت 48
فكان حكم النطق بذلك مع اشتهار انه لم يكن ممن اقتبس شيئا من اهله حكم الأقاصيص المذكورة في القرآن التى لم تكن قريش ومن دان بدينها في شيء من الإحاطة بها في ان ذلك حاصل له من جهة الوحي وشاهد بصحة نبوته وبمنزلة ان يتكلم بالرطانة من غير ان يسمعها من أحد
واعلم أنك اذا تأملت ما اورده الله عز سلطانه في الفواتح من هذه الأسماء وجدتها نصف أسامي حروف المعجم أربعة عشر

" صفحة رقم 71 "
سواء وهي الألف واللام والميم والصاد والراء والكاف والهاء والياء والعين والطاء والسين والحاء والقاف والنون في تسع وعشرين سورة على عدد حروف المعجم
ثم اذا نظرت في هذه الأربعة عشر وجدتها مشتملة على انصاف أجناس الحروف بيان ذلك أن فيها من المهموسة نصفها الصاد والكاف والهاء والسين والحاء
ومن المجهورة نصفها الألف واللام والميم والراء والعين والطاء والقاف والياء والنون
ومن الشديدة نصفها الألف والكاف والطاء والقاف
ومن الرخوة نصفها اللام والميم والراء والصاد والهاء والعين والسين والحاء والياء والنون
ومن المطبقة نصفها الصاد والطاء
ومن المنفتحة نصفها الألف واللام والميم والراء والكاف والهاء والعين والسين والحاء والقاف والياء والنون
ومن المستعلية نصفها القاف والصاد والطاء
ومن المنخفضة نصفها الألف واللام والميم والراء والكاف والهاء والياء والعين والسين والحاء والنون
ومن حروف القلقلة نصفها القاف والطاء
ثم اذا استقريت الكلم وتراكيبها رأيت الحروف التى ألغي الله ذكرها من هذه الأجناس المعدودة مكثورة بالمذكورة منها

" صفحة رقم 72 "
فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته
وقد علمت ان معظم الشيء وجله ينزل منزلة كله وهو المطابق للطائف التنزيل واختصاراته فكان الله عز اسمه عدد على العرب الألفاظ التى منها تراكيب كلامهم إشارة إلى ما ذكرت من التبكيت لهم وإلزام الحجة إياهم
ومما يدل على أنه تغمد بالذكر من حروف المعجم اكثرها وقوعا في تراكيب الكلم ان الألف واللام لما تكاثر وقوعهما فيها جاءتا في معظم هذه الفواتح مكررتين
وهي فواتح سورة البقرة وآل عمران والروم والعنكبوت ولقمان والسجدة والأعراف والرعد ويونس وابراهيم وهود ويوسف والحجر
فإن قلت فهلا عددت بأجمعها في اول القرآن وما لها جاءت مفرقة على السور قلت لأن اعادة التنبيه على ان المتحدى به مؤلف منها لا غير وتجديده في غير موضع واحد اوصل إلى الغرض وأقر له في الأسماع والقلوب من ان يفرد ذكره مرة وكذلك مذهب كل تكرير جاء في القرآن فمطلوب به تمكين المكرر في النفوس وتقريره
فإن قلت فهلا جاءت على وتيرة واحدة ولم اختلفت اعداد حروفها فوردت ص وق ون على حرف وطه وطس ويس وحم على حرفين والم والر وطسم على ثلاثة احرف والمص والمر على اربعة احرف وكهيعص وحم عسق على خمسة احرف قلت هذا على إعادة افتنانهم في أساليب الكلام وتصرفهم فيه على طرق شتى ومذاهب متنوعة
وكما ان أبنية كلماتهم على حرف وحرفين إلى خمسة احرف لم تتجاوز ذلك سلك بهذه الفواتح ذلك المسلك
فإن قلت فما وجه اختصاص كل سورة بالفاتحة التي اختصت بها قلت اذا كان الغرض هو التنبيه والمبادىء كلها في تأدية هذا الغرض سواء لا مفاضلة كان تطلب وجه الاختصاص ساقطا كما اذا سمى الرجل بعض اولاده زيدا والآخر عمرا لم

" صفحة رقم 73 "
يقل له لم خصصت ولدك هذا بزيد وذاك بعمرو لأن الغرض هو التمييز وهو حاصل أية سلك ولذلك لا يقال لم سمي هذا الجنس بالرجل وذاك بالفرس ولم قيل للاعتماد الضرب وللانتصاب القيام ولنقيضه القعود فإن قلت ما بالهم عدوا بعض هذه الفواتح آية دون بعض قلت هذا علم توقيفي لا مجال للقياس فيه كمعرفة السور
أما الم فآية حيث وقعت من السور المفتتحة بها وهي ست وكذلك المص آية والمر لم تعد آية والر ليست بآية في سورها الخمس وطسم آية في سورتيها وطه ويس آيتان وطس ليست بآية وحم آية في سورها كلها وحم عسق آيتان وكهيعص آية واحدة وص وق ون ثلاثتها لم تعد آية
هذا مذهب الكوفيين ومن عداهم لم يعدوا شيئا منها آية
فإن قلت فكيف عد ما هو في حكم كلمة واحدة آية قلت كما عد الرحمن وحده ومدهامتان وحدها آيتين على طريق التوقيف
فإن قلت ما حكمها في باب الوقف قلت يوقف على جميعها وقف التمام اذا حملت على معنى مستقل غير محتاج إلى ما بعده وذلك اذا لم تجعل أسماء للسور ونعق بها كما ينعق بالأصوات أو جعلت وحدها اخبار ابتداء محذوف كقوله عز قائلا ( الم الله ) أي هذه الم ثم ابتدأ فقال
) الله لا إله إلا هو ( آل عمران 1 - 2
فإن قلت هل لهذه الفواتح محل من الاعراب قلت نعم لها محل فيمن جعلها أسماء للسور لأنها عنده كسائر الأسماء الأعلام فإن قلت ما محلها قلت يحتمل الأوجه الثلاثة أما الرفع فعلى الابتداء وأما النصب والجر فلما مر من صحة القسم بها وكونها بمنزلة الله والله على اللغتين ومن لم يجعلها أسماء للسور لم يتصور أن يكون لها محل في مذهبه كما لا محل للجمل المبتدأ وللمفردات المعددة ذالك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين
البقرة : ( 2 ) ذلك الكتاب لا . . . . .
فإن قلت لم صحت الاشارة بذلك إلى ما ليس ببعيد قلت وقعت الإشارة

" صفحة رقم 74 "
إلى الم بعد ما سبق التكلم به وتقضى والمقضى في حكم المتباعد وهذا في كل كلام
يحدث الرجل بحديث ثم يقول وذلك ما لا شك فيه
ويحسب الحاسب ثم يقول فذلك كذا وكذا
وقال الله تعالى
) لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك ( البقرة 68 وقال
) ذلكما مما علمني ربي ( يوسف ولأنه لما وصل من المرسل إلى المرسل اليه وقع في حد البعد كما تقول لصاحبك وقد أعطيته شيئا احتفظ بذلك
وقيل معناه ذلك الكتاب الذي وعدوا به
فإن قلت لم ذكر اسم الإشارة والمشار اليه مؤنث وهو السورة قلت لا اخلو من ان أجعل الكتاب خبره أو صفته
فإن جعلته خبره كان ذلك في معناه ومسماه مسماه فجاز اجراء حكمه عليه في التذكير كما اجرى عليه في التأنيث في قولهم من كانت أمك
وإن جعلته صفته فإنما أشير به إلى الكتاب صريحا لأن اسم الاشارة مشار به إلى الجنس الواقع صفة له
تقول هند ذلك الإنسان أو ذلك الشخص فعل كذا
وقال الذبياني
نبئت نعمى على الهجران عاتبة
سقيا ورعيا لذاك العاتب الزاري
فإن قلت أخبرني عن تأليف
) ذلك الكتاب ( مع
) الم ( قلت إن جعلت
) الم ( اسما للسورة ففي التأليف وجوه ان يكون
) الم ( مبتدأ و
) ذلك (
مبتدا ثانيا و
) الكتاب ( خبره والجملة خبر المبتدأ الأول
ومعناه ان ذلك الكتاب هو الكتاب الكامل كأن ما عداه من الكتب في مقابلته ناقص وأنه الذي يستأهل أن يسمى كتابا كما تقول هو الرجل أي الكامل في الرجولية الجامع لما يكون في الرجال من مرضيات الخصال
وكما قال
هم القوم كل القوم يا أم خالد

" صفحة رقم 75 "
وأن يكون الكتاب صفة
ومعناه هو ذلك الكتاب الموعود وان يكون
) الم (
خبر مبتدأ محذوف أي هذه الم ويكون ذلك خبرا ثانيا أو بدلا على ان الكتاب صفة وان يكون هذه الم جملة وذلك الكتاب جملة اخرى
وإن جعلت الم بمنزلة الصوت كان ذلك مبتدأ خبره الكتاب أي ذلك الكتاب المنزل هو الكتاب الكامل
أو الكتاب صفة والخبر ما بعده أو قدر مبتدأ محذوف أي هو يعني المؤلف من هذه الحروف ذلك الكتاب
وقرأ عبد الله ( الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه )
وتأليف هذا ظاهر
والريب مصدر رابني اذا حصل فيك الريبة وحقيقة الريبة قلق النفس واضطرابها ومنه ما روى الحسن بن علي قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول
10 ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الشك ريبة وإن الصدق طمأنينة )
أي فإن كون الأمر مشكوكا فيه مما تقلق له النفس ولا تستقر
وكونه صحيحا صادقا مما تطمئن له وتسكن
ومنه ريب الزمان وهو ما يقلق النفوس ويشخص بالقلوب من نوائبه
ومنه
11 أنه مر بظبي حاقف فقال ( لا يربه أحد بشيء )
فإن قلت كيف نفى الريب على سبيل الاستغراق وكم من مرتاب فيه قلت ما نفي ان أحد لا يرتاب فيه وإنما المنفى كونه متعلقا للريب ومظنة له لأنه من وضوح الدلالة وسطوع البرهان بحيث لا ينبغي لمرتاب أن يقع فيه
ألا ترى إلى قوله تعالى
) وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ( البقرة 23 فما أبعد وجود الريب منهم وإنما عرفهم الطريق إلى مزيل الريب وهو ان يحزروا انفسهم ويروزوا قواهم في البلاغة هل

" صفحة رقم 76 "
تتم للمعارضة أم تتضاءل دونها فيتحققوا عند عجزهم ان ليس فيه مجال للشبهة ولا مدخل للريبة
فإن قلت فهلا قدم الظرف على الريب كما قدم على الغول في قوله تعالى
) لا فيها غول ( الصافات 47 قلت لأن القصد في ايلاء الريب حرف النفي نفي الريب عنه وإثبات انه حق وصدق لا باطل وكذب كما كان المشركون يدعونه ولو أولى الظرف لقصد إلى ما يبعد عن المراد وهو ان كتابا آخر فيه الريب فيه كما قصد في قوله
) لا فيها غول ( تفضيل خمر الجنة على خمور الدنيا بأنها لا تغتال العقول كما تغتالها هي كأنه قيل ليس فيها ما في غيرها من هذا العيب والنقيصة وقرأ أبو الشعثاء
) لا ريب فيه ( بالرفع والفرق بينها وبين المشهورة ان المشهورة توجب الاستغراق وهذه تجوزه
والوقف على
) فيه ( هو المشهور
وعن نافع وعاصم انهما وقفا على
( لا ريب ) ولا بد للواقف من ان ينوي خبرا
ونظيره قوله تعالى
) قالوا لا ضير ( الشعراء 50 وقول العرب لا بأس وهي كثيرة في لسان أهل الحجاز والتقدير
) لا ريب فيه (
) فيه هدى (
الهدى مصدر على فعل كالسرى والبكى وهو الدلالة الموصلة إلى البغية بدليل وقوع الضلالة في مقابلته
قال الله تعالى
) أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ( البقرة 24
وقال تعالى
) لعلى هدى أو في ضلال مبين ( سبأ 24 ويقال مهدي في موضع المدح كمهتد ولأن اهتدى مطاوع هدى ولن يكون المطاوع في خلاف معنى أصله ألا ترى إلى نحو غمة فاغتم وكسره فانكسر وأشباه ذلك فإن قلت فلم قيل
) هدى للمتقين (
والمتقون مهتدون قلت هو كقولك للعزيز المكرم أعزك الله واكرمك تريد طلب الزيادة إلى ما هو ثابت فيه واستدامته

" صفحة رقم 77 "
كقوله
) اهدنا الصراط المستقيم ( ووجه آخر وهو أنه سماهم عند مشارفتهم لإكتساء لباس التقوى متقين كقول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
12 ( من قتل قتيلا فله سلبه )
وعن إبن عباس
13 ( اذا أراد أحدكم الحج فليعجل فإنه يمرض المريض وتضل الضالة وتكون الحاجة )
فسمى المشارف للقتل والمرض والضلال قتيلا ومريضا وضالا
ومنه قوله تعالى
) ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ( نوح 27 أي صائرا إلى الفجور والكفر
فإن قلت فهلا قيل هدى للضالين قلت لأن الضالين فريقان فريق علم بقاؤهم على الضلالة وهم المطبوع على قلوبهم وفريق علم ان مصيرهم إلى الهدى فلا يكون هدى للفريق الباقين على الضلالة فبقى ان يكون هدى لهؤلاء فلو جيء بالعبارة المفصحة عن ذلك لقيل هدى للصائرين إلى الهدى بعد الضلال فاختصر الكلام باجرائه على الطريقة التى ذكرنا فقيل هدى للمتقين
وأيضا فقد جعل ذلك سلما إلى تصدير السورة التي هي اولى الزهراوين وسنام القرآن وأول المثاني بذكر اولياء الله والمرتضين من عباده
والمتقي في اللغة إسم فاعل من قولهم وقاه فاتقى
والوقاية فرط الصيانة ومنه فرس واق وهذه الدابة تقي من وجاها اذا أصابه ضلع من غلظ الأرض ورقة الحافر فهو يقي حافره ان يصيبه أدنى شيء يؤلمه
وهو في الشريعة الذي يقي نفسه تعاطي ما يستحق به العقوبة من فعل أو ترك
واختلف في الصغائر وقيل الصحيح أنه

" صفحة رقم 78 "
لا يتناولها لأنها تقع مكفرة عن مجتنب الكبائر
وقيل يطلق على الرجل اسم المؤمن لظاهر الحال والمتقي لا يطلق الا عن خبرة كما لا يجوز اطلاق العدل الا على المختبر
ومحل
) هدى للمتقين (
الرفع لأنه خبر مبتدأ محذوف أو خبر مع
) لا ريب فيه ( لذلك أو مبتدأ اذا جعل الظرف المقدم خبرا عنه
ويجوز أن ينصب على الحال والعامل فيه معنى الإشارة أو الظرف
والذي هو أرسخ عرقا في البلاغة أن يضرب عن هذه المحال صفحا
وان يقال إن قوله
) الم (
جملة برأسها أو طائفة من حروف المعجم مستقلة بنفسها
و
) ذلك الكتاب ( جملة ثانية
و
) لا ريب فيه ( ثالثة
و
) هدى للمتقين ( رابعة
وقد أصيب بترتيبها مفصل البلاغة وموجب حسن النظم حيث جيء بها متناسقة هكذا من غير حرف نسق وذلك لمجيئها متآخية آخذا بعضها بعنق بعض
فالثانية متحدة بالأولى معتنقة لها وهلم جرا إلى الثالثة والرابعة
بيان ذلك أنه نبه أولا على أنه الكلام المتحدى به ثم أشير إليه بأنه الكتاب المنعوت بغاية الكمال
فكان تقريرا لجهة التحدي وشدا من أعضاده ثم نفى عنه أن يتشبث به طرف من الريب فكان شهادة وتسجيلا بكماله لأنه لا كمال أكمل مما للحق واليقين ولا نقص أنقص مما للباطل والشبهة
وقيل لبعض العلماء فيم لذتك فقال في حجة تتبختر اتضاحا وفي شبهة تتضاءل افتضاحا
ثم اخبر عنه بأنه هدى للمتقين فقرر بذلك كونه يقينا لا يحوم الشك حوله وحقا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
ثم لم تخل كل واحدة من الأربع بعد ان رتبت هذا الترتيب الأنيق ونظمت هذا النظم السري من نكتة ذات جزالة
ففي الأولى الحذف والرمز إلى الغرض بألطف وجه وأرشقه
وفي الثانية ما في التعريف من الفخامة
وفي الثالثة ما في تقديم الريب على الظرف
وفي الرابعة الحذف
ووضع المصدر الذي هو
) هدى (
موضع الوصف الذي هو هاد وايراده منكرا والايجاز في ذكر المتقين
زادنا الله إطلاعا على أسرار كلامه وتبيينا لنكت تنزيله وتوفيقا للعمل بما فيه

" صفحة رقم 79 "
الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلواة ومما رزقناهم ينفقون 3
)
البقرة : ( 3 ) الذين يؤمنون بالغيب . . . . .
الذين يؤمنون (
إما موصول بالمتقين على أنه صفة مجرورة أو مدح منصوب أو مرفوع بتقدير أعني الذين يؤمنون أو هم الذين يؤمنون
وإما مقتطع عن المتقين مرفوع على الابتداء مخبر عنه ب ( أولئك على هدى )
فإذا كان موصولا كان الوقف على المتقين حسنا غير تام
وإذا كان مقتطعا كان وقفا تاما
فإن قلت ما هذه الصفة أواردة بيانا وكشفا للمتقين أم مسرودة مع المتقين تفيد غير فائدتها أم جاءت على سبيل المدح والثناء كصفات الله الجارية عليه تمجيدا قلت يحتمل ان ترد على طريق البيان والكشف لإشتمالها على ما أسست عليه حال المتقين من فعل الحسنات وترك السيئات
أما الفعل فقد انطوى تحت ذكر الإيمان الذي هو أساس الحسنات ومنصبها وذكر الصلاة والصدقة لأن هاتين اما العبادات البدنية والمالية وهما العيار على غيرهما
ألم تر كيف سمى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
14 ( الصلاة عماد الدين )
وجعل الفاصل بين الإسلام والكفر
15 ترك الصلاة
370
16 وسمى الزكاة قنطرة الاسلام
وقال الله تعالى
) وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة ( فصلت 6 - 7 فلما كانتا بهذه المثابة كان من شأنهما استجرار سائر

" صفحة رقم 80 "
العبادات واستتباعها
ومن ثم اختصر الكلام اختصارا بأن استغنى عن عد الطاعات بذكر ما هو كالعنوان لها والذي اذا وجد لم تتوقف أخواته ان تقترن به مع ما في ذلك من الإفصاح عن فضل هاتين العبادتين
واما الترك فكذلك
ألا ترى إلى قوله تعالى
) إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ( العنكبوت 45 ويحتمل ان لا تكون بيانا للمتقين وتكون صفة برأسها دالة على فعل الطاعات ويراد بالمتقين الذين يجتنبون المعاصي
ويحتمل أن تكون مدحا للموصوفين بالتقوى وتخصيصا للإيمان بالغيب وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة بالذكر إظهارا لإنافتها عن سائر ما يدخل تحت حقيقة هذا الاسم من الحسنات
والايمان إفعال من الأمن يقال امنته وآمنته غيري
ثم يقال آمنه اذا صدقه وحقيقته آمنه التكذيب والمخالفة
واما تعديته بالباء فلتضمينه معنى أقر وأعترف
واما ما حكى أبو زيد عن العرب ما آمنت ان أجد صحابة اي ما وثقت فحقيقته صرت ذا أمن به أي ذا سكون وطمأنينة وكلا الوجهين حسن في
) يؤمنون بالغيب ( أي يعترفون به أو يثقون بانه حق
ويجوز ان لا يكون
) بالغيب ( صلة للإيمان وان يكون في موضع الحال أي يؤمنون غائبين عن المؤمن به وحقيقته ملتبسين بالغيب كقوله
) الذين يخشون ربهم بالغيب ( فاطر 18
) ليعلم أني لم أخنه بالغيب ( يوسف 52
ويعضده ما روى أن أصحاب عبد الله ذكروا أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وإيمانهم فقال ابن مسعود ان أمر محمد كان بينا لمن رآه والذي لا اله غيره ما آمن مؤمن أفضل من ايمان بغيب ثم قرأ هذه الآية
فإن قلت فما المراد بالغيب ان جعلته صلة وان جعلته حالا قلت ان جعلته صلة كان بمعنى الغائب إما تسمية بالمصدر من قولك
غاب الشيء غيبا كما سمى الشاهد بالشهادة
قال الله تعالى
) عالم الغيب والشهادة ( الزمر 46
والعرب تسمى المطمئن من الأرض غيبا وعن النضر بن شميل شربت الإبل حتى وارت غيوب كلاها
يريد بالغيب الخمصة التى تكون في موضع الكلية اذا بطنت الدابة انتفخت وإما ان يكون فيعلا فخفف كما قيل وأصله قيل والمراد به الخفي الذي لا ينفذ فيه ابتداء الا علم اللطيف الخبير وإنما نعلم منه نحن ما اعلمناه أو نصب لنا دليلا عليه ولهذا لا يجوز أن يطلق فيقال فلان يعلم الغيب وذلك نحو الصانع وصفاته والنبوات وما يتعلق بها والبعث والنشور والحساب والوعد والوعيد وغير ذلك
وإن جعلته حالا كان بمعنى الغيبة والخفاء
فإن قلت

" صفحة رقم 81 "
ما الايمان الصحيح قلت أن يعتقد الحق ويعرب عنه بلسانه ويصدقه بعمله
فمن أخل بالاعتقاد وإن شهد وعمل فهو منافق ومن اخل بالشهادة فهو كافر ومن أخل بالعمل فهو فاسق
ومعنى اقامة الصلاة تعديل أركانها وحفظها من ان يقع زيغ في فرائضها وسننها وآدابها من اقام العود إذا قومه أو الدوام عليها والمحافظة عليها كما قال عز وعلا
) الذين هم على صلاتهم دائمون ( المعارج
) والذين هم على صلواتهم يحافظون ( المؤمنون 9 من قامت السوق اذا نفقت وأقامها قال
أقامت غزالة سوق الضراب
لأهل العراقين حولا قميطا
لأنها اذا حوفظ عليها كانت كالشيء النافق الذي تتوجه اليه الرغبات ويتنافس فيه المحصلون
واذا عطلت وأضيعت كانت كالشيء الكاسد الذي لا يرغب فيه
أو التجلد والتشمر لأدائها وان لا يكون في مؤديها فتور عنها ولا توان من قولهم قام بالأمر وقامت الحرب على ساقها وفي ضده قعد عن الأمر وتقاعد عنه اذا تقاعس وتثبط أو أداؤها فعبر عن الأداء بالإقامة لأن القيام بعض أركانها كما عبر عنه بالقنوت والقنوت القيام وبالركوع وبالسجود وقالوا سبح اذا صلى لوجود التسبيح فيها
) فلولا أنه كان من المسبحين ( الصافات 143

" صفحة رقم 82 "
والصلاة فعلة من صلى كالزكاة من زكى
وكتابتها بالواو على لفظ المفخم وحقيقة صلى حرك الصلوين لأن المصلي يفعل ذلك في ركوعه وسجوده
ونظيره كفر اليهودي اذا طأطأ رأسه وانحنى عند تعظيم صاحبه لأنه ينثني على الكاذتين وهما الكافرتان وقيل للداعي مصل تشبيها في تخشعه بالراكع والساجد
واسناد الرزق إلى نفسه للإعلام بأنهم ينفقون الحلال الطلق الذي يستأهل ان يضاف إلى الله ويسمى رزقا منه
وأدخل من التبعيضة صيانة لهم وكفا عن الإسراف والتبذير المنهى عنه وقدم مفعول الفعل دلالة على كونه أهم كأنه قال ويخصون بعض المال الحلال بالتصدق به
وجائز ان يراد به الزكاة المفروضة لاقترانه بأخت الزكاة وشقيقتها وهي الصلاة وان تراد هي وغيرها من النفقات في سبيل الخير لمجيئه مطلقا يصلح ان يتناول كل منفق
وانفق الشيء وأنفده اخوان
وعن يعقوب نفق الشيء ونفد واحد
وكل ما جاء مما فاؤه نون وعينه فاء فدال على معنى الخروج والذهاب ونحو ذلك اذا تأملت
والذين يؤمنون بمآ أنزل إليك ومآ أنزل من قبلك وبالأخرة هم يوقنون 4
البقرة : ( 4 ) والذين يؤمنون بما . . . . .
فإن قلت
) والذين يؤمنون (
أهم غير الأولين أم هم الأولون وإنما وسط العاطف كما يوسط بين الصفات في قولك هو الشجاع والجواد وفي قوله
( إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم )
وقوله
( يا لهف زيابة للحارث
الصابح فالغانم فالآيب )
قلت يحتمل ان يراد بهؤلاء مؤمنو اهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأضرابه من الذين آمنوا فاشتمل إيمانهم على كل وحي انزل من عند الله وأيقنوا بالآخرة إيقانا زال

" صفحة رقم 83 "
معه ما كانوا عليه من انه لا يدخل الجنة الا من كان هودا أو نصارى وان النار لن تمسهم الا أياما معدودات واجتماعهم على الاقرار بالنشأة الأخرى وإعادة الأرواح في الأجساد ثم افتراقهم فرقتين منهم من قال تجري حالهم في التلذذ بالمطاعم والمشارب والمناكح على حسب مجراها في الدنيا ودفعه آخرون فزعموا ان ذلك انما احتيج اليه في هذه الدار من أجل نماء الأجسام ولمكان التوالد والتناسل واهل الجنة مستغنون عنه فلا يتلذذون الا بالنسيم والأرواح العبقة والسماع اللذيذ والفرح والسرور واختلافهم في الدوام والانقطاع فيكون المعطوف غير المعطوف عليه
ويحتمل ان يراد وصف الأولين
ووسط العاطف على معنى أنهم الجامعون بين تلك الصفات وهذه
فإن قلت فإن أريد بهؤلاء غير أولئك فهل يدخلون في جملة المتقين أم لا
قلت ان عطفتهم على
) الذين يؤمنون بالغيب (
دخلوا وكانت صفة التقوى مشتملة على الزمرتين من مؤمني اهل الكتاب وغيرهم
وإن عطفتهم على
) المتقين ( لم يدخلوا
وكانه قيل هدى للمتقين وهدى للذين يؤمنون بما انزل اليك فإن قلت قوله
) بما أنزل إليك ( إن عنى به القرآن بأسره والشريعة عن آخرها فلم يكن ذلك منزلا وقت ايمانهم فكيف قيل أنزل بلفظ المضي وإن أريد المقدار الذي سبق إنزاله وقت ايمانهم فهو إيمان ببعض المنزل واشتمال الايمان على الجميع سالفة ومترقبة واجب
قلت المراد المنزل كله وانما عبر عنه بلفظ المضي وإن كان بعضه مترقبا تغليبا للموجود على ما لم يوجد كما يغلب المتكلم على المخاطب والمخاطب على الغائب فيقال أنا وأنت فعلنا وأنت وزيد تفعلان
ولأنه اذا كان بعضه نازلا وبعضه منتظر النزول جعل كأن كله قد نزل وانتهى نزوله ويدل عليه قوله تعالى
) إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى ( الأحقاف 30 ولم يسمعوا جميع الكتاب ولا كان كله منزلا ولكن سبيله سبيل ما ذكرنا
ونظيره قولك كل ما خطب به فلان فهو فصيح وما تكلم بشيء الا وهو نادر
ولا تريد بهذا الماضي منه فحسب دون الآتي لكونه معقودا بعضه ببعض ومربوطا آتيه بماضيه وقرا يزيد بن قطيب
) بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ( على لفظ ما سمى فاعله
وفي تقديم
) وبالآخرة ( وبناء
) يوقنون ( على
) هم (
تعريض بأهل الكتاب وبما كانوا عليه من اثبات أمر الآخرة على خلاف حقيقته وان قولهم ليس بصادر عن إيقان وان اليقين ما عليه من آمن بما انزل اليك وما انزل من قبلك
والإيقان اتقان العلم بانتفاء الشك والشبهة عنه
و
) وبالآخرة (
تأنيث الآخر الذي هو نقيض الأول وهي صفة الدار بدليل قوله
) تلك الدار الآخرة ( القصص 77 وهي من الصفات الغالبة وكذلك الدنيا
وعن نافع أنه خففها بأن حذف الهمزة وألقى حركتها على اللام كقوله
) دابة الأرض ( سبأ 14

" صفحة رقم 84 "
وقرأ أبو حية النميري ( يؤقنون ) بالهمز جعل الضمة في جار الواو كأنها فيه فقلبها قلب واو وجوه ووقتت ونحوه
( لحب المؤقدان الي مؤسى وجعدة اذ أضاءهما الوقود )
أولائك على هدى من ربهم وأولائك هم المفلحون
البقرة : ( 5 ) أولئك على هدى . . . . .
أولائك على هدى "
الجملة في محل الرفع ان كان الذين يؤمنون بالغيب مبتدأ والا فلا محل لها
ونظم الكلام على الوجهين أنك اذا نويت الابتداء بالذين يؤمنون بالغيب
فقد ذهبت به مذهب الاستئناف وذلك انه لما قيل
" هدى للمتقين "
واختص المتقون بان الكتاب لهم هدى اتجه لسائل ان يسأل فيقول ما بال المتقين مخصوصين بذلك فوقع قوله الذين يؤمنون بالغيب إلى ساقته كأنه جواب لهذا السؤال المقدر وجيء بصفة المتقين المنطوية تحتها خصائصهم التي استوجبوا بها من الله ان يلطف بهم ويفعل بهم ما لا يفعل بمن ليسوا على صفتهم أي الذين هؤلاء عقائدهم وأعمالهم أحقاء بأن يهديهم الله ويعطيهم الفلاح
ونظيره قولك احب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الأنصار الذين قارعوا دونه وكشفوا الكرب عن وجهه أولئك اهل للمحبة
وإن جعلته تابعا للمتقين وقع الاستئناف على اولئك كانه قيل ما للمستقلين بهذه الصفات قد اختصوا بالهدى فأجيب بان اولئك الموصوفين غير مستبعد ان يفوزوا دون الناس بالهدى عاجلا وبالفلاح آجلا
واعلم ان هذا النوع من الاستئناف يجيء تارة باعادة إسم من استؤنف عنه الحديث كقولك قد أحسنت إلى زيد زيد حقيق بالإحسان وتارة بإعادة صفته كقولك أحسنت إلى زيد صديقك القديم أهل لذلك منك فيكون الاستئناف بإعادة الصفة احسن وأبلغ لانطوائها على بيان الموجب وتلخيصه
فإن قلت هل يجوز ان يجري الموصول الأول على المتقين وأن يرتفع الثاني على الابتداء واولئك خبره قلت نعم على ان يجعل اختصاصهم بالهدى والفلاح تعريضا بأهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بنبوة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهم ظانون انهم على الهدى وطامعون انهم ينالون الفلاح عند الله
وفي اسم الاشارة الذي هو
" أولئك "
ايذان بأن ما يرد عقيبه فالمذكورون قبله أهل لاكتسابه من اجل الخصال التى عددت لهم كما قال حاتم ولله صعلوك ثم عدد له خصالا فاضلة ثم عقب تعديدها بقوله

" صفحة رقم 85 "
فذلك ان يهلك فحسبي ثناؤه
وإن عاش لم يقعد ضعيفا مذمما
ومعنى الاستعلاء في قوله ( على هدى ) مثل لتمكنهم من الهدى واستقرارهم عليه وتمسكهم به
شبهت حالهم بحال من اعتلى الشيء وركبه ونحوه هو على الحق وعلى الباطل
وقد صرحوا بذلك في قولهم جعل الغواية مركبا وامتطى الجهل واقتعد غارب الهوى
ومعنى
) هدى من ربهم (
أي منحوه من عنده وأوتوه من قبله وهو اللطف والتوفيق الذي اعتضدوا به على أعمال الخير والترقي إلى الأفضل فالأفضل
ونكر
) هدى (
ليفيد ضربا مبهما لا يبلغ كنهه ولا يقادر قدره كأنه قيل على أي هدى كما تقول لو أبصرت فلانا لأبصرت رجلا
وقال الهذلي
( فلا وأبي الطير المربة بالضحى على خالد لقد وقعت على لحم )
والنون في
) من ربهم (
أدغمت بغنة وبغير غنة فالكسائي وحمزة ويزيد وورش في رواية والهاشمي عن ابن كثير لم يغنوها وقد أغنها الباقون الا أبا عمرو فقد روى عنه فيها روايتان
وفي تكرير
) أولئك (
تنبيه على انهم كما ثبتت لهم الأثرة بالهدى فهي ثابتة لهم بالفلاح فجعلت كل واحدة من الأثرتين في تمييزهم بالمثابة التي لو انفردت كفت مميزة على حيالها
فإن قلت لم جاء مع العاطف وما الفرق بينه وبين قوله
) أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ( الأعراف 179 قلت قد اختلف الخبران ههنا فلذلك دخل العاطف بخلاف الخبرين ثمة فانهما متفقان لأن التسجيل عليهم بالغفلة وتشبيههم بالبهائم شيء واحد فكانت الجملة الثانية مقررة لما في الأولى فهي من العطف بمعزل
و
) هم (
فصل وفائدته الدلالة على ان الوارد بعده خبر لا صفة والتوكيد وايجاب أن فائدة المسند ثابتة للمسند اليه دون غيره
أو هو مبتدأ والمفلحون خبره والجملة خبر اولئك

" صفحة رقم 86 "
ومعنى التعريف في
) المفلحون (
الدلالة على أن المتقين هم الناس الذين عنهم بلغك أنهم يفلحون في الآخرة كما اذا بلغك أن انسانا قد تاب من اهل بلدك فاستخبرت من هو فقيل زيد التائب أي هو الذي أخبرت بتوبته
أو على انهم الذين ان حصلت صفة المفلحين وتحققوا ما هم وتصوروا بصورتهم الحقيقية فهم هم لا يعدون تلك الحقيقة
كما تقول لصاحبك هل عرفت الأسد وما جبل عليه من فرط الإقدام إن زيدا هو هو
فانظر كيف كرر الله عز وجل التنبيه على اختصاص المتقين بنيل ما لا يناله أحد على طرق شتى وهي ذكر إسم الإشارة وتكريره وتعريف المفلحين وتوسيط الفصل بينه وبين اولئك ليبصرك مراتبهم ويرغبك في طلب ما طلبوا وينشطك لتقديم ما قدموا ويثبطك عن الطمع الفارغ والرجاء الكاذب والتمني على الله ما لا تقتضيه حكمته ولم تسبق به كلمته
اللهم زينا بلباس التقوى واحشرنا في زمرة من صدرت بذكرهم سورة البقرة
والمفلح الفائز بالبغية كانه الذي انفتحت له وجوه الظفر ولم تستغلق عليه والمفلج بالجيم مثله
ومنه قولهم للمطلقة استفلحي بأمرك بالحاء والجيم والتركيب دال على معنى الشق والفتح وكذلك أخواته في الفاء والعين نحو فلق وفلذ وفلى
إن الذين كفروا سوآء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6
البقرة : ( 6 ) إن الذين كفروا . . . . .
لما قدم ذكر اوليائه وخالصة عباده بصفاتهم التي اهلتهم لاصابة الزلفى عنده وبين ان الكتاب هدى ولطف لهم خاصة قفى على أثره بذكر أضدادهم وهم العتاة المردة من الكفار الذين لا ينفع فيهم الهدى ولا يجدي عليهم اللطف وسواء عليهم وجود الكتاب وعدمه وإنذار الرسول وسكوته
فإن قلت لم قطعت قصة الكفار عن قصة المؤمنين ولم تعطف كنحو قوله
) إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم ( الانفطار 14 - 15 وغيره من الآي الكثيرة قلت ليس وزان هاتين القصتين وزان ما ذكرت لأن الأولى فيما نحن فيه مسوقة لذكر الكتاب وأنه هدى للمتقين وسيقت الثانية لأن الكفار من صفتهم كيت وكيت فبين الجملتين تباين في الغرض والأسلوب وهما على حد لا مجال فيه للعاطف
فإن قلت هذا اذا زعمت ان الذين يؤمنون جار على المتقين فأما اذا ابتدأته وبنيت الكلام لصفة المؤمنين ثم عقبته بكلام آخر في صفة أضدادهم كان مثل تلك الآي المتلوة قلت قد مر لي ان الكلام المبتدأ عقيب المتقين سبيله الاستئناف وانه مبني على تقدير سؤال فذلك إدراج له في حكم المتقين وتابع له في المعنى وإن كان مبتدأ في اللفظ فهو في الحقيقة كالجاري عليه

" صفحة رقم 87 "
والتعريف في
) الذين كفروا (
يجوز أن يكون للعهد وأن يراد بهم ناس بأعيانهم كأبي لهب وأبي جهل والوليد بن المغيرة وأضرابهم وان يكون للجنس متناولا كل من صمم على كفره تصميما لا يرعوي بعده وغيرهم ودل على تناوله للمصرين الحديث عنهم باستواء الانذار وتركه عليهم و
) سواء (
اسم بمعنى الاستواء وصف به كما يوصف بالمصادر
ومنه قوله تعالى
) تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ( آل عمران 64
) في أربعة أيام سواء للسائلين ( فصلت 10 بمعنى مستوية وارتفاعه على انه خبر لإن و
" ءأنذرتهم أم لم تنذرهم "
في موضع المرتفع به على الفاعلية كأنه قيل إن الذين كفروا مستو عليهم انذارك وعدمه
كما تقول إن زيدا مختصم اخوه وابن عمه أو يكون
) أأنذرتهم أم لم تنذرهم (
في موضع الابتداء
) وسواء (
خبرا مقدما بمعنى سواء عليهم انذارك وعدمه والجملة خبر لإن فإن قلت الفعل أبدا خبر لا مخبر عنه فكيف صح الاخبار عنه في هذا الكلام قلت هو من جنس الكلام المهجور فيه جانب اللفظ إلى جانب المعنى وقد وجدنا العرب يميلون في مواضع من كلامهم مع المعاني ميلا بينا من ذلك قولهم لا تأكل السمك وتشرب اللبن معناه لا يكن منك اكل السمك وشرب اللبن وان كان ظاهر اللفظ على ما لا يصح من عطف الاسم على الفعل
والهمزة وام مجردتان لمعنى الاستواء وقد انسلخ عنهما معنى الاستفهام رأسا
قال سيبويه جرى هذا على حرف الاستفهام كما جرى على حرف النداء قولك اللهم اغفر لنا أيتها العصابة يعني ان هذا جرى على صورة الاستفهام ولا إستفهام كما أن ذلك جرى على صورة النداء ولا نداء
ومعنى الاستواء استواؤهما في علم المستفهم عنهما لأنه قد علم أن أحد الأمرين كائن إما الإنذار وإما عدمه ولكن لا بعينه فكلاهما معلوم بعلم غير معين
وقرىء ( أأنذرتهم ) بتحقيق الهمزتين والتخفيف اعرب وأكثر

" صفحة رقم 88 "
وبتخفيف الثانية بين بين وبتوسيط ألف بينهما محققتين وبتوسيطها والثانية بين بين وبحذف حرف الاستفهام وبحذفه وإلقاء حركته على الساكن قبله كما قرىء قد أفلح فإن قلت ما تقول فيمن يقلب الثانية ألفا قلت هو لاحن خارج عن كلام العرب خروجين أحدهما الإقدام على جمع الساكنين على غير حدة وحده ان يكون الأول حرف لين والثاني حرفا مدغما نحو قوله الضالين وخويصة والثاني إخطاء طريق التخفيف لأن طريق تخفيف الهمزة المتحركة المفتوح ما قبلها ان تخرج بين بين فأما القلب ألفا فهو تخفيف الهمزة الساكنة المفتوح ما قبلها كهمزة رأس
والإنذار التخويف من عقاب الله بالزجر عن المعاصي
فإن قلت ما موقع
) لا يؤمنون (
قلت إما أن يكون جملة مؤكدة للجملة قبلها أو خبرا لإن والجملة قبلها اعتراض
ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم
البقرة : ( 7 ) ختم الله على . . . . .
الختم والكتم أخوان لأن في الاستيثاق من الشيء بضرب الخاتم عليه كتما له وتغطيه لئلا يتوصل اليه ولا يطلع عليه
والغشاوة الغطاء فعالة من غشاه اذا غطاه وهذا البناء لما يشتمل على الشيء كالعصابه والعمامة
فإن قلت ما معنى الختم على القلوب والأسماع وتغشية الأبصار قلت لا ختم ولا تغشية ثم على الحقيقة وإنما هو من باب المجاز ويحتمل أن يكون من كلا نوعيه وهما الاستعارة والتمثيل
أما الاستعارة فأن تجعل قلوبهم لأن الحق لا ينفذ فيها ولا يخلص إلى ضمائرها من قبل اعراضهم عنه وإستكبارهم عن قبوله واعتقاده وأسماعهم لأنها تمجه وتنبو عن الإصغاء إليه وتعاف استماعه كأنها مستوثق منها بالختم وأبصارهم لأنها لا تجتلي آيات الله المعروضة ودلائله المنصوبة كما تجتليها أعين المعتبرين المستبصرين كأنما غطى عليها وحجبت وحيل بينها وبين الإدراك
وأما التمثيل فأن تمثل حيث لم يستنفعوا بها في الأغراض الدينية التى كلفوها وخلقوا من اجلها بأشياء ضرب حجاب بينها وبين الاستنفاع بها بالختم والتغطية
وقد جعل بعض المازنيين الحبسة في اللسان والعي ختما عليه فقال

" صفحة رقم 89 "
ختم الاله على لسان عذافر
ختما فليس على الكلام بقادر
واذا أراد النطق خلت لسانه
لحما يحركه لصقر ناقر
فإن قلت فلم أسند الختم إلى الله تعالى وإسناده اليه يدل على المنع من قبول

" صفحة رقم 90 "
الحق والتوصل اليه بطرقه وهو قبيح والله يتعالى عن فعل القبيح علوا كبيرا لعلمه بقبحه وعلمه بغناه عنه
وقد نص على تنزيه ذاته بقوله
) وما أنا بظلام للعبيد ( ق 29
) وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ( الزخرف 76
) إن الله لا يأمر بالفحشاء ( الأعراف 28 ونظائر ذلك مما نطق به التنزيل قلت القصد إلى صفة القلوب بأنها كالمختوم عليها
وإما إسناد الختم إلى الله عز وجل فلينبه على أن هذه الصفة في فرط تمكنها وثبات قدمها كالشيء الخلقي غير العرضي
ألا ترى إلى قولهم فلان مجبول على كذا ومفطور عليه يريدون انه بليغ في الثبات عليه
وكيف يتخيل ما خيل اليك وقد وردت الآية ناعية على الكفار شناعة صفتهم وسماجة حالهم ونيط بذلك الوعيد بعذاب عظيم ويجوز ان تضرب الجملة كما هي وهي ختم لله على قلوبهم مثلا كقولهم سال به الوادي اذا هلك
وطارت به العنقاء اذا أطال الغيبة وليس للوادي ولا للعنقاء عمل في هلاكه ولا في طول غيبته وإنما هو تمثيل مثلت حاله في هلاكه بحال من سال به الوادي وفي طول غيبته بحال من طارت به العنقاء فكذلك مثلت حال قلوبهم فيما كانت عليه من التجافي عن الحق بحال قلوب ختم الله عليها نحو قلوب الأغتام التي هي في خلوها عن الفطن كقلوب البهائم أو بحال قلوب البهائم أنفسها أو بحال قلوب مقدر ختم الله عليها حتى لا تعي شيئا ولا تفقه وليس له عز وجل فعل في تجافيها عن

" صفحة رقم 91 "
الحق ونبوها عن قبوله وهو متعال عن ذلك
ويجوز ان يستعار الإسناد في نفسه من غير الله لله فيكون الختم مسندا إلى اسم الله على سبيل المجاز
وهو لغيره حقيقة
تفسير هذا ان للفعل ملابسات شتى يلابس الفاعل والمفعول به والمصدر والزمان والمكان والمسبب له فإسناده إلى الفاعل حقيقة وقد يسند إلى هذه الأشياء على طريق المجاز المسمى استعارة وذلك لمضاهاتها للفاعل في ملابسة الفعل كما يضاهي الرجل الأسد في جراءته فيستعار له اسمه فيقال في المفعول به عيشة راضية وماء دافق
وفي عكسه سيل مفعم وفي المصدر شعر شاعر وذيل ذائل وفي الزمان نهاره صائم وليله قائم وفي المكان طريق سائر ونهر جار وأهل مكة يقولون صلى المقام وفي المسبب بني الأمير المدينة وناقة صبوث وحلوب
وقال
( إذا رد عافي القدر من يستعيرها )
فالشيطان هو الخاتم في الحقيقة أو الكافر الا ان الله سبحانه لما كان هو الذي أقدره ومكنه أسند اليه الختم كما يسند الفعل إلى المسبب
ووجه رابع وهو انهم لما كانوا على القطع والبت ممن لا يؤمن ولا تغنى عنهم الآيات والنذر ولا تجدى عليهم الألطاف المحصلة ولا المقربة إن أعطوها
لم يبق بعد استحكام العلم بأنه لا طريق إلى ان يؤمنوا طوعا واختيارا طريق إلى ايمانهم الا القسر والإلجاء وإذا لم تبق طريق الا ان يقسرهم الله ويلجئهم ثم لم يقسرهم ولم يلجئهم لئلا ينتقض الغرض في التكليف عبر عن ترك القسر والإلجاء بالختم اشعارا بأنهم الذين ترامى أمرهم في التصميم على الكفر والاصرار عليه إلى حد لا يتناهون عنه الا بالقسر والإلجاء وهي الغاية القصوى في وصف لجاجهم في الغي واستشرائهم في الضلال والبغي
ووجه خامس وهو ان يكون حكاية لما كان الكفرة يقولونه تهكما بهم من قولهم
" في قلوبنا أكنة مما تدعونا اليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب " فصلت 5 ونظيره في الحكاية والتهكم قوله تعالى
) لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة ( البينة 1 فإن قلت اللفظ يحتمل ان تكون الأسماع داخلة في حكم الختم

" صفحة رقم 92 "
وفي حكم التغشية فعلى أيهما يعول قلت عل دخولها في حكم الختم لقوله تعالى
) وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة ( الجاثية 23 ولوقفهم على سمعهم دون قلوبهم فإن قلت أي فائدة في تكرير الجار في قوله ( وعلى سمعهم ) قلت لو لم يكرر لكان انتظاما للقلوب والأسماع في تعدية واحدة وحين إستجد للأسماع تعدية على حدة كان أدل على شدة الختم في الموضعين
ووحد السمع كما وحد البطن في قوله كلوا في بعض بطنكم تعفوا يفعلون ذلك اذا امن اللبس
فإذا لم يؤمن كقولك فرسهم وثوبهم وانت تريد الجمع رفضوه
ولك ان تقول السمع مصدر في أصله والمصادر لا تجمع
فلمح الأصل يدل عليه جمع الأذن في قوله
) وفي آذاننا وقر ( فصلت 5 وأن تقدر مضافا محذوفا أي وعلى حواس سمعهم
وقرأ ابن أبي عبلة وعلى أسماعهم فإن قلت هلا منع أبا عمرو والكسائي من إمالة أبصارهم ما فيه من حرف الاستعلاء وهو الصاد قلت لأن الراء المكسورة تغلب المستعلية لما فيه من التكرير كان فيها كسرتين وذلك أعون شيء على الامالة وأن يمال له ما لا يمال
والبصر نور العين وهو ما يبصر به الرائي ويدرك المرئيات كما أن البصيرة نور القلب وهو ما به يستبصر ويتأمل وكأنهما جوهران لطيفان خلقهما الله فيهما آلتين للإبصار والاستبصار
وقرىء ( غشاوة ) بالكسر والنصب وغشاوة بالضم والرفع وغشاوة بالفتح والنصب وغشوة بالكسر والرفع وغشوة بالفتح والرفع والنصب وعشاوة بالعين غير المعجمة والرفع من العشا
والعذاب مثل النكال بناء ومعنى لأنك تقول أعذب عن الشيء إذا أمسك عنه
كما تقول نكل عنه ومنه العذب لأنه يقمع العطش ويردعه بخلاف الملح فإنه يزيده ويدل عليه تسميتهم إياه نقاخا لأنه ينقخ العطش أي يكسره
وفراتا لأنه يرفته على القلب ثم اتسع فيه فسمى كل ألم فادح عذابا وإن لم يكن نكالا أي عقابا يرتدع به الجاني عن المعاودة
والفرق بين العظيم والكبير ان العظم نقيض الحقير والكبير نقيض الصغير فكأن العظيم فوق الكبير كما ان الحقير دون الصغير
ويستعملان في الجثث والأحداث

" صفحة رقم 93 "
جميعا
تقول رجل عظيم وكبير تريد جثته أو خطره ومعنى التنكير أن على أبصارهم نوعا من الأغطية غير ما يتعارفه الناس وهو غطاء التعامي عن آيات الله ولهم من بين الآلام العظام نوع عظيم لا يعلم كنهه الا الله
اللهم اجرنا من عذابك ولا تبلنا بسخطك يا واسع المغفرة
ومن الناس من يقول ءامنا بالله وباليوم الأخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين ءامنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون فى قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون - 10
البقرة : ( 8 ) ومن الناس من . . . . .
افتتح سبحانه بذكر الذين أخلصوا دينهم لله وواطأت فيه قلوبهم ألسنتهم ووافق سرهم علنهم وفعلهم قولهم
ثم ثني بالذين محضوا الكفر ظاهرا وباطنا قلوبا وألسنة
ثم ثلث بالذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم وأبطنوا خلاف ما اظهروا وهم الذين قال فيهم
) مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ( النساء 143 وسماهم المنافقين وكانوا اخبث الكفرة وأبغضهم اليه وأمقتهم عنده لأنهم خلطوا بالكفر تمويها وتدليسا وبالشرك استهزاء وخداعا
ولذلك أنزل فيهم
) إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ( النساء 145 ووصف حال الذين كفروا في آيتين وحال الذين نافقوا في ثلاث عشرة آية نعى عليهم فيها خبثهم ومكرهم وفضحهم وسفههم واستجهلهم واستهزأ بهم وتهكم بفعلهم وسجل بطغيانهم وعمههم ودعاهم صما بكما عميا وضرب لهم الأمثال الشنيعة
وقصة المنافقين عن آخرها معطوفة على قصة الذين كفروا كما تعطف الجملة على الجملة
وأصل ( ناس ) أناس حذفت همزته تخفيفا كما قيل لوقه في ألوقة
وحذفها مع لام التعريف كاللازم لا يكاد يقال الأناس
ويشهد لأصله انسان واناس وأناسي وإنس
وسموا لظهورهم وانهم يؤنسون أي يبصرون كما سمى الجن لاجتنانهم
ولذلك سموا بشرا ووزن ناس فعال لأن الزنة على الأصول
ألا تراك تقول في وزن قه افعل وليس معك الا العين وحدها وهو من أسماء الجمع كرخال
وأما نويس فمن المصغر الآتي على خلاف مكبره كأنيسيان ورويجل
ولام التعريف فيه للجنس
ويجوز

" صفحة رقم 94 "
أن تكون للعهد والإشارة إلى الذين كفروا المار ذكرهم كانه قيل ومن هؤلاء من يقول
وهم عبد الله بن أبي وأصحابه ومن كان في حالهم من اهل التصميم على النفاق
ونظير موقعه موقع القوم في قولك نزلت ببني فلان فلم يقروني والقوم لئام
ومن في
) من يقول (
موصوفة كأنه قيل ومن الناس ناس يقولون كذا كقوله
) من المؤمنين رجال ( الفتح 25 ان جعلت اللام للجنس
وإن جعلتها للعهد فموصولة كقوله
) ومنهم الذين يؤذون النبي ( التوبة 61
فإن قلت كيف يجعلون بعض اولئك والمنافقون غير المختوم على قلوبهم قلت الكفر جمع الفريقين معا وصيرهم جنسا واحدا
وكون المنافقين نوعا من نوعي هذا الجنس مغايرا للنوع الآخر بزيادة زادوها على الكفر الجامع بينهما من الخديعة والاستهزاء لا يخرجهم من أن يكونوا بعضا من الجنس فإن الأجناس انما تنوعت لمغايرات وقعت بين بعضها وبعض
وتلك المغايرات إنما تأتي بالنوعية ولا تأبى الدخول تحت الجنسية فإن قلت لم اختص بالذكر الايمان بالله والايمان باليوم الآخر قلت اختصاصهما بالذكر كشف عن إفراطهم في الخبث وتماديهم في الدعارة لأن القوم كانوا يهودا وإيمان اليهود بالله ليس بإيمان لقولهم
) عزير ابن الله ( التوبة 30
وكذلك إيمانهم باليوم الآخر لأنهم يعتقدونه على خلاف صفته فكان قولهم
" ءامنا بالله وباليوم الآخر " خبثا مضاعفا وكفرا موجها لأن قولهم هذا لو صدر عنهم لا على وجه النفاق وعقيدتهم عقيدتهم فهو كفر لا إيمان
فإذا قالوه على وجه النفاق خديعة للمسلمين واستهزاء بهم وأروهم انهم مثلهم في الإيمان الحقيقي كان خبثا إلى خبث وكفرا إلى كفر
وأيضا فقد اوهموا في هذا المقال أنهم اختاروا الإيمان من جانبيه واكتنفوه من قطريه واحاطوا بأوله وآخره
وفي تكرير الباء أنهم ادعوا كل واحد من الإيمانين على صفة الصحة والاستحكام
فإن قلت كيف طابق قوله
) وما هم بمؤمنين ( قولهم
" ءامنا بالله وباليوم الآخر " والأول في ذكر شأن الفعل لا الفاعل والثاني في ذكر شأن الفاعل لا الفعل قلت القصد إلى إنكار ما ادعوه ونفيه فسلك في ذلك طريق أدى إلى الغرض المطلوب
وفيه من التوكيد والمبالغة ما ليس في غيره وهو إخراج ذواتهم وأنفسهم من أن تكون طائفة من طوائف المؤمنين لما علم من حالهم المنافية لحال الداخلين في الإيمان
وإذا شهد عليهم بأنهم في انفسهم على هذه الصفة فقد انطوى تحت الشهادة عليهم بذلك نفى ما انتحلوا اثباته لأنفسهم على سبيل البت والقطع
ونحوه قوله تعالى
) يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ( المائدة 37 هو أبلغ من

" صفحة رقم 95 "
قولك وما يخرجون منها
فإن قلت فلم جاء الإيمان مطلقا في الثاني وهو مقيد في الأول قلت يحتمل أن يراد التقييد ويترك لدلالة المذكور عليه وأن يراد بالإطلاق أنهم ليسوا من الإيمان في شيء قط لا من الإيمان بالله وباليوم الآخر ولا من الإيمان بغيرهما
فإن قلت ما المراد باليوم الآخر قلت يجوز ان يراد به الوقت الذي لا حد له وهو الأبد الدائم الذي لا ينقطع لتأخره عن الأوقات المنقضية
وان يراد الوقت المحدود من النشور إلى ان يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار لأنه آخر الأوقات المحدودة الذي لا حد للوقت بعده
والخدع أن يوهم صاحبه خلاف ما يريد به من المكروه
من قولهم ضب خادع وخدع إذا أمر الحارش يده على باب جحره أوهمه إقباله عليه ثم خرج من باب آخر
فإن قلت كيف ذلك ومخادعة الله والمؤمنين لا تصح لأن العالم الذي لا تخفي عليه

" صفحة رقم 96 "
خافية لا يخدع والحكيم الذي لا يفعل القبيح لا يخدع والمؤمنون وإن جاز أن يخدعوا لم يجز ان يخدعوا الا نرى إلى قوله
واستمطروا من قريش كل منخدع
وقول ذي الرمة
ان الحليم وذا الاسلام يختلب
فقد جاء النعت بالانخداع ولم يأت بالخدع قلت فيه وجوه أحدها أن يقال كانت صورة صنعهم مع الله حيث يتظاهرون بالإيمان وهم كافرون صورة صنع الخادعين
وصورة صنع الله معهم حيث امر باجراء أحكام المسلمين عليهم وهم عنده في عداد شرار الكفرة وأهل الدرك الأسفل من النار صورة صنع الخادع وكذلك صورة صنع المؤمنين معهم حيث إمتثلوا أمر الله فيهم فأجروا أحكامهم عليهم
والثاني أن يكون ذلك ترجمة عن معتقدهم وظنهم أن الله ممن يصح خداعه لأن من كان ادعاؤه الإيمان بالله نفاقا لم يكن عارفا بالله ولا بصفاته ولا أن لذاته تعلقا بكل معلوم ولا أنه غنى عن فعل القبائح فلم يبعد من مثله تجويز أن يكون الله في زعمه مخدوعا ومصابا بالمكروه من وجه خفي وتجويز أن يدلس على عباده ويخدعهم
والثالث ان يذكر الله تعالى ويراد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لأنه خليفته في أرضه والناطق عنه بأوامره ونواهيه مع عباده كما يقال قال الملك كذا ورسم كذا وإنما القائل والراسم وزيره أو بعض خاصته الذين قولهم قوله ورسمهم رسمه مصداقه قوله
) إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ( الفتح 10 وقوله
) من يطع الرسول فقد أطاع الله ( النساء 80
والرابع ان يكون من قولهم أعجبني زيد وكرمه فيكون المعنى يخادعون الذين آمنوا بالله
وفائدة هذه الطريقة قوة الاختصاص ولما كان المؤمنون من الله بمكان سلك بهم ذلك المسلك
ومثله
) والله ورسوله أحق أن يرضوه ( التوبة 62 وكذلك
) إن الذين يؤذون الله ورسوله ( الأحزاب 57

" صفحة رقم 97 "
ونظيره في كلامهم علمت زيدا فاضلا والغرض فيه ذكر إحاطة العلم بفضل زيد لا به نفسه لأنه كان معلوما له قديما كانه قيل علمت فضل زيد ولكن ذكر زيد توطئة وتمهيد لذكر فضله
فإن قلت هل للاقتصار بخادعت على واحد وجه صحيح قلت وجهه أن يقال عنى به فعلت الا أنه أخرج في زنة فاعلت لأن الزنة في أصلها للمغالبة والمباراة والفعل متى غولب فيه فاعله جاء أبلغ وأحكم منه إذا زاوله وحده من غير مغالب ولا مبار لزيادة قوة الداعي اليه
ويعضده قراءة من قرأ
" يخدعون الله والذين ءامنوا " وهو أبو حيوة و
) يخادعون ( بيان ليقول
ويجوز أن يكون مستأنفا كانه قيل ولم يدعون الإيمان كاذبين وما رفقهم في ذلك فقيل يخادعون
فإن قلت عم كانوا يخادعون قلت كانوا يخادعونهم عن أغراض لهم ومقاصد منها متاركتهم واعفاؤهم عن المحاربة وعما كانوا يطرقون به من سواهم من الكفار
ومنها إصطناعهم بما يصطنعون به المؤمنين من إكرامهم والإحسان إليهم وإعطائهم الحظوظ من المغانم ونحو ذلك من الفوائد ومنها اطلاعهم لاختلاطهم بهم على الأسرار التى كانوا حراصا على إذاعتها إلى منابذيهم
فإن قلت فلو اظهر عليهم حتى لا يصلوا إلى هذه الأغراض بخداعهم عنها
قلت لم يظهر عليهم لما احاط به علما من المصالح التى لو اظهر عليهم لانقلبت مفاسد واستبقاء إبليس وذريته ومتاركتهم وما هم عليه من إغواء المنافقين وتلقينهم النفاق أشد من ذلك
ولكن السبب فيه ما علمه تعالى من المصلحة
فإن قلت ما المراد بقوله
" وما يخادعون الا انفسهم "
قلت يجوز ان يراد وما يعاملون تلك المعاملة المشبهة بمعاملة المخادعين الا أنفسهم لأن ضررها يلحقهم ومكرها يحيق بهم كما تقول فلان يضار فلانا وما يضار الا نفسه أي دائرة الضرار راجعة اليه وغير متخطية إياه وان يراد حقيقة المخادعة أي وهم في ذلك يخدعون انفسهم حيث يمنونها الأباطيل ويكذبونها فيما يحدثونها به وانفسهم كذلك تمنيهم وتحدثهم بالأماني وان يراد وما يخدعون فجيء به على لفظ يفاعلون للمبالغة
وقرىء ( وما يخدعون ) ويخدعون من خدع
ويخدعون بفتح الياء بمعنى يخدعون ويخدعون ويخادعون على لفظ ما لم يسم فاعله والنفس ذات الشيء وحقيقته
يقال عندي كذا نفسا ثم قيل للقلب نفس لأن النفس به الا ترى إلى قولهم المرء بأصغريه وكذلك بمعنى الروح وللدم نفس لأن قوامها بالدم
وللماء نفس لفرط حاجتها اليه قال الله تعالى
" وجعلنا من الماء كل شيء حي " الأنبياء 30

" صفحة رقم 98 "
وحقيقة نفس الرجل بمعنى عين أصيبت نفسه كقولهم فلان يؤامر نفسيه اذا تردد في الأمر اتجه له رأيان وداعيان لا يدري على أيهما يعرج كأنهم ارادوا داعيي النفس وهاجسي النفس فسموهما نفسين اما لصدورهما عن النفس وإما لأن الداعيين لما كانا كالمشيرين عليه والأمرين له شبهوهما بذاتين فسموهما نفسين
والمراد بالأنفس ههنا ذواتهم والمعنى بمخادعتهم ذواتهم ان الخداع لاصق بهم لا يعدوهم إلى غيرهم ولا يتخطاهم إلى من سواهم
ويجوز أن يراد قلوبهم ودواعيهم وآراؤهم
والشعور علم الشيء علم حس من الشعار ومشاعر الانسان حواسه والمعنى أن لحوق ضرر ذلك بهم كالمحسوس وهم لتمادي غفلتهم كالذي لا حس له
واستعمال المرض في القلب يجوز ان يكون حقيقة ومجازا فالحقيقة ان يراد الألم كما تقول في جوفه مرض
والمجاز ان يستعار لبعض اعراض القلب كسوء الإعتقاد والغل والحسد والميل إلى المعاصي والعزم عليها واستشعار الهوى والجبن والضعف وغير ذلك مما هو فساد وآفة شبيهة بالمرض كما استعيرت الصحة والسلامة في نقائض ذلك
والمراد به هنا ما في قلوبهم من سوء الإعتقاد والكفر أو من الغل والحسد والبغضاء لأن صدورهم كانت تغلى على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين غلا وحنقا ويبغضونهم البغضاء التى وصفها الله تعالى في قوله
) قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ( آل عمران 118 ويتحرقون عليهم حسدا
) إن تمسسكم حسنة تسؤهم ( آل عمران 120 وناهيك مما كان من ابن أبي وقول سعد بن عبادة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
17 ( اعف عنه يا رسول الله واصفح فوالله لقد أعطاك الله الذي أعطاك ولقد اصطلح اهل هذه البحيرة ان يعصبوه بالعصابة فلما رد الله ذلك بالحق الذي اعطاكه شرق بذلك )
أو يراد ما تداخل قلوبهم من الضعف والجبن والخور لأن قلوبهم كانت قوية

" صفحة رقم 99 "
إما لقوة طمعهم فيما كانوا يتحدثون به أن ريح الإسلام تهب حينا ثم تسكن ولواءه يخفق أياما ثم يقر فضعفت حين ملكها اليأس عند إنزال الله على رسوله النصر وإظهار دين الحق على الدين كله
وإما لجراءتهم وجسارتهم في الحروب فضعفت جبنا وخورا حين قذف الله في قلوبهم الرعب وشاهدوا شوكة المسلمين وإمداد الله لهم بالملائكة
قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
18 ( نصرت بالرعب مسيرة شهر )
ومعنى زيادة الله إياهم مرضا انه كلما أنزل على رسوله الوحي فسمعوه كفروا به فازدادوا كفرا إلى كفرهم فكأن الله هو الذي زادهم ما ازدادوه إسنادا للفعل إلى المسبب له كما أسنده إلى السورة في قوله
) فزادتهم رجسا إلى رجسهم ( التوبة 125 لكونها سببا
أو كلما زاد رسوله نصرة وتبسطا في البلاد ونقصا من أطراف الأرض ازدادوا حسدا وغلا وبغضا وازدادت قلوبهم ضعفا وقلة طمع فيما عقدوا به رجاءهم وجبنا وخورا
ويحتمل ان يراد بزيادة المرض الطبع وقرأ أبو عمر في رواية الأصمعي مرض ومرضا بسكون الراء
يقال ألم فهو
) أليم (
كوجع فهو وجيع ووصف العذاب به نحو قوله
( تحية بينهم ضرب وجيع )
وهذا على طريقة قولهم جد جده والألم في الحقيقة للمؤلم كما ان الجد للجاد
والمراد بكذبهم قولهم
) آمنا بالله وباليوم الآخر (
وفيه رمز إلى قبح الكذب وسماجته وتخييل ان العذاب الأليم لاحق بهم من أجل كذبهم
ونحوه قوله تعالى
" مما خطيآتهم أغرقوا " نوح 71 والقوم كفرة وإنما خصت الخطيئات استعظاما لها وتنفيرا عن ارتكابها
والكذب الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو به وهو قبيح كله واماما يروى عن إبراهيم عليه السلام
19 ( أنه كذب ثلاث كذبات )
403 فالمراد التعريض
ولكن لما كانت صورته صورة

" صفحة رقم 100 "
الكذب سمي به
وعن أبي بكر رضي الله عنه وروى مرفوعا
20 ( إياكم والكذب فإنه مجانب للإيمان )
وقرىء ( يكذبون ) من كذبه الذي هو نقيض صدقه أو من كذب الذي هو مبالغة في كذب كما بولغ في صدق فقيل صدق ونظيرهما بان الشيء وبين وقلص الثوب وقلص
أو بمعنى الكثرة كقولهم موتت البهائم وبركت الإبل أو من قولهم كذب الوحشي اذا جرى شوطا ثم وقف لينظر ما وراءه لأن المنافق متوقف متردد في امره ولذلك قيل له مذبذب
وقال عليه السلام
21 ( مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة )
وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولاكن لا يشعرون وإذا قيل لهم ءامنوا كمآ ءامن الناس قالوا أنؤمن كمآ آمن السفهآء ألا إنهم هم السفهآء ولاكن لا يعلمون وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون الله يستهزىء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون أولائك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين - 16
(
البقرة : ( 11 ) وإذا قيل لهم . . . . .
واذا قيل لهم ) معطوف على يكذبون ويجوز ان يعطف على يقول آمنا لأنك لو قلت ومن الناس من اذا قيل لهم لا تفسدوا كان صحيحا والأول اوجه
والفساد خروج الشيء عن حال استقامته وكونه منتفعا به ونقيضه الصلاح وهو الحصول على الحال المستقيمة النافعة
والفساد في الأرض هيج الحروب والفتن لأن

" صفحة رقم 101 "
في ذلك فساد ما في الأرض وانتفاء الاستقامة عن احوال الناس والزروع والمنافع الدينية والدنيوية
قال الله تعالى
) وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل ( البقرة 205
) أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ( البقرة 30 ومنه قيل لحرب كانت بين طيء حرب الفساد
وكان فساد المنافقين في الأرض أنهم كانوا يمايلون الكفار ويمالئونهم على المسلمين بإفشاء أسرارهم اليهم وإغرائهم عليهم وذلك مما يؤدي إلى هيج الفتن بينهم فلما كان ذلك من صنيعهم مؤديا إلى الفساد قيل لهم
) لا تفسدوا (
كما تقول للرجل لا تقتل نفسك بيدك ولا تلق نفسك في النار اذا أقدم على ما هذه عاقبته
و
) إنما (
لقصر الحكم على شيء كقولك إنما ينطق زيد أو لقصر الشيء على حكم كقولك إنما زيد كاتب
ومعنى
) إنما نحن مصلحون (
ان صفة المصلحين خلصت لهم وتمحضت من غير شائبة قادح فيها من وجه من وجوه الفساد
و
) الآ ( مركبة من همزة الاستفهام وحرف النفي لإعطاء معنى التنبيه على تحقق ما بعدها والاستفهام اذا دخل على النفي أفاد تحقيقا كقوله
) أليس ذلك بقادر ( القيامة 40 ولكونها في هذا المنصب من التحقيق لا تكاد تقع الجملة بعدها الا مصدرة بنحو ما يتلقى به القسم وأختها التي هي أما من مقدمات اليمين وطلائعها
أما والذي لا يعلم الغيب غيره
اما والذي أبكى وأضحك
رد الله ما ادعوه من الانتظام في جملة المصلحين أبلغ رد وادله على سخط عظيم والمبالغة فيه من جهة الاستئناف وما في كلتا الكلمتين ألا
وإن من التأكيدين وتعريف الخبر وتوسيط الفصل
وقوله
) لا يشعرون (
أتوهم في النصيحة من وجهين احدهما تقبيح ما كانوا عليه لبعده من الصواب وجره إلى الفساد والفتنة
والثاني تبصيرهم الطريق الأسد من اتباع ذوي الأحلام ودخولهم في عدادهم فكان من جوابهم ان سفهوهم لفرط سفههم وجهلوهم لتمادي جهلهم
وفي ذلك تسلية للعالم مما يلقى من الجهلة فإن قلت كيف صح أن يسند ( قيل ) إلى ( لا تفسدوا وآمنوا ) وإسناد الفعل إلى الفعل مما لا يصح قلت الذي لا يصح هو إسناد الفعل إلى معنى الفعل وهذا إسناد

" صفحة رقم 102 "
له إلى لفظه كأنه قيل وإذا قيل لهم هذا القول وهذا الكلام
فهو نحو قولك ألف ضرب من ثلاثة أحرف ومنه ( زعموا مطية الكذب )
و ما ) في ( كما ) يجوز ان تكون كافة مثلها في ربما ومصدرية مثلها في
) بما رحبت ( التوبة 25
واللام في ( الناس ) للعهد أي كما آمن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومن معه
أو هم ناس معهودون كعبد الله بن سلام وأشياعه لأنهم من جلدتهم ومن أبناء جنسهم أي كما آمن أصحابكم وإخوانكم أو للجنس أي كما آمن الكاملون في الإنسانية
أو جعل المؤمنون كانهم الناس على الحقيقة ومن عداهم كالبهائم في فقد التمييز بين الحق والباطل
والاستفهام في
) أنؤمن (
في معنى الإنكار
واللام في
) السفهاء (
مشار بها إلى الناس كما تقول لصاحبك إن زيدا قد سعى بك فيقول أو قد فعل السفيه
ويجوز أن تكون للجنس وينطوي تحته الجاري ذكرهم على زعمهم واعتقادهم لأنهم عندهم أعرق الناس في السفه
فإن قلت لم سفهوهم واستركوا عقولهم وهم العقلاء المراجيح قلت لأنهم لجهلهم وإخلالهم بالنظر وإنصاف أنفسهم اعتقدوا أن ما هم فيه هو الحق وأن ما عداه باطل ومن ركب متن الباطل كان سفيها ولأنهم كانوا في رياسة وسطة في قومهم ويسار وكان اكثر المؤمنين فقراء ومنهم موال كصهيب وبلال وخباب فدعوهم سفهاء تحقيرا لشأنهم
أو أرادوا عبد الله بن سلام وأشياعه ومفارقتهم دينهم وما غاظهم من إسلامهم وفت في اعضادهم
قالوا ذلك على سبيل التجلد توقيا من الشماتة بهم مع علمهم أنهم من السفه بمعزل والسفه سخافة العقل وخفة الحلم فإن قلت فلم فصلت هذه الآية ب
) لا يعلمون ( والتى قبلها ب لا
) يشعرون (
قلت لأن أمر الديانة والوقوف على أن المؤمنين على الحق وهم على الباطل يحتاج إلى نظر واستدلال حتى يكتسب الناظر المعرفة
واما النفاق وما فيه من البغي المؤدي إلى الفتنة والفساد في الأرض فأمر دينوي مبني على العادات معلوم عند الناس خصوصا عند العرب في جاهليتهم وما كان قائما بينهم من التغاور والتناحر والتحارب والتحازب فهو كالمحسوس المشاهد ولأنه قد ذكر السفه وهو جهل فكان ذكر العلم معه احسن طباقا له
مساق هذه الآية بخلاف ما سيقت له اول قصة المنافقين فليس بتكرير لأن تلك في بيان مذهبهم

" صفحة رقم 103 "
والترجمة عن نفاقهم وهذه في بيان ما كانوا يعملون عليه مع المؤمنين من التكذيب لهم والاستهزاء بهم ولقائهم بوجوه المصادقين وإيهامهم أنهم معهم فإذا فارقوهم إلى شطار دينهم صدقوهم ما في قلوبهم
وروى
22 ( ان عبد الله بن أبي وأصحابه خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال عبد الله انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم فأخذ بيد أبي بكر فقال مرحبا بالصديق سيد بني تيم وشيخ الاسلام وثاني رسول الله في الغار الباذل نفسه وماله لرسول الله
ثم اخذ بيد عمر فقال مرحبا بسيد بني عدي الفاروق القوي في دين الله الباذل نفسه وماله لرسول الله
ثم اخذ بيد علي فقال مرحبا بابن عم رسول الله وختنه سيد بني هاشم ما خلا رسول الله
ثم افترقوا فقال لأصحابه كيف رأيتموني فعلت فأثنوا عليه خيرا فنزلت )
ويقال لقيته ولاقيته اذا استقبلته قريبا منه وهو جاري ملاقي ومراوقي
وقرأ أبو حنيفة واذا لاقوا
وخلوت بفلان واليه اذا انفردت معه ويجوز ان يكون من خلا بمعنى مضى وخلاك ذم أي عداك ومضى عنك ومنه القرون الخالية ومن خلوت به إذا سخرت منه
وهو من قولك خلا فلان بعرض فلان يعبث به ومعناه وإذا أنهوا السخرية بالمؤمنين إلى شياطينهم وحدثوهم بها
كما تقول أحمد اليك فلانا وأذمه إليك
وشياطينهم الذين ماثلوا الشياطين في تمردهم
وقد جعل سيبويه نون الشيطان في موضع من كتابة أصلية وفى آخر زائدة والدليل على اصالتها قولهم تشيطن واشتقاقه من شطن اذا بعد لبعده من الصلاح والخير
ومن شاط اذا بطل اذا جعلت نونه زائدة ومن أسمائه الباطل
) إنا معكم (
إنا مصاحبوكم وموافقوكم على دينكم
فإن قلت

" صفحة رقم 104 "
لم كانت مخاطبتهم المؤمنين بالجملة الفعلية وشياطينهم بالاسمية محققة بأن قلت ليس ما خاطبوا به المؤمنين جديرا بأقوى الكلامين وأوكدهما لأنهم في ادعاء حدوث الإيمان منهم ونشئه من قبلهم لا في ادعاء انهم اوحديون في الإيمان غير مشقوق فيه غبارهم وذلك إما لأن انفسهم لا تساعدهم عليه اذ ليس لهم من عقائدهم باعث ومحرك وهكذا كل قول لم يصدر عن اريحية وصدق رغبة واعتقاد
وإما لأنه لا يروج عنهم لو قالوه على لفظ التوكيد والمبالغة وكيف يقولونه ويطمعون في رواجه وهم بين ظهراني المهاجرين والأنصار الذين مثلهم في التوراة والإنجيل
ألا ترى إلى حكاية الله قول المؤمنين
) ربنا إننا آمنا ( آل عمران
واما مخاطبة إخوانهم فهم فيما اخبروا به عن انفسهم من الثبات على اليهودية والقرار على اعتقاد الكفر والبعد من ان يزلوا عنه على صدق رغبة ووفور نشاط وارتياح للتكلم به وما قالوه من ذلك فهو رائج عنهم متقبل منهم فكان مظنة للتحقيق ومثنة للتوكيد
فإن قلت أنى تعلق قوله
" إنما نحن مستهزءون " بقوله
) إنا معكم (
قلت هو توكيد له لأن قوله
) إنا معكم (
معناه الثبات على اليهودية
وقوله
" إنما نحن مستهزءون "
رد للإسلام ودفع له منهم لأن المستهزىء بالشيء المستخف به منكر له ودافع لكونه معتدا به ودفع نقيض الشيء تأكيد لثباته أو بدل منه لأن من حقر الإسلام فقد عظم الكفر
أو استئناف كانهم اعترضوا عليهم حين قالوا لهم
) إنا معكم (
فقالوا فما بالكم إن صح أنكم معنا توافقون أهل الإسلام فقالوا إنما نحن مستهزئون
والاستهزاء السخرية والاستخفاف وأصل الباب الخفة من الهزء وهو القتل السريع وهزأ يهزأ مات على المكان
عن بعض العرب مشيت فلغبت فظننت لأهزأن على مكاني
وناقته تهزأ به اي تسرع وتخف فإن قلت لا يجوز الاستهزاء على الله تعالى لأنه متعال عن القبيح والسخرية من باب العيب والجهل ألا ترى إلى قوله
) قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ( البقرة 67 فما معنى استهزائه بهم
قلت معناه إنزال الهوان والحقارة بهم لأن المستهزىء غرضه الذي يرميه هو طلب الخفة والزراية ممن يهزأ به وإدخال الهوان والحقارة عليه والاشتقاق كما ذكرنا شاهد لذلك
وقد كثر التهكم في كلام الله تعالى بالكفرة
والمراد به تحقير شأنهم وازدراء أمرهم والدلالة على ان مذاهبهم حقيقة بان يسخر منها الساخرون ويضحك الضاحكون
ويجوز ان يراد به ما مر في
) يخادعون (
من أنه يجري عليهم احكام المسلمين في الظاهر وهو مبطن بادخار ما يراد بهم وقيل سمي جزاء الاستهزاء باسمه كقوله
) وجزاء سيئة سيئة مثلها ( الشورى 40
) فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه ( البقرة 194

" صفحة رقم 105 "
فإن قلت كيف ابتدىء قوله
) الله يستهزئ بهم (
ولم يعطف على الكلام قبله
قلت هو استئناف في غاية الجزالة والفخامة
وفيه ان الله عز وجل هو الذي يستهزىء بهم الاستهزاء الأبلغ الذي ليس استهزاؤهم اليه باستهزاء ولا يؤبة له في مقابلته لما ينزل بهم من النكال ويحل بهم من الهوان والذل
وفيه ان الله هو الذي يتولى الاستهزاء بهم انتقاما للمؤمنين ولا يحوج المؤمنين ان يعارضوهم باستهزاء مثله
فإن قلت فهلا قيل الله مستهزىء بهم ليكون طبقا لقوله
" إنما نحن مستهزءون " قلت لأن
) يستهزئ (
يفيد حدوث الاستهزاء وتجدده وقتا بعد وقت وهكذا كانت نكايات الله فيهم وبلاياه النازلة بهم
) أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ( التوبة 126 وما كانوا يخلون في أكثر أوقاتهم من تهتك أستار وتكشف أسرار ونزول في شأنهم وإستشعار حذر من أن ينزل فيهم
" يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا ان الله مخرج ما تحذرون " التوبة 64
) ويمدهم في طغيانهم (
من مد الجيش وأمده اذا زاده وألحق به ما يقويه ويكثره وكذلك مد الداوة وامدها زادها ما يصلحها
ومددت السرج والأرض اذا استصلحتهما بالزيت والسماد
ومده الشيطان في الغي وامده اذا واصله بالوساوس حتى يتلاحق غيه ويزداد انهماكا فيه
فإن قلت لم زعمت انه من المدد دون المد في العمر والإملاء والإمهال قلت كفاك دليلا على انه من المدد دون المد قراءة ابن كثير وابن محيصن ( ويمدهم ) وقراءة نافع
) وإخوانهم يمدونهم ( الأعراف 202 على ان الذي بمعنى امهله انما هو مد له مع اللام كأملى له
فإن قلت فكيف جاز ان يوليهم الله مددا في الطغيان وهو فعل الشياطين ألا ترى إلى

" صفحة رقم 106 "
قوله تعالى
) وإخوانهم يمدونهم في الغي ( الأعراف 202 قلت إما أن يحمل على أنهم لما منعهم الله ألطافه التي يمنحها المؤمنين وخذلهم بسبب كفرهم وإصرارهم عليه بقيت قلوبهم بتزايد الرين والظلمة فيها تزايد الانشراح والنور في قلوب المؤمنين فسمى ذلك التزايد مددا
وأسند إلى الله سبحانه لأنه مسبب عن فعله بهم بسبب كفرهم
وإما على منع القسر والإلجاء وإما على أن يسند فعل الشيطان إلى الله لأنه بتمكينه وإقداره والتخلية بينه وبين إغواء عباده
فإن قلت فما حملهم على تفسير المد في الطغيان بالإمهال وموضوع اللغة كما ذكرت لا يطاوع عليه قلت استجرهم إلى ذلك خوف الإقدام على ان يسندوا إلى الله ما أسندوا إلى الشياطين لكن المعنى الصحيح ما طابقه اللفظ وشهد لصحته والا كان منه بمنزلة الأروى من النعام
ومن حق مفسر كتاب الله الباهر وكلامه المعجز أن يتعاهد في مذاهبه بقاء النظم على حسنه والبلاغة على كمالها وما وقع به التحدي سليما من القادح فإذا لم يتعاهد اوضاع اللغة فهو من تعاهد النظم والبلاغة على مراحل
ويعضد ما قلناه قول الحسن في تفسيره في ضلالتهم يتمادون وأن هؤلاء من اهل الطبع
والطغيان الغلو في الكفر ومجاوزة الحد في العتو
وقرأ زيد بن علي رضي الله عنه
) في طغيانهم (
بالكسر وهما لغتان كلقيان ولقيان وغنيان وغنيان
فإن قلت أي نكتة في اضافته إليهم قلت فيها ان الطغيان والتمادي في الضلالة مما اقترفته انفسهم واجترحته أيديهم وان الله برىء منهم ردا لاعتقاد الكفرة القائلين لو شاء الله ما أشركنا ونفيا لو هم من عسى يتوهم عند اسناد المد إلى ذاته لو لم يضف الطغيان اليهم ليميط الشبه ويقلعها ويدفع في صدر من يلحد في صفاته
ومصداق ذلك انه حين أسند المد إلى الشياطين أطلق الغي ولم يقيده بالإضافة في قوله
) وإخوانهم يمدونهم في الغي ( الأعراف 202

" صفحة رقم 107 "
والعمه مثل العمى الا أن العمى عام في البصر والرأي والعمه في الرأي خاصة وهو التحير والتردد لا يدري أين يتوجه ومنه قوله بالجاهلين العمه أي الذين لا رأي لهم ولا دراية بالطرق وسلك أرضا عمهاء لا منار بها
ومعنى اشتراء الضلالة بالهدى اختيارها عليه وإستبدالها به على سبيل الاستعارة لأن الاشتراء فيه اعطاء بدل واخذ آخر
ومنه
أخذت بالجمة رأسا أزعرا
وبالثنايا الواضحات الدردرا
وبالطويل العمر عمرا حيدرا
كما اشترى المسلم اذ تنصرا
وعن وهب قال الله عز وجل فيما يعيب به بني اسرائيل ( تفقهون لغير الدين وتعلمون لغير العمل وتبتاعون الدنيا بعمل الآخرة )
فإن قلت كيف اشتروا الضلالة بالهدى وما كانوا على هدى قلت جعلوا لتمكنهم منه واعراضه لهم كأنه في أيديهم فإذا تركوه إلى الضلالة فقد عطلوه واستبدلوها به ولأن الدين القيم هو فطرة الله التي فطر الناس عليها فكل من ضل فهو مستبدل خلاف الفطرة
( والضلالة ) الجور عن القصد وفقد الاهتداء يقال ضل منزله وضل دريص نفقه فاستعير للذهاب عن الصواب في الدين
والربح الفضل على رأس المال ولذلك سمي الشف من قولك أشف بعض ولده على بعض اذا فضله
ولهذا على هذا شف والتجارة صناعة التاجر وهو الذي يبيع ويشتري للربح
وناقة تاجرة كانها من حسنها وسمنها تبيع نفسها
وقرأ ابن أبي عبلة ( تجاراتهم ) فإن قلت كيف أسند الخسران إلى التجارة وهو لأصحابها قلت هو من الإسناد المجازي وهو ان يسند الفعل إلى شيء يتلبس بالذي هو في الحقيقة له كما تلبست التجارة بالمشترين
فإن قلت هل يصح ربح عبدك وخسرت جاريتك على الاسناد المجازي قلت نعم إذا

" صفحة رقم 108 "
دلت الحال
وكذلك الشرط في صحة رأيت أسدا وأنت تريد المقدام إن لم تقم حال دالة لم يصح
فإن قلت هب ان شراء الضلالة بالهدى وقع مجازا في معنى الاستبدال فما معنى ذكر الربح والتجارة كأن ثم مبايعة على الحقيقة قلت هذا من الصنعة البديعة التى تبلغ بالمجاز الذروة العليا وهو ان تساق كلمة مساق المجاز ثم تقفى بأشكال لها وأخوات اذا تلاحقن لم تر كلاما احسن منه ديباجة واكثر ماء ورونقا وهو المجاز المرشح
وذلك نحو قول العرب في البليد كان أذني قلبه خطلا وان جعلوه كالحمار ثم رشحوا ذلك روما لتحقيق البلادة فادعوا لقلبه أذنين وادعوا لهما الخطل ليمثلوا البلادة تمثيلا يلحقها ببلادة الحمار مشاهدة معاينة
ونحوه
ولما رأيت النسر عز ابن دأية
وعشش في وكريه جاش له صدري
لما شبه الشيب بالنسر والشعر الفاحم بالغراب أتبعه ذكر التعشيش والوكر
ونحوه قول بعض فتاكهم في امه
فما أم الردين وإن أدلت
بعالمة بأخلاق الكرام
إذا الشيطان قصع في قفاها
تنفقناه بالحبل التوام
أي اذا دخل الشيطان في قفاها استخرجناه من نافقائه بالحبل المثنى المحكم
يريد اذا حردت وأساءت الخلق اجتهدنا في إزالة غضبها وإماطة ما يسوء من خلقها استعار التقصيع اولا ثم ضم اليه التنفق ثم الحبل التوام
فكذلك لما ذكر سبحانه الشراء اتبعه ما يشاكله ويواخيه وما يكمل ويتم بانضمامه اليه تمثيلا لخسارهم وتصويرا لحقيقته
فإن قلت فما معنى قوله
) فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين (
قلت معناه ان الذي يطلبه التجار في متصرفاتهم شيئان سلامة رأس المال والربح
وهؤلاء قد أضاعوا الطلبتين معا لأن رأس مالهم كان هو الهدى فلم يبق لهم مع الضلالة
وحين لم يبق في أيديهم الا الضلالة لم يوصفوا بإصابة الربح وإن ظفروا بما ظفروا به من الأغراض الدنيوية لأن الضال خاسر دامر ولأنه لا يقال لمن لم يسلم له رأس

" صفحة رقم 109 "
ماله قد ربح وما كانوا مهتدين لطرق التجارة كما يكون التجار المتصرفون العالمون بما يربح فيهم ويخسر
مثلهم كمثل الذى استوقد نارا فلمآ أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمى فهم لا يرجعون - 18
البقرة : ( 17 ) مثلهم كمثل الذي . . . . .
لما جاء بحقيقة صفتهم عقبها بضرب المثل زيادة في الكشف وتتميما للبيان
ولضرب العرب الأمثال وإستحضار العلماء المثل والنظائر شأن ليس بالخفي في إبراز خبيات المعاني ورفع الأستار عن الحقائق حتى تريك المتخيل في صورة المحقق والمتوهم في معرض المتيقن والغائب كأنه مشاهد
وفيه تبكيت للخصم الألد وقمع لسورة الجامح الأبي ولأمر ما اكثر الله في كتابه المبين وفي سائر كتبه أمثاله وفشت في كلام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وكلام الأنبياء والحكماء
قال الله تعالى
) وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ( العنكبوت 43 ومن سور الإنجيل سورة الأمثال
والمثل في اصل كلامهم بمعنى المثل وهو النظير
يقال مثل ومثل ومثيل كشبه وشبه وشبيه
ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بمورده
مثل ولم يضربوا مثلا ولا راوه أهلا للتسيير ولا جديرا بالتداول والقبول الا قولا فيه غرابة من بعض الوجوه
ومن ثم حوفظ عليه وحمى من التغيير
فإن قلت ما معنى
) مثلهم كمثل الذي استوقد نارا (
وما مثل المنافقين ومثل الذي استوقد نارا حتى شبه أحد المثلين بصاحبه قلت قد استعير المثل استعارة الأسد للمقدام للحال أو الصفة أو القصة اذا كان لها شأن وفيها غرابة كانه قيل حالهم العجيبة الشأن كحال الذي استوقد نارا
وكذلك قوله
" مثل الجنة التى وعد المتقون " الرعد 35 أي وفيما قصصنا عليك من العجائب قصة الجنة العجيبة
ثم أخذ في بيان عجائبها
) ولله المثل الأعلى ( النحل 29 أي صفتهم وشأنهم المتعجب منه
ولما في المثل من معنى الغرابة قالوا فلان مثله في الخير والشر فاشتقوا منه صفة للعجيب الشأن
فإن قلت كيف مثلت الجماعة بالواحد قلت وضع الذي موضع الذين كقوله
) وخضتم كالذي خاضوا ( التوبة 69 والذي سوغ وضع الذي موضع الذين ولم يجز وضع القائم موضع القائمين ولا نحوه من الصفات أمران أحدهما ان الذي لكونه وصلة إلى وصف كل معرفة بجملة وتكاثر وقوعه في كلامهم ولكونه مستطالا بصلته حقيق بالتخفيف ولذلك نهكوه بالحذف فحذفوا ياءه ثم كسرته ثم اقتصروا به على اللام وحدها في أسماء الفاعلين والمفعولين

" صفحة رقم 110 "
والثاني أن جمعه ليس بمنزلة جمع غيره بالواو والنون
وإنما ذاك علامة لزيادة الدلالة
ألا ترى أن سائر الموصولات لفظ الجمع والواحد فيهن واحد أو قصد جنس المستوقدين أو اريد الجمع أو الفوج الذي استوقد نارا
على أن المنافقين وذواتهم لم يشبهوا بذات المستوقد حتى يلزم منه تشبيه الجماعة بالواحد إنما شبهت قصتهم بقصة المستوقد
ونحوه قوله
) مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا ( الجمعة 5 وقوله
) ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت ( محمد 20
ووقود النار سطوعها وارتفاع لهبها ومن إخواته وقل في الجبل اذا صعد وعلا والنار جوهر لطيف مضيء حار محرق
والنور ضوءها وضوء كل نير وهو نقيض الظلمة
واشتقاقها من نار ينور اذا نفر لأن فيها حركة واضطرابا والنور مشتق منها والاضاءة فرط الانارة ومصداق ذلك قوله
) هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا ( يونس 5 وهي في الآية متعدية
ويحتمل أن تكون غير متعدية مسندة إلى ما حوله والتانيث للحمل على المعنى لأن ما حول المستوقد اماكن وأشياء
ويعضده قراءة ابن أبي عبلة ( ضاءت ) وفيه وجه آخر وهو أن يستتر في الفعل ضمير النار
ويجعل اشراق ضوء النار حوله بمنزلة إشراق النار نفسها على ان ما مزيدة أو موصولة في معنى الأمكنة و
) حوله (
نصب على الظرف وتأليفه للدوران والإطافة
وقيل للعام حول لأنه يدور فإن قلت أين جواب لما قلت فيه وجهان احدهما ان جوابه
) ذهب الله بنورهم (
والثاني انه محذوف كما حذف في قوله
) فلما ذهبوا به ( يوسف 15
وإنما جاز حذفه لاستطالة الكلام مع امن الالباس للدال عليه وكان الحذف اولى من الإثبات لما فيه من الوجازة مع الإعراب عن الصفة التي حصل عليها المستوقد بما هو أبلغ من اللفظ في أداء المعنى كانه قيل فلما أضاءت ما حوله خمدت فبقوا خابطين في ظلام متحيرين متحسرين على فوت الضوء خائبين بعد الكدح في إحياء النار
فإن قلت فإذا قدر الجواب محذوفا فبم يتعلق
) ذهب الله بنورهم ( قلت يكون كلاما مستانفا
كأنهم لما شبهت حالهم بحال المستوقد الذي طفئت ناره اعترض سائل فقال ما بالهم قد أشبهت حالهم حال هذا المستوقد فقيل له ذهب الله بنورهم
أو يكون بدلا من جملة التمثيل على سبيل البيان فإن قلت قد رجع الضمير في هذا الوجه إلى المنافقين فما مرجعه في الوجه الثاني قلت مرجعه الذي استوقد لأنه في معنى الجمع
واما جمع هذا الضمير وتوحيده في
) حوله (
فللحمل على اللفظ تارة وعلى المعنى أخرى
فإن قلت فما معنى إسناد الفعل إلى الله تعالى في قوله
) ذهب الله بنورهم (
قلت اذا طفئت النار بسبب سماوي ريح أو مطر فقد أطفأها الله تعالى

" صفحة رقم 111 "
وذهب بنور المستوقد
ووجه آخر وهو أن يكون المستوقد في هذا الوجه مستوقد نار لا يرضاها الله
ثم إما أن تكون نارا مجازية كنار الفتنة والعداوة للإسلام وتلك النار متقاصرة مدة اشتعالها قليلة البقاء
الا ترى إلى قوله
) كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ( المائدة 64 وإما نارا حقيقية أوقدها الغواة ليتوصلوا بالاستضاءة بها إلى بعض المعاصي ويتهدوا بها في طرق العبث فأطفأها الله وخيب امانيهم
فإن قلت كيف صح في النار المجازية ان توصف بإضاءة ما حول المستوقد قلت هو خارج على طريقة المجاز المرشح فأحسن تدبره
فإن قلت هلا قيل ذهب الله بضوئهم لقوله
) فلما أضاءت (
قلت ذكر النور أبلغ لأن الضوء فيه دلالة على الزيادة
فلو قيل ذهب الله بضوئهم لأوهم الذهاب بالزيادة وبقاء ما يسمى نورا والغرض إزالة النور عنهم رأسا وطمسه أصلا
ألا ترى كيف ذكر عقيبه
) وتركهم في ظلمات (
والظلمة عبارة عن عدم النور وانطماسه وكيف جمعها وكيف نكرها وكيف اتبعها ما يدل على انها ظلمة مبهمة لا يتراءى فيها شبحان وهو قوله
) لا يبصرون (
فإن قلت فلم وصفت بالإضاءة قلت هذا على مذهب قولهم للباطل صولة ثم يضمحل ولريح الضلالة عصفة ثم تخفت ونار العرفج مثل لنزوة كل طماح
والفرق بين اذهبه وذهب به ان معنى أذهبه ازاله وجعله ذاهبا
ويقال ذهب به اذا استصحبه ومضى به معه
وذهب السلطان بماله اخذه فلما ذهبوا به
" اذا لذهب كل إلاه بما خلق " المؤمنون 91
ومنه ذهب به الخيلاء والمعنى أخذ الله نورهم وامسكه
) وما يمسك فلا مرسل له ( فاطر 2 فهو أبلغ من الإذهاب
وقرأ اليماني أذهب الله نورهم وترك بمعنى طرح وخلى اذا علق بواحد كقولهم تركه ترك ظبي ظله فإذا علق بشيئين كان مضمنا معنى صير فيجرى مجرى أفعال القلوب كقول عنترة
فتركته جزر السباع ينشنه
ومنه قوله
) وتركهم في ظلمات (
أصله هم في ظلمات ثم دخل ترك فنصب الجزأين
والظلمة عدم النور وقيل عرض ينافي النور واشتقاقها من قولهم ما ظلمك ان تفعل كذا أي ما منعك وشغلك لأنها تسد البصر وتمنع الرؤية
وقرأ الحسن ( ظلمات ) بسكون اللام وقرأ اليماني ( في ظلمة ) على التوحيد
والمفعول الساقط من
) لا يبصرون (

" صفحة رقم 112 "
من قبيل المتروك المطرح الذي لا يلتفت إلى إخطاره بالبال لا من قبيل المقدر المنوى كأن الفعل غير متعد أصلا نحو
) يعمهون ( في قوله
) ويذرهم في طغيانهم ( الأعراف 186
فإن قلت فيم شبهت حالهم بحال المستوقد قلت في انهم غب الاضاءة خبطوا في ظلمة وتورطوا في حيرة
فإن قلت وأين الإضاءة في حال المنافق وهل هو أبدا الا حائر خابط في ظلماء الكفر قلت المراد ما استضاءوا به قليلا من الانتفاع بالكلمة المجرأة على ألسنتهم ووراء استضاءتهم بنور هذه الكلمة ظلمة النفاق التي ترمي بهم إلى ظلمة سخط الله وظلمة العقاب السرمد
ويجوز ان يشبه بذهاب الله بنور المستوقد اطلاع الله على أسرارهم وما افتضحوا به بين المؤمنين واتسموا به من سمة النفاق
والأوجه ان يراد الطبع لقوله
) صم بكم عمي (
وفي الآية تفسير آخر وهو انهم لما وصفوا بأنهم اشتروا الضلالة بالهدى عقب ذلك بهذا التمثيل ليمثل هداهم الذي باعوه بالنار المضيئة ما حول المستوقد والضلالة التي اشتروها وطبع بها على قلوبهم بذهاب الله بنورهم وتركه إياهم في الظلمات
وتنكير النار للتعظيم كانت حواسهم سليمة ولكن لما سدوا عن الإصاخة إلى الحق مسامعهم وأبوا ان ينطقوا به ألسنتهم وان ينظروا ويتبصروا بعيونهم جعلوا كانما أيفت مشاعرهم وانتقضت بناها التى بنيت عليها للإحساس والإدراك كقوله
صم اذا سمعوا خيرا ذكرت به
وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
( أصم عما ساءه سميع )
( أصم عن الشيءا الذي لاأريده وأسمع خلق الله حين أريد )
( فاصممت عمرا واعميته
عن الجود والفخر يوم الفخار )
فإن قلت كيف طريقته عند علماء البيان قلت طريقة قولهم هم ليوث للشجعان وبحور للأسخياء
الا ان هذا في الصفات وذاك في الأسماء وقد جاءت الاستعارة في الأسماء والصفات والأفعال جميعا
تقول رأيت ليوثا ولقيت صما عن الخير ودجا الإسلام وأضاء الحق فإن قلت هل يسمى ما في الآية استعارة قلت مختلف فيه والمحققون على تسميته تشبيها بليغا لا استعارة لأن المستعار له مذكور وهم المنافقون
والاستعارة إنما تطلق حيث يطوى ذكر المستعار له ويجعل الكلام خلوا عنه صالحا لأن يراد به المنقول عنه والمنقول اليه لولا دلالة الحال أو فحوى الكلام كقول زهير

" صفحة رقم 113 "
لدى أسد شاكى السلاح مقذف
له لبد أظفاره لم تقلم
ومن ثم ترى المفلقين السحرة منهم كانهم يتناسون التشبيه ويضربون عن توهمه صفحا
قال أبو تمام
ويصعد حتى يظن الجهول
بان له حاجة في السماء
وبعضهم
لا تحسبوا ان في سرباله رجلا
ففيه غيث وليث مسبل مشبل
وليس لقائل ان يقول طوى ذكرهم عن الجملة بحذف المبتدأ فأتسلق بذلك إلى تسميته استعارة لأنه في حكم المنطوق به نظيره قول من يخاطب الحجاج
أسد علي وفي الحروب نعامة
فتخاء تنفر من صفير الصافر
ومعنى
) لا يرجعون (
أنهم لا يعودون إلى الهدى بعد ان باعوه أو عن الضلالة بعد ان اشتروها تسجيلا عليهم بالطبع أو أراد أنهم بمنزلة المتحيرين الذين بقوا جامدين في مكانهم لا يبرحون ولا يدرون أيتقدمون أم يتأخرون وكيف يرجعون إلى حيث ابتدءوا منه
أو كصيب من السمآء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم فىءاذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين يكاد البرق يخطف أبصارهم كلمآ أضآء لهم مشوا فيه وإذآ أظلم عليهم قاموا ولو شآء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شىء قدير - 20
البقرة : ( 19 ) أو كصيب من . . . . .
ثم ثنى الله سبحانه في شأنهم بتمثيل آخر ليكون كشفا لحالهم بعد كشف وايضاحا غب إيضاح
وكما يجب على البليغ في مظان الإجمال والايجاز ان يجمل ويوجز فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل والاشباع ان يفصل ويشبع
أنشد الجاحظ
( يوحون بالخطب الطوال وتارة وحي الملاحظ خيفة الرقباء )
ومما ثنى من التمثيل في التنزيل قوله
) وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات ( فاطر 21 وألا ترى إلى ذي الرمة كيف صنع في قصيدته

" صفحة رقم 114 "
أذاك أم نمش بالوشي أكرعه
أذاك أم خاضب بالسي مرتعه
فإن قلت قد شبه المنافق في التمثيل الأول بالمستوقد نارا وإظهاره الإيمان بالإضاءة وانقطاع انتفاعه بانطفاء النار فما ذا شبه في التمثيل الثاني بالصيب وبالظلمات وبالرعد وبالبرق وبالصواعق قلت لقائل ان يقول شبه دين الإسلام بالصيب لأن القلوب تحيا به حياة الأرض بالمطر
وما يتعلق به من شبه الكفار بالظلمات
وما فيه من الوعد والوعيد بالرعد والبرق
وما يصيب الكفرة من الإفزاع والبلايا والفتن من جهة أهل الإسلام بالصواعق
والمعنى أو كمثل ذوي صيب والمراد كمثل قوم أخذتهم السماء على هذه الصفة فلقوا منها ما لقوا
فإن قلت هذا تشبيه أشياء بأشياء فأين ذكر المشبهات وهلا صرح به كما في قوله
" وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء " غافر 58 وفي قول امرىء القيس
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا
لدى وكرها العناب والحشف البالي
قلت كما جاء ذلك صريحا فقد جاء مطويا ذكره على سنن الاستعارة كقوله تعالى
) وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ( فاطر 12
) ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل ( الزمر 39 والصحيح الذي عليه علماء البيان لا يتخطونه ان التمثيلين جميعا من جملة التمثيلات المركبة دون المفرقة لا يتكلف الواحد واحد شيء يقدر شبهه به وهو القول الفحل والمذهب الجزل بيانه ان العرب تأخذ أشياء فرادى معزولا بعضها من بعض لم يأخذ هذا بحجزة ذاك فتشبهها بنظائرها كما فعل امرؤ القيس وجاء في القرآن وتشبه كيفية حاصلة من مجموع أشياء قد تضامت وتلاصقت حتى عادت شيئا واحدا بأخرى مثلها كقوله تعالى
) مثل الذين حملوا التوراة ( الجمعة 5 الآية
الغرض تشبيه حال اليهود في جهلها بما معها من التوراة وآياتها الباهرة بحال الحمار في جهله بما يحمل من أسفار الحكمة وتساوي الحالتين عنده من حمل أسفار الحكمة وحمل ما سواها من

" صفحة رقم 115 "
الأوقار لا يشعر من ذلك الا بما يمر بدفيه من الكد والتعب
وكقوله
) واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء ( الكهف 45 المراد قلة بقاء زهرة الدنيا كقلة بقاء الخضر
فأما ان يراد تشبيه الأفراد بالأفراد غير منوط بعضها ببعض ومصيره شيئا واحدا فلا فكذلك لما وصف وقوع المنافقين في ضلالتهم وما خبطوا فيه من الحيرة والدهشة شبهت حيرتهم وشدة الأمر عليهم بما يكابد من طفئت ناره بعد إيقادها في ظلمة الليل وكذلك من أخذته السماء في الليلة المظلمة مع رعد وبرق وخوف من الصواعق
فإن قلت الذي كنت تقدره في المفرق من التشبيه من حذف المضاف وهو قولك أو كمثل ذوي صيب هل تقدر مثله في المركب منه قلت لولا طلب الراجع في قوله تعالى
" يجعلون أصابعهم في ءاذانهم "
ما يرجع اليه لكنت مستغنيا عن تقديره لأني أراعي الكيفية المنتزعة من مجموع الكلام فلا علي أولي حرف التشبيه مفرد يتأتى التشبيه به أم لم يله
ألا ترى إلى قوله
) إنما مثل الحياة الدنيا ( يس 24 كيف ولي الماء الكاف وليس الغرض تشبيه الدنيا بالماء ولا بمفرد آخر يتمحل لتقديره
ومما هو بين في هذا قول لبيد
وما الناس الا كالديار وأهلها
بها يوم حلوها وغدوا بلاقع
لم يشبه الناس بالديار وإنما شبه وجودهم في الدنيا وسرعة زوالهم وفنائهم بحلول أهل الديار فيها ووشك نهوضهم عنها وتركها خلاء خاوية
فإن قلت أي التمثيلين أبلغ قلت الثاني لأنه أدل على فرط الحيرة وشدة الأمر وفظاعته ولذلك آخر وهم يتدرجون في نحو هذا من الأهون إلى الأغلظ
فإن قلت لم عطف أحد التمثيلين على الآخر بحرف الشك قلت أو في أصلها لتساوي شيئين فصاعدا في الشك ثم اتسع فيها فاستعيرت للتساوي في غير الشك وذلك قولك جالس الحسن أو ابن سيرين تريد أنهما سيان في استصواب ان يجالسا ومنه قوله تعالى
) ولا تطع منهم آثما أو كفورا ( الانسان 24 أي الآثم والكفور متساويان في وجوب عصيانهما فكذلك قوله
) أو كصيب (
معناه ان كيفية قصة المنافقين مشبهة لكيفيتي هاتين القصتين وان القصتين سواء في استقلال كل واحدة منهما بوجه التمثيل فبأيتهما مثلتها فانت مصيب وإن مثلتها بهما جميعا فكذلك
والصيب المطر الذي يصوب أي ينزل ويقع ويقال للسحاب صيب أيضا قال الشماخ
وأسحم دان صادق الرعد صيب

" صفحة رقم 116 "
وتنكير صيب لأنه أريد نوع من المطر شديد هائل
كما نكرت النار في التمثيل الأول وقرىء كصائب والصيب أبلغ والسماء هذه المظلة
وعن الحسن انها موج مكفوف فإن قلت قوله
) من السماء ( ما الفائدة في ذكره والصيب لا يكون الا من السماء
قلت الفائدة فيه انه جاء بالسماء معرفة فنفي ان يتصوب من سماء أي من أفق واحد من بين سائر الآفاق لأن كل أفق من آفاقها سماء كما أن كل طبقة من الطباق سماء في قوله
) وأوحى في كل سماء أمرها ( فصلت 12
الدليل عليه قوله
ومن بعد أرض بيننا وسماء
والمعنى انه غمام مطبق آخذ بآفاق السماء كما جاء بصيب
وفيه مبالغات من جهة التركيب والبناء والتنكير
أمد ذلك بان جعله مطبقا وفيه ان السحاب من السماء ينحدر ومنها يأخذ ماءه لا كزعم من يزعم انه يأخذه من البحر ويؤيده قوله تعالى
) وينزل من السماء من جبال فيها من برد ( النور 43 فإن قلت بم ارتفع ظلمات قلت بالظرف على الاتفاق لاعتماده على موصوف
والرعد الصوت الذي يسمع من السحاب كأن أجرام السحاب تضطرب وتنتقض اذا حدتها الريح فتصوت عند ذلك من الارتعاد
والبرق الذي يلمع من السحاب من برق الشيء بريقا اذا لمع
فإن قلت قد جعل الصيب مكانا للظلمات فلا يخلو من ان يراد به السحاب أو المطر فأيهما أريد فما ظلماته قلت اما ظلمات السحاب فاذا كان أسحم مطبقا فظلمتا سجمته وتطبيقه مضمومة اليهما ظلمة الليل
واما ظلمات المطر فظلمة تكاثفه وانتساجه بتتابع القطر وظلمة إظلال غمامه مع ظلمة الليل
فإن قلت كيف يكون المطر مكانا للبرق والرعد وإنما مكانهما السحاب قلت إذا كانا في أعلاه ومصبه وملتبسين في الجملة فهما فيه
ألا تراك تقول فلان في البلد وما هو منه الا في حيز يشغله جرمه فإن قلت هلا جمع الرعد والبرق أخذا بالأبلغ كقول البحتري
يا عارضا متلفعا ببروده
يختال بين بروقه ورعوده
وكما قيل ظلمات قلت فيه وجهان احدهما ان يراد العينان ولكنهما لما كانا مصدرين في الأصل يقال رعدت السماء رعدا وبرقت برقا روعى حكم أصلهما بأن

" صفحة رقم 117 "
ترك جمعهما وإن أريد معنى الجمع
والثاني ان يراد الحدثان كأنه قيل وإرعاد وإبراق
وإنما جاءت هذه الأشياء منكرات لأن المراد أنواع منها كانه قيل فيه ظلمات داجية ورعد قاصف وبرق خاطف
وجاز رجوع الضمير في يجعلون إلى أصحاب الصيب مع كونه محذوفا قائما مقامه الصيب كما قال
) أو هم قائلون ( الأعراف 4 لأن المحذوف باق معناه وإن سقط لفظه
ألا ترى إلى حسان كيف عول على بقاء معناه في قوله
يسقون من ورد البريص عليهم
بردى يصفق بالرحيق السلسل
حيث ذكر يصفق لأن المعنى ماء بردى ولا محل لقوله
) يجعلون (
لكونه مستأنفا لأنه لما ذكر الرعد والبرق على ما يؤذن بالشدة والهول فكأن قائلا قال فكيف حالهم مع مثل ذلك الرعد فقيل
" يجعلون أصابعهم في ءاذانهم "
ثم قال فكيف حالهم مع مثل ذلك البرق فقيل يكاد البرق يخطف أبصارهم
فإن قلت رأيس الأصبع هو الذي يجعل في الأذن فهلا قيل اناملهم قلت هذا من الاتساعات في اللغة التى لا يكاد الحاصر يحصرها كقوله
" فاغسلوا وجوهكم وأيدكم " المائدة 6
) فاقطعوا أيديهما ( المائدة 6 أراد البعض الذي هو إلى المرفق والذي إلى الرسغ
وأيضا ففي ذكر الأصابع من المبالغة ما ليس في ذكر الأنامل
فإن قلت فالأصبع التى تسد بها الأذن اصبع خاصة فلم ذكر الاسم العام دون الخاص قلت لأن السبابة فعالة من السب فكان اجتنابها أولى بآداب القرآن ألا ترى أنهم قد استبشعوها فكنوا عنها بالمسبحة

" صفحة رقم 118 "
والسباحة والمهللة والدعاءة
فإن قلت فهلا ذكر بعض هذه الكنايات قلت هي ألفاظ مستحدثة لم يتعارفها الناس في ذلك العهد وإنما احدثوها بعد
وقوله
) من الصواعق (
متعلق بيجعلون أي من اجل الصواعق يجعلون أصابعهم في آذانهم كقولك سقاه من العيمة
والصاعقة قصفة رعد تنقض معها شقة من نار قالوا تنقدح من السحاب اذا اصطكت أجرامه وهي نار لطيفة حديدة
لا تمر بشيء الا اتت عليه الا انها مع حدتها سريعة الخمود
يحكى انها سقطت على نخلة فأحرقت نحو النصف ثم طفئت
ويقال صعقته الصاعقة اذا اهلكته فصعق أي مات إما بشدة الصوت أو بالاحراق ومنه قوله تعالى
) وخر موسى صعقا ( الأعراف 143
وقرأ الحسن ( من الصواقع ) وليس بقلب للصواعق لأن كلا البنائين سواء في التصرف واذا استويا كان كل واحد بناء على حياله
الا تراك تقول صقعه على رأسه وصقع الديك وخطيب مصقع مجهر بخطبته ونظيره جبذ في جذب ليس بقلبه لاستوائهما في التصرف وبناؤها إما ان يكون صفة لقصفة الرعد أو للرعد والتاء مبالغة كما في الراوية أو مصدرا كالكاذبة والعافية
وقرأ ابن أبي ليلى حذار الموت وانتصب على انه مفعول له كقوله
( واغفر عوراء الكريم ادخاره )
والموت فساد بنية الحيوان وقيل عرض لا يصح معه احساس معاقب للحياة
وإحاطة الله بالكافرين مجاز والمعنى انهم لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط به حقيقة
وهذه الجملة اعتراض لا محل لها والخطف الأخذ بسرعة وقرأ مجاهد يخطف بكسر الطاء والفتح أفصح وأعلى وعن ابن مسعود يختطف وعن الحسن يخطف بفتح الياء والخاء وأصله يختطف
وعنه يخطف بكسرهما على اتباع الياء الخاء
وعن زيد بن علي يخطف من خطف وعن أبي يتخطف من قوله
" وتخطف الناس من حولهم " العنكبوت 67
) كلما أضاء لهم (
استئناف ثالث كأنه جواب لمن يقول كيف يصنعون في تارتي خفوق البرق وخفيته وهذا تمثيل لشدة الأمر على المنافقين بشدته على أصحاب الصيب وما هم فيه من غاية التحير والجهل بما يأتون

" صفحة رقم 119 "
وما يذرون اذا صادفوا من البرق خفقة مع خوف ان يخطف أبصارهم انتهزوا تلك الخفقة فرصة فخطوا خطوات يسيرة فاذا خفى وفتر لمعانه بقوا واقفين متقيدين عن الحركة ولو شاء الله لزاد في قصيف الرعد فأصمهم أو في ضوء البرق فأعماهم
وأضاء إما متعد بمعنى كلما نور لهم ممشى ومسلكا أخذوه والمفعول محذوف
وإما غير متعد بمعنى كلما لمع لهم
) مشوا (
في مطرح نوره وملقى ضوئه
ويعضده قراءة ابن أبي عبلة كلما ضاء لهم والمشي جنس الحركة المخصوصة فاذا اشتد فهو سعي فاذا ازداد فهو عدو فإن قلت كيف قيل مع الاضاءة كلما ومع الإظلام اذا قلت لأنهم حراص على وجود ما همهم به معقود من إمكان المشي وتأتيه فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها وليس كذلك التوقف والتحبس
وأظلم يحتمل ان يكون غير متعد وهو الظاهر وأن يكون متعديا منقولا من ظلم الليل وتشهد له قراءة يزيد بن قطيب أظلم على ما لم يسم فاعله
وجاء في شعر حبيب بن أوس
" هما أظلما حالي ثمت أجليا ظلاميهما عن وجه امرد أشيب "
وهو وإن كان محدثا لا يستشهد بشعره في اللغة فهو من علماء العربية فاجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه
ألا ترى إلى قول العلماء الدليل عليه بيت الحماسة فيقتنعون بذلك لوثوقهم بروايته وإتقانه
ومعنى
) قاموا (
وقفوا وثبتوا في مكانهم
ومنه قامت السوق اذا ركدت وقام الماء جمد ومفعول
) شاء (
محذوف لأن الجواب يدل عليه والمعنى ولو شاء الله ان يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بها ولقد تكاثر هذا الحذف في شاء وأراد لا يكادون يبرزون المفعول الا في الشيء المستغرب كنحو قوله
فلو شئت ان أبكي دما لبكيته
وقوله تعالى
) لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا ( الأنبياء 17
) لو أراد الله أن يتخذ ولدا ( الزمر 4
وأراد ولو شاء الله لذهب بسمعهم بقصيف الرعد وأبصارهم بوميض البرق
وقرأ ابن أبي عبلة لأذهب بأسماعهم بزيادة الباء كقوله
) ولا تلقوا بأيديكم ( البقرة 195
والشيء ما صح ان يعلم ويخبر عنه قال سيبويه في ساقة الباب المترجم بباب مجاري أواخر الكلم من العربية وإنما يخرج

" صفحة رقم 120 "
التأنيث من التذكير
ألا ترى أن الشيء يقع على كل ما أخبر عنه من قبل أن يعلم أذكر هو أم أنثى والشيء مذكر وهو أعم العام كما أن الله أخص الخاص يجري على الجسم والعرض والقديم
تقول شيء لا كالأشياء أي معلوم لا كسائر المعلومات وعلى المعدوم والمحال فإن قلت كيف قيل
" على كل شيء قدير "
وفي الأشياء ما لا تعلق به للقادر كالمستحيل وفعل قادر آخر قلت مشروط في حد القادر ان لا يكون الفعل مستحيلا فالمستحيل مستثنى في نفسه عند ذكر القادر على الأشياء كلها فكأنه قيل على كل شيء مستقيم قدير
ونظيره فلان امير على الناس أي على من وراءه منهم ولم يدخل فيهم نفسه وان كان من جملة الناس
واما الفعل بين قادرين فمختلف فيه فإن قلت مم اشتقاق القدير قلت من التقدير لأنه يوقع فعله على مقدار قوته واستطاعته وما يتميز به عن العاجز
ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون
البقرة : ( 21 ) يا أيها الناس . . . . .
لما عدد الله تعالى فرق المكلفين من المؤمنين والكفار والمنافقين وذكر صفاتهم وأحوالهم ومصارف أمورهم وما اختصت به كل فرقة مما يسعدها ويشقيها ويحظيها عند الله ويرديها أقبل عليهم بالخطاب وهو من الالتفات المذكور عند قوله
) إياك نعبد وإياك نستعين ( وهو فن من الكلام جزل فيه هز وتحريك من السامع كما انك إذا

" صفحة رقم 121 "
قلت لصاحبك حاكيا عن ثالث لكما إن فلانا من قصته كيت وكيت فقصصت عليه ما فرط منه ثم عدلت بخطابك إلى الثالث فقلت يا فلان من حقك ان تلزم الطريقة الحميدة في مجاري امورك وتستوي على جادة السداد في مصادرك ومواردك
نبهته بالتفاتك نحوه فضل تنبيه وأستدعيت اصغاءه إلى إرشادك زيادة استدعاء وأوجدته بالانتقال من الغيبة إلى المواجهة هازا من طبعه مالا يجده اذا إستمررت على لفظ الغيبة وهكذا الافتنان في الحديث والخروج فيه من صنف إلى صنف يستفتح الآذان للاستماع ويستهش الأنفس للقبول وبلغنا بإسناد صحيح عن إبراهيم عن علقمة أن كل شيء نزل فيه ( يا أيها الناس ) فهو مكي و ( يا أيها الذين آمنوا ) فهو مدني فقوله ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم ) خطاب لمشركي مكة و يا ) حرف وضع في أصله لنداء البعيد صوت يهتف به الرجل بمن يناديه
واما نداء القريب فله أي والهمزة ثم استعمل في مناداة من سها وغفل وإن قرب
تنزيلا له منزلة من بعد فإذا نودي به القريب المفاطن فذلك للتأكيد المؤذن بان الخطاب الذي يتلوه معني به جدا
فإن قلت فما بال الداعي يقول في جؤاره يا رب ويا الله وهو أقرب اليه من حبل الوريد واسمع به وأبصر قلت هو استقصار منه لنفسه واستبعاد لها من مظان الزلفى وما يقربه إلى رضوان الله ومنازل المقربين هضما لنفسه واقرارا عليها بالتفريط في جنب الله مع فرط التهالك على استجابة دعوته والإذن لندائه وابتهاله و أي ) وصلة إلى نداء ما فيه الألف واللام كما ان ذو والذي وصلتان إلى الوصف بأسماء الأجناس ووصف المعارف بالجمل
وهو اسم مبهم مفتقر إلى ما يوضحه ويزيل ابهامه فلا بد ان يردفه اسم جنس أو ما يجري مجراه يتصف به حتى يصح المقصود بالنداء فالذي يعمل فيه حرف النداء هو أي والاسم التابع له صفته كقولك يا زيد الظريف الا أن أيا لا يستقل بنفسه استقلال زيد فلم ينفك من الصفة
وفي هذا التدرج من الإبهام إلى التوضيح ضرب من التأكيد والتشديد وكلمة التنبيه المقحمة بين الصفة وموصوفها لفائدتين معاضدة حرف النداء ومكانفته بتأكيد معناه ووقوعها عوضا مما يستحقه أي من الإضافة
فإن قلت لم كثر في كتاب الله النداء على هذه الطريقة ما لم يكثر في غيره قلت لاستقلاله بأوجه

" صفحة رقم 122 "
من التأكيد وأسباب من المبالغة لأن كل ما نادى الله له عباده من اوامره ونواهيه وعظاته وزواجره ووعده ووعيده واقتصاص أخبار الأمم الدارجة عليهم وغير ذلك مما أنطق به كتابه أمور عظام وخطوب جسام ومعان عليهم أن يتيقظوا لها ويميلوا بقلوبهم وبصائرهم اليها وهم عنها غافلون
فاقتضت الحال أن ينادوا بالآكد الأبلغ
فإن قلت لا يخلو الأمر بالعبادة من أن يكون متوجها إلى المؤمنين والكافرين جميعا أو إلى كفار مكة خاصة على ما روى عن علقمة والحسن فالمؤمنون عابدون ربهم فكيف امروا بما هم ملتبسون به وهل هو الا كقول القائل
فلو اني فعلت كنت من
تسأله وهو قائم ان يقوما
واما الكفار فلا يعرفون الله ولا يقرون به فكيف يعبدونه قلت المراد بعبادة المؤمنين ازديادهم منها وإقبالهم وثباتهم عليها
واما عبادة الكفار فمشروط فيها ما لا بدلها منه وهو الإقرار كما يشترط على المأمور بالصلاة شرائطها من الوضوء والنية وغيرهما وما لا بد للفعل منه فهو مندرج تحت الأمر به وإن لم يذكر حيث لم ينفعل الا به وكان من لوازمه
على ان مشركي مكة كانوا يعرفون الله ويعترفون به
) ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ( الزخرف 87
فإن قلت فقد جعلت قوله
) اعبدوا (
متناولا شيئين معا الأمر بالعبادة والأمر بازديادها
قلت الازدياد من العبادة عبادة وليس شيئا آخر
فإن قلت
) ربكم (
ما المراد به قلت كان المشركون معتقدين ربوبيتين ربوبية الله وربوبية آلهتهم
فإن خصوا بالخطاب فالمراد به اسم يشترك فيه رب السموات والأرض والآلهة التى كانوا يسمونها أربابا وكان قوله
) الذي خلقكم (
صفة موضحة مميزة وإن كان الخطاب للفرق جميعا فالمراد به ربكم على الحقيقة
والذي خلقكم صفة جرت عليه على طريق المدح والتعظيم ولا يمتنع هذا الوجه في خطاب الكفرة خاصة الا أن الأول أوضح وأصح
والخلق ايجاد الشيء على تقدير واستواء
يقال خلق النعل اذا قدره وسواها بالمقياس وقرأ أبو عمرو
) خلقكم ( بالإدغام
وقرأ ابن السميفع وخلق من قبلكم وفي قراءة زيد بن علي ( والذين من قبلكم ) وهي قراءة مشكلة ووجهها على إشكالها ان يقال أقحم الموصول الثاني بين الأول وصلته تأكيدا كما أقحم جرير في قوله

" صفحة رقم 123 "
( يا تيم تيم عدي لا أبالكم )
تيما الثاني بين الأول وما أضيف اليه وكإقحامهم لام الإضافة بين المضاف والمضاف اليه في لا أبالك ولعل للترجي أو الإشفاق
تقول لعل زيدا يكرمني ولعله يهينني
وقال الله تعالى
) لعله يتذكر أو يخشى ( طه 44
" ولعل الساعة قريب " الشورى 17 ألا ترى إلى قوله
) والذين آمنوا مشفقون منها ( الشورى 18 وقد جاءت على سبيل الاطماع في مواضع من القرآن ولكن لأنه إطماع من كريم رحيم اذا أطمع فعل ما يطمع فيه لا محالة لجري اطماعه مجرى وعده المحتوم وفاؤه به قال من قال ان ( لعل ) بمعنى كي ولعل لا تكون بمعنى كي
ولكن الحقيقة ما ألقيت اليك وأيضا فمن ديدن الملوك وما عليه اوضاع أمرهم ورسومهم أن يقتصروا في مواعيدهم التي يوطنون أنفسهم على انجازها على أن يقولوا عسى ولعل ونحوهما من الكلمات أو يخيلوا إخالة
أو يظفر منهم بالرمزة أو الابتسامة أو النظرة الحلوة فإذا عثر على شيء من ذلك منهم لم يبق للطالب ما عندهم شك في النجاح والفوز بالمطلوب
فعلى مثله ورد كلام مالك الملوك ذي العز والكبرياء
أو يجيء على طريق الإطماع دون التحقيق لئلا يتكل العباد كقوله
) يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ( التحريم 8
فإن قلت ف لعل ) التي في الآية ما معناها وما موقعها قلت ليست مما ذكرناه في شيء لأن قوله
) خلقكم (
) لعلكم تتقون (
لا يجوز أن يحمل على رجاء الله تقواهم لان الرجاء لا يجوز على عالم الغيب والشهادة وحمله على ان يخلقهم راجين للتقوى ليس بسديد أيضا
ولكن ( لعل ) واقعة في الآية موقع المجاز لا الحقيقة لأن الله عز وجل خلق عباده ليتعبدهم بالتكليف وركب فيهم العقول والشهوات وأزاح العلة في أقدارهم وتمكينهم وهداهم النجدين ووضع في أيديهم زمام الاختيار وأراد منهم الخير والتقوى
فهم في صورة المرجو منهم أن يتقوا يترجح أمرهم وهم مختارون بين الطاعة والعصيان كما ترجحت

" صفحة رقم 124 "
حال المرتجي بين أن يفعل وأن لا يفعل ومصداقه قوله عز وجل
) ليبلوكم أيكم أحسن عملا ( هود 7 الملك 2 وإنما يبلو ويختبر من تخفى عليه العواقب ولكن شبه بالاختبار بناء أمرهم على الإختيار
فإن قلت كما خلق المخاطبين لعلهم يتقون فكذلك خلق الذين من قبلهم لذلك فلم قصره عليهم دون من قبلهم قلت لم يقصره عليهم ولكن غلب المخاطبين على الغائبين في اللفظ والمعنى على إرادتهم جميعا
فإن قلت فهلا قيل تعبدون لأجل اعبدوا أو اتقوا لمكان تتقون ليتجاوب طرفا النظم
قلت ليست التقوى غير العبادة حتى يؤدي ذلك إلى تنافر النظم
وإنما التقوى قصارى أمر العابد ومنتهى جهده
فإذا قال
) اعبدوا ربكم الذي خلقكم (
للاستيلاء على أقصى غايات العبادة كان أبعث على العبادة وأشد الزاما لها وأثبت لها في النفوس ونحوه أن تقول لعبدك احمل خريطة الكتب فما ملكتك يميني الا لجر الأثقال
ولو قلت لحمل خرائط الكتب لم يقع من نفسه ذلك الموقع
الذى جعل لكم الأرض فراشا والسمآء بنآء وأنزل من السمآء مآء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون
البقرة : ( 22 ) الذي جعل لكم . . . . .
قدم سبحانه من موجبات عبادته وملزمات حق الشكر له خلقهم أحياء قادرين أولا لأنه سابقة أصول النعم ومقدمتها والسبب في التمكن من العبادة والشكر وغيرهما ثم خلق الأرض التي هي مكانهم ومستقرهم الذي لا بد لهم منه وهي بمنزلة عرصة المسكن ومتقلبه ومفترشه ثم خلق السماء التي هي كالقبة المضروبة والخيمة المطنبة على هذا القرار ثم ما سواه عز وجل من شبه عقد النكاح بين المقلة والمظلة بإنزال الماء منها عليها
والإخراج به من بطنها أشباه النسل المنتج من الحيوان من الوان الثمار رزقا لبني آدم ليكون لهم ذلك معتبرا ومتسلقا إلى النظر الموصل إلى التوحيد والاعتراف ونعمة يتعرفونها فيقابلونها بلازم الشكر ويتفكرون في خلق أنفسهم وخلق ما فوقهم وتحتهم وان شيئا من هذه المخلوقات كلها لا يقدر على ايجاد شيء منها فيتيقنوا عند ذلك ان لا بد لها من خالق ليس كمثلها حتى لا يجعلوا المخلوقات له اندادا وهم

" صفحة رقم 125 "
يعلمون أنها لا تقدر على نحو ما هو عليه قادر والموصول مع صلته إما أن يكون في محل النصب وصفا كالذي خلقكم أو على المدح والتعظيم وإما أن يكون رفعا على الابتداء وفيه ما في النصب من المدح وقرأ يزيد الشامي بساطا
وقرأ طلحة مهادا ومعنى جعلها فراشا وبساطا ومهادا للناس أنهم يقعدون عليها وينامون ويتقلبون كما يتقلب أحدهم على فراشه وبساطه ومهاده
فإن قلت هل فيه دليل على أن الأرض مسطحة وليست بكرية قلت ليس فيه إلا أن الناس يفترشونها كما يفعلون بالمفارش وسواء كانت على شكل السطح أو شكل الكرة فالإفتراش غير مستنكر ولا مدفوع لعظم حجمها واتساع جرمها وتباعد أطرافها
وإذا كان متسهلا في الجبل وهو وتد من اوتاد الأرض فهو في الأرض ذات الطول والعرض أسهل
والبناء مصدر سمي به المبني بيتا كان أو قبة أو خباء أو طرافا وأبنية العرب أخبيتهم ومنه بنى على امرأته لأنهم كانوا اذا تزوجوا ضربوا عليها خباء جديدا
فإن قلت ما معنى إخراج الثمرات بالماء وإنما خرجت بقدرته ومشيئته قلت المعنى انه جعل الماء سببا في خروجها ومادة لها كماء الفحل في خلق الولد وهو قادر على ان ينشىء الأجناس كلها بلا أسباب ولا مواد كما أنشأ نفوس الأسباب والمواد ولكن له في انشاء الأشياء مدرجا لها من حال إلى حال وناقلا من مرتبة إلى مرتبة حكما ودواعي يجدد فيها لملائكته والنظار بعيون الاستبصار من عباده عبرا وأفكارا صالحة وزيادة طمأنينة وسكون إلى عظيم قدرته وغرائب حكمته ليس ذلك في انشائها بغتة من غير تدريج وترتيب و من ) في
) من الثمرات (
للتبعيض بشهادة قوله
) فأخرجنا به من كل الثمرات ( الأعراف 57 وقوله
) فأخرجنا به ثمرات ( فاطر 27
ولأن المنكرين أعني ماء ورزقا يكتنفانه وقد قصد بتنكيرهما معنى البعضية فكانه قيل وأنزلنا من السماء بعض الماء فأخرجنا به بعض الثمرات ليكون بعض رزقكم
وهذا هو المطابق لصحة المعنى لأنه لم ينزل من السماء الماء كله ولا أخرج بالمطر جميع الثمرات ولا جعل الرزق كله في الثمرات
ويجوز ان تكون لبيان كقولك انفقت من الدراهم ألفا
فإن قلت فيم انتصب
) رزقا (
قلت ان كانت ( من ) للتبعيض
كان انتصابه بانه مفعول له وإن كانت مبنية كان مفعولا لأخرج
فإن قلت فالثمر المخرج بماء السماء كثير جم فلم قيل الثمرات دون الثمر والثمار قلت فيه وجهان أحدهما أن يقصد بالثمرات جماعة الثمرة التي في قولك فلان أدركت ثمره بستانه تريد ثماره
ونظيره قولهم كلمة الحويدرة لقصيدته وقولهم للقرية المدرة وإنما هي مدر متلاحق
والثاني ان الجموع يتعاور بعضها موقع بعض لالتقائها في الجمعية كقوله
) كم تركوا من جنات ( الدخان 25 و
) ثلاثة قروء ( البقرة 228

" صفحة رقم 126 "
ويعضد الوجه الأول قراءة محمد بن السميفع من الثمرة على التوحيد
و
) لكم (
صفة جارية على الرزق إن أريد به العين وإن جعل إسما للمعنى فهو مفعول به كأنه قيل رزقا اياكم
فإن قلت بم تعلق
) فلا تجعلوا (
قلت فيه ثلاثة اوجه ان يتعلق بالأمر اي اعبدوا ربكم فلا تجعلوا له
) أندادا (
لآن أصل العبادة وأساسها التوحيد وأن لا تجعل لله ند ولا شريك
أو بلعل على ان ينتصب تجعلوا انتصاب فاطلع في قوله عز وجل
" لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إلاه موسى " غافر 36 - 37 في رواية حفص عن عاصم اي خلقكم لكي تتقوا وتخافوا عقابه فلا تشبهوه بخلقه أو بالذي جعل لكم اذا رفعته على الابتداء أي هو الذي خصكم بهذه الآيات العظيمة والدلائل النيرة الشاهدة بالوحدانية فلا تتخذوا له شركاء والند المثل ولا يقال الا للمثل المخالف المناوىء
قال جرير
أتيما يجعلون الي ندا
وما تيم لذي حسب نديدا
وناددت الرجل خالفته ونافرته من ند ندودا اذا نفر ومعنى قولهم ليس لله ند ولا ضد نفى ما يسده مسده ونفى ما ينافيه
فإن قلت كانوا يسمون أصنامهم باسمه ويعظمونها بما يعظم به من القرب وما كانوا يزعمون انها تخالف الله وتناويه
قلت لما تقربوا اليها وعظموها وسموها آلهة أشبهت حالهم حال من يعتقد انها آلهة مثله قادرة على مخالفته ومضادته فقيل لهم ذلك على سبيل التهكم
كما تهكم بهم بلفظ الند شنع عليهم واستفظع شأنهم بأن جعلوا أندادا كثيرة لمن لا يصح ان يكون له ند قط
وفي ذلك قال زيد بن عمرو ابن نفيل حين فارق دين قومه
أربا واحدا أم ألف رب
أدين اذا تقسمت الأمور
وقرأ محمد بن السميفع فلا تجعلوا لله ندا
فإن قلت ما معنى
) وأنتم تعلمون (
قلت معناه وحالكم وصفتكم انكم من صحة تمييزكم بين الصحيح والفاسد والمعرفة بدقائق الأمور وعوامض الأحوال والإصابة في التدابير والدهاء والفطنة بمنزل لا تدفعون عنه
وهكذا كانت العرب خصوصا ساكنو الحرم من قريش وكنانة لا يصطلي بنارهم في استحكام المعرفة بالأمور وحسن الإحاطة بها ومفعول
) تعلمون (
متروك كأنه قيل وأنتم من اهل العلم والمعرفة والتوبيخ فيه آكد أي أنتم العرافون المميزون
ثم إن ما أنتم عليه في امر ديانتكم من جعل الأصنام لله اندادا هو

" صفحة رقم 127 "
غاية الجهل ونهاية سخافة العقل
ويجوز ان يقدر وأنتم تعلمون انه لا يماثل أو وأنتم تعلمون ما بينه وبينها من التفاوت أو وأنتم تعلمون انها لا تفعل مثل افعاله
كقوله
" هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شىء الروم وإن كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهدآءكم من دون الله إن كنتم صادقين
البقرة : ( 23 ) وإن كنتم في . . . . .
لما احتج عليهم بما يثبت الوحدانية ويحققها ويبطل الإشراك ويهدمه وعلم الطريق إلى إثبات ذلك وتصحيحه وعرفهم ان من أشرك فقد كابر عقله وغظى على ما انعم عليه من معرفته وتمييزه عطف على ذلك ما هو الحجة على اثبات نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وما يدحض الشبهة في كون القرآن معجزة وأراهم كيف يتعرفون أهو من عند الله كما يدعي أم هو من عند نفسه كما يدعون
بإرشادهم إلى ان يحزروا انفسهم ويذوقوا طباعهم وهم أبناء جنسه وأهل جلدته
فإن قلت لم قيل
" مما نزلنا "
على لفظ التنزيل دون الإنزال قلت لأن المراد النزول على سبيل التدريج والتنجيم وهو من محازه لمكان التحدي وذلك انهم كانوا يقولون لو كان هذا من عند الله مخالفا لما يكون من عند الناس لم ينزل هكذا نجوما سورة بعد سورة وآيات غب آيات على حسب النوازل وكفاء الحوادث وعلى سنن ما نرى عليه اهل الخطابة والشعر من وجود ما يوجد منهم مفرقا حينا فحينا وشيئا فشيئا حسب ما يعن لهم من الأحوال المتجددة والحاجات السانحة لا يلقى الناظم ديوان شعره دفعة ولا يرمي الناثر بمجموع خطبه أو رسائله ضربة فلو انزل الله لأنزله خلاف هذه العادة جملة واحدة قال الله تعالى
" وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة " الفرقان 32 فقيل إن ارتبتم في هذا الذي وقع إنزاله هكذا على مهل وتدريج فهاتوا أنتم نوبة واحدة من نوبه وهلموا نجما فردا من نجومه سورة من أصغر السور أو آيات شتى مفتريات
وهذه غاية التبكيت ومنتهى إزاحة العلل
وقرىء ( على عبادنا ) يريد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأمته
والسورة الطائفة من القرآن المترجمة التى أقلها ثلاث آيات وواوها ان كانت أصلا فإما ان تسمى بسورة المدينة وهي حائطها لأنها طائفة من القرآن محدودة محوزة على حيالها كالبلد المسور أو لأنها محتوية على فنون من العلم وأجناس من الفوائد كاحتواء سورة المدينة على ما فيها
وإما أن تسمى بالسورة التي هي الرتبة
قال النابغة

" صفحة رقم 128 "
ولرهط حراب وقد سورة
في المجد ليس غرابها بمطار
لأحد معنيين لأن السور بمنزلة المنازل والمراتب يترقى فيها القارىء
وهي أيضا في انفسها مترتبة طوال واوساط وقصار أو لرفعة شأنها وجلالة محلها في الدين
وإن جعلت واوها منقلبة عن همزة فلأنها قطعة وطائفة من القرآن كالسورة التي هي البقية من الشيء والفضلة منه
فإن قلت ما فائدة تفصيل القرآن وتقطيعه سورا قلت ليست الفائدة في ذلك واحدة
ولأمر ما انزل الله التوراة والإنجيل والزبور وسائر ما أوحاه إلى أنبيائه على هذا المنهاج مسورة مترجمة السور
وبوب المصنفون في كل فن كتبهم أبوابا موشحة الصدور بالتراجم ومن فوائده ان الجنس اذا انطوت تحته أنواع وإشتمل على أصناف كان احسن وأنبل وأفخم من أن يكون بيانا واحدا
ومنها أن القارىء اذا ختم سورة أو بابا من الكتاب ثم أخذ في آخر كان أنشط له وأهز لعطفه وأبعث على الدرس والتحصيل منه لو استمر على الكتاب بطوله
ومثله المسافر اذا علم انه قطع ميلا أو طوى فرسخا أو انتهى إلى رأس بريد نفس ذلك منه ونشطه للسير
ومن ثم جزأ القراء القرآن اسباعا واجزاء وعشورا وأخماسا
ومنها ان الحافظ اذا حذفه السورة اعتقد انه اخذ من كتاب الله طائفة مستقلة بنفسها لها فاتحة وخاتمة فيعظم عنده ما حفظه ويجل في نفسه ويغتبط به ومنه حديث أنس رضي الله عنه
23 ( كان الرجل اذا قرأ البقرة وآل عمران جد فينا ومن ثمة كانت القراءة في الصلاة بسورة تامة أفضل )
ومنها ان التفصيل سبب تلاحق الأشكال والنظائر وملاءمة بعضها لبعض
وبذلك تتلاحظ المعاني ويتجاوب النظم إلى غير ذلك من الفوائد والمنافع
) من مثله (
متعلق بسورة صفة لها أي بسورة كائنة من مثله
والضمير لما نزلنا أو لعبدنا ويجوز ان يتعلق بقوله
) فأتوا (
والضمير للعبد فإن قلت وما مثله

" صفحة رقم 129 "
حتى يأتوا بسورة من ذلك المثل قلت معناه فأتوا بسورة مما هو على صفته في البيان الغريب وعلو الطبقة في حسن النظم
أو فاتوا ممن هو على حاله من كونه بشرا عربيا أو أميا لم يقرأ الكتب ولم يأخذ من العلماء ولا قصد إلى مثل ونظير هنالك
ولكنه نحو قول القبعثري للحجاج وقد قال له لأحملنك على الأدهم مثل الأمير حمل على الأدهم والأشهب
أراد من كان على صفة الأمير من السلطان والقدرة وبسطة اليد
ولم يقصد أحدا يجعله مثلا للحجاج
ورد الضمير إلى المنزل أوجه لقوله تعالى
) فأتوا بسورة من مثله (
) فأتوا بعشر سور مثله ( هود 11
) على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ( الاسراء 88 ولأن القرآن جدير بسلامة الترتيب والوقوع على اصح الأساليب والكلام مع رد الضمير إلى المنزل أحسن ترتيبا
وذلك ان الحديث في المنزل لا في المنزل عليه وهو مسوق اليه ومربوط به فحقه ان لا يفك عنه برد الضمير إلى غيره
ألا ترى ان المعنى وإن ارتبتم في ان القرآن منزل من عند الله فهاتوا أنتم نبذا مما يماثله ويجانسه
وقضية الترتيب لو كان الضمير مردودا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقال وإن إرتبتم في أن محمدا منزل عليه فهاتوا قرآنا من مثله
ولأنهم اذا خوطبوا جميعا وهم الجم الغفير بأن بأتوا بطائفة يسيرة من جنس ما أتى به واحد منهم كان أبلغ في التحدي من أن يقال لهم ليأتى واحد آخر بنحو ما أتى به هذا الواحد ولأن هذا التفسير هو الملائم لقوله
) وادعوا شهداءكم (
والشهداء جمع شهيد بمعنى الحاضر أو القائم بالشهادة
ومعنى
) دون (
أدنى من مكان من الشيء ومنه الشيء الدون وهو الدني الحقير ودون الكتب اذا جمعها لأن جمع الأشياء إدناء بعضها من بعض وتقليل المسافة بينها يقال هذا دون ذاك اذا كان أحط منه قليلا
ودونك هذا أصله خذه من دونك أي من أدنى مكان منك فاختصر واستعير للتفاوت في الأحوال والرتب فقيل زيد دون عمرو في الشرف والعلم
ومنه قول من قال لعدوه وقد راآه بالثناء عليه انا دون هذا وفوق ما في نفسك واتسع فيه فاستعمل في كل تجاوز حد إلى حد وتخطى حكم إلى حكم
قال الله تعالى
) لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ( آل عمران 28 أي لا يتجاوزوا ولاية المؤمنين إلى ولاية الكافرين
وقال امية
يا نفس مالك دون الله من واقي

" صفحة رقم 130 "
أي اذا تجاوزت وقاية الله ولم تناليها لم يقك غيره
و
) من دون الله (
متعلق بادعوا أو بشهداءكم فإن علقته بشهداءكم فمعناه ادعوا الذين اتخذتموهم آلهة من دون الله وزعمتم انهم يشهدون لكم يوم القيامة انكم على الحق
أو ادعوا الذين يشهدون لكم بين يدي الله من قول الأعشى
( تريك القذى من دونها وهي دونه )
أي تريك القذى قدامها وهي قدام القذى لرقتها وصفائها
وفي امرهم أن يستظهروا بالجماد الذي لا ينطق في معارضة القرآن بفصاحته غاية التهكم بهم
وادعوا شهداءكم من دون الله أي من دون اوليائه ومن غير المؤمنين ليشهدوا لكم انكم أتيتم بمثله
وهذا من المساهلة وارخاء العنان والإشعار بان شهداءهم وهم مدارة القوم الذين هم وجوه المشاهد وفرسان المقاولة والمناقلة تأبى عليهم الطباع وتجمح بهم الإنسانية والأنفة أن يرضوا لأنفسهم الشهادة بصحة الفاسد البين عندهم فساده وإستقامة المحال الجلي في عقولهم إحالته وتعليقه بالدعاء في هذا الوجه جائز
وإن علقته بالدعاء فمعناه ادعوا من دون الله شهداءكم يعني لا تستشهدوا بالله ولا تقولوا الله يشهد ان ما ندعيه حق كما يقوله العاجز عن إقامة البينة على صحة دعواه وادعوا الشهداء من الناس الذين شهادتهم بينه تصحح بها الدعاوى عند الحكام
وهذا تعجيز لهم وبيان لانقطاعهم وانخذالهم
وان الحجة قد بهرتهم ولم تبق لهم متشبثا غير قولهم الله يشهد أنا صادقون
وقولهم لهذا تسجيل منهم على انفسهم بتناهي العجز وسقوط القدرة
وعن بعض العرب انه سئل عن نسبه فقال قرشي والحمد لله فقيل له قولك ( الحمد لله ) في هذا المقام ريبة
أو ادعوا من دون الله شهداءكم يعني أن الله شاهدكم لأنه أقرب اليكم من حبل الوريد وهو بينكم وبين أعناق رواحلكم
والجن والإنس شاهدوكم فادعوا كل من يشهدكم واستظهروا به من الجن والإنس الا الله تعالى لأنه القادر وحده على ان يأتي بمثله دون كل شاهد من شهدائكم فهو في معنى قوله
) قل لئن اجتمعت الإنس والجن ( الاسراء 88 الآية
فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين
البقرة : ( 24 ) فإن لم تفعلوا . . . . .
لما أرشدهم إلى الجهة التي منها يتعرفون امر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وما جاء به حتى يعثروا

" صفحة رقم 131 "
على حقيقته وسره وامتياز حقه من باطله قال لهم فإذا لم تعارضوه ولم يتسهل لكم ما تبغون وبان لكم انه معجوز عنه فقد صرح الحق عن محضه ووجب التصديق فآمنوا وخافوا العذاب المعد لمن كذب
وفيه دليلان على إثبات النبوة صحة كون المتحدي به معجزا والإخبار بأنهم لن يفعلوا وهو غيب لا يعلمه الا الله
فإن قلت انتفاء اتيانهم بالسورة واجب فهلا جيء ب اذا ) الذي للوجوب دون ( إن ) الذي للشك
قلت فيه وجهان احدهما ان يساق القول معهم على حسب حسبانهم وطمعهم وان العجز عن المعارضة كان قبل التامل كالمشكوك فيه لديهم لاتكالهم على فصاحتهم واقتدارهم على الكلام
والثاني ان يتهكم بهم كما يقول الموصوف بالقوة الواثق من نفسه بالغلبة على من يقاويه إن غلبتك لم أبق عليك وهو يعلم انه غالبه ويتيقنه تهكما به
فإن قلت لم عبر عن الإتيان بالفعل وأي فائدة في تركه اليه قلت لأنه فعل من الأفعال تقول أتيت فلانا فيقال لك نعم ما فعلت
والفائدة فيه انه جار مجري الكناية التي تعطيك اختصارا ووجازة تغنيك عن طول المكنى عنه
ألا ترى ان الرجل يقول ضربت زيدا في موضع كذا على صفة كذا وشتمته ونكلت به ويعد كيفيات وأفعالا فتقول بئسما فعلت ولو ذكرت ما أنبته عنه لطال عليك وكذلك لو لم يعدل عن لفظ الإتيان إلى لفظ الفعل لاستطيل ان يقال فإن لم تأتوا بسورة من مثله
ولن تأتوا بسورة من مثله
فإن قلت
( ولن تفعلوا )
ما محلها قلت لا محل لها لأنها جملة اعتراضية
فإن قلت ما حقيقة لن في باب النفي قلت لا ولن أختان في نفي المستقبل الا ان في لن توكيدا وتشديدا تقول لصاحبك لا أقيم غدا فإن انكر عليك قلت لن أقيم غدا كما تفعل في انا مقيم وإني مقيم وهي عند الخليل في إحدى الروايتين عنه أصلها لا أن وعند الفراء لا أبدلت ألفها نونا
وعند سيبويه واحدى الروايتين عن الخليل حرف مقتضب لتأكيد نفي المستقبل فإن قلت من أين لك انه إخبار بالغيب على ما هو به حتى يكون معجزة قلت لأنهم لو عارضوه بشيء لم يمتنع ان يتواصفه الناس ويتناقلوه اذ خفاء مثله فيما عليه مبنى العادة محال لا سيما والطاعنون فيه اكثف عددا من الذابين عنه فحين لم ينقل علم انه إخبار بالغيب على ما هو به فكان معجزة
فإن قلت ما معنى اشتراطه في اتقاء النار انتفاء اتيانهم بسورة من مثله قلت إنهم اذا لم يأتوا بها وتبين عجزهم عن المعارضة صح عندهم صدق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) واذا صح عندهم صدقه ثم لزموا العناد ولم ينقادوا ولم يشايعوا استوجبوا العقاب بالنار فقيل لهم إن استبتم العجز فاتركوا العناد فوضع
) فاتقوا النار (
موضعه لأن اتقاء النار لصيقة وضميمه ترك العناد من حيث انه من نتائجه لأن من اتقى النار ترك المعاندة

" صفحة رقم 132 "
ونظيره ان يقول الملك لحشمه أن أردتم الكرامة عندي فاحذروا سخطي يريد فأطيعوني واتبعوا امري وافعلوا ما هو نتيجة حذر السخط
وهو من باب الكناية التي هي شعبة من شعب البلاغة وفائدته الإيجاز الذي هو من حلية القرآن وتهويل شأن العناد بإنابة اتقاء النار منا به وإبرازه في صورته مشيعا ذلك بتهويل صفة النار وتفظيع أمرها
والوقود ما ترفع به النار واما المصدر فمضموم وقد جاء فيه الفتح قال سيبويه وسمعنا من العرب من يقول وقدت النار وقودا عاليا ثم قال والوقود أكثر والوقود الحطب وقرأ عيسى بن عمر الهمداني بالضم تسمية بالمصدر كما يقال فلان فخر قومه وزين بلده
ويجوز أن يكون مثل قولك حياة المصباح السليط أي ليس حياته الا به فكأن نفس السليط حياته فإن قلت صلة الذي والتي يجب أن تكون قصة معلومة للمخاطب فكيف علم اولئك ان نار الآخرة توقد بالناس والحجارة قلت لا يمتنع ان يتقدم لهم بذلك سماع من اهل الكتاب أو سمعوه من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو سمعوا قبل هذه الآية قوله تعالى في سورة التحريم
) نارا وقودها الناس والحجارة ( التحريم 6 فإن قلت فلم جاءت النار الموصوفة بهذه الجملة منكرة في سورة التحريم وههنا معرفة قلت تلك الاية نزلت بمكة فعرفوا منها نارا موصوفة بهذه الصفة
ثم نزلت هذه بالمدينة مشارا بها إلى ما عرفوه اولا
فإن قلت ما معنى قوله تعالى
) وقودها الناس والحجارة (
قلت معناه أنها نار ممتازة عن غيرها من النيران بأنها لا تتقد الا بالناس والحجارة وبان غيرها إن أريد إحراق الناس بها أو إحماء الحجارة أوقدت اولا بوقود ثم طرح فيها ما يراد إحراقه أو إحماؤه وتلك اعاذنا الله منها برحمته الواسعة توقد بنفس ما يحرق ويحمي بالنار وبانها لإفراط حرها وشدة ذكائها إذا اتصلت بما لا تشتعل به نار اشتعلت وارتفع لهبها
فإن قلت انار الجحيم كلها موقدة بالناس والحجارة أم هي نيران شتى منها نار بهذه الصفة قلت بل هي نيران شتى منها نار توقد بالناس والحجارة يدل على ذلك تنكيرها في قوله تعالى
) قوا أنفسكم وأهليكم نارا ( التحريم 6
) فأنذرتكم نارا تلظى ( الليل 14 ولعل

" صفحة رقم 133 "
لكفار الجن وشياطينهم نارا وقودها الشياطين كما ان لكفرة الإنس نارا وقودها هم جزاء لكل جنس بما يشاكله من العذاب
فإن قلت لم قرن الناس بالحجارة وجعلت الحجارة معهم وقودا
قلت لأنهم قرنوا بها انفسهم في الدنيا حيث نحتوها أصناما وجعلوها لله اندادا أو عبدوها من دونه قال الله تعالى
) إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ( الأنبياء 98 وهذه الآية مفسرة لما نحن فيه
فقوله
) إنكم وما تعبدون من دون الله ( في معنى الناس والحجارة و ( حصب جهنم ) في معنى وقودها
ولما اعتقد الكفار في حجارتهم المعبودة من دون الله انها الشفعاء والشهداء الذين يستشفعون بهم ويستدفعون المضار عن انفسهم بمكانهم جعلها الله عذابهم فقرنهم بها محماة في نار جهنم ابلاغا في إيلامهم وإعراقا في تحسيرهم ونحوهم ما يفعله بالكانزين الذين جعلوا ذهبهم وفضتهم عدة وذخيرة فشحوا بها ومنعوها من الحقوق حيث يحمى عليها في نار جهنم فتكوي بها جباههم وجنوبهم
وقيل هي حجارة الكبريت وهو تخصيص بغير دليل وذهاب عما هو المعنى الصحيح الواقع المشهود له بمعاني التنزيل
) أعدت (
هيئت لهم وجعلت عدة لعذابهم
وقرأ عبد الله أعتدت من العتاد بمعنى العدة
وبشر الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هاذا الذى رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيهآ أزواج مطهرة وهم فيها خالدون
البقرة : ( 25 ) وبشر الذين آمنوا . . . . .
من عادته عز وجل في كتاب أن يذكر الترغيب مع الترهيب ويشفع البشارة بالإنذار إرادة التنشيط لاكتساب ما يزلف والتثبيط عن اقتراف ما يتلف
فلما ذكر الكفار وأعمالهم واوعدهم بالعقاب قفاه ببشارة عباده الذين جمعوا بين التصديق والأعمال الصالحة من فعل الطاعات وترك المعاصي وحموها من الإحباط بالكفر والكبائر بالثواب
فإن قلت من المأمور بقوله تعالى
) وبشر (
قلت يجوز ان يكون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وان يكون كل أحد
كما قال عليه الصلاة والسلام
24 ( بشر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة )
لم يأمر بذلك

" صفحة رقم 134 "
واحدا بعينه
وإنما كل أحد مأمور به وهذا الوجه أحسن وأجزل لأنه يؤذن بان الأمر لعظمه وفخامة شأنه محقوق بأن يبشر به كل من قدر على البشارة به فإن قلت علام عطف هذا الأمر ولم يسبق امر ولا نهي يصح عطفه عليه قلت ليس الذي إعتمد بالعطف هو الأمر حتى يطلب له مشاكل من أمر أو نهيا يعطف عليه إنما المعتمد بالعطف هو جملة وصف ثواب المؤمنين فهي معطوفة على جمة وصف عقاب الكافرين كما تقول زيد يعاقب بالقيد والإرهاق وبشر عمرا بالعفو والإطلاق
ولك ان تقول هو معطوف على قوله ( فاتقوا ) كما تقول يا بني تميم احذروا عقوبة ما جنيتم وبشر يا فلان بني أسد باحساني اليهم
وفي قراءة زيد بن علي رضي الله عنه
) وبشر (
على لفظ المبني للمفعول عطفا على ( أعدت )
والبشارة الإخبار مما يظهر سرور المخبر به ومن ثم قال العلماء اذا قال لعبيدة أيكم بشرني بقدوم فلان فهو حر فبشروه فرادى عتق اولهم لأنه هو الذي أظهر سروره بخبره دون الباقين
ولو قال مكان ( بشرني ) أخبرني عتقوا جميعا لانهم جميعا اخبروه ومنه البشرة لظاهر الجلد
وتباشير الصبح ما ظهر من اوائل ضوئه
واما
) فبشرهم بعذاب أليم ( آل عمران 21 فمن العكس في الكلام الذي يقصد به الاستهزاء الزائد في غيظ المستهزأ به وتألمه واغتمامه كما يقول الرجل لعدوه أبشر بقتل ذريتك ونهب مالك
ومنه قوله
( فاعتبوا بالصيلم )
والصالحة نحو الحسنة في جريها مجرى الاسم قال الحطيئة
( كيف الهجاء وما تنفك صالحة من آل لأم بظهر الغيب تأتيني )
والصالحات كل ما استقام من الأعمال بدليل العقل والكتاب والسنة واللام للجنس
فإن قلت أي فرق بين لام الجنس داخلة على المفرد وبينها داخلة على المجموع قلت اذا دخلت على المفرد كان صالحا لأن يراد به الجنس إلى ان يحاط به وان يراد به بعضه إلى الواحد منه
واذا دخلت على المجموع صلح ان يراد به

" صفحة رقم 135 "
جميع الجنس وان يراد به بعضه لا إلى الواحد منه لأن وزانه في تناول الجمعية في الجنس وزان المفرد في تناول الجنسية والجمعية في جمل الجنس لا في وحدانه
فإن قلت فما المراد بهذا المجموع مع اللام قلت الجملة من الأعمال الصحيحة المستقيمة في الدين على حسب حال المؤمن في مواجب التكليف
والجنة البستان من النخل والشجر المتكاثف المظلل بالتفاف أغصانه
قال زهير
تسقي جنة سحقا
أي نخلا طوالا
والتركيب دائر على معنى الستر وكأنها لتكاثفها وتظليلها سميت بالجنة التي هي المرة من مصدر جنه اذا ستره كانها سترة واحدة لفرط التفافها
وسميت دار الثواب جنة لما فيها من الجنان
فإن قلت الجنة مخلوقة أم لا قلت قد اختلف في ذلك والذي يقول إنها مخلوقة يستدل بسكنى آدم وحواء الجنة وبمجيئها في القرآن على نهج الأسماء الغالبة اللاحقة بالأعلام كالنبي والرسول والكتاب ونحوها
فإن قلت ما معنى جمع الجنة وتنكيرها قلت الجنة اسم لدار الثواب كلها وهي مشتملة على جنان كثيرة مرتبة مراتب على حسب استحقاقات العاملين لكل طبقة منهم جنات من تلك الجنان فإن قلت أما يشترط في استحقاق الثواب بالأيمان والعمل الصالح ان لا يحبطهما المكلف بالكفر والإقدام على الكبائر وان لا يندم على ما اوجده من فعل الطاعة وترك المعصية فهلا شرط ذلك قلت لما جعل الثواب مستحقا بالإيمان والعمل الصالح والبشارة مختصة بمن يتولاهما وركز في العقول ان الإحسان إنما يستحق فاعله عليه المثوبة والثناء اذا لم يتعقبه بما يفسده ويذهب بحسنه وانه لا يبقى مع وجود مفسده إحسانا واعلم بقوله تعالى لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) وهو اكرم الناس عليه وأعزهم
) لئن أشركت ليحبطن عملك ( الزمر 65 وقال تعالى للمؤمنين
) ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم ( الحجرات 2 كان اشتراط حفظهما من الإحباط والندم كالداخل تحت الذكر
فإن قلت كيف صورة جري الأنهار من تحتها قلت كما ترى الأشجار النابتة على شواطىء الأنهار الجارية
وعن مسروق أن أنهار الجنة تجري في غير اخدود
وانزه البساتين واكرمها منظرا ما كانت أشجاره مظللة والأنهار في خلالها مطردة
ولولا ان الماء الجاري من النعمة العظمى واللذة

" صفحة رقم 136 "
الكبرى وأن الجنان والرياض وإن كانت آنق شيء وأحسنه لا تروق النواظر ولا تبهج الأنفس ولا تجلب الأريحية والنشاط حتى يجري فيها الماء والا كان الأنس الأعظم فائتا والسرور الأوفر مفقودا وكانت كتماثيل لا أرواح فيها وصور لا حياة لها لما جاء الله تعالى بذكر الجنات مشفوعا بذكر الأنهار الجارية من تحتها مسوقين على قرن واحد كالشيئين لا بد لأحدهما من صاحبه ولما قدمه على سائر نعوتها
والنهر المجرى الواسع فوق الجدول ودون البحر
يقال لبردى نهر دمشق وللنيل نهر مصر
واللغة العالية النهر بفتح الهاء ومدار التركيب على السعة وإسناد الجري إلى الأنهار من الإسناد المجازي كقولهم بنو فلان يطؤهم الطريق وصيد عليه يومان
فإن قلت لم نكرت الجنات وعرفت الأنهار قلت اما تنكير الجنات فقد ذكر
واما تعريف الأنهار فأن يراد الجنس كما تقول لفلان بستان فيه الماء الجاري والتين والعنب وألوان الفواكه تشير إلى الأجناس التي في علم المخاطب
أو يراد انهارها فعوض التعريف باللام من تعريف الإضافة كقوله
) واشتعل الرأس شيبا ( مريم 4
أو يشار باللام إلى الأنهار المذكورة في قوله
" فيها انهار من ماء غير ءاسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه " محمد 15 الآية
وقوله
) كلما رزقوا (
لا يخلو من ان يكون صفة ثانية لجنات أو خبر مبتدأ محذوف أو جملة مستانفة لأنه لما قيل ان لهم جنات لم يخل خلد السامع ان يقع فيه أثمار تلك الجنات أشباه ثمار جنات الدنيا أم اجناس أخر لا تشابه هذه الأجناس فقيل إن ثمارها أشباه ثمار جنات الدنيا أي اجناسها أجناسها وإن تفاوتت إلى غاية لا يعلمها الا الله
فإن قلت ما موقع من
) من ثمرة (
قلت هو كقولك كلما اكلت من بستانك من الرمان شيئا حمدتك
فموقع
) من ثمرة (
موقع قولك من الرمان كانه قيل كلما رزقوا من الجنات من أي ثمرة كانت من تفاحها أو رمانها أو عنبها أو غير ذلك رزقا قالوا ذلك
فمن الأولى والثانية كلتاهما لابتداء الغاية لأن الرزق قد ابتدىء من الجنات والرزق من الجنات قد ابتدىء من ثمره
وتنزيله تنزيل ان تقول رزقني فلان فيقال لك من أين فتقول من بستانه فيقال من أي ثمرة رزقك من بستانه فتقول من رمان وتحريره ان ( رزقوا ) جعل مطلقا مبتدأ من ضمير الجنات ثم جعل مقيدا بالابتداء من ضمير الجنات مبتدأ من ثمرة وليس المراد بالثمرة التفاحة الواحدة أو الرمانة الفذة على هذا التفسير وإنما المراد النوع من أنواع الثمار
ووجه آخر وهو ان يكون
) من ثمرة ( بيانا على منهاج قولك رأيت منك أسدا تريد انت أسد وعلى

" صفحة رقم 137 "
هذا يصح ان يراد بالثمرة النوع من الثمار والجنات الواحدة فإن قلت كيف قيل
) هذا الذي رزقنا من قبل (
وكيف تكون ذات الحاضر عندهم في الجنة هي ذات الذي رزقوه في الدنيا قلت معناه هذا مثل الذي رزقناه من قبل
وشبهه بدليل قوله وأتوا به متشابها وهذا كقولك أبو يوسف أبو حنيفة تريد انه لاستحكام الشبه كأن ذاته ذاته
فإن قلت الام يرجع الضمير في قوله
) وأتوا به (
قلت إلى المرزوق في الدنيا والآخرة جميعا لأن قوله
) هذا الذي رزقنا من قبل (
انطوى تحته ذكر ما رزقوه في الدارين
ونظيره قوله تعالى
) إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما ( النساء 135 أي بجنسي الغني والفقير لدلالة قوله غنيا أو فقيرا على الجنسين
ولو رجع الضمير إلى المتكلم به لقيل اولى به على التوحيد
فإن قلت لأي غرض يتشابه ثمر الدنيا وثمر الجنة وما بال ثمر الجنة لم يكن اجناسا أخر قلت لأن الإنسان بالمألوف آنس وإلى المعهود اميل واذا رأى ما لم يألفه نفر عنه طبعه وعافته نفسه ولأنه اذا ظفر بشيء من جنس ما سلف له به عهد وتقدم معه الف وراى فيه مزية ظاهرة وفضيلة بينة وتفاوتا بينه وبين ما عهد بليغا أفرط ابتهاجه واغتباطه وطال استعجابه واستغرابه وتبين كنه النعمة فيه وتحقق مقدار الغبطة به
ولو كان جنسا لم يعهده وإن كان فائقا حسب ان ذلك الجنس لا يكون الا كذلك فلا يتبين موقع النعمة حق التبين
فحين أبصروا الرمانة من رمان الدنيا ومبلغها في الحجم وان الكبرى لا تفضل عن حد البطيخة الصغيرة ثم يبصرون رمانة الجنة تشبع السكن
والنبقة من نبق الدنيا في حجم الفلكة ثم يرون نبق الجنة كقلال هجر كما راوا ظل الشجرة من شجر الدنيا وقدر امتداده ثم يرون الشجرة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعه كان ذلك أبين للفضل واظهر للمزية واجلب للسرور وازيد في التعجب من ان يفاجئوا ذلك الرمان وذلك النبق من غير عهد سابق بجنسهما
وترديدهم هذا القول ونطقهم به عند كل ثمرة يرزقونها دليل على تناهي الأمر وتمادي الحال في ظهور المزية وتمام الفضيلة وعلى ان ذلك التفاوت العظم هو الذي يستملي تعجبهم ويستدعي تبجحهم في كل اوان
عن مسروق ( نخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها وثمرها امثال القلال كلما نزعت ثمرة عادت

" صفحة رقم 138 "
مكانها أخرى وأنهارها تجري في غير أخدود والعنقود أثنا عشرة ذراعا )
ويجوز أن يرجع الضمير في ( أتوا به ) إلى الرزق كما أن هذا إشارة إليه ويكون المعنى أن ما يرزقونه من ثمرات الجنة يأتيهم متجانسا في نفسه كما يحكى عن الحسن يؤتى أحدهم بالصحفة فياكل منها ثم يؤتى بالأخرى فيقول هذا الذي أتينا به من قبل فيقول الملك كل فاللون واحد والطعم مختلف
وعنه ( صلى الله عليه وسلم )
25 ( والذي نفس محمد بيده إن الرجل من اهل الجنة ليتناول الثمرة ليأكلها فما هي بواصلة إلى فيه حتى يبدل الله مكانها مثلها )
فإذا أبصروها والهيئة هيئة الأولى قالوا ذلك
والتفسير الأول هو هو
فإن قلت كيف موقع قوله
) وأتوا به متشابها ( من نظم الكلام
قلت هو كقولك فلان احسن بفلان ونعم ما فعل
ورأى من الرأي كذا وكان صوابا ومنه قوله تعالى
) وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون ( النمل 34 وما أشبه ذلك من الجمل التى تساق في الكلام معترضة للتقرير
والمراد بتطهير الأزواج ان طهرن مما يختص بالنساء من الحيض والاستحاضة وما لا يختص بهن من الأقذار والأدناس
ويجوز لمجيئه مطلقا ان يدخل تحته الطهر من دنس الطباع وطبع الأخلاق الذي عليه نساء الدنيا مما يكتسبن بانفسهن ومما يأخذنه من اعراق السوء والمناصب الرديئة والمناشىء المفسدة ومن سائر عيوبهن ومثالهن وخبثهن وكيدهن
فإن قلت فهلا جاءت الصفة مجموعة كما في الموصوف قلت هما لغتان فصيحتان
يقال النساء فعلن وهن فاعلات وفواعل والنساء فعلت وهي فاعلة ومنه بيت الحماسة
( واذا العذارى بالدخان تقنعت واستعجلت نصب القدور فملت )

" صفحة رقم 139 "
والمعنى وجماعة ازواج مطهرة
وقرأ زيد بن علي ( مطهرات ) وقرأ عبيد بن عمير
) مطهرة (
بمعنى متطهرة وفي كلام بعض العرب ما احوجني إلى بيت الله فأطهر به اطهرة أي فأتطهر به تطهرة
فإن قلت هلا قيل طاهرة قلت في
) مطهرة (
فخامة لصفتهن ليست في طاهرة وهي الإشعار بان مطهرا طهرهن
وليس ذلك الا الله عز وجل المريد بعباده الصالحين أن يخولهم كل مزية فيما اعد لهم
والخلد الثبات الدائم والبقاء اللازم الذي لا ينقطع
قال الله تعالى
) وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون ( الأنبياء 34
وقال امرؤ القيس
( ألا أنعم صباحا أيها الطلل البالي وهل ينعمن من كان في العصر الخالي )
( وهل ينعمن الا سعيد مخالد
فليل الهموم ما يبيت بأوجال )
إن الله لا يستحى أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين ءامنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذآ أراد الله بهاذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون مآ أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون - 27
البقرة : ( 26 ) إن الله لا . . . . .
سيقت هذه الآية لبيان ان ما استنكره الجهلة والسفهاء وأهل العناد والمراء من الكفار واستغربوه من ان تكون المحقرات من الأشياء مضروبا بها المثل ليس بموضع للاستنكار والاستغراب من قبل ان التمثيل إنما يصار اليه لما فيه من كشف المعنى ورفع الحجاب عن الغرض المطلوب وإدناء المتوهم من المشاهد
فإن كان المتمثل له عظيما كان المتمثل به مثله وإن كان حقيرا كان المتمثل به كذلك
فليس العظم والحقارة في المضروب به المثل اذا الا أمرا تستدعيه حال المتمثل له وتستجره إلى نفسها فيعمل الضارب للمثل على حسب تلك القضية
ألا ترى إلى الحق لما كان واضحا جليا أبلج كيف تمثل له بالضياء والنور والى الباطل لما كان بضد صفته كيف تمثل له بالظلمة ولما كانت حال الآلهة التى جعلها الكفار اندادا لله تعالى لا حال أحقر منها وأقل ولذلك جعل بيت العنكبوت مثلها في الضعف والوهن وجعلت أقل من الذباب وأخس قدرا وضربت لها البعوضة فالذي دونها مثلا لم يستنكر ولم يستبدع ولم يقم للمتمثل استحى من تمثيلها بالبعوضة لأنه مصيب في تمثيله محق في قوله
سائق للمثل على

" صفحة رقم 140 "
قضية مضربه محتذ على مثال ما يحتكمه ويستدعيه ولبيان ان المؤمنين الذين عادتهم الإنصاف والعمل على العدل والتسوية والنظر في الأمور بناظر العقل إذا سمعوا بمثل هذا التمثيل علموا انه الحق الذي لا تمر الشبهة بساحته والصواب الذي لا يرتع الخطأ حوله
وأن الكفار الذين غلبهم الجهل على عقولهم وغصبهم على بصائرهم فلا يتفطنون ولا يلقون أذهانهم أوعرفوا انه الحق الا ان حب الرياسة وهوى الألف والعادة لا يخليهم ان ينصفوا فإذا سمعوه عاندوا وكابروا وقضوا عليه بالبطلان وقابلوه بالإنكار وان ذلك سبب زيادة هدى المؤمنين وإنهماك الفاسقين في غيهم وضلالهم
والعجب منهم كيف أنكروا ذلك وما زال الناس يضربون الأمثال بالبهائم والطيور وأحناش الأرض والحشرات والهوام وهذه أمثال العرب بين أيديهم مسيرة في حواضرهم وبواديهم قد تمثلوا فيها بأحقر الأشياء فقالوا أجمع من ذرة وأجرأ من الذباب
وأسمع من قراد وأصرد من جرادة وأضعف من فراشة وآكل من السوس وقالوا في البعوضة أضعف من بعوضة وأعز من مخ البعوض وكلفتني مخ البعوض
ولقد ضربت الأمثال في الإنجيل بالأشياء المحقرة كالزوان والنخالة وحبة الخردل والحصاة والأرضة والدود والزنابير
والتمثيل بهذه الأشياء وبأحقر منها مما لا تغني استقامته وصحته على من به أدنى مسكة ولكن ديدن المحجوج المبهوت الذي لا يبقى له متمسك بدليل ولا متشبث بأمارة ولا إقناع أن يرمي لفرط الحيرة والعجز عن إعمال الحيلة بدفع الواضح وإنكار المستقيم والتعويل على المكابرة والمغالطة اذا لم يجد سوى ذلك معولا
وعن الحسن وقتادة لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه وضرب للمشركين به المثل ضحكت اليهود وقالوا ما يشبه هذا كلام الله فانزل الله عز وجل هذه الآية
والحياء تغير وإنكسار يعتري الإنسان من تخوف ما يعاب به ويذم
واشتقاقه من الحياة يقال حيي الرجل كما يقال نسي وحشي وشظي الفرس إذا اعتلت هذه الأعضاء جعل الحيي لما يعتريه من الإنكسار والتغير منتكس القوة منتقص الحياة كما قالوا هلك فلان حياء من كذا ومات حياء ورأيت الهلاك في وجهه من شدة

" صفحة رقم 141 "
الحياء وذاب حياء وجمد في مكانه خجلا
فإن قلت كيف جاز وصف القديم سبحانه به ولا يجوز عليه التغير والخوف والذم وذلك في حديث سلمان قال
26 قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الله حيي كريم يستحيي اذا رفع إليه العبد يديه أن يردهما صفرا حتى يضع فيهما خيرا )
قلت هو جار على سبيل التمثيل مثل تركه تخييب العبد وانه لا يرد يديه صفرا من عطائه لكرمه بترك من يترك رد المحتاج اليه حياء منه
وكذلك معنى قوله
) إن الله لا يستحي (
أي لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ترك من يستحيي ان يتمثل بها لحقارتها
ويجوز ان تقع هذه العبارة في كلام الكفرة فقالوا اما يستحيي رب محمد ان يضرب مثلا بالذباب والعنكبوت فجاءت على سبيل المقابلة وإطباق الجواب على السؤال
وهو فن من كلامهم بديع وطراز عجيب منه قول أبي تمام
( من مبلغ أفناء يعرب كلها أني بنيت الجار قبل المنزل )
وشهد رجل عند شريح فقال إنك لسبط الشهادة فقال الرجل إنها لم تجعد عني فقال لله بلادك وقبل شهادته
فالذي سوغ بناء الجار وتجعيد الشهادة هو مراعاة

" صفحة رقم 142 "
المشاكلة
ولولا بناء الدار لم يصح بناء الجار وسبوطة الشهادة لامتنع تجعيدها
ولله در أمر التنزيل وإحاطته بفنون البلاغة وشعبها لا تكاد تستغرب منها فنا الا عثرت عليه فيه على أقوم مناهجه وأسد مدارجه
وقد أستعير الحياء فيما لا يصح فيه
إذا ما استحين الماء يعرض نفسه
كرعن بسبت في إناء من الورد
وقرأ ابن كثير في رواية شبل ( يستحي ) بياء واحدة وفيه لغتان التعدي بالجار والتعدي بنفسه يقولون استحييت منه واستحييته وهما محتملتان ههنا
وضرب المثل اعتماده وصنعه من ضرب اللبن وضرب الخاتم وفي الحديث
27 ( اضطرب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خاتما من ذهب )
و
" ما "
هذه إبهامية وهي التى اذا اقترنت باسم نكرة أبهمته إبهاما وزادته شياعا وعموما كقولك اعطني كتابا ما تريد اي كتاب كان
أو صلة للتاكيد كالتي في قوله
) فبما نقضهم ميثاقهم ( النساء 155 كانه قيل لا يستحيي ان يضرب مثلا حقا أو البتة هذا اذا نصبت
) بعوضة (

" صفحة رقم 143 "
رفعتها فهي موصوله صلتها الجملة لأن التقدير هو بعوضة فحذف صدر الجملة كما حذف في
) تماما على الذي أحسن ( الأنعام 154 ووجه آخر حسن جميل وهو أن تكون التي فيها معنى الاستفهام لما استنكفوا من تمثيل الله لأصنامهم بالمحقرات قال إن الله لا يستحيي أن يضرب للأنداد ما شاء من الأشياء المحقرة مثلا بله البعوضة فما فوقها كما يقال فلان لا يبالي بما وهب ما دينار وديناران
والمعنى إن لله أن يتمثل للأنداد وحقارة شأنها بما لا شيء أصغر منه وأقل كما لو تمثل بالجزء الذي لا يتجزأ وبما لا يدركه لتناهيه في صغره الا هو وحده بلطفه أو بالمعدوم كما تقول العرب فلان أقل من لا شيء في العدد
ولقد ألم به قوله تعالى
" إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شىء العنكبوت وهذه القراءة تعزى إلى رؤبة بن العجاج وهو امضغ العرب للشيح والقيصوم والمشهود له بالفصاحة
وكانوا يشبهون به الحسن وما اظنه

" صفحة رقم 144 "
ذهب في هذه القراءة الا إلى هذا الوجه وهو المطابق لفصاحته
وانتصب
) بعوضة (
بأنها عطف بيان لمثلا أو مفعول ليضرب و
) مثلا (
حال عن النكرة مقدمة عليه أو انتصبا مفعولين فجرى ( ضرب ) مجرى ( جعل ) واشتقاق البعوض من البعض وهو القطع كالبضع والعضب يقال بعضه البعوض وانشد
( لنعم البيت بيت أبي دثار اذا ما خاف بعض القوم بعضا )
ومنه بعض الشيء لأنه قطعه منه والبعوض في اصله صفة على فعول كالقطوع فغلبت وكذلك الخموش
) فما فوقها (
فيه معنيان احدهما فما تجاوزها وزاد عليها في المعنى الذي ضربت فيه مثلا وهو القلة والحقارة نحو قولك لمن يقول فلان أسفل الناس وانذلهم هو فوق ذاك تريد هو أبلغ واعرق فيما وصف به من السفالة والنذالة
والثاني فما زاد عليها في الحجم كانه قصد بذلك رد ما استنكروه من ضرب المثل بالذباب والعنكبوت لأنهما أكبر من البعوضة كما تقول لصاحبك وقد ذم من عرفته يشح بأدنى شيء فقال فلان بخل بالدرهم والدرهمين هو لا يبالي ان يبخل بنصف درهم فما فوقه تريد بما فوقه ما بخل فيه وهو الدرهم والدرهمان كانك قلت فضلا عن الدرهم والدرهمين ونحوه في الاحتمالين ما سمعناه في صحيح مسلم عن إبراهيم عن الأسود قال
28 دخل شباب من قريش على عائشة رضي الله عنها وهي بمنى وهم يضحكون فقالت ما يضحككم قالوا فلان خر على طنب فسطاط فكادت عنقه أو عينه ان تذهب فقالت لا تضحكوا
إني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها الا كتبت له بها درجة ومحيت بها عنه خطيئة )
يحتمل فما عدا الشوكة وتجاوزها في القلة وهي نحو نخبة النملة في قوله عليه الصلاة والسلام

" صفحة رقم 145 "
29 ( ما أصاب المؤمن من مكروه فهو كفارة لخطاياه حتى نخبة النملة )
غريب وهي عضتها
ويحتمل ما هو أشد من الشوكة واوجع كالخرور على طنب الفسطاط
فإن قلت كيف يضرب المثل بما دون البعوضة وهي النهاية في الصغر قلت ليس كذلك فإن جناح البعوضة أقل منها وأصغر بدرجات وقد
30 ضربه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مثلا للدنيا وفي خلق الله حيوان أصغر منها ومن جناحها ربما رأيت في تضاعيف الكتب العتيقة دويبة لا يكاد يجليها للبصر الحاد الا تحركها فإذا سكنت فالسكون يواريها ثم اذا لوحت لها بيدك حادت عنها وتجنبت مضرتها فسبحان من يدرك صورة تلك وأعضاءها الظاهرة والباطنة وتفاصيل خلقتها ويبصر بصرها ويطلع على ضميرها ولعل في خلقه ما هو أصغر منها وأصغر
) سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون ( يس 36 وأنشدت لبعضهم
( يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل )
( ويرى عروق نياطها في نحرها
والمخ في تلك العظام النحل )
( اغفر لعبد تاب من فرطاته
ما كان منه في الزمان الأول )
) وأما (
حرف فيه معنى الشرط ولذلك يجاب بالفاء
وفائدته في الكلام ان يعطيه فضل توكيد تقول زيد ذاهب فإذا قصدت توكيد ذاك وانه لا محالة ذاهب وانه بصدد الذهاب وانه منه عزيمة قلت اما زيد فذاهب
ولذلك قال سيبويه في تفسيره

" صفحة رقم 146 "
مهما يكن من شيء فزيد ذاهب
وهذا التفسير مدل لفائدتين بيان كونه توكيدا وأنه في معنى الشرط ففي إيراد الجملتين مصدرتين به وإن لم يقل فالذين آمنوا يعلمون والذين كفروا يقولون احماد عظيم لأمر المؤمنين واعتداد بعلمهم أنه الحق ونعى على الكافرين إغفالهم حظهم وعنادهم ورميهم بالكلمة الحمقاء
و
) الحق (
الثابت الذي لا يسوغ إنكاره يقال حق الأمر اذا ثبت ووجب وحقت كلمة ربك وثوب محقق محكم النسج و
) ماذا (
فيه وجهان ان يكون ذا اسما موصولا بمعنى الذي فيكون كلمتين
وان يكون ( ذا ) مركبة مع ( ما ) مجعولتين اسما واحدا فيكون كلمة واحدة فهو على الوجه الأول مرفوع المحل على الابتداء وخبره ذا مع صلته
وعلى الثاني منصوب المحل في حكم مجعولتين اسما واحدا فيكون كلمة واحدة فهو على الوجه الأول مرفوع المحل على الابتداء وخبره ذا مع صلته وعلى الثاني منصوب المحل في حكم ما وحده لو قلت ما أراد الله والأصوب في جوابه أن يجيىء على الأول مرفوعا وعلى الثاني منصوبا ليطابق الجواب السؤال
وقد جوزوا عكس ذلك تقول في جواب من قال ما رأيت خير أي المرئي خير
وفي جواب ما الذي رأيت خيرا أي رأيت خيرا
وقرىء قوله تعالى
) ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو ( البقرة 219 بالرفع والنصب على التقديرين
والإرادة نقيض الكراهة وهي مصدر أردت الشيء اذا طلبته نفسك ومال اليه قلبك
وفي حدود المتكلمين الإرادة معنى يوجب للحي حالا لأجلها يقع منه الفعل على وجه دون وجه وقد اختلفوا في إرادة الله فبعضهم على ان ( للباري ) مثل صفة المريد منا التي هي القصد وهو امر زائد على كونه عالما غير ساه
وبعضهم على ان معنى إرادته لأفعاله هو انه فعلها وهو غير ساه ولا مكره
ومعنى إرادته لأفعال غيره انه امر بها والضمير في
) أنه الحق (
للمثل أو لأن يضرب وفي قولهم
) ماذا أراد الله بهذا مثلا ( استرذال واستحقار كما
31 ( قالت عائشة رضي الله عنها في عبد الله بن عمرو بن العاص يا عجبا لابن عمرو هذا )
)
) مثلا (
نصب على التمييز كقولك لمن اجاب بجواب غث ماذا أردت بهذا جوابا
ولمن حمل سلاحا رديا كيف تنتفع بهذا سلاحا أو على الحال كقوله
) هذه ناقة الله لكم آية ( الأعراف 73 وقوله
) يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا (

" صفحة رقم 147 "
جار مجرى التفسير والبيان للجملتين المصدرتين بأما وأن فريق العالمين بأنه الحق وفريق الجاهلين المستهزئين به كلاهما موصوف بالكثرة وأن العلم بكونه حقا من باب الهدى الذي ازداد به المؤمنون نورا إلى نورهم وأن الجهل بحسن مورده من باب الضلالة التي زادت الجهلة خبطا في ظلماتهم
فإن قلت لم وصف المهديون بالكثرة والقلة صفتهم
) وقليل من عبادي الشكور ( ) سبأ 13
) وقليل ما هم ( ص 24
32 ( الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة )
( وجدت الناس أخبر تقله )
قلت اهل الهدى كثير في انفسهم وحين يوصفون بالقلة إنما يوصفون بها بالقياس إلى أهل الضلال
وأيضا فإن القليل من المهديين كثير في الحقيقة وإن قلوا في الصورة فسموا ذهابا إلى الحقيقة كثيرا
( إن الكرام كثير في البلاد وإن قلوا كم غيرهم قل وإن كثروا )
وإسناد الإضلال إلى الله تعالى إسناد الفعل إلى السبب لأنه لما ضرب المثل

" صفحة رقم 148 "
فضل به قوم واهتدى به قوم تسبب لضلالهم وهداهم
وعن مالك بن دينار رحمه الله أنه دخل على محبوس قد أخذ بمال عليه وقيد فقال يا أبا يحيى اما ترى ما نحن فيه من القيود فرفع مالك رأسه فرأى سلة
فقال لمن هذه السلة فقال لي فأمر بها تنزل فإذا دجاج وأخبصة فقال مالك هذه وضعت القيود على رجلك
وقرأ زيد بن علي ( يضل به كثير ) وكذلك ( وما يضل به الا الفاسقون )
والفسق الخروج عن القصد قال رؤبة
( فواسقا عن قصدها جوائرا )
والفاسق في الشريعة الخارج عن أمر الله بارتكاب الكبيرة وهو النازل بين المنزلتين أي بين منزلة المؤمن والكافر وقالوا إن أول من حد له هذا الحد أبو حذيفة واصل بن عطاء رضي الله عنه وعن أشياعه
وكونه بين بين ان حكمه حكم المؤمن في انه يناكح ويوارث ويغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين
وهو كالكافر في الذم واللعن والبراءة منه واعتقاد عداوته وان لا تقبل له شهادة
ومذهب مالك بن انس والزيدية ان الصلاة لا تجزىء خلفه
ويقال للخلفاء المردة من الكفار الفسقة
وقد جاء الاستعمالان في كتاب الله
) بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ( الحجرات 11 يريد اللمز والتنابز
) إن المنافقين هم الفاسقون ( التوبة 67
النقض الفسخ وفك التركيب
فإن قلت من أين ساغ استعمال النقض في إبطال العهد قلت من حيث تسميتهم العهد بالحبل على سبيل الاستعارة لما فيه من ثبات الوصلة بين المتعاهدين ومنه قول ابن التيهان في بيعة العقبة

" صفحة رقم 149 "
33 يا رسول الله إن بيننا وبين القوم حبالا ونحن قاطعوها
فنخشى إن الله عز وجل أعزك وأظهرك ان ترجع إلى قومك
وهذا من اسرار البلاغة ولطائفها ان يسكتوا عن ذكر الشيء المستعار ثم يرمزوا اليه بذكر شيء من روادفه فينبهوا بتلك الرمزة على مكانه
ونحوه قولك شجاع يفترس أقرانه وعالم يغترف منه الناس واذا تزوجت امرأة فاستوثرها
لم تقل هذا الا وقد نبهت على الشجاع والعالم بأنهما أسد وبحر وعلى المرأة بأنها فراش
والعهد الموثق وعهد اليه في كذا اذا وصاه به ووثقه عليه
واستعهد منه إذا اشترط عليه واستوثق منه والمراد بهؤلاء الناقضين لعهد الله أحبار اليهود المتعنتون أو منافقوهم أو الكفار جميعا
فإن قلت فما المراد بعهد الله قلت ما ركز في عقولهم من الحجة على التوحيد كأنه امر وصاهم به ووثقه عليهم وهو معنى قوله تعالى
) وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ( الأعراف 112 أو أخذ الميثاق عليهم بأنهم إذا بعث إليهم رسول يصدقه الله بمعجزاته صدقوه وإتبعوه ولم يكتموا ذكره فيما تقدمه من الكتب المنزلة عليهم كقوله
) وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم ( البقرة 40
وقوله في الإنجيل لعيسى صلوات الله عليه ( سأنزل عليك كتابا فيه نبأ بني إسرائيل وما أريته أياهم من الآيات وما انعمت عليهم وما نقضوا من ميثاقهم الذي واثقوا به وما ضيعوا من عهده اليهم ) وحسن صنعه للذين قاموا بمثياق الله تعالى وأوفوا بعهده ونصره اياهم وكيف انزل بأسه ونقمته بالذين غدروا ونقضوا ميثاقهم ولم يوفوا بعهده لأن اليهود فعلوا باسم عيسى ما فعلوا باسم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) من التحريف والجحود وكفروا به كما كفروا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل هو اخذ الله العهد عليهم أن لا يسفكوا دماءهم ولا يبغي بعضهم على بعض ولا يقطعوا أرحامهم
وقيل عهد الله إلى خلقه ثلاثة عهود العهد الأول الذي أخذه على جميع ذرية آدم الإقرار بربوبيته وهو قوله تعالى
" وإذا أخذ ربك " الأعراف 172 وعهد خص به النبيين ان يبلغوا الرسالة ويقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه وهو قوله تعالى
) وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ( الأحزاب 7

" صفحة رقم 150 "
وعهد خص به العلماء وهو قوله
" وإذا اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا يكتمونه " آل عمران والضمير في ميثاقه للعهد وهو ما وثقوا به عهد الله من قبوله وإلزامه أنفسهم
ويجوز أن يكون بمعنى توثقته كما أن الميعاد والميلاد بمعنى الوعد والولادة
ويجوز أن يرجع الضمير إلى الله تعالى أي من بعد توثقته عليهم أو من بعد ما وثق به عهده من آياته وكتبه وإنذار رسله
ومعنى قطعهم ما أمر الله به أن يوصل قطعهم الأرحام وموالاة المؤمنين وقيل قطعهم ما بين الأنبياء من الوصلة والاتحاد والاجتماع على الحق في إيمانهم ببعض وكفرهم ببعض فإن قلت ما الأمر قلت طلب الفعل ممن هو دونك وبعثه عليه
وبه سمي الأمر الذي هو واحد الأمور لأن الداعي الذي يدعو اليه من يتولاه شبه بآمر يأمره به فقيل له أمر تسمية للمفعول به بالمصدر كأنه مامور به كما قيل له شأن والشأن الطلب والقصد
يقال شانت شأنه أي قصدت قصده
) هم الخاسرون (
لأنهم استبدلوا النقض بالوفاء والقطع بالوصل والفساد بالصلاح وعقابها بثوابها
كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعا ثم استوى إلى السمآء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شىء عليم - 29
البقرة : ( 28 ) كيف تكفرون بالله . . . . .
معنى الهمزة التي في
) كيف (
مثله في قولك أتكفرون بالله ومعكم ما يصرف عن الكفر ويدعو إلى الإيمان وهو الإنكار والتعجب
ونظيره قولك أتطير بغير جناح وكيف تطير بغير جناح فإن قلت قولك أتطير بغير جناح إنكار للطيران لأنه مستحيل بغير جناح واما الكفر فغير مستحيل مع ما ذكر من الإماتة والإحياء
قلت قد اخرج في صورة المستحيل لما قوى من الصارف عن الكفر والداعي إلى الإيمان
فإن قلت فقد تبين امر الهمزة وانها لإنكار الفعل والإيذان باستحالته في نفسه أو لقوة الصارف عنه فما تقول في
) كيف (
حيث كان إنكارا للحال التي يقع عليها كفرهم قلت حال الشيء تابعة لذاته فإذا إمتنع ثبوت الذات تبعه إمتناع ثبوت الحال فكان إنكار حال الكفار لأنها تبيع ذات الكفر ورديفها إنكارا لذات الكفر وثباتها على طريق الكناية وذلك أقوى لإنكار الكفر وأبلغ
وتحريره انه إذا أنكر أن يكون لكفرهم حال يوجد عليها
وقد علم ان كل موجود لا ينفك عن حال وصفة عند وجوده ومحال ان يوجد بغير صفة من الصفات كان إنكارا لوجوده على الطريق البرهاني
والواو في قوله
) وكنتم أمواتا (
للحال فإن قلت فكيف صح ان يكون حالا

" صفحة رقم 151 "
وهو ماض ولا يقال جئت وقام الأمير ولكن وقد قام إلا أن يضمر قد قلت لم تدخل الواو على
) كنتم أمواتا (
وحده ولكن على جملة قوله
) كنتم أمواتا ( إلى
) ترجعون (
كأنه قيل كيف تكفرون بالله وقصتكم هذه وحالكم أنكم كنتم أمواتا نطفا في أصلاب آبائكم فجعلكم احياء ثم يميتكم بعد هذه الحياة ثم يحييكم بعد الموت ثم يحاسبكم
فإن قلت بعض القصة ماض وبعضها مستقبل والماضي والمستقبل كلاهما لا يصح ان يقعا حالا حتى يكون فعلا حاضرا وقت وجود ما هو حال عنه فما الحاضر الذي وقع حالا قلت هو العلم بالقصة كانه قيل كيف تكفرون وأنتم عالمون بهذه القصة باولها وآخرها
فإن قلت فقد آل المعنى إلى قولك على أي حال تكفرون في حال علمكم بهذه القصة فما وجه صحته قلت قد ذكرنا ان معنى الاستفهام في
) كيف (
الإنكار
وأن إنكار الحال متضمن لإنكار الذات على سبيل الكناية فكأنه قيل ما أعجب كفركم مع علمكم بحالكم هذه فإن قلت إن اتصل علمهم بانهم كانوا أمواتا فأحياهم ثم يميتهم فلم يتصل بالإحياء الثاني والرجوع قلت قد تمكنوا من العلم بهما بالدلائل الموصلة اليه فكان ذلك بمنزلة حصول العلم
وكثير منهم علموا ثم عاندوا
والأموات جمع ميت كالأقوال في جمع قيل
فإن قلت كيف قيل لهم أموات في حال كونهم جمادا وإنما يقال ميت فيما يصح فيه الحياة من البتى قلت بل يقال ذلك لعادم الحياة كقوله
) بلدة ميتا ( الفرقان 49
) وآية لهم الأرض الميتة ( يس 33
) أموات غير أحياء ( النحل 21
ويجوز ان يكون استعارة لاجتماعهما في ان لا روح ولا إحساس فإن قلت ما المراد بالإحياء الثاني قلت يجوز ان يراد به الإحياء في القبر
وبالرجوع النشور وان يراد به النشور وبالرجوع المصير إلى الجزاء فإن قلت لم كان العطف الأول بالفاء والاعقاب بثم قلت لأن الإحياء الأول قد تعقب الموت بغير تراخ واما الموت فقد تراخى عن الإحياء
والإحياء الثاني كذلك متراخ عن الموت إن أريد به النشور تراخيا ظاهرا وإن أريد به إحياء القبر فمنه يكتسب العلم بتراخيه والرجوع إلى الجزاء أيضا متراخ عن النشور
فإن قلت من اين انكر اجتماع الكفر مع القصة التى ذكرها الله ألأنها مشتملة على آيات بينات تصرفهم عن الكفر أم على نعم جسام حقها أن تشكر ولا تكفر قلت يحتمل الأمرين جميعا لأن

" صفحة رقم 152 "
ما عدده آيات وهي مع كونها آيات من اعظم النعم
( قبلكم ) لأجلكم ولانتفاعكم به في دنياكم ودينكم أما الانتفاع الدنيوي فظاهر واما الانتفاع الديني فالنظر فيه وما فيه من عجائب الصنع الدالة على الصانع القادر الحكيم وما فيه من التذكير بالآخرة وبثوابها وعقابها لاشتماله على أسباب الأنس واللذة من فنون المطاعم والمشارب والفواكه والمناكح والمراكب والمناظر الحسنة البهية وعلى أسباب الوحشة والمشقة من انواع المكاره كالنيران والصواعق والسباع والأحناش والسموم والغموم والمخاوف
وقد استدل بقوله
) خلق لكم (
على ان الأشياء التى يصح ان ينتفع بها ولم تجري مجرى المحظورات في العقل خلقت في الأصل مباحة مطلقا لكل أحد ان يتناولها ويستنفع بها
فإن قلت هل لقول من زعم ان المعنى خلق لكم الأرض وما فيها وجه صحة قلت إن أراد بالأرض الجهات السفلية دون الغبراء كما تذكر السماء وتراد الجهات العلوية جاز ذلك فإن الغبراء وما فيها واقعة في الجهات السفلية
و
) جميعا (
نصب على الحال من الموصول الثاني والاستواء الاعتدال والاستقامة يقال استوى العود وغيره إذا قام واعتدل ثم قيل استوى اليه كالسهم المرسل اذا قصده قصدا مستويا من غير ان يلوي على شيء ومنه استعير قوله
) ثم استوى إلى السماء (
أي قصد اليها بإرادته ومشيئته بعد خلق ما في الأرض من غير ان يريد فيما بين ذلك خلق شيء آخر
والمراد بالسماء جهات العلو كانه قيل ثم استوى إلى فوق والضمير في
) فسواهن (
ضمير مبهم
و
) سبع سماوات (
تفسيره كقولهم ربه رجلا وقيل الضمير راجع إلى السماء والسماء في معنى الجنس وقيل جمع سماءة والوجه العربي هو الأول
ومعنى تسويتهن تعديل خلقهن وتقديمه واخلاؤه من العوج والفطور أو إتمام خلقهن
" وهو بكل شيء عليم "
فمن ثم خلقهن خلقا مستويا محكما من غير تفاوت مع خلق ما في الأرض على حسب حاجات اهلها ومنافعهم ومصالحهم فإن قلت ما فسرت به

" صفحة رقم 153 "
معنى الاستواء إلى السماء يناقضه ( ثم ) لإعطائه معنى التراخي والمهلة قلت ( ثم ) ههنا لما بين الخلقين من التفاوت وفضل خلق السموات على خلق الأرض لا للتراخي في الوقت كقوله
) ثم كان من الذين آمنوا ( البلد 17
على انه لو كان لمعنى التراخي في الوقت لم يلزم ما اعترضت به لأن المعنى ( أنه ) حين قصد إلى السماء لم يحدث فيما بين ذلك أي في تضاعيف القصد اليها خلقا آخر فإن قلت اما يناقض هذا قوله
) والأرض بعد ذلك دحاها ( النازعات 30 قلت لا لأن جرم الأرض تقدم خلقه خلق السماء
واما دحوها فمتأخر وعن الحسن خلق الله الأرض في موضع بيت المقدس كهيئة الفهر عليها دخان ملتزق بها ثم أصعد الدخان وخلق منه السموات وامسك الفهر في موضعها وبسط منها الأرض فذلك قوله
) كانتا رتقا ( الأنبياء 30 وهو الالتزاق
وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل فى الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدمآء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون وعلم ءادم الأسمآء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئونى بأسمآء هاؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنآ إلا ما علمتنآ إنك أنت العليم الحكيم قال ياءادم أنبئهم بأسمآئهم فلمآ أنبأهم بأسمآئهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون - 33
)
البقرة : ( 30 ) وإذ قال ربك . . . . .
وإذ (
نصب بإضمار اذكر ويجوز ان ينتصب بقالوا والملائكة جمع ملاك على الأصل كالشمائل في جمع شمأل وإلحاق التاء لتأنيث الجمع
و
) جاعل (
من جعل الذي له مفعولان دخل على المبتدأ والخبر وهما قوله
) في الأرض خليفة (
فكانا مفعوليه ومعناه مصير في الأرض خليفة
والخليفة من يخلف غيره والمعنى خليفة منكم لأنهم كانوا سكان الأرض فخلفهم فيها آدم وذريته
فإن قلت فهلا قيل خلائف أو خلفاء قلت أريد بالخليفة آدم
واستغني بذكره عن ذكر بنيه كما يستغنى بذكر أبي القبيلة في قولك مضر وهاشم أو اريد من يخلفكم أو خلفا يخلفكم فوحد لذلك
وقرىء ( خليقة ) بالقاف ويجوز ان يريد خليفة مني لأن آدم كان خليفة الله في أرضه وكذلك كل نبي
) إنا جعلناك خليفة في الأرض ( ص 26
فلإنن قلت لأي غرض أخبرهم بذلك قلت ليسألوا ذلك السؤال ويجابوا بما اجيبوا به فيعرفوا حكمته في إستخلافهم قبل كونهم صيانة لهم عن إعتراض الشبهة في وقت إستخلافهم
وقيل ليعلم

" صفحة رقم 154 "
عباده المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها وعرضها على ثقاتهم ونصائحهم وإن كان هو بعلمه وحكمته البالغة غنيا عن المشاورة
) أتجعل فيها (
تعجب من أن يستخلف مكان اهل الطاعة اهل المعصية وهو الحكيم الذي لا يفعل الا الخير ولا يريد الا الخير
فإن قلت من اين عرفوا ذلك حتى تعجبوا منه وإنما هو غيب قلت عرفوه بإخبار من الله إو من جهة اللوح أو ثبت في علمهم ان الملائكة وحدهم هم الخلق المعصومون وكل خلق سواهم ليسوا على صفتهم أو قاسوا أحد الثقلين على الاخر حيث أسكنوا الأرض فأفسدوا فيها قبل سكنى الملائكة
وقرىء ( يسفك ) بضم الفاء ويسفك ويسفك من أسفك وسفك
والواو في
) ونحن (
للحال كما تقول أتحسن إلى فلان وانا احق منه بالإحسان
والتسبيح تبعيد الله عن السوء وكذلك تقديسه من سبح في الأرض والماء
وقدس في الأرض اذا ذهب فيها وأبعد
و
) بحمدك (
في موضع الحال أي نسبح حامدين لك وملتبسين بحمدك لأنه لولا انعامك علينا بالتوفيق واللطف لم نتمكن من عبادتك
) أعلم ما لا تعلمون ( أي أعلم من المصالح في ذلك ما هو خفي عليكم
فإن قلت هلا بين لهم تلك المصالح قلت كفي العباد ان يعلموا ان افعال الله كلها حسنة وحكمة وإن خفي عليهم وجه الحسن والحكمة
على انه قد بين لهم بعض ذلك فيما اتبعه من قوله
" وعلم ءادم الأسماء كلها "
واشتقاقهم
" ءادم "
من الأدمة ومن أديم الأرض نحو اشتقاقهم ( يعقوب ) من العقب و ( إدريس ) من الدرس و ( إبليس ) من الإبلاس
وما آدم الا اسم اعجمي وأقرب امره ان يكون على فاعل كآزر وعازر وعابر وشالخ وفالغ وأشباه ذلك
) الأسماء كلها (
أي أسماء المسميات فحذف

" صفحة رقم 155 "
المضاف إليه لكونه معلوما مدلولا عليه بذكر الأسماء لأن الإسم لا بد له من مسمى وعوض منه اللام كقوله
) واشتعل الرأس ( 4
فإن قلت هلا زعمت أنه حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وأن الأصل وعلم آدم مسميات الأسماء قلت لأن التعليم وجب تعليقه بالأسماء لا بالمسميات لقوله
) أنبئوني بأسماء هؤلاء (
) أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم (
فكما علق الإنباء بالأسماء لا بالمسميات ولم يقل أنبئوني بهؤلاء وانبئهم بهم وجب تعليق التعليم بها
فإن قلت فما معنى تعليمه أسماء المسميات قلت أراه الأجناس التى خلقها وعلمه ان هذا اسمه فرس وهذا اسمه بعير وهذا إسمه كذا وهذا اسمه كذا وعلمه أحوالها وما يتعلق بها من المنافع الدينية والدنيوية
) ثم عرضهم (
أي عرض المسميات
وإنما ذكر لأن في المسميات العقلاء فغلبهم وإنما استنبأهم وقد علم عجزهم عن الإنباء على سبيل التبكيت
) إن كنتم صادقين (
يعني في زعمكم اني استخلف في الأرض مفسدين سفاكين للدماء إرادة للرد عليهم وان فيمن يستخلفه من الفوائد العلمية التي هي أصول الفوائد كلها ما يستأهلون لأجله ان يستخلفوا
فأراهم بذلك وبين لهم بعض ما اجمل من ذكر المصالح في استخلافهم في قوله
) إني أعلم ما لا تعلمون (
وقوله
) ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض (
استحضار لقوله لهم
) إني أعلم ما لا تعلمون (
الا انه جاء به على وجه أبسط من ذلك وأشرح
وقرىء ( وعلم آدم ) على البناء للمفعول وقرا عبد الله ( عرضهن )
وقرأ أبي ( عرضها ) والمعنى عرض مسمياتهن أو مسمياتها لأن العرض لا يصح في الأسماء وقرىء ( أنبيهم ) بقلب الهمزة ياء ( وأنبهم ) بحذفها والهاء مكسورة فيهما
وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين وقلنا ياءادم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هاذه الشجرة فتكونا من الظالمين فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين - 36
البقرة : ( 34 - 36 ) وإذ قلنا للملائكة . . . . .

" صفحة رقم 156 "
السجود لله تعالى على سبيل العبادة ولغيره على وجه التكرمة كما سجدت الملائكة لآدم وأبو يوسف وإخوته له ويجوز ان تختلف الأحوال والأوقات فيه
وقرأ أبو جعفر ( للملائكة اسجدوا ) بضم التاء للاتباع ولا يجوز استهلاك الحركة الاعرابية بحركة الإتباع الا في لغة ضعيفة كقولهم ( الحمد لله )
) إلا إبليس (
استثناء متصل لأنه كان جنيا واحدا بين اظهر الألوف من الملائكة مغمورا بهم فغلبوا عليه في قوله
) فسجدوا (
ثم استثنى منهم استثناء واحد منهم
ويجوز ان يجعل منقطعا
) أبى (
امتنع مما امر به
) واستكبر (
عنه
) وكان من الكافرين (
من جنس كفرة الجن وشياطينهم فلذلك أبى واستكبر كقوله
) كان من الجن ففسق عن أمر ربه ( الكهف 50
السكنى من السكون لأنها نوع من اللبث والاستقرار
و
) أنت (
تأكيد للمستكن في
) اسكن (
ليصح العطف عليه
و
) رغدا (
وصف للمصدر أي أكلا رغدا واسعا رافها
و
) حيث (
للمكان المبهم أي أي مكان من الجنة
) شئتما (
أطلق لهما الأكل من الجنة على وجه التوسعة البالغة المزيحة للعلة حين لم يحظر عليهما بعض الأكل ولا بعض المواضع الجامعة للماكولات من الجنة حتى لا يبقى لهما عذر في التناول من شجرة واحدة بين أشجارها الفائتة للحصر وكانت الشجرة فيما قيل الحنطة أو الكرمة أو التينة وقرىء ( ولا تقربا ) بكسر التاء
و ( هذي ) و ( الشجرة ) بكسر الشين و الشيرة ) بكسر الشين والياء
وعن أبي عمرو انه كرهها وقال يقرأ بها برابرة مكة وسودانها
) من الظالمين (
من الذين ظلموا انفسهم بمعصية الله
) فتكونا (
جزم عطف على
) تقربا (
أو نصب جواب للنهي
الضمير في ) عنها (
للشجرة أي فحملهما الشيطان على الزلة بسببها وتحقيقه فأصدر الشيطان زلتهما عنها و ( عن ) هذه مثلها في قوله تعالى
) وما فعلته عن أمري ( الكهف 82 وقوله
( ينهون عن اكل وعن شرب )
وقيل فأزلهما عن الجنة بمعنى أذهبهما عنها وأبعدهما كما تقول زل عن مرتبته وزل عنى ذاك اذا ذهب عنك وزل من الشهر كذا
وقرىء ( فأزالهما )
) مما كانا فيه (

" صفحة رقم 157 "
من النعيم والكرامة أو من الجنة ان كان الضمير للشجرة في ( عنها )
وقرأ عبد الله ( فوسوس لهما الشيطان عنها ) وهذا دليل على أن الضمير للشجرة لأن المعنى صدرت وسوسته عنها فإن قلت كيف توصل إلى إزلالهما ووسوسته لهما بعدما قيل له
) فاخرج منها فإنك رجيم ( ص 77
قلت يجوز ان يمنع دخولها على جهة التقريب والتكرمة كدخول الملائكة ولا يمنع ان يدخل على جهة الوسوسة ابتلاء لآدم وحواء
وقيل كان يدنو من السماء فيكلمهما وقيل قام عند الباب فنادى
وروى انه أراد الدخول فمنعته الخزنة فدخل في فم الحية حتى دخلت به وهم لا يشعرون
قيل ) اهبطوا (
خطاب لآدم وحواء وإبليس وقيل والحية
والصحيح أنه لآدم وحواء والمراد هما وذريتهما لأنهما لما كانا أصل الإنس ومتشعبهم جعلا كأنهما الإنس كلهم والدليل عليه قوله
) قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو ( طه 123 ويدل على ذلك قوله
) فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (
" والذين كفروا وكذبوا بآياتنا اولئك أصحاب النار هم فيها خالدون
وما هو الا حكم يعم الناس كلهم ومعنى بعضكم لبعض
" لبعض "
ما عليه الناس من التعادي والتباغي وتضليل بعضهم لبعض
والهبوط النزول إلى الأرض
" مستقر "
موضع استقرار أو استقرار
" ومتاع "
وتمتع بالعيش
" إلى حين "
يريد إلى يوم القي امة وقيل إلى الموت
فتلقىءادم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنآ أولائك أصحاب النار هم فيها خالدون - 39
البقرة : ( 37 ) فتلقى آدم من . . . . .
معنى تلقي الكلمات إستقبالها بالأخذ والقبول والعمل بها حين علمها
وقرىء بنصب آدم ورفع الكلمات على إنها إستقبلته بأن بلغته وإتصلت به
فإن قلت ما هن قلت قوله تعالى
" ربنا ظلمنا انفسنا " الآية الأعراف 23
وعن ابن مسعود رضي الله عنه ( إن أحب الكلام إلى الله ما قاله أبونا آدم حين اقترف الخطيئة سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك إسمك وتعالى جدك لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب الا انت "
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال ( يا رب ألم تخلقني بيدك قال بلى قال يا رب ألم تنفخ في الروح من روحك قال بلى قال يا رب ألم تسبق رحمتك غضبك قال بلى قال ألم تسكني جنتك قال بلى قال يا رب إن

" صفحة رقم 158 "
تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة قال نعم ) وإكتفي بذكر توبة آدم دون توبة حواء لأنها كانت تبعا له كما طوى ذكر النساء في أكثر القرآن والسنة لذلك
وقد ذكرها في قوله
) قالا ربنا ظلمنا أنفسنا ( العراف 23
) فتاب عليه (
فرجع عليه بالرحمة والقبول
فإن قلت لم كرر
) قلنا اهبطوا (
قلت للتأكيد ولما نيط به من زيادة قوله
) فإما يأتينكم مني هدى (
فإن قلت ما جواب الشرط الأول قلت الشرط الثاني مع جوابه كقولك إن جئتني فإن قدرت احسنت اليك والمعنى فإما يأتينكم مني هدى برسول أبعثه اليكم وكتاب انزله عليكم بدليل قوله
) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ( في مقابلة قوله
) فمن تبع هداي ( فإن قلت فلم جيء بكلمة الشك وإتيان الهدى كائن لا محالة لوجوبه قلت للإيذان بان الإيمان بالله والتوحيد لا يشترط فيه بعثه الرسل وإنزال الكتب
وأنه إن لم يبعث رسولا ولم ينزل كتابا كان الإيمان به وتوحيده واجبا لما ركب فيهم من العقول ونصب لهم من الأدلة ومكنهم من النظر والاستدلال
فإن قلت الخطيئة التي أهبط بها آدم إن كانت كبيرة فالكبيرة لا تجوز

" صفحة رقم 159 "
على الأنبياء وإن كانت صغيرة فلم جرى عليه ما جرى بسببها من نزع اللباس والإخراج من الجنة والإهباط من السماء كما فعل بإبليس ونسبته إلى الغي والعصيان ونسيان العهد وعدم العزيمة والحاجة إلى التوبة قلت ما كانت إلا صغيرة مغمورة بأعمال قلبه من الإخلاص والأفكار الصالحة التي هي أجل الأعمال وأعظم الطاعات
وإنما جرى عليه ما جرى تعظيما للخطيئة وتفظيعا لشأنها وتهويلا ليكون ذلك لطفا له ولذريته في اجتناب الخطايا واتقاء المآثم والتنبيه على انه أخرج من الجنة بخطيئة واحدة فكيف يدخلها ذو خطايا جمة
وقرىء ( فمن تبع هدي ) على لغة هذيل ( فلا خوف ) بالفتح
يابنى إسراءيل اذكروا نعمتي التى أنعمت عليكم وأوفوا بعهدى أوف بعهدكم وإياى فارهبون وءامنوا بمآ أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياى فاتقون
البقرة : ( 40 - 41 ) يا بني إسرائيل . . . . .
إسراءيل "
هو يعقوب عليه السلام لقب له ومعناه في لسانهم صفوة الله وقيل عبد الله وهو بزنة إبراهيم وإسماعيل غير منصرف مثلهما لوجود العلمية والعجمة
وقرىء ( اسرائل ) و ( اسرائل ) وذكرهم النعمة ان لا يخلو بشكرها ويعتدوا بها ويستعظموها ويطيعوا مانحها
وأراد بها ما أنعم به على آبائهم مما عدد عليهم من الإنجاء من فرعون وعذابه ومن الغرق
ومن العفو عن إتخاذ العجل والتوبة عليهم وغير ذلك وما أنعم به عليهم من إدراك زمن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) المبشر به في التوراة والإنجيل
والعهد يضاف إلى المعاهد والمعاهد جميعا يقال أوفيت بعهدي أي عاهدت عليه كقوله
" ومن اوفى بعهده من الله " التوبة 111 واوفيت بعهدك أي بما عاهدتك عليه
ومعنى
" واوفوا بعهدي "
واوفوا بما عاهدتموني عليه من الإيمان بي والطاعة لي كقوله
" ومن اوفى بما عاهد عليه الله ومنهم من عاهد الله رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " الأحزاب 23
" اوف بعهدكم "
بما عاهدتكم عليه من حسن الثواب على حسناتكم
" وإيى فارهبون "
فلا تنقضوا عهدي
وهو من قولك زيدا رهبته وهو اوكد في افادة الاختصاص من
" اياك نعبد "
وقرىء ( واوف ) بالتشديد أي أبالغ في الوفاء بعهدكم كقوله
" من جاء بالحسنة فله خير منها " النمل 189
ويجوز ان يريد بقوله
" وأوفوا بعهدي "
ما عاهدوا عليه ووعدوه من الإيمان بنبي الرحمة والكتاب المعجز
ويدل عليه قوله
" وءامنوا بما انزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا اول كافر به "
أول من كفر به أو اول فريق أو فوج كافر به أو ولا

" صفحة رقم 160 "
يكن كل واحد منكم اول كافر به كقولك كسانا حلة أي كل واحد منا
وهذا تعريض بأنه كان يجب أن يكونوا أول من يؤمن به لمعرفتهم به وبصفته
ولأنهم كانوا المبشرين بزمان من أوحى اليه والمستفتحين على الذين كفروا به
وكانوا يعدون أتباعه اول الناس كلهم فلما بعث كان أمرهم على العكس كقوله
) لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة ( إلى قوله
) وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ( البينة 104
) فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ( البقرة 89
ويجوز أن يراد ولا تكونوا مثل أول كافر به يعني من أشرك به من أهل مكة
أي ولا تكونوا وأنتم تعرفونه مذكورا في التوراة موصوفا مثل من لم يعرفه وهو مشرك لا كتاب له وقيل الضمير في ( به ) لما معكم لأنهم اذا كفروا بما يصدقه فقد كفروا به
والاشتراء استعارة للاستبدال كقوله تعالى
) اشتروا الضلالة بالهدى ( البقرة 16 وقوله
( كما اشترى المسلم اذ تنصرا )
وقوله
( فإني شريت الحلم بعدك بالجهل
)
يعني ولا تستبدلوا بآياتي ثمنا والا فالثمن هو المشترى به
والثمن القليل الرياسة التى كانت لهم في قومهم خافوا عليها الفوات لو أصبحوا أتباعا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاستبدلوها وهي بدل قليل ومتاع يسير بآيات الله وبالحق الذي كل كثير اليه قليل وكل كبير اليه حقير فما بال القليل الحقير
وقيل كانت عامتهم يعطون أحبارهم من زروعهم وثمارهم ويهدون اليهم الهدايا ويرشونهم الرشا على تحريفهم الكلم وتسهيلهم لهم ما صعب عليه من الشرائع
وكان ملوكهم يدرون عليهم الأموال ليكتموا أو يحرفوا
ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون وأقيموا الصلواة وآتوا الزكواة واركعوا مع الراكعين - 43
البقرة : ( 42 - 43 ) ولا تلبسوا الحق . . . . .

" صفحة رقم 161 "
الباء التي في
) بالباطل (
إن كانت صلة مثلها في قولك لبست الشيء بالشيء خلطته به كان المعنى ولا تكتبوا في التوراة ما ليس منها فيختلط الحق المنزل بالباطل الذي كتبتم حتى لا يميز بين حقها وباطلكم وإن كانت باء الاستعانة كالتي في قولك كتبت بالقلم كان المعنى ولا تجعلوا الحق ملتبسا مشتبها بباطلكم الذي تكتبونه
) وتكتموا (
جزم داخل تحت حكم النهي بمعنى ولا تكتموا أو منصوب بإضمار ان والواو بمعنى الجمع أي ولا تجمعوا لبس الحق بالباطل وكتمان الحق كقولك لا تاكل السمك وتشرب اللبن
فإن قلت لبسهم وكتمانهم ليسا بفعلين متميزين حتى ينهوا عن الجمع بينهما لأنهم اذا لبسوا الحق بالباطل فقد كتموا الحق قلت بل هما متميزان لأن لبس الحق بالباطل ما ذكرنا من كتبهم في التوراة ما ليس منها
وكتمانهم الحق ان يقولوا لا نجد في التوراة صفة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أو حكم كذا أو يمحو ذلك
أو يكتبوه على خلاف ما هو عليه
وفي مصحف عبد الله ( وتكتمون ) بمعنى كاتمين
) وأنتم تعلمون (
في حال علمكم انكم لابسون كاتمون وهو أقبح لهم لأن الجهل بالقبيح ربما عذر راكبه
" وأقيموا الصلاة واءتوا الزكاة "
يعني صلاة المسلمين وزكاتهم
) واركعوا مع الراكعين (
منهم لأن اليهود لا ركوع في صلاتهم
وقيل ( الركوع ) الخضوع والانقياد لما يلزمهم في دين الله
ويجوز ان يراد بالركوع الصلاة كما يعبر عنها بالسجود وان يكون امرا بان يصلى مع المصلين يعني في الجماعة كانه قيل وأقيموا الصلاة وصلوها مع المصلين لا منفردين
أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون واستعينوا بالصبر والصلواة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون 44 - 46
)
البقرة : ( 44 ) أتأمرون الناس بالبر . . . . .
أتأمرون (
الهمزة للتقرير مع التوبيخ والتعجيب من حالهم
والبر سعة الخير والمعروف ومنه البر لسعته ويتناول كل خير ومنه قولهم صدقت وبررت وكان الأحبار يأمرون من نصحوه في السر من أقاربهم وغيرهم باتباع محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ولا يتبعونه

" صفحة رقم 162 "
وقيل كانوا يأمرون بالصدقة ولا يتصدقون واذا أتوا بصدقات ليفرقوها خانوا فيها
وعن محمد بن واسع بلغني ان ناسا من أهل الجنة اطلعوا على ناس من أهل النار فقالوا لهم قد كنتم تامروننا بأشياء عملناها فدخلنا الجنة
قالوا كنا نامركم بها ونخالف إلى غيرها
) وتنسون أنفسكم (
وتتركونها من البر كالمنسيات
) وأنتم تتلون الكتاب (
تبكيت مثل قوله
) وأنتم تعلمون (
يعني تتلون التوراة وفيها نعت محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أو فيها الوعيد على الخيانة وترك البر ومخالفة القول العمل
) أفلا تعقلون (
توبيخ عظيم بمعنى أفلا تفطنون لقبح ما أقدمتم عليه حتى يصدكم استقباحه عن ارتكابه وكانكم في ذلك مسلوبو العقول لأن العقول تأباه وتدفعه
ونحوه
) أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون ( الأنبياء 67
) واستعينوا (
على حوائجكم إلى الله
" بالصبر والصلواة "
أي بالجمع بينهما وان تصلوا صابرين على تكاليف الصلاة محتملين لمشاقها وما يجب فيها من إخلاص القلب وحفظ النيات ودفع الوساوس ومراعاة الآداب والاحتراس من المكاره مع الخشية والخشوع واستحضار العلم بأنه انتصاب بين يدي جبار السموات ليسأل فك الرقاب عن سخطه وعذابه
ومنه قوله تعالى
) وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ( طه 132 أو واستعينوا على البلايا والنوائب بالصبر عليها والالتجاء إلى الصلاة عند وقوعها
43 وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إذا حزبه امر فزع إلى الصلاة )
وعن ابن عباس أنه نعي إليه اخوه قثم وهو في سفر فاسترجع وتنحى عن الطريق فصلى ركعتين اطال فيهما الجلوس ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول واستعينوا بالصبر والصلاة وقيل الصبر الصوم لأنه حبس عن المفطرات
ومنه قيل لشهر رمضان شهر الصبر ويجوز ان يراد بالصلاة الدعاء وان يستعان على البلايا بالصبر والالتجاء إلى الدعاء والابتهال إلى الله تعالى في دفعه
) وإنها (
الضمير للصلاة أو للاستعانة
ويجوز ان يكون لجميع

" صفحة رقم 163 "
الأمور التى أمر بها بنو اسرائيل ونهوا عنها من قوله
) اذكروا نعمتي ( إلى
) واستعينوا (
) لكبيرة (
لشاقة ثقيلة من قولك كبر علي هذا الأمر
) كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ( الشورى 13
فإن قلت ما لها لم تثقل على الخاشعين والخشوع في نفسه مما يثقل قلت لأنهم يتوقعون ما ادخر للصابرين على متاعبها فتهون عليهم
ألا ترى إلى قوله تعالى
" الذين يظنون انهم ملاقوا ربهم " البقرة 46
أي يتوقعون لقاء ثوابه ونيل ما عنده ويطمعون فيه
وفي مصحف عبد الله ( يعلمون )
ومعناه يعلمون ان لا بد من لقاء الجزاء فيعملون على حسب ذلك
ولذلك فسر ( يظنون ) بيتيقنون
واما من لم يوقن بالجزاء ولم يرج الثواب
كانت عليه مشقة خالصة فثقلت عليه كالمنافقين والمرائين بأعمالهم
ومثله من وعد على بعض الأعمال والصنائع أجرة زائدة على مقدار عمله فتراه يزاوله برغبة ونشاط وانشراح صدر ومضاحكة لحاضريه كانه يستلذ مزاولته بخلاف حال عامل يتسخره بعض الظلمة
ومن ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
35 ( وجعلت قرة عيني في الصلاة )
36 وكان يقول ( يا بلال روحنا )
والخشوع الإخبات والتطامن ومنه

" صفحة رقم 164 "
الخشعة للرملة المتطامنة
واما الخضوع فاللين والانقياد
ومنه خضعت بقولها اذا لينته
يابنى إسراءيل اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم وأنى فضلتكم على العالمين واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون - 48
)
البقرة : ( 47 ) يا بني إسرائيل . . . . .
وأني فضلتكم (
نصب عطف على
) نعمتي (
أي اذكروا نعمتي وتفضيلي
) على العالمين (
على الجم الغفير من الناس كقوله تعالى
) باركنا فيها للعالمين ( الأنبياء 71 يقال رأيت عالما من الناس يراد الكثرة
) يوما (
يريد يوم القيامة
) لا تجزي (
لا تقضي عنها شيئا من الحقوق ومنه الحديث في جذعة بن نيار
37 ( تجزي عنك ولا تجزي عن أحد بعدك )
و
) شيئا (
مفعول به ويجوز ان يكون في موضع مصدر أي قليلا من الجزاء كقوله تعالى
) ولا يظلمون شيئا ( مريم 60 ومن قرأ ( لا تجزىء ) من أجزأ عنه اذا اغنى عنه فلا يكون في قراءته الا بمعنى شيئا من الإجزاء
وقرأ أبو السرار الغنوي ( لا تجزي نسمة عن نسمة شيئا )
وهذه الجملة منصوبة المحل صفة ل يوما ) فإن قلت فأين العائد منها إلى الموصوف قلت هو محذوف تقديره لا تجزي فيه ونحوه ما انشده أبو علي
( تروحي اجدر ان تقيلي )
أي ماء اجدر بأن تقيلي فيه
ومنهم من ينزل فيقول اتسع فيه فأجرى مجرى المفعول به فحذف الجار ثم حذف الضمير كما حذف من قوله
أم مال أصابوا ومعنى التنكير ان نفسا من الأنفس لا تجزي عن نفس منها شيئا من الأشياء وهو الإقناط الكلي القطاع

" صفحة رقم 165 "
للمطامع
وكذلك قوله
) ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل (
أي فدية لأنها معادلة للمفدى ومنه الحديث
38 ( لا يقبل منه صرف ولا عدل )
أي توبة ولا فدية
وقرأ قتادة ( ولا يقبل منها شفاعة ) على بناء الفعل للفاعل وهو الله عز وجل ونصب الشفاعة
وقيل كانت اليهود تزعم ان آباءهم الأنبياء يشفعون لهم فأويسوا
فإن قلت هل فيه دليل على ان الشفاعة لا تقبل للعصاة قلت نعم لأنه نفى ان تقضي نفس عن نفس حقا اخلت به من فعل أو ترك ثم نفى ان يقبل منها شفاعة شفيع فعلم انها لا تقبل للعصاة
فإن قلت الضمير في
) ولا يقبل منها (
إلى اي النفسين يرجع قلت إلى الثانية العاصية غير المجزي عنها وهي التي لا يؤخذ منها عدل
ومعنى لا يقبل منها شفاعة إن جاءت بشفاعة شفيع لم يقبل منها
ويجوز ان يرجع إلى النفس الأولى على انه لو شفعت لها لم تقبل شفاعتها كما لا تجزىء عنها شيئا ولو اعطت عدلا عنها لم يؤخذ منها
) ولا هم ينصرون (
يعني ما دلت عليه النفس المنكرة من النفوس الكثيرة والتذكير بمعنى العباد والأناسي كما تقول ثلاثة انفس
وإذ نجيناكم من ءال فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبنآءكم ويستحيون نسآءكم وفى ذالكم بلاء من ربكم عظيم
البقرة : ( 49 ) وإذ نجيناكم من . . . . .

" صفحة رقم 166 "
أصل
" ءال "
أهل ولذلك يصغر بأهيل فأبدلت هاؤه ألفا
وخص استعماله باولى الخطر والشأن كالملوك وأشباههم فلا يقال آل الاسكاف والحجام
و
) فرعون (
علم لمن ملك العمالقة كقيصر لملك الروم وكسرى لملك الفرس ولعتو الفراعنة اشتقوا تفرعن فلان اذا عتا وتجبر وفي ملح بعضهم
قد جاءه الموسى الكلوم فزاد في
أقصى تفرعنه وفرط عرامه
وقرىء ( أنجيناكم ) ونجيتكم )
) يسومونكم (
من سامه خسفا اذا أولاه ظلما قال عمرو بن كلثوم
( اذا ما الملك سام الناس خسفا أبينا ان يقر الخسف فينا )
وأصله من سام السلعة اذا طلبها كانه بمعنى يبغونكم
) سوء العذاب (
ويريدونكم عليه والسوء مصدر السيىء يقال اعوذ بالله من سوء الخلق وسوء الفعل يراد قبحهما
ومعنى
) سوء العذاب (
والعذاب كله سيىء أشده وأفظعه كانه قبحه بالإضافة إلى سائره
و
) يذبحون (
بيان لقوله
) يسومونكم (
ولذلك ترك العاطف كقوله تعالى
) يضاهئون قول الذين كفروا ( التوبة 20
وقرأ الزهري ( يذبحون ) بالتخفيف كقولك قطعت الثياب وقطعتها وقرأ عبد الله ( يقتلون )
وأنما فعلوا بهم ذلك لأن الكهنة انذروا فرعون بانه يولد مولود يكون على يده هلاكه كما انذر نمروذ فلم يغن عنهما اجتهادهما في التحفظ وكان ما شاء الله والبلاء المحنة إن أشير ب ذلكم ) إلى صنيع فرعون والنعمة إن أشير به إلى الإنجاء
وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا ءال فرعون وأنتم تنظرون 50
)
البقرة : ( 50 ) وإذ فرقنا بكم . . . . .
فرقنا (
فصلنا بين بعضه وبعض حتى صارت فيه مسالك لكم
وقرىء فرقنا بمعنى فصلنا يقال فرق بين الشيئين وفرق بين الأشياء لأن المسالك كانت اثني عشر على عدد الأسباط
فإن قلت ما معنى
) بكم (
قلت فيه اوجه ان يراد أنهم كانوا يسلكونه ويتفرق الماء عند سلوكهم فكأنما فرق بهم كما يفرق بين الشيئين بما يوسط

" صفحة رقم 167 "
بينهما وان يراد فرقناه بسببكم وبسبب إنجائكم وأن يكون في موضع الحال بمعنى فرقناه ملتبسا بكم كقوله
تدوس بنا الجماجم والتريبا
أي تدوسها ونحن راكبوها
وروى ان بني إسرائيل قالوا لموسى أين أصحابنا لا نراهم قال سيروا فإنهم على طريق مثل طريقكم قالوا لا نرضى حتى نراهم فقال اللهم أعني على اخلاقهم السيئة
فأوحى اليه ان قل بعصاك هكذا فقال بها على الحيطان فصارت فيها كوى فتراؤا وتسامعوا كلامهم
) وأنتم تنظرون (
إلى ذلك وتشاهدونه لا تشكون فيه
وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ثم عفونا عنكم من بعد ذالك لعلكم تشكرون - 52
البقرة : ( 51 ) وإذ واعدنا موسى . . . . .
لما دخل بنو إسرائيل مصر بعد هلاك فرعون ولم يكن لهم كتاب ينتهون اليه وعد الله موسى ان ينزل عليه التوراة وضرب له ميقاتا ذا القعدة وعشر ذي الحجة وقيل
) أربعين ليلة (
لأن الشهور غررها بالليالي
وقرىء
) وعدنا (
لأن الله تعالى وعده الوحي ووعد المجيء للميقات إلى الطور
) من بعده (
من بعد مضيه إلى الطور
) وأنتم ظالمون (
باشراككم
) ثم عفونا عنكم (
حين تبتم
" من بعد ذالك "
من بعد ارتكابكم الأمر العظيم وهو اتخاذكم العجل
) لعلكم تشكرون (
إرادة أن تشكروا النعمة في العفو عنكم

" صفحة رقم 168 "
وإذ ءاتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون وإذ قال موسى لقومه ياقوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذالكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم - 54
البقرة : ( 53 - 54 ) وإذ آتينا موسى . . . . .
) الكتاب والفرقان (
يعني الجامع بين كونه كتابا منزلا وفرقانا يفرق بين الحق والباطل يعني التوراة كقولك رأيت الغيث والليث تريد الرجل الجامع بين الجود والجراءة
ونحوه قوله تعالى
) ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا ( الأنبياء 48 يعني الكتاب الجامع بين كونه فرقانا وضياء وذكرا أو التوراة
والبرهان الفارق بين الكفر والإيمان من العصا واليد وغيرهما من الآيات أو الشرع الفارق بين الحلال والحرام وقيل الفرقان انفراق البحر
وقيل النصر الذي فرق بينه وبين عدوه كقوله تعالى
) يوم الفرقان ( النفال 41 يريد به يوم بدر حمل قوله
) فاقتلوا أنفسكم (
على الظاهر وهو البخع وقيل معناه قتل بعضهم بعضا
وقيل امر من لم يعبد العجل ان يقتلوا العبدة وروي ان الرجل كان يبصر ولده ووالده وجاره وقريبه فلم يمكنهم المضي لأمر الله فأرسل الله ضبابة وسحابة سوداء لا يتباصرون تحتها وامروا ان يحتبوا بأفنية بيوتهم ويأخذ الذين لم يعبدوا العجل سيوفهم وقيل لهم اصبروا فلعن الله من مد طرفه أو حل حبوته أو اتقى بيد أو رجل فيقولون آمين فقتلوهم إلى المساء حتى دعا موسى وهارون وقالا يا رب هلكت بنو اسرائيل البقية البقية فكشفت السحابة ونزلت التوبة
فسقطت الشفار من أيديهم وكانت القتلى سبعين ألفا
فإن قلت ما الفرق بين الفآات قلت الأولى للتسبيب لا غير لأن الظلم سبب التوبة
والثانية للتعقيب لأن المعنى فاعزموا على التوبة فاقتلوا انفسكم من قبل ان الله تعالى جعل توبتهم قتل انفسهم
ويجوز ان يكون القتل تمام توبتهم
فيكون المعنى فتوبوا فأتبعوا التوبة القتل تتمة لتوبتكم والثالثة متعلقة بمحذوف ولا يخلو إما أن

" صفحة رقم 169 "
ينتظم في قول موسى لهم فتتعلق بشرط محذوف كأنه قال فإن فعلتم فقد تاب عليكم واما ان يكون خطابا من الله تعالى لهم على طريقة الالتفات
فيكون التقدير ففعلتم ما امركم به موسى فتاب عليكم بارؤكم
فإن قلت من اين اختص هذا الموضع بذكر البارىء قلت البارىء هو الذي خلق الخلق بريئا من التفاوت
" وما ترى في خلق الرحمن من تفاوت " الملك 3 ومتميزا بعضه من بعض بالأشكال المختلفة والصور المتباينة فكان فيه تقريع بما كان منهم من ترك عبادة العالم الحكيم الذي برأهم بلطف حكمته على الأشكال المختلفة أبرياء من التفاوت والتنافر إلى عبادة البقرة التي هي مثل في الغباوة والبلادة
في امثال العرب أبلد من ثور حتى عرضوا أنفسهم لسخط الله ونزول أمره بأن يفك ما ركبه من خلقهم وينثر ما نظم من صورهم وأشكالهم حين لم يشكروا النعمة في ذلك وغمطوها بعبادة من لا يقدر على شيء منها
وإذ قلتم ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولاكن كانوا أنفسهم يظلمون - 57
البقرة : ( 55 ) وإذ قلتم يا . . . . .
قيل القائلون السبعون الذين صعقوا وقيل قاله عشرة آلاف منهم
) جهرة (
عيانا وهي مصدر من قولك جهر بالقراءة وبالدعاء كان الذي يرى بالعين جاهر بالرؤية والذي يرى بالقلب مخافت بها وانتصابها على المصدر لأنها نوع من الرؤية فنصبت بفعلها كما تنصب القرفصاء بفعل الجلوس أوعلى الحال بمعنى ذوي جهرة
وقرىء ( جهرة )
بفتح الهاء وهي إما مصدر كالغلبة وإما جمع جاهر
وفي الكلام

" صفحة رقم 170 "
دليل على أن موسى عليه الصلاة والسلام رادهم القول وعرفهم أن رؤية ما لا يجوز عليه أن يكون في جهة محال وأن من إستجاز على الله الرؤية فقد جعله من جملة الأجسام أو الأعراض فرادوه بعد بيان الحجة ووضوح البرهان ولجوا فكانوا في الكفر كعبدة العجل فسلط الله عليهم الصعقة كما سلط على أولئك القتل تسوية بين الكفرين ودلالة على عظمهما بعظم المحنة
و
) الصاعقة (
ما صعقهم أي أماتهم قيل نار وقعت من السماء فأحرقتهم وقيل صيحة جاءت من السماء وقيل أرسل الله جنودا سمعوا بحسها فخروا صعقين ميتين يوما وليلة
وموسى عليه السلام لم تكن صعقته موتا ولكن غشية بدليل قوله
) فلما أفاق (
والظاهر انه أصابهم ما ينظرون اليه لقوله
) وأنتم تنظرون (
وقرأ علي رضي الله عنه ( فأذختكم الصعقة )
) لعلكم تشكرون (
نعمة البعث بعد الموت أو نعمة الله بعدما كفرتموها اذا رأيتم بأس الله في رميكم بالصاعقة وإذاقتكم الموت
) وظللنا (
وجعلنا الغمام يظلكم وذلك في التيه سخر الله لهم السحاب يسير بسيرهم يظلهم من الشمس وينزل بالليل عمود من نار يسيرون في ضوئه وثيابهم لا تتسخ ولا تبلى وينزل عليهم
) المن (
وهو الترنجبين مثل الثلج
من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لكل انسان صاع ويبعث الله الجنوب فتحشر عليهم
) السلوى (
وهي السماني فيذبح الرجل منها ما يكفيه
) كلوا (
على ارادة القول
) وما ظلمونا (
يعني فظلموا بأن كفروا هذه النعم وما ظلمونا فاختصر الكلام بحذفه لدلالة

" صفحة رقم 171 "
) وما ظلمونا (
عليه
البقرة 58 - 59
)
البقرة : ( 58 ) وإذ قلنا ادخلوا . . . . .
القرية (
بيت المقدس وقيل أريحاء من قرى الشام أمروا بدخولها بعد التيه
) الباب (
باب القرية
وقيل هو باب القبة التى كانوا يصلون إليها وهم لم يدخلوا بيت المقدس في حياة موسى عليه الصلاة والسلام
أمروا بالسجود عند الانتهاء إلى الباب شكرا لله وتواضعا
وقيل ( السجود ) أن ينحنوا ويتطامنوا داخلين ليكون دخولهم بخشوع وإخبات
وقيل طوطىء لهم الباب ليخفضوا رؤوسهم فلم يخفضوها ودخلوا متزحفين على اوراكهم
) حطة (
فعلة من الحط كالجلسة والركبة وهي خبر مبتدأ محذوف أي مسألتنا حطة أو امرك حطة
والأصل النصب بمعنى حط عنا ذنوبنا حطة وإنما رفعت لتعطي معنى الثبات كقوله
( صبر جميل فكلانا مبتلى )
والأصل صبرا على اصبر صبرا وقرا ابن أبي عبلة بالنصب على الأصل وقيل معناه امرنا حطة أي ان نحط في هذه القرية ونستقر فيها
فإن قلت هل يجوز ان تنصب حطة في قراءة من نصبها ب قولوا ) على معنى قولوا هذه الكلمة قلت لا يبعد
والأجود ان تنصب بإضمار فعلها وينتصب محل ذلك المضمر ب قولوا )
وقرىء ( يغفر لكم ) على البناء للمفعول بالياء والتاء
) وسنزيد المحسنين (
أي من كان محسنا منكم كانت تلك الكلمة سببا في زيادة ثوابه ومن كان مسيئا كانت له توبة ومغفرة
) فبدل الذين ظلموا (
أي وضعوا مكان حطة
) قولا (
غيرها
يعني انهم امروا بقول معناه التوبة والاستغفار فخالفوه إلى قول ليس معناه ما امروا به ولم يمتثلوا أمر الله
وليس الغرض انهم أمروا بلفظ بعينه وهو لفظ الحطة فجاؤا بلفظ آخر

" صفحة رقم 172 "
لأنهم لو جاءوا بلفظ آخر مستقل بمعنى ما أمروا به لم يؤاخذوا به
كما لو قالوا مكان حطة نستغفرك ونتوب إليك أو اللهم أعف عنا وما أشبه ذلك
وقيل قالوا مكان حطة حنطة وقيل قالوا بالنبطية ( حطا سمقاثا ) أي حنطة حمراء استهزاء منهم بما قيل لهم وعدولا عن طلب ما عند الله إلى طلب ما يشتهون من أغراض الدنيا
وفي تكرير
) الذين ظلموا ( زيادة في تقبيح امرهم وايذان بان إنزال الرجز عليهم لظلمهم
وقد جاء في سورة الأعراف
) فأرسلنا عليهم ( الأعراف 133 على الإضمار والرجز العذاب وقرىء بضم الراء وروى انه مات منهم في ساعة بالطاعون أربعة وعشرون ألفا وقيل سبعون الفا
وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا فى الأرض مفسدين
البقرة : ( 60 ) وإذ استسقى موسى . . . . .
عطشوا في التيه فدعا لهم موسى بالسقيا فقيل له
) اضرب بعصاك الحجر (
واللام اما للعهد والاشارة إلى حجر معلوم
فقد روي انه حجر طوري حمله معه وكان حجرا مربعا له أربعة أوجه كانت تنبع من كل وجه ثلاث أعين لكل سبط عين تسيل في جدول إلى السبط الذي امر ان يسقيهم وكانوا ستمائة الف وسعة المعسكر اثنا عشر ميلا وقيل أهبطه آدم من الجنة فتوارثوه حتى وقع إلى شعيب فدفعه اليه مع العصا
وقيل هو الحجر الذي وضع عليه ثوبه حين إغتسل اذ رموه بالأدرة ففر به فقال له جبريل يقول لك الله تعالى إرفع هذا الحجر فإن لي فيه قدرة ولك فيه معجزة فحمله في مخلاته
وإما للجنس أي اضرب الشيء الذي يقال له الحجر
وعن الحسن لم يأمره أن يضرب حجرا بعينه قال وهذا أظهر في الحجة وأبين في القدرة
وروى أنهم قالوا كيف بنا لو افضينا إلى أرض ليست فيها حجارة فحمل حجرا في

" صفحة رقم 173 "
مخلاته فحيثما نزلوا ألقاه
وقيل كان يضربه بعصاه فينفجر ويضربه بها فييبس فقالوا إن فقد موسى عصاه متنا عطشا فأوحي إليه لا تقرع الحجارة وكلمها تطعك لعلهم يعتبرون وقيل كان من رخام وكان ذراعا في ذراع
وقيل مثل رأس الإنسان وقيل كان من أسى الجنة طوله عشرة اذرع على طول موسى وله شعبتان تتقدان في الظلمة وكان يحمل على حمار
) فانفجرت (
الفاء متعلقة بمحذوف أي فضرب فانفجرت
أو فإن ضربت فقد انفجرت كما ذكرنا في قوله
) فتاب عليكم (
وهي على هذا فاء فصيحة لا تقع الا في كلام بليغ وقرىء عشرة بكسر الشين وبفتحها وهما لغتان
) كل أناس (
كل سبط
) مشربهم (
عينهم التي يشربون منها
) كلوا (
على ارادة القول
) من رزق الله (
مما رزقكم من الطعام وهو المن والسلوى ومن ماء العيون
وقيل الماء ينبت منه الزروع والثمار فهو رزق يؤكل منه ويشرب والعثي أشد الفساد فقيل لهم لا تتمادوا في الفساد في حال فسادكم لأنهم كانوا متمادين فيه
وإذ قلتم ياموسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثآئها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وبآءوا بغضب من الله ذالك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذالك بما عصوا وكانوا يعتدون
البقرة : ( 61 ) وإذ قلتم يا . . . . .
كانوا فلاحة فنزعوا إلى عكرهم فاجموا ما كانوا فيه من النعمة وطلبت انفسهم الشقاء
) على طعام واحد (
أرادوا ما رزقوا في التيه من المن والسلوى
فإن قلت هما طعامان فما لهم قالوا على طعام واحد قلت أرادوا بالواحد ما لا يختلف ولا يتبدل
ولو كان على مائدة الرجل الوان عدة يداوم عليها كل يوم لا يبدلها قيل لا يأكل فلان الا طعاما واحدا يراد بالوحدة نفي التبدل والاختلاف
ويجوز ان يريدوا انهما ضرب واحد لأنهما معا من طعام اهل التلذذ والتترف ونحن قوم فلاحة أهل زراعات فما

" صفحة رقم 174 "
نريد الا ما ألفناه وضربنا به من الأشياء المتفاوتة كالحبوب والبقول ونحو ذلك
ومعنى
) يخرج لنا (
يظهر لنا ويوجد والبقل ما أنبتته الأرض من الخضر
والمراد به اطايب البقول التى يأكلها الناس كالنعناع والكرفس والكراث وأشباهها
وقرىء وقثائها ) بالضم والفوم الحنطة ومنه فوموا لنا أي اخبزوا وقيل الثوم
ويدل عليه قراءة إبن مسعود ( وثومها ) وهو للعدس والبصل اوفق
) الذي هو أدنى (
الذي هو أقرب منزلة وأدون مقدارا والدنو والقرب يعبر بهما عن قلة المقدار فيقال هو داني المحل وقريب المنزلة كما يعبر بالبعد عن عكس ذلك فيقال هو بعيد المحل وبعيد الهمة يريدون الرفعة والعلو
وقرأ زهير الفرقبي ( أدنأ ) بالهمزة من الدناءة
) اهبطوا مصرا (
وقرىء ( اهبطوا ) بالضم أي انحدروا اليه من التيه
يقال هبط الوادي إذا نزل به وهبط منه إذا خرج وبلاد التيه ما بين بيت المقدس إلى قنسرين وهي إثنا عشر فرسخا في ثمانية فراسخ
ويحتمل أن يريد العلم وإنما صرفه مع اجتماع السببين فيه وهما التعريف والتأنيث لسكون وسطه كقوله
" ونوحا ولوطا "
وفيهما العجمة والتعريف وإن أريد به البلد فما فيه الا سبب واحد وان يريد مصرا من الأمصار وفي مصحف عبد الله وقرأ به الأعمش ( اهبطوا مصر ) بغير تنوين كقوله
) ادخلوا مصر (
وقيل هو مصرائيم فعرب
) وضربت عليهم الذلة (
جعلت الذلة محيطة بهم مشتملة عليهم فهم فيها كما يكون في القبة من ضربت عليه
أو ألصقت بهم حتى لزمتهم ضربة لازب كما يضرب الطين على الحائط فيلزمه فاليهود صاغرون أذلاء أهل مسكنة ومدقعة إما على الحقيقة وإما لتصاغرهم وتفاقرهم خيفة ان تضاعف عليهم الجزية
" وباءو بغضب من الله "
من قولك باء فلان بفلان اذا كان حقيقا بان يقتل به لمساواته له ومكافأته أي صاروا احقاء بغضبه
) ذلك (
إشارة إلى ما تقدم من ضرب الذلة والمسكنة والخلاقة بالغضب أي ذلك بسبب كفرهم وقتلهم الأنبياء وقد قتلت اليهود لعنوا شعيا وزكريا ويحيى وغيرهم فإن قلت قتل الأنبياء لا يكون الا بغيرالحق فما فائدة ذكره قلت معناه انهم قتلوهم بغير الحق عندهم لأنهم لم يقتلوا ولا أفسدوا في الأرض فيقتلوا
وإنما نصحوهم ودعوهم إلى ما ينفعهم فقتلوهم فلو سئلوا وأنصفوا من أنفسهم لم

" صفحة رقم 175 "
يذكروا وجها يستحقون به القتل عندهم
وقرأ علي رضي الله عنه ( ويقتلون ) بالتشديد
) ذلك (
تكرار للاشارة
) بما عصوا (
بسبب إرتكابهم أنواع المعاصي وإعتدائهم حدود الله في كل شيء مع كفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء
وقيل هو إعتداؤهم في السبت
ويجوز أن يشار بذلك إلى الكفر وقتل الأنبياء على معنى أن ذلك بسبب عصيانهم واعتدائهم لأنهم إنهمكوا فيهما وغلوا حتى قست قلوبهم فجسروا على جحود الايات وقتل الأنبياء أو ذلك الكفر والقتل مع ما عصوا
إن الذين ءامنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من ءامن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون 62
البقرة : ( 62 ) إن الذين آمنوا . . . . .
إن الذين آمنوا بألسنتهم من غير مواطأة القلوب وهم المنافقون
) والذين هادوا (
والذين تهودوا يقال هاد يهود وتهود اذا دخل في اليهودية وهو هائد والجمع هود
) والنصارى (
وهو جمع نصران يقال رجل نصران وامرأة نصرانة قال نصرانة لم تحنف
والياء في نصراني للمبالغة كالتي في أحمري سموا لأنهم نصروا المسيح
) والصابئين (
وهو من صبأ اذا خرج من الدين وهم قوم عدلوا عن دين اليهودية والنصرانية وعبدوا الملائكة
" من ءامن "
من هؤلاء الكفرة إيمانا خالصا ودخل في ملة الإسلام دخولا أصيلا
) وعمل صالحا فلهم أجرهم (
الذي يستوجبونه بإيمانهم وعملهم
فإن قلت ما محل من آمن قلت الرفع ان جعلته مبتدأ خبره ( فلهم أجرهم ) والنصب ان جعلته بدلا من اسم ان المعطوف عليه فخبر إن في الوجه الأول الجملة كما هي وفي الثاني فلهم اجرهم والفاء لتضمن
" من "
معنى الشرط
البقرة : ( 63 - 66 ) وإذ أخذنا ميثاقكم . . . . .
وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا مآ ءاتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون ثم توليتم من بعد ذالك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم فى السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين - 66
) وإذ أخذنا ميثاقكم (
بالعمل على ما في التوراة
) ورفعنا فوقكم الطور (
حتى قبلتم وأعطيتم الميثاق
وذلك ان موسى عليه السلام جاءهم بالألواح فرأوا ما فيها من الآصار والتكاليف الشاقة فكبرت عليهم وأبوا قبولها فأمر جبريل فقلع الطور من أصله ورفعه وظلله فوقهم وقال لهم موسى إن قبلتم والا ألقي عليكم حتى قبلوا
) خذوا (
على ارادة القول
" ما ءاتيناكم "
من الكتاب
) بقوة (
بجد وعزيمة
) واذكروا ما فيه (
واحفظوا ما في الكتاب وادرسوه ولا تنسوه ولا تغفلوا عنه
) لعلكم تتقون (
رجاء منكم ان تكونوا متقين أو قلنا خذوا واذكروا ارادة ان تتقوا
) ثم توليتم (
ثم اعرضتم عن

" صفحة رقم 176 "
الميثاق والوفاء به
) فلولا فضل الله عليكم (
بتوفيقكم للتوبة لخسرتم
وقرىء ( خذوا ما آتيتكم وتذكروا ) ( واذكروا ) و
) السبت (
مصدر سبتت اليهودإذا عظمت يوم السبت
وإن ناسا منهم اعتدوا فيه اي جاوزوا ما حد لهم فيه من التجرد للعبادة وتعظيمه واشتغلوا بالصيد
وذلك ان الله ابتلاهم فما كان يبقى حوت في البحر الا أخرج خرطومه يوم السبت فإذا مضى تفرقت كما قال
) تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم ( الأعراف 163 فحفروا حياضا عند البحر وشرعوا اليها الجداول فكانت الحيتان تدخلها فيصطادونها يوم الأحد فذلك الحبس في الحياض هو اعتداؤهم
) قردة خاسئين (
خبران أي كونوا جامعين بين القردية والخسوء وهو الصغار والطرد
) فجعلناها (
يعني المسخة
" نكلا "
عبرة تنكل من اعتبر بها اي تمنعه
ومنه النكل القيد
) لما بين يديها (
لما قبلها
) وما خلفها (
وما بعدها من الأمم والقرون لأن مسختهم ذكرت في كتب الأولين فاعتبروا بها واعتبر بها من بلغتهم من الاخرين أو اريد بما بين يديها ما بحضرتها من القرى والأمم وقيل نكالا عقوبة منكلة لما بين يديها لأجل ما تقدمها من ذنوبهم وما تأخر منها
) وموعظة للمتقين (
للذين نهوهم عن الاعتداء من صالحي قومهم أو لكل متق سمعها
وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذالك فافعلوا ما تؤمرون قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفرآء فاقع لونها تسر الناظرين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى إن البقر تشابه علينا وإنآ إن شآء الله لمهتدون قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقى الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا اأان جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون - 73
البقرة : ( 67 ) وإذ قال موسى . . . . .
كان في بني اسرائيل شيخ موسر فقتله ابنه بنو أخيه ليرثوه وطرحوه على باب مدينة ثم جاءوا يطالبون بديته فامرهم الله ان يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها ليحيا فيخبرهم بقاتله
) قالوا أتتخذنا هزوا (
أتجعلنا مكان هزو أو اهل هزو أو مهزوا بنا أو الهزو نفسه لفرط الاستهزاء
) من الجاهلين (
لأن الهزو في مثل هذا من باب الجهل والسفه
وقرى ( هزوا ) بضمتين وهزءا ) بسكون الزاي نحو كفؤا وكفؤا
وقرأ

" صفحة رقم 177 "
حفص ( هزوا ) بالضمتين والواو وكذلك ( كفوا ) والعياذ واللياذ من واد واحد
في قراءة عبد الله ( سل لنا ربك ما هي ) سؤال عن حالها وصفتها
وذلك أنهم تعجبوا من بقرة ميتة يضرب ببعضها ميت فيحيا فسألوا عن صفة تلك البقرة العجيبة الشأن الخارجة عما عليه البقر
والفارض المسنة وقد فرضت فروضا فهي فارض
قال خفاف بن ندبة
( لعمري لقد أعطيت ضيفك فارضا تساق اليه ما تقوم على رجل )
وكأنها سميت فارضا لأنها فرضت سنها أي قطعتها وبلغت آخرها والبكر الفتية والعوان النصف قال
( نواعم بين أبكار وعون
)
وقد عونت
فإن قلت
) بين (
يقتضي شيئين فصاعدا فمن أين جاز دخوله على
" ذالك "
قلت لأنه في معنى شيئين حيث وقع مشارا به إلى ما ذكر من الفارض والبكر
فإن قلت كيف جاز ان يشار به إلى مؤنثين وإنما هو للإشارة إلى واحد مذكر قلت جاز ذلك على تاويل ما ذكر وما تقدم للاختصار في الكلام كما جعلوا ( فعل ) نائبا عن أفعال جمة تذكر قبله تقول للرجل نعم ما فعلت وقد ذكر لك أفعالا كثيرة وقصة طويلة كما تقول له ما احسن ذلك
وقد يجري الضمير مجرى اسم الاشارة في هذا قال أبو عبيدة قلت لرؤبة في قوله
( فيها خطوط من سواد وبلق
كانه في الجلد توليع البهق )
إن أردت الخطوط فقل كأنها وإن أردت السواد والبلق فقل كانهما فقال

" صفحة رقم 178 "
أردت كأن ذاك ويلك والذي حسن منه أن أسماء الإشارة تثنيتها وجمعها وتأنيثها ليست على الحقيقة وكذلك الموصولات ولذلك جاء الذي بمعنى الجمع
) ما تؤمرون ( أي ما تؤمرونه بمعنى تؤمرون به من قوله أمرتك الخير أو أمركم بمعنى مأموركم تسمية للمفعول به بالمصدر كضرب الأمير
الفقوع أشد ما يكون من الصفرة وأنصعه
يقال في التوكيد أصفر فاقع ووارس كما يقال أسود حالك وحانك وأبيض يقق ولهق
وأحمر قاني وذريحي وأخضر ناضر ومدهام واورق خطباني وأرمك رداني
فإن قلت فاقع ههنا واقع خبرا عن اللون فلم يقع توكيدا لصفراء قلت لم يقع خبرا عن اللون إنما وقع توكيدا لصفراء إلا إنه إرتفع اللون به إرتفاع الفاعل واللون من سببها وملتبس بها فلم يكن فرق بين قولك صفراء فاقعة وصفراء فاقع لونها
فإن قلت فهلا قيل صفراء فاقعة وأي فائدة في ذكر اللون قلت الفائدة فيه التوكيد لأن اللون اسم للهيئة وهي الصفرة فكانه قيل شديدة الصفرة صفرتها فهو من قولك جد جده وجنونك مجنون
وعن وهب اذا نظرت اليها خيل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها
والسرور لذة في القلب عند حصول نفع أو توقعه وعن علي رضي الله عنه من لبس نعلا صفراء قل همه لقوله تعالى
) تسر الناظرين (
وعن الحسن البصري
) صفراء فاقع لونها (
سوداء شديدة السواد
ولعله مستعار من صفة الإبل لأن سوادها تعلوه صفرة وبه فسر قوله تعالى
" جمالات صفر " المرسلات 33 قال الأعشى
تلك خيلي منه وتلك ركابي
هن صفر اولادها كالزبيب
) ما هي (
مرة ثانية تكرير للسؤال عن حالها وصفتها واستكشاف زائد ليزدادوا بيانا لوصفها
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
39 ( لو اعترضوا ادنى بقرة فذبحوها لكفتهم ولكن شددوا فشدد الله عليهم )

" صفحة رقم 179 "
والاستقصاء شؤم
وعن بعض الخلفاء أنه كتب إلى عامله بان يذهب إلى قوم فيقطع أشجارهم ويهدم دورهم فكتب اليه بأيهما أبدأ فقال ان قلت لك بقطع الشجر سألتني بأي نوع منها ابدأ وعن عمر بن عبد العزيز إذا أمرتك ان تعطي فلانا شاة سألتني أضائن أم ماعز فإن بينت لك قلت أذكر أم انثى فإن اخبرتك قلت أسوداء أم بيضاء فإذا امرتك بشيء فلا تراجعني
وفي الحديث
40 ( أعظم الناس جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم لأجل مسألته )
صحيح
) إن البقر تشابه علينا (
أي إن البقر الموصوف بالتعوين والصفرة كثير فاشتبه علينا أيها نذبح وقرىء ( تشابه ) بمعنى تتشابه بطرح التاء وادغامها في الشين وتشابهت ومتشابهة ومتشابه
وقرأ محمد ذو الشامة إن الباقر يشابه بالياء والتشديد جاء في الحديث
41 ( لو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد )
أي لو لم يقولوا ان شاء الله والمعنى إنا لمهتدون إلى البقرة المراد ذبحها أو إلى ما خفي علينا من أمر القاتل
) لا ذلول (
صفة لبقرة بمعنى بقرة غير ذلول يعنى لم تذلل للكراب واثارة الأرض ولا هي من النواضح التى يسنى عليها لسقي الحروث و لا الأولى للنفي والثانية مزيدة لتوكيد الأولى لأن المعنى لا ذلول تثير وتسقي
على ان الفعلين صفتان لذلول كانه قيل لا ذلول مثيرة وساقية وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ( لا ذلول ) بمعنى لا ذلول هناك أي حيث هي وهو نفي لذلها ولأن توصف به فيقال هي ذلول ونحوه قولك مررت بقوم لا بخيل ولا جبان أي فيهم أو حيث هم وقرىء ( تسقي ) بضم

" صفحة رقم 180 "
التاء من أسقى
) مسلمة (
سلمها الله من العيوب أو معفاة من العمل سلمها أهلها منها كقوله
أو معبر الظهر ينبي عن وليته
ما حج ربه في الدنيا ولا اعتمرا
أو مخلصة اللون من سلم له كذا إذا خلص له لم يشب صفرتها شيء من الألوان
) لا شية فيها (
لا لمعة في نقبتها من لون آخر سوى الصفرة فهي صفراء كلها حتى قرنها وظلفها
وهي في الأصل مصدر وشاه وشيا وشية اذا خلط بلونه لونا آخر ومنه ثور موشى القوائم
) جئت بالحق (
أي بحقيقة وصف البقرة وما بقي اشكال في أمرها
) فذبحوها (
أي فحصلوا البقرة الجامعة لهذه الأوصاف كلها فذبحوها
وقوله
) وما كادوا يفعلون (
استثقال لاستقصائهم واستبطاء لهم وانهم لتطويلهم المفرط وكثرة استكشافهم ما كادوا يذبحونها وما كادت تنتهي سؤالاتهم وما كاد ينقطع خيط إسهابهم فيها وتعمقهم وقيل وما كادوا يذبحونها لغلاء ثمنها وقيل لخوف الفضيحة في ظهور القاتل وروي انه كان في بني اسرائيل شيخ صالح له عجلة فأتى بها الغيضة وقال اللهم أني أستودعكها لابني حتى يكبر وكان برا بوالديه فشبت وكانت من احسن البقر وأسمنه فساوموها اليتيم وأمه حتى اشتروها بملء مسكها ذهبا وكانت البقرة اذ ذاك بثلاثة دنانير وكانوا طلبوا البقرة الموصوفة اربعين سنة
فإن قلت كانت البقرة التى تناولها الأمر بقرة من شق البقر غير مخصوصة ثم انقلبت مخصوصة بلون وصفات فذبحوا المخصوصة فما فعل الأمر الأول قلت رجع منسوخا لانتقال الحكم إلى البقرة المخصوصة والنسخ قبل الفعل جائز
على أن الخطاب كان لإبهامه متناولا لهذه البقرة الموصوفة كما تناول غيرها ولو وقع الذبح عليها بحكم الخطاب قبل التخصيص لكان امتثالا له فكذلك اذا وقع عليها بعد التخصيص
) وإذ قتلتم نفسا (
خوطبت الجماعة لوجود القتل فيهم
" فأدرءتم " فاختلفتم واختصمتم في شانها لأن المتخاصمين يدرأ بعضهم بعضا أي يدفعه ويزحمه أو تدافعتم بمعنى طرح قتلها بعضكم

" صفحة رقم 181 "
على بعض فدفع المطروح عليه الطارح
أو لأن الطرح في نفسه دفع أو دفع بعضكم بعضا عن البراءة واتهمه
) والله مخرج ما كنتم تكتمون (
مظهر لا محالة ما كتمتم من أمر القتل لا يتركه مكتوما
فإن قلت كيف اعمل ( مخرج ) وهو في معنى المضي قلت وقد حكى ما كان مستقبلا في وقت التدارؤ
كما حكى الحاضر في قوله
) باسط ذراعيه ( الكهف 18 وهذه الجملة اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه وهما ( ادارأتم ) و ( فقلنا ) والضمير في
) اضربوه (
إما ان يرجع إلى النفس والتذكير على تأويل الشخص والإنسان وإما إلى القتيل لما دل عليه من قوله ( ما كنتم تكتمون )
) ببعضها (
ببعض البقرة
وإختلف في البعض الذي ضرب به فقيل لسانها وقيل فخذها اليمنى وقيل عجبها وقيل العظم الذي يلي الغضروف وهوأصل الأذن وقيل الأذن وقيل البضعة بين الكتفين
والمعنى فضربوه فحيي فحذف ذلك لدلالة قوله
" كذلك يحى الله الموتى "
وروى انهم لما ضربوه قام بإذن الله وأوداجه تشخب دما وقال قتلني فلان وفلان لابني عمه ثم سقط ميتا فأخذا وقتلا ولم يورث قاتل بعد ذلك
" كذلك يحي الله الموتى " إما ان يكون خطابا للذين حضروا حياة القتيل بمعنى وقلنا لهم كذلك يحيى الله الموتي يوم القيامة
" ويريكم ءاياته "
ودلائله على انه قادر على كل شيء
) لعلكم تعقلون (
تعملون على قضية عقولكم
وان من قدر على احياء نفس واحدة قدر على إحياء الأنفس كلها لعدم الاختصاص حتى لا تنكروا البعث
وإما ان يكون خطابا للمنكرين في زمن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
فإن قلت هلا احياه ابتداء ولم شرط في إحيائه ذبح البقرة وضربه ببعضها قلت في الأسباب والشروط حكم وفوائد
وإنما شرط ذلك لما في ذبح البقرة من التقرب وأداء التكاليف واكتساب الثواب والإشعار بحسن تقديم القربة على الطلب وما في التشديد عليهم لتشديدهم من اللطف لهم ولآخرين في ترك التشديد والمسارعة إلى امتثال اوامر الله تعالى وارتسامها على الفور من غير تفتيش وتكثير سؤال ونفع اليتيم بالتجارة الرابحة والدلالة على بركة البر بالوالدين والشفقة على الأولاد وتجهيل الهازىء بما لا يعلم كنهه ولا يطلع على حقيقته من كلام الحكماء وبيان ان من حق المتقرب إلى ربه ان يتنوق في اختيار ما

" صفحة رقم 182 "
يتقرب به وان يختاره فتي السن غير قحم ولا ضرع حسن اللون بريا من العيوب يونق من ينظر اليه وأن يغالى بثمنه كما يروي عن عمر رضي الله عنه
42 انه ضحى بنجيبة بثلاثمائة دينار
وان الزيادة في الخطاب نسخ له وأن النسخ قبل الفعل جائز وإن لم يجز قبل وقت الفعل وإمكانه لأدائه إلى البداء وليعلم بما أمر من مس الميت بالميت وحصول الحياة عقيبه أن المؤثر هو المسبب لا الأسباب لأن الموتين الحاصلين في الجسمين لا يعقل أن تتولد منهما حياة
فإن قلت فما للقصة لم تقص على ترتيبها وكان حقها أن يقدم ذكر القتيل والضرب ببعض البقرة على الأمر بذبحها وان يقال وإذا قتلتم نفسا فأدارأتم فيها فقلنا اذبحوا بقرة واضربوه ببعضها قلت كل ما قص من قصص بني اسرائيل انما قص تعديدا لما وجد منهم من الجنايات وتقريعا لهم عليها ولما جدد فيهم من الآيات العظام
وهاتان قصتان كل واحدة منهما مستقلة بنوع من التقريع وإن كانتا متصلتين متحدتين فالأولى لتقريعهم على الإستهزاء وترك المسارعة إلى الإمتثال وما يتبع ذلك
والثانية للتقريع على قتل النفس المحرمة وما يتبعه من الآية العظيمة
وإنما قدمت قصة الأمر بذبح البقرة على ذكر القتيل لأنه لو عمل على عكسه لكانت قصة واحدة ولذهب الغرض في تثنية التقريع
ولقد روعيت نكتة بعدما استؤنفت الثانية استئناف قصة برأسها أن وصلت بالأولى دلالة على اتحادهما بضمير البقرة لا باسمها الصريح في قوله
) اضربوه ببعضها (
حتى تبين انهما قصتان فيما يرجع إلى التقريع وتثنيته بإخراج الثانية مخرج الاستئناف مع تأخيرها وانها قصة واحدة بالضمير الراجع إلى البقرة
ثم قست قلوبكم من بعد ذالك فهى كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه المآء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله

" صفحة رقم 183 "
بغافل عما تعملون
البقرة : ( 74 ) ثم قست قلوبكم . . . . .
معنى
) ثم قست (
استبعاد القسوة من بعد ما ذكر مما يوجب لين القلوب ورقتها ونحوه
) ثم أنتم تمترون (
وصفة القلوب بالقسوة والغلظ مثل لنبوها عن الاعتبار وأن المواعظ لا تؤثر فيها
و
" ذالك "
إشارة إلى احياء القتيل أو إلى جميع ما تقدم من الآيات المعدودة
) فهي كالحجارة (
فهي في قسوتها مثل الحجارة
) أو أشد قسوة (
منها و أشد ) معطوف على الكاف إما على معنى أو مثل أشد قسوة فحذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه
وتعضده قراءة الأعمش بنصب الدال عطفا على الحجارة وإما على أو هي انفسها أشد قسوة والمعنى ان من عرف حالها شبهها بالحجارة أو بجوهر أقسى منها وهو الحديد مثلا
أو من عرفها شبهها بالحجارة أو قال هي أقسى من الحجارة
فإن قلت لم قيل أشد قسوة وفعل القسوة مما يخرج منه افعل التفضيل وفعل التعجب قلت لكونه أبين وأدل على فرط القسوة
ووجه آخر وهو ان لا يقصد معنى الأقسى ولكن قصد وصف القسوة بالشدة كانه قيل اشتدت قسوة الحجارة وقلوبهم أشد قسوة وقرىء ( قساوة )
وترك ضمير المفضل عليه لعدم الالباس كقولك زيد كريم وعمرو اكرم
وقوله
) وإن من الحجارة (
بيان لفضل قلوبهم على الحجارة في شدة القسوة وتقرير قوله
) أو أشد قسوة ( وقرىء ( وإن ) بالتخفيف وهي ( إن ) المخففة من الثقيلة التى تلزمها اللام الفارقة
ومنها قوله تعالى
) وإن كل لما جميع ( يس 33
والتفجر التفتح بالسعة والكثرة وقرأ مالك بن دينار ( ينفجر ) بالنون
" يشفق "
يتشقق
وبه قرا الأعمش والمعنى إن من الحجارة ما فيه خروق واسعة يتدفق منها الماء الكثير الغزير ومنها ما ينشق انشقاقا بالطول أو بالعرض فينبع منه الماء ايضا
) يهبط (
يتردى من اعلى الجبل وقرىء بضم الباء والخشية مجاز عن انقيادها لأمر الله تعالى وانها لا تمتنع على ما يريد فيها وقلوب هؤلاء لا تنقاد ولا تفعل ما امرت به وقرىء ( يعملون ) بالياء والتاء وهو وعيد
أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من

" صفحة رقم 184 "
بعد ما عقلوه وهم يعلمون وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحآجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون 75 - 7
البقرة : ( 75 ) أفتطمعون أن يؤمنوا . . . . .
أفتطمعون (
الخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين
) أن يؤمنوا لكم (
أن يحدثوا الايمان لأجل دعوتكم ويستجيبوا لكم كقوله
" فآمن له لوط " العنكبوت 26 يعني اليهود
) وقد كان فريق (
طائفة فيمن سلف منهم
) يسمعون كلام الله (
وهو ما يتلونه من التوراة
) ثم يحرفونه (
كما حرفوا صفة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وآية الرجم وقيل كان قوم من السبعين المختارين سمعوا كلام الله
حين كلم موسى بالطور وما امر به ونهى ثم قالوا سمعنا الله يقول في آخره إن استطعتم ان تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا وإن شئتم فلا تفعلوا فلا بأس
وقرىء ( كلم الله )
) من بعد ما عقلوه (
من بعد ما فهموه وضبطوه بعقولهم ولم تبق لهم شبهة في صحته
) وهم يعلمون (
أنهم كاذبون مفترون
والمعنى إن كفر هؤلاء وحرفوا فلهم سابقة في ذلك
) وإذا لقوا (
يعني اليهود
) قالوا (
قال منافقوهم
" ءامنا "
بأنكم على الحق وأن محمدا هو الرسول المبشر به
) وإذا خلا بعضهم (
الذين لم ينافقوا
) إلى بعض (
الذين نافقوا
) قالوا (
عاتبين عليهم
) أتحدثونهم بما فتح الله عليكم (
بما بين لكم في التوراة من صفة محمد
أو قال المنافقون لأعقابهم يرونهم التصلب في دينهم أتحدثونهم إنكارا عليهم أن يفتحوا عليهم شيئا في كتابهم فينافقون المؤمنين وينافقون اليهود
) ليحاجوكم به عند ربكم (
ليحتجوا عليكم بما انزل ربكم في كتابه جعلوا محاجتهم به وقولهم هو في كتابكم هكذا محاجة عند الله
ألا تراك تقول هو في كتاب الله هكذا
وهو عند الله هكذا بمعنى واحد
) يعلم (
جميع
) ما يسرون وما يعلنون (
ومن ذلك إسرارهم الكفر وإعلانهم الايمان
ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أمانى وإن هم إلا يظنون فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هاذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون 78 - 79
)
البقرة : ( 78 ) ومنهم أميون لا . . . . .
ومنهم أميون (
لا يحسنون الكتب فيطالعوا التوراة ويتحققوا ما فيها
) لا يعلمون الكتاب (

" صفحة رقم 185 "
التوراة
) إلا أماني (
إلا ما هم عليه من أمانيهم وأن الله يعفو عنهم ويرحمهم ولا يؤاخذهم بخطاياهم وان آباءهم الأنبياء يشفعون لهم وما تمنيهم أحبارهم من أن النار لا تمسهم الا أياما معدودة وقيل الا أكاذيب مختلفة سمعوها من علمائهم فتقبلوها على التقليد
قال أعرابي لابن دأب في شيء حدث به أهذا شيء رويته أم تمنيته أم اختلقته وقيل الا ما يقرؤن من قوله
تمنى كتاب الله أول ليلة
والاشتقاق من منى اذا قدر لأن المتمني يقدر في نفسه ويحزر ما يتمناه وكذلك المختلق والقارىء يقدر ان كلمة كذا بعد كذا
وإلا أماني من الإستثناء المنقطع
وقرىء ( أماني ) بالتخفيف ذكر العلماء الذين عاندوا بالتحريف مع العلم والاستيقان ثم العوام الذين قلدوهم ونبه على أنهم في الضلال سواء لأن العالم عليه ان يعمل بعلمه وعلى العامي ان لا يرضى بالتقليد والظن وهو متمكن من العلم
) يكتبون الكتاب (
المحرف
) بأيديهم (
تأكيد وهو من مجاز التأكيد كما تقول لمن ينكر معرفة ما كتبه يا هذا كتبته بيمينك هذه
) مما يكسبون (
من الرشا
وقالوا لن تمسنا النار 80 - 82
" إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيأته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون والذين ءامنوا وعملوا الصالحات أولائك أصحاب الجنة هم فيها خالدون
البقرة : ( 80 - 82 ) وقالوا لن تمسنا . . . . .
إلا أياما معدودة "
أربعين يوما عدد أيام عبادة العجل
وعن مجاهد كانوا يقولون مدة الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب مكان كل ألف سنة يوما
) فلن يخلف الله (
متعلق بمحذوف تقديره إن اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده
و
) أم (
إما ان تكون معادلة بمعني أي الأمرين كائن على سبيل التقرير لأن العلم واقع بكون احدهما
ويجوز ان تكون منقطعة
) بلي (
اثبات لما بعد حرف النفي وهو قوله
) لن تمسنا النار (
أي بلى تمسكم أبدا بدليل قوله
) هم فيها خالدون (
) من كسب سيئة (
من السيئات يعني كبيرة من الكبائر
) وأحاطت به خطيئته (
تلك واستولت

" صفحة رقم 186 "
عليه كما يحيط العدو ولم يتفص عنها بالتوبة
وقرىء ( خطاياه ) و خطيئاته )
وقيل في الإحاطة كان ذنبه أغلب من طاعته
وسأل رجل الحسن عن الخطيئة قال سبحان الله ألا أراك ذا لحية وما تدري ما الخطيئة انظر في المصحف فكل آية نهى فيها الله عنها وأخبرك أنه من عمل بها ادخله النار فهي الخطيئة المحيطة
وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرءيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذى القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلواة وءاتوا الزكواة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون
)
البقرة : ( 83 ) وإذ أخذنا ميثاق . . . . .
لا تعبدون (
إخبار في معنى النهي كما تقول تذهب إلى فلان تقول له كذا تريد الأمر وهو أبلغ من صريح الأمر والنهي لأنه كأنه سورع إلى إلامتثال والانتهاء فهو يخبر عنه وتنصره قراءة عبد الله وأبي ( لا تعبدوا ) ولا بد من إرادة القول ويدل عليه أيضا قوله
) وقولوا (
وقوله
) وبالوالدين إحسانا (
إما ان يقدر وتحسنون بالوالدين احسانا أو وأحسنوا وقيل هو جواب قوله
" وإذا أخذنا ميثاق بني إسرائيل
اجراء له مجرى القسم كانه قيل وإذ أقسمنا عليهم لا تعبدون وقيل معناه ان لا تعبدوا فلما حذفت ( أن " رفع كقوله
( ألا أيهذا الزاجري اخضر الوغى )
ويدل عليه قراءة عبد الله ( أن لا تعبدوا ) ويحتمل ( ان لا تعبدوا ) ان تكون ( أن ) فيه مفسرة وان تكون ان مع الفعل بدلا عن الميثاق كانه قيل أخذنا ميثاق بني اسرائيل

" صفحة رقم 187 "
توحيدهم وقرىء بالتاء حكاية لما خوطبوا به وبالياء لأنهم غيب
) حسنا ( قولا هو حسن في نفسه لإفراط حسنه
وقرىء ( حسنا ) وحسنى ) على المصدر كبشرى
) ثم توليتم (
على طريقة الالتفات أي توليتم عن الميثاق ورفضتموه
) إلا قليلا منكم (
قيل هم الذين أسلموا منهم
) وأنتم معرضون (
وأنتم قوم عادتكم الإعراض عن المواثيق والتولية
وإذ أخذنا ميثاقكم - 86
"
البقرة : ( 84 ) وإذ أخذنا ميثاقكم . . . . .
لا تسفكون دمآءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ثم أنتم هاؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزآء من يفعل ذالك منكم إلا خزى في الحيواة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون أولائك الذين اشتروا الحيواة الدنيا بالاخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون انفسكم "
لا يفعل ذلك بعضكم ببعض
جعل غير الرجل نفسه اذا اتصل به أصلا أو دينا وقيل إذا قتل غيره فكأنما قتل نفسه لأنه يقتص منه
) ثم أقررتم (
بالميثاق واعترفتم على انفسكم بلزومه
) وأنتم تشهدون (
عليها كقولك فلان مقر على نفسه بكذا شاهد عليها
وقيل وأنتم تشهدون اليوم يا معشر اليهود على اقرار أسلافكم بهذا الميثاق
) ثم أنتم هؤلاء (
استبعاد لما أسند اليهم من القتل والإجلاء والعدوان بعد اخذ الميثاق منهم وإقرارهم وشهادتهم
والمعنى ثم أنتم بعد ذلك هؤلاء المشاهدون يعني انكم قوم آخرون غير اولئك المقرين تنزيلا لتغير الصفة منزلة وتغير الذات كما تقول رجعت بغير الوجه الذي خرجت به
وقوله
) تقتلون (
بيان لقوله
) ثم أنتم هؤلاء (
وقيل ( هؤلاء ) موصول بمعنى الذين وقرىء ( تظاهرون ) بحذف التاء وادغامها
وتتظاهرون بإثباتها وتظهرون بمعنى تتظهرون أي تتعاونون عليهم
وقرىء

" صفحة رقم 188 "
( تفدوهم ) ( وتفادوهم ) ( وأسرى ) وأسارى )
2 وهو (
ضمير الشان
ويجوز ان يكون مبهما تفسيره
) إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب (
أي بالفداء
) وتكفرون ببعض ( أي بالقتال والاجلاء
وذلك ان قريظة كانوا حلفاء الأوس والنضير كانوا حلفاء الخزرج فكان كل فريق يقاتل مع حلفائه وإذا غلبوا خربوا ديارهم واخرجوهم وإذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه
فعيرتهم العرب وقالت كيف تقاتلونهم ثم تفدونهم فيقولون امرنا ان نفديهم وحرم علينا قتالهم ولكنا نستحي ان نذل حلفاءنا
والخزي قتل بني قريظة وأسرهم وإجلاء بني النضير وقيل الجزية وإنما رد من فعل منهم ذلك إلى أشد العذاب لأن عصيانه أشد وقرىء ( يردون ) ( ويعملون ) بالياء والتاء
) فلا يخفف عنهم (
عذاب الدنيا بنقصان الجزية ولا ينصرهم أحد بالدفع عنهم وكذلك عذاب الاخرة
ولقد ءاتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وءاتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جآءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون ولما جآءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جآءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين - 89
البقرة : ( 87 - 89 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
) الكتاب (
التوراة آتاه إياها جملة واحدة
ويقال قفاه اذا أتبعه من القفا نحو ذنبه من الذنب وقفاه به اتبعه اياه يعني وأرسلنا على أثره الكثير من الرسل كقوله تعالى
" ثم أرسلنا رسلنا تترى " المؤمنون 44 وهم يوشع وأشمويل وشمعون وداود وسليمان وشعيا وارميا وعزير وحزقيل والياس واليسع ويونس وزكريا ويحيى وغيرهم
وقيل
) عيسى (
بالسريانية يشوع
و
) مريم (
بمعنى الخادم وقيل المريم بالعربية من النساء كالزير من الرجال وبه فسر قول رؤبة
( قلت لزير لم تصله مريمه )
وووزن ( مريم ) عند النحويين ( مفعل ) لأن فعيلا بفتح الفاء لم يثبت في الأبنية كما ثبت نحو عثير وعليب
) البينات ( المعجزات الواضحات والحجج
كإحياء الموتى

" صفحة رقم 189 "
وإبراء الأكمة والأبرص والإخبار بالمغيبات
وقرىء ( وآيدناه ) ومنه آجده بالجيم اذا قواه
يقال الحمد لله الذي آجدني بعد ضعف وأوجدني بعد فقر
" بروج القدس "
بالروح المقدسة كما تقول حاتم الجود ورجل صدق
ووصفها بالقدس كما قال
) وروح منه ( النساء 171 فوصفه بالإختصاص والتقريب للكرامة
وقيل لأنه لم تضمه الأصلاب ولا أرحام الطوامث وقيل بجبريل وقيل بالإنجيل كما قال في القرآن
" وروحا من امرنا " الشورى 52 وقيل باسم الله الأعظم الذي كان يحيى الموتى بذكره
والمعنى ولقد آتينا يا بني إسرائيل أنبياءكم ما آتيناهم
) أفكلما جاءكم رسول (
منهم بالحق
) استكبرتم (
عن الإيمان به فوسط بين الفاء وما تعلقت به همزة التوبيخ والتعجيب من شانهم ويجوز ان يريد ولقد آتيناهم ما آتيناهم ففعلتم ما فعلتم
ثم وبخهم على ذلك ودخول الفاء لعطفه على المقدر فإن قلت هلا قيل وفريقا قتلتم قلت هو على وجهين ان تراد الحال الماضية لأن الأمر فظيع فأريد استحضاره في النفوس وتصويره في القلوب وأن يراد وفريقا تقتلونهم بعد لأنكم تحومون حول قتل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) لولا أني أعصمه منكم ولذلك سحرتموه وسممتم له الشاة وقال ( صلى الله عليه وسلم ) عند موته
43 ( ما زالت أكلة خيبر تعادني فهذا أوان قطعت أبهري )
) غلف (
جمع

" صفحة رقم 190 "
أغلف أي هي خلقة وجبلة مغشاة بأغطية لا يتوصل اليها ما جاء به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ولا تفقهه مستعار من الأغلف الذي لم يختن كقولهم ( قلوبنا في اكنة مما تدعونا اليه ) فصلت 5
ثم رد الله ان تكون قلوبهم مخلوقة كذلك لأنها خلقت على الفطرة والتمكن من قبول الحق بان الله لعنهم وخذلهم بسبب كفرهم فهم الذين غلفوا قلوبهم بما احدثوا من الكفر الزائغ عن الفطرة وتسببوا بذلك لمنع الألطاف التي تكون للمتوقع إيمانهم وللمؤمنين
) فقليلا ما يؤمنون (
فإيمانا قليلا يؤمنون وما مزيدة وهو إيمانهم ببعض الكتاب
ويجوز ان تكون القلة بمعنى العدم
وقيل ( غلف ) تخفيف ( غلف ) جمع ( غلاف ) أي قلوبنا أوعية للعلم فنحن مستغنون بما عندنا عن غيره
وروى عن أبي عمرو قلوبنا غلف بضمتين
) كتاب من عند الله (
هو القرآن
) مصدق لما معهم (
من كتابهم لا يخالفه
وقرىء ( مصدقا ) على الحال
فإن قلت كيف جاز نصبها عن النكرة قلت اذا وصف النكرة تخصص فصح انتصاب الحال عنه وقد وصف ( كتاب ) بقوله ) من عند الله (
وجواب لما محذوف وهو نحو كذبوا به واستهانوا بمجيئه وما أشبه ذلك
) يستفتحون على الذين كفروا (
يستنصرون على المشركين إذا قاتلوهم قالوا اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد نعته وصفته في التوراة ويقولون لأعدائهم من المشركين قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وإرم
وقيل معنى
) يستفتحون ( يفتحون عليهم ويعرفونهم ان نبيا يبعث منهم قد قرب اوانه
والسين للمبالغة أي يسألون انفسهم الفتح عليهم كالسين في استعجب

" صفحة رقم 191 "
واستسخر أو يسأل بعضهم بعضا ان يفتح عليهم
) فلما جاءهم ما عرفوا (
من الحق
) كفروا به (
بغيا وحسدا وحرصا على الرياسة
) على الكافرين (
أي عليهم وضعا للظاهر موضع المضمر للدلالة على ان اللعنة لحقتهم لكفرهم واللام للعهد ويجوز ان تكون للجنس ويدخلوا فيه دخولا أوليا
البقرة 90 - 91
(
البقرة : ( 90 ) بئسما اشتروا به . . . . .
ما ) نكرة منصوبة مفسرة لفاعل بئس بمعنى بئس شيئا
) اشتروا به أنفسهم (
والمخصوص بالذم
) أن يكفروا (
واشتروا بمعنى باعوا
) بغيا (
حسدا وطلبا لما ليس لهم وهو علة اشتروا
) أن ينزل (
لأن ينزل أو على أن ينزل أي حسدوه على ان ينزل الله
) من فضله (
الذي هو الوحي
) على من يشاء (
وتقتضي حكمته وارساله
" فباءو بغضب على غضب "
فصاروا احقاء بغضب مترادف لأنهم كفروا بنبي الحق وبغوا عليه
وقيل كفروا بمحمد بعد عيسى وقيل بعد قولهم عزير ابن الله وقولهم ( يد الله مغلولة ) وغير ذلك من انواع كفرهم
) بما أنزل الله (
مطلق فيما انزل الله من كل كتاب
) قالوا نؤمن بما أنزل علينا (
مقيد بالتوراة ويكفرون بما وراءه أي قالوا ذلك والحال أنهم يكفرون بما وراء التوراة
) وهو الحق مصدقا لما معهم (
منها غير مخالف له وفيه رد لمقالتهم لأنهم اذا كفروا بما يوافق التوراة فقد كفروا بها ثم اعترض عليهم بقتلهم الأنبياء مع ادعائهم الإيمان بالتوراة والتوراة لا تسوغ قتل الأنبياء
ولقد جآءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا مآ ءاتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا فى قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين - 93
البقرة : ( 92 - 93 ) ولقد جاءكم موسى . . . . .

" صفحة رقم 192 "
) وأنتم ظالمون (
يجوز أن يكون حالا أي عبدتم العجل وأنتم واضعون العبادة غير موضعها وأن يكون اعتراضا بمعنى وأنتم قوم عادتكم الظلم
وكرر رفع الطور لما نيط به من زيادة ليست مع الأول مع ما فيه من التوكيد
) واسمعوا (
ما أمرتم به في التوراة
) قالوا سمعنا (
قولك
) وعصينا (
أمرك
فإن قلت كيف طابق قوله جوابهم قلت طابقه من حيث إنه قال لهم
) اسمعوا (
وليكن سماعكم سماع تقبل وطاعة فقالوا
) سمعنا (
ولكن لا سماع طاعة
) وأشربوا في قلوبهم العجل (
أي تداخلهم حبه والحرص على عبادته كما يتداخل الثوب الصبيغ
وقوله
) في قلوبهم (
بيان لمكان الإشراب كقوله
) إنما يأكلون في بطونهم نارا ( النساء 10
) بكفرهم (
بسبب كفرهم
) بئسما يأمركم به إيمانكم (
بالتوراة لأنه ليس في التوراة عبادة العجاجيل
وإضافة الأمر إلى ايمانهم تهكم كما قال قوم شعيب
" أصلاتك تامرك " هود 87 وكذلك إضافة الايمان اليهم وقوله
) إن كنتم مؤمنين (
تشكيك في إيمانهم وقدح في صحة دعواهم له
قل إن كانت لكم الدار الاخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين ولتجدنهم أحرص الناس على حيواة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون 94 - 96
)
البقرة : ( 94 ) قل إن كانت . . . . .
خالصة (
نصب على الحال من الدار الآخرة والمراد الجنة أي سالمة لكم خاصة بكم ليس لأحد سواكم فيها حق يعني إن صح قولكم لن يدخل الجنة الا من كان هودا
و
) الناس (
للجنس وقيل للعهد وهم المسلمون
) فتمنوا الموت ( لأن من أيقن انه من أهل الجنة اشتاق اليها وتمنى سرعة الوصول إلى النعيم والتخلص من الدار ذات الشوائب كما روى عن المبشرين بالجنة ما روى كان علي رضي الله عنه يطوف بين الصفين في غلاله فقال له ابنه الحسن ما هذا بزي المحاربين
فقال يا بني لا يبالي أبوك على الموت سقط أم عليه سقط الموت
وعن حذيفة رضي الله عنه انه كان يتمنى الموت فلما احتضر قال حبيب جاء على فاقه لا أفلح من ندم
يعني على التمني
وقال عمار بصفين الآن ألاقي الأحبة محمدا وحزبه وكان كل واحد من العشرة يحب الموت ويحن إليه
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
44 ( لو تمنوا الموت لغص كل إنسان بريقه فمات مكانه وما بقي على وجه الأرض يهودي )

" صفحة رقم 193 "
) بما قدمت أيديهم (
بما اسلفوا من موجبات النار من الكفر بمحمد وبما جاء به وتحريف كتاب الله وسائر أنواع الكفر والعصيان
وقوله
) ولن يتمنوه أبدا (
من المعجزات لأنه اخبار بالغيب وكان كما اخبر به كقوله
) ولن تفعلوا (
فإن قلت ما أدراك أنهم لم يتمنوا قلت لأنهم لو تمنوا لنقل ذلك كما نقل سائر الحوادث ولكان ناقلوه من أهل الكتاب وغيرهم من أولى المطاعن في الإسلام اكثر من الذر وليس أحد منهم نقل ذلك فإن قلت التمني من أعمال القلوب وهو سر لا يطلع عليه أحد فمن أين علمت انهم لم يتمنوه قلت ليس التمني من أعمال القلوب إنما هو قول الإنسان بلسانه ليت لي كذا فإذا قاله قالوا تمنى وليت كلمة التمني ومحال ان يقع التحدي بما في الضمائر والقلوب ولو كان التمني بالقلوب وتمنوا لقالوا قد تمنينا الموت في قلوبنا ولم ينقل انهم قالوا ذلك
فإن قلت لم يقولوه لأنهم علموا انهم لا يصدقون
قلت كم حكى عنهم من أشياء قاولوا بها المسلمين من الافتراء على الله وتحريف كتابه وغير ذلك مما علموا انهم غير مصدقين فيه ولا محمل له الا الكذب البحت ولم يبالوا فكيف يمتنعون من ان يقولوا إن التمني من أفعال القلوب وقد فعلناه مع احتمال ان يكونوا صادقين في قولهم وإخبارهم عن ضمائرهم وكان الرجل يخبر عن نفسه بالإيمان فيصدق مع احتمال ان يكون كاذبا لأنه امر خاف لا سبيل إلى الاطلاع عليه
) والله عليم بالظالمين (
تهديد لهم
) ولتجدنهم (
هو من وجد بمعنى علم المتعدي إلى مفعولين في قولهم وجدت زيدا ذا الحفاظ ومفعولاه ( هم احرص )
فإن قلت لم قال
" على حيواة "
بالتنكير قلت لأنه أراد حياة مخصوصة وهي الحياة المتطاولة ولذلك كانت القراءة بها اوقع من قراءة أبي ( على الحياة )
) ومن الذين أشركوا (
محمول على المعنى لأن معنى احرص الناس احرص من الناس فإن قلت ألم يدخل الذين

" صفحة رقم 194 "
أشركوا تحت الناس قلت بلى ولكنهم أفردوا بالذكر لأن حرصهم شديد
ويجوز ان يراد واحرص من الذين أشركوا فحذف لدلالة أحرص الناس عليه
وفيه توبيخ عظيم لأن الذين اشركوا لا يؤمنون بعاقبة ولا يعرفون الا الحياة الدنيا فحرصهم عليها لا يستبعد لأنها جنتهم فاذا زاد عليهم في الحرص من له كتاب وهو مقر بالجزاء كان حقيقا بأعظم التوبيخ
فإن قلت لم زاد حرصهم على حرص المشركين قلت لأنهم علموا لعلمهم بحالهم انهم صائرون إلى النار لا محالة والمشركون لا يعلمون ذلك
وقيل أراد بالذين أشركوا المجوس لأنهم كانوا يقولون لملوكهم عش ألف نيروز وألف مهرجان
وعن ابن عباس رضي الله عنه هو قول الأعاجم زي هزار سال
وقيل ( ومن الذين أشركوا ) كلام مبتدأ أي ومنهم ناس
) يود أحدهم (
على حذف الموصوف كقوله
) وما منا إلا له مقام معلوم ( الصافات 164 والذين أشركوا على هذا مشار به إلى اليهود لأنهم قالوا عزير ابن الله
والضمير في
) وما هو (
لأحدهم و
) أن يعمر (
فاعل ( بمزحزحه ) أي وما احدهم بمن يزحزحه من النار تعميره وقيل الضمير لما دل عليه ( يعمر ) من مصدره وأن ( يعمر ) بدل منه
ويجوز ان يكون ( هو ) مبهما وان ( يعمر ) موضحه
والزحزحة التبعيد والانحاء فإن قلت يود أحدهم ما موقعه قلت هو بيان لزيادة حرصهم على طريق الاستئناف
فإن قلت كيف اتصل لو يعمر بيود احدهم قلت هو حكاية لودادتهم و لو ) في معنى التمني وكان القياس لو أعمر الا انه جرى على لفظ الغيبة لقوله
) يود أحدهم ( كقولك حلف بالله ليفعلن
قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين
البقرة : ( 97 ) قل من كان . . . . .
يروى
45 ان عبد الله بن صوريا من أحبار ( فدك ) حاج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وسأله عمن يهبط عليه بالوحي فقال جبريل فقال ذاك عدونا ولو كان غيره لآمنا بك وقد

" صفحة رقم 195 "
عادانا مرارا وأشدها انه انزل على نبينا ان بيت المقدس سيخربه بختنصر فبعثنا من يقتله فلقيه ببابل غلاما مسكينا فدفع عنه جبريل وقال إن كان ربكم أمره بهلاككم فإنه لا يسلطكم عليه وإن لم يكن إياه فعلى أي حق تقتلونه وقيل امره الله تعالى ان يجعل النبوة فينا فجعلها في غيرنا
وروي
46 انه كان لعمر رضي الله عنه أرض بأعلى المدينة وكان ممره على مدارس اليهود فكان يجلس اليهم ويسمع كلامهم فقالوا يا عمر قد احببناك وإنا لنطمع فيك فقال والله ما اجيئكم لحبكم ولا أسألكم لأني شاك في ديني وإنما ادخل عليكم لأزداد بصيرة في امر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأرى آثاره في كتابكم ثم سألهم عن جبريل فقالوا ذاك عدونا يطلع محمدا على اسرارنا وهو صاحب كل خسف وعذاب وإن ميكائيل يجيء بالخصب والسلام
فقال لهم وما منزلتهما من الله تعالى قالوا أقرب منزلة جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره
وميكائيل عدو لجبريل فقال عمر لئن كانا كما تقولون فما هما بعدوين ولأنتم أكفر من الحمير ومن كان عدوا لأحدهما كان عدوا للآخر ومن كان عدوا لهما كان عدوا لله ثم رجع عمر فوجد جبريل قد سبقه بالوحي فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لقد وافقك ربك يا عمر
فقال عمر لقد رأيتني في دين الله بعد ذلك أصلب من الحجر
وقرىء ( جبرئيل ) بوزن قفشليل وجبرئل ) بحذف الياء و جبريل ) بحذف الهمزة و جبريل ) بوزن قنديل و جبرال ) بلام شديدة
و جبرائيل ) بوزن جبراعيل و جبرائل ) بوزن جبراعل
ومنع الصرف فيه للتعريف والعجمة وقيل معناه عبد الله الضمير في
) نزله (
للقرآن ونحو هذا الاضمار أعني اضمار ما لم يسبق ذكره فيه فخامة لشان صاحبه حيث يجعل لفرط شهرته كانه يدل على نفسه ويكتفي عن اسمه الصريح بذكر شيء من صفاته
) على قلبك (
أي حفظه اياك وفهمكه
) بإذن الله (
بتيسيره وتسهيله
فإن قلت كان حق الكلام ان يقال على قلبي

" صفحة رقم 196 "
قلت جاءت على حكاية كلام الله تعالى كما تكلم به كأنه قيل قل ما تكلمت به من قولي من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك
فإن قلت كيف استقام قوله ( فإنه نزله ) جزاء للشرط قلت فيه وجهان احدهما ان عادى جبريل أحد من أهل الكتاب فلا وجه لمعاداته حيث نزل كتابا مصدقا للكتب بين يديه فلو انصفوا لأحبوه وشكروا له صنيعه في إنزاله ما ينفعهم ويصحح المنزل عليهم
والثاني إن عاداه أحد فالسبب في عداوته انه نزل عليك القرآن مصدقا لكتابهم وموافقا له وهم كارهون للقرآن ولموافقته لكتابهم ولذلك كانوا يحرفونه ويجحدون موافقته له كقولك إن عاداك فلان فقد آذيته وأسأت اليه أفرد الملكان بالذكر لفضلهما كانهما من جنس آخر وهو مما ذكر ان التغاير في الوصف ينزل منزلة التغاير في الذات
وقرىء ( ميكال ) بوزن قنطار
و ميكائيل ) كميكاعيل و ميكائل ) كميكاعل و ميكئل ) كميكعل و ميكئيل ) كميكعيل
قال ابن جني العرب اذا نطقت بالأعجمي خلطت فيه
) عدو للكافرين (
أراد عدو لهم فجاء بالظاهر ليدل على ان الله انما عاداهم لكفرهم وان عداوة الملائكة كفر وإذا كانت عداوة الأنبياء كفرا فما بال الملائكة وهم اشرف والمعنى من عاداهم عاداه الله وعاقبه اشد العقاب

" صفحة رقم 197 "
ولقد أنزلنآ إليك ءايات بينات وما يكفر بهآ إلا الفاسقون أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ولما جآءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله ورآء ظهورهم كأنهم لا يعلمون 99 - 101
البقرة : ( 99 - 101 ) ولقد أنزلنا إليك . . . . .
) إلا الفاسقون (
الا المتمردون من الكفرة
وعن الحسن اذا استعمل الفسق في نوع من المعاصي وقع على أعظم ذلك النوع من كفر وغيره
وعن ابن عباس رضي الله عنه
47 قال ابن صوريا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما جئتنا بشيء نعرفه وما انزل عليك من آية فنتبعك لها فنزلت
واللام في
) الفاسقون ( للجنس والأحسن ان تكون إشارة إلى اهل الكتاب
) أو كلما (
الواو للعطف على محذوف معناه أكفروا بالآيات البينات وكلما عاهدوا وقرأ أبو السمال بسكون الواو على ان الفاسقون بمعنى الذين فسقوا فكانه قيل وما يكفر بها الا الذين فسقوا أو نقضوا عهد الله مرارا كثيرة
وقرىء ( عوهدوا وعهدوا ) واليهود موسومون بالغدر ونقض العهود وكم اخذ الله الميثاق منهم ومن آبائهم فنقضوا
وكم عاهدهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلم يفوا
) الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة ( الأنفال 56
والنبذ الرمي بالذمام ورفضه وقرأ عبد الله ( نقضه )
) فريق منهم (
وقال فريق منهم لأن منهم من لم ينقض
) بل أكثرهم لا يؤمنون (
بالتوراة وليسوا من الدين في شيء فلا يعدون نقض المواثيق ذنبا ولا يبالون به
) كتاب الله (
يعني التوراة لأنهم بكفرهم برسول الله المصدق لما معهم كافرون بها نابذون لها
وقيل كتاب الله القرآن نبذوه بعد ما لزمهم تلقيه بالقبول
) كأنهم لا يعلمون (
أنه كتاب الله لا يدخلهم فيه شك
يعني ان علمهم بذلك رصين ولكنهم كابروا وعاندوا ونبذوه وراء ظهورهم مثل لتركهم واعراضهم عنه مثل بما يرمي بها وراء الظهر استغناء عنه وقلة التفات اليه
وعن الشعبي هو بين أيديهم يقرؤنه ولكنهم نبذوا العمل به
وعن سفيان أدرجوه في الديباج والحرير وحلوه بالذهب ولم يحلوا حلاله ولم يحرموا حرامه

" صفحة رقم 198 "
البقرة : ( 102 ) واتبعوا ما تتلوا . . . . .
واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولاكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ومآ أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضآرين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له فى الاخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون 102
) واتبعوا (
أي نبذوا كتاب الله واتبعوا
) ما تتلوا الشياطين (
يعني واتبعوا كتب السحر والشعوذة التى كانت تقرؤها
) على ملك سليمان (
أي على عهد ملكه وفي زمانه
وذلك ان الشياطين كانوا يسترقون السمع ثم يضمون إلى ما سمعوا اكاذيب يلفقونها ويلقونها إلى الكهنة وقد دونوها في كتب يقرؤنها ويعلمونها الناس وفشا ذلك في زمن سليمان عليه السلام حتى قالوا إن الجن تعلم الغيب وكانوا يقولون هذا علم سليمان وما تم لسليمان ملكه الا بهذا العلم وبه تسخر الأنس والجن والريح التي تجري بامره
) وما كفر سليمان (
تكذيب للشياطين ودفع لما بهتت به سليمان من اعتقاد السحر والعمل به وسماه كفرا
) ولكن الشياطين (
هم الذين
) كفروا (
باستعمال السحر وتدوينه
) يعلمون الناس السحر (
يقصدون به اغواءهم وإضلالهم
) وما أنزل على الملكين (
عطف على السحر أي ويعلمونهم ما انزل على الملكين
وقيل هو عطف على ما تتلو أي واتبعوا ما انزل
) هاروت وماروت (
عطف بيان للملكين علمان لهما والذي انزل عليهما هو علم السحر ابتلاء من الله للناس
من تعلمه منهم وعمل به كان كافرا ومن تجنبه أو تعلمه لا ليعمل به ولكن ليتوقاه ولئلا يغتر به كان مؤمنا
( عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه )
كما ابتلى قوم طالوت بالنهر
) فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني ( البقرة 249
وقرأ الحسن ( على الملكين ) بكسر اللام على أن المنزل عليهما علم السحر كانا ملكين ببابل
وما يعلم الملكان احدا حتى ينبهاه وينصحاه ويقولا له
) إنما نحن فتنة (
أي ابتلاء واختبار من الله
) فلا تكفر (
فلا تتعلم معتقدا انه حق فتكفر
) فيتعلمون (
الضمير لما دل عليه من أحد أي فيتعلم الناس من الملكين
) ما يفرقون به بين المرء وزوجه (
أي علم السحر الذي يكون سببا في التفريق بين الزوجين

" صفحة رقم 199 "
من حيلة وتمويه كالنفث في العقد ونحو ذلك مما يحدث الله عنده الفرك والنشوز والخلاف ابتلاء منه لا ان السحر له أثر في نفسه بدليل قوله تعالى
) وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله (
لأنه ربما أحدث الله عنده فعلا من أفعاله وربما لم يحدث
) ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم (
لأنهم يقصدون به الشر وفيه ان اجتنابه أصلح كتعلم الفلسفة التى لا يؤمن ان تجر إلى الغواية
ولقد علم هؤلاء اليهود ان من اشتراه أي استبدل ما تتلو الشياطين من كتاب الله
) ما له في الآخرة من خلاق (
من نصيب
) ولبئس ما شروا به أنفسهم (
أي باعوها
وقرا الحسن ( الشياطون ) وعن بعض العرب بستان فلان حوله بساتون وقد ذكر وجهه فيما بعد
وقرا الزهري ( هاروت وماروت ) بالرفع على هما هاروت وماروت
وهما اسمان أعجميان بدليل منع الصرف ولو كانا من الهرت والمرت وهو الكسر كما زعم بعضهم لانصرفا
وقرا طلحة ( وما يعلمان ) من اعلم وقرىء ( بين المرء ) بضم الميم وكسرها مع الهمز
والمر بالتشديد على تقدير التخفيف والوقف كقولهم فرج وإجراء الوصل مجرى الوقف وقرأ الأعمش ( وما هم بضاري ) بطرح النون والإضافة إلى أحد والفصل بينهما بالظرف فإن قلت كيف يضاف إلى أحد وهو مجرور بمن قلت جعل الجار جزءا من المجرور
فإن قلت كيف أثبت لهم العلم أولا في قوله
) ولقد علموا (
على سبيل التوكيد القسمي ثم نفاه عنهم في قوله
) لو كانوا يعلمون (
قلت معناه لو كانوا يعملون بعلمهم جعلهم حين لم يعملوا به كأنهم منسلخون عنه
ولو أنهم ءامنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون ياأيها الذين ءامنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشآء والله ذو الفضل العظيم 103 - 105
البقرة : ( 103 - 105 ) ولو أنهم آمنوا . . . . .

" صفحة رقم 200 "
" ولو انهم ءامنوا "
برسول الله والقرآن
) واتقوا (
الله فتركوا ما هم عليه من نبذ كتاب الله واتباع كتب الشياطين
) لمثوبة من عند الله خير (
وقرىء ( لمثوبة ) كمشورة ومشورة
) لو كانوا يعلمون (
ان ثواب الله خير مما هم فيه وقد علموا ولكنه جهلهم لترك العمل بالعلم
فإن قلت كيف اوثرت الجملة الاسمية على الفعلية في جواب لو قلت لما في ذلك من الدلالة على إثبات المثوبة واستقرارها كما عدل عن النصب إلى الرفع في سلام عليكم لذلك
فإن قلت فهلا قيل لمثوبة الله خير قلت لأن المعنى لشيء من الثواب خير لهم
ويجوز أن يكون قوله
" ولو انهم ءامنوا "
تمنيا لايمانهم على سبيل المجاز عن إرادة الله إيمانهم واختيارهم له كانه قيل وليتهم آمنوا
ثم ابتدىء لمثوبة من عند الله خير
كان المسلمون يقولون لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا ألقى عليهم شيئا من العلم راعنا يا رسول الله أي راقبنا وانتظرنا وتان بنا حتى نفهمه ونحفظه
وكانت لليهود كلمة يتسابون بها عبرانية أو سريانية وهي ( راعينا ) فلما سمعوا بقول المؤمنين راعنا افترضوه وخاطبوا به الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وهم يعنون به تلك المسبة فنهى المؤمنون عنها وامروا بما هو في معناها وهو
) انظرنا (
من نظره اذا انتظره
وقرأ أبي ( انظرنا ) من النظرة أي أمهلنا حتى نحفظ وقرأ عبد الله بن مسعود ( راعونا ) على انهم كانوا يخاطبونه بلفظ الجمع للتوقير وقرا الحسن ( راعنا ) بالتنوين من الرعن وهو الهوج أي لا تقولوا قولا راعنا منسوبا إلى الرعن رعينا كدارع ولابن لأنه لما أشبه قولهم راعينا وكان سببا في السب اتصف بالرعن
) واسمعوا (
وأحسنوا سماع ما يكلمكم به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويلقي عليكم من المسائل بآذان واعية وأذهان حاضرة حتى لا تحتاجوا إلى الاستعادة وطلب المراعاة أو اسمعوا سماع قبول وطاعة ولا يكن سماعكم مثل سماع اليهود حيث قالوا سمعنا وعصينا أو واسمعوا ما امرتم به بجد حتى لا ترجعوا إلى ما نهيتم عنه تأكيدا عليهم ترك تلك الكلمة وروي
48 ( ان سعد بن معاذ سمعها منهم فقال يا أعداء الله عليكم لعنة الله والذي نفسي بيده لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأضربن عنقه
فقالوا أولستم تقولونها ) فنزلت
) وللكافرين (
ولليهود الذين تهاونوا برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وسبوه

" صفحة رقم 201 "
) عذاب أليم (
من الأولى للبيان لأن الذين كفروا جنس تحته نوعان أهل الكتاب والمشركون كقوله تعالى
) لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ( البينة 1 والثانية مزيدة لاستغراق الخير والثالثة لابتداء الغاية
والخير الوحي وكذلك الرحمة كقوله تعالى
" أهم يقسمون رحمة بك " الزخرف 32 والمعنى انهم يرون انفسهم احق بأن يوحى إليهم فيحسدونكم وما يحبون ان ينزل عليكم شيء من الوحي
) والله ( يختص بالنبوة
) من يشاء (
ولا يشاء الا ما تقتضيه الحكمة
) والله ذو الفضل العظيم (
إشعار بأن ايتاء النبوة من الفضل العظيم كقوله تعالى
) إن فضله كان عليك كبيرا ( الإسراء ما ننسخ من ءاية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سوآء السبيل ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتى الله بأمره إن الله على كل شىء قدير وأقيموا الصلواة وءاتوا الزكواة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير - 110
البقرة : ( 106 ) ما ننسخ من . . . . .
روى انهم طعنوا في النسخ فقالوا ألا ترون إلى محمد يامر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه ويقول اليوم قولا ويرجع عنه غدا فنزلت
وقرىء ( ما ننسخ من آية ) وما ( ننسخ ) بضم النون من انسخ أو ننسأها
وقرىء ( ننسها ) و ( ننسها ) بالتشديد و ( تنسها ) و ( تنسها ) على خطاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
وقرا عبد الله ( ما ننسك من آية أو ننسخها ) وقرأ حذيفة ( ما ننسخ من آية أو ننسكها ) ونسخ الآية إزالتها بإبدال أخرى مكانها وإنساخها الأمر بنسخها وهو ان يأمر جبريل عليه السلام بأن يجعلها منسوخة بالإعلام بنسخها
ونسؤها تأخيرها وإذهابها لا إلى بدل وانساؤها ان يذهب بحفظها عن القلوب
والمعنى أن كل آية يذهب بها على ما توجبه المصلحة من أزالة لفظها وحكمها معا أو من إزالة أحدهما إلى بدل أو غير بدل
) نات (
بآية خير منها للعباد أي بآية العمل بها اكثر للثواب أو مثلها في ذلك
" على كل شيء قدير "
فهو يقدر على الخير وما هو خير منه وعلى مثله في الخير
) له ملك السماوات والأرض (

" صفحة رقم 202 "
فهو يملك اموركم يدبرها ويجريها على حسب ما يصلحكم وهو اعلم بما يتعبدكم به من ناسخ ومنسوخ
لما بين لهم أنه مالك امورهم ومدبرها على حسب مصالحهم من نسخ الآيات وغيره وقررهم على ذلك بقوله
) ألم تعلم (
أراد ان يوصيهم بالثقة به فيما هو أصلح لهم مما يتعبدهم به وينزل عليهم وان لا يقترحوا على رسولهم ما اقترحه آباء اليهود على موسى عليه السلام من الأشياء التى كانت عاقبتها وبالا عليهم كقولهم
) اجعل لنا إلها ( الأعراف 138
) أرنا الله جهرة ( النساء 153 وغير ذلك
) ومن يتبدل الكفر بالإيمان (
ومن ترك الثقة بالآيات المنزلة وشك فيها واقترح غيرها
) فقد ضل سواء السبيل (
49 روي ان فنحاص بن عازوراء وزيد بن قيس ونفرا من اليهود قالوا لحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر بعد وقعة أحد ألم تروا ما أصابكم ولو كنتم على الحق ما هزمتم فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم وافضل ونحن أهدى منكم سبيلا فقال عمار كيف نقض العهد فيكم قالوا شديد قال فإني قد عاهدت ان لا أكفر بمحمد ما عشت
فقالت اليهود أما هذا فقد صبأ وقال حذيفة واما انا فقد رضيت بالله ربا وبمحمد نبيا وبالإسلام دينا وبالقرآن إماما وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخوانا ثم اتيا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) واخبراه فقال ( أصبتما خيرا وأفلحتما )
فنزلت
فإن قلت بم تعلق قوله
) من عند أنفسهم (
قلت فيه وجهان أحدهما ان يتعلق ب ود ) على معنى انهم تمنوا ان ترتدوا عن دينكم وتمنيهم ذلك من عند انفسهم ومن قبل شهوتهم لا من قبل التدين والميل مع الحق لأنهم ودوا ذلك من بعد ما تبين لهم انكم على الحق فكيف يكون تمنيهم من قبل الحق وإما ان يتعلق بحسدا أي حسدا متبالغا منبعثا من أصل انفسهم
) فاعفوا واصفحوا (
فاسلكوا معهم سبيل العفو والصفح عما يكون منهم من الجهل والعداوة
) حتى يأتي الله بأمره (
الذي هو قتل بني قريظة وإجلاء بني النضير وإذلالهم بضرب الجزية عليهم
" إن الله على كل شيء قدير "
فهو يقدر على الانتقام منهم
) من خير (
من حسنة صلاة أو صدقة أو غيرهما
) تجدوه عند الله (

" صفحة رقم 203 "
تجدوا ثوابه عند الله
) إن الله بما تعملون بصير (
عالم لا يضيع عنده عمل عامل
وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون 111 - 112
البقرة : ( 111 ) وقالوا لن يدخل . . . . .
الضمير في
) وقالوا (
لأهل الكتاب من اليهود والنصارى
والمعنى وقالت اليهود لن يدخل الجنة الا من كان هودا وقالت النصارى لن يدخل الجنة الا من كان نصارى فلف بين القولين ثقة بان السامع يرد إلى كل فريق قوله وامنا من الالباس لما علم من التعادي بين الفريقين وتضليل كل واحد منهما لصاحبه
ونحوه
) وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ( البقرة 135 والهود جمع هائد كعائذ وعوذ وبازل وبزل
فإن قلت كيف قيل كان هودا على توحيد الاسم وجمع الخبر قلت حمل الاسم على لفظ ( من ) والخبر على معناه كقراءة الحسن ( إلا من هو صالو الجحيم )
وقوله
) فإن له نار جهنم خالدين فيها ( الجن 23
وقرأ أبي بن كعب ( إلا من كان يهوديا أو نصرانيا )
فإن قلت لم قيل
) تلك أمانيهم (
وقولهم ( لن يدخل الجنة ) أمنية واحدة قلت أشير بها إلى الأماني المذكورة وهو امنيتهم ان لا ينزل على المؤمنين خير من ربهم وامنيتهم ان يردوهم كفارا وامنيتهم ان لا يدخل الجنة غيرهم

" صفحة رقم 204 "
أي تلك الأماني الباطلة امانيهم
وقوله
) قل هاتوا برهانكم (
متصل بقولهم
) لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى (
و
) تلك أمانيهم (
اعتراض أو اريد امثال تلك الأمنية أمانيهم على حذف المضاف وإقامة المضاف اليه مقامه
يريد ان امانيهم جميعا في البطلان مثل امنيتهم هذه
والأمنية أفعولة من التمني مثل الأضحوكة والأعجوبة
) هاتوا برهانكم (
هلموا حجتكم على اختصاصكم بدخول الجنة
) إن كنتم صادقين (
في دعواكم وهذا اهدم شيء لمذهب المقلدين
وان كل قول لا دليل عليه فهو باطل غير ثابت
و هات ) صوت بمنزلة هاء بمعنى أحضر
) بلي (
إثبات لما نفوه من دخول غيرهم الجنة
) من أسلم وجهه لله (
من اخلص نفسه له لا يشرك به غيره
) وهو محسن (
في عمله
) فله أجره (
الذي يستوجبه فإن قلت ( من أسلم وجهه ) كيف موقعه قلت يجوز ان يكون
) بلي (
ردا لقولهم ثم يقع ( من أسلم ) كلاما مبتدأ ويكون ( من ) متضمنا لمعنى الشرط وجوابه ( فله أجره ) وان يكون ( من أسلم ) فاعلا لفعل محذوف أي بلى يدخلها من أسلم ويكون قوله ( فله أجره ) كلاما معطوفا على يدخلها من أسلم
وقالت اليهود ليست النصارى 113 - 114
" على شىء وقالت النصارى ليست اليهود على شىء وهم يتلون الكتاب كذالك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى فى خرابهآ أولائك ما كان لهم أن يدخلوهآ إلا خآئفين لهم فى الدنيا خزى ولهم فى الاخرة عذاب عظيم
البقرة : ( 113 - 114 ) وقالت اليهود ليست . . . . .
على شىء "
أي على شيء يصح ويعتد به وهذه مبالغة عظيمة لأن المحال والمعدوم يقع عليهما اسم الشيء فإذا نفي إطلاق اسم الشيء عليه
فقد بولغ في ترك الاعتداد به إلى ما ليس بعده
وهذا كقولهم أقل من لا شيء
) وهم يتلون الكتاب (
الواو للحال والكتاب للجنس أي قالوا ذلك وحالهم أنهم من اهل العلم والتلاوة للكتب وحق من حمل التوراة أو الإنجيل أو غيرهما من كتب الله وآمن به ان لا يكفر بالباقي لأن كل واحد من الكتابين مصدق للثاني شاهد بصحته وكذلك كتب الله جميعا

" صفحة رقم 205 "
متواردة على تصديق بعضها بعضا
) كذلك (
أي مثل ذلك الذي سمعت به على ذلك المنهاج
" قال "
الجهلة
) الذين (
لا علم عندهم ولا كتاب كعبدة الأصنام والمعطلة ونحوهم قالوا لأهل كل دين ليسوا على شيء وهذا توبيخ عظيم لهم حيث نظموا أنفسهم مع علمهم في سلك من لا يعلم وروى
50 ان وفد نجران لما قدموا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اتاهم أحبار اليهود فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم فقالت اليهود ما أنتم على شيء من الدين وكفروا بعيسى والإنجيل
وقالت النصارى لهم نحوه وكفروا بموسى والتوراة
فالله يحكم "
بين اليهود والنصارى
" يوم القيامة "
بما يقسم لكل فريق منهم من العقاب الذي استحقه
وعن الحسن حكم الله بينهم ان يكذبهم ويدخلهم النار
" أن يذكر "
ثاني مفعولي منع
لأنك تقول منعته كذا ومثله
" وما منعنا ان نرسل " الاسراء 59
" وما منع الناس ان يؤمنوا " الاسراء 94 ويجوز ان يحذف حرف الجر مع ان ولك ان تنصبه مفعولا له بمعنى كراهة أن يذكر وهو حكم عام لجنس مساجد الله وان مانعها من ذكر الله مفرط في الظلم والسبب فيه ان النصارى كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى ويمنعون الناس ان يصلوا فيه وان الروم غزوا اهله فخربوه وأحرقوا التوراة وقتلوا وسبوا
وقيل أراد به منع المشركين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يدخل المسجد الحرام عام الحديبية
فإن قلت فكيف قيل مساجد الله وإنما وقع المنع والتخريب على مسجد واحد هو بيت المقدس أو المسجد الحرام قلت لا بأس ان يجيء الحكم عاما وإن كان السبب خاصا كما تقول لمن آذى صالحا واحدا ومن اظلم ممن آذى الصالحين
وكما قال الله عز وجل
" ويل لكل همزة لمزة " الهمزة 1 والمنزول فيه الأخنس بن شريق
" وسعى في خرابها "
بانقطاع الذكر أو بتخريب البنيان وينبغي ان يراد ب ( من ) منع العموم كما أريد بمساجد الله ولا يراد الذين منعوا بأعيانهم من اولئك النصارى أو المشركين أولائك )
المانعون
" ما كان لهم ان يدخلوها "
أي ما كان ينبغي لهم ان يدخلوا مساجد الله
" الا خائفين "
على حال التهيب وارتعاد الفرائص من المؤمنين أن يبطشوا بهم فضلا ان يستولوا عليها ويلوها ويمنعوا المؤمنين منها
والمعنى ما كان الحق والواجب الا ذلك لولا ظلم الكفرة وعتوهم وقيل ما كان لهم في حكم الله يعني ان الله قد حكم

" صفحة رقم 206 "
وكتب في اللوح أنه ينصر المؤمنين ويقويهم حتى لا يدخلوها الا خائفين
روى انه لا يدخل بيت المقدس أحد من النصارى الا متنكرا مسارقة وقال قتادة لا يوجد نصراني في بيت المقدس الا انهك ضربا وأبلغ اليه في العقوبة وقيل نادى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
51 ( ألا لا يحجن بعد هذاالعام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان )
وقرا أبو عبد الله ( الا خيفا ) وهو مثل صيم
وقد اختلف الفقهاء في دخول الكافر المسجد فجوزه أبو حنيفة رحمه الله ولم يجوزه مالك وفرق الشافعي بين المسجد الحرام وغيره
وقيل معناه النهي عن تمكينهم من الدخول والتخلية بينهم وبينه كقوله
) وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ( الأحزاب 53
) خزي (
قتل وسبي أو ذلة بضرب الجزية
وقيل فتح مدائنهم قسطنطينية ورومية وعمورية
ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم
البقرة : ( 115 ) ولله المشرق والمغرب . . . . .
) ولله المشرق والمغرب (
أي بلاد المشرق والمغرب والأرض كلها لله هو مالكها ومتوليها
) فأينما تولوا (
ففي أي مكان فعلتم التولية يعني تولية وجوهكم شطر القبلة بدليل قوله تعالى
" فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره "
) فثم وجه الله (
أي جهته التى امر بها ورضيها
والمعنى انكم اذا منعتم ان تصلوا في المسجد الحرام وفي بيت المقدس فقد جعلت لكم الأرض مسجدا فصلوا في أي بقعة شئتم من بقاعها وافعلوا التولية فيها فإن التولية ممكنة في كل مكان لا

" صفحة رقم 207 "
يختص امكانها في مسجد دون مسجد ولا في مكان دون مكان
) إن الله واسع (
الرحمة يريد التوسعة على عباده والتيسير عليهم
) عليم (
بمصالحهم
وعن ابن عمر نزلت في صلاة المسافر على الراحلة أينما توجهت وعن عطاء عميت القبلة على قوم فصلوا إلى أنحاء مختلفة فلما أصبحوا تبينوا خطأهم فعذروا
وقيل معناه فأينما تولوا للدعاء والذكر ولم يرد الصلاة
وقرا الحسن ( فأينما تولوا ) بفتح التاء من التولي يريد فأينما توجهوا القبلة
وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون 116
)
البقرة : ( 116 ) وقالوا اتخذ الله . . . . .
وقالوا (
وقرىء بغير واو يريد الذين قالوا المسيح ابن الله وعزير ابن الله والملائكة بنات الله
) سبحانه (
تنزيه له عن ذلك وتبعيد
) بل له ما في السماوات والأرض (
هو خالقه ومالكه ومن جملته الملائكة وعزير والمسيح
) كل له قانتون (
منقادون لا يمتنع شيء منهم على تكوينه وتقديره ومشيئته ومن كان بهذه الصفة لم يجانس ومن حق الولد ان يكون من جنس الوالد
والتنوين في
) كل (
عوض من المضاف اليه أي كل
سبأ : ( 1 ) الحمد لله الذي . . . . .
ما في السموات والأرض ويجوز ان يراد كل من جعلوه لله ولدا له قانتون مطيعون عابدون مقرون بالربوبية منكرون لما أضافوا إليهم
فإن قلت كيف جاء بما التي لغير اولي العلم مع قوله قانتون قلت هو كقوله سبحان ما سخركن لنا
وكأنه جاء ب ( ما ) دون ( من ) تحقيرا لهم وتصغيرا لشأنهم كقوله
) وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ( الصافات بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون 11
البقرة : ( 117 ) بديع السماوات والأرض . . . . .
يقال بدع الشيء فهو بديع كقولك بزع الرجل فهو بزيع و
) بديع السماوات (
من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها أي بديع سمواته وأرضه
وقيل البديع بمعنى المبدع كما ان السميع في قول عمرو
( أمن ريحانة الداعي السميع )
بمعنى المسمع وفيه نظر
) كن فيكون ( من كان التامة أي أحدث فيحدث وهذا مجاز من الكلام وتمثيل ولا قول ثم كما لا قول في قوله

" صفحة رقم 208 "
اذ قالت الأنساع للبطن الحق
وإنما المعنى ان ما قضاه من الأمور واراد كونه فأنما يتكون ويدخل تحت الوجود من غير امتناع ولا توقف كما ان المأمور المطيع الذي يؤمر فيمتثل لا يتوقف ولا يمتنع ولا يكون منه الاباء
أكد بهذا استبعاد الولادة لأن من كان بهذه الصفة من القدرة كانت حاله مباينة لأحوال الأجسام في توالدها
وقرىء ( بديع السموات ) مجرورا على انه بدل من الضمير في له وقرأ المنصور بالنصب على المدح
وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينآ ءاية كذالك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون 118
البقرة : ( 118 ) وقال الذين لا . . . . .
) وقال الذين لا يعلمون (
وقال الجهلة من المشركين وقيل من اهل الكتاب ونفى عنهم العلم لأنهم لم يعلموا به
) لولا يكلمنا الله (
هلا يكلمنا كما يكلم الملائكة وكلم موسى استكبارا منهم وعتوا
" أو تأتينا ءاية "
جحودا لأن يكون ما أتاهم من آيات الله آيات واستهانة بها
) تشابهت قلوبهم (
أي قلوب هؤلاء ومن قبلهم فى العمى كقوله
) أتواصوا به ( الذاريات 52
) قد بينا الآيات لقوم (
ينصفون فيوقنون انها آيات يجب الاعتراف بها والاذعان لها والاكتفاء بها عن غيرها
إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم 119
البقرة : ( 119 ) إنا أرسلناك بالحق . . . . .
) إنا أرسلناك (
لأن تبشر وتنذر لا لتجبر على الايمان وهذه تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتسرية عنه لأنه كان يغتم ويضيق صدره لإصرارهم وتصميمهم على الكفر
ولا نسألك
) عن أصحاب الجحيم (
ما لهم لم يؤمنوا بعد ان بلغت وبلغت جهدك في دعوتهم كقوله
" فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب " الرعد 40 وقرىء
) ولا تسأل (
على النهي روي انه قال
52 ( ليت شعري ما فعل أبواي )
1 182

" صفحة رقم 209 "
فنهى عن السؤال عن احوال الكفرة والاهتمام بأعداء الله وقيل معناه تعظيم ما وقع فيه الكفار من العذاب كما تقول كيف فلان سائلا عن الواقع في بلية فيقال لك لا تسال عنه
ووجه التعظيم ان المستخبر يجزع ان يجري على لسانه ما هو فيه لفظاعته فلا تساله ولا تكلفه ما يضجره وانت يا مستخبر لا تقدر على استماع خبره لإيحاشه السامع واضجاره فلا تسأل وتعضد القراءة الأولى قراءة عبد الله ( ولن تسأل ) وقراءة أبي ( وما تسئل ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهوآءهم بعد الذي جآءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير 120
البقرة : ( 120 ) ولن ترضى عنك . . . . .
كانهم قالوا لن نرضى عنك وإن أبلغت في طلب رضانا حتى تتبع ملتنا إقناطا منهم لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن دخولهم في الاسلام فحكى الله عز وجل كلامهم ولذلك قال
) قل إن هدى الله هو الهدى (
على طريقة إجابتهم عن قولهم يعني ان هدى الله الذي هو الإسلام هو الهدى بالحق والذي يصح ان يسمى هدى وهو الهدى كله ليس وراءه هدى وما تدعون إلى اتباعه ما هو بهدى إنما هو هوى
ألا ترى إلى قوله
) ولئن اتبعت أهواءهم (
أي أقوالهم التي هي اهواء وبدع
) بعد الذي جاءك من العلم (
أي من الدين المعلوم صحته بالبراهين الصحيحة
الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولائك يؤمنون به ومن يكفر به فأولائك هم الخاسرون يابنى إسراءيل اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم وأنى فضلتكم على العالمين واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون 121 - 123
البقرة : ( 121 - 123 ) الذين آتيناهم الكتاب . . . . .
" الذين ءاتيناهم الكتاب "
هم مؤمنون اهل الكتاب
) يتلونه حق تلاوته (
لا يحرفونه ولا يغيرون ما فيه من نعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
) أولئك يؤمنون (
بكتابهم دون المحرفين
) ومن يكفر به (
من المحرفين
) فأولئك هم الخاسرون (
حيث اشتروا الضلالة بالهدى
وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إنى جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتى قال لا ينال عهدي الظالمين وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنآ إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتى للطآئفين والعاكفين والركع السجود 124 - 125
البقرة : ( 124 - 125 ) وإذ ابتلى إبراهيم . . . . .
) ابتلى إبراهيم ربه بكلمات (
اختبره بأوامر ونواه
واختبار الله عبده مجاز عن تمكينه عن اختيار أحد الأمرين ما يريد الله وما يشتهيه العبد كأنه يمتحنه ما يكون منه

" صفحة رقم 210 "
حتى يجازيه على حسب ذلك
وقرأ أبو حنيفة رضي الله عنه وهي قراءة ابن عباس رضي الله عنه ( إبراهيم ربه ) رفع إبراهيم ونصب ربه
والمعنى انه دعاه بكلمات من الدعاء فعل المختبر هل يجيبه اليهن أم لا
فإن قلت الفاعل في القراءة المشهورة يلي الفعل في التقدير فتعليق الضمير به إضمار قبل الذكر
قلت الإضمار قبل الذكر ان يقال ابتلى ربه إبراهيم فأما ابتلى إبراهيم ربه أو ابتلى ربه إبراهيم فليس واحدا منهما بإضمار قبل الذكر
أما الأول فقد ذكر فيه صاحب الضمير قبل الضمير ذكرا ظاهرا
واما الثاني فإبراهيم فيه مقدم في المعنى وليس كذلك ابتلى ربه إبراهيم فإن الضمير فيه قد تقدم لفظا ومعنى فلا سبيل إلى صحته
والمستكن
) فأتمهن (
في احدى القراءتين لإبراهيم بمعنى فقام بهن حق القيام وأداهن احسن التأدية من غير تفريط وتوان
ونحوه
) وإبراهيم الذي وفى (
وفي الأخرى لله تعالى بمعنى فأعطاه ما طلبه لم ينقص منه شيئا ويعضده ما روى عن مقاتل انه فسر الكلمات بما سأل إبراهيم ربه في قوله
) رب اجعل هذا البلد آمنا ( البقرة 126
) واجعلنا مسلمين لك (
) وابعث فيهم رسولا منهم (
) ربنا تقبل منا ( فإن قلت ما العامل في إذ قلت إما مضمر نحو واذكر إذ ابتلى أو إذ ابتلاه كان كيت وكيت وإما
) قال إني جاعلك (
فإن قلت فما موقع قال قلت هو على الأول استئناف كانه قيل فماذا قال له ربه حين اتم الكلمات فقيل قال إني جاعلك للناس اماما
وعلى الثاني جملة معطوفة على ما قبلها
ويجوز أن يكون بيانا لقوله ( ابتلى ) وتفسيرا له فيراد بالكلمات ما ذكره من الإمامة وتطهير البيت ورفع قواعده
والإسلام قبل ذلك في قوله
) إذ قال له ربه أسلم (
وقيل في الكلمات هن خمس في الرأس الفرق وقص الشارب والسواك والمضمضة والاستنشاق
وخمس في البدن الختان والاستحداد والاستنجاء وتقليم الأظفار ونتف الإبط
وقيل ابتلاه من شرائع الاسلام بثلاثين سهما عشر في براءة
) التائبون العابدون ( التوبة 122 وعشر في الأحزاب
) إن المسلمين والمسلمات ( الأحزاب 35 وعشر في المؤمنون
" وسأل سائل " إلى قوله
) والذين هم على صلاتهم يحافظون ( المعارج 34
وقيل هي مناسك الحج كالطواف والسعي والرمي والإحرام والتعريف وغيرهن
وقيل ابتلاه بالكوكب والقمر والشمس والختان وذبح ابنه والنار والهجرة
والإمام اسم من يؤتم به على زنة الإله كالإزار لما يؤتزر به أي يأتمون بك في دينهم
) ومن ذريتي (
عطف على الكاف كانه قال وجاعل بعض

" صفحة رقم 211 "
ذريتي كما يقال لك ساكرمك فتقول وزيدا
) لا ينال عهدي الظالمين (
وقرىء ( الظالمون ) أي من كان ظالما من ذريتك لا يناله استخلافي وعهدي اليه بالإمامة وإنما ينال من كان عادلا بريئا من الظلم وقالوا في هذا دليل على ان الفاسق لا يصلح للإمامة
وكيف يصلح لها من لا يجوز حكمه وشهادته
ولا تجب طاعته ولا يقبل خبره ولا يقدم للصلاة وكان أبو حنيفة رحمه الله يفتي سرا بوجوب نصرة زيد بن علي رضوان الله عليهما وحمل المال اليه والخروج معه على اللص المتغلب المتسمي بالإمام والخليفة كالدوانيقي وأشباهه
وقالت له امرأة أشرت على ابني بالخروج مع إبراهيم ومحمد ابني عبد الله بن الحسن حتى قتل
فقال ليتني مكان ابنك وكان يقول في المنصور وأشياعه لو أرادوا بناء مسجد وأرادوني على عد آجره لما فعلت
وعن ابن عيينة لا يكون الظالم إماما قط
وكيف يجوز نصب الظالم للإمامة والإمام إنما هو لكف الظلمة
فإذا نصب من كان ظالما في نفسه فقد جاء المثل السائر من استرعى الذئب ظلم
و
) البيت (
اسم غالب للكعبة كالنجم للثريا
) مثابة للناس (
مباءة ومرجعا للحجاج والعمار يتفرقون عنه ثم يثوبون اليه أي يثوب اليه أعيان الذين يزورونه أو امثالهم
) وأمنا (
موضع آمن كقوله
) حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ( العنكبوت 67 ولأن الجاني يأوي اليه فلا يتعرض له حتى يخرج
وقرىء ( مثابات ) لأنه مثابة لكل من الناس لا يختص به واحد منهم
) سواء العاكف فيه والباد (
) واتخذوا (
على أرادة القول أي وقلنا اتخذوا منه موضع صلاة تصلون فيه وهو على وجه الاختيار والاستحباب دون الوجوب
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
53 ( أنه أخذ بيد عمر فقال هذا مقام إبراهيم فقال عمر أفلا نتخذه مصلى يريد أفلا نؤثره لفضله بالصلاة فيه تبركا به وتيمنا بموطىء قدم إبراهيم فقال لم أومر بذلك فلم تغب الشمس حتى نزلت )
وعن جابر بن عبد الله

" صفحة رقم 212 "
54 ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) استلم الحجر ورمل ثلاثة أشواط ومشى أربعة حتى اذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين وقرأ
) واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى (
وقيل مصلى مدعى
ومقام إبراهيم الحجر الذي فيه أثر قدميه والموضع الذي كان فيه الحجر حين وضع عليه قدميه وهو الموضع الذي يسمى مقام إبراهيم
وعن عمر رضي الله عنه انه سأل المطلب بن أبي وداعة هل تدري أين كان موضعه الأول قال نعم فأراه موضعه اليوم
وعن عطاء
) مقام إبراهيم (
عرفة والمزدلفة والجمار لأنه قام في هذه المواضع ودعا فيها
وعن النخعي الحرم كله مقام إبراهيم وقرىء ( واتخذوا ) بلفظ الماضي عطفا على ( جعلنا ) أي واتخذ الناس من مكان إبراهيم الذي وسم به لاهتمامه به وإسكان ذريته عنده قبلة يصلون إليها
) عهدنا ( أمرناهما
) أن طهرا بيتي (
بأن طهرا أو أي طهرا
والمعنى طهراه من الأوثان والأنجاس وطواف الجنب والحائض والخبائث كلها أو اخلصاه لهؤلاء لا يغشه غيرهم
) والعاكفين (
المجاورين الذي عكفوا عنده أي أقاموا لا يبرحون أو المعتكفين
ويجوز ان يريد بالعاكفين الواقفين يعني القائمين في الصلاة كما قال
) للطائفين والقائمين والركع السجود ( الحج 26 والمعنى للطائفين والمصلين لأن القيام والركوع والسجود هيآت المصلي
وإذ قال إبراهيم رب اجعل هاذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من ءامن منهم بالله واليوم الاخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير 126
البقرة : ( 126 ) وإذ قال إبراهيم . . . . .
أي اجعل هذا البلد أو هذا المكان
( بلدا ءامنا )
ذا امن كقوله
) عيشة راضية ( الحاقة 21
أو امنا من فيه كقوله ليل نائم و
" من ءامن منهم "
بدل من اهله يعني وارزق المؤمنين من اهله خاصة
) ومن كفر (
عطف على من آمن كما عطف
) ومن ذريتي (
على الكاف في جاعلك فإن قلت لم خص إبراهيم صلوات الله عليه المؤمنين حتى رد عليه قلت قاس الرزق على الإمامة فعرف الفرق بينهما لأن الاستخلاف استرعاء يختص بمن ينصح للمرعى وأبعد الناس عن النصيحة الظالم بخلاف الرزق فإنه قد يكون استدراجا للمرزوق وإلزاما للحجة له
والمعنى وارزق من كفر فامتعه

" صفحة رقم 213 "
ويجوز ان يكون
) ومن كفر (
مبتدأ متضمنا معنى الشرط
وقوله
) فأمتعه (
جوابا للشرط أي ومن كفر فأنا امتعه
وقرىء ( فإمتعه فأضطره ) فألزه إلى عذاب النار لز المضطر الذي لا يملك الامتناع مما اضطر اليه وقرأ أبي ( فنمتعه قليلا ثم نضطره )
وقرأ يحيى بن وثاب ( فاضطره ) بكسر الهمزة
وقرا ابن عباس ( فأمتعه قليلا ثم اضطره ) على لفظ الأمر
والمراد الدعاء من إبراهيم دعا ربه بذلك فإن قلت فكيف تقدير الظلام على هذه القراءة قلت في ( قال ) ضمير إبراهيم أي قال إبراهيم بعد مسئلته اختصاص المؤمنين بالرزق
ومن كفر فأمتعه قليلا ثم اضطره وقرأ ابن محيصن ( فأطره ) بإدغام الضاد في الطاء كما قالوا اطجع وهي لغة مرذولة لأن الضاد من الحروف الخمسة التى يدغم هي فيها ما يجاورها ولا تدغم هي فيما يجاورها وهي حروف ضم شفر
وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منآ إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنآ أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينآ إنك أنت التواب الرحيم ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم 127 - 129
)
البقرة : ( 127 ) وإذ يرفع إبراهيم . . . . .
يرفع (
حكاية حال ماضية و
) القواعد (
جمع قاعدة وهي الأساس والأصل لما فوقه وهي صفة غالبة ومعناها الثابتة
ومنه قعدك الله أي اسأل الله ان يقعدك أي يثبتك ورفع الأساس البناء عليها لأنها اذا بنى عليها نقلت عن هيئة الانخفاض إلى هيئة الارتفاع وتطاولت بعد التقاصر
ويجوز ان يكون المراد بها سافات البناء لأن كل ساف قاعدة للذي يبني عليه ويوضع فوقه
ومعنى رفع القواعد رفعها بالبناء لأنه اذا وضع سافا فوق ساف فقد رفع السافات
ويجوز ان يكون المعنى وإذ يرفع إبراهيم ما قعد من البيت أي استوطأ يعني جعل هيئته القاعدة المستوطئة مرتفعة عالية بالبناء وروي أنه كان مؤسسا قبل إبراهيم فبنى على الأساس
وروي ان الله تعالى أنزل البيت ياقوتة من يواقيت الجنة له بابان من زمرد شرقي وغربي وقال لآدم عليه السلام أهبطت لك ما يطاف به كما يطاف حول عرشي فتوجه آدم من أرض الهند اليه ماشيا وتلقته الملائكة فقالوا بر حجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام وحج آدم أربعين حجة من أرض الهند إلى مكة على رجليه فكان على ذلك إلى ان رفعه الله أيام الطوفان الى

" صفحة رقم 214 "
السماء الرابعة فهو البيت المعمور ثم إن الله تعالى أمر إبراهيم ببنائه وعرفه جبريل مكانه
وقيل بعث الله سحابة أظلته ونودي ان ابن على ظلها لا تزد ولا تنقص وقيل بناه من خمسة أجبل طورسينا وطورزيتا ولبنان والجودي وأسسه من حراء
وجاءه جبريل بالحجر الأسود من السماء وقيل تمخض أبو قبيس فانشق عنه وقد خبىء فيه في أيام الطوفان وكان ياقوتة بيضاء من الجنة فلما لمسته الحيض في الجاهلية اسود وقيل كان إبراهيم يبني واسماعيل يناوله الحجارة
) ربنا (
أي يقولان ربنا
وهذا الفعل في محل النصب على الحال وقد أظهره عبد الله في قراءته ومعناه يرفعانها قائلين ربنا
) إنك أنت السميع (
لدعائنا
) العليم (
بضمائرنا ونياتنا
فإن قلت هلا قيل قواعد البيت وأي فرق بين العبارتين قلت في ابهام القواعد وتبيينها بعد الإبهام ما ليس في إضافتها لما في الإيضاح بعد الإبهام من تفخيم لشأن المبين
) مسلمين لك (
مخلصين لك اوجهنا من قوله
) أسلم وجهه لله ( البقرة 112 أو مستسلمين يقال أسلم له وسلم واستسلم اذا خضع وأذعن
والمعنى زدنا إخلاصا أو إذعانا لك
وقرىء ( مسلمين ) على الجمع كأنهما أرادا انفسهما وهاجر أو أجريا التثنية على حكم الجمع لأنها منه
) ومن ذريتنا (
واجعل من ذريتنا
) أمة مسلمة لك ( و
" من "
للتبعيض أو للتبيين كقوله
" وعد الله الذين ءامنوا منكم " النور 55
فإن قلت لم خصا ذريتهما بالدعاء قلت لأنهم أحق بالشفقة والنصيحة
) قوا أنفسكم وأهليكم نارا ( التحريم 6 ولأن اولاد الأنبياء اذا صلحوا صلح بهم غيرهم وشايعوهم على الخير ألا ترى ان المقدمين من العلماء والكبراء اذا كانوا على السداد كيف يتسببون لسداد من وراءهم وقيل أراد بالأمة أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم )
) وأرنا ( منقول من رأى بمعنى أبصر أو عرف ولذلك لم يتجاوز مفعولين أي وبصرنا متعبداتنا في الحج أو عرفناها
وقيل مذابحنا وقرىء ( وأرنا ) بسكون الراء قياسا على فخذ في فخذ
وقد استرذلت لأن الكسرة منقولة من الهمزة الساقطة دليل عليها فإسقاطها إجحاف
وقرأ أبو عمرو بإشمام الكسرة
وقرأ عبد الله ( وأرهم مناسكهم )
) وتب علينا (
ما فرط منا من الصغائر أو استتابا لذريتهما

" صفحة رقم 215 "
) وابعث فيهم (
في الأمة المسلمة
) رسولا منهم (
من انفسهم وروى انه قيل له قد استجيب لك وهو في آخر الزمان فبعث الله فيهم محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) قال عليه الصلاة والسلام
55 ( أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى اخي عيسى ورؤيا امي )
" يتلو عليهم ءايتك "
يقرأ عليهم ويبلغهم ما يوحى اليه من دلائل وحدانيتك وصدق انبيائك
) ويعلمهم الكتاب (
القرآن
) والحكمة (
الشريعة وبيان الأحكام
) ويزكيهم (
ويطهرهم من الشرك وسائر الأرجاس كقوله
" ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبئث ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه فى الاخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين 130 - 131
البقرة : ( 130 - 131 ) ومن يرغب عن . . . . .
" ومن يرغب "
إنكار واستبعاد لأن يكون في العقلاء من يرغب عن الحق الواضح الذي هو ملة إبراهيم
و
" من سفه "
في محل الرفع على البدل من الضمير في يرغب وصح البدل لأن من يرغب غير موجب كقولك هل جاءك أحد الا زيد
" سفه نفسه "
امتهنها واستخف بها
وأصل السفه الخفة ومنه زمام سفيه وقيل انتصاب النفس على التمييز نحو غبن رأيه وألم رأسه ويجوز ان يكون في شذوذ تعريف المميز نحو قوله
( ولا بفزارة الشعر الرقابا )

" صفحة رقم 216 "
أجب الظهر ليس له سنام
وقيل معناه سفه في نفسه فحذف الجار كقولهم زيد ظني مقيم أي في ظني والوجه هو الأول وكفى شاهدا له بما جاء في الحديث
56 ( الكبر ان تسفه الحق وتغمص الناس )
وذلك أنه اذا رغب عما لا يرغب عنه عاقل قط فقد بالغ في إذالة نفسه وتعجيزها حيث خالف بها كل نفس عاقلة
) ولقد اصطفيناه (
بيان لخطأ رأي من رغب عن ملته لأن من جمع الكرامة عند الله في الدارين بان كان صفوته وخيرته في الدنيا وكان مشهودا له بالاستقامة على الخير في الآخرة لم يكن أحد اولى بالرغبة في طريقته منه
) إذ قال (
ظرف لاصطفيناه أي اخترناه في ذلك الوقت
أو انتصب بإضمار ( اذكر ) استشهادا على ما ذكر من حاله
كأنه قيل اذكر ذلك الوقت لتعلم انه المصطفي الصالح الذي لا يرغب عن ملة مثله
ومعنى قال له أسلم أخطر ببالك النظر في الدلائل المؤدية إلى المعرفة والإسلام
و
) قال أسلمت (
أي فنظر وعرف وقيل أسلم أي أذعن واطع وروي ان عبد الله بن سلام دعا ابني أخيه سلمة ومهاجرا إلى الإسلام فقال لهما قد علمنا ان الله تعالى قال في التوراة إني باعث من ولد إسماعيل نبيا إسمه أحمد فمن آمن به فقد اهتدى ورشد

" صفحة رقم 217 "
ومن لم يؤمن به فهو ملعون
فأسلم سلمة وأبى مهاجر ان يسلم فنزلت
ووصى بهآ إبراهيم بنيه ويعقوب يابنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون 132
البقرة : ( 132 ) ووصى بها إبراهيم . . . . .
قرىء ( واوصى ) وهي في مصاحف اهل الحجاز والشام
والضمير في
) بها ( لقوله
) أسلمت لرب العالمين (
على تأويل الكلمة والجملة ونحوه رجوع الضمير في قوله
) وجعلها كلمة باقية ( الزخرف 28 إلى قوله
) إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني ( الزخرف 26 - 27 وقوله ( كلمة باقية ) دليل على ان التأنيث على تاويل الكلمة
) ويعقوب ( الزخرف 26 - 27 عطف على إبراهيم داخل في حكمه والمعنى ووصى بها يعقوب بنيه أيضا
وقرىء ( ويعقوب ) بالنصب عطفا على بنيه
ومعناه ووصى بها إبراهيم بنيه ونافلته يعقوب
" يابني "
على إضمار القول عند البصريين وعند الكوفيين يتعلق بوصى لأنه في معنى القول ونحوه قول القائل
( رجلان من ضبة أخبرانا إنا رأينا رجلا عريانا )
بكسر الهمزة فهو بتقدير القول عندنا وعندهم يتعلق بفعل الإخبار وفي قراءة أبي وابن مسعود ( أن يا بني )
) اصطفى لكم الدين (
أعطاكم الدين الذي هو صفوة الأديان وهو دين الاسلام
ووفقكم للأخذ به
) فلا تموتن (
معناه فلا يكن موتكم الا على حال كونكم ثابتين على الإسلام فالنهي في الحقيقة عن كونهم على خلاف حال الاسلام إذا ماتوا كقولك لا تصل الا وانت خاشع فلا تنهاه عن الصلاة ولكن عن ترك الخشوع في حال صلاته
فإن قلت فأي نكتة في إدخال حرف النهي على الصلاة وليس بمنهى عنها قلت النكتة فيه إظهار أن الصلاة التى لا خشوع فيها كلا صلاة فكانه قال أنهاك عنها اذا لم تصلها على هذه الحالة
ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام
57 ( لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد )
فإنه كالتصريح بقولك لجار

" صفحة رقم 218 "
المسجد لا تصل الا في المسجد وكذلك المعنى في الآية إظهار أن موتهم لا على حال الثبات على الاسلام موت لا خير فيه وانه ليس بموت السعداء وأن من حق هذا الموت ان لا يحل فيهم وتقول في الأمر أيضا مت وانت شهيد
وليس مرادك الأمر بالموت
ولكن بالكون على صفة الشهداء اذا مات وإنما أمرته بالموت اعتدادا منك بميتته وإظهارا لفضلها على غيرها وانها حقيقة بأن يحث عليها
البقرة : ( 133 ) أم كنتم شهداء . . . . .
(أم كنتم شهداء) هي أم المنقطعة ومعنى الهمزة فيها الإنكار . والشهداء جمع شهيد ، بمعنى الحاضر : أي ما كنتم حاضرين يعقوب عليه السلام إذ حضره الموت ، أي حين احتضر ، والخطاب للمؤمنين بمعنى : ما شاهدتم ذلك وإنما حصل لكم العلم به من طريق الوحي . وقيل : الخطاب لليهود ، لأنهم كانوا يقولون : ما مات نبي إلا على اليهودية ، إلا أنهم لو شهدوه وسمعوا ما قاله لبنيه وما قالوه ، لظهر لهم حرصه على ملة

" صفحة رقم 219 "
الإسلام ولما ادعوا عليه اليهودية
فالآية منافية لقولهم فكيف يقال لهم ( أم كنتم شهداء ) ولكن الوجه ان تكون متصلة على ان يقدر قبلها محذوف كانه قيل أتدعون على الأنبياء اليهودية
) أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت ( يعني ان اوائلكم من بني إسرائيل كانوا مشاهدين له اذ أراد بنيه على التوحيد وملة الإسلام وقد علمتم ذلك فما لكم تدعون على الأنبياء وما هم منه براء وقرىء ( حضر ) بكسر الضاد وهي لغة
) ما تعبدون (
أي شيء تعبدون و
" ما "
عام في كل شيء فإذا علم فرق بما ومن وكفاك دليلا قول العلماء ( من ) لما يعقل
ولو قيل من تعبدون لم يعم الا اولي اعلم وحدهم
ويجوز أن يقال
) ما تعبدون (
سؤال عن صفة المعبود
كما تقول ما زيد تريد أفقيه أم طبيب أم غير ذلك من الصفات و
) إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ( عطف بيان لآبائك
وجعل إسماعيل وهو عمه من طريق الوحي وقيل الخطاب لليهود لأنهم كانوا يقولون ما مات نبي إلا على اليهودية إلا أنهم لو شهدوه وسمعوا ما قاله لبنيه وما قالوه لظهر لهم حرصه على ملة 219 الإسلام ولما ادعوا عليه اليهودية
فالآية منافية لقولهم فكيف يقال لهم ( أم كنتم شهداء ) ولكن الوجه ان تكون أم متصلة على ان يقدر قبلها محذوف كانه قيل أتدعون على الأنبياء اليهودية
) أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت ( يعني ان اوائلكم من بني إسرائيل كانوا مشاهدين له اذ أراد بنيه على التوحيد وملة الإسلام وقد علمتم ذلك فما لكم تدعون على الأنبياء ما هم منه براء وقرىء ( حضر ) بكسر الضاد وهي لغة
) ما تعبدون (
أي شيء تعبدون و
" ما "
عام في كل شيء فإذا علم فرق بما ومن وكفاك دليلا قول العلماء ( من ) لما يعقل
ولو قيل من تعبدون لم يعم الا اولي العلم وحدهم
ويجوز أن يقال
) ما تعبدون (
سؤال عن صفة المعبود
كما تقول ما زيد تريد أفقيه أم طبيب أم غير ذلك من الصفات و
) إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ( عطف بيان لآبائك
وجعل إسماعيل وهو عمه من جملة آبائه لأن العم أب والخالة أم لانخراطهما في سلك واحد وهو الأخوة لا تفاوت بينهما ومنه قوله عليه السلام
58 ( عم الرجل صنو أبيه )
أي لا تفاوت بينهما كما لا تفاوت بين صنوي النخلة
وقال عليه الصلاة والسلام في العباس
59 ( هذا بقية آبايك وقال
60 ( ردوا علي أبي فإني أخشى ان تفعل به قريش ما فعلت ثقيف بعروة بن مسعود )
وقرأ أبي و إله إبراهيم ) بطرح آبائك وقرىء ( أبيك ) وفيه وجهان ان يكون واحدا وإبراهيم وحده عطف بيان له وان يكون جمعا بالواو والنون
قال

" صفحة رقم 220 "
وفديننا بالأبينا
) ) إلها واحدا (
بدل من إله آبائك كقوله تعالى
) بالناصية ناصية كاذبة ( العلق 15 - 16 أو على الاختصاص أي نريد بإلاه آبائك الها واحدا
) ونحن له مسلمون (
حال من فاعل نعبد أو من مفعوله لرجوع الهاء اليه في له
ويجوز ان تكون جملة معطوفة على نعبد وان تكون جملة اعتراضية مؤكدة أي ومن حالنا انا له مسلمون مخلصون التوحيد أو مذعنون
تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون 134
)
البقرة : ( 134 ) تلك أمة قد . . . . .
تلك (
إشارة إلى الأمة المذكورة التي هي إبراهيم ويعقوب وبنوهما الموحدون والمعنى ان احدا لا ينفعه كسب غيره متقدما كان أو متاخرا فكما ان أولئك لا ينفعهم الا ما اكتسبوا فكذلك أنتم لا ينفعكم الا ما اكتسبتم وذلك أنهم افتخروا بأوائلهم ونحوه قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
61 ( يا بني هاشم لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم )
" ولا تسئلون عما كانوا يعملون "
ولا تؤاخذون بسيآتهم كما لا تنفعكم حسناتهم
وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل 135
البقرة : ( 135 ) وقالوا كونوا هودا . . . . .
" بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين بل ملة إبراهيم "
بل تكون ملة إبراهيم أي اهل ملته كقول عدي بن حاتم
62 ( إني من دين )
يريد من اهل دين وقيل بل نتبع ملة إبراهيم وقرىء ( ملة إبراهيم ) بالرفع أي ملته ملتنا أو امرنا ملته أو نحن ملته بمعنى اهل ملته
و ( حنيفا )
حال من المضاف اليه كقولك رأيت وجه هند قائمة
والحنيف المائل عن كل دين باطل إلى دين الحق
والحنف الميل في القدمين وتحنف اذا مال وأنشد

" صفحة رقم 221 "
ولكنا خلقنا إذ خلقنا
حنيفا ديننا عن كل دين
( وما كان من المشركين )
تعريض بأهل الكتاب وغيرهم لأن كلا منهم يدعي اتباع إبراهيم وهو على الشرك
البقرة : ( 136 - 137 ) قولوا آمنا بالله . . . . .
قولوا "
خطاب للمؤمنين
ويجوز ان يكون خطابا للكافرين أي قولوا لتكونوا على الحق والا فأنتم على الباطل وكذلك قوله
" بل ملة إبراهيم "
يجوز ان يكون على بل اتبعوا أنتم ملة إبراهيم أو كونوا اهل ملته قولوا ءامنا بالله ومآ أنزل إلينا ومآ أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ومآ أوتى موسى وعيسى ومآ أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فإن ءامنوا بمثل مآ ءامنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم فى شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم
والسبط الحافد
وكان الحسن والحسين سبطي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
" والأسباط " حفدة يعقوب ذراري أبنائه الاثني عشر
" لا نفرق بين أحد منهم "
لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى
و
" أحد "
في معنى الجماعة ولذلك صح دخول
" بين ) عليه ( بمثل ما ءامنتم به "
من باب التبكيت لأن دين الحق واحد لا مثل له وهو دين الاسلام
" ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه " آل عمران 185 فلا يوجد اذا دين آخر يماثل دين الاسلام في كونه حقا حتى ان آمنوا بذلك الدين المماثل له كانوا مهتدين فقيل فإن آمنوا بكلمة الشك على سبيل الفرض والتقدير أي فإن حصلوا دينا آخر مثل دينكم مساويا له في الصحة والسداد فقد اهتدوا
وفيه ان دينهم الذي هم عليه وكل دين سواه مغاير له غير مماثل لأنه حق وهدى وما سواه باطل وضلال
ونحو هذا قولك للرجل الذي تشير عليه هذا هو الرأي الصواب فإن كان عندك رأي أصوب منه فاعمل به وقد علمت ان لا أصوب من رأيك
ولكنك تريد تبكيت صاحبك وتوقيفه على ان ما رأيت لا رأي وراءه
ويجوز ان لا تكون الباء صلة وتكون باء الاستعانة كقولك كتبت بالقلم وعملت بالقدوم أي فإن دخلوا في الإيمان بشهادة مثل

" صفحة رقم 222 "
شهادتكم التى آمنتم بها
وقرأ ابن عباس وابن مسعود ( بما آمنتم به ) وقرا أبي ( بالذي آمنتم به )
) وإن تولوا (
عما تقولون لهم ولم ينصفوا فما هم الا
) في شقاق (
أي في مناوأة ومعاندة لا غير وليسوا من طلب الحق في شيء
أو وإن تولوا عن الشهادة والدخول في الإيمان بها
) فسيكفيكهم الله (
ضمان من الله لإظهار رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عليهم وقد انجز وعده بقتل قريظة وسبيهم وأجلاء بني النضير
ومعنى السين أن ذلك كائن لا محالة وإن تأخر إلى حين
) وهو السميع العليم (
وعيد لهم أي يسمع ما ينطقون به ويعلم ما يضمرون من الحسد والغل وهو معاقبهم عليه
أو وعد لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بمعنى يسمع ما تدعو به ويعلم نيتك وما تريده من إظهار دين الحق وهو مستجيب لك وموصلك إلى مرادك
البقرة : ( 138 ) صبغة الله ومن . . . . .
صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون 138
) صبغة الله (
مصدر مؤكد منتصب على قوله
) آمنا بالله (
كما انتصب
) وعد الله ( عما تقدمه وهي فعلة من صبغ كالجلسة من جلس وهي الحالة التى يقع عليها الصبغ والمعنى تطهير الله لأن الإيمان يطهرالنفوس
والأصل فيه ان النصارى كانوا يغمسون اولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون هو تطهير لهم وإذا فعل الواحد منهم بولده ذلك قال الآن صار نصرانيا حقا فأمر المسلمون بان يقولوا لهم
) قولوا آمنا بالله (
وصبغنا الله بالإيمان صبغة لا مثل صبغتنا وطهرنا به تطهيرا لا مثل تطهيرنا
أو يقول المسلمون صبغنا الله بالإيمان صبغته ولم نصبغ صبغتكم
وإنما جيء بلفظ الصبغة على طريقة المشاكلة كما تقول لمن يغرس الأشجار اغرس كما يغرس فلان تريد رجلا يصطنع الكرم
) ومن أحسن من الله صبغة (
يعني انه يصبغ عباده بالإيمان
ويطهرهم به من اوضار الكفر فلا صبغة احسن من صبغته
وقوله
) ونحن له عابدون (
عطف على
) آمنا بالله (
وهذا العطف يرد قول من زعم ان
) صبغة الله (
بدل من
) ملة إبراهيم (
أو نصب على الاغراء بمعنى عليكم صبغة الله لما فيه من فك النظم وإخراج الكلام عن التئامه واتساقه وانتصابها على انها مصدر مؤكد هو الذي ذكره سيبويه والقول ما قالت حذام
قل أتحآجوننا فى الله وهو ربنا وربكم ولنآ أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل ءأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون تلك أمة قد

" صفحة رقم 223 "
خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون 139 - 141
البقرة : ( 139 ) قل أتحاجوننا في . . . . .
قرأ زيد بن ثابت ( أتحاجونا ) بإدغام النون والمعنى اتجادلوننا في شأن الله واصطفائه النبي من العرب دونكم وتقولون لو انزل الله على أحد لأنزل علينا وترونكم احق بالنبوة منا
) وهو ربنا وربكم (
نشترك جميعا في اننا عباده وهو ربنا وهو يصيب برحمته وكرامته من يشاء من عباده هم فوضى في ذلك لا يختص به عجمي دون عربي اذا كان اهلا للكرامة
) ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم (
يعني ان العمل هو أساس الأمر وبه العبرة وكما ان لكم أعمالا يعتبرها الله في إعطاء الكرامة ومنعها فنحن كذلك
ثم قال
) ونحن له مخلصون (
فجاء بما هو سبب الكرامة أي ونحن له موحدون نخلصه بالإيمان فلا تستبعدوا ان يؤهل اهل إخلاصه لكرامته بالنبوة وكانوا يقولون نحن أحق بأن تكون النبوة فينا لأنا اهل كتاب والعرب عبدة أوثان
) أم تقولون (
يحتمل فيمن قرأ بالتاء ان تكون أم معادلة للهمزة في
) أتحاجوننا (
بمعنى أي الأمرين تاتون المحاجة في حكمة الله أم ادعاء اليهودية والنصرانية على الأنبياء والمراد بالاستفهام عنهما إنكارهما معا وان تكون منقطعة بمعنى بل اتقولون والهمزة للإنكار أيضا وفيمن قرأ بالياء لا تكون الا منقطعة
" قل ءأنتم اعلم أم الله "
يعني ان الله شهد لهم بملة الاسلام في قوله
) ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما ( آل عمران 67
) ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله (
أي كتم شهادة الله التى عنده انه شهد بها وهي شهادته لإبراهيم بالحنيفية
ويحتمل معنيين احدهما ان اهل الكتاب لا أحد أظلم منهم لأنهم كتموا هذه الشهادة وهم عالمون بها
والثاني انا لو كتمنا هذه الشهادة لم يكن أحد أظلم منا فلا نكتمها
وفيه تعريض بكتمانهم شهادة الله لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) بالنبوة في كتبهم وسائر شهاداته
( ومن ) في قوله
) شهادة عنده من الله (
مثلها في قولك هذه شهادة مني لفلان اذا شهدت له ومثله
) براءة من الله ورسوله ( التوبة سيقول السفهآء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدى من يشآء إلى صراط مستقيم وكذالك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهدآء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التى كنت عليهآ إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم - 143
البقرة : ( 142 - 143 ) سيقول السفهاء من . . . . .
سيقول السفهاء (
الخفاف الأحلام وهم اليهود لكراهتهم التوجه إلى الكعبة وانهم لا يرون النسخ وقيل المنافقون لحرصهم على الطعن والاستهزاء وقيل المشركون

" صفحة رقم 224 "
قالوا رغب عن قبلة آبائه ثم رجع اليها والله ليرجعن إلى دينهم
فإن قلت أي فائدة في الإخبار بقولهم قبل وقوعه قلت فائدته ان مفاجأة المكروه أشد والعلم به قبل وقوعه أبعد من الاضطراب اذا وقع لما يتقدمه من توطين النفس وان الجواب العتيد قبل الحاجة إليه أقطع للخصم وأرد لشغبه وقبل الرمي يراش السهم
) ما ولاهم (
ما صرفهم
) عن قبلتهم (
وهي بيت المقدس
) لله المشرق والمغرب (
أي بلاد المشرق والمغرب والأرض كلها
) يهدي من يشاء (
من اهلها
) إلى صراط مستقيم (
وهو ما توجبه الحكمة والمصلحة من توجيههم تارة إلى بيت المقدس وأخرى إلى الكعبة
" وكذالك جعلناكم "
ومثل ذلك الجعل العجيب جعلناكم
) أمة وسطا (
خيارا وهي صفة بالاسم الذي هو وسط الشيء
ولذلك استوى فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث ونحوه قوله عليه السلام
63 ( وأنطوا الثبجة )
يريد الوسيطة بين السمينة والعجفاء وصفا بالثج وهو وسط الظهر الا انه ألحق تاء التأنيث مراعاة لحق الوصف
وقيل للخيار وسط لأن الأطراف يتسارع اليها الخلل والأعوار والأوساط محمية محوطة ومنه قول الطائي
( كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت بها الحوادث حتى أصبحت طرفا )
وقد اكتريت بمكة جمل اعرابي للحج فقال أعطني من سطاتهنه اراد من خيار الدنانير أو عدولا لأن الوسط عدل بين الأطراف ليس إلى بعضها أقرب من بعض
) لتكونوا شهداء على الناس ( روي
64 ( أن الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء فيطالب الله الأنبياء بالبينة على

" صفحة رقم 225 "
أنهم قد بلغوا وهو اعلم فيؤتى بأمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فيشهدون فتقول الأمم من أين عرفتم فيقولون علمنا ذلك بإخبار الله في كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق فيؤتى بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) فيسأل عن حال أمته فيزكيهم ويشهد بعدالتهم )
وذلك قوله تعالى
) فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ( النساء 41
فإن قلت فهلا قيل لكم شهيدا وشهادته لهم لا عليهم قلت لما كان الشهيد كالرقيب والمهيمن على المشهود له جيء بكلمة الاستعلاء ومنه قوله تعالى والله على كل شىء شهيد المجادلة كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شىء شهيد المائدة وقيل لتكونوا شهداء على الناس في الدنيا فيما لا يصح إلا بشهادة العدول الأخيار ويكون الرسول عليكم شهيدا يزكيكم ويعلم بعدالتكم فإن قلت لم أخرت صلة الشهادة اولا وقدمت آخرا قلت لأن الغرض في الأول اثبات شهادتهم على الأمم وفي الآخر اختصاصهم بكون الرسول شهيدا عليهم
) التي كنت عليها (
ليست بصفة للقبلة انما هي ثاني مفعولي جعل يريد وما جعلنا القبلة الجهة التى كنت عليها وهي الكعبة لأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يصلي بمكة إلى الكعبة ثم أمر بالصلاة إلى صخرة بيت المقدس بعد الهجرة تألفا لليهود ثم حول إلى الكعبة فيقول وما جعلنا القبلة التى يجب ان تستقبلها الجهة التى كنت عليها اولا بمكة يعني وما رددناك اليها

" صفحة رقم 226 "
الا امتحانا للناس وابتلاء
) لنعلم (
الثابت على الاسلام الصادق فيه ممن هو على حرف ينكص
) على عقبيه (
لقلقه فيرتد كقوله
) وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ( الآية
ويجوز أن يكون بيانا للحكمة في جعل بيت المقدس قبلته
يعني ان أصل أمرك ان تستقبل الكعبة وان استقبالك بيت المقدس كان امرا عارضا لغرض
وإنما جعلنا القبلة الجهة التي كنت عليها قبل وقتك هذا وهي بيت المقدس لنمتحن الناس وننظر من يتبع الرسول منهم ومن لا يتبعه وينفر عنه
وعن ابن عباس رضي الله عنه
65 ( كانت قبلته بمكة بيت المقدس الا أنه كان يجعل الكعبة بينه وبينه )
فإن قلت كيف قال
) لنعلم (
ولم يزل عالما بذلك قلت معناه لنعلمه علما يتعلق به الجزاء وهو ان يعلمه موجودا حاصلا ونحوه
) ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ( التوبة 16 وقيل ليعلم رسول الله والمؤمنون
وإنما أسند علمهم إلى ذاته لأنهم خواصه وأهل الزلفى عنده
وقيل معناه لنميز التابع من الناكص كما قال
) ليميز الله الخبيث من الطيب ( النفال 37 فوضع العلم موضع التمييز لأن العلم به يقع التمييز به
) وإن كانت لكبيرة (
هي إن المخففة التى تلزمها اللام الفارقة
والضمير في
) كانت (
لما دل عليه قوله
" وما جعلنا القبلة التي كانت عليها "
من الردة أو التحويلة أو الجعلة
ويجوز أن يكون للقبلة
) لكبيرة (
لثقيلة شاقة
) إلا على الذين هدى الله (
الا على الثابتين الصادقين في اتباع الرسول الذين لطف الله بهم وكانوا أهلا للطفه
) وما كان الله ليضيع إيمانكم (
أي ثباتكم على الإيمان وأنكم لم تزلوا ولم ترتابوا بل شكر صنيعكم وأعد لكم الثواب العظيم
ويجوز ان يراد وما كان الله ليترك تحويلكم لعلمه ان تركه مفسدة وإضاعة لإيمانكم وقيل من كان صلى إلى بيت المقدس قبل التحويل فصلاته غير ضائعة
عن ابن عباس رضي الله عنه
66 لما وجه رسول الله إلى الكعبة قالوا كيف بمن مات قبل التحويل من إخواننا فنزلت
لرؤوف

" صفحة رقم 227 "
) رحيم (
لا يضيع أجورهم ولا يترك ما يصلحهم
ويحكى عن الحجاج أنه قال للحسن ما رأيك في أبي تراب فقرأ قوله
) إلا على الذين هدى الله (
ثم قال وعلي منهم وهو ابن عم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وختنه على ابنته وأقرب الناس إليه وأحبهم
وقرىء ( الا ليعلم ) على البناء للمفعول
ومعنى العلم المعرفة
ويجوز ان تكون ( من ) متضمنة لمعنى الاستفهام معلقا عنها العلم كقولك علمت أزيد في الدار أم عمرو
وقرأ ابن أبي إسحاق ( على عقبيه ) بسكون القاف
وقرأ اليزيدي ( لكبيرة ) بالرفع
ووجهها ان تكون ( كان ) مزيدة كما في قوله
( وجيران لنا كانوا كرام )
والأصل وإن هي لكبيرة كقولك إن زيد لمنطلق ثم وإن كانت لكبيرة وقرىء ( ليضيع ) بالتشديد
قد نرى تقلب وجهك في السمآء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل ءاية ما تبعوا قبلتك ومآ أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهوآءهم من بعد ما جآءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين
البقرة : ( 144 - 145 ) قد نرى تقلب . . . . .
قد نرى "
ربما نرى ومعناه كثرة الرؤية كقوله
( قد أترك القرن مصفرا انامله )

" صفحة رقم 228 "
) تقلب وجهك (
تردد وجهك وتصرف نظرك في جهة السماء
وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتوقع من ربه ان يحوله إلى الكعبة لأنها قبلة أبيه إبراهيم وادعى للعرب إلى الإيمان لأنها مفخرتهم ومزارهم ومطافهم ولمخالفة اليهود فكان يراعى نزول جبريل عليه السلام والوحي بالتحويل فلنولينك " فلنعطينك ولنمكننك من استقبالها من قولك وليته كذا
إذا جعلته واليا له أو فلنجعلنك تلى سمتها دون سمت بيت المقدس
" ترضاها "
تحبها وتميل اليها لأغراضك الصحيحة التي اضمرتها ووافقت مشيئة الله وحكمته
" شطر المسجد الحرام "
نحوه قال
وأظعن بالقوم شطر الملوك
وقرأ أبي ( تلقاء المسجد الحرام ) وعن البراء بن عازب
67 قدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم وجه إلى الكعبة
وقيل
68 كان ذلك في رجب بعد زوال الشمس قبل قتال بدر بشهرين
ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في مسجد بني سلمة وقد صلى بأصحابه ركعتين من صلاة الظهر فتحول في الصلاة واستقبل الميزاب وحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال فسمى المسجد مسجد القبلتين
و
" شطر المسجد "
نصب على الظرف أي اجعل تولية الوجه تلقاء المسجد أي في جهته وسمته لأن استقبال عين القبلة فيه حرج عظيم على البعيد

" صفحة رقم 229 "
وذكر المسجد الحرام دون الكعبة دليل في ان الواجب مراعاة الجهة دون العين
) ليعلمون أنه الحق (
أن التحويل إلى الكعبة هو الحق لأنه كان في بشارة أنبيائهم برسول الله انه يصلي إلى القبلتين
) يعملون (
قرىء بالياء والتاء
) ما تبعوا (
جواب القسم المحذوف سد مسد جواب الشرط
" بكل ءاية "
بكل برهان قاطع ان التوجه إلى الكعبة هو الحق
) ما تبعوا قبلتك (
لأن تركهم اتباعك ليس عن شبهة تزيلها بايراد الحجة إنما هو عن مكابرة وعناد مع علمهم بما في كتبهم من نعتك انك على الحق
) وما أنت بتابع قبلتهم (
حسم لأطماعهم إذ كانوا ماجوا في ذلك وقالوا لو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن يكون صاحبنا الذي ننتظره وطمعوا في رجوعه إلى قبلتهم
وقرىء ( بتابع قبلتهم )
على الاضافة
) وما بعضهم بتابع قبلة بعض (
يعني انهم مع اتفاقهم على مخالفتك مختلفون في شأن القبلة لا يرجى اتفاقهم كما لا ترجى موافقتهم لك
وذلك ان اليهود تستقبل بيت المقدس والنصارى مطلع الشمس
أخبر عز وجل عن تصلب كل حزب فيما هو فيه وثباته عليه فالمحق منهم لا يزل عن مذهبه لتمسكه بالبرهان والمبطل لا يقلع عن باطله لشدة شكيمته في عناده
وقوله
) ولئن اتبعت أهواءهم (
بعد الافصاح عن حقيقة حاله المعلومة عنده في قوله
) وما أنت بتابع قبلتهم (
كلام وارد على سبيل الفرض والتقدير بمعنى ولئن اتبعتم مثلا بعد وضوح البرهان والإحاطة بحقيقة الأمر
) إنك إذا لمن الظالمين (
المرتكبين الظلم الفاحش
وفي ذلك لطف للسامعين وزيادة تحذير
واستفظاع لحال من يترك الدليل بعد إنارته ويتبع الهوى وتهييج وإلهاب للثبات على الحق
فإن قلت كيف قال ( وما أنت بتابع قبلتهم ) ولهم قبلتان لليهود قبلة وللنصارى قبلة قلت كلتا القبلتين باطلة مخالفة لقبلة الحق فكانتا بحكم الاتحاد في البطلان قبلة واحدة

" صفحة رقم 230 "
الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنآءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شىء قدير 146 - 148
البقرة : ( 146 - 148 ) الذين آتيناهم الكتاب . . . . .
) يعرفونه (
يعرفون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) معرفة جلية يميزون بينه وبين غيره بالوصف المعين المشخص
) كما يعرفون أبناءهم (
لا يشتبه عليهم أبناؤهم وأبناء غيرهم وعن عمر رضي الله عنه انه سأل عبد الله بن سلام عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال انا أعلم به مني بابني
قال ولم قال لأني لست أشك في محمد أنه نبي
فأما ولدي فلعل والدته خانت فقبل عمر رأسه
وجاز الإضمار وان لم يسبق له ذكر لأن الكلام يدل عليه ولا يلتبس على السامع ومثل هذا الإضمار فيه تفخيم وإشعار بانه لشهرته وكونه علما معلوما بغير اعلام
وقيل الضمير للعلم أو القرآن أو تحويل القبلة وقوله
) كما يعرفون أبناءهم ( يشهد للأول وينصره الحديث عن عبد الله بن سلام
فإن قلت لم اختص الأبناء قلت لأن الذكور أشهر وأعرف وهم لصحبة الآباء الزم وبقلوبهم الصق
وقال
) فريقا منهم (
استثناء لم آمن منهم أو لجهالهم الذين قال الله تعالى فيهم
) ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب ( البقرة 78
) الحق من ربك (
يحتمل ان يكون الحق خبر مبتدأ محذوف أي هو الحق أو مبتدأ خبره ( من ربك ) وفيه وجهان ان تكون اللام للعهد والإشارة إلى الحق الذي عليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو إلى الحق الذي في قوله ليكتمون الحق
أي هذا الذي يكتمونه هو الحق من ربك وأن تكون للجنس على معنى الحق من الله لا من غيره
يعني ان الحق ما ثبت أنه من الله كالذي أنت عليه وما لم يثبت انه من الله كالذي عليه أهل الكتاب فهو الباطل
فإن قلت اذا جعلت الحق خبر مبتدأ فما محل من ربك قلت يجوز ان يكون خبرا بعد خبر وأن يكون حالا
وقرأ علي رضي الله عنه ( الحق من ربك ) على الابدال من الأول أي يكتمون الحق الحق من ربك
) فلا تكونن من الممترين (
الشاكين في كتمانهم الحق مع علمهم أوفي أنه من ربك
) ولكل (
من أهل الأديان المختلفة
) وجهه (
قبلة
وفي قراءة أبي ( ولكل قبلة )

" صفحة رقم 231 "
) هو موليها (
وجهه فحذف أحد المفعولين وقيل هو لله تعالى أي الله موليها اياه
وقرىء ( ولكل وجهة ) على الإضافة
والمعنى وكل وجهة الله موليها فزيدت اللام لتقدم المفعول كقولك لزيد ضربت ولزيد أبوه ضاربه وقرأ ابن عامر ( هو مولاها ) أي هو مولى تلك الجهة وقد وليها
والمعنى لكل أمة قبلة تتوجه اليها منكم ومن غيركم
) فاستبقوا (
أنتم
) الخيرات (
واستبقوا اليها غيركم من أمر القبلة وغيره
ومعنى آخر وهو ان يراد ولكل منكم يا أمة محمد وجهة أي جهة يصلى اليها جنوبية أو شمالية أو شرقية أو غربية فاستبقوا الخيرت
) أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا (
للجزاء من موافق ومخالف لا تعجزونه
ويجوز ان يكون المعنى فاستبقوا الفاضلات من الجهات وهي الجهات المسامتة للكعبة وان اختلفت أينما تكونوا من الجهات المختلفة يآت بكم الله جميعا يجمعكم ويجعل صلواتكم كأنها إلى جهة واحدة وكأنكم تصلون حاضري المسجد الحرام
البقرة 149 - 154
البقرة : ( 149 - 154 ) ومن حيث خرجت . . . . .
) ومن حيث خرجت (
أي ومن أي بلد خرجت للسفر
) فول وجهك شطر المسجد الحرام (
اذا صليت
) وإنه (
وإن هذا المأمور به
وقرىء ( يعملون ) بالتاء والياء وهذا التكرير لتأكيد أمر القبلة وتشديده لأن النسخ من مظان الفتنة والشبهة وتسويل الشيطان والحاجة إلى التفصلة بينه وبين البداء فكرر عليهم ليثبتوا ويعزموا ويجدوا ولأنه نيط بكل واحد ما لم ينط بالآخر فاختلفت فوائدها
) إلا الذين ظلموا (
استثناء من الناس ومعناه لئلا يكون حجة لأحد من اليهود الا للمعاندين منهم القائلين ما ترك قبلتنا إلى الكعبة الا ميلا الي دين قومه وحبا لبلده ولو كان على الحق للزم قبلة الأنبياء
فإن قلت أي حجة كانت تكون للمنصفين منهم لو لم يحول حتى احترز من تلك الحجة ولم يبال بحجة المعاندين قلت كانوا يقولون ما له لا يحول إلى قبلة أبيه إبراهيم كما هو مذكور في نعته في التوراة فإن قلت كيف أطلق اسم الحجة على قول المعاندين

" صفحة رقم 232 "
قلت لأنهم يسوقونه سياق الحجة
ويجوز ان يكون المعنى لئلا يكون للعرب عليكم حجة واعتراض في ترككم التوجه إلى الكعبة التي هي قبلة إبراهيم وإسماعيل أبي العرب الا الذين ظلموا منهم وهم اهل مكة حين يقولون بداله فرجع إلى قبلة آبائه ويوشك أن يرجع إلى دينهم
وقرأ زيد بن علي رضي الله عنهما ( ألا الذين ظلموا منهم ) على ان ألا للتنبيه ووقف على حجة ثم استؤنف منبها
) فلا تخشوهم (
فلا تخافوا مطاعنهم في قبلتكم فإنهم لا يضرونكم
) واخشوني (
فلا تخالفوا أمري وما رأيته مصلحة لكم
ومتعلق اللام محذوف معناه ولإتمامي النعمة عليكم وإرادتي اهتداءكم أمرتكم بذلك أو يعطف على علة مقدرة كانه قيل واخشوني لأوفقكم ولأتم نعمتي عليكم
وقيل هو معطوف على
) لئلا يكون (
وفي الحديث تمام النعمة دخول الجنة )
وعن علي رضي الله عنه تمام النعمة الموت على الاسلام
) كما أرسلنا (
إما ان يتعلق بما قبله أي ولأتم نعمتي عليكم في الآخرة بالثواب كما اتممتها عليكم في الدنيا بإرسال الرسول أو بما بعده أي كما ذكرتكم بإرسال الرسول
) فاذكروني (
بالطاعة
) أذكركم (
بالثواب
) واشكروا لي (
ما انعمت به عليكم
) ولا تكفرون (
ولا تجحدوا نعمائي
) أموات بل أحياء (
هم أموات بل هم أحياء
) ولكن لا تشعرون (
كيف حالهم في حياتهم
وعن الحسن ان الشهداء أحياء عند الله تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل اليهم الروح والفرح كما تعرض النار على أرواح آل فرعون غدوة وعشيا فيصل اليهم الوجع
وعن مجاهد يرزقون ثمر الجنة ويجدون ريحها وليسوا فيها وقالوا يجوز ان يجمع الله من اجزاء الشهيد جملة فيحييها ويوصل اليها النعيم وإن كانت في حجم الذرة وقيل نزلت في شهداء بدر وكانوا أربعة عشر
ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذآ أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنآ إليه راجعون أولائك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولائك هم المهتدون
البقرة : ( 155 - 157 ) ولنبلونكم بشيء من . . . . .
ولنبلونكم "
ولنصيبنكم بذلك إصابة تشبه فعل المختبر لأحوالكم هل تصبرون وتثبتون على ما أنتم عليه من الطاعة وتسلمون لأمر الله وحكمه أم لا بشىء "
بقليل

" صفحة رقم 233 "
من كل واحد من هذه البلايا وطرف منه
) وبشر الصابرين (
المسترجعين عند البلاء لأن الاسترجاع تسليم وإذعان
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
70 ( من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته وأحسن عقباه وجعل له خلفا صالحا يرضاه )
وروي
71 أنه طفىء سراج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ( إنا لله وإنا اليه راجعون ) فقيل أمصيبة هي قال ( نعم كل شيء يؤذي المؤمن فهو له مصيبة )
وإنما قلل في قوله ( بشيء ) ليؤذن أن كل بلاء أصاب الإنسان وإن جل ففوقه ما يقل اليه وليخفف عليهم ويريهم ان رحمته معهم في كل حال لا تزايلهم وإنما وعدهم ذلك قبل كونه ليوطنوا عليه نفوسهم
( نقص ) عطف على ( شيء ) أو على الخوف بمعنى وشيء من نقص الأموال 3 والخطاب في ( بشر ) لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يتأتى منه البشارة
وعن الشافعي رحمه الله في الخوف خوف الله
والجوع صيام شهر رمضان والنقص من الأموال الزكوات والصدقات ومن الأنفس الأمراض ومن الثمرات موت الأولاد
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
72 ( إذا مات ولد العبد قال الله تعالى للملائكة أقبضتم ولد عبدي فيقولون

" صفحة رقم 234 "
نعم فيقول أقبضتم ثمرة قلبه فيقولون نعم فيقول الله تعالى ماذا قال عبدي فيقولون حمدك واسترجع فيقول الله تعالى ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد )
والصلاة الحنو والتعطف فوضعت موضع الرأفة وجمع بينها وبين الرحمة
كقوله تعالى
) رأفة ورحمة ( الحديد 27
) رؤوف رحيم ( التوبة 117 والمعنى عليهم رأفة بعد رأفة ورحمة أي رحمة
) وأولئك هم المهتدون (
لطريق الصواب حيث استرجعوا وسلموا الأمر لله
البقرة 158
البقرة : ( 158 ) إن الصفا والمروة . . . . .
والصفا والمروة علمان للجبلين كالصمان والمقطم والشعائر جمع شعيرة وهي العلامة أي من اعلام مناسكه ومتعبداته والحج للقصد والاعتمار الزيارة فغلبا على قصد البيت وزيارته للنسكين المعروفين وهما في المعاني كالنجم والبيت في الأعيان
وأصل
) يطوف (
يتطوف فأدغم
وقرىء ( أن يطوف ) من طاف فإن قلت كيف قيل إنهما من شعائر الله ثم قيل لا جناح عليه ان يطوف بهما قلت كان على الصفا أساف وعلى المروة نائلة وهما صنمان يروى انهما كانا رجلا وامرأة زنيا في الكعبة فمسخا حجرين فوضعا عليهما ليعتبر بهما فلما طالت المدة عبدا من دون الله فكان اهل الجاهلية اذا سعوا مسحوهما فلما جاء الاسلام وكسرت الأوثان كره المسلمون الطواف بينهما لأجل فعل الجاهلية وأن لا يكون عليهم جناح في ذلك فرفع عنهم الجناح واختلف في السعي فمن قائل هو تطوع بدليل رفع الجناح وما فيه من التخيير بين الفعل والترك كقوله
) فلا جناح عليهما أن يتراجعا ( البقرة 230 وغير ذلك ولقوله
) ومن تطوع خيرا ( كقوله ( فمن تطوع خيرا فهو خير له ) البقرة 184
ويروى ذلك عن أنس وابن عباس وابن الزبير وتنصره قراءة ابن مسعود ( فلا جناح عليه ان لا يطوف بهما )
وعن أبي حنيفة رحمه الله انه واجب وليس بركن وعلى تاركه دم وعند الأولين لا شيء عليه وعند مالك والشافعي هو ركن لقوله عليه السلام
73 ( اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي )
وقرىء ( ومن يطوع ) بمعنى ومن

" صفحة رقم 235 "
يتطوع فأدغم وفي قراءة عبد الله ( ومن يتطوع بخير )
إن الذين يكتمون مآ أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولائك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون 159
البقرة : ( 159 ) إن الذين يكتمون . . . . .
) إن الذين يكتمون (
من احبار اليهود
) ما أنزلنا (
في التوراة
) من البينات (
من الآيات الشاهدة على امر محمد ( صلى الله عليه وسلم )
) والهدى (
والهداية بوصفه إلى اتباعه والإيمان به
" من بعدما بيناه "
ولخصناه
) للناس في الكتاب (
في التوراة لم ندع فيه موضع اشكال ولا اشتباه على أحد منهم فعمدوا إلى ذلك المبين الملخص فكتموه ولبسوا على الناس
) أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون (
الذين يتأتى منهم اللعن عليهم وهم الملائكة والمؤمنون من الثقلين
إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولائك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم 160
)
البقرة : ( 160 ) إلا الذين تابوا . . . . .
وأصلحوا (
ما أفسدوا من احوالهم وتداركوا ما فرط منهم
) وبينوا (
ما بينه الله في كتابهم فكتموه أو بينوا للناس ما احدثوه من توبتهم ليمحوا سمة الكفر عنهم ويعرفوا بضد ما كانوا يعرفون به ويقتدي بهم غيرهم من المفسدين
إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولائك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون 161 - 162
البقرة : ( 161 - 162 ) إن الذين كفروا . . . . .
) إن الذين كفروا (
يعني الذين ماتوا من هؤلاء الكاتمين ولم يتوبوا ذكر لعنتهم أحياء ثم لعنتهم امواتا وقرا الحسن ( والملائكة والناس أجمعون ) بالرفع عطفا على محل اسم الله لأنه فاعل في التقدير كقولك عجبت من ضرب زيد وعمرو تريد من ان ضرب زيد وعمرو كانه قيل أولئك عليهم ان لعنهم الله والملائكة
فإن قلت ما

" صفحة رقم 236 "
معنى قوله
) والناس أجمعين (
وفي الناس المسلم والكافر قلت أراد بالناس من يعتد بلعنة وهم المؤمنون
وقيل يوم القيامة يلعن بعضهم بعضا
) خالدين فيها (
في اللعنة
وقيل في النار الا انها أضمرت تفخيما لشانها وتهويلا
) ولا هم ينظرون (
من الإنظار أي لا يمهلون ولا يؤجلون أو لا ينتظرون ليعتذروا
أو لا ينظر اليهم نظر رحمة
البقرة 163
البقرة : ( 163 ) وإلهكم إله واحد . . . . .
) إله واحد (
فرد في الإلهية لا شريك له فيها ولا يصح ان يسمى غيره إلها
و
) لا إله إلا هو (
تقرير للوحدانية بنفي غيره واثباته
) الرحمن الرحيم (
المولى لجميع النعم أصولها وفروعها ولا شيء سواه بهذه الصفة فإن كل ما سواه إما نعمة وإما منعم عليه
وقيل كان للمشركين حول الكعبة ثلثمائة وستون صنما فلما سمعوا بهذه الآية تعجبوا وقالوا إن كنت صادقا فأت بآية نعرف بها صدقك فنزلت
البقرة 164
البقرة : ( 164 ) إن في خلق . . . . .
) إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار (
واعتقابهما لأن كل واحد منهما يعقب الآخر كقوله
) جعل الليل والنهار خلفة ( الفرقان 62
) بما ينفع الناس (
بالذي ينفعهم مما يحمل فيها أو ينفع الناس
فإن قلت قوله
) وبث فيها (
عطف على انزل أم أحيا قلت الظاهر انه عطف على انزل داخل تحت حكم الصلة لأن قوله
) فأحيا به الأرض ( عطف على انزل فاتصل به وصارا جميعا كالشيء الواحد فكانه قيل وما انزل في الأرض من ماء وبث فيها من كل دابة
ويجوز عطفه على أحيا على معنى فأحيا بالمطر الأرض وبث فيها من كل دابة لأنهم ينمون بالخصب ويعيشون بالحيا
) وتصريف الرياح (
في مهابها قبولا ودبورا وجنوبا وشمالا وفي احوالها حارة وباردة وعاصفة ولينة وعقما ولواقح
وقيل تارة بالرحمة وتارة بالعذاب
) والسحاب المسخر (
سخر للرياح تقلبه في الجو بمشيئة الله يمطر حيث شاء
) لآيات لقوم يعقلون (
ينظرون بعيون عقولهم ويعتبرون لأنها دلائل على عظيم القدرة وباهر الحكمة
وعن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم

" صفحة رقم 237 "
74 ( ويل لمن قرأ هذه الآية فمج بها )
أي لم يتفكر فيها ولم يعتبر بها
وقرىء ( الفلك ) بضمتين ( وتصريف الريح ) على الافراد
ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين ءامنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذالك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار - 167
)
البقرة : ( 165 ) ومن الناس من . . . . .
أندادا (
أمثالا من الأصنام وقيل من الرؤساء الذين كانوا يتبعونهم ويطيعونهم وينزلون على أوامرهم ونواهيهم
واستدل بقوله
) إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا (
ومعنى ( يحبونهم )
يعظمونهم ويخضعون لهم تعظيم المحبوب
) كحب الله (
كتعظيم الله والخضوع له أي كما يحب الله تعالى على انه مصدر من المبني للمفعول وإنما استغنى عن ذكر من يحبه لأنه غير ملبس
وقيل كحبهم الله أي يسوون بينه وبينهم في محبتهم لأنهم كانوا يقرون بالله ويتقربون إليه
فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين
) أشد حبا لله (
لأنهم لا يعدلون عنه إلى غيره بخلاف المشركين فإنهم يعدلون عن اندادهم إلى الله عند الشدائد فيفزعون اليه ويخضعون له ويجعلونهم وسائط بينهم وبينه فيقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ويعبدون الصنم زمانا ثم يرفضونه إلى غيره أو

" صفحة رقم 238 "
يأكلونه كما اكلت باهلة إلهها من حيس عام المجاعة
) الذين ظلموا (
إشارة إلى متخذي الأنداد أي لو يعلم هؤلاء الذين ارتكبوا الظلم العظيم بشركهم ان القدرة كلها لله على كل شيء من العقاب والثواب دون اندادهم ويعلمون شدة عقابه للظالمين اذا عاينوا العذاب يوم القيامة لكان منهم ما لا يدخل تحت الوصف من الندم والحسرة ووقوع العلم بظلمهم وضلالهم فحذف الجواب كما في قوله ولو ترى إذ وقفوا الأنعام وقولهم لو رأيت فلانا والسياط تأخذه
وقرىء ( ولو ترى ) بالتاء على خطاب الرسول أو كل مخاطب أي ولو ترى ذلك لرأيت امرا عظيما
وقرىء ( إذ يرون ) على البناء للمفعول
وإذ في المستقبل كقوله
) ونادى أصحاب الجنة ( الأعراف 44
) إذ تبرأ (
بدل من
) إذ يرون العذاب (
أي تبرأ المتبوعون وهم الرؤساء من الأتباع
وقرأ مجاهد الأول على البناء للفاعل والثاني على البناء للمفعول أي تبرأ الاتباع من الرؤوساء
) ورأوا العذاب (
والواو للحال أي تبرؤا في حال رؤيتهم العذاب
) وتقطعت (
عطف على تبرأ
و
) الأسباب (
الوصل التى كانت بينهم من الاتفاق على دين واحد ومن الأنساب والمحاب والأتباع والاستتباع كقوله
) لقد تقطع بينكم ( الأنعام 94
) لو (
في معنى التمني
ولذلك أجيب بالفاء الذي يجاب به التمني كانه قيل ليت لنا كرة فنتبرأ منهم
) كذلك (
مثل ذلك الإراء الفظيع
) يريهم الله أعمالهم حسرات (
أي ندامات وحسرات ثالث مفاعيل أرى ومعناه ان اعمالهم تنقلب حسرات عليهم فلا يرون الا حسرات مكان اعمالهم
) وما هم بخارجين (
هم بمنزلته في قوله
( هم يفرشون اللبد كل طمرة )
في دلالته على قوة أمرهم فيما أسند اليهم لا على الاختصاص
ياأيها الناس كلوا مما فى الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إنما يأمركم بالسوء والفحشآء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون 168 - 169
)
البقرة : ( 168 ) يا أيها الناس . . . . .
حلالا (
مفعول كلوا أو حال مما في الأرض
) طيبات (
طاهرا من كل شبهة
) ولا تتبعوا خطوات الشيطان (
فتدخلوا في حرام أو شبهة أو تحريم حلال أو تحليل حرام و ( من ) للتبعيض لأن كل ما في الأرض ليس بماكول
وقرىء ( خطوات ) بضمتين و خطوات ) بضمة وسكون وخطؤات ) بضمتين وهمزة جعلت الضمة على الطاء كانها على الواو و خطوات ) بفتحتين و خطوات ) بفتحة وسكون والخطوة المرة

" صفحة رقم 239 "
من الخطو والخطوة ما بين قدمي الخاطي وهما كالغرفة والغرفة والقبضة والقبضة
يقال اتبع خطواته ووطىء على عقبه اذا اقتدى به واستن بسنته
) مبين (
ظاهر العداوة لا خفاء به
) إنما يأمركم (
بيان لوجوب الإنهاء عن اتباعه وظهور عداوته أي لا يأمركم بخير قط إنما يأمركم
) بالسوء (
بالقبيح
) والفحشاء (
وما يتجاوز الحد في القبح من العظائم وقيل السوء ما لا حد فيه
والفحشاء ما يجب الحد فيه
) وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون (
وهو قولكم هذا حلال وهذا حرام بغير علم
ويدخل فيه كل ما يضاف إلى الله تعالى مما لا يجوز عليه
فإن قلت كيف كان الشيطان آمرا مع قوله
) ليس لك عليهم سلطان ( الحجر 42 قلت شبه تزيينه وبعثه على الشر بأمر الآمر كما تقول أمرتني نفسي بكذا وتحته رمز إلى أنكم منه بمنزلة المأمورين لطاعتكم له وقبولكم وساوسه ولذلك قال
) ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ( النساء 119 وقال الله تعالى
) إن النفس لأمارة بالسوء ( يوسف 53 لما كان الانسان يطيعها فيعطيها ما اشتهت
وإذا قيل اتبعوا مآ أنزل الله قالوا بل نتبع مآ ألفينا عليه ءابآءنآ أولو كان ءاباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ومثل الذين كفروا كمثل الذى ينعق بما لا يسمع إلا دعآء وندآء صم بكم عمى فهم لا يعقلون " 170
البقرة : ( 170 ) وإذا قيل لهم . . . . .
" لهم
الضمير للناس وعدل بالخطاب عنهم على طريقة الالتفات للنداء على ضلالهم لأنه لا ضال أضل من المقلد كأنه يقول للعقلاء انظروا إلى هؤلاء الحمقى ماذا يقولون قيل هم المشركون وقيل هم طائفة من اليهود دعاهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الإسلام فقالوا
) بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ( لقمان 21
" أولو كان ءاباؤهم " الواو للحال والهمزة بمعنى الرد والتعجيب معناه أيتبعونهم ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا من الدين ولا يهتدون للصواب
البقرة 171
البقرة : ( 171 ) ومثل الذين كفروا . . . . .
لابد من مضاف محذوف تقديره ومثل داعي الذين كفروا
) كمثل الذي ينعق (
أو ومثل الذين كفروا كبهائم الذي ينعق
والمعنى ومثل داعيهم إلى الإيمان في انهم لا يسمعون من الدعاء الا جرس النغمة ودوي الصوت من غير القاء أذهان ولا استبصار كمثل الناعق بالبهائم التي لا تسمع الا دعاء الناعق ونداءه الذي هو تصويت بها وزجر لها ولا تفقه شيئا آخر ولا تعي كما يفهم العقلاء ويعون
ويجوز ان يراد بما لا يسمع الأصم

" صفحة رقم 240 "
الأصلخ الذي لا يسمع من كلام الرافع صوته بكلامه الا النداء والتصويت لا غير من غير فهم للحروف
وقيل معناه ومثلهم في اتباعهم آباءهم وتقليدهم كمثل البهائم التي لا تسمع الا ظاهر الصوت ولا تفهم ما تحته فكذلك هؤلاء يتبعونهم على ظاهر حالهم ولا يفقهون أهم على حق أم باطل وقيل معناه ومثلهم في دعائهم الأصنام كمثل الناعق بما لا يسمع الا ان قوله
) إلا دعاء ونداء (
لا يساعد عليه لأن الأصنام لا تسمع شيئا والنعيق التصويت يقال نعق المؤذن ونعق الراعي بالضأن قال الأخطل
فانعق بضأنك يا جرير فإنما
منتك نفسك في الخلاء ضلالا
وأما ( نفق الغراب ) فبالغين المعجمة
) صم ( هم صم وهو رفع على الذم
ياأيها الذين ءامنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون 172
البقرة : ( 172 ) يا أيها الذين . . . . .
من طيبات ما رزقناكم من مستلذاته لأن كل ما رزقه الله لا يكون الا حلالا
) واشكروا لله (
الذي رزقكموها
) إن كنتم إياه تعبدون (
إن صح أنكم تخصونه بالعبادة وتقرون انه مولى النعم
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
75 ( يقول الله تعالى إني والجن والإنس في نبا عظيم أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر غيري )
إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ومآ أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم 173
البقرة : ( 173 ) إنما حرم عليكم . . . . .
قرىء ( حرم )
على البناء للفاعل وحرم ) على البناء للمفعول و حرم ) بوزن كرم
) أهل به لغير الله (
أي رفع به الصوت للصنم وذلك قول اهل الجاهلية باسم اللات والعزى
) غير باغ (
على مضطر آخر بالاستيثار عليه
) ولا عاد (
سد الجوعة فإن قلت في الميتات ما يحل وهو السمك والجراد قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )

" صفحة رقم 241 "
76 ( أحلت لنا ميتتان ودمان )
قلت قصد ما يتفاهمه الناس ويتعارفونه في العادة
ألا ترى ان القائل اذا قال أكل فلان ميتة لم يسبق الوهم إلى السمك والجراد كما لو قال أكل دما لم يسبق إلى الكبد والطحال
ولاعتبار العادة والتعارف قالوا من حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا لم يحنث وإن أكل لحما في الحقيقة قال الله تعالى
) لتأكلوا منه لحما طريا ( النحل 14 وشبهوه بمن حلف لا يركب دابة فركب كافرا لم يحنث وإن سماه الله تعالى دابة في قوله
) إن شر الدواب عند الله الذين كفروا ( الأنفال 55 فإن قلت فما له ذكر لحم الخنزير دون شحمه قلت لأن الشحم داخل في ذكر اللحم لكونه تابعا له وصفه فيه بدليل قولهم لحم سمين يريدون أنه شحيم
إن الذين يكتمون مآ أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولائك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم أولائك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فمآ أصبرهم على النار ذالك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا فى الكتاب لفى شقاق بعيد 174 - 176
)
البقرة : ( 174 ) إن الذين يكتمون . . . . .
في بطونهم (
ملء بطونهم يقال أكل فلان في بطنه وأكل في بعض بطنه
) إلا النار (
لأنه اذا اكل ما يتلبس بالنار لكونها عقوبة عليه فكأنه اكل النار ومنه قولهم أكل فلان الدم إذا اكل الدية التي هي بدل منه قال
" أكلت دما إن لم أرعك بضرة "

" صفحة رقم 242 "
وقال
( يأكلن كل ليلة إكافا ) أراد ثمن الإكاف فسماه إكافا لتلبسه بكونه ثمنا له
) ولا يكلمهم الله (
تعريض بحرمانهم حال أهل الجنة في تكرمة الله إياهم بكلامه وتزكيتهم بالثناء عليهم
وقيل نفي الكلام عبارة عن غضبه عليهم كمن غضب على صاحبه فصرمه وقطع كلامه
وقيل لا يكلمهم بما يحبون ولكن بنحو قوله
" اخسؤا فيها ولا تكلمون " المؤمنون 108
) فما أصبرهم على النار (
تعجب من حالهم في التباسهم بموجبات النار من غير مبالاة منهم كما تقول لمن يتعرض لما يوجب غضب السلطان ما أصبرك على القيد والسجن تريد انه لا يتعرض لذلك الا من هو شديد الصبر على العذاب
وقيل فما أصبرهم فأي شيء صبرهم يقال أصبره على كذا وصبره بمعنى
وهذا أصل معنى فعل التعجب
والذي روي عن الكسائي انه قال قال لي قاضي اليمن بمكة اختصم الي رجلان من العرب فحلف أحدهما على حق صاحبه فقال له ما أصبرك على الله فمعناه ما أصبرك على عذاب الله
) ذلك بأن الله نزل (
أي ذلك العذاب بسبب ان الله نزل ما نزل من الكتب بالحق
) وإن الذين اختلفوا (
في كتب الله فقالوا في بعضها حق وفي بعضها باطل وهم أهل الكتاب
) لفي شقاق (
لفي خلاف
) بعيد (
عن الحق والكتاب للجنس أو كفرهم ذلك بسبب ان الله نزل القرآن بالحق كما يعلمون وإن الذين اختلفوا فيه من المشركين فقال بعضهم سحر وبعضهم شعر وبعضهم أساطير لفي شقاق بعيد يعني ان أولئك لو لم يختلفوا ولم يشاقوا لما جسر هؤلاء ان يكفروا
ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولاكن البر من ءامن بالله واليوم الاخر والملائكة والكتاب والنبيين وءاتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسآئلين وفي الرقاب وأقام الصلواة وءاتى الزكواة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين فى البأسآء والضراء وحين البأس أولائك الذين صدقوا وأولائك هم المتقون 17
البقرة : ( 177 ) ليس البر أن . . . . .
) البر (
اسم للخير ولكل فعل مرضي
) أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب (

" صفحة رقم 243 "
الخطاب لأهل الكتاب لآن اليهود تصلى قبل المغرب إلى بيت المقدس والنصارى قبل المشرق
وذلك انهم أكثروا الخوض في امر القبلة حين حول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الكعبة وزعم كل واحد من الفريقين ان البر التوجه إلى قبلته فرد عليهم
وقيل ليس البر فيما أنتم عليه فإنه منسوخ خارج من البر ولكن البر ما نبينه
وقيل كثر خوض المسلمين وأهل الكتاب في امر القبلة فقيل ليس البر العظيم الذي يجب ان تذهلوا بشأنه عن سائر صنوف البر أمر القبلة ولكن البر الذي يجب الاهتمام به وصرف الهمة بر من آمن وقام بهذه الأعمال
وقرىء ( وليس البر ) بالنصب على انه خبر مقدم وقرأ عبد الله ( بأن تولوا ) على إدخال الباء على الخبر للتأكيد كقولك ليس المنطلق بزيد
" ولكن البر من ءامن بالله "
على تأويل حذف المضاف أي بر من آمن أو بتأول البر بمعنى ذي البر أو كما قالت
( فإنما هي إقبال وإدبار )
وعن المبرد لو كنت ممن يقرأ القرآن لقرأت ( ولكن البر ) بفتح الباء وقرىء ( ولكن البار )
وقرأ ابن عامر ونافع ( ولكن البر ) بالتخفيف
) والكتاب (
جنس كتب الله أو القرآن
) على حبه (
مع حب المال والشح به كما قال ابن مسعود
77 ( أن تؤتيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر ولا تمهل حتى

" صفحة رقم 244 "
اذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا
وقيل على حب الله وقيل على حب الإيتاء يريد ان يعطيه وهو طيب النفس بإعطائه وقدم ذوي القربى لأنهم أحق قال عليه الصلاة والسلام
78 ( صدقتك على المسكين صدقة وعلى ذي رحمك اثنتان لأنها صدقة وصلة )
وقال عليه الصلاة والسلام
79 ( أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح )
وأطلق
) ذوي القربى واليتامى (
والمراد الفقراء منهم لعدم الإلباس والمسكين الدائم السكون إلى الناس لأنه لا شيء له كالمسكير للدائم السكر
) وابن السبيل (
المسافر المنقطع وجعل ابنا للسبيل لملازمته له كما يقال للص القاطع ابن الطريق وقيل هو الضيف لأن السبيل يرعف به
) والسائلين (
المستطعمين
قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
للسائل حق وإن جاء على ظهر فرسه )
) وفي الرقاب (
وفي معاونة

" صفحة رقم 245 "
المكاتبين حتى يفكوا رقابهم
وقيل في ابتياع الرقاب وإعتاقها وقيل في فك الأسارى
فإن قلت قد ذكر إيتاء المال في هذه الوجوه ثم قفاه بإيتاء الزكاة فهل دل ذلك على ان في المال حقا سوى الزكاة قلت يحتمل ذلك
وعن الشعبي ان في المال حقا سوى الزكاة وتلا هذه الآية
ويحتمل ان يكون ذلك بيان مصارف الزكاة أو يكون حثا على نوافل الصدقات والمبار
وفي الحديث
81 ( نسخت الزكاة كل صدقة )
يعني وجوبها
وروي
82 ( ليس في المال حق سوى الزكاة )
) والموفون (
عطف على من آمن
واخرج
) والصابرين (
منصوبا على الاختصاص والمدح وإظهارا لفضل الصبر في الشدائد ومواطن القتال على سائر الأعمال وقرىء ( والصابرون ) وقرىء ( والموفين ) ( والصابرين ) و
) البأساء (
الفقر والشدة
) والضراء (
المرض والزمانة
) صدقوا (
كانوا صادقين جادين في الدين
البقرة 178 - 179
البقرة : ( 178 - 179 ) يا أيها الذين . . . . .

" صفحة رقم 246 "
عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري وعطاء وعكرمة وهو مذهب مالك والشافعي رحمة الله عليهم ان الحر لا يقتل بالعبد والذكر لا يقتل بالأنثى أخذا بهذه الآية
ويقولون هي مفسرة لما أبهم في قوله
) النفس بالنفس ( المائدة 55 ولأن تلك واردة لحكاية ما كتب في التوراة على اهلها وهذه خوطب بها المسلمون وكتب عليهم ما فيها
وعن سعيد بن المسيب والشعبي والنخعي وقتادة والثوري وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه أنها منسوخة بقوله
) النفس بالنفس ( المائدة 55 والقصاص ثابت بين العبد والحر والذكر والأنثى ويستدلون بقوله ( صلى الله عليه وسلم )
83 ( المسلمون تتكافأ دماؤهم )
وبأن التفاضل غير معتبر في الأنفس بدليل أن جماعة لو قتلوا واحدا قتلوا به وروي
84 ( أنه كان بين حيين من احياء العرب دماء في الجاهلية وكان لأحدهما طول على الآخر فأقسموا لنقتلن الحر منكم بالعبد منا والذكر بالأنثى والاثنين بالواحد فتحاكموا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين جاء الله بالإسلام فنزلت وأمرهم ان يتباوؤا )
" فمن عفي له من أخيه شيء " معناه فمن عفى له من جهة أخيه شيء من العفو
على انه

" صفحة رقم 247 "
كقولك سير بزيد بعض السير وطائفة من السير
ولا يصح ان يكون شيء في معنى المفعول به لأن ( عفا ) لا يتعدى إلى مفعول به الا بواسطة وأخوه هو ولي المقتول وقيل له أخوه لأنه لابسه من قبل انه ولي الدم ومطالبه به كما تقول للرجل قل لصاحبك كذا لمن بينه وبينه أدنى ملابسة أو ذكره بلفظ الأخوة ليعطف أحدهما على صاحبه بذكر ما هو ثابت بينهما من الجنسية والإسلام
فإن قلت إن عفى يتعدى بعن لا باللام فما وجه قوله
) فمن عفي له (
قلت يتعدى بعن إلى الجاني والى الذنب فيقال عفوت عن فلان وعن ذنبه
قال الله تعالى
) عفا الله عنك ( التوبة 43 وقال
) عفا الله عنها ( المائدة 101 فإذا تعدى إلى الذنب والجاني معا قيل عفوت لفلان عما جنى كما تقول غفرت له ذنبه وتجاوزت له عنه وعلى هذا ما في الآية كانه قيل فمن عفى له عند جنايته فاستغني عن ذكر الجناية فإن قلت هلا فسرت عفى بترك حتى يكون شيء في معنى المفعول به قلت لأن عفا الشيء بمعنى تركه ليس يثبت ولكن اعفاه ومنه قوله عليه الصلاة والسلام
85 ( واعفوا اللحى )
فإن قلت فقد ثبت قولهم عفا أثره إذا محاه وازاله فهلا جعلت معناه فمن محى له من أخيه شيء قلت عبارة قلقة في مكانها والعفو في باب الجنايات عبارة متداولة مشهورة في الكتاب والسنة واستعمال الناس فلا يعدل عنها إلى أخرى قلقة نابية عن مكانها وترى كثيرا ممن يتعاطى هذا العلم يجترىء إذا أعضل

" صفحة رقم 248 "
عليه تخريج وجه للمشكل من كلام الله على اختراع لغة وادعاء على العرب ما لا تعرفه وهذه جرأة يستعاذ بالله منها
فإن قلت لم قيل شيء من العفو قلت للإشعار بأنه إذا عفى له طرف من العفو وبعض منه بان يعفى عن بعض الدم
أو عفا عنه بعض الورثة تم العفو وسقط القصاص ولم تجب الا الدية
) فاتباع بالمعروف (
فليكن اتباع أو فالأمر اتباع
وهذه توصية للمعفو عنه والعافي جميعا
يعني فليتبع الولي القاتل بالمعروف بان لا يعنف به ولا يطالبه الا مطالبة جميلة
وليؤد إليه القاتل بدل الدم أداء بأحسان بان لا يمطله ولا يبخسه
) ذلك (
الحكم المذكور من العفو والدية
) تخفيف من ربكم ورحمة (
"
لأن اهل التوراة كتب عليهم القصاص البتة وحرم العفو وأخذ الدية وعلى أهل الإنجيل العفو وحرم القصاص والدية
وخيرت هذه الأمة بين الثلاث القصاص والدية والعفو توسعة عليهم وتيسيرا
" فمن اعتدى بعد ذلك "
التخفيف فتجاوز ما شرع له من قتل غير القاتل أو القتل بعد اخذ الدية
فقد كان الولي في الجاهلية يؤمن القاتل بقبوله الدية ثم يظفر به فيقتله
" فله عذاب أليم "
نوع من العذاب شديد الألم في الآخرة
وعن قتادة العذاب الأليم أن يقتل لا محالة ولا يقبل منه دية لقوله عليه الصلاة والسلام
86 ( لا أعافي احدا قتل بعد أخذه الدية )
" ولكم في القصاص حياة "
كلام فصيح لما فيه من الغرابة وهو ان القصاص قتل وتفويت للحياة وقد جعل مكانا وظرفا للحياة ومن إصابة محز البلاغة بتعريف القصاص وتنكير الحياة لأن المعنى ولكم في هذا الجنس من الحكم الذي هو القصاص حياة عظيمة وذلك انهم كانوا يقتلون بالواحد الجماعة وكم قتل مهلهل بأخيه كليب حتى كاد يفني بكر بن وائل وكان يقتل بالمقتول غير قاتله فتثور الفتنة ويقع بينهم التناحر فلما جاء الإسلام بشرع

" صفحة رقم 249 "
القصاص كانت فيه حياة أي حياة أو نوع من الحياة وهي الحياة الحاصلة بالارتداع عن القتل لوقوع العلم بالاقتصاص من القاتل لأنه إذا هم بالقتل فعلم انه يقتص منه فارتدع سلم صاحبه من القتل وسلم هو من القود فكان القصاص سبب حياة نفسين
وقرأ أبو الجوزاء ( ولكم في القصاص حياة ) أي فيما قص عليكم من حكم القتل القصاص وقيل القصص القرآن أي ( ولكم في القرآن حياة للقلوب ) كقوله تعالى
) روحا من أمرنا ( الشورى ويحى من حي عن بينة " الأنفال 42
" لعلكم تتقون "
أي أريتكم ما في القصاص من استبقاء الأرواح وحفظ النفوس
" لعلكم تتقون "
تعملون عمل اهل التقوى في المحافظة على القصاص والحكم به
وهو خطاب له فضل اختصاص بالأئمة
كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين فمن بدله بعدما سمعه فإنمآ إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم 180 - 182
البقرة : ( 180 - 182 ) كتب عليكم إذا . . . . .
" إذا حضر أحدكم الموت "
إذا دنا منه وظهرت أماراته
" خير "
مالا كثيرا
عن عائشة رضي الله عنها ان رجلا أراد الوصية وله عيال وأربعمائة دينار فقالت ما أرى فيه فضلا
وأراد آخر ان يوصي فسألته كم مالك فقال ثلاثة آلاف
قالت كم عيالك قال أربعة قالت إنما قال الله
" إن ترك خيرا "
وإن هذا الشيء يسير فاتركه لعيالك
وعن علي رضي الله عنه ان مولى له أراد ان يوصي وله سبعمائة فمنعه
وقال قال الله تعالى
" إن ترك خيرا "
والخير هو المال وليس لك مال والوصية فاعل كتب وذكر فعلها للفاصل ولأنها بمعنى ان يوصى ولذلك ذكر الراجع في قوله
" فمن بدله بعدما سمعه "
والوصية للوارث كانت في بدء الإسلام فنسخت بآية المواريث وبقوله عليه الصلاة والسلام
87 ( إن الله أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث )
وبتلقي الأمة إياه

" صفحة رقم 250 "
بالقبول حتى لحق بالمتواتر وإن كان من الآحاد لأنهم لا يتلقون بالقبول الا الثبت الذي صحت روايته
وقيل لم تنسخ والوارث يجمع له بين الوصية والميراث بحكم الآيتين
وقيل ما هي بمخالفة لآية المواريث ومعناها كتب عليكم ما اوصى به الله من توريث الوالدين والأقربين من قوله تعالى
) يوصيكم الله في أولادكم ( النساء 11 أو كتب على المحتضر ان يوصي للوالدين والأقربين بتوفير ما اوصى به الله لهم عليهم وان لا ينقص من انصبائهم
) بالمعروف (
بالعدل وهو ان لا يوصي للغني ويدع الفقير ولا يتجاوز الثلث
) حقا (
مصدر مؤكد أي حق ذلك حقا
) فمن بدله (
فمن غير الايصاء عن وجهه إن كان موافقا للشرع من الأوصياء والشهود
" بعدما سمعه "
وتحققه
) فإنما إثمه على الذين يبدلونه (
فما إثم الإيصاء المغير أو التبديل الا على مبدليه دون غيرهم من الموصي والموصى له لأنهما بريان من الحيف
) إن الله سميع عليم (
وعيد للمبدل
) فمن خاف (
فمن توقع وعلم وهذا في كلامهم شائع يقولون اخاف ان ترسل السماء يريدون التوقع والظن الغالب الجارى مجرى العلم
) جنفا (
ميلا عن الحق بالخطأ في الوصية
) أو إثما (
أو تعمدا للحيف
) فأصلح بينهم (
بين الموصى لهم وهم الوالدان والأقربون بإجرائهم على طريق الشرع
) فلا إثم عليه (
حينئذ لأن تبديله تبديل باطل إلى حق ذكر من يبدل بالباطل ثم من يبدل بالحق ليعلم ان كل تبديل لا يؤثم
البقرة 183 - 184
البقرة : ( 183 - 184 ) يا أيها الذين . . . . .
) كما كتب على الذين من قبلكم (
على الأنبياء والأمم من لدن آدم إلى عهدكم
قال علي رضي الله عنه أولهم آدم يعني ان الصوم عبادة قديمة أصلية ما اخلى الله امة من افتراضها عليهم لم يفرضها عليكم وحدكم
) لعلكم تتقون (
بالمحافظة عليها وتعظيمها لأصالتها وقدمها أو لعلكم تتقون المعاصي لأن الصائم أظلف لنفسه

" صفحة رقم 251 "
وأردع لها من مواقعة السوء
قال عليه الصلاة والسلام
88 ( فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء )
أو لعلكم تنتظمون في زمرة المتقين لأن الصوم شعارهم
وقيل معناه انه كصومهم في عدد الأيام وهو شهر رمضان كتب على اهل الإنجيل فأصابهم موتان فزادوا عشرا قبله وعشرا بعده
فجعلوه خمسين يوما
وقيل كان وقوعه في البرد الشديد والحر الشديد فشق عليهم في أسفارهم ومعايشهم فجعلوه بين الشتاء والربيع وزادوا عشرين يوما كفارة لتحويله عن وقته
وقيل الأيام المعدودات عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر
كتب على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) صيامها حين هاجر
ثم نسخت بشهر رمضان وقيل كتب عليكم كما كتب عليهم ان يتقوا المفطر بعد ان يصلوا العشاء وبعد ان يناموا ثم نسخ ذلك بقوله
) أحل لكم ليلة الصيام ( الآية البقرة 87
ومعنى
) معدودات (
موقتات بعدد معلوم أو قلائل كقوله
) دراهم معدودة ( يوسف 20 وأصله ان المال القليل يقدر بالعدد ويتحكر فيه
والكثير يهال هيلا ويحثى حثيا
وانتصاب ( أياما ) بالصيام كقولك نويت الخروج يوم الجمعة
) أو على سفر (
أو راكب سفر
) فعدة (
فعليه عدة
وقرىء بالنصب بمعنى فليصم عدة وهذا على سبيل الرخصة وقيل مكتوب عليهما ان يفطرا ويصوما عدة
) من أيام أخر (
واختلف في المرض المبيح للإفطار فمن قائل كل مرض لأن الله تعالى لم يخص مرضا دون مرض كما لم يخص سفرا دون سفر فكما ان لكل مسافر ان يفطر فكذلك كل مريض
وعن ابن سيرين انه دخل عليه في رمضان وهو يأكل فاعتل بوجع أصبعه
وسئل مالك عن الرجل يصيبه الرمد الشديد أو الصداع المضر وليس به مرض يضجعه فقال إنه في سعة من الإفطار
وقائل هو المرض الذي يعسر معه الصوم ويزيد فيه لقوله تعالى
) يريد الله بكم اليسر (
وعن الشافعي لا يفطر حتى يجهده الجهد غير المحتمل
واختلف أيضا في القضاء فعامة العلماء على التخيير
وعن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه ( إن الله لم يرخص لكم في فطره وهو يريد ان يشق عليكم في قضائه إن شئت فواتر وإن شئت ففرق ) وعن علي وابن عمر والشعبي

" صفحة رقم 252 "
وغيرهم انه يقضي كما فات متتابعا
وفي قراءة أبي ( فعدة من أيام أخر متتابعات ) فإن قلت فكيف قيل
) فعدة (
على التنكير ولم يقل فعدتها أي فعدة الأيام المعدودات قلت لما قيل فعدة والعدة بمعنى المعدود فأمر بأن يصوم أياما معدودة مكانها علم انه لا يؤثر عدد على عددها فأغنى ذلك عن التعريف بالإضافة
) وعلى الذين يطيقونه (
وعلى المطيقين للصيام الذين لا عذر بهم إن أفطروا
) فدية طعام مسكين (
نصف صاع من بر أو صاع من غيره عند اهل العراق وعند اهل الحجاز مد وكان ذلك في بدء الاسلام فرض عليهم الصوم ولم يتعودوه فاشتد عليهم فرخص لهم في الإفطار والفدية
وقرأ ابن عباس ( يطوقونه تفعيل من الطوق إما بمعنى الطاقة أو القلادة أي يكلفونه أو يقلدونه ويقال لهم صوموا وعنه يتطوقونه بمعنى يتكلفونه أو يتقلدونه ويطوقونه بإدغام التاء في الطاء ويطيقونه ) ( ويطيقونه ) بمعنى يتطوقونه وأصلهما يطيوقونه ويتطيوقونه على انهما من فيعل وتفعيل من الطوق فأدغمت الياء في الواو بعد قلبها ياء كقولهم تدير المكان وما بها ديار
وفيه وجهان احدهما نحو معنى يطيقونه
والثاني يكلفونه أو يتكلفونه على جهد منهم وعسر وهم الشيوخ والعجائز وحكم هؤلاء الإفطار والفدية
وهو على هذا الوجه ثابت غير منسوخ
ويجوز ان يكون هذا معنى يطيقونه أي يصومونه جهدهم وطاقتهم ومبلغ وسعهم
) فمن تطوع خيرا (
فزاد على مقدار الفدية
) فهو خير له (
فالتطوع أخير له أو الخير
وقرىء ( فمن يطوع )
بمعنى يتطوع
) وأن تصوموا (
أيها المطيقون أو المطوقون وحملتم على انفسكم وجهدتم طاقتكم
) خير لكم (
من الفدية وتطوع الخير ويجوز ان ينتظم في الخطاب المريض والمسافر أيضا وفي قراءة أبي ( والصيام خير لكم )
شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون 185
البقرة : ( 185 ) شهر رمضان الذي . . . . .
الرمضان مصدر رمض اذا احترق من الرمضاء فأضيف اليه الشهر وجعل علما ومنع الصرف للتعريف والألف والنون كما قيل ( ابن داية ) للغراب بإضافة الابن إلى دأية البعير لكثرة وقوعه عليها اذا دبرت
فإن قلت لم سمي
) شهر رمضان (
قلت الصوم فيه عبادة قديمة فكأنهم سموه بذلك لارتماضهم فيه من حر الجوع ومقاساة شدته كما سموه ناتقا لأنه كان ينتقهم أي يزعجهم إضجارا بشدته عليهم
وقيل لما

" صفحة رقم 253 "
نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التى وقعت فيها فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر
فإن قلت فإذا كانت التسمية واقعة مع المضاف والمضاف اليه جميعا فما وجه ما جاء في الأحاديث من نحو قوله عليه الصلاة والسلام
89 ( من صام رمضان ايمانا واحتسابا )
90 ( من أدرك رمضان فلم يغفر له )
قلت هو من باب الحذف لأمن الالباس كما قال
( بما أعيا النطاسي حذيما )
أراد ابن حذيم وارتفاعه على انه مبتدأ خبره
" " الذي أنزل فيه القرآن "
أو على أنه بدل من الصيام في قوله
" كتب عليكم الصيام " البقرة 183 أو على انه خبر مبتدأ محذوف
وقرىء بالنصب على صوموا شهر رمضان أو على الابدال من
" أياما معدودات "
أو على أنه مفعول
" وأن تصوموا " البقرة 184
ومعنى
" أنزل فيه القرآن "
ابتدىء فيه إنزاله
وكان ذلك في ليلة القدر وقيل أنزل جملة إلى سماء الدنيا ثم نزل إلى الأرض نجوما
وقيل انزل في شأنه القرآن وهو قوله
" كتب عليكم الصيام "
كما تقول أنزل في عمر كذا وفي علي كذا
وعن النبي عليه الصلاة والسلام
91 ( نزلت صحف إبراهيم اول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين

" صفحة رقم 254 "
والإنجيل لثلاث عشرة والقرآن لأربع وعشرين مضين )
) هدى للناس وبينات (
نصب على الحال أي انزل وهو هداية للناس إلى الحق وهو آيات واضحات مكشوفات مما يهدي إلى الحق ويفرق بين الحق والباطل
فإن قلت ما معنى قوله
) وبينات من الهدى ( بعد قوله
) هدى للناس (
قلت ذكر أولا انه هدى ثم ذكر أنه بينات من جملة ما هدى به الله وفرق به بين الحق والباطل من وحيه وكتبه السماوية الهادية الفارقة بين الهدى والضلال
) فمن شهد منكم الشهر فليصمه (
فمن كان شاهدا أي حاضرا مقيما غير مسافر في الشهر فليصم فيه ولا يفطر
والشهر منصوب على الظرف وكذلك الهاء في
) فليصمه (
ولا يكون مفعولا به كقولك شهدت الجمعة لأن المقيم والمسافر كلاهما شاهدان للشهر
) يريد الله ( أن ييسر عليكم ولا يعسر وقد نفي عنكم الحرج في الدين وأمركم بالحنيفية السمحة التى لا إصر فيها ومن جملة ذلك ما رخص لكم فيه من إباحة الفطر في السفر والمرض
ومن الناس من فرض الفطر على المريض والمسافر حتى زعم ان من صام منهما فعليه الاعادة
وقرىء ( اليسر والعسر ) بضمتين
الفعل المعلل محذوف مدلول عليه بما سبق تقديره
) ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون (
شرع ذلك يعني جملة ما ذكر من امر الشاهد بصوم الشهر وامر المرخص له بمراعاة عدة ما أفطر فيه ومن الترخيص في إباحة الفطر فقوله
" لتكلموا "
علة الأمر بمراعاة العدة
) ولتكبروا (
علة ما علم من كيفية القضاء والخروج عن عهدة الفطر
) ولعلكم تشكرون (
علة الترخيص والتيسير وهذا نوع من اللف لطيف المسلك لا يكاد يهتدي الي تبينه الا النقاب المحدث من علماء البيان
وإنما عدى فعل التكبير بحرف الاستعلاء لكونه مضمنا معنى الحمد كانه قيل ولتكبروا الله حامدين على ما هداكم
ومعنى
) ولعلكم تشكرون (
وإرادة ان تشكروا وقرىء
ولتكملوا ) بالتشديد فإن قلت هل يصح ان يكون ( ولتكملوا ) معطوفا على علة مقدرة كانه قيل لتعلموا ما تعملون ولتكملوا العدة أو على اليسر كأنه قيل يريد الله بكم اليسر ويريد بكم لتكملوا كقوله
) يريدون ليطفئوا ( الصف 8 قلت لا يبعد ذلك والأول اوجه
فإن قلت ما المراد بالتكبير قلت تعظيم الله والثناء عليه

" صفحة رقم 255 "
وقيل هو تكبير يوم الفطر وقيل هو التكبير عند الإهلال
وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى لعلهم يرشدون 186
البقرة : ( 186 ) وإذا سألك عبادي . . . . .
) فإني قريب (
تمثيل لحاله في سهولة إجابته لمن دعاه وسرعة إنجاحه حاجة من سأله بحال من قرب مكانه فإذا دعى أسرعت تلبيته ونحوه
) ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ( ق 16 وقوله عليه الصلاة والسلام
92 ( هو بينكم وبين اعناق رواحلكم )
وروي
93 أن أعربيا قال لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه
فنزلت
) فليستجيبوا لي (
اذا دعوتهم للإيمان والطاعة كما اني اجيبهم اذا دعوني لحوائجهم
وقرىء ( يرشدون ويرشدون ) بفتح الشين وكسرها
أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسآئكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى اليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذالك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون البقرة 18
البقرة : ( 187 ) أحل لكم ليلة . . . . .
9 4 33 0000000000000000000000000000000
أخرجه الطبري 2951 عن ابن عباس بإسناد ضعيف لضعف عطية بن سعد العوفي ومن دونه

" صفحة رقم 256 "
كان الرجل اذا امسى حل له الأكل والشرب والجماع إلى ان يصلي العشاء الآخرة أو يرقد فإذا صلاها أو رقد ولم يفطر حرم عليه الطعام والشراب والنساء إلى القابلة ثم إن عمر رضي الله عنه واقع أهله بعد صلاة العشاء الآخرة فلما اغتسل أخذ يبكي ويلوم نفسه فأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقال يا رسول الله إني اعتذر إلى الله وإليك من نفسي هذه الخاطئة وأخبره بما فعل فقال عليه الصلاة والسلام ( ما كنت جديرا بذلك يا عمر ) فقام رجال فاعترفوا بما كانوا صنعوا بعد العشاء فنزلت
وقرىء ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث ) أي أحل الله وقرا عبد الله ( الرفوث ) وهو الإفصاح بما يجب ان يكنى عنه كلفظ النيك وقد أرفث الرجل وعن ابن عباس رضي الله عنها انه انشد وهو محرم
( وهن يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا )
فقيل له أرفثت فقال إنما الرفث ما كان عند النساء
وقال الله تعالى
) فلا رفث ولا فسوق (
فكنى به عن الجماع لأنه لا يكاد يخلو من شيء من ذلك
فإن قلت لم كنى عنه ههنا بلفظ الرفث الدال على معنى القبح بخلاف قوله
) وقد أفضى بعضكم إلى بعض ( النساء 21
) فلما تغشاها ( الأعراف 189
) باشروهن (

" صفحة رقم 257 "
) أو لامستم النساء ( النساء 43
) دخلتم بهن ( النساء 23
) فأتوا حرثكم ( البقرة 223
) من قبل أن تمسوهن ( البقرة 237
) فما استمتعتم به منهن ( النساء 24
) ولا تقربوهن ( البقرة 222 قلت استهجانا لما وجد منهم قبل الإباحة كما سماه اختيانا لأنفسهم
فإن قلت لم عدى الرفث بإلى قلت لتضمينه معنى الإفضاء
لما كان الرجل والمرأة يعتنقان ويشتمل كل واحد منهما على صاحبه في عناقه شبه باللباس المشتمل عليه قال الجعدي
إذا ما الضجيع ثنى عطفها
تثنت فكانت عليه لباسا
فإن قلت ما موقع قوله
) هن لباس لكم (
قلت هو استئناف كالبيان لسبب الاحلال وهو أنه إذا كانت بينكم وبينهن مثل هذه المخالطة والملابسة قل صبركم عنهن وصعب عليكم اجتنابهن فلذلك رخص لكم في مباشرتهن
) تختانون أنفسكم (
تظلمونها وتنقصونها حظها من الخير
والاختيان من الخيانة كالاكتساب من الكسب فيه زيادة وشدة
) فتاب عليكم (
حين تبتم مما ارتكبتم من المحظور
) وابتغوا ما كتب الله لكم (
واطلبوا ما قسم الله لكم وأثبت في اللوح من الولد بالمباشرة أي لا تباشروا لقضاء الشهوة وحدها ولكن لابتغاء ما وضع الله له النكاح من التناسل
وقيل هو نهى عن العزل لأنه في الحرائر
وقيل وابتغوا المحل الذي كتبه الله لكم وحلله دون ما لم يكتب لكم من المحل المحرم وعن قتادة وابتغوا ما كتب الله لكم من الإباحة بعد الحظر وقرأ ابن عباس ( واتبعوا ) وقرأ الأعمش ( وأتوا ) وقيل معناه واطلبوا ليلة القدر وما كتب الله لكم من الثواب إن أصبتموها وقمتموها وهو قريب من بدع التفاسير
) الخيط الأبيض (
هو اول من يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود و
) الخيط الأسود (
ما يمتد معه من غبش الليل شبها بخيطين أبيض وأسود قال أبو دؤاد
( فلما أضاءت لنا سدفة ولاح من الصبح خيط أنارا )
وقوله
( من الفجر )
بيان للخيط الأبيض واكتفى به عن بيان الخيط الأسود
لأن بيان احدهما بيان للثاني ويجوز ان تكون ( من ) للتبعيض لأنه بعض الفجر وأوله
فإن قلت أهذا من باب الاستعارة أم من باب التشبيه قلت قوله
) من الفجر (
أخرجه من

" صفحة رقم 258 "
باب الاستعارة كما ان قولك رأيت أسدا مجاز
فإذا زدت ( من فلان ) رجع تشبيها
فإن قلت فلم زيد
) من الفجر (
حتى كان تشبيها وهلا اقتصر به على الاستعارة التي هي أبلغ من التشبيه وادخل في الفصاحة قلت لأن من شرط المستعار ان يدل عليه الحال أو الكلام ولو لم يذكر
) من الفجر (
لم يعلم ان الخيطين مستعاران فزيد
) من الفجر (
فكان تشبيها بليغا وخرج من ان يكون استعارة
فإن قلت فكيف التبس على عدي بن حاتم مع هذا البيان حتى قال
95 عمدت إلى عقالين أبيض وأسود فجعلتهما تحت وسادتي فكنت أقوم من الليل فأنظر اليهما فلا يتبين لي الأبيض من الأسود فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبرته فضحك وقال ( إن كان وسادك لعريضا )
وروي ( إنك لعريض القفا إنما ذاك بياض النهار وسواد الليل ) قلت غفل عن البيان ولذلك عرض رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قفاه لأنه مما يستدل به على بلاهة الرجل وقلة فطنته
وانشدتني بعض البدويات لبدوي
( عريض القفا ميزانه في شماله قد انحص من حسب القراريط شاربه )
فإن قلت فما تقول فيما روى عن سهل بن سعد الساعدي
96 أنها نزلت ولم ينزل
) من الفجر ( فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط احدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبينا له فنزل بعد ذلك
) من الفجر ( فعلموا انه إنما يعني بذلك الليل والنهار
وكيف جاز تاخير البيان وهو يشبه العبث حيث لا يفهم منه المراد إذ ليس باستعارة لفقد الدلالة ولا بتشبيه قبل ذكر الفجر فلا يفهم منه إذن الا الحقيقة وهي غير مرادة قلت أما من لم يجوز تأخير البيان وهم اكثر الفقهاء والمتكلمين وهو مذهب أبي علي وأبي هاشم فلم يصح

" صفحة رقم 259 "
عندهم هذا الحديث
وأما من يجوزه فيقول ليس بعبث
لأن المخاطب يستفيد منه وجوب الخطاب ويعزم على فعله اذا استوضح المراد منه
" ثم أتموا الصيام إلى اليل "
قالوا فيه دليل على جواز النية بالنهار في صوم رمضان وعلى جواز تأخير الغسل إلى الفجر وعلى نفي صوم الوصال
) عاكفون في المساجد (
معتكفون فيها
والاعتكاف ان يحبس نفسه في المسجد يتعبد فيه
والمراد بالمباشرة الجماع لما تقدم من قوله
) أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم (
" فألئن باشروهن "
وقيل معناه ولا تلامسوهن بشهوة والجماع يفسد الاعتكاف وكذلك اذا لمس أو قبل فأنزل
وعن قتادة كان الرجل اذا اعتكف خرج فباشر امرأته ثم رجع إلى المسجد فنهاهم الله عن ذلك
وقالوا فيه دليل على ان الإعتكاف لا يكون الا في مسجد وانه لا يختص به مسجد دون مسجد
وقيل لا يجوز الا في مسجد نبي وهو أحد المساجد الثلاثة وقيل في مسجد جامع والعامة على انه في مسجد جماعة
وقرأ مجاهد ( في المسجد )
) تلك (
الأحكام التي ذكرت
) حدود الله فلا تقربوها (
فلا تغشوها
فإن قلت كيف قيل
) فلا تقربوها ( مع قوله
) فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله ( البقرة 29 قلت من كان في طاعة الله والعمل بشرائعه فهو متصرف في حيز الحق فنهى ان يتعداه لأن من تعداه وقع في حيز الباطل ثم بولغ في ذلك فنهى ان يقرب الحد الذي هو الحاجز بين حيزي الحق والباطل لئلا يداني الباطل وأن يكون في الواسطة متباعدا عن الطرف فضلا عن ان يتخطاه كما قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )

" صفحة رقم 260 "
97 ( إن لكل ملك حمى وحمى الله محارمه فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه )
فالرتع حول الحمى وقربان حيزه واحد
ويجوز ان يريد بحدود الله محارمه ومناهيه خصوصا لقوله
) ولا تباشروهن (
وهي حدود لا تقرب ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بهآ إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون 188
البقرة : ( 188 ) ولا تأكلوا أموالكم . . . . .
ولا يأكل بعضكم مال بعض
) بالباطل (
بالوجه الذي لم يبحه الله ولم يشرعه ( و ) لا
) تدلوا بها (
ولا تلقوا امرها والحكومة فيها إلى الحكام
) لتأكلوا (
بالتحاكم
) فريقا (
طائفة
) من أموال الناس بالإثم (
بشهادة الزور أو باليمين الكاذبة أو بالصلح مع العلم بأن المقضي له ظالم
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال للخصمين
98 ( إنما أنا بشر وأنتم تختصمون الي ولعل بعضكم الحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما اسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق اخيه فلا يأخذن منه شيئا فإنما أقضي له قطعة من نار )
فبكيا وقال كل واحد منهما حقي لصاحبي فقال ( اذهبافتوخيا ثم استهما ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه ) وقيل
) وتدلوا بها (
وتلقوا بعضها إلى حكام السوء على وجه الرشوة
وتدلوا مجزوم داخل في حكم النهي أو منصوب بإضمار ان كقوله
) وتكتموا الحق ( البقرة 42
) وأنتم تعلمون (
أنكم على الباطل وارتكاب المعصية مع العلم بقبحها أقبح وصاحبه أحق بالتوبيخ
البقرة 189
البقرة : ( 189 ) يسألونك عن الأهلة . . . . .

" صفحة رقم 261 "
99 وروي ان معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم الأنصاري قالا يا رسول الله ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخيط ثم يزيد حتى يمتلىء ويستوي ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدا لا يكون على حالة واحدة فنزلت
) مواقيت (
معالم يوقت بها الناس مزارعهم ومتاجرهم ومحال ديونهم وصومهم وفطرهم وعدد نسائهم وأيام حيضهن ومدد حملهن وغير ذلك ومعالم للحج يعرف بها وقته
كان ناس من الأنصار اذا احرموا لم يدخل أحد منهم حائطا ولا دارا ولا فسطاطا من باب فإذا كان من اهل المدر نقب نقبا في ظهر بيته منه يدخل ويخرج أو يتخذ سلما يصعد فيه وإن كان من اهل الوبر خرج من خلف الخباء فقيل لهم
) وليس البر (
بتحرجكم من دخول الباب
) ولكن البر (
بر
) من اتقى (
ما حرم الله
فإن قلت ما وجه اتصاله بما قبله قلت كانه قيل لهم عند سؤالهم عن الأهلة وعن الحكمة في نقصانها وتمامها معلوم أن كل ما يفعله الله عز وجل لا يكون الا حكمة بالغة ومصلحة لعباده فدعوا السؤال عنه وانظروا في واحدة تفعلونها أنتم مما ليس من البر في شيء وأنتم تحسبونها برا
ويجوز ان يجري ذلك على طريق الاستطراد لما ذكر انها مواقيت للحج لأنه كان من أفعالهم في الحج
ويحتمل ان يكون هذا تمثيلا لتعكيسهم في سؤالهم وان مثلهم فيه كمثل من يترك باب البيت ويدخله من ظهره
والمعنى ليس البر وما ينبغي ان تكونوا عليه بان تعكسوا في مسائلكم ولكن البر بر من اتقى ذلك وتجنبه ولم يجسر على مثله
ثم قال
) وأتوا البيوت من أبوابها (

" صفحة رقم 262 "
أي وباشروا الأمور من وجوهها التى يجب ان تباشر عليها ولا تعكسوا
والمراد وجوب توطين النفوس وربط القلوب على ان جميع أفعال الله حكمة وصواب من غير اختلاج شبهة ولا اعتراض شك في ذلك حتى لا يسأل عنه لما في السؤال من الاتهام بمقارفة الشك
) لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ( الأنبياء 21
البقرة 190 - 193
البقرة : ( 190 ) وقاتلوا في سبيل . . . . .
المقاتلة في سبيل الله هو الجهاد لاعلاء كلمة الله وإعزاز الدين
) الذين يقاتلونكم (
الذين يناجزونكم القتال دون المحاجزين وعلى هذا يكون منسوخا بقوله
) وقاتلوا المشركين كافة ( التوبة 36
وعن الربيع بن انس رضي الله عنه هي اول آية نزلت في القتال بالمدينة فكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقاتل من قاتل ويكف عمن كف
أو الذين يناصبونكم القتال دون من ليس من اهل المناصبة من الشيوخ والصبيان والرهبان والنساء
أو الكفرة كلهم لأنهم جميعا مضادون للمسلمين قاصدون لمقاتلتهم فهم في حكم المقاتلة قاتلوا أو لم يقاتلوا
وقيل لما صد المشركون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عليه وعلى آله وسلم عام الحديبية وصالحوه على ان يرجع من قابل فيخلوا له مكة ثلاثة أيام فرجع لعمرة القضاء خاف المسلمون ان لا يفي لهم قريش ويصدوهم ويقاتلوهم في الحرم وفي الشهر الحرام وكرهوا ذلك نزلت وأطلق لهم قتال الذين يقاتلونهم منهم في الحرم والشهر الحرام ورفع عنهم الجناح في ذلك
) ولا تعتدوا (
بابتداء القتال أو بقتال من نهيتم عن قتاله من النساء والشيوخ والصبيان والذين بينكم وبينهم عهد أو بالمثلة أو بالمفاجأة من غير دعوة
) حيث ثقفتموهم (
حيث وجدتموهم في حل أو حرم
والثقف وجود على وجه الأخذ والغلبة ومنه رجل ثقف سريع الآخذ لأقرانه
قال
( فإما تثقفوني فاقتلوني فمن أثقف فليس إلى خلود )
) من حيث أخرجوكم (
أي من مكة وقد فعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بمن لم يسلم منهم يوم الفتح
) والفتنة أشد من القتل (
أي المحنة والبلاء الذي ينزل بالإنسان يتعذب به أشد عليه

" صفحة رقم 263 "
من القتل وقيل لبعض الحكماء ما أشد من الموت قال الذي يتمنى فيه الموت جعل الإخراج من الوطن من الفتن والمحن التي يتمنى عندها الموت
ومنه قول القائل
لقتل بحد السيف اهون موقعا
على النفس من قتل بحد فراق
وقيل
) الفتنة (
عذاب الاخرة
" وذوقوا فتنتكم " الذاريات 13 وقيل الشرك أعظم من القتل في الحرم وذلك انهم كانوا يستعظمون القتل في الحرم ويعيبون به المسلمين فقيل والشرك الذي هم عليه أشد وأعظم مما يستعظمونه
ويجوز ان يراد وفتنتهم إياكم بصدكم عن المسجد الحرام أشد من قتلكم اياهم في الحرم أو من قتلهم إياكم ان قتلوكم فلا تبالوا بقتالهم
وقرىء ( ولا تقتلوهم حتى يقتلوكم فإن قتلوكم ) جعل وقوع القتل في بعضهم كوقوعه فيهم
يقال قتلتنا بنو فلان وقال فإن تقتلونا نقتلكم
) فإن انتهوا (
عن الشرك والقتال كقوله
) إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ( الأنفال 38
) حتى لا تكون فتنة (
أي شرك
) ويكون الدين لله (
خالصا ليس للشيطان فيه نصيب
) فإن انتهوا (
عن الشرك
) فلا عدوان إلا على الظالمين (
فلا تعدوا على المنتهين لأن مقاتلة المنتهين عدوان وظلم فوضع قوله
) إلا على الظالمين (
موضع على المنتهين
أو فلا تظلموا الا الظالمين غير المنتهين سمي جزاء الظالمين ظلما للمشاكلة كقوله تعالى
) فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه (
أو أريد انكم ان تعرضتم لهم بعد الانتهاء كنتم ظالمين فيسلط عليكم من يعدو عليكم
الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين 194
البقرة : ( 194 ) الشهر الحرام بالشهر . . . . .
قاتلهم المشركون عام الحديبية في الشهر الحرام وهو ذو القعدة فقيل لهم عند خروجهم لعمرة القضاء وكراهتهم القتال وذلك في ذي القعدة
) الشهر الحرام بالشهر الحرام (
أي هذا الشهر بذلك الشهر وهتكه بهتكه يعني تهتكون حرمته عليهم كما هتكوا حرمته عليكم
) والحرمات قصاص (
أي وكل حرمة يجري فيها القصاص من هتك حرمة أي حرمة كانت اقتص منه بان تهتك له حرمة فحين هتكوا حرمة شهركم فافعلوا بهم نحو ذلك ولا تبالوا واكد ذلك بقوله
) فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله (
في حال كونكم منتصرين ممن اعتدى عليكم فلا تعتدوا إلى ما لا يحل لكم

" صفحة رقم 264 "
وأنفقوا فى سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين 195
البقرة : ( 195 ) وأنفقوا في سبيل . . . . .
الباء في
) بأيديكم (
مزيدة مثلها في اعطى بيده للمنقاد والمعنى ولا تقبضوا التهلكة بأيديكم أي لا تجعلوها آخذة بأيديكم مالكة لكم
وقيل
) بأيديكم ( بانفسكم وقيل تقديره ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم كما يقال اهلك فلان نفسه بيده إذا تسبب لهلاكها والمعنى النهي عن ترك الإنفاق في سبيل الله لأنه سبب الهلاك أو عن الإسراف في النفقة حتى يفقر نفسه ويضيع عياله
أو عن الاستقتال والإخطار بالنفس أو عن ترك الغزو الذي هو تقوية للعدو
وروي
100 ان رجلا من المهاجرين حمل على صف العدو فصاح به الناس ألقى بيده إلى التهلكة فقال أبو أيوب الأنصاري نحن أعلم بهذه الآية وإنما أنزلت فينا صحبنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنصرناه وشهدنا معه المشاهد وآثرناه على أهالينا واموالنا واولادنا فلما فشا الإسلام وكثر اهله ووضعت الحرب أوزارها رجعنا إلى أهالينا واولادنا واموالنا نصلحها ونقيم فيها
فكانت التهلكة الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد
وحكى أبو علي في ( الحلبيات ) عن أبي عبيدة التهلكة والهلاك والهلك واحد
قال فدل هذا من قول أبي عبيدة على أن التهلكة مصدر ومثله ما حكاه سيبويه من قولهم التضرة والتسرة ونحوها في الأعيان التنضبة والتنفلة
ويجوز ان يقال أصلها التهلكة كالتجربة والتبصرة ونحوهما على انها مصدر من هلك فأبدلت من الكسرة ضمة كما جاء الجوار في الجوار
وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذآ أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذالك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب 196
البقرة : ( 196 ) وأتموا الحج والعمرة . . . . .

" صفحة رقم 265 "
) وأتموا الحج والعمرة لله (
ائتوا بهما تامين كاملين بمناسكهما وشرائطهما لوجه الله من غير توان ولا نقصان يقع منكم فيهما قال
تمام الحج ان تقف المطايا
على خرقاء واضعة اللثام
جعل الوقوف عليها كبعض مناسك الحج الذي لا يتم الا به وقيل اتمامهما أن تحرم بهما من دويرة اهلك روى ذلك عن علي وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم وقيل ان تفرد لكل واحد منهما سفرا كما قال محمد حجة كوفية وعمرة كوفية أفضل
وقيل ان تكون النفقة حلالا
وقيل ان تخلصوهما للعبادة ولا تشوبوهما بشيء من التجارة والأغراض الدنيوية
فإن قلت هل فيه دليل على وجوب العمرة قلت ما هو الا أمر بإتمامهما ولا دليل في ذلك على كونهما واجبين أو تطوعين فقد يؤمر بإتمام الواجب والتطوع جميعا الا ان تقول الأمر بإتمامهما أمر بأدائهما بدليل قراءة من قرأ ( وأقيموا الحج والعمرة ) والأمر للوجوب في أصله الا أن يدل دليل على خلاف الوجوب كما دل في قوله
) فاصطادوا ( المائدة 2
) فانتشروا ( الأحزاب 53 ونحو ذلك فيقال لك فقد دل الدليل على نفي الوجوب وهو ما روي
101 أنه قيل يا رسول الله العمرة واجبة مثل الحج قال ( لا ولكن أن تعتمر خير لك )
وعنه
102 ( الحج جهاد والعمرة تطوع )
فإن قلت فقد روي عن ابن عباس رضي

" صفحة رقم 266 "
الله عنه أنه قال إن العمرة لقرينة الحج
وعن عمر رضي الله عنه
103 ان رجلا قال له إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي أهللت بهما جميعا فقال ( هديت لسنة نبيك )
1 14
وقد نظمت مع الحج في الأمر بالإتمام فكانت واجبة مثل الحج قلت كونها قرينة للحج ان القارن يقرن بينهما وانهما يقترنان في الذكر فيقال حج فلان واعتمر والحجاج والعمار ولأنها الحج الأصغر ولا دليل في ذلك على كونها قرينة له في الوجوب
واما حديث عمر رضي الله عنه فقد فسر الرجل كونهما مكتوبين عليه بقوله أهللت بهما وإذا أهل بالعمرة وجبت عليه كما اذا كبر بالتطوع من الصلاة
والدليل الذي ذكرناه أخرج العمرة من صفة الوجوب فبقي الحج وحده فيها فهما بمنزلة قولك صم شهر رمضان وستة من شوال في انك تأمره بفرض وتطوع
وقرأ علي وابن مسعود والشعبي رضي الله عنهم ( والعمرة لله ) بالرفع كأنهم قصدوا بذلك إخراجها عن حكم الحج وهو الوجوب
) فإن أحصرتم (
يقال أحصر فلان إذا منعه امر من خوف أو مرض أو عجز قال الله تعالى
) الذين أحصروا في سبيل الله ( البقرة 273 وقال ابن ميادة
( وما هجر ليلى ان تكون تباعدت عليك ولا ان أحصرتك شغول )

" صفحة رقم 267 "
وحصر اذا حبسه عدو عن المضي أو سجن ومنه قيل للمحبس الحصير
وللملك الحصير لأنه محجوب هذا هو الأكثر في كلامهم وهما بمعنى المنع في كل شيء مثل صده وأصده
وكذلك قال الفراء وابو عمرو الشيباني وعليه قول أبي حنيفة رحمهم الله تعالى كل منع عنده من عدو كان أو مرض أو غيرهما معتبر في إثبات حكم الإحصار وعند مالك والشافعي منع العدو وحده
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
104 ( من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل )
) فما استيسر من الهدي (
فما تيسر منه يقال يسر الأمر واستيسر كما يقال صعب واستصعب
والهدى جمع هدية كما يقال في جدية السرج جدي وقرىء ( من الهدي ) بالتشديد جمع هدية كمطية ومطي
يعني فإن منعتم من المضي إلى البيت وأنتم محرمون بحج أو عمرة فعليكم اذا أردتم التحلل ما استيسر من الهدي من بعير أو بقرة أو شاة فإن قلت أين ومتى ينحر هدي المحصر قلت ان كان حاجا فبالحرم متى شاء عند أبي حنيفة يبعث به ويجعل للمبعوث على يده يوم أمار وعندهما في أيام النحر وإن كان معتمرا فبالحرم في كل وقت عندهم جميعا
و ( ما استيسر ) رفع بالابتداء أي فعليه ما استيسر أو نصب على فاهدوا ما استيسر
" ولا تحلقوا رءوسكم "
الخطاب للمحصرين أي لا تحلوا حتى تعلموا ان الهدي الذي بعثتموه إلى الحرم بلغ
) محله (
أي مكانه الذي يجب نحره فيه ومحل الدين وقت وجوب قضائه وهو ظاهر على مذهب أبي حنيفة رحمه الله
فإن قلت
105 إن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نحر هديه حيث أحصر قلت كان محصره طرف الحديبية الذي إلى أسفل مكة وهو من الحرم
125 وعن الزهري

" صفحة رقم 268 "
106 ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نحر هديه في الحرم
وقال الواقدي الحديبية هي طرف الحرم على تسعة أميال من مكة
) فمن كان منكم مريضا (
فمن كان به مرض يحوجه إلى الحلق
) أو به أذى من رأسه (
وهو القمل أو الجراحة فعليه اذا احتلق فدية
) من صيام (
ثلاثة أيام
) أو صدقة (
على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من بر
) أو نسك (
وهو شاة
وعن كعب بن عجرة
107 ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال له ( لعلك أذاك هوامك ) قال نعم يا رسول الله قال ( احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو اطعم ستة مساكين أو انسك شاة )
وكان كعب يقول في نزلت هذه الآية وروي
108 أنه مر به وقد قرح رأسه فقال ( كفى بهذا أذى ) وأمره ان يحلق ويطعم أو يصوم
والنسك مصدر وقيل جمع نسيكة وقرا الحسن أو ( نسك ) بالتخفيف
) فإذا أمنتم (
الإحصار يعني فاذا لم تحصروا وكنتم في امن وسعة
) فمن تمتع (
أي استمتع
) بالعمرة إلى الحج (
واستمتاعه بالعمرة إلى وقت الحج انتفاعه بالتقرب بها إلى الله تعالى قبل الانتفاع بتقربه بالحج
وقيل اذا حل من عمرته انتفع باستباحة ما كان محرما عليه إلى ان يحرم بالحج
) فما استيسر من الهدي (
هو هدي المتعة وهو نسك عند أبي حنيفة وياكل منه
وعند الشافعي يجري مجرى الجنايات ولا يأكل منه ويذبحه يوم النحر عندنا
وعنده يجوز ذبحه اذا أحرم بحجته
) فمن لم يجد (
الهدي
) ف عليه ( صيام ثلاثة أيام في الحج "
أي في وقته وهو أشهره ما بين الإحرامين إحرام العمرة وإحرام

" صفحة رقم 269 "
الحج وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله
والأفضل أن يصوم يوم التروية وعرفة ويوما قبلهما وإن مضى هذا الوقت لم يجزئه الا الدم
وعند الشافعي لا تصام الا بعد الإحرام بالحج تمسكا بظاهر قوله
) في الحج وسبعة إذا رجعتم (
بمعنى اذا نفرتم وفرغتم من افعال الحج عند أبي حنيفة وعند الشافعي هو الرجوع إلى أهاليهم
وقرأ ابن أبي عبلة ( وسبعة ) بالنصب عطفا على محل ثلاثة أيام وكانه قيل فصيام ثلاثة أيام كقوله
) أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ( البلد 15 فإن قلت فما فائدة الفذلكة قلت الواو قد تجىء للإباحة في نحو قولك جالس الحسن وابن سيرين
ألا ترى انه لو جالسهما جميعا أو واحدا منهما كان ممتثلا ففذلكت نفيا لتوهم الإباحة وأيضا ففائدة الفذلكة في كل حساب أن يعلم العدد جملة كما علم تفصيلا ليحاط به من جهتين فيتأكد العلم
وفي امثال العرب علمان خير من علم وكذلك
) كاملة (
تاكيد آخر
وفيه زيادة توصية بصيامها وأن لا يتهاون بها ولا ينقص من عددها كما تقول للرجل اذا كان لك اهتمام بأمر تأمره به وكان منك بمنزل الله الله لا تقصر
وقيل كاملة في وقوعها بدلا من الهدي وفي قراءة أبي ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات )
) ذلك (
اشارة إلى التمتع عند أبي حنيفة وأصحابه
لا متعة ولا قران لحاضري المسجد الحرام عندهم ومن تمتع منهم أو قرن كان عليه دم وهو دم جناية لا يأكل منه واما القارن والمتمتع من أهل الآفاق فدمهما دم نسك يأكلان منه
وعند الشافعي اشارة إلى الحكم الذي هو وجوب الهدي أو الصيام ولم يوجب عليهم شيئا وحاضرو المسجد الحرام أهل المواقيت فمن دونها إلى مكة عند أبي حنيفة
وعند الشافعي أهل الحرم ومن كان من الحرم على مسافة لا تقصر فيها الصلاة
) واتقوا الله (
في المحافظة على حدوده وما امركم به ونهاكم عنه في الحج وغيره
) واعلموا أن الله شديد العقاب (
لمن خالف ليكون علمكم بشدة عقابه لطفا لكم في التقوى
الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون ياأولي الألباب 197
البقرة : ( 197 ) الحج أشهر معلومات . . . . .
أي وقت الحج
) أشهر ( 3 كقولك البرد شهران والأشهر المعلومات شوال

" صفحة رقم 270 "
وذو القعدة وعشر ذي الحجة عند أبي حنيفة
وعند الشافعي تسع ذي الحجة وليلة يوم النحر
وعند مالك ذي الحجة كله فإن قلت ما فائدة توقيت الحج بهذه الأشهر قلت فائدته ان شيئا من أفعال الحج لا يصح الا فيها والإحرام بالحج لا ينعقد أيضا عند الشافعي في غيرها
وعند أبي حنيفة ينعقد الا انه مكروه فإن قلت فكيف كان الشهران وبعض الثالث أشهر قلت اسم الجمع يشترك فيه ما وراء الواحد
بدليل قوله تعالى
) فقد صغت قلوبكما ( التحريم 4 فلا سؤال فيه إذن وإنما كان يكون موضعا للسؤال لو قيل ثلاثة أشهر معلومات وقيل نزل بعض الشهر منزلة كله كما يقال رأيتك سنة كذا أو على عهد فلان ولعل العهد عشرون سنة أو اكثر وإنما رآه في ساعة منها
فإن قلت ما وجه مذهب مالك وهو مروي عن عروة بن الزبير قلت قالوا إن العمرة غير مستحبة فيها عند عمر وابن عمر فكأنها مخلصة للحج لا مجال فيها للعمرة
وعن عمر رضي الله عنه انه كان يخفق الناس بالدرة وينهاهم عن الاعتمار فيهن وعن عمر رضي الله عنه قال لرجل إن اطعتني انتظرت حتى اذا اهللت المحرم خرجت إلى ذات عرق فأهللت منها بعمرة وقالوا لعل من مذهب عروة جواز تأخير طواف الزيارة إلى آخر الشهر
) معلومات (
معروفات عند الناس لا يشكلن عليهم وفيه ان الشرع لم يأت على خلاف ما عرفوه وإنما جاء مقررا له
) فمن فرض فيهن الحج (
فمن ألزم نفسه بالتلبية أو بتقليد الهدي وسوقه عند أبي حنيفة وعند الشافعي بالنية
) فلا رفث (
فلا جماع لأنه يفسده أو فلا فحش من الكلام
) ولا فسوق (
ولا خروج عن حدود الشريعة وقيل هو السباب والتنابز بالألقاب
) ولا جدال (
ولا مراء مع الرفقاء والخدم والمكارين وإنما وإنما امر باجتناب ذلك وهو واجب الاجتناب في كل حال

" صفحة رقم 271 "
لأنه مع الحج أسمج كلبس الحرير في الصلاة والتطريب في قراءة القرآن والمراد بالنفي وجوب انتفائها وأنها حقيقه بأن لا تكون وقرىء المنفيات الثلاث بالنصب وبالرفع وقرأ أبو عمرو وابن كثير الأولين بالرفع والآخر بالنصب لأنهما حملا الأولين على معنى النهي كأنه قيل فلا يكونن رفث ولا فسوق والثالث على معنى الإخبار بانتفاء الجدال كانه قيل ولا شك ولا خلاف في الحج وذلك ان قريشا كانت تخالف سائر العرب فتقف بالمشعر الحرام وسائر العرب يقفون بعرفة وكانوا يقدمون الحج سنة ويؤخرونه سنة وهو النسىء فرد إلى وقت واحد ورد الوقوف إلى عرفة فأخبر الله تعالى انه قد ارتفع الخلاف في الحج واستدل على ان المنهي عنه هو الرفث والفسوق دون الجدال بقوله ( صلى الله عليه وسلم )
109 ( من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج كهيئة يوم ولدته امه )
وانه لم يذكر الجدال
) وما تفعلوا من خير يعلمه الله (
حث على الخير عقيب النهي عن الشر وأن يستعملوا مكان القبيح من الكلام الحسن ومكان الفسوق البر والتقوى ومكان الجدال الوفاق والأخلاق الجميلة
أو جعل فعل الخير عبارة عن ضبط انفسهم حتى لا يوجد منهم ما نهوا عنه وينصره قوله تعالى
" وتزودوا فإن خير الله الزاد التقوى "
أي اجعلوا

" صفحة رقم 272 "
زادكم إلى الآخرة اتقاء القبائح فإن خير الزاد اتقاؤها وقيل
110 كان أهل اليمن لا يتزودون ويقولون نحن متوكلون ونحن نحج بيت الله أفلا يطعمنا فيكونون كلا على الناس فنزلت فيهم ومعناه وتزودوا واتقوا الاستطعام وإبرام الناس والتثقيل عليهم فإن خير الزاد التقوى
) واتقون (
وخافوا عقابي
) يا أولي الألباب (
يعني ان قضية اللب تقوى الله ومن لم يتقه من الألباء فكأنه لا لب له
ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذآ أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضآلين ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم ءابآءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنآ ءاتنا فى الدنيا وما له فى الاخرة من خلاق ومنهم من يقول ربنآ ءاتنا فى الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار أولائك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب 198 - 202
)
البقرة : ( 198 ) ليس عليكم جناح . . . . .
فضلا من ربكم (
عطاء منه وتفضلا وهو النفع والربح بالتجارة وكان ناس من العرب يتأثمون أن يتجروا أيام الحج واذا دخل العشر كفوا عن البيع والشراء فلم تقم لهم سوق ويسمون من يخرج بالتجارة الداج
ويقولون هؤلاء الداج وليسوا بالحاج وقيل كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقهم في الجاهلية يتجرون فيها في أيام الموسم وكانت معايشهم منها فلما جاء الاسلام تأثموا فرفع عنهم الجناح في ذلك وأبيح لهم وإنما يباح ما لم يشغل عن العبادة وعن ابن عمر رضي الله عنه
111 ان رجلا قال له إنا قوم نكري في هذا الوجه وإن قوما يزعمون ان لا

" صفحة رقم 273 "
حج لنا فقال سأل رجل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عما سألت فلم يرد عليه حتى نزل
) ليس عليكم جناح (
فدعا به فقال أنتم حجاج
وعن عمر رضي الله عنه انه قيل له هل كنتم تكرهون التجارة في الحج فقال وهل كانت معايشنا الا من التجارة في الحج
وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما ( فضلا من ربكم في مواسم الحج ) ( أن تبتغوا ) في أن تبتغوا
) أفضتم (
دفعتم بكثرة وهو من إفاضة الماء وهو صبه بكثرة وأصله أفضتم انفسكم فترك ذكر المفعول كما ترك في دفعوا من موضع كذا وصبوا
وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه ( صب في دقران وهو يخرش بعيره بمحجنه ) ويقال أفاضوا في الحديث وهضبوا فيه و
) عرفات (
علم للموقف سمي بجمع كأذرعات
فإن قلت هلا منعت الصرف وفيها السببان التعريف والتأنيث قلت لا يخلو من التأنيث إما ان يكون بالتاء التي في لفظها وإما بتاء مقدرة كما في سعاد فالتي في لفظها ليست للتأنيث وإنما هي مع الألف التي قبلها علامة جمع المؤنث ولا يصح تقدير التاء فيها لأن هذه التاء لاختصاصها بجمع المؤنث مانعة من تقديرها كما لا يقدر تاء التأنيث في بنت لأن التاء التي هي بدل من الواو لاختصاصها بالمؤنث كتاء التأنيث فأبت تقديرها وقالوا سميت بذلك لأنها وصفت لإبراهيم عليه السلام فلما أبصرها عرفها
وقيل إن جبريل حين كان يدور به في المشاعر أراه إياها فقال قد عرفت وقيل التقى فيها آدم وحواء فتعارفا
وقيل لأن الناس يتعارفون فيها والله أعلم بحقيقة ذلك وهي

" صفحة رقم 274 "
من الأسماء المرتجلة لأن العرفة لا تعرف في أسماء الأجناس الا ان تكون جمع عارف وقيل فيه دليل على وجوب الوقوف بعرفة لأن الإفاضة لا تكون الا بعده
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
112 ( الحج عرفة فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحج )
) فاذكروا الله (
بالتلبية والتهليل والتكبير والثناء والدعوات
وقيل بصلاة المغرب والعشاء
و
) المشعر الحرام (
قزح وهو الجبل الذي يقف عليه الإمام وعليه الميقدة
وقيل المشعر الحرام ما بين جبل المزدلفة من مازمي عرفة إلى وادي محسر وليس المأزمان ولا وادي محسر من المشعر الحرام
والصحيح أنه الجبل لما روى جابر رضي الله عنه
113 ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لما صلى الفجر يعني بالمزدلفة بغلس ركب ناقته حتى أتى المشعر الحرام فدعا وكبر وهلل ولم يزل واقفا حتى أسفر
وقوله تعالى
) عند المشعر الحرام (
معناه مما يلي المشعر الحرام قريبا منه وذلك للفضل كالقرب من جبل الرحمة وإلا فالمزدلفة كلها موقف الا وادي محسر أو جعلت أعقاب المزدلفة لكونها في حكم المشعر ومتصلة به عند المشعر والمشعر المعلم لأنه معلم العبادة
ووصف بالحرم لحرمته وعن ابن عباس رضي الله عنه انه نظر إلى الناس ليلة جمع فقال لقد أدركت الناس هذه الليلة لا ينامون
وقيل سميت المزدلفة جمعا لأن آدم صلوات الله عليه اجتمع فيها مع حواء وأزدلف اليها أي دنا منها
وعن قتادة لأنه يجمع فيها بين الصلاتين
ويجوز أن يقال وصفت بفعل اهلها لأنهم يزدلفون إلى الله أي يتقربون بالوقوف فيها
) كما هداكم (
ما مصدرية أو كافة
والمعنى واذكروه ذكرا حسنا كما هداكم هداية حسنة أو أذكروه كما علمكم كيف تذكرونه لا تعدلوا عنه
) وإن كنتم من قبله (
من قبل الهدى
) لمن الضالين (
الجاهلين لا تعرفون كيف تذكرونه وتعبدونه
وإن هي مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة
) ثم أفيضوا (
ثم لتكن

" صفحة رقم 275 "
إفاضتكم
) من حيث أفاض الناس (
ولا تكن من المزدلفة
وذلك لما كان عليه الحمس من الترفع على الناس والتعالي عليهم وتعظمهم عن ان يساووهم في الموقف
وقولهم نحن اهل الله وقطان حرمه فلا تخرج منه فيقفون بجمع وسائر الناس بعرفات فإن قلت فكيف موقع ثم قلت نحو موقعها في قولك أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير كريم تاتي بثم لتفاوت ما بين الإحسان إلى الكريم والأحسان إلى غيره وبعد ما بينهما فكذلك حين امرهم بالذكر عند الإفاضة من عرفات قال ثم أفيضوا لتفاوت ما بين الإفاضتين وان إحداهما صواب والثانية خطأ
وقيل ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس وهم الحمس أي من المزدلفة إلى منى بعد الإفاضة من عرفات
وقرىء ( من حيث أفاض الناس ) بكسر السين أي الناسي وهو آدم من قوله
) ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ( طه 115 يعني ان الإفاضة من عرفات شرع قديم فلا تخالفوا عنه
) واستغفروا الله (
من مخالفتكم في الموقف ونحو ذلك من جاهليتكم
) فإذا قضيتم مناسككم (
أي فإذا فرغتم من عباداتكم الحجية ونفرتم
" فاذكروا الله كذكركم ءاباءكم "
فأكثروا ذكر الله وبالغوا فيه كما تفعلون في ذكر آبائكم ومفاخرهم وأيامهم
وكانوا اذا قضوا مناسكهم وقفوا بين المسجد بمنى وبين الجبل فيعددون فضائل آبائهم ويذكرون محاسن أيامهم
) أو أشد ذكرا (
في موضع جر عطف على ما أضيف اليه الذكر في قوله
) كذكركم (
كما تقول كذكر قريش آباءهم أو قوم أشد منهم ذكرا
أو في موضع نصب عطف على آباءكم بمعنى أو أشد ذكرا من آبائكم على ان ذكرا من فعل المذكور
) فمن الناس من يقول (
معناه اكثروا ذكر الله ودعاءه فإن الناس من

" صفحة رقم 276 "
بين مقل لا يطلب بذكر الله الا أعراض الدنيا ومكثر يطلب خير الدارين فكونوا من المكثرين
) آتنا في الدنيا (
اجعل ايتاءنا أي إعطاءنا في الدنيا خاصة
) وما له في الآخرة من خلاق (
أي من طلب خلاقي وهو النصيب
أو ما لهذا الداعي في الآخرة من نصيب لأن همه مقصور على الدنيا
والحسنتان ما هو طلبة الصالحين في الدنيا من الصحة والكفاف والتوفيق في الخير وطلبتهم في الآخرة من الثواب
وعن علي رضي الله عنه الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة وفي الآخرة الحوراء
وعذاب النار امرأة السوء
) أولئك (
الداعون بالحسنتين
) لهم نصيب مما كسبوا (
أي نصيب من جنس ما كسبوا من الأعمال الحسنة وهو الثواب الذي هو المنافع الحسنة
أو من أجل ما كسبوا كقوله
) مما خطيئاتهم أغرقوا ( نوح 25 أو لهم نصيب مما دعوا به نعطيهم منه ما يستوجبونه بحسب مصالحهم في الدنيا واستحقاقهم في الآخرة
وسمى الدعاء كسبا لأنه من الأعمال والأعمال موصوفة

" صفحة رقم 277 "
بالكسب بما كسبت أيديكم
ويجوز أن يكون ( أولئك ) للفريقين جميعا وان لكل فريق نصيبا من جنس ما كسبوا
) والله سريع الحساب (
يوشك ان يقيم القيامة ويحاسب العباد
فبادروا إكثار الذكر وطلب الآخرة أو وصف نفسه بسرعة حساب الخلائق على كثرة عددهم وكثرة أعمالهم ليدل على كمال قدرته ووجوب الحذر منه
روي انه يحاسب الخلق في قدر حلب شاة
وروى في مقدار فواق ناقة وروي في مقدار لمحة
واذكروا الله فى أيام معدودات فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون
البقرة : ( 203 ) واذكروا الله في . . . . .
والأيام المعدودات أيام التشريق وذكر الله فيها التكبير في أدبار الصلوات وعند الجمار
وعن عمر رضي الله عنه أنه كان يكبر في فسطاطه بمنى فيكبر من حوله حتى يكبر الناس في الطريق وفي الطواف
) فمن تعجل (
فمن عجل في النفر أو استعجل النفر وتعجل واستعجل يجيئان مطاوعين بمعنى عجل يقال تعجل في الأمر واستعجل ومتعديين يقال تعجل الذهاب واستعجله والمطاوعة أوفق لقوله
) ومن تأخر (
كما هي كذلك في قوله
( قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل )
لأجل المتأني
) في يومين (
بعد يوم النحر يوم القر وهو اليوم الذي يسميه أهل مكة يوم الرؤوس واليوم بعده ينفر اذا فرغ من رمي الجمار كما يفعل الناس اليوم وهو مذهب الشافعي ويروى عن قتادة
وعند أبي حنيفة وأصحابه ينفر قبل طلوع الفجر
) ومن تأخر (
حتى رمى في اليوم الثالث
والرمي في اليوم الثالث يجوز تقديمه على الزوال عند أبي حنيفة وعند الشافعي لايجوز فإن قلت كيف قال
) فلا إثم عليه (
عند التعجل والتأخر جميعا قلت دلالة على ان التعجل والتأخر مخير فيهما كانه قيل فتعجلوا أو تأخروا
فإن قلت أليس التاخر بأفضل قلت بلى ويجوز ان يقع التخيير بين الفاضل والأفضل كما خير المسافر بين الصوم والإفطار وإن كان الصوم أفضل

" صفحة رقم 278 "
وقيل إن اهل الجاهلية كانوا فريقين منهم من جعل المتعجل آثما ومنهم من جعل المتأخر آثما فورد القرآن بنفي المآثم عنهما جميعا
) لمن اتقى (
أي ذلك التخيير ونفي الإثم عن المتعجل والمتأخر لأجل الحاج المتقي لئلا يتخالج في قلبه شيء منهما فيحسب ان احدهما يرهق صاحبه آثام في الإقدام عليه لأن ذا التقوى حذر متحرز من كل ما يريبه ولأنه هو الحاج على الحقيقة عند الله
ثم قال
) واتقوا الله (
ليعبأ بكم
ويجوز ان يراد ذلك الذي مر ذكره من احكام الحج وغيره لمن اتقى لأنه هو المنتفع به دون من سواه كقوله
) ذلك خير للذين يريدون وجه الله ( الروم 38
البقرة 204 - 206
)
البقرة : ( 204 ) ومن الناس من . . . . .
من يعجبك قوله (
أي يروقك ويعظم في قلبك ومنه الشيء العجيب الذي يعظم في النفس وهو الأخنس بن شريق كان رجلا حلو المنطق اذا لقي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ألان له القول وادعى انه يحبه وانه مسلم وقال يعلم الله أني صادق
وقيل هو عام في المنافقين كانت تحلولي ألسنتهم وقلوبهم امر من الصبر فإن قلت بم يتعلق قوله
) في الحياة الدنيا (
قلت بالقول أي يعجبك ما يقوله في معنى الدنيا لأن ادعاءه المحبة بالباطل يطلب به حظا من حظوظ الدنيا ولا يريد به الآخرة كما تراد بالإيمان الحقيقي والمحبة الصادقة للرسول فكلامه اذا في الدنيا لا في الآخرة
ويجوز ان يتعلق بيعجبك أي قوله حلو فصيح في الدنيا فهو يعجبك ولا يعجبك في الآخرة لما يرهقه في الموقف من الحبسة واللكنة أو لأنه لا يؤذن له في الكلام فلا يتكلم حتى يعجبك كلامه
) ويشهد الله على ما في قلبه (
أي يحلف ويقول الله شاهد على ما في قلبي من محبتك ومن الإسلام وقرىء ( ويشهد الله ) وفي مصحف أبي ( ويستشهد الله )
) وهو ألد الخصام (
وهو شديد الجدال والعداوة للمسلمين
وقيل كان بينه وبين ثقيف خصومة فبيتهم ليلا وأهلك مواشيهم واحرق زروعهم
والخصام المخاصمة وإضافة الألد بمعنى في كقولهم ثبت الغدر أو جعل الخصام ألد على المبالغة وقيل الخصام جمع خصم كصعب وصعاب بمعنى وهو أشد الخصوم خصومة
) وإذا تولى (
عنك وذهب بعد إلانة القول وإحلاء المنطق
) سعى في الأرض ليفسد فيها (
كما فعل بثقيف
وقيل
) وإذا تولى (
وإذا كان واليا فعل ما يفعل ولاة السوء من الفساد في الأرض بإهلاك الحرث والنسل
وقيل يظهر الظلم حتى يمنع الله بشؤم ظلمه القطر

" صفحة رقم 279 "
فيهلك الحرث والنسل وقرىء ( ويهلك الحرث والنسل )
على أن الفعل للحرث والنسل والرفع للعطف على سعى وقرأ الحسن بفتح اللام وهي لغة
نحو أبي يأبى وروى عنه ( ويهلك ) على البناء للمفعول
) أخذته العزة بالإثم (
من قولك أخذته بكذا إذا حملته عليه وألزمته اياه أي حملته العزة التي فيه وحمية الجاهلية على الإثم الذي ينهى عنه والزمته ارتكابه وان لا يخلى عنه ضرارا ولجاجا أو على رد قول الواعظ
ومن الناس من يشرى نفسه ابتغآء مرضات الله والله رءوف بالعباد 207 )
البقرة : ( 207 ) ومن الناس من . . . . .
يشري نفسه (
يبيعها أي يبذلها في الجهاد وقيل يامر بالمعروف وينهى عن المنكر حتى يقتل وقيل
114 نزلت في صهيب بن سنان أراده المشركون على ترك الاسلام وقتلوا نفرا كانوا معه فقال لهم انا شيخ كبير إن كنت معكم لم انفعكم وإن كنت عليكم لم أضركم فخلوني وما انا عليه وخذوا مالي
فقبلوا منه ماله واتي المدينة
" والله رءوف بالعباد "
حيث كلفهم الجهاد فعرضهم لثواب الشهداء

" صفحة رقم 280 "
ياأيها الذين ءامنوا ادخلوا في السلم كآفة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين فإن زللتم من بعد ما جآءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم 208 - 209
البقرة : ( 208 - 209 ) يا أيها الذين . . . . .
" السلام "
بكسر السين وفتحها وقرا الأعمش بفتح السين واللام وهو الاستسلام والطاعة أي استسلموا لله واطيعوه
) كافة (
لا يخرج أحد منكم يده عن طاعته وقيل هو الإسلام والخطاب لأهل الكتاب لأنهم آمنوا بنبيهم وكتابهم أو للمنافقين لأنهم آمنوا بألسنتهم ويجوز ان يكون كافة حالا من السلم لأنها تؤنث كما تؤنث الحرب
قال
( السلم تأخذ منها ما رضيت به والحرب يكفيك من أنفاسها من انفاسها جرع )
على ان المؤمنين امروا بان يدخلوا في الطاعات كلها
وأن لا يدخلوا في طاعة دون طاعة
أو في شعب الإسلام وشرائعه كلها وأن لا يخلوا بشيء منها
وعن عبد الله بن سلام
115 انه استأذن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ان يقيم على السبت وان يقرأ من التوراة في صلاته من الليل و
) كافة (
من الكف كانهم كفوا أن يخرج منهم أحد باجتماعهم
) فإن زللتم (
عن الدخول في السلم
" من بعد ما جاءتكم البينات أي الحج والشواهد على أن ما دعيتم إلى الدخول فيه هو الحق فاعلموا أن الله عزيز "
غالب لا يعجزه الانتقام منكم
) حكيم ( لا ينتقم الا بحق
وروي ان قارئا قرأ غفور رحيم فسمعه اعرابي فانكره ولم يقرأ القرآن وقال إن كان هذا كلام الله فلا يقول كذا الحكيم لا يذكر الغفران عند الزلل لأنه اغراء عليه وقرأ أبو السمال ( زللتم ) بكسر اللام وهما لغتان نحو ظللت وظللت
هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضى الأمر وإلى الله ترجع الأمور 210
البقرة : ( 210 ) هل ينظرون إلا . . . . .

" صفحة رقم 281 "
إتيان الله اتيان امره وبأسه كقوله
) أو يأتي أمر ربك ( النحل 33
" فجاءهم بأسنا " الأنعام 43 ويجوز ان يكون المأتي به محذوفا بمعنى ان يأتيهم الله ببأسه أو بنقمته للدلالة عليه بقوله
) أن الله عزيز (
) في ظلل (
جمع ظلة وهي ما أظلك
وقرىء ( ظلال ) وهي جمع ظلة كقلة وقلال أو جمع ظل
وقرىء والملائكة بالرفع كقوله
) هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة ( النعام 158 وبالجر عطف على ظلل أو على الغمام
فإن قلت لم يأتيهم العذاب في الغمام قلت لأن الغمام مظنة الرحمة فإذا نزل منه العذاب كان الأمر أفظع وأهول لأن الشر اذا جاء من حيث لا يحتسب كان اغم كما ان الخير اذا جاء من حيث لا يحتسب كان أسر فكيف اذا جاء الشر من حيث يحتسب الخير ولذلك كانت الصاعقة من العذاب المستفظع لمجيئها من حيث يتوقع الغيث
ومن ثمة اشتد على المتفكرين في كتاب الله قوله تعالى
" وبدا الهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " الزمر 47
" وقضيى الأمر "
وأتم أمر إهلاكهم وتدميرهم وفرغ منه
وقرأ معاذ بن جبل رضي الله عنه ( وقضاء الأمر ) على المصدر المرفوع عطفا على الملائكة وقرىء ( ترجع ) ( وترجع ) على البناء للفاعل والمفعول بالتأنيث والتذكير فيهما
البقرة 211
البقرة : ( 211 ) سل بني إسرائيل . . . . .
) سل (
أمرا للرسول عليه الصلاة والسلام أو لكل أحد وهذا السؤال سؤال تقريع كما تسأل الكفرة يوم القيامة
" كم آتيناهم من ءاية بينة "
على أيدي أنبيائهم وهي معجزاتهم أو من آية في الكتب شاهدة على صحة دين الاسلام و
) نعمة الله (
آياته وهي اجل نعمة من الله لأنها أسباب الهدى والنجاة من الضلالة وتبديلهم إياها أن الله أظهرها لتكون أسباب هداهم فجعلوها أسباب ضلالتهم كقوله
) فزادتهم رجسا إلى رجسهم ( التوبة 125 أو حرفوا آيات الكتب الدالة على دين محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فإن قلت كم استفهامية أم خبرية قلت تحتمل الأمرين ومعنى الاستفهام فيها للتقرير
فإن قلت ما معنى
) من بعد ما جاءته (
قلت معناه من بعد ما تمكن من معرفتها أو عرفها كقوله
) ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه ( البقرة 75 لأنه اذا لم يتمكن من معرفتها أو لم يعرفها فكأنها غائبة عنه وقرىء
) ومن يبدل (
بالتخفيف
زين للذين كفروا الحيواة الدنيا ويسخرون من الذين ءامنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشآء بغير حساب 212
البقرة : ( 212 ) زين للذين كفروا . . . . .

" صفحة رقم 282 "
المزين هو الشيطان زين لهم الدنيا وحسنها في اعينهم بوساوسه وحببها اليهم فلا يريدون غيرها
ويجوز ان يكون الله قد زينها لهم بأن خذلهم حتى استحسنوها واحبوها أو جعل إمهال المزين له تزيينا ويدل عليه قراءة من قرأ
) زين للذين كفروا الحياة الدنيا (
على البناء للفاعل
" ويسخرون من الذين ءامنوا "
كانت الكفرة يسخرون من المؤمنين الذين لا حظ لهم من الدنيا كابن مسعود وعمار وصهيب وغيرهم أي لا يريدون غيرها وهم يسخرون ممن لا حظ له فيها أو ممن يطلب غيرها
) والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة (
لأنهم في عليين من السماء وهم في سجين من الأرض أو حالهم عالية لحالهم لأنهم في كرامة وهم في هوان
أو هم عالون عليهم متطاولون يضحكون منهم كما يتطاول هؤلاء عليهم في الدنيا ويرون الفضل لهم عليهم
) فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون ( المطففين 34
) والله يرزق من يشاء بغير حساب (
بغير تقدير يعني أنه يوسع على من توجب الحكمة التوسعة عليه كما وسع على قارون وغيره فهذه التوسعة عليكم من جهة الله لما فيها من الحكمة وهي استدراجكم بالنعمة
ولو كانت كرامة لكان اولياؤه المؤمنون أحق بها منكم
فإن قلت لم قال
) من الذين آمنوا (
ثم قال
) والذين اتقوا (
قلت ليريك انه لا يسعد عنده الا المؤمن المتقي وليكون بعثا للمؤمنين على التقوى اذا سمعوا ذلك

" صفحة رقم 283 "
البقرة 213
البقرة : ( 213 ) كان الناس أمة . . . . .
) كان الناس أمة واحدة (
) فبعث الله النبيين (
يريد فاختلفوا فبعث الله
وإنما حذف الدلالة قوله
) ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه (
عليه
وفي قراءة عبد الله ( كان الناس امة واحدة فاختلفوا فبعث الله ) والدليل عليه قوله عز وعلا
) وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ( يونس 19 وقيل كان الناس امة واحدة كفارا فبعث الله النبيين فاختلفوا عليهم
والأول الوجه فإن قلت متى كان الناس امة واحدة "
متفقين على دين الإسلام
" فبعث الله النبيين "
يريد فاختلفوا فبعث الله
وإنما حذف لدلالة قوله
" ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه "
عليه
وفي قراءة عبد الله ( كان الناس امة واحدة فاختلفوا فبعث الله ) والدليل عليه قوله عز وعلا
" وما كان الناس الا امة واحدة فاختلفوا " يونس 19 وقيل كان الناس امة واحدة كفارا فبعث الله النبيين فاختلفوا عليهم
والأول الوجه فإن قلت متى كان الناس امة واحدة متفقين على الحق قلت عن ابن عباس رضي الله عنهما انه كان بين آدم وبين نوح عشرة قرون على شريعة من الحق فاختلفوا وقيل هم نوح ومن كان معه في السفينة
" وانزل معهم الكتاب "
يريد الجنس أو مع كل واحد منهم كتابه
" ليحكم "
الله أو الكتاب أو النبي المنزل عليه
" فيما اختلفوا فيه "
في الحق ودين الاسلام الذي اختلفوا فيه بعد الاتفاق
" وما اختلف فيه ) في الحق ( الا الذين أوتوه "
الا الذين اوتوا الكتاب المنزل لإزالة الاختلاف أي ازدادوا في الاختلاف لما انزل عليهم الكتاب وجعلوا نزول الكتاب سببا في شدة الاختلاف واستحكامه
" بغيا بينهم "
حسدا بينهم وظلما لحرصهم على الدنيا وقلة إنصاف منهم و
" من الحق "
بيان لما اختلفوا فيه أي فهدى الله الذين آمنوا للحق الذي اختلف فيه من اختلف
البقرة 214
البقرة : ( 214 ) أم حسبتم أن . . . . .
" أم "
منقطعة ومعنى الهمزة فيها للتقرير وإنكار الحسبان واستبعاده ولما ذكر ما كانت عليه الأمم من الاختلاف على النبيين بعد مجيء البينات تشجيعا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين على الثبات والصبر مع الذين اختلفوا عليه من المشركين وأهل الكتاب وانكارهم لآياته وعداوتهم له قال لهم على طريقة الالتفات التي هي أبلغ
" أم حسبتم ) ( ولما "
فيها معنى التوقع وهي في النفي نظيرة ( قد ) في الإثبات والمعنى ان اتيان ذلك متوقع منتظر
" مثل الذين خلوا "
حالهم التي هي مثل في الشدة و
" مستهم "

" صفحة رقم 284 "
بيان للمثل وهو استئناف كأن قائلا قال كيف كان ذلك المثل فقيل مستهم البأساء
) وزلزلوا (
وأزعجوا ازعاجا شديدا شبيها بالزلزلة بما أصابهم من الأهوال والأفزاع
) حتى يقول الرسول (
إلى الغاية التى قال الرسول ومن معه فيها
) متى نصر الله (
أي بلغ بهم الضجر ولم يبق لهم صبر حتى قالوا ذلك
ومعناه طلب الصبر وتمنيه واستطالة زمان الشدة
وفي هذه الغاية دليل على تناهي الأمر في الشدة وتماديه في العظم لأن الرسل لا يقادر قدر ثباتهم واصطبارهم وضبطهم لأنفسهم فإذا لم يبق لهم صبر حتى ضجوا كان ذلك الغاية في الشدة التى لا مطمح وراءها
) ألا إن نصر الله قريب (
على إرادة القول يعني فقيل لهم ذلك إجابة لهم إلى طلبتهم من عاجل النصر
وقرىء
) حتى يقول (
بالنصب على إضمار أن ومعنى الاستقبال لأن ( أن ) علم له
وبالرفع على انه في معنى الحال كقولك شربت الإبل حتى يجيء البعير يجر بطنه الا انها حال ماضية محكية
يسألونك ماذا ينفقون قل مآ أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم 215
البقرة : ( 215 ) يسألونك ماذا ينفقون . . . . .
فإن قلت كيف طابق الجواب السؤال في قوله
) قل ما أنفقتم (
وهم قد سألوا عن بيان ما ينفقون واجيبوا ببيان المصرف قلت قد تضمن قوله
) ما أنفقتم من خير (
بيان ما ينفقونه وهو كل خير وبنى الكلام على ما هو اهم وهو بيان المصرف لأن النفقة لا يعتد بها الا ان تقع موقعها قال الشاعر
( إن الصنيعة لا تكون صنيعة حتى يصاب بها طريق المصنع )
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه جاء عمرو بن الجموح وهو شيخ هم وله مال عظيم فقال ماذا ننفق من اموالنا وأين نضعها فنزلت
وعن السدي هي منسوخة بفرض الزكاة وعن الحسن هي في التطوع

" صفحة رقم 285 "
كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون 216
البقرة : ( 216 ) كتب عليكم القتال . . . . .
" وهو كره لكم "
من الكراهة بدليل قوله
) وعسى أن تكرهوا شيئا (
ثم إما ان يكون بمعنى الكراهة على وضع المصدر موضع الوصف مبالغة كقولها
( فإنما هي اقبال وادبار )
كانه في نفسه لفرط كراهتهم له وإما ان يكون فعلا بمعنى مفعول كالخبز بمعنى المخبوز أي وهو مكروه لكم وقرا السلمي بالفتح على أن يكون بمعنى المضموم كالضعف والضعف
ويجوز ان يكون بمعنى الاكراه على طريق المجاز كانهم اكرهوا عليه لشدة كراهتهم له ومشقته عليهم
ومنه قوله تعالى
) حملته أمه كرها ووضعته كرها ( الأحقاف 15 وعلى قوله تعالى
) وعسى أن تكرهوا شيئا (
جميع ما كلفوه فإن النفوس تكرهه وتنفر عنه وتحب خلافه
) والله يعلم (
ما يصلحكم وما هو خير لكم
" وأنتم لا تعلمون ذالك يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولائك حبطت أعمالهم في الدنيا والاخرة وأولائك أصحاب النار هم فيها خالدون إن الذين ءامنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولائك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم 217 - 218
البقرة : ( 217 ) يسألونك عن الشهر . . . . .
116 بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عبد الله بن جحش على سرية في جمادي الآخرة قبل قتال بدر بشهرين ليترصد عيرا لقريش فيها عمرو بن عبد الله الحضرمي وثلاثة معه

" صفحة رقم 286 "
فقتلوه وأسروا اثنين واستاقوا العير وفيها من تجارة الطائف وكان ذلك اول يوم من رجب وهم يظنونه من جمادي الآخرة فقالت قريش قد استحل محمد الشهر الحرام شهرا يأمن فيه الخائف ويبذعر فيه الناس إلى معايشهم فوقف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) العير وعظم ذلك على أصحاب السرية وقالوا ما نبرح حتى تنزل توبتنا ورد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) العير والأسارى
وعن ابن عباس
رضي الله عنه لما نزلت أخذ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الغنيمة والمعنى يسألك الكفار أو المسلمون عن القتال في الشهر الحرام و
) قتال فيه (
بدل الاشتمال من الشهر
وفي قراءة عبد الله ( عن قتال فيه ) على تكرير العامل كقوله
) للذين استضعفوا لمن آمن منهم ( الأعراف 75 وقرا عكرمة ( قتل فيه قل قتل فيه كبير ) أي اثم كبير
وعن عطاء أنه سئل عن القتال في الشهر الحرام فحلف بالله ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الشهر الحرام الا ان يقالتوا فيه وما نسخت
وأكثر الأقاويل على أنها منسوخة بقوله
) فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( التوبة 5
) وصد عن سبيل الله (
مبتدأ وأكبر خبره يعني وكبائر قريش من صدهم عن سبيل الله وعن المسجد الحرام وكفرهم بالله وإخراج اهل المسجد الحرام وهم رسول الله والمؤمنون
) أكبر عند الله (
مما فعلته السرية من القتال في الشهر الحرام على سبيل الخطأ والبناء على الظن
) والفتنة (
الإخراج أو الشرك
والمسجد الحرام عطف على سبيل الله ولا يجوز ان يعطف على الهاء في
" به "
) ولا يزالون يقاتلونكم (
إخبار عن دوام عداوة الكفار للمسلمين وانهم لا ينفكون عنها حتى يردوهم عن دينهم وحتى معناها التعليل كقولك فلان يعبد الله حتى يدخل الجنة أي يقاتلونكم كي يردوكم
) إن استطاعوا (
استبعاد لاستطاعتهم كقول الرجل لعدوه إن ظفرت بي فلا تبق علي وهو واثق بانه لا يظفر به
) ومن يرتدد منكم (
ومن يرجع عن دينه إلى دينهم ويطاوعهم على رده اليه
) فيمت (
على الردة
) فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة (
لما يفوتهم باحداث الردة مما للمسلمين في الدنيا من ثمرات الإسلام وباستدامتها والموت عليها من ثواب الآخرة وبها احتج الشافعي على ان الردة لا تحبط الأعمال حتى يموت عليها
وعند أبي حنيفة أنها تحبطها وإن رجع مسلما
" إن الذين ءامنوا والذين هاجروا "
روي ان عبد الله بن جحش وأصحابه حين قتلوا الحضرمي ظن قوم انهم إن سلموا من الإثم فليس لهم أجر فنزلت
" أولئك يرجون رحمت الله " وعن

" صفحة رقم 287 "
قتادة هؤلاء خيار هذه الأمة ثم جعلهم الله اهل رجاء كما تسمعون
وإنه من رجا طلب ومن خاف هرب
يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهمآ إثم كبير ومنافع للناس وإثمهمآ أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذالك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون فى الدنيا والاخرة ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شآء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم 219 - 220
البقرة : ( 219 - 220 ) يسألونك عن الخمر . . . . .
117 نزلت في الخمر أربع آيات نزلت بمكة
) ومن ثمرات النخيل والأعناب

" صفحة رقم 288 "
تتخذون منه سكرا ( النحل 67 فكان المسلمون يشربونها وهي لهم حلال
ثم إن عمر ومعاذا ونفرا من الصحابة قالوا يا رسول الله أفتنا في الخمر فإنها مذهبة للعقل مسلبة للمال فنزلت
) فيهما إثم كبير ومنافع للناس (
فشربها قوم وتركها آخرون
ثم دعا عبد الرحمن بن عوف ناسا منهم فشربوا وسكروا فأم بعضهم فقرأ قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون فنزلت
) لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ( النساء 43 فقل من يشربها
ثم دعا عتبان بن مالك قوما فيهم سعد بن أبي وقاص فلما سكروا افتخروا وتناشدوا حتى انشد سعد شعرا فيه هجاء الأنصار فضربه انصاري بلحى بعير فشجه موضحة فشكا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال عمر اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت
) إنما الخمر والميسر ( إلى قوله
) فهل أنتم منتهون ( البقرة 219 فقال عمر رضي الله عنه انتهينا يا رب
وعن علي رضي الله عنه لو وقعت قطرة في بئر فبنيت مكانها منارة لم أؤذن عليها ولو وقعت في بحر ثم جف ونبت فيه الكلأ لم أرعه
وعن ابن عمر رضي الله عنهما لو أدخلت أصبعي فيه لم تتبعني وهذا هو الايمان حقا وهم الذين اتقوا الله حق تقاته
والخمر ما غلا واشتد وقذف بالزبد من عصير العنب وهو حرام وكذلك نقيع الزبيب أو التمر الذي لم يطبخ فإن طبخ حتى ذهب ثلثاه ثم غلا واشتد ذهب خبثه ونصيب الشيطان وحل شربه ما دون السكر اذا لم يقصد بشربه اللهو والطرب عند أبي حنيفة وعن بعض أصحابه لأن أقول مرارا هو حلال أحب الي من ان اقول مرة هو حرام ولأن أخر من السماء فأتقطع قطعا احب الي من أن أتناول منه قطرة
وعند اكثر الفقهاء هو حرام كالخمر وكذلك كل ما اسكر من كل شراب وسميت خمرا لتغطيتها العقل والتمييز كما سميت سكرا لأنها تسكرهما أي تحجزهما وكانها سميت بالمصدر من خمره خمرا اذا ستره للمبالغة والميسر القمار مصدر من يسر كالموعد والمرجع من فعلهما يقال يسرته اذا قمرته واشتقاقه من اليسر لأنه اخذ مال الرجل بيسر وسهولة من غير كد ولا تعب أو من اليسار لأنه سلب يساره وعن ابن عباس رضي الله عنهما كان الرجل في الجاهلية يخاطر على اهله وماله قال

" صفحة رقم 289 "
أقول لهم بالشعب اذ ييسرونني
أي يفعلون بي ما يفعل الياسرون بالميسور
فإن قلت كيف صفة الميسر قلت كانت لهم عشرة اقداح وهي الأزلام والأقلام والفذ والتوأم والرقيب والحلس والنافس والمسبل والمعلى والمنيح والسفيح والوغد
لكل واحد منها نصيب معلوم من جزور ينحرونها ويجزؤنها عشرة اجزاء وقيل ثمانية وعشرين الا لثلاثة وهي المنيح والسفيح والوغد ولبعضهم
لي في الدنيا سهام
ليس فيهن ربيح
واساميهن وغد
وسفيح ومنيح
للفذ سهم وللتوام سهمان وللرقيب ثلاثة وللحلس أربعة وللنافس خمسة وللمسبل ستة وللمعلى سبعة يجعلونها في الربابة وهي خريطة ويضعونها على يدي عدل ثم يجلجلها ويدخل يده فيخرج باسم رجل رجل قدحا منها فمن خرج له قدح من ذوات الانصباء اخذ النصيب الموسوم به ذلك القدح
ومن خرج له قدح مما لا نصيب له لم يأخذ شيئا وغرم ثمن الجزور كله
وكانوا يدفعون تلك الأنصباء إلى الفقراء ولا يأكلون منها ويفتخرون بذلك ويذمون من لم يدخل فيه ويسمونه البرم
وفي حكم الميسر أنواع القمار من النرد والشطرنج وغيرهما وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
118 ( إياكم وهاتين اللعبتين المشؤمتين فإنهما من ميسر العجم )
وعن علي رضي الله عنه ان النرد والشطرنج من الميسر وعن ابن سيرين كل شيء فيه خطر فهو من الميسر والمعنى يسألونك عما في تعاطيهما بدليل قوله تعالى
) قل فيهما إثم كبير (
) وإثمهما (
وعقاب الاثم في تعاطيهما
) أكبر من نفعهما (
وهو الالتذاذ بشرب الخمر والقمار والطرب فيهما والتوصل بهما إلى مصادقات الفتيان ومعاشراتهم

" صفحة رقم 290 "
والنيل من مطاعمهم ومشاربهم وأعطياتهم وسلب الأموال بالقمار والافتخار على الابرام وقرىء ( إثم كثير بالثاء ) وفي قراءة أبي ( واثمهما أقرب )
ومعنى الكثرة أن أصحاب الشرب والقمار يقترفون فيهما الآثام من وجوه كثيرة
) العفو (
نقيض الجهد وهو ان ينفق مالا يبلغ انفاقه منه الجهد واستفراغ الوسع قال
( خذي العفو مني تستديمي مودتي )
ويقال للأرض السهلة العفو وقرىء بالرفع والنصب وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
119 أن رجلا أتاه ببيضة من ذهب أصابها في بعض المغازي فقال خذها مني صدقة فأعرض عنه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأتاه من الجانب الأيمن فقال مثله فاعرض عنه ثم اتاه من الجانب الأيسر فأعرض عنه فقال هاتها مغضبا فأخذها فخذفه بها خذفا لو أصابه لشجه أو عقره ثم قال ( يجيء احدكم بماله كله يتصدق به ويجلس يتكفف الناس إنما الصدقة عن ظهر غنى )
فى الدنيا والاخرة إما ان يتعلق بتتفكرون فيكون المعنى لعلكم تتفكرون فيما يتعلق بالدارين فتاخذون بما هو اصلح لكم كما بينت لكم ان العفو أصلح من الجهد في النفقة أو تتفكرون في الدارين فتؤثرون أبقاهما واكثرهما منافع
ويجوز ان يكون إشارة إلى قوله
) وإثمهما أكبر من نفعهما (
لتتفكروا في عقاب الإثم في الآخرة والنفع في الدنيا
حتى لا تختاروا النفع العاجل على النجاة من العقاب العظيم
وإما ان يتعلق
) يبين (
على معنى يبين لكم الآيات في أمر الدارين وفيما يتعلق بهما لعلكم تتفكرون لما نزلت
" إن الذى يأكلون اموال اليتامى ظلما " النساء 10 اعتزولا اليتامى وتحاموهم وتركوا مخالطتهم والقيام بأموالهم والاهتمام بمصالحهم فشق ذلك عليهم وكاد يوقعهم في الحرج
فقيل
) إصلاح لهم خير (
أي مداخلتهم على وجه الاصلاح لهم ولأموالهم خير من مجانبتهم
) وإن تخالطوهم (
وتعاشروهم ولم تجانبوهم
) ف ( هم
) إخوانكم (
في الدين ومن حق الأخ ان يخالط

" صفحة رقم 291 "
أخاه وقد حملت المخالطة على المصاهرة
) والله يعلم المفسد من المصلح (
أي لا يخفى على الله من داخلهم بإفساد وإصلاح فيجازيه على حسب مداخلته فاحذروه ولا تتحروا غير الإصلاح
) ولو شاء الله لأعنتكم (
لحملكم على العنت وهو المشقة وأحرجكم فلم يطلق لكم مداخلتهم
وقرأ طاوس ( قل اصلاح إليهم )
ومعناه ايصال الصلاح وقرىء ( لعنتكم )
بطرح الهمزة والقاء حركتها على اللام وكذلك
) فلا إثم عليه ( البقرة 173
" إ الله عزيز "
غالب يقدر على ان يعنت عباده ويحرجهم ولكنه
) حكيم ( 3 لا يكلف الا ما تتسع فيه طاقتهم
ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولائك يدعون إلى النار والله يدعوا إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون 221
)
البقرة : ( 221 ) ولا تنكحوا المشركات . . . . .
ولا تنكحوا (
وقرىء بضم التاء أي لا تتزوجوهن أو لا تزوجوهن و
) المشركات (
الحربيات والآية ثابتة وقيل المشركات الحربيات والكتابيات جميعا لأن اهل الكتاب من اهل الشرك لقوله تعالى
) وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ( إلى قوله تعالى
) سبحانه عما يشركون ( التوبة 31 وهي منسوخة بقوله تعالى
) والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ( المائدة 5 وسورة المائدة كلها ثابتة لم ينسخ منها شيء قط وهو قول ابن عباس والأوزاعي وروي
120 ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعث مرثد بن أبي مرثد الغنوي إلى مكة ليخرج منها

" صفحة رقم 292 "
ناسا من المسلمين وكان يهوى امرأة في الجاهلية اسمها عناق فأتته وقالت ألا نخلو فقال ويحك إن الإسلام قد حال بيننا
فقالت فهل لك ان تتزوج بي قال نعم ولكن ارجع إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأستامره فأستأمره
فنزلت
) ولأمة مؤمنة خير (
ولامرأة مؤمنة حرة كانت أو مملوكة وكذلك
) ولعبد مؤمن (
لأن الناس كلهم عبيد الله واماؤه
) ولو أعجبتكم (
ولو كان الحال ان المشركة تعجبكم وتحبونها فإن المؤمنة خير منها مع ذلك
) أولئك (
إشارة إلى المشركات والمشركين أي يدعون إلى الكفر فحقهم ان لا يوالوا ولا يصاهروا ولا يكون بينهم وبين المؤمنين الا المناصبة والقتال
" والله يدعوا إلى الجنة "
يعني واولياء الله وهم المؤمنون يدعون إلى الجنة
) والمغفرة (
وما يوصل اليهما فهم الذين تجب موالاتهم ومصاهرتهم وان يؤثروا على غيرهم
) بإذنه ( بتيسير الله وتوفيقه للعمل الذي تستحق به الجنة والمغفرة
وقرأ الحسن ( والمغفرة بإذنه ) بالرفع أي والمغفرة حاصلة بتيسيره
البقرة 222 - 223
)
البقرة : ( 222 ) ويسألونك عن المحيض . . . . .
المحيض (
مصدر يقال حاضت محيضا كقولك جاء مجيئا وبات مبيتا
) قل هو أذى (
أي الحيض شيء يستقذر ويؤذي من يقربه نفرة منه وكراهة له
) فاعتزلوا النساء (
فاجتنبوهن يعني فاجتنبوا مجامعتهن روي
121 ان اهل الجاهلية كانوا اذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجالسوها على فرش ولم يساكنوها في بيت كفعل اليهود والمجوس فلما نزلت اخذ المسلمون بظاهر اعتزالهن فأخرجوهن من بيوتهمم فقال ناس من الأعراب يا رسول الله البرد شديد والثياب قليلة فإن آثرناهن بالثياب هلك سائر اهل البيت وان استأثرنا بها هلكت الحيض فقال عليه الصلاة والسلام ( إنما أمرتم ان تعتزلوا مجامعتهن اذا حضن

" صفحة رقم 293 "
ولم يامركم بإخراجهن من البيوت كفعل الأعاجم )
وقيل ان النصارى كانوا يجامعونهن ولا يبالون بالحيض واليهود كانوا يعتزلونهن في كل شيء فأمر الله بالاقتصاد بين الأمرين وبين الفقهاء خلاف في الاعتزال فأبو حنيفة وأبو يوسف يوجبان اعتزال ما اشتمل عليه الإزار ومحمد بن الحسن لا يوجب الا اعتزال الفرج وروى محمد حديث عائشة رضي الله عنها ان عبد الله بن عمر سألها هل يباشر الرجل امراته وهي حائض فقالت تشد إزارها على سفلتها ثم ليباشرها إن شاء
وما روى زيد بن أسلم
122 ان رجلا سأل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما يحل لي من امرأتي وهي حائض قال ( لتشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها )
ثم قال وهذا قول أبي حنيفة
وقد جاء ما هو ارخص من هذا عن عائشة رضي الله عنها انها قالت يجتنب شعار الدم وله ما سوى ذلك وقرىء ( يطهرن ) بالتشديد أي يتطهرن بدليل قوله
) فإذا تطهرن ( وقرأ عبد الله ( حتى يتطهرن ) و يطهرن ) بالتخفيف والتطهر الاغتسال والطهر انقطاع دم الحيض
وكلتا القراءتين مما يجب العمل به فذهب أبو حنيفة إلى ان له ان يقربها في اكثر الحيض بعد انقطاع الدم وإن لم تغتسل وفي اقل الحيض لا يقربها حتى تغتسل أو يمضي عليها وقت صلاة
وذهب الشافعي إلى انه لا يقربها حتى تطهر وتطهر فتجمع بين الأمرين وهو قول واضح ويعضده قوله
) فإذا تطهرن (
) من حيث أمركم الله (
من المأتي الذي أمركم الله به وحلله لكم وهو القبل
" إن الله يحب التوبين مما عسى يندر

" صفحة رقم 294 "
منهم من ارتكاب مانهوا عنه من ذلك
) ويحب المتطهرين (
المتنزهين عن الفواحش أو أن الله يحب التوابين الذين يطهرون انفسهم بطهرة التوبة من كل ذنب ويحب المتطهرين من جميع الأقذار كمجامعة الحائض والطاهر قبل الغسل وإتيان ما ليس بمباح وغير ذلك
) حرث لكم (
مواضع الحرث لكم
وهذا مجاز شبههن بالمحارث تشبيها لما يلقى في ارحامهن من النطف التي منها النسل بالبذور
وقوله
) ) فأتوا حرثكم أنى شئتم (
تمثيل أي فأتوهن كما تاتون أراضيكم التي تريدون ان تحرثوها من أي جهة شئتم
لا تحظر عليكم جهة دون جهة والمعنى جامعوهن من أي شق أدرتم بعد ان يكون الماتى واحدا وهو موضع الحرث وقوله
) هو أذى فاعتزلوا النساء (
) من حيث أمركم الله (
) فأتوا حرثكم أنى شئتم ( من الكنايات اللطيفة والتعريضات المستحسنة وهذه وأشباهها في كلام الله آداب حسنة على المؤمنين ان يتعلموها ويتادبوا بها ويتكلفوا مثلها في محاورتهم ومكاتبتهم وروي
123 ان اليهود كانوا يقولون من جامع امراته وهي مجبية من دبرها في قبلها كان ولدها احول فذكر ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ( كذبت اليهود )
ونزلت
) وقدموا لأنفسكم (
ما يجب تقديمه من الأعمال الصالحة وما هو خلاف ما نهيتكم عنه
وقيل هو طلب الولد وقيل التسمية على الوطء
) واتقوا الله (
فلا تجترئوا على المناهي
) واعلموا أنكم ملاقوه (
فتزودوا ما لا تفتضحون به
) وبشر المؤمنين (
المستوجبين للمدح والتعظيم بترك القبائح وفعل الحسنات فإن قلت ما موقع قوله نساؤكم حرث لكم مما قبله قلت موقعه موقع البيان والتوضيح لقوله
) فأتوهن من حيث أمركم الله (
يعني ان المأتى الذي أمركم الله به هو مكان الحرث ترجمة له وتفسيرا أو إزالة للشبهة ودلالة على ان الغرض الأصيل في الاتيان هو طلب النسل لا قضاء الشهوة فلا تأتوهن الا من المأتى الذي يتعلق به هذا الغرض
فإن قلت ما بال
" يسئلونك "
جاء بغير واو ثلاث مرات ثم مع الواو ثلاثا قلت كان سؤالهم عن تلك الحوادث الأول وقع في احوال متفرقة فلم يؤت بحرف العطف لأن كل واحد من السؤالات سؤال مبتدأ
وسألوا عن الحوادث الأخر في وقت واحد فجيء بحرف الجمع لذلك كانه قيل يجمعون لك بين السؤال عن الخمر والميسر والسؤال عن الإنفاق والسؤال عن كذا وكذا

" صفحة رقم 295 "
في أيمانكم ولاكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم 224 - 225
البقرة : ( 224 ) ولا تجعلوا الله . . . . .
العرضة فعلة بمعنى مفعول كالقبضة والغرفة وهي اسم ما تعرضه دون الشيء من عرض العود على الإناء فيعترض دونه ويصير حاجزا ومانعا منه
تقول فلان عرضة دون الخير والعرضة أيضا المعرض للأمر قال
( فلا تجعلوني عرضة للوائم )
ومعنى الآية على الأولى ان الرجل كان يحلف على بعض الخيرات من صلة رحم أو إصلاح ذات بين أو إحسان إلى أحد أو عبادة ثم يقول أخاف الله ان احنث في يميني فيترك البر ارادة البر في يمينه فقيل لهم
) ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم (
أي حاجزا لما حلفتم عليه
وسمي المحلوف عليه يمينا لتلبسه باليمين كما قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لعبد الرحمن بن سمرة
124 ( إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فات الذي هو خير وكفر عن يمينك )
أي على شيء مما يحلف عليه
وقوله
) أن تبروا وتتقوا وتصلحوا (
عطف بيان لأيمانكم اي للأمور المحلوف عليها التي هي البر والتقوى والإصلاح بين الناس
فإن قلت بم تعلقت اللام في لإيمانكم قلت بالفعل أي ولا تجعلوا الله لإيمانكم برزخا وحجازا
ويجوز ان يتعلق ب
) عرضه (
لما فيها من معنى الاعتراض بمعنى لا تجعلوه شيئا يعترض البر من اعترضني كذا
ويجوز ان يكون اللام للتعليل ويتعلق أن تبروا بالفعل أو بالعرضة أي ولا تجعلوا الله لأجل أيمانكم به عرضة لأن تبروا
ومعناها على الأخرى ولا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم فتبتذلوه بكثرة الحلف به ولذلك ذم من انزل فيه
) ولا تطع كل حلاف مهين ( القلم 10 بأشنع المذام وجعل الحلاف مقدمتها و ان تبروا ) علة للنهي أي إرادة ان تبروا وتتقوا وتصلحوا لأن الحلاف مجترىء على الله غير معظم له فلا يكون برا متقيا ولا يثق به الناس فلا يدخلونه في وساطاتهم وإصلاح ذات بينهم اللغو الساقط الذي لا يعتد به من كلام وغيره ولذلك قيل لما لا يعتد به في الدية من اولاد الإبل لغو واللغو من اليمين الساقط الذي لا يعتد

" صفحة رقم 296 "
به في الإيمان وهو الذي لا عقد معه والدليل عليه ( ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان ) المائدة 89
) بما كسبت قلوبكم (
واختلف الفقهاء فيه فعند أبي حنيفة وأصحابه هو ان يحلف على الشيء يظنه على ما حلف عليه ثم يظهر خلافه
وعند الشافعي هو قول العرب لا والله وبلى والله مما يؤكدون به كلامهم ولا يخطر ببالهم الحلف ولو قيل لواحد منهم سمعتك اليوم تحلف في المسجد الحرام لأنكر ذلك ولعله قال لا والله ألف مرة وفيه معنيان أحدهما
) لا يؤاخذكم (
اي لا يعاقبكم بلغوة اليمين الذي يحلفه أحدكم بالظن ولكن يعاقبكم بما كسبت قلوبكم أي اقترفته من إثم القصد إلى الكذب في اليمين وهو أن يحلف على ما يعلم انه خلاف ما يقوله وهي اليمين الغموس
والثاني
) لا يؤاخذكم (
اي لا يلزمكم الكفارة بلغو اليمين الذي لا قصد معه ولكن يلزمكم الكفارة بما كسبت قلوبكم أي بما نوت قلوبكم وقصدت من الإيمان ولم يكن كسب اللسان وحده
) والله غفور حليم (
حيث لم يؤاخذكم باللغو في أيمانكم
للذين يؤلون من نسآئهم تربص أربعة أشهر فإن فآءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله فى أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الاخر وبعولتهن أحق بردهن في ذالك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم 226 - 228
البقرة : ( 226 ) للذين يؤلون من . . . . .
قرأ عبد الله ( آلوا من نسائهم )
وقرأ ابن عباس ( يقسمون من نسائهم ) فإن قلت كيف عدي بمن وهو معدى بعلى قلت قد ضمن في هذا القسم المخصوص معنى البعد فكانه قيل يبعدون من نسائهم مؤلين أو مقسمين
ويجوز ان يراد لهم
) من نسائهم تربص أربعة أشهر (
كقوله لي منك كذا والايلاء من المرأة ان يقول والله لا أقربك أربعة أشهر فصاعدا على التقييد بالأشهر
أو لا أقربك على الإطلاق ولا يكون في ما دون أربعة اشهر الا ما يحكى عن إبراهيم النخعي
وحكم ذلك انه إذا فاء اليها في المدة بالوطء إن امكنه أو بالقول ان عجز صح الفيء وحنث القادر ولزمته كفارة اليمين ولا كفارة على العاجز
وإن مضت الأربعة بانت بتطليقه عند أبي حنيفة وعند الشافعي لا يصح الإيلاء الا في أكثر من أربعة أشهر ثم يوقف المولي فإما أن

" صفحة رقم 297 "
يفيء وإما ان يطلق وإن ابى طلق عليه الحاكم ومعنى قوله
" فإن فاءو "
فإن فاؤا في الأشهر بدليل قراءة عبد الله ( فإن فاؤا فيهن )
) فإن الله غفور رحيم (
يغفر للمولين ما عسى يقدمون عليه من طلب ضرار النساء بالايلاء وهو الغالب وإن كان يجوز ان يكون على رضا منهن إشفاقا منهن على الولد من الغيل أو لبعض الأسباب لأجل الفيئة التي هي مثل التوبة
) وإن عزموا الطلاق (
فتربصوا إلى مضي المدة
) فإن الله سميع عليم (
وعيد على إصرارهم وتركهم الفيئة وعلى قول الشافعي رحمه الله معناه
" فإن فآءوا "
) وإن عزموا (
بعد مضي المدة
فإن قلت كيف موقع الفاء اذا كانت الفيئة قبل انتهاء مدة التربص قلت موقع صحيح لأن قوله
" فإن فاءو "
) وإن عزموا (
تفصيل لقوله
" للذين يولون من نسائهم "
والتفصيل يعقب المفصل كما تقول انا نزيلكم هذا الشهر فإن احمدتكم أقمت عندكم إلى آخره والا لم أقم الا ريثما أتحول
فإن قلت ما تقول

" صفحة رقم 298 "
في قوله
) فإن الله سميع عليم (
وعزمهم الطلاق بما يعلم ولا يسمع قلت الغالب ان العازم للطلاق وترك الفيئة والضرار لا يخلو من مقاولة ودمدمة ولا بد له من ان يحدث نفسه ويناجيها بذلك وذلك حديث لا يسمعه الا الله كما يسمع وسوسة الشيطان
) والمطلقات (
أراد المدخول بهن من ذوات الأقراء
فإن قلت كيف جازت ارادتهن خاصة واللفظ يقتضي العموم قلت بل اللفظ مطلق في تناول الجنس صالح لكله وبعضه فجاء في أحد ما يصلح له كالاسم المشترك فإن قلت فما معنى الإخبار عنهن بالتربص قلت هو خبر في معنى الأمر
واصل الكلام وليتربص المطلقات واخراج الأمر في صورة الخبر تأكيد للأمر وإشعار بأنه مما يجب ان يتلقى بالمسارعة إلى امتثاله فكانهن امتثلن الأمر بالتربص فهو يخبر عنه موجودا ونحوه قولهم في الدعاء رحمك الله
أخرج في صورة الخبر ثقة بالاستجابة كانما وجدت الرحمة فهو يخبر عنها وبناؤه على المبتدأ مما زاده أيضا فضل تأكيد
ولو قيل ويتربص المطلقات لم يكن بتلك الوكادة فإن قلت هلا قيل يتربصن ثلاثة قروء كما قيل
) تربص أربعة أشهر (
وما معنى ذكر الأنفس قلت في ذكر الأنفس تهييج لهن على التربص وزيادة بعث لأن فيه ما يستنكف منه فيحملهن على ان يتربصن وذلك أن أنفس النساء طوامح إلى الرجال فأمرن ان يقمعن انفسهن ويغلبنها على الطموح ويجبرنها على التربص والقروء جمع قرء أو قرء وهو الحيض بدليل قوله عليه الصلاة والسلام
125 ( دعي الصلاة أيام أقرائك )
وقوله

" صفحة رقم 299 "
126 ( طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان ) ولم يقل طهران وقوله تعالى
) واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر ( الطلاق 4 فأقام الأشهر مقام الحيض دون الأطهار ولأن الغرض الأصيل في العدة استبراء الرحم والحيض هو الذي تستبرا به الأرحام دون الطهر ولذلك كان الاستبراء من الأمة بالحيضة
ويقال أقرأت المرأة اذا حاضت
وامرأة مقرىء وقال أبو عمرو بن العلاء دفع فلان جاريته إلى فلانة تقرئها أي تمسكها عندها حتى تحيض للاستبراء
فإن قلت فما تقول في قوله تعالى
) فطلقوهن لعدتهن ( الطلاق 1 والطلاق الشرعي إنما هو في الطهر قلت معناه مستقبلات لعدتهن كما تقول لقيته لثلاث بقين من الشهر تريد مستقبلا لثلاث وعدتهن الحيض الثلاث فإن قلت فما تقول في قول الأعشى
( لما ضاع فيها من قروء نسائكا )
قلت أراد لما ضاع فيها من عدة نسائك لشهرة القروء عندهم في الاعتداد بهن أي من مدة طويلة كالمدة التي تعتد فيها النساء استطال مدة غيبته عن اهله كل عام

" صفحة رقم 300 "
لاقتحامه في الحروب والغارات
وانه تمر على نسائه مدة كمدة العدة ضائعة لا يضاجعن فيها أو اراد من اوقات نسائك فإن القرء والقارىء جاء في معنى الوقت ولم يرد لا حيضا ولا طهرا فإن قلت فعلام انتصب
) ثلاثة قروء (
قلت على انه مفعول به كقولك المحتكر يتربص الغلاء أي يتربصن مضي ثلاثة قروء أو على أنه ظرف أي يتربصن مدة ثلاثة قروء فإن قلت لم جاء المميز على جمع الكثرة دون القلة التي هي الأقراء قلت يتسعون في ذلك فيستعملون كل واحد من الجمعين مكان الآخر لاشتراكهما في الجمعية
الا ترى إلى قوله
) بأنفسهن (
وما هي الا نفوس كثيرة ولعل القروء كانت أكثر استعمالا في جمع قرء من الأقراء فأوثر عليه تنزيلا لقليل الاستعمال منزلة المهمل فيكون مثل قولهم ثلاثة شسوع وقرا الزهري ( ثلاثة قرو ) بغير همزة
) ما خلق الله في أرحامهن (
من الولد أو من دم الحيض وذلك إذا ارادت المرأة فراق زوجها فكتمت حملها لئلا ينتظر بطلاقها ان تضع ولئلا يشفق على الولد فيترك تسريحها أو كتمت حيضها وقالت وهي حائض قد طهرت استعجالا للطلاق
ويجوز ان يراد اللاتي يبغين اسقاط ما في بطونهن من الأجنة فلا يعترفن به ويجحدنه لذلك فجعل كتمان ما في أرحامهن كناية عن إسقاطه
) إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر (
تعظيم لفعلهن وان من آمن بالله وبعقابه لا يجترىء على مثله من العظائم والبعولة جمع بعل والتاء لاحقة لتأنيث الجمع كما في الحزونة والسهولة ويجوز ان يراد بالبعولة المصدر من قولك بعل حسن البعولة يعني واهل بعولتهن
) أحق بردهن (
برجعتهن
وفي قراءة أبي ( بردتهن في ذالك "
في مدة ذلك التربص
فإن قلت كيف جعلوا احق بالرجعة كأن للنساء حقا فيها قلت المعنى ان الرجل إن اراد الرجعة وأبتها المرأة وجب ايثار قوله على قولها وكان هو احق منها لا ان لها حقا في الرجعة
" إن أرادوا "
بالرجعة
" اصلاحا "
لما بينهم وبينهن وإحسانا اليهن ولم يريدوا مضارتهن
" ولهن مثل الذي عليهن "
ويجب لهن من الحق على الرجال مثل الذي يجب لهم عليهن
" بالمعروف "
بالوجه الذي لا ينكر في الشرع وعادات الناس فلا يكلفنهم ما ليس لهن ولا يكلفونهن ما ليس لهم ولا يعنف أحد الزوجين صاحبه
والمراد بالمماثلة مماثلة الواجب الواجب في كونه حسنة لا في جنس الفعل فلا يجب عليه إذا غسلت ثيابه أو خبزت له ان يفعل نحو ذلك ولكن يقابله بما يليق بالرجال
" درجة "
زيادة في الحق وفضيلة قيل المرأة تنال من اللذة ما ينال الرجل وله الفضيلة بقيامه عليها وإنفاقه في مصالحها
الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا ممآ ءاتيتموهن شيئا إلا أن يخافآ ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولائك هم الظالمون فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهمآ أن يتراجعآ إن ظنآ أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون - 230
البقرة : ( 229 - 230 ) الطلاق مرتان فإمساك . . . . .

" صفحة رقم 301 "
) الطلاق (
بمعنى التطليق كالسلام بمعنى التسليم أي التطليق الشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق دون الجمع والإرسال دفعة واحدة ولم يرد بالمرتين التثنية ولكن التكرير كقوله ( ثم ارجع البصر كرتين ) الملك 4 أي كرة بعد كرة لا كرتين اثنتين ونحو ذلك من التثاني التي يراد بها التكرير قولهم لبيك وسعديك وحنانيك وهذاذيك ودواليك
وقوله تعالى
) فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان (
تخيير لهم بعد ان علمهم كيف يطلقون بين ان يمسكوا النساء بحسن العشرة والقيام بمواجبهن وبين ان يسرحوهن السراح الجميل الذي علمهم
وقيل معناه الطلاق الرجعي مرتان لأنه لا رجعة بعد الثلاث فإمساك بمعروف أي برجعة أو تسريح بإحسان أي بان لا يراجعها حتى تبين بالعدة أو بأن لا يراجعها مراجعة يريد بها تطويل العدة عليها وضرارها وقيل بان يطلقها الثالثة في الطهر الثالث وروي
127 أن سائلا سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أين الثالثة فقال عليه الصلاة والسلام ( أو تسريح باحسان )
وعند أبي حنيفة وأصحابه الجمع بين التطليقتين والثلاث بدعة والسنة ان لا يوقع عليها الا واحدة في طهر لم يجامعها فيه لما روي في حديث ابن عمر
128 أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال له ( إنما السنة ان تستقبل الطهر استقبالا فتطلقها لكل قرء تطليقة )
أخرجه الطبراني كما في المجمع 7767 من حديث ابن عمر وقال الهيثمي رواه الطبراني وعند الشافعي لا بأس بارسال الثلاث

" صفحة رقم 302 "
129 لحديث العجلاني الذي لاعن امرأته فطلقها ثلاثا بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلم ينكر عليه
روي
130 ان جميلة بنت عبد الله بن أبي كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس وكانت تبغضه وهو يحبها
فأتت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت يا رسول الله لا انا ولا ثابت لا يجمع رأسي ورأسه شيء والله ما اعيب عليه في دين ولا خلق ولكني أكره الكفر في الإسلام ما اطيقه بغضا اني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة فإذا هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها فنزلت وكان قد أصدقها حديقة فاختلعت منه بها وهو اول خلع كان في الإسلام
فإن قلت لمن الخطاب في قوله
) ولا يحل لكم أن تأخذوا (
إن قلت للأزواج لم يطابقة قوله
) فإن خفتم ألا يقيما حدود الله (
وإن قلت للأئمة والحكام فهؤلاء ليسوا بآخذين منهن ولا بمؤتيهن قلت يجوز الأمران جميعا ان يكون اول الخطاب للأزواج وأخره للأئمة والحكام ونحو ذلك غير عزيز في القرآن وغيره وان يكون الخطاب كله للأئمة والحكام لأنهم الذين يأمرون بالأخذ والإيتاء عند الترافع اليهم فكأنهم الآخذون والمؤتون
" مما ءاتيتموهن " مما أعطيتموهن من الصدقات
) إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله (
إلا أن يخاف الزوجان ترك إقامة حدود الله فيما يلزمهما من مواجب الزوجية لما يحدث من نشوز المرأة وسوء خلقها
) فلا جناح عليهما (
فلا جناح على الرجل فيما اخذ ولا عليها فيما أعطت
) فيما افتدت به (
فيما فدت به نفسها واختلعت به من بذل ما اوتيت من المهر
والخلع بالزيادة على المهر مكروه وهو جائز في الحكم
وروي ان امرأة نشزت على زوجها فرفعت إلى عمر رضي الله عنه فأباتها في بيت الزبل ثلاث ليال ثم دعاها فقال كيف وجدت مبيتك قالت ما بت منذ كنت عنده أقر لعيني منهن
فقال لزوجها اخلعها ولو بقرطها
قال قتادة يعني بمالها كله هذا إذا كان النشوز منها فإن كان منه كره له ان يأخذ منها شيئا
وقرىء

" صفحة رقم 303 "
( إلا ) ان يخافا على البناء للمفعول وابدال ان لا يقيما من ألف الضمير وهو من بدل الاشتمال كقولك خيف زيد تركه إقامة حدود الله ونحوه
) وأسروا النجوى الذين ظلموا ( الأنبياء 3
ويعضده قراءة عبد الله ( إلا ان تخافوا ) وفي قراءة أبي ( إلا ان يظنا )
ويجوز ان يكون الخوف بمعنى الظن
يقولون اخاف ان يكون كذا وافرق ان يكون يريدون أظن
) فإن طلقها (
الطلاق المذكور الموصوف بالتكرار في قوله تعالى
) الطلاق مرتان (
واستوفى نصابه أو
فإن طلقها مرة ثالثة بعد المرتين
) فلا تحل له من بعد (
من بعد ذلك التطليق
) حتى تنكح زوجا غيره (
حتى تتزوج غيره والنكاح يسند إلى المرأة كما يسند إلى الرجل كما التزوج
ويقال فلانة ناكح في بني فلان وقد تعلق من اقتصر على العقد في التحليل بظاهره وهو سعيد ابن المسيب
والذي عليه الجمهور أنه لا بد من الإصابة لما روى عروة عن عائشة رضي الله عنها
131 ان امرأة رفاعة جاءت إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت إن رفاعة طلقني فبت طلاقي وإن عبد الرحمن بن الزبير تزوجني وإنما معه مثل هدبة الثوب وإنه طلقني قبل ان يمسني فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أتريدين ان ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك )
وروي
132 انها لبثت ما شاء الله ثم رجعت فقالت إنه كان قد مسني فقال ( لها

" صفحة رقم 304 "
كذبت في قولك الأول فلن أصدقك في الآخر )
فلبثت حتى قبض رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاتت أبا بكر رضي الله عنه فقالت أارجع إلى زوجي الأول فقال قد عهدت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين قال لك ما قال فلا ترجعي اليه فلما قبض أبو بكر رضي الله عنه قالت مثله لعمر رضي الله عنه فقال إن أتيتني بعد مرتك هذه لأرجمنك فمنعها
فإن قلت فما تقول في النكاح المعقود بشرط التحليل قلت ذهب سفيان والأوزاعي وابو عبيد ومالك وغيرهم إلى أنه غير جائز وهو جائز عند أبي حنيفة مع الكراهة
وعنه أنهما إن أضمرا التحليل ولم يصرحا به فلا كراهة
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
133 ( أنه لعن المحلل والمحلل له )
وعن عمر رضي الله عنه لا اوتى بمحلل ولا محلل له الا رجمتهما وعن عثمان رضي الله عنه لا نكاح الا نكاح رغبة غير مدالسة
) فإن طلقها (
الزوج الثاني
) أن يتراجعا (
أن يرجع كل واحد منهما إلى صاحبه بالزواج
) إن ظنا (
إن كان في ظنهما انهما يقيمان حقوق الزوجية
ولم يقل إن علما انهما يقيمان لأن اليقين مغيب عنهما لا يعلمه الا الله عز وجل
ومن فسر الظن ههنا بالعلم فقد وهم من طريق اللفظ والمعنى لأنك لا تقول علمت ان يقوم زيد ولكن علمت انه يقوم ولأن الانسان لا يعلم ما في الغد وإنما يظن ظنا
وإذا طلقتم النسآء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذالك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمت الله عليكم ومآ أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شىء عليم وإذا طلقتم النسآء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذالك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الاخر ذالكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون 231 - 232
البقرة : ( 231 ) وإذا طلقتم النساء . . . . .

" صفحة رقم 305 "
) فبلغن أجلهن (
أي آخر عدتهن وشارفن منتهاها
والأجل يقع على المدة كلها وعلى آخرها يقال لعمر الانسان أجل وللموت الذي ينتهي به أجل وكذلك الغاية والأمد يقول النحويون ( من ) لابتداء الغاية و إلى ) لانتهاء الغاية
وقال
( كل حي مستكمل مدة العمر ومود اذا انتهى أمده )
ويتسع في البلوغ أيضا فيقال بلغ البلد اذا شارفه وداناه
ويقال قد وصلت ولم يصل وإنما شارف ولأنه قد علم ان الإمساك بعد تقضي الأجل لا وجه له لأنها بعد تقضيه غير زوجة له وفي غير عدة منه فلا سبيل له عليها
) فأمسكوهن بمعروف (
فإما ان يراجعها من غير طلب ضرار بالمراجعة
) أو سرحوهن بمعروف (
وإما ان يخليها حتى تنقضي عدتها وتبين من غير ضرار
) ولا تمسكوهن ضرارا (
كان الرجل يطلق المرأة ويتركها حتى يقرب انقضاء عدتها ثم يراجعها لا عن حاجة ولكن ليطول العدة عليها فهو الإمساك ضرارا
) لتعتدوا (
لتظلموهن
وقيل لتلجئوهن إلى الافتداء
) فقد ظلم نفسه (
بتعريضها لعقاب الله
" ولا تتخذوا ءايت الله هزوا "
أي جدوا في الأخذ بها والعمل بما فيها وارعوها حق رعايتها والا فقد اتخذتموها هزوا ولعبا
ويقال لمن يجد في الأمر إنما انت لاعب وهازىء
ويقال كن يهوديا والا فلا تلعب بالتوراة
وقيل كان الرجل يطلق ويعتق ويتزوج ويقول كنت لاعبا وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
134 ( ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والنكاح والرجعة )
" واذكروا نعمت الله عليكم "

" صفحة رقم 306 "
بالاسلام وبنبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم )
) وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة (
من القرآن والسنة وذكرها مقابلتها بالشكر والقيام بحقها
) يعظكم به (
بما انزل عليكم
) فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن (
إما ان يخاطب به الأزواج الذين يعضلون نساءهم بعد انقضاء العدة ظلما وقسرا ولحمية الجاهلية لا يتركونهن يتزوجن من شئن من الأزواج
والمعنى ان ينكحن ازواجهن الذين يرغبن فيهم ويصلحون لهن وإما ان يخاطب به الأولياء في عضلهن ان يرجعن إلى ازواجهن روي
135 انها نزلت في معقل بن يسار حين عضل اخته ان ترجع إلى الزوج الأول وقيل في جابر بن عبد الله حين عضل بنت عم له
والوجه ان يكون خطابا للناس أي لا يوجد فيما بينكم عضل لأنه اذا وجد بينهم وهم راضون كانوا في حكم العاضلين والعضل الحبس والتضييق
ومنه عضلت الدجاجة اذا نشب بيضها فلم يخرج وأنشد لابن هرمة
وإن قصائدي لك فاصطنعني
عقائل قد عضلن عن النكاح
وبلوغ الأجل على الحقيقة
وعن الشافعي رحمه الله دل سياق الكلامين على افتراق البلوغين
) إذا تراضوا (
إذا تراضى الخطاب والنساء
) بالمعروف (
بما يحسن في الدين والمروءة من الشرائط وقيل بمهر المثل ومن مذهب أبي حنيفة رحمه الله انها إذا زوجت نفسها بأقل من مهر مثلها فللأولياء ان يعترضوا
فإن قلت لمن الخطاب في قوله
) ذلك يوعظ به (
قلت يجوز ان يكون لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولكل أحد
ونحوه ( ذلك خير لكم وأطهر ) المجادلة 12
) أزكى لكم وأطهر (
من ادناس الآثام وقيل ( أزكى وأطهر ) أفضل وأطيب
) والله يعلم (
ما في ذلك من الزكاء والطهر
) وأنتم لا تعلمون ( ه أو والله يعلم ما تستصلحون به من الأحكام والشرائع وأنتم تجهلونه

" صفحة رقم 307 "
والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضآر والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذالك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم مآ ءاتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير 233
)
البقرة : ( 233 ) والوالدات يرضعن أولادهن . . . . .
يرضعن (
مثل يتربصن في انه خبر في معنى الأمر المؤكد
) كاملين (
توكيد كقوله
) تلك عشرة كاملة ( البقرة 196 لنه مما يتسامح فيه فتقول أقمت عند فلان حولين ولم تستكملهما
وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما ( ان يكمل الرضاعة ) وقرىء ( الرضاعة ) بكسر الراء ( والرضعة ) ( وان تتم الرضاعة ) و أن يتم الرضاعة ) برفع الفعل تشبيها ل ( أن ) ب ( ما ) لتأخيهما في التاويل
فإن قلت كيف اتصل قوله
) لمن أراد (
بما قبله قلت هو بيان لمن توجه اليه الحكم كقوله تعالى
) هيت لك ( يوسف 23 لك بيان للمهيت به أي هذا الحكم لمن أراد إتمام الرضاع
وعن قتادة حولين كاملين ثم انزل الله اليسر والتخفيف فقال
) لمن أراد أن يتم الرضاعة (
أراد أنه يجوز النقصان وعن الحسن ليس ذلك بوقت لا ينقص منه بعد ان لا يكون في الفطام ضرر وقيل اللام متعلقة بيرضعن كما تقول أرضعت فلانة لفلان ولده أي يرضعن حولين لمن أراد ان يتم الرضاعة من الآباء لأن الأب يجب عليه إرضاع الولد دون الأم وعليه ان يتخذ له ظئرا الا اذا تطوعت الأم بإرضاعه وهي مندوبة إلى ذلك ولا تجبر عليه
ولا يجوز استئجار الأم عند أبي حنيفة رحمه الله ما دامت زوجة أو معتدة من نكاح
وعند الشافعي يجوز فإذا انقضت عدتها جاز بالاتفاق
فإن قلت فما بال الوالدات مأمورات بأن يرضعن اولادهن قلت إما ان يكون امرا على وجه الندب وإما على وجه الوجوب اذا لم يقبل الصبي الا ثدي امه أو لم توجد له ظئر أو كان الأب عاجزا عن الاستئجار وقيل أراد الوالدات المطلقات وايجاب النفقة والكسوة لأجل الرضاع
) وعلى المولود له (
وعلى الذي يولد له وهو الوالد و
) له (
في محل الرفع على الفاعلية نحو
) عليهم (
في
) المغضوب عليهم ( الفاتحة 7 فإن قلت لم قيل
) المولود (
له دون الوالد
قلت ليعلم ان الوالدات إنما ولدن لهم لأن الأولاد للآباء ولذلك ينسبون اليهم لا إلى الأمهات وأنشد للمأمون بن الرشيد
( فإنما امهات الناس أوعية مستودعات وللآباء أبناء )

" صفحة رقم 308 "
فكان عليهم ان يرزقوهن ويكسوهن اذا أرضعن ولدهم كالأظآر
ألا ترى انه ذكره باسم الوالد حيث لم يكن هذا المعنى وهو قوله تعالى
) واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ( لقمان 32
) بالمعروف (
تفسيره ما يعقبه وهو ان لا يكلف واحد منهما ما ليس في وسعه ولا يتضارا
وقرىء ( لا تكلف ) بفتح التاء و ( لا نكلف الأنعام ) بالنون
وقرىء ( لا تضار ) بالرفع على الإخبار وهو يحتمل البناء للفاعل والمفعول وان يكون الأصل تضارر بكسر الراء وتضارر بفتحها
وقرأ
) لا تضار (
بالفتح اكثر القراء
وقرأ الحسن بالكسر على النهي وهو محتمل للبناءين أيضا
ويبين ذلك انه قرىء ( لا تضارر ) ولا ( تضارر ) بالجزم وفتح الراء الأولى وكسرها وقرأ أبو جعفر لا ( تضار ) بالسكون مع التشديد على نية الوقف
وعن الأعرج ( لا تضار ) بالسكون والتخفيف وهو من ضاره يضيره
ونوى الوقف كما نواه أبو جعفر أو اختلس الضمة فظنه الراوي سكونا وعن كاتب عمر بن الخطاب ( لا تضرر ) والمعنى لا تضار والدة زوجها بسبب ولدها وهو ان تعنف به وتطلب منه ما ليس بعدل من الرزق والكسوة وان تشغل قلبه بالتفريط في شان الولد وان تقول بعد ما ألفها الصبي اطلب له ظئرا وما أشبه ذلك ولا يضار مولود له امرأته بسبب ولده بأن يمنعها شيئا مما وجب عليه من رزقها وكسوتها ولا يأخذه منها وهي تريد إرضاعه ولا يكرهها على الإرضاع
وكذلك إذا كان مبنيا للمفعول فهو نهي عن أي يلحق بها الضرار من قبل الزوج وعن ان يلحق بها الضرار بالزوج من قبلها بسبب الولد ويجوز ان يكون
) تضار (
بمعنى تضر وان تكون الباء من صلته أي لا تضر والدة بولدها فلا تسيء غذاءه وتعهده ولا تفرط فيما ينبغي له ولا تدفعه إلى الأب بعد ما الفها
ولا يضر الوالد به بأن ينتزعه من يدها أو يقصر في حقها فتقصر هي في حق الولد
فإن قلت كيف قيل بولدها وبولده قلت لما نهيت المرأة عن المضارة أضيف اليها الولد استعطافا لها عليه وانه ليس بأجنبي منها
فمن حقها ان تشفق عليه وكذلك الوالد
) وعلى الوارث (
عطف على قوله
) وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن (
وما بينهما تفسير للمعروف معترض بين المعطوف والمعطوف عليه فكان المعنى وعلى وارث المولود له مثل ما وجب عليه من الرزق والكسوة أي إن مات المولود له لزم من يرثه أن يقوم مقامه في أن يرزقها ويكسوها بالشريطة التي ذكرت من المعروف وتجنب الضرار
وقيل هو وارث الصبي الذي لو مات الصبي ورثه
واختلفوا فعند ابن أبي ليلي كل من ورثه وعند أبي حنيفة من كان ذا رحم محرم منه
وعند الشافعي لا نفقة فيما عدا الولاد وقيل من ورثه من عصبته مثل الجد والأخ وابن الأخ والعم وابن العم
وقيل المراد وارث

" صفحة رقم 309 "
الأب وهو الصبي نفسه وانه إن مات أبوه وورثه وجبت عليه أجرة رضاعة في ماله إن كان له مال فإن لم يكن له مال أجبرت الأم على إرضاعه
وقيل
) على الوارث (
على الباقي من الأبوين من قوله
136 ( واجعله الوارث منا )
" فإن ارادا فصالا صادرا "
) عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما (
في ذلك زادا على الحولين أو نقصا وهذه توسعة بعد التحديد
وقيل هو في غاية الحولين لا يتجاوز وإنما اعتبر تراضيهما في الفصال وتشاورهما اما الأب فلا كلام فيه واما الأم فلأنها احق بالتربية وهي اعلم بحال الصبي
وقرىء ( فإن اراد ) استرضع منقول من أرضع
يقال أرضعت المرأة الصبي واسترضعتها الصبي لتعديه إلى مفعولين كما تقول أنجح الحاجة واستنجحته الحاجة والمعنى ان تسترضعوا المراضع اولادكم فحذف أحد المفعولين للاستغناء عنه كما تقول استنجحت الحاجة ولا تذكر من استنجحته وكذلك حكم كل مفعولين لم يكن احدهما عبارة عن الأول
) إذا سلمتم (
إلى المراضع
) ما آتيتم (
ما أردتم ايتاءه كقوله تعالى
) إذا قمتم إلى الصلاة ( المائدة 6 وقرىء ( ما اتيتم ) من اتى اليه إحسانا اذا فعله ومنه قوله تعالى
) إنه كان وعده مأتيا ( مريم 61 أي مفعولا
وروى شيبان عن عاصم ( ما اوتيتم ) أي ما آتاكم الله وأقدركم عليه من الآجرة ونحوه
) وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ( الحديد 7 وليس التسليم بشرط للجواز والصحة وإنما هو ندب إلى الأولى
ويجوز ان يكون بعثا على ان يكون الشيء الذي تعطاه المرضع من اهنى ما يكون لتكون طيبة النفس راضية فيعود ذلك اصلاحا لشان الصبي واحتياطا في أمره فامرنا بإيتانه ناجزا يدا بيد كانه قيل اذا أديتم إليهن يدا بيد ما اعطيتموهن
) بالمعروف (
متعلق بسلمتم أمروا ان يكونوا عند تسليم الأجرة مستبشري الوجوه
ناطقين بالقول الجميل مطيبين لأنفس المراضع بما أمكن حتى يؤمن تفريطهن بقطع معاذيرهن

" صفحة رقم 310 "
والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن فى أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النسآء أو أكننتم فى أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولاكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما فى أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم 234 - 235
البقرة : ( 234 - 235 ) والذين يتوفون منكم . . . . .
) والذين يتوفون منكم (
على تقدير حذف المضاف أراد وازواج الذين يتوفون منكم يتربصن وقيل معناه يتربصن بعدهم كقولهم السمن منوان بدرهم وقرىء ( يتوفون ) بفتح الياء اي يستوفون آجالهم وهي قراءة علي رضي الله عنه والذي يحكى ان أبا الأسود الدؤلي كان يمشي خلف جنازة فقال له رجل من المتوفي بكسر الفاء فقال الله تعالى وكان أحد الأسباب الباعثة لعلي رضي الله عنه على ان أمره بأن يضع كتابا في النحو تناقضه هذه القراءة
) يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا (
يعتددن هذه المدة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام وقيل عشرا ذهابا إلى الليالي والأيام داخلة معها ولا تراهم قط يستعملون التذكير فيه ذاهبين إلى الأيام
تقول صمت عشرا ولو ذكرت خرجت من كلامهم
ومن البين فيه قوله تعالى
) إن لبثتم إلا عشرا ( طه 103 ثم
) إن لبثتم إلا يوما ( طه 104
) فإذا بلغن أجلهن (
فإذا انقضت عدتهن
) فلا جناح عليكم (
أيها الأئمة وجماعة المسلمين
) فيما فعلن في أنفسهن (
من التعرض للخطاب
) بالمعروف (
بالوجه الذي لا ينكره الشرع
والمعنى أنهن لو فعلن ما هو منكر كان على الأئمة ان يكفوهن
وإن فرطوا كان عليهم الجناح
) فيما عرضتم به (
هو ان يقول لها إنك لجميلة أو صالحة أو نافقة ومن غرضي ان اتزوج وعسى الله ان ييسر لي امراة صالحة ونحو ذلك من الكلام الموهم انه يريد نكاحها حتى تحبس نفسها عليه إن رغبت فيه ولا يصرح بالنكاح فلا يقول إني أريد أن أنكحك أو أتزوجك أو أخطبك
وروى ابن المبارك عن عبد الله بن سليمان عن خالته قالت دخل علي أبو جعفر

" صفحة رقم 311 "
محمد بن علي وانا في عدتي فقال قد علمت قرابتي من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وحق جدي علي وقدمي في الاسلام فقلت غفر الله لك أتخطبني في عدتي وانت يؤخذ عنك فقال اوقد فعلت إنما اخبرتك بقرابتي من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وموضعي قد دخل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على أم سلمة وكانت عند ابن عمها أبي سلمة فتوفي عنها فلم يزل يذكر لها منزلته من الله وهو متحامل على يده حتى أثر الحصير في يده من شدة تحامله عليها فما كانت تلك خطبة
فإن قلت أي فرق بين الكناية والتعريض قلت الكناية ان تذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له كقولك طويل النجاد والحمائل لطول القامة وكثير الرماد للمضياف
والتعريض ان تذكر شيئا تدل به على شيء لم تذكره كما يقول المحتاج للمحتاج اليه جئتك لأسلم عليك ولأنظر إلى وجهك الكريم ولذلك قالوا
وحسبك بالتسليم مني تقاضيا
وكأنه إمالة الكلام إلى عرض يدل على الغرض ويسمى التلويح لأنه يلوح منه ما يريده
) أو أكننتم في أنفسكم (
أو سترتم وأضمرتم في قلوبكم فلم تذكروه بألسنتكم لا معرضين ولا مصرحين
) علم الله أنكم ستذكرونهن (
لا محالة ولا تنفكون عن النطق برغبتكم فيهن ولا تصبرون عنه وفيه طرف من التوبيخ كقوله
) علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم ( البقرة 187
فإن قلت أين المستدرك بقوله
) ولكن لا تواعدوهن (
قلت هو محذوف لدلالة ستذكرونهن عليه تقديره علم الله أنكم ستذكرونهن فاذكروهن ولكن لا تواعدوهن سرا
والسر وقع كناية عن النكاح الذي هو الوطء لأنه مما يسر قال الأعشى

" صفحة رقم 312 "
ولا تقربن من جارة إن سرها
عليك حرام فأنكحن أو تأبدا
ثم عبر به عن النكاح الذي هو العقد لأنه سبب فيه كما فعل بالنكاح
) إلا أن تقولوا قولا معروفا (
وهو ان تعرضوا ولا تصرحوا
فإن قلت بم يتعلق حرف الاستثناء قلت بلا تواعدوهن أي لا تواعدوهن مواعدة قط الا مواعدة معروفة غير منكرة أي لا تواعدوهن الا بأن تقولوا أي لا تواعدوهن الا بالتعريض
ولا يجوز أن يكون استثناء منقطعا من
) سرا (
لأدائه إلى قولك لا تواعدوهن الا التعريض وقيل معناه لا تواعدوهن جماعا وهو ان يقول لها إن نكحتك كان كيت وكيت يريد ما يجري بينهما تحت اللحاف
الا ان تقولوا قولا معروفا يعني من غير رفث ولا إفحاش في الكلام
وقيل لا تواعدوهن سرا أي في السر على ان المواعدة في السر عبارة عن المواعدة بما يستهجن لأن مسارتهن في الغالب بما يستحيا من المجاهرة به
وعن ابن عباس رضي الله عنهما
) إلا أن تقولوا قولا معروفا (
هو ان يتواثقا ان لا تتزوج غيره
) ولا تعزموا عقدة النكاح (
من عزم الأمر وعزم عليه وذكر العزم مبالغة في النهي عن عقدة النكاح في العدة لأن العزم على الفعل يتقدمه فإذا نهي عنه كان عن الفعل أنهى ومعناه ولا تعزموا عقد عقدة النكاح وقيل معناه ولا تقطعوا عقدة النكاح
وحقيقة العزم القطع بدليل قوله عليه السلام
137 ( لا صيام لمن لم يعزم الصيام من الليل )
ورد بلفظ آخر فقد أخرجه أبو داود 2454 والترمذي 730 والنسائي 2330 و 2331 و 2332 وروي ( لمن لم يبيت الصيام )
) حتى يبلغ الكتاب أجله (
يعني ما كتب وما فرض من العدة
) يعلم ما في أنفسكم (
من العزم على ما لا يجوز
) فاحذروه (
ولا تعزموا عليه
) غفور حليم (
لا يعاجلكم بالعقوبة

" صفحة رقم 313 "
لا جناح عليكم إن طلقتم النسآء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفوا الذى بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير 236 - 23
البقرة : ( 236 - 237 ) لا جناح عليكم . . . . .
" لا جناح عليكم "
لا تبعة عليكم من إيجاب مهر
) إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن (
ما لم تجامعوهن
) أو تفرضوا لهن فريضة (
الا ان تفرضوا لهن فريضة أو حتى تفرضوا وفرض الفريضة تسمية المهر
وذلك ان المطلقة غير المدخول بها إن سمى لها مهر فلها نصف المسمى وإن لم يسم لها فليس لها نصف مهر المثل ولكن المتعة
والدليل على ان الجناح تبعة المهر قوله
) وإن طلقتموهن ( إلى قوله
) فنصف ما فرضتم (
فقوله فنصف ما فرضتم إثبات للجناح المنفي ثمة والمتعة درع وملحفة وخمار على حسب الحال عند أبي حنيفة الا ان يكون مهر مثلها أقل من ذلك
فلها الأقل من نصف مهر المثل ومن المتعة ولا ينقص عن خمسة دراهم لأن أقل المهر عشرة دراهم فلا ينقص من نصفها و
) الموسع (
الذي له سعة و
) المقتر (
الضيق الحال و
) قدره (
مقداره الذي يطيقه لأن ما يطيقه هو الذي يختص به وقرىء بفتح الدال والقدر والقدر لغتان
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
138 انه قال لرجل من الأنصار تزوج امرأة ولم يسم لها مهرا ثم طلقها قبل ان يمسها ( أمتعتها ) قال لم يكن عندي شيء قال ( متعها بقلنسوتك )
وعند أصحابنا لا تجب المتعة الا لهذه وحدها وتستحب لسائر المطلقات ولا تجب
) متاعا (
تأكيد لمتعوهن بمعنى تمتيعا
) بالمعروف (
بالوجه الذي يحسن في الشرع والمروءة
) حقا (
صفة لمتاعا أي متاعا واجبا عليهم
أو حق ذلك حقا
) على المحسنين (
على الذين يحسنون إلى المطلقات بالتمتيع وسماهم قبل الفعل محسنين كما قال ( صلى الله عليه وسلم )
139 ( من قتل قتيلا فله سلبه )
) إلا أن يعفون (
يريد المطلقات
فإن قلت أي فرق بين قولك الرجال يعفون والنساء يعفون قلت الواو في الأول ضميرهم والنون علم الرفع والواو في الثاني لام الفعل والنون ضميرهن والفعل مبني لا أثر في لفظه للعامل وهو في محل النصب ويعفو عطف على محله و
) الذي بيده عقدة النكاح (
الولي يعني الا ان تعفو المطلقات عن ازواجهن فلا يطالبنهم بنصف

" صفحة رقم 314 "
المهر وتقول المرأة ما رآني ولا خدمته ولا استمتع بي فكيف آخذ منه شيئا أو يعفو

" صفحة رقم 315 "
الولي الذي يلي عقد نكاحهن وهو مذهب الشافعي وقيل هو الزوج وعفوه ان يسوق اليها المهر كاملا وهو مذهب أبي حنيفة والأول ظاهر الصحة
وتسمية الزيادة على الحق عفوا فيها نظر الا ان يقال كان الغالب عندهم ان يسوق اليها المهر عند التزوج فإذا طلقها استحق ان يطالبها بنصف ما ساق اليها فإذا ترك المطالبة فقد عفا عنها
أو سماه عفوا على طريق المشاكلة
وعن جبير بن مطعم أنه تزوج امرأة وطلقها قبل ان يدخل بها فأكمل لها الصداق وقال أنا أحق بالعفو
وعنه انه دخل على سعد بن أبي وقاص فعرض عليه بنتا له فتزوجها فلما خرج طلقها وبعث اليها بالصداق كاملا فقيل له لم تزوجتها فقال عرضها علي فكرهت رده قيل فلم بعثت بالصداق قال فأين الفضل و
) الفضل (
التفضل
أي ولا تنسوا ان يتفضل بعضكم على بعض وتتمرؤا ولا تستقصوا وقرأ الحسن ( ان يعفو الذي ) بسكون الواو وإسكان الواو والياء في موضع النصب تشبيه لهما بالألف لأنهما أختاها
وقرأ أبو نهيك ( وان يعفو ) بالياء وقرىء ( ولا تنسو الفضل ) بكسر الواو
حافظوا على الصلوات والصلواة الوسطى وقوموا لله قانتين فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذآ أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون
البقرة : ( 236 - 237 ) لا جناح عليكم . . . . .
" والصلواة الوسطى "
أي الوسطى بين الصلوات أو الفضلى من قولهم للأفضل الأوسط
وإنما أفردت وعطفت على الصلاة لانفرادها بالفضل وهي صلاة العصر وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال يوم الأحزاب
140 ( شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم نارا )
وقال عليه السلام

" صفحة رقم 316 "
141 ( إنها الصلاة التى شغل عنها سليمان بن داود حتى توارت بالحجاب )
وعن حفصة انها قالت لمن كتب لها المصحف
142 اذا بلغت هذه الآية فلا تكتبها حتى امليها عليك كما سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقرؤها فأملت عليه ( والصلاة الوسطى صلاة العصر )
وروي عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم ( والصلاة الوسطى وصلاة العصر ) بالواو
فعلى هذه القراءة يكون التخصيص لصلاتين احداهما الصلاة الوسطى إما الظهر وإما الفجر وإما المغرب على اختلاف الروايات فيها والثانية العصر وقيل فضلها لما في وقتها من اشتغال الناس بتجاراتهم ومعايشهم
وعن ابن عمر رضي الله عنهما هي صلاة الظهر لأنها في وسط النهار وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يصليها بالهاجرة ولم تكن صلاة اشد على أصحابه منها
وعن مجاهد هي الفجر لأنها بين صلاتي النهار وصلاتي الليل
وعن قبيصة بن ذؤيب هي المغرب لأنها وتر النهار ولا تنقص في السفر من الثلاث وقرأ عبد الله ( وعلى الصلاة الوسطى ) وقرأت عائشة رضي الله عنها ( والصلاة الوسطى ) بالنصب على المدح والاختصاص
3 وقرأ نافع ( الوصطى ) بالصاد
) وقوموا لله (
في الصلاة
) قانتين (
ذاكرين لله في قيامكم
والقنوت ان تذكر الله قائما
وعن عكرمة كانوا يتكلمون في الصلاة فنهوا وعن مجاهد هو الركود وكف الأيدي والبصر
وروي انهم كانوا اذا قام احدهم إلى الصلاة هاب الرحمن ان يمد بصره أو يلتفت أو يقلب الحصا أو يحدث نفسه بشيء من امور الدنيا
) فإن خفتم (
فإن كان بكم خوف من عدو أو غيره
) فرجالا (
فصلوا راجلين وهو جمع راجل كقائم وقيام أو رجل يقال رجل رجل أي راجل وقرىء ( فرجالا ) بضم الراء ( ورجالا ) بالتشديد ( ورجلا )

" صفحة رقم 317 "
وعند أبي حنيفة رحمه الله لا يصلون في حال المشي والمسايفة ما لم يمكن الوقوف وعند الشافعي رحمه الله يصلون في كل حال والراكب يومىء ويسقط عنه التوجه إلى القبلة
) فإذا أمنتم (
فإذا زال خوفكم
) فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون (
من صلاة الأمن أو فإذا أمنتم فاشكروا الله على الأمن واذكروه بالعبادة كما أحسن اليكم بما علمكم من الشرائع وكيف تصلون في حال الخوف وفي حال الأمن
والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لازواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم فى ما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم
البقرة : ( 240 ) والذين يتوفون منكم . . . . .
تقديره فيمن قرأ وصية بالرفع ووصية الذين يتوفون أو وحكم الذين يتوفون وصية لأزواجهم أو والذين يتوفون أهل وصية لأزواجهم
وفيمن قرأ بالنصب والذين يتوفون يوصون وصية كقولك إنما انت سير البريد بإضمار تسير
أو والزم الذين يتوفون وصية وتدل عليه قراءة عبد الله ( كتب عليكم الوصية لأزواجكم متاعا إلى الحول ) مكان قوله
) والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول ( وقرأ أبي ( متاع لأزواجهم متاعا ) وروي عنه ( فمتاع لأزواجهم )
ومتاعا نصب بالوصية الا اذا أضمرت يوصون فإنه نصب بالفعل وعلى قراءة أبي متاعا نصب بمتاع لأنه في معنى التمتيع كقولك الحمد لله حمد الشاكرين وأعجبني ضرب لك زيدا ضربا شديدا و
) غير إخراج (
مصدر مؤكد كقولك هذا القول غير ما تقول
أو بدل من متاعا أو حال من الأزواج أي غير مخرجات والمعنى ان حق الذين يتوفون عن أزواجهم ان يوصوا قبل ان يحتضروا بأن تمتع ازواجهم بعدهم حولا كاملا أي ينفق عليهن من تركته ولا يخرجن من مساكنهن وكان ذلك في أول الاسلام ثم نسخت المدة بقوله
) أربعة أشهر وعشرا ( وقيل نسخ ما زاد منه على هذا المقدار ونسخت النفقة بالإرث الذي هو الربع والثمن
واختلف في السكنى فعند أبي حنيفة وأصحابه لا سكنى لهن
) فيما فعلن في أنفسهن (
من التزين والتعرض للخطاب
) من معروف (
مما ليس بمنكر شرعا
فإن قلت كيف نسخت الآية المتقدمة المتأخرة قلت قد تكون الآية متقدمة في التلاوة وهي متأخرة في التنزيل كقوله تعالى
) سيقول السفهاء ( 142 مع قوله
) قد نرى تقلب وجهك في السماء ( وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون 241 - 242
البقرة : ( 241 - 242 ) وللمطلقات متاع بالمعروف . . . . .
) وللمطلقات متاع (
عم المطلقات بايجاب المتعة لهن بعد ما اوجبها لواحدة منهن

" صفحة رقم 318 "
وهي المطلقة غير المدخول بها وقال
) حقا على المتقين ( كما قال ثمة
) حقا على المحسنين (
وعن سعيد بن جبير وأبي العالية والزهري أنها واجبة لكل مطلقة وقيل قد تناولت التمتيع الواجب والمستحب جميعا
وقيل المراد بالمتاع نفقة العدة
ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولاكن أكثر الناس لا يشكرون وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم 243 - 244
)
البقرة : ( 243 ) ألم تر إلى . . . . .
ألم تر (
تقرير لمن سمع بقصتهم من اهل الكتاب وأخبار الأولين وتعجيب من شأنهم
ويجوز ان يخاطب به من لم ير ولم يسمع لأن هذا الكلام جرى مجرى المثل في معنى التعجيب
روي ان أهل داوردان قرية قبل واسط وقع فيها الطاعون فخرجوا هاربين فأماتهم الله ثم أحياهم ليعتبروا ويعلموا انه لا مفر من حكم الله وقضائه
وقيل مر عليهم حزقيل بعد زمان طويل وقد عريت عظامهم وتفرقت اوصالهم فلوى شدقه وأصابعه تعجبا مما رأى فاوحى اليه ناد فيهم ان قوموا بإذن الله فنادى فنظر اليهم قياما يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لا اله الا انت
وقيل هم قوم من بني اسرائيل دعاهم ملكهم إلى الجهاد فهربوا حذرا من الموت فأماتهم الله ثمانية أيام ثم أحياهم
) وهم ألوف (
فيه دليل على الألوف الكثيرة
واختلف في ذلك فقيل عشرة وقيل ثلاثون وقيل سبعون ومن بدع التفاسير
) ألوف (
متآلفون جمع آلف كقاعد وقعود
فإن قلت ما معنى قوله
) فقال لهم الله موتوا (
قلت معناه فأماتهم وإنما جيء به على هذه العبارة للدلالة على انهم ماتوا ميتة رجل واحد بأمر الله ومشيئته وتلك ميتة خارجة عن العادة كأنهم أمروا بشيء فامتثلوه امتثالا من غير إباء ولا توقف كقوله تعالى
) إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ( يس 82 وهذا تشجيع للمسلمين على الجهاد والتعرض للشهادة وان الموت اذا لم يكن منه بد ولم ينفع منه مفر فأولى ان يكون في سبيل الله
) لذو فضل على الناس (
حيث يبصرهم ما يعتبرون به ويستبصرون كما بصر أولئك وكما بصركم باقتصاص خبرهم
أو لذو فضل على الناس حيث أحيى أولئك ليعتبروا فيفوزوا ولو شاء لتركهم موتى إلى يوم البعث
والدليل على انه ساق هذه القصة بعثا على الجهاد ما أتبعه من الأمر بالقتال في سبيل الله
) واعلموا أن الله سميع (
يسمع ما يقوله المتخلفون والسابقون
) عليم (
بما يضمرونه وهو من وراء الجزاء

" صفحة رقم 319 "
من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون 245
البقرة : ( 245 ) من ذا الذي . . . . .
إقراض الله مثل لتقديم العمل الذي يطلب به ثوابه
والقرض الحسن إما المجاهدة في نفسها وإما النفقة في سبيل الله
) أضعافا كثيرة (
قيل الواحد بسبعمائة وعن السدي كثيرة لا يعلم كنهها الا الله
" والله يقبض ويبصط "
يوسع على عباده ويقتر فلا تبخلوا عليه بما وسع عليكم لا يبد لكم الضيقة بالسعة
) وإليه ترجعون (
فيجازيكم على ما قدمتم
ألم تر إلى الملإ من بنى إسرءيل من بعد موسى إذ قالوا لنبى لهم ابعث لنا ملكا نقاتل فى سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنآ ألا نقاتل فى سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنآئنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين 246
)
البقرة : ( 246 ) ألم تر إلى . . . . .
لنبي لهم (
هو يوشع أو شمعون أو شمويل
) ابعث لنا (
أنهض للقتال معنا أميرا نصدر في تدبير الحرب عن رأيه وننتهي إلى أمره طلبوا من نبيهم نحو ما كان يفعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من التأمير على الجيوش التي كان يجهزها ومن امرهم بطاعته وامتثال أوامره
وروي انه امر الناس اذا سافروا ان يجعلوا أحدهم اميرا عليهم
) نقاتل (
قرىء بالنون والجزم على الجواب وبالنون والرفع على انه حال أي ابعثه لنا مقدرين القتال أو استئناف كأنه قال لهم ما تصنعون بالملك فقالوا نقاتل وقرىء يقاتل بالياء
والجزم على الجواب وبالرفع على انه صفة لملكا
وخبر ( عسيتم )
) ألا تقاتلوا (
والشرط فاصل بينهما والمعنى هل قاربتم أن لا تقاتلوا يعني هل الأمر كما أتوقعه أنكم لا تقاتلون أراد أن يقول عسيتم ان لا تقاتلوا بمعنى اتوقع جبنكم عن القتال فأدخل هل مستفهما عما هو متوقع عنده ومظنون
وأراد بالاستفهام التقرير وتثبيت ان المتوقع كائن وانه صائب في توقعه كقوله تعالى
) هل أتى على الإنسان ( الانسان 1 معناه التقرير
وقرىء ( عسيتم ) بكسر السين وهي ضعيفة
) وما لنا ألا نقاتل (
وأي داع لنا إلى ترك القتال وأي غرض لنا فيه
) وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا (
وذلك ان قوم جالوت كانوا يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين فأسروا من ابناء ملوكهم أربعمائة وأربعين
) إلا قليلا منهم (
قيل كان القليل منهم ثلثمائة وثلاثة عشر على عدد اهل بدر
) والله عليم بالظالمين (
وعيد لهم على ظلمهم في القعود عن القتال وترك الجهاد
وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم 247

" صفحة رقم 320 "
) طالوت (
ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتى ملكه من يشآء والله واسع عليم
البقرة : ( 247 ) وقال لهم نبيهم . . . . .
طالوت اسم أعجمي كجالوت وداود
وإنما امتنع من الصرف لتعريفه وعجمته وزعموا انه من الطوال لما وصف به من البسطة في الجسم
ووزنه إن كان من الطول ( فعلوت ) منه أصله طولوت الا ان امتناع صرفه يدفع ان يكون منه الا أن يقال هو اسم عبراني وافق عربيا كما وافق حنطاء حنطة وبشمالاها لها رحمانا رحيما بسم الله الرحمن الرحيم فهو من الطول كما لو كان عربيا وكان أحد سببيه العجمة لكونه عبرانيا
) إني (
كيف ومن أين وهو إنكار لتملكه عليهم واستبعاد له
فإن قلت ما الفرق بين الواوين في
) ونحن أحق (
) ولم يؤت (
قلت الأولى للحال والثانية لعطف الجملة على الجملة الواقعة حالا قد انتظمتهما معا في حكم واو الحال
والمعنى كيف يتملك علينا والحال انه لا يستحق التملك لوجود من هو احق بالملك وانه فقير ولا بد للملك من مال يعتضد به
وإنما قالوا ذلك لأن النبوة كانت في سبط لاوى بن يعقوب والملك في سبط يهوذا ولم يكن طالوت من أحد السبطين ولأنه كان رجلا سقاء أو دباغا فقيرا
وروي ان نبيهم دعا الله تعالى حين طلبوا منه ملكا فأتى بعصا يقاس بها من يملك عليهم فلم يساوها الا طالوت
) قال إن الله اصطفاه عليكم (
يريد ان الله هو الذي اختاره عليكم وهو اعلم بالمصالح منكم ولا اعتراض على حكم الله
ثم ذكر مصلحتين انفع مما ذكروا من النسب والمال وهما العلم المبسوط والجسامة
والظاهر أن المراد بالعلم المعرفة بما طلبوه لأجله من امر الحرب
ويجوز أن يكون عالما بالديانات وبغيرها وقيل قد اوحي اليه ونبىء وذلك ان الملك لا بد أن يكون من اهل العلم فإن الجاهل مزدرى غير منتفع به وان يكون جسيما يملأ العين جهارة لأنه أعظم في النفوس وأهيب في القلوب
والبسطة السعة والامتداد وروي أن الرجل القائم كان يمد يده فينال رأسه
) يؤتي ملكه من يشاء (
أي الملك له غير منازع فيه فهو يؤتيه من يشاء من يستصلحه للملك
) والله واسع (
الفضل والعطاء يوسع على من ليس له سعة من المال ويغنيه بعد الفقر
) عليم (
بمن يصطفيه للملك

" صفحة رقم 321 "
وقال لهم نبيهم إن ءاية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك ءال موسى وءال هارون تحمله الملئكة إن في ذالك لأية لكم إن كنتم مؤمنين 248
)
البقرة : ( 248 ) وقال لهم نبيهم . . . . .
التابوت (
صندوق التوراة وكان موسى عليه السلام اذا قاتل قدمه فكانت تسكن نفوس بني اسرائيل ولا يفرون
والسكينة السكون والطمأنينة وقيل هي صورة كانت فيه من زبرجد أو ياقوت لها رأس كرأس الهر وذنب كذنبه وجناحان فتئن فيزف التابوت نحو العدو وهم يمضون معه فإذا استقر ثبتوا وسكنوا ونزل النصر وعن علي رضي الله عنه كان لها وجه كوجه الانسان وفيها ريح هفافة
) وبقية (
هي رضاض الألواح وعصى موسى وثيابه وشيء من التوراة وكان رفعه الله تعالى بعد موسى عليه السلام فنزلت به الملائكة تحمله وهم ينظرون اليه فكان ذلك آية لاصطفاء الله طالوت
وقيل كان مع موسى ومع انبياء بني إسرائيل بعده يستفتحون به
فلما غيرت بنو إسرائيل غلبهم عليه الكفار فكان في أرض جالوت فلما أراد الله ان يملك طالوت أصابهم ببلاء حتى هلكت خمس مدائن فقالوا هذا بسبب التابوت بين أظهرنا فوضعوه على ثورين فساقهما الملائكة إلى طالوت
وقيل كان من خشب الشمشار مموها بالذهب
نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين وقرأ أبي وزيد بن ثابت ( التابوه ) بالهاء وهي لغة الأنصار
فإن قلت ما وزن التابوت قلت لا يخلو من ان يكون فعلوتا أو فاعولا فلا يكون ( فاعولا ) لقلته نحو سلس وقلق ولأنه تركيب غير معروف فلا يجوز ترك المعروف اليه فهو اذا ( فعلوت ) من التوب وهو الرجوع لأنه ظرف توضع فيه الأشياء وتودعه فلا يزال يرجع إليه ما يخرج منه وصاحبه يرجع إليه فيما يحتاج إليه من مودعاته وأما من قرأ بالهاء فهو فاعول عنده إلا فيمن جعل هاءه بدلا من التاء لاجتماعهما في الهمس وأنهما من حروف الزيادة ولذلك أبدلت من تاء التأنيث
وقرأ أبو السمال ( سكينة ) بفتح السين والتشديد وهو غريب وقرىء ( يحمله ) بالياء فإن قلت من
" ءال موسى وءال فرعون "
قلت الأنبياء من بني يعقوب بعدهما لأن عمران هو ابن قاهث بن لاوى بن يعقوب فكان اولاد يعقوب آلهما
ويجوز ان يراد مما تركه موسى وهارون والآل مقحم لتفخيم شأنهما

" صفحة رقم 322 "
البقرة 249
)
البقرة : ( 249 ) فلما فصل طالوت . . . . .
فصل (
عن موضع كذا اذا انفصل عنه وجاوزه وأصله فصل نفسه ثم كثر محذوف المفعول حتى صار في حكم غير المتعدي كانفصل
وقيل فصل عن البلد فصولا ويجوزأن يكون فصله فصلا وفصل فصولا كوقف وصد ونحوهما والمعنى انفصل عن بلده
) بالجنود (
روي انه قال لقومه لا يخرج معي رجل بني بناء لم يفرغ منه ولا تاجر مشتغل بالتجارة ولا رجل متزوج بامرأة لم يبن عليها ولا أبتغي الا الشاب النشيط الفارغ
فاجتمع اليه مما اختاره ثمانون ألفا وكان الوقت قيظا وسلكوا مفازة فسألوا ان يجري الله لهم نهرا ف
) قال إن الله مبتليكم (
بما اقترحتموه من النهر
) فمن شرب منه (
فمن ابتدأ شربه من النهر بان كرع فيه
) فليس مني (
فليس بمتصل بي ومتحد معي من قولهم فلان مني كانه بعضه لاختلاطهما واتحادهما
ويجوز أن يراد فليس من جملتي وأشياعي
) ومن لم يطعمه (
ومن لم يذقه من طعم الشيء اذا ذاقه ومنه طعم الشيء لمذاقه قال
( وإن شئت لم اطعم نقاخا ولا بردا )
ألا ترى كيف عطف عليه البرد وهو النوم ويقال ما ذقت غماضا
ونحوه من الابتلاء ما ابتلى الله به أهل أيله من ترك الصيد مع اتيان الحيتان شرعا بل هو أشد منه وأصعب
وإنما عرف ذلك طالوت بإخبار من النبي
وإن كان نبيا كما يروي عن بعضهم فبالوحي وقرىء ( بنهر ) بالسكون
فإن قلت ) مم استثنى قوله
) إلا من اغترف (

" صفحة رقم 323 "
قلت من قوله
) فمن شرب منه فليس مني (
والجملة الثانية في حكم المتأخرة الا انها قدمت للعناية كما قدم
) والصابئون ( المائدة 69 في قوله
) إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون (
ومعناه الرخصة في اغتراف الغرفة باليد دون الكروع والدليل عليه قوله
) فشربوا منه (
أي فكرعوا فيه
) إلا قليلا منهم (
وقرىء ( غرفة ) بالفتح بمعنى المصدر وبالضم بمعنى المغروف
وقرأ أبي والأعمش ( إلا قليل ) بالرفع وهذا من ميلهم مع المعنى والاعراض عن اللفظ جانبا وهو باب جليل من علم العربية
فلما كان معنى
) فشربوا منه (
في معنى فلم يطيعوه حمل عليه كانه قيل فلم يطيعوه الا قليل منهم ونحوه قول الفرزدق
( 000 لم يدع من المال الا مسحت أو مجلف )
كانه قال لم يبق من المال الا مسحت أو مجلف وقيل لم يبق مع طالوت الا ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا
) والذين آمنوا (
يعني القليل
) قال الذين يظنون (
يعني الخلص منهم الذين نصبوا بين أعينهم لقاه الله وأيقنوه
أو الذين تيقنوا انهم يستشهدون عما قريب ويلقون الله والمؤمنون مختلفون في قوة اليقين ونصوع البصيرة
وقيل الضمير في قالوا لا طاقة لنا للكثير الذين انخذلوا والذين يظنون هم القليل الذين ثبتوا معه كانهم تقاولوا بذلك والنهر بينهما
يظهر أولئك عذرهم في الانخذال ويرد عليهم هؤلاء ما يعتذرون به وروي ان الغرفة كانت تكفي الرجل لشربه وإداوته والذين شربوا منه اسودت شفاههم وغلبهم العطش
ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنآ أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فهزموهم بإذن الله وقتل داوود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشآء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولاكن الله ذو فضل على العالمين 250 - 251
و (
البقرة : ( 250 ) ولما برزوا لجالوت . . . . .
وجالوت ) جبار من العمالقة من اولاد عمليق بن عاد وكانت بيضته فيها ثلثمائة رطل
) وثبت أقدامنا (
وهب لنا ما نثبت به في مداحض الحرب من قوة القلوب والقاء الرعب في قلب العدو ونحو ذلك من الأسباب
كان ايشى أبو داود في عسكر

" صفحة رقم 324 "
طالوت مع ستة من بنيه وكان داود سابعهم وهو صغير يرعى الغنم فاوحى إلى اشمويل ان داود بن ايشى هو الذي يقتل جالوت فطلبه من أبيه فجاء وقد مر في طريقه بثلاثة أحجار دعاه كل واحد منها ان يحمله وقالت له إنك تقتل بنا جالوت فحملها في مخلاته ورمى بها جالوت فقتله وزوجه طالوت بنته
وروي انه حسده واراد قتله ثم تاب
" وءاته الله الملك "
في مشارق الأرض المقدسة ومغاربها وما اجتمعت بنو إسرائيل على ملك قط قبل داود
) والحكمة (
والنبوة
) وعلمه مما يشاء (
من صنعة الدروع وكلام الطير والدواب وغير ذلك
) ولولا دفع الله الناس (
ولولا ان الله يدفع بعض الناس ببعض ويكف بهم فسادهم لغلب المفسدون وفسدت الأرض وبطلت منافعها وتعطلت مصالحها من الحرث والنسل وسائر ما يعمر الأرض
وقيل ولولا ان الله ينصر المسلمين على الكفار لفسدت الأرض بعيث الكفار فيها وقتل المسلمين أو لو لم يدفعهم بهم لعم الكفر ونزلت السخطة فاستؤصل اهل الأرض
تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين 252
البقرة : ( 252 ) تلك آيات الله . . . . .
" تلك آيات الله "
يعني القصص التى اقتصها من حديث الألوف وإماتتهم واحيائهم وتمليك طالوت وإظهاره بالآية التي هي نزول التابوت من السماء وغلبة الجبابرة على يد صبي
) بالحق (
باليقين الذي لا يشك فيه أهل الكتاب لأنه في كتبهم كذلك
) وإنك لمن المرسلين (
حيث تخبر بها من غير ان تعرف بقراءة كتاب ولا سماع أخبار
تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وءاتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شآء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جآءتهم البينات ولاكن اختلفوا فمنهم من ءامن ومنهم من كفر ولو شآء الله ما اقتتلوا ولاكن الله يفعل ما يريد ياأيها الذين ءامنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتى يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون 253 - 254
البقرة : ( 253 - 254 ) تلك الرسل فضلنا . . . . .
) تلك الرسل (
اشارة إلى جماعة الرسل التي ذكرت قصصها في السورة أو التي ثبت علمها عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
) فضلنا بعضهم على بعض (
لما اوجب ذلك من تفاضلهم في الحسنات
) منهم من كلم الله (
منهم من فضله الله بأن كلمه من غير سفير وهو موسى عليه السلام
وقرىء ( كلم الله ) بالنصب وقرأ اليماني ( كالم الله ) من المكالمة ويدل عليه قولهم كليم الله بمعنى مكالمه
) ورفع بعضهم درجات (
أي ومنهم من رفعه

" صفحة رقم 325 "
على سائر الأنبياء فكان بعد تفاوتهم في الفضل أفضل منهم بدرجات كثيرة
والظاهر انه اراد محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) لأنه هو المفضل عليهم حيث اوتي ما لم يؤته أحد من الآيات المتكاثرة المرتقية إلى الف آية أو اكثر
ولو لم يؤت الا القرآن وحده لكفى به فضلا منيفا على سائر ما اوتي الأنبياء لأنه المعجزة الباقية على وجه الدهر دون سائر المعجزات
وفي هذا الإبهام من تفخيم فضله واعلاء قدره ما لا يخفى لما فيه من الشهادة على انه العلم الذي لا يشتبه والمتميز الذي لا يلتبس
ويقال للرجل من فعل هذا فيقول أحدكم أو بعضكم يريد به الذي تعورف واشتهر بنحوه من الأفعال
فيكون أفخم من التصريح به وانوه بصاحبه وسئل الحطيئة عن أشعر الناس فذكر زهيرا والنابغة ثم قال ولو شئت لذكرت الثالث أراد نفسه ولو قال ولو شئت لذكرت نفسي لم يفخم امره ويجوز ان يريد إبراهيم ومحمدا وغيرهما من اولي العزم من الرسل
وعن ابن عباس رضي الله عنه
143 كنا في المسجد نتذاكر فضل الأنبياء فذكرنا نوحا بطول عبادته وإبراهيم بخلته وموسى بتكليم الله اياه وعيسى برفعه إلى السماء وقلنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أفضل منهم بعث إلى الناس كافة وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهو خاتم الأنبياء فدخل عليه السلام فقال ( فيم أنتم فذكرنا له فقال لا ينبغي لأحد ان يكون خيرا من يحيى بن زكريا فذكر انه لم يعمل سيئة قط ولم يهم بها )
فإن قلت فلم خص موسى وعيسى من بين الأنبياء بالذكر قلت لما اوتيا من الآيات العظيمة والمعجزات الباهرة
ولقد بين الله وجه التفضيل حيث جعل التكليم من الفضل وهو آية من الآيات فلما كان هذان النبيان قد أوتيا ما أوتيا من عظام الآيات خصا بالذكر في باب التفضيل
وهذا دليل

" صفحة رقم 326 "
بين ان من زيد تفضيلا بالآيات منهم فقد فضل على غيره ولما ا كان نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) هو الذي أوتي منها ما لم يؤت أحد في كثرتها وعظمها
كان هو المشهود له باحراز قصبات الفضل غير مدافع اللهم ارزقنا شفاعته يوم الدين
) ولو شاء الله (
مشيئة إلجاء وقسر
) ما اقتتل الذين (
من بعد الرسل لاختلافهم في الدين وتشعب مذاهبهم وتكفير بعضهم بعضا
" ولكن اختلفوا فمنهم من ءامن "
لالتزامه دين الأنبياء
) ومنهم من كفر (
لاعراضه عنه
) ولو شاء الله ما اقتتلوا (
كرره ) للتأكيد ولاكن الله يفعل ما يريد " من الخذلان والعصمة أنفقوا مما رزقناكم أراد الإنفاق الواجب لاتصال الوعيد به من قبل أن يأتى يوم لا تقدرون فيه على تدارك ما فاتكم من الإنفاق لأنه لا بيع فيه حتى تبتاعوا ما تنفقونه ولا خلة حتى يسامحكم أخلاؤكم به وإن إردتم ان يحط عنكم

" صفحة رقم 327 "
ما في ذمتكم من الواجب لم تجدوا شفيعا يشفع لكم في حط الواجبات
لأن الشفاعة ثمة في زيادة الفضل لا غير
) والكافرون هم الظالمون (
أراد والتاركون الزكاة هم الظالمون فقال
) والكافرون (
للتغليظ كما قال في آخر آية الحج
) ومن كفر ( النور 55 مكان ومن لم يحج ولأنه جعل ترك الزكاة من صفات الكفار في قوله
) وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة ( فصلت 6 وقرىء ( لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ) بالرفع
الله لا إلاه إلا هو الحى القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شآء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلى العظيم 255
)
البقرة : ( 255 ) الله لا إله . . . . .
الحي (
الباقي الذي لا سبيل عليه للفناء وهو على اصطلاح المتكلمين الذي يصح ان يعلم ويقدر
و
) القيوم (
الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه وقرىء ( القيام ) ( والقيم ) والسنة ما يتقدم النوم من الفتور الذي يسمى النعاس
قال ابن الرقاع العاملي
( وسنان أقصده النعاس فرنقت في عينه سنة وليس بنائم )
أي لا يأخذه نعاس ولا نوم وهو تأكيد للقيوم لأن من جاز عليه ذلك استحال أن يكون قيوما ومنه حديث موسى
144 أنه سأل الملائكة وكان ذلك من قومه كطلب الرؤية أينام ربنا

" صفحة رقم 328 "
فاوحى الله اليهم ان يوقظوه ثلاثا ولا يتركوه ينام ثم قال خذ بيدك قارورتين مملوءتين فأخذهما وألقى الله عليه النعاس فضرب احداهما على الأخرى فانكسرتا ثم أوحى اليه قل لهؤلاء إني امسك السموات والأرض بقدرتي فلو اخذني نوم أو نعاس لزالتا
) من ذا الذي يشفع عنده (
بيان لملكوته وكبريائه
وان أحدا لا يتمالك ان يتكلم يوم القيامة الا اذا أذن له في الكلام كقوله تعالى
) لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن ( النبأ 38
) يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم (
ما كان قبلهم وما يكون بعدهم
والضمير لما في السموات والأرض لأن فيهم العقلاء أو لما دل عليه
) من ذا (
من الملائكة والأنبياء
) من علمه (
من معلوماته
) إلا بما شاء (
الا بما علم
( الكرسي ) ما يجلس عليه ولا يفضل عن مقعد القاعد وفي قوله
) وسع كرسيه (
أربعة اوجه أحدها ان كرسيه لم يضق عن السموات والأرض لبسطته وسعته وما هو الا تصوير لعظمته وتخييل فقط ولا كرسي ثمة ولا قعود ولا قاعد كقوله
) وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ( الزمر 67 من غير تصور قبضة وطي يمين وإنما هو تخييل لعظمة شأنه وتمثيل حسي
ألا ترى إلى قوله
) وما قدروا الله حق قدره ( والثاني وسع علمه وسمي العلم كرسيا تسمية بمكانه الذي هو كرسي العالم
والثالث وسع ملكه تسمية بمكانه الذي هو كرسي الملك
والرابع ما روي انه خلق كرسيا هو بين يدي العرش دونه السموات والأرض وهو إلى العرش كأصغر شيء
وعن الحسن الكرسي هو العرش
" ولا يؤده "
ولا يثقله ولا يشق عليه
) حفظهما (
حفظ السموات والأرض
) وهو العلي (
الشأن
) العظيم (
الملك والقدرة
فإن قلت

" صفحة رقم 329 "
كيف ترتبت الجمل في آية الكرسي من غير حرف عطف قلت ما منها جملة الا وهي واردة على سبيل البيان لما ترتبت عليه والبيان متحد بالمبين فلو توسط بينهما عاطف لكان كما تقول العرب بين العصا ولحائها فالأولى بيان لقيامه بتدبير الخلق وكونه مهيمنا عليه غير ساه عنه
والثانية لكونه مالكا لما يدبره
والثالثة لكبرياء شأنه
والرابعة لإحاطته بأحوال الخلق وعلمه بالمرتضى منهم المستوجب للشفاعة وغير

" صفحة رقم 330 "
المرتضى
والخامسة لسعة علمه وتعلقه بالمعلومات كلها أو لجلاله وعظم قدره
فإن قلت لم فضلت هذه الآية حتى ورد في فضلها ما ورد منه قوله ( صلى الله عليه وسلم )
145 ( ما قرئت هذه الآية في دار الا هجرتها الشياطين ثلاثين يوما ولا يدخلها ساحر ولا ساحرة أربعين ليلة يا علي علمها ولدك وأهلك وجيرانك فما نزلت آية أعظم منها )
وعن علي رضي الله عنه سمعت نبيكم ( صلى الله عليه وسلم ) على اعواد المنبر وهو يقول
146 ( من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة الا الموت ولا يواظب عليها الا صديق أو عابد ومن قرأها اذا أخذ مضجعه أمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله )
وتذاكر الصحابة رضوان الله عليهم أفضل ما في القرآن فقال لهم علي رضي الله عنه
147 أين أنتم عن آية الكرسي ثم قال قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( يا علي سيد

" صفحة رقم 331 "
البشر آدم وسيد العرب محمد ولا فخر وسيد الفرس سلمان وسيد الروم صهيب وسيد الحبشة بلال وسيد الجبال الطور وسيد الأيام يوم الجمعة وسيد الكلام القرآن وسيد القرآن البقرة وسيد البقرة آية الكرسي )
قلت لما فضلت له سورة الاخلاص لاشتمالها على توحيد الله وتعظيمه وتمجيده وصفاته العظمى ولا مذكور أعظم من رب العزة فما كان ذكرا له كان أفضل من سائر الأذكار
وبهذا يعلم ان أشرف العلوم وأعلاها منزلة عند الله علم أهل العدل والتوحيد ولا يغرنك عنه كثرة أعدائه
فإنن العرانين تلقاها محسدة
ولا ترى للئام الناس حسادا
لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم 256
البقرة : ( 256 ) لا إكراه في . . . . .
) لا إكراه في الدين (
أي لم يجر الله أمر الايمان على الإجبار والقسر ولكن على التمكين والاختيار
ونحوه قوله تعالى
) ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ( 99 أي لو شاء لقسرهم على الإيمان ولكنه لم يفعل وبني الأمر على الاختيار
) قد تبين الرشد من الغي (
قد تميز الايمان من الكفر بالدلائل الواضحة
) فمن يكفر بالطاغوت (
فمن اختار الكفر بالشيطان أو الأصنام والايمان بالله
) فقد استمسك بالعروة الوثقى (
من الحبل الوثيق المحكم المامون انفصامها أي انقطاعها
وهذا تمثيل للمعلوم بالنظر والاستدلال بالمشاهد المحسوس حتى يتصوره السامع كانه ينظر اليه بعينه فيحكم اعتقاده والتيقن به
وقيل هو إخبار في معنى النهي أي لا تتكرهوا في الدين
ثم قال بعضهم هو منسوخ بقوله
) جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ( التوبة 73 وقيل هو في اهل الكتاب خاصة لأنهم حصنوا انفسهم بأداء الجزية وروي
148 انه كان لأنصاري من بني سالم بن عوف ابنان فتنصرا قبل ان يبعث

" صفحة رقم 332 "
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم قدما المدينة فلزمهما أبوهما وقال والله لا أدعكما حتى تسلما فأبيا فاختصموا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال الأنصاري يا رسول الله أيدخل بعضي النار وانا أنظر فنزلت فخلاهما
الله ولي الذين ءامنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أوليآؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولائك أصحاب النار هم فيها خالدون
البقرة : ( 257 ) الله ولي الذين . . . . .
" الله ولي الذين ءامنوا " أي أرادوا ان يؤمنوا يلطف بهم حتى يخرجهم بلطفه وتأييده من الكفر إلى الإيمان
" والذين كفروا "
أي صمموا على الكفر أمرهم على عكس ذلك أو الله ولي المؤمنين يخرجهم من الشبه في الدين إن وقعت لهم بما يهديهم ويوفقهم له من حلها حتى يخرجوا منها إلى نور اليقين
" والذين كفروا اولياؤهم ) الشياطين ( يخرجونهم "
من نور البينات التي تظهر لهم إلى ظلمات الشك والشبهة
البقرة 258 - 259
البقرة : ( 258 - 259 ) ألم تر إلى . . . . .
" ألم تر "
تعجيب من محاجة نمروذ في الله وكفره به
" أن أتاه الله الملك " متعلق بحاج على وجهين
أحدهما حاج لأن آتاه الله الملك على معنى ان ايتاء الملك أبطره واورثه الكبر والعتو فحاج لذلك أو على أنه وضع المحاجة في ربه موضع ما وجب عليه من الشكر

" صفحة رقم 333 "
على أن آتاه الله الملك فكأن المحاجة كانت لذلك كما تقول عاداني فلان لأني أحسنت اليه تريد انه عكس ما كان يجب عليه من الموالاة لأجل الاحسان ونحوه قوله تعالى
) وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ( الواقعة 82
والاني حاج وقت أن آتاه الله الملك فإن قلت كيف جاز ان يؤتى الله الملك الكافر قلت فيه قولان آتاه ما غلب به وتسلط من المال والخدم والأتباع وأما التغليب والتسليط فلا
وقيل ملكه امتحانا لعباده و
) إذ قال (
نصب بحاج أو بدل من آتاه اذ جعل بمعنى الوقت
" انا احي وأميت "
يريد أعفو عن القتل وأقتل
وكان الاعتراض عتيدا ولكن إبراهيم لما سمع جوابه الأحمق لم يحاجه فيه ولكن انتقل إلى ما لا يقدر فيه على نحو ذلك الجواب ليبهته أول شيء وهذا دليل على جواز الانتقال للمجادل من حجة إلى حجة
وقرىء ( فبهت الذي كفر ) أي فغلب إبراهيم الكافر
وقرأ أبو حيوة ( فبهت ) بوزن قرب وقيل كانت هذه المحاجة حين كسر الأصنام وسجنه نمروذ ثم أخرجه من السجن ليحرقه فقال له من ربك الذي تدعو اليه فقال ربي الذي يحيي ويميت
) أو كالذي ( معناه أو أرأيت مثل الذي مر فحذف لدلالة ألم

" صفحة رقم 334 "
) تر (
عليه لأن كلتيهما كلمة تعجيب
ويجوز ان يحمل على المعنى دون اللفظ كانه قيل أرأيت كالذي حاج إبراهيم أو كالذي مر على قرية والمار كان كافرا بالبعث وهو الظاهر لانتظامه مع نمروذ في سلك ولكلمة الاستبعاد التي هي ( أنى يحيى ) وقيل هو عزير أو الخضر أراد ان يعاين احياء الموتى ليزداد بصيرة كما طلبه إبراهيم عليه السلام
وقوله
) أنى يحيي (
اعتراف بالعجز عن معرفة طريقة الاحياء واستعظام لقدرة المحيى
والقرية بيت المقدس حين خربه بختنصر
وقيل هي التي

" صفحة رقم 335 "
خرج منها الألوف
) وهي خاوية على عروشها (
تفسيره فيما بعد
) يوما أو بعض يوم (
بناء على الظن روي انه مات ضحى وبعث بعد مائة سنة قبل غيبوبة الشمس فقال قبل النظر إلى الشمس يوما ثم التفت فرأى بقية من الشمس فقال أو بعض يوم وروي أن طعامه كان تينا وعنبا وشرابه عصيرا أو لبنا فوجد التين والعنب كما جنيا والشراب على حاله
) لم يتسنه (
لم يتغير والهاء أصلية أو هاء سكت
واشتقاقه من السنة على الوجهين لأن لامها هاء أو واو وذلك ان الشيء يتغير بمرور الزمان
وقيل أصله يتسنن من الحمأ المسنون فقلبت نونه حرف علة كتقضي البازي ويجوز ان يكون معنى
) لم يتسنه (
لم تمر عليه السنون التى مرت عليه يعني هو بحاله كما كان كانه لم يلبث مائة سنة
وفي قراءة عبد الله ( فانظر إلى طعامك وهذا شرابك لم يتسن )
وقرأ أبي ( لم يسنه ) بإدغام التاء في السين
) وانظر إلى حمارك (
كيف تفرقت عظامه ونخرت وكان له حمار قد ربطه
ويجوز ان يراد وانظر اليه سالما في مكانه كما ربطته وذلك من أعظم الآيات أن يعيشه مائة عام من غير علف ولا ماء كما حفظ طعامه وشرابه من التغير
" ولنجعلك ءاية للناس "
فعلنا ذلك يريد احياءه بعد الموت وحفظ ما معه وقيل أتى قومه راكب حماره وقال انا عزير فكذبوه فقال هاتوا التوراة فأخذ يهذها هذا عن ظهر قلبه وهم ينظرون في الكتاب فما خرم حرفا فقالوا هو ابن الله
ولم يقرأ التوراة ظاهرا أحد قبل عزير فذلك كونه آية وقيل رجع إلى منزله فرأى أولاده شيوخا وهو شاب فإذا حدثهم بحديث قالوا حديث مائة سنة
) وانظر إلى العظام (
هي عظام الحمار أو عظام الموتى الذين تعجب من إحيائهم
" كيف ننشزها كيف نحييها
وقرأ الحسن ( ننشرها ) من نشر الله الموتى بمعنى أنشرهم فنشروا وقريء بالزاي بمعنى نحركها ونرفع بعضها إلى بعض للتركيب
وفاعل ( تبين )
مضمر تقديره فلما تبين له ان الله على كل شيء قدير
" قال اعلم ان الله على كل شيء قدير " فحذف الأول لدلالة الثاني عليه كما في قولهم ضربني وضربت زيدا
ويجوز فلما تبين له ما أشكل عليه يعني أمر إحياء الموتى وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما ( فلما تبين له ) على البناء للمفعول وقرىء ( قال اعلم ) على لفظ الأمر وقرأ عبد الله ( قيل اعلم )
فإن قلت فإن كان المار كافرا فكيف يسوغ أن يكلمه الله قلت

" صفحة رقم 336 "
كان الكلام بعد البعث ولم يكن اذ ذاك كافرا
البقرة 260
البقرة : ( 260 ) وإذ قال إبراهيم . . . . .
) أرني ( بصرني ، فإن قلت : كيف قال له " أولم تؤمن " وقد علم أنه أثبت

" صفحة رقم 337 "
الناس إيمانا قلت ليجيب بما أجاب به لما فيه من الفائدة الجليلة للسامعين و
) بلي ( إيجاب لما بعد النفي معناه بلى آمنت
) ولكن ليطمئن قلبي (
ليزيد سكونا وطمانينة بمضامة علم الضرورة علم الاستدلال وتظاهر الأدلة أسكن للقلوب وازيد للبصيرة واليقين ولأن علم الاستدلال يجوز معه التشكيك بخلاف العلم الضروري فأراد بطمأنينة القلب العلم الذي لا مجال فيه للتشكيك
فإن قلت بم تعلقت اللام في
) ليطمئن (
قلت بمحذوف تقديره ولكن سألت ذلك ارادة طمانينة القلب
) فخذ أربعة من الطير (
قيل طاوسا وديكا وغرابا وحمامة
) فصرهن إليك (
بضم الصاد وكسرها بمعنى فأملهن واضممهن اليك قال
ولكن أطراف الرماح تصورها
وقال
وفرع يصير الجيد وحف كأنه
على الليت قنوان الكروم الدوالح
وقرأ ابن عباس رضي الله عنه ( فصرهن ) بضم الصاد وكسرها وتشديد الراء من صره يصره ويصره اذا جمعه نحو ضره ويضره ويضره وعنه ( فصرهن ) من التصرية وهي الجمع ايضا
) ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا (
يريد ثم جزئهن وفرق اجزاءهن على الجبال
والمعنى على كل جبل من الجبال التى بحضرتك وفي أرضك
وقيل كانت أربعة اجبل وعن السدي سبعة
) ثم ادعهن (
وقل لهن تعالين بإذن الله
) يأتينك سعيا (
ساعيات مسرعات في طيرانهن أو في مشيهن على ارجلهن
فإن قلت ما معنى أمره بضمها إلى نفسه بعد ان يأخذها قلت ليتاملها ويعرف اشكالها

" صفحة رقم 338 "
وهيئاتها وحلاها لئلا تلتبس عليه بعد الإحياء ولا يتوهم انها غير تلك ولذلك قال يأتينك سعيا
وروي انه أمر بأن يذبحها وينتف ريشها ويقطعها ويفرق أجزاءها ويخلط ريشها ودماءها ولحومها وان يمسك رؤسها ثم أمر ان يجعل اجزاءها على الجبال على كل جبل ربعا من كل طائر
ثم يصيح بها تعالين بإذن الله فجعل كل جزء يطير إلى الآخر حتى صارت جثثا ثم أقبلن فانضممن إلى رؤسهن كل جثة إلى رأسها
وقرىء ( جزأ ) بضمتين ( وجزا ) بالتشديد ووجهه انه خفف بطرح همزته ثم شدد كما يشدد في الوقف إجراء للوصل مجرى الوقف
مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشآء والله واسع عليم 261
البقرة : ( 261 ) مثل الذين ينفقون . . . . .
) مثل الذين ينفقون (
لا بد من حذف مضاف أي مثل نفقتهم كمثل حبة أو مثلهم كمثل باذر حبة والمنبت هو الله ولكن الحبة لما كانت سببا أسند اليها الانبات كما يسند إلى الأرض والى الماء
ومعنى انباتها سبع سنابل ان تخرج ساقا يتشعب منها سبع شعب لكل واحدة سنبلة وهذا التمثيل تصوير للأضعاف كأنها ماثلة بين عيني الناظر فإن قلت كيف صح هذا التمثيل والممثل به غير موجود قلت بل هو موجود في الدخن والذرة وغيرهما وربما فرخت ساق البرة في الأراضي القوية المغلة فيبلغ حبها هذا المبلغ ولو لم يوجد لكان صحيحا على سبيل الفرض والتقدير فإن قلت هلا قيل سبع سنبلات على حقه من التمييز بجمع القلة كما قال
) وسبع سنبلات خضر ( يوسف 53 قلت هذا لما قدمت عند قوله
( ثلاثة قروء ) البقرة 228 من وقوع أمثله الجمع متعاورة مواقعها
) والله يضاعف لمن يشاء ( أي يضاعف تلك المضاعفة لمن يشاء لا لكل منفق لتفاوت احوال المنفقين
أو يضاعف سبع المائة ويزيد عليها أضعافها لمن يستوجب ذلك
الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله ثم لا يتبعون مآ أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون 262
البقرة : ( 262 ) الذين ينفقون أموالهم . . . . .
المن أن يعتد على من احسن اليه بإحسانه ويريد أنه اصطنعه واوجب عليه حقا

" صفحة رقم 339 "
له وكانوا يقولون اذا صنعتم صنيعة فانسوها ولبعضهم
وإن امرأ أسدى إلى صنيعه
وذكرنيها مرة للئيم
وفي نوابغ الكلم صنوان من منح سائله ومن ومن منع نائله وضن وفيها طعم الألاء احلى من المن وهي امر من الألاء مع المن
والأذى ان يتطاول عليه بسبب ما ازال اليه ومعنى ( ثم ) إظهار التفاوت بين الانفاق وترك المن والأذى وان تركهما خير من نفس الإنفاق كما جعل الاستقامة على الإيمان خيرا من الدخول فيه بقوله
) ثم استقاموا ( فصلت 30فإن قلت أي فرق بين قوله
" لهم أجرهم وقوله فيما بعد فلهم أجرهم " قلت الموصول لم يضمن ههنا معنى الشرط وضمنه ثمة والفرق بينهما من جهة المعنى ان الفاء فيها دلالة على ان الانفاق به استحق الأجر وطرحها عار عن تلك الدلالة
قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعهآ أذى والله غنى حليم ياأيها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى كالذى ينفق ماله رئآء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الاخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شىء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين 263 - 264
البقرة : ( 263 - 264 ) قول معروف ومغفرة . . . . .

" صفحة رقم 340 "
) قول معروف (
رد جميل
) ومغفرة (
وعفو عن السائل اذا وجد منه ما يثقل على المسؤل أو ونيل مغفرة من الله بسبب الرد الجميل أو وعفو من جهة السائل لأنه اذا رده ردا جميلا عذره
) خير من صدقة يتبعها أذى (
وصح الاخبار عن المبتدأ النكرة لاختصاصه بالصفة
) والله غني (
لا حاجة به إلى منفق يمن ويؤذي
) حليم (
عن معاجلته بالعقوبة وهذا سخط منه ووعيد له
ثم بالغ في ذلك بما اتبعه
) كالذي ينفق ماله (
أي لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كإبطال المنافق الذي ينفق ماله
) رئاء الناس (
لا يريد بإنفاقه رضاء الله ولا ثواب الاخرة
) فمثله كمثل صفوان (
مثله ونفقته التى لا ينتفع بها البتة بصفوان بحجر املس عليه تراب
وقرأ سعيد بن المسيب ( صفوان ) بوزن كروان
) فأصابه وابل (
مطر عظيم القطر
) فتركه صلدا (
أجرد نقيا من التراب الذي كان عليه ومنه صلد جبين الأصلع اذا برق
" لا يقدرون على شيء مما كسبوا "
كقوله
) فجعلناه هباء منثورا ( الفرقان 23 ويجوز ان تكون الكاف في محل النصب على الحال أي لا تبطلوا صدقاتكم مماثلين الذي ينفق فإن قلت كيف قال
) لا يقدرون (
بعد قوله
) كالذي ينفق (
قلت أراد بالذي ينفق الجنس أو الفريق الذي ينفق ولأن ( من ) و الذي ) يتعاقبان فكأنه قيل كمن ينفق
ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغآء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فأتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير 265
)
البقرة : ( 265 ) ومثل الذين ينفقون . . . . .
وتثبيتا من أنفسهم (
وليثبتوا منها ببذل المال الذي هو شقيق الروح
وبذله أشق شيء على النفس على سائر العبادات الشاقة وعلى الإيمان لأن النفس اذا ريضت بالتحامل عليها وتكليفها ما يصعب عليها ذلت خاضعة لصاحبها وقل طمعها في اتباعه لشهواتها وبالعكس فكان انفاق المال تثبيتا لها على الايمان واليقين
ويجوز ان يراد وتصديقا للإسلام وتحقيقا للجزاء من أصل انفسهم لأنه اذا انفق المسلم ماله في سبيل الله علم أن تصديقه وإيمانه بالثواب من أصل نفسه ومن إخلاص قلبه ( ومن ) على التفسير الأول للتبعيض مثلها في قولهم هز من عطفه وحرك من نشاطه
وعلى الثاني لابتداء الغاية كقوله تعالى
) حسدا من عند أنفسهم ( 109 ويحتمل ان يكون المعنى وتثبيتا من أنفسهم عند المؤمنين انها صادقة الايمان مخلصة فيه وتعضده قراءة مجاهد ( وتبيينا من أنفسهم )
فإن قلت فما معنى التبعيض قلت معناه ان من بذل ماله لوجه الله فقد ثبت بعض نفسه ومن بذل ماله وروحه معا فهو الذي ثبتها كلها
) وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ( الصف 11

" صفحة رقم 341 "
والمعنى ومثل نفقة هؤلاء في زكائها عند الله
) كمثل جنة (
وهي البستان
) بربوة (
بمكان مرتفع
وخصها لأن الشجر فيها ازكى وأحسن ثمرا
) ) أصابها وابل (
مطر عظيم القطر
" فئاتت اكلها "
ثمرتها
) ضعفين (
مثلي ما كانت تثمر بسبب الوابل
) فإن لم يصبها وابل فطل (
فمطر صغير القطر يكفيها لكرم منبتها
أو مثل حالهم عند الله بالجنة على الربوة ونفقتهم الكثيرة والقليلة بالوابل والطل وكما ان كل واحد من المطرين يضعف أكل الجنة فكذلك نفقتهم كثيرة كانت أو قليلة بعد ان يطلب بها وجه الله ويبذل فيها الوسع زاكية عند الله زائدة في زلفاهم وحسن حالهم عنده
وقرىء ( كمثل حبة ) وبربوة ) بالحركات الثلاث وأكلها ) بضمتين
أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجرى من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفآء فأصابهآ إعصار فيه نار فاحترقت كذالك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون 266
البقرة : ( 266 ) أيود أحدكم أن . . . . .
الهمزة في
) أيود أحدكم ( للإنكار وقرىء له جنات وذرية ضعاف
والإعصار الريح التى تستدير في الأرض ثم تسطع نحو السماء كالعمود وهذا مثل لمن يعمل الأعمال الحسنة لا يبتغي بها وجه الله
فإذا كان يوم القيامة وجدها محبطة فيتحسر عند ذلك حسرة من كانت له جنة من أبهى الجنان واجمعها للثمار فبلغ الكبر وله اولاد ضعاف والجنة معاشهم ومنتعشهم فهلكت بالصاعقة
وعن عمر رضي الله عنه انه سأل عنها الصحابة فقالوا الله أعلم فغضب وقال قولوا نعلم أو لا نعلم فقال ابن عباس رضي الله عنه في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين قال قل يا ابن أخي ولا تحقر نفسك قال ضربت مثلا لعمل قال لأي عمل قال لرجل غني يعمل الحسنات
ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى اغرق أعماله كلها
وعن الحسن رضي الله عنه هذا مثل قل والله من يعقله من الناس شيخ كبير ضعف جسمه وكثر صبيانه أفقر ما كان إلى جنته وإن احدكم والله أفقر ما يكون إلى عمله اذا انقطعت عنه الدنيا
فإن قلت كيف قال
) جنة من نخيل وأعناب ( ثم قال
) له فيها من كل الثمرات (

" صفحة رقم 342 "
قلت النخيل والأعناب لما كانا اكرم الشجر وأكثرها منافع خصهما بالذكر وجعل الجنة منهما وإن كانت محتوية على سائر الأشجار تغليبا لهما على غيرهما ثم أردفهما ذكر كل الثمرات
ويجوز ان يريد بالثمرات المنافع التي كانت تحصل له فيها كقوله
) وكان له ثمر ( الكهف 34 بعد قوله
) جنتين من أعناب وحففناهما بنخل ( الكهف 32 فإن قلت علام عطف قوله
) وأصابه الكبر (
قلت الواو للحال لا للعطف ومعناه ان تكون له جنة وقد أصابه الكبر وقيل يقال وددت ان يكون كذا ووددت لو كان كذا فحمل العطف على المعنى كانه قيل أيود احدكم لو كانت له جنة وأصابه الكبر
ياأيها الذين ءامنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم وممآ أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بأخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد 26
البقرة : ( 267 ) يا أيها الذين . . . . .
) من طيبات ما كسبتم (
من جياد مكسوباتكم
) ومما أخرجنا لكم (
من الحب والثمر والمعادن وغيرها
فإن قلت فهلا قيل وما أخرجنا لكم عطفا على
) ما كسبتم (
حتى يشتمل الطيب على المكسوب والمخرج من الأرض قلت معناه ومن طيبات ما اخرجنا لكم الا انه حذف لذكر الطيبات
) ولا تيمموا الخبيث (
ولا تقصدوا المال الرديء
) منه تنفقون (
تخصونه بالانفاق وهو في محل الحال
وقرأ عبد الله ( ولا تامموا ) وقرأ ابن عباس ( ولا تيمموا ) بضم التاء
ويممه وتيممه وتاممه سواء في معنى قصده
) ولستم بآخذيه (
وحالكم أنكم لا تأخذونه في حقوقكم
) إلا أن تغمضوا فيه (
الا بأن تتسامحوا في أخذه وتترخصوا فيه من قولك أغمض فلان عن بعض حقه اذا غض بصره ويقال للبائع أغمض أي لا تستقص كانك لا تبصر وقال الطرماح
( لم يفتنا بالوتر قوم وللضيم رجال يرضون بالاغماض )
وقرا الزهري ( تغمضوا ) وأغمض وغمض بمعنى وعنه ( تغمضوا ) بضم الميم وكسرها من غمض يغمض ويغمض وقرأ قتادة ( تغمضوا ) على البناء للمفعول بمعنى الا ان تدخلوا فيه وتجذبوا اليه وقيل الا ان توجدوا مغمضين وعن الحسن رضي الله عنه لو وجدتموه في السوق يباع ما اخذتموه حتى يهضم لكم من ثمنه وعن ابن عباس رضي الله عنهما كانوا يتصدقون بحشف التمر وشراره فنهوا عنه

" صفحة رقم 343 "
الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشآء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم 268
البقرة : ( 268 ) الشيطان يعدكم الفقر . . . . .
أي يعدكم في الانفاق
) الفقر (
ويقول لكم ان عاقبة انفاقكم ان تفتقروا
وقرىء ( الفقر ) بالضم ( والفقر ) بفتحتين والوعد يستعمل في الخير والشر قال الله تعالى
) النار وعدها الله الذين كفروا ( الحج 72
) ويأمركم بالفحشاء (
ويغريكم على البخل ومنع الصدقات اغراء الآمر للمامور
والفاحش عند العرب البخيل
) والله يعدكم (
في الانفاق
) مغفرة ( لذنوبكم وكفارة لها
) وفضلا (
وان يخلف عليكم أفضل مما انفقتم أو ثوابا عليه في الآخرة
يؤتى الحكمة من يشآء ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب 269
)
البقرة : ( 269 ) يؤتي الحكمة من . . . . .
يؤتي الحكمة (
يوفق للعلم والعمل به والحكيم عند الله هو العالم العامل وقرىء ( ومن يؤت الحكمة بمعنى ) ومن يؤته الله الحكمة
وهكذا قرا الأعمش و
) خيرا كثيرا (
تنكير تعظيم كانه قال فقد اوتي أي خير كثير
" وما يذكر الا أولو الألباب "
يريد الحكماء العلام العمال والمراد به الحث على العمل بما تضمنت الآي في معنى الانفاق
ومآ أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه وما للظالمين من أنصار 270
البقرة : ( 270 ) وما أنفقتم من . . . . .
) وما أنفقتم من نفقة (
في سبيل الله أو في سبيل الشيطان
) أو نذرتم من نذر (
في طاعة الله أو في معصيته
) فإن الله يعلمه (
لا يخفى عليه وهو مجازيكم عليه
) وما للظالمين (
الذين يمنعون الصدقات أو ينفقون اموالهم في المعاصي أو لا يفون بالنذور أو ينذرون في المعاصي
) من أنصار (
ممن ينصرهم من الله ويمنعهم من عقابه
إن تبدوا الصدقات فنعما هى وإن تخفوها وتؤتوها الفقرآء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير 271
البقرة : ( 271 ) إن تبدوا الصدقات . . . . .
(ما) في
) نعما (
نكرة غير موصولة ولا موصوفة ومعنى
) فنعما هي (
فنعم شيئا ابداؤها
وقرىء بكسر النون وفتحها
) وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء (
وتصيبوا بها مصارفها مع الاخفاء
) فهو خير لكم (
فالاخفاء خير لكم
والمراد الصدقات المتطوع بها فإن

" صفحة رقم 344 "
الأفضل في الفرائض ان يجاهر بها
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ( صدقات السر في التطوع تفضل علانيتها سبعين ضعفا وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفا ) وإنما كانت المجاهرة بالفرائض أفضل لنفي التهمة حتى اذا كان المزكى ممن لا يعرف باليسار كان اخفاؤه أفضل والمتطوع إن أراد ان يقتدى به كان إظهاره أفضل
) نكفر ( وقرىء بالنون مرفوعا عطفا على محل ما بعد الفاء أو على انه خبر مبتدأ محذوف أي ونحن نكفر
أو على أنه جملة من فعل وفاعل مبتدأة ومجزوما عطفا على محل الفاء وما بعده لأنه جواب الشرط
وقرىء ( ويكفر ) بالياء مرفوعا والفعل لله أو للإخفاء
وتكفر بالتاء مرفوعا ومجزوما والفعل للصدقات
وقرأ الحسن رضي الله عنه بالياء والنصب بإضمار ان ومعناه إن تخفوها يكن خيرا لكم وان يكفر عنكم
272
البقرة : ( 272 ) ليس عليك هداهم . . . . .
" ليس عليك هداهم ولاكن الله يهدى من يشآء وما تنفقوا من خير فلانفسكم وما تنفقون إلا ابتغآء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ليس عليك هداهم "
لا يجب عليك ان تجعلهم مهديين إلى الانتهاء عما نهوا عنه من المن والأذى والانفاق من الخبيث وغير ذلك وما عليك الا ان تبلغهم النواهي فحسب
) ولكن الله يهدي من يشاء (
يلطف بمن يعلم ان اللطف ينفع فيه فينتهي عما نهى عنه
) وما تنفقوا من خير (
من مال
) فلأنفسكم (
فهو لأنفسكم لا ينتفع به غيركم فلا تمنوا به على الناس ولا تؤذوهم بالتطاول عليهم
) وما تنفقون (
وليست نفقتكم الا لابتغاء وجه الله ولطلب ما عنده فما بالكم تمنون بها وتنفقون الخبيث الذي لا يوجه مثله إلى الله
) وما تنفقوا من خير يوف إليكم (
ثوابه أضعافا مضاعفة فلا عذر لكم في أن ترغبوا عن إنفاقه وان يكون على أحسن الوجوه واجملها
وقيل

" صفحة رقم 345 "
حجت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما فأتتها امها تسألها وهي مشركة فأبت ان تعطيها فنزلت وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه كانوا يتقون ان يرضخوا لقراباتهم من المشركين
وروي ان ناسا من المسلمين كانت لهم أصهار في اليهود ورضاع وقد كانوا ينفقون عليهم قبل الاسلام فلما أسلموا كرهوا ان ينفقوهم
وعن بعض العلماء لو كان شر خلق الله لكان لك ثواب نفقتك
واختلف في الواجب فجوز أبو حنيفة رضي الله عنه صرف صدقة الفطر إلى اهل الذمة وأباه غيره
للفقرآء الذين أحصروا فى سبيل الله لا يستطيعون ضربا فى الأرض يحسبهم الجاهل أغنيآء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم 273
البقرة : ( 273 ) للفقراء الذين أحصروا . . . . .
الجار متعلق بمحذوف والمعنى اعمدوا للفقراء واجعلوا ما تنفقون للفقراء كقوله تعالى
) في تسع آيات ( النمل 12 ويجوز ان يكون خبر مبتدأ محذوف أي صدقاتكم للفقراء
و
) الذين أحصروا في سبيل الله (
هم الذين احصرهم الجهاد
) لا يستطيعون (
لاشتغالهم به
) ضربا في الأرض (
للكسب وقيل هم أصحاب الصفة وهم نحو من أربعمائة رجل من مهاجري قريش لم يكن لهم مساكن في المدينة ولا عشائر فكانوا في صفة المسجد وهي سقيفته يتعلمون القرآن بالليل ويرضخون النوى بالنهار
وكانوا يخرجون في كل سرية بعثها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فمن كان عنده فضل اتاهم به إذا امسى
وعن ابن عباس رضي الله عنهما
149 وقف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوما على أصحاب الصفة فرأى فقرهم وجهدهم وطيب قلوبهم فقال ( أبشروا يا أصحاب الصفة فمن بقي من امتي على النعت الذي أنتم عليه راضيا بما فيه فإنه من رفقائي في الجنة )
) يحسبهم الجاهل (
بحالهم
) أغنياء من التعفف (
مستغنين من اجل تعففهم عن المسألة
) تعرفهم بسيماهم (
من صفرة الوجه ورثاثة الحال
والإلحاف الإلحاح وهو اللزوم وان لا يفارق الا بشيء يعطاه من قولهم لحفني من فضل لحافه أي أعطاني من فضل ما عنده
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )

" صفحة رقم 346 "
150 ( إن الله تعالى يحب الحيي الحليم المتعفف ويبغض البذي السئال الملحف )
ومعناه انهم إن سألوا سألوا بتلطف ولم يلحوا وقيل هو نفي للسؤال والإلحاف جميعا كقوله
( على لاحب لا يهتدى بمناره )
يريد نفي المنار والاهتداء به
البقرة 274
البقرة : ( 274 ) الذين ينفقون أموالهم . . . . .
" بالليل والننهار سرا وعلانية "
يعمون الأوقات والأحوال بالصدقة لحرصهم على الخير فكلما نزلت بهم حاجة محتاج عجلوا قضاءها ولم يؤخروه ولم يتعللوا بوقت ولا حال
وقيل نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين تصدق بأربعين الف دينار عشرة بالليل وعشرة بالنهار وعشرة في السر وعشرة في العلانية
وعن ابن عباس رضي الله عنهما نزلت في علي رضي الله عنه لم يملك الا أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية
وقيل نزلت في علف الخيل وارتباطها في سبيل الله وعن أبي هريرة رضي الله عنه كان إذا مر بفرس سمين قرأ هذه الآية
البقرة 275 - 276
البقرة : ( 275 - 276 ) الذين يأكلون الربا . . . . .

" صفحة رقم 347 "
" الربوا "
كتب بالواو على لغة من يفخم كما كتبت الصلاة والزكاة وزيدت الألف بعدها تشبيها بواو الجمع
) لا يقومون (
إذا بعثوا من قبورهم
) إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان (
أي المصروع
وتخبط الشيطان من زعمات العرب يزعمون أن الشيطان يخبط الانسان فيصرع
والخبط الضرب على غير استواء كخبط العشواء فورد على ما كانوا يعتقدون والمس الجنون ورجل ممسوس وهذا أيضا من زعماتهم وان الجني يمسه فيختلط عقله وكذلك جن الرجل معناه ضربته الجن ورأيتهم لهم في الجن قصص وأخبار وعجائب وإنكار ذلك عندهم كإنكار المشاهدات
فإن قلت بم يتعلق قوله
) من المس (
قلت ب لا يقومون ) أي لا يقومون من المس الذي بهم الا كما يقوم المصروع ويجوز ان يتعلق بيقوم أي كما يقوم المصروع من جنونه
والمعنى انهم يقومون يوم القيامة مخبلين كالمصروعين تلك سيماهم يعرفون بها عند اهل الموقف
وقيل الذين يخرجون من الأجداث يوفضون الا اكلة الربا فانهم ينهضون ويسقطون كالمصروعين لأنهم اكلوا الربا فأرباه الله في بطونهم حتى أثقلهم فلا يقدرون على الإيفاض
) ذلك (
العقاب بسبب قولهم
" إنما البيع مثل الربوا "
فإن قلت هلا

" صفحة رقم 348 "
قيل إنما الربا مثل البيع لأن الكلام في الربا لا في البيع فوجب ان يقال إنهم شبهوا الربا بالبيع فاستحلوه وكانت شبهتهم انهم قالوا لو اشترى الرجل ما لا يساوي الا درهما بدرهمين جاز فكذلك اذا باع درهما بدرهمين قلت جيء به على طريق المبالغة وهو انه قد بلغ من اعتقادهم في حل الربا انهم جعلوه أصلا وقانونا في الحل حتى شبهوا به البيع
وقوله
" وأحل الله البيع وحرم الربوا "
إنكار لتسويتهم بينهما ودلالة عل ان القياس يهدمه النص لأنه جعل الدليل على بطلان قياسهم إحلال الله وتحريمه
) فمن جاءه موعظة (
فمن بلغه وعظ من الله وزجر بالنهي عن الربا
) فانتهى (
فتبع النهي وامتنع
) فله ما سلف (
فلا يؤخذ بما مضى منه لأنه أخذ قبل نزول التحريم
) وأمره إلى الله (
يحكم في شانه يوم القيامة وليس من امره اليكم شيء فلا تطالبوه به
) ومن عاد (
إلى الربا
) فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (
وهذا دليل بين على تخليد الفساق
وذكر فعل الموعظة لأن تأنيثها غير حقيقي ولأنها في معنى الوعظ وقرأ

" صفحة رقم 349 "
أبي والحسن فمن جاءته )
" يمحق الله الربواا "
يذهب ببركته ويهلك المال الذي يدخل فيه
وعن ابن مسعود رضي الله عنه الربا وإن كثر إلى قل
" ويربى الصدقات "
ما يتصدق به بان يضاعف عليه الثواب ويزيد المال الذي أخرجت منه الصدقة ويبارك فيه
وفي الحديث
151 ( ما نقصت زكاة من مال قط )
) كل كفار أثيم (
تغليظ في امر الربا وإيذان بأنه من فعل الكفار لا من فعل المسلمين
البقرة 277 - 281
البقرة : ( 277 - 281 ) إن الذين آمنوا . . . . .
أخذوا ما شرطوا على الناس من الربا وبقيت لهم بقايا فأمروا ان يتركوها ولا يطالبوا بها
روي انها نزلت في ثقيف وكان لهم على قوم من قريش مال فطالبوهم عند المحل بالمال والربا
وقرأ الحسن رضي الله عنه ( ما بقي )
بقلب الياء ألفا على لغة طيء وعنه ( ما بقي ) بياء ساكنة ومنه قول جرير
( هو الخليفة فارضوا ما رضي لكمو ماضي العزيمة ما في حكمه جنف )
) إن كنتم مؤمنين (
إن صح إيمانكم يعني أن دليل صحة الايمان وثباته امتثال ما امرتم به من ذلك
) فأذنوا بحرب (
فاعلموا بها من أذن بالشيء اذا علم به
وقرىء ( فآذنوا ) فاعلموا بها غيركم وهو من الإذن وهو الاستماع لأنه من طرق العلم
وقرأ الحسن ( فأيقنوا ) وهو دليل لقراءة العامة
فإن قلت هلا قيل بحرب الله ورسوله قلت كان هذا أبلغ لأن المعني فإذنوا بنوع من الحرب عظيم من عند الله ورسوله
وروي انها لما نزلت قالت ثقيف لا يدي لنا بحرب الله ورسوله
) وإن تبتم (
من

" صفحة رقم 350 "
الارتباء
" فلكم رءوس اموالكم لا تظلمون "
المديونين بطلب الزيادة عليها
) ولا تظلمون (
بالنقصان منها
فإن قلت هذا حكمهم إن تابوا فما حكمهم لو لم يتوبوا قلت قالوا يكون مالهم فيئا للمسلمين وروى المفضل عن عاصم ( لا تظلمون ولا تظلمون )
) وإن كان ذو عسرة (
وإن وقع غريم من غرمائكم ذو عسرة أو ذو إعسار وقرأ عثمان رضي الله عنه ( ذا عسرة ) على وإن كان الغريم ذا عسرة وقرىء ومن كان ذا عسرة فنظرة أي فالحكم أو فالأمر نظرة وهي الإنظار
وقرىء ( فنظرة ) بسكون الظاء وقرا عطاء ( فناظره ) بمعنى فصاحب الحق ناظره أي منتظره أو صاحب نظرته على طريقة النسب كقولهم مكان عاشب وباقل أي ذو عشب وذو بقل وعنه فناظره على الأمر بمعنى فسامحه بالنظرة وياسره بها
) إلى ميسرة (
إلى يسار وقرىء بضم السين كمقبرة ومقبرة ومشرقة ومشرقة
وقرىء بهما مضافين بحذف التاء عند الإضافة كقوله
( وأخلفوك عدا الأمر الذي وعدوا )
وقوله تعالى
) وأقام الصلاة ( النور 37
) وأن تصدقوا خير لكم (
ندب إلى ان يتصدقوا برؤس اموالهم على من أعسر من غرمائهم أو ببعضها كقوله تعالى
) وأن تعفوا أقرب للتقوى ( البقرة 237 وقيل أريد بالتصدق الانظار لقوله ( صلى الله عليه وسلم )
152 ( لا يحل دين رجل مسلم فيؤخره الا كان له بكل يوم صدقة )
) إن كنتم تعلمون (
انه خير لكم فتعملوا به جعل من لا يعمل به وإن علمه كانه لا يعلمه
وقرىء ( تصدقوا ) بتخفيف الصاد على حذف التاء
) ترجعون (
قرىء على البناء للفاعل والمفعول وقرىء ( يرجعون ) بالياء على طريقة الالتفات
وقرأ عبد الله ( تردون ) وقرأ أبي ( تصيرون ) وعن ابن عباس انها آخر آية نزل بها جبريل عليه السلام وقال ضعها في رأس المائتين والثمانين من البقرة
وعاش رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعدها أحدا وعشرين

" صفحة رقم 351 "
يوما وقيل أحدا وثمانين وقيل سبعة أيام وقيل ثلاث ساعات
ياأيها الذين ءامنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهدآء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الاخرى ولا يأب الشهدآء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذالكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضآر كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذى اؤتمن أمانته وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه ءاثم قلبه والله بما تعملون عليم 282 - 283
)
البقرة : ( 282 ) يا أيها الذين . . . . .
إذا تداينتم (
إذا داين بعضكم بعضا يقال داينت الرجل اذا عاملته
) بدين (
معطيا أو آخذا كما تقول بايعته اذا بعته أو باعك قال رؤبة
( داينت أروى والديون تقضى فمطلت بعضا وأدت بعضا )
والمعنى اذا تعاملتم بدين مؤجل فاكتبوه فإن قلت هلا قيل اذا تداينتم إلى اجل مسمى وأي حاجة إلى ذكر ( الدين ) كما قال داينت أروى ولم يقل بدين قلت

" صفحة رقم 352 "
ذكر ليرجع الضمير إليه في قوله
) فاكتبوه (
إذ لو لم يذكر لوجب أن يقال فاكتبوا الدين فلم يكن النظم بذلك الحسن
ولأنه أبين لتنويع الدين إلى مؤجل وحال فإن قلت ما فائدة قوله
) مسمى (
قلت ليعلم ان من حق الأجل ان يكون معلوما كالتوقيت بالسنة والأشهر والأيام ولو قال إلى الحصاد أو الدياس أو رجوع الحاج لم يجز لعدم التسمية
وإنما امر بكتبة الدين لأن ذلك اوثق وآمن من النسيان وأبعد من الجحود والأمر للندب
وعن ابن عباس أن المراد به السلم وقال لما حرم الله الربا أباح السلف وعنه أشهد ان الله أباح السلم المضمون إلى اجل معلوم في كتابه وانزل فيه أطول آية
) بالعدل (
متعلق بكاتب صفة له أي كاتب مامون على ما يكتب يكتب بالسوية والاحتياط
لا يزيد على ما يجب ان يكتب ولا ينقص
وفيه ان يكون الكاتب فقيها عالما بالشروط حتى يجيء مكتوبه معدلا بالشرع وهو امر للمتداينين بتخير الكاتب وان لا يستكتبوا الا فقيها دينا
) ولا يأب كاتب (
ولا يمتنع أحد من الكتاب وهو معنى تنكير كاتب
) أن يكتب كما علمه الله (
مثل ما علمه الله كتابة الوثائق لا يبدل ولا يغير
وقيل هو كقوله تعالى
) وأحسن كما أحسن الله إليك ( القصص 77 أي ينفع الناس بكتابته كما نفعه الله بتعليمها وعن الشعبي هي فرض كفاية وكما علمه الله يجوز ان يتعلق بان يكتب وبقوله فليكتب فإن قلت أي فرق بين الوجهين قلت إن علقته بان يكتب فقد نهى عن الامتناع من الكتابة المقيدة ثم قيل له
) فليكتب (
يعني فليكتب تلك الكتابة لا يعدل عنها للتوكيد وإن علقته بقوله فليكتب فقد نهى عن الامتناع من الكتابة على سبيل الاطلاق ثم أمر بها مقيدة
) وليملل الذي عليه الحق (
ولا يكن المملي الا من وجب عليه الحق لأنه هو المشهود على ثباته في ذمته وإقراره به
والإملاء والاملال لغتان قد نطق بهما القرآن
) فهي تملى عليه ( الفرقان 5
) ولا يبخس منه (
من الحق
) شيئا (
والبخس النقص وقرىء ( شيا ) بطرح الهمزة ( وشيا ) بالتشديد
) سفيها ( محجورا عليه لتبذيره وجهله بالتصرف
) أو ضعيفا (
صبيا أو شيخا مختلا
) أو لا يستطيع أن يمل هو (
أو غير مستطيع للإملاء بنفسه لعي به أو خرس
) فليملل وليه (
الذي يلي أمره من وصي إن كان سفيها أو صبيا أو وكيل إن كان غير مستطيع أو ترجمان يمل عنه وهو يصدقه وقوله تعالى
) أن يمل هو (
فيه انه غير مستطيع بنفسه ولكن بغيره وهو الذي يترجم عنه
) واستشهدوا شهيدين (
واطلبوا أن

" صفحة رقم 353 "
يشهد لكم شهيدان على الدين
) من رجالكم (
من رجال المؤمنين
والحرية والبلوغ شرط مع الاسلام عند عامة العلماء
وعن علي رضي الله عنه لا تجوز شهادة العبد في شيء وعند شريح وابن سيرين وعثمان البتي انها جائزة ويجوز عند أبي حنيفة شهادة الكفار بعضهم على بعض على اختلاف الملل
) فإن لم يكونا (
فإن لم يكن الشهيدان
) رجلين فرجل وامرأتان (
فليشهد رجل وامرأتان وشهادة النساء مع الرجال مقبولة عند أبي حنيفة فيما عدا الحدود والقصاص
) ممن ترضون (
ممن تعرفون عدالتهم
) أن تضل إحداهما (
أن لا تهتدي احداهما للشهادة بان تنساها من ضل الطريق اذا لم يهتد له
وانتصابه على انه مفعول له أي ارادة ان تضل فإن قلت كيف يكون ضلالها مرادا لله تعالى قلت لما كان الضلال سببا للإذكار والإذكار مسببا عنه وهم ينزلون كل واحد من السبب والمسبب منزلة الآخر لالتباسهما واتصالهما كانت ارادة الضلال المسبب عنه الإذكار إرادة للإذكار فكانه قيل إرادة ان تذكر احداهما الأخرى إن ضلت ونظيره قولهم أعددت الخشبة ان يميل الحائط فأدعمه وأعددت السلاح ان يجيء عدو فأدفعه
وقرىء ( فتذكر ) بالتخفيف والتشديد وهما لغتان و ( فتذاكرا )
وقرأ حمزة ( إن تضل احداهما ) على الشرط فتذكر بالرفع والتشديد كقوله
) ومن عاد فينتقم الله منه ( المائدة 95 وقرىء ( ان تضل احداهما ) على البناء للمفعول والتأنيث
ومن بدع التفاسير فتذكر فتجعل احداهما الأخرى ذكرا يعني انهما اذا اجتمعتا كانتا بمنزلة الذكر
) إذا ما دعوا (
ليقيموا الشهادة
وقيل ليستشهدوا وقيل لهم شهداء قبل التحمل تنزيلا لما يشارف منزلة الكائن وعن قتادة كان الرجل يطوف في الحواء العظيم فيه القوم فلا يتبعه منهم أحد فنزلت كني بالسأم عن الكسل لأن الكسل صفة المنافق ومنه الحديث
153 ( لا يقول المؤمن كسلت )
ويجوز ان يراد من كثرت مدايناته فاحتاج ان يكسب لكل دين صغير أو كبير كتابا فربما مل كثرة الكتب والضمير في
) تكتبوه (
للدين أو الحق
) صغيرا أو كبيرا (
على أي حال كان الحق من صغر أو كبر
ويجوز ان يكون الضمير للكتاب وان يكتبوه مختصرا أو مشبعا لا يخلوا بكتابته
) إلى أجله (

" صفحة رقم 354 "
إلى وقته الذي اتفق الغريمان على تسميته
" ذالكم "
اشارة إلى أن تكتبوه لأنه في معنى المصدر أي ذلكم الكتب
) أقسط (
أعدل من القسط
) وأقوم للشهادة (
وأعون على إقامة الشهادة
) وأدنى ألا ترتابوا (
وأقرب من انتفاء الريب
فإن قلت مم بني أفعلا التفضيل أعنى أقسط واقوم قلت يجوز على مذهب سيبويه ان يكونا مبنيين من أقسط وأقام وان يكون أقسط من قاسط على طريقة النسب بمعنى ذي قسط وأقوم من قويم وقرىء ( ولا يسأموا ان يكتبوه ) بالياء فيهما
فإن قلت ما معنى
) تجارة حاضرة (
وسواء اكانت المبايعة بدين أوبعين فالتجارة حاضرة وما معنى إدارتها بينهم قلت اريد بالتجارة ما يتجر فيه من الابدال ومعنى إدارتها بينهم تعاطيهم إياها يدا بيد
والمعنى الا أن تتبايعوا بيعا ناجزا يدا بيد فلا بأس ان لا تكتبوه لأنه لا يتوهم فيه ما يتوهم في التداين وقرىء تجارة حاضرة بالرفع على كان التامة
وقيل هي الناقصة على ان الاسم ( تجارة حاضرة ) والخبر ( تديرونها ) وبالنصب على الا ان تكون التجارة تجارة حاضرة كبيت الكتاب
( بني أسد هل تعلمون بلاءنا اذا كان يوما ذا كواكب أشنعا )
أي اذا كان اليوم يوما
) وأشهدوا إذا تبايعتم (
امر بالإشهاد على التبايع مطلقا ناجزا أو كالئا لأنه احوط وأبعد مما عسى يقع من الاختلاف
ويجوز ان يراد وأشهدوا اذا تبايعتم هذا التبايع يعني التجارة الحاضرة على ان الإشهاد كاف فيه دون الكتابة
وعن الحسن ان شاء أشهد وإن شاء لم يشهد
وعن الضحاك هي عزيمة من الله ولو على باقة بقل
) ولا يضار (
يحتمل البناء للفاعل والمفعول
والدليل عليه قراءة عمر رضي الله عنه ( ولا يضارر ) بالإظهار والكسر وقراءة ابن عباس رضي الله عنه ( ولا يضارر ) بالإظهار والفتح
والمعنى نهي الكاتب والشهيد عن ترك الإجابة إلى ما يطلب منهما
وعن التحريف والزيادة والنقصان أو النهي عن الضرار بهما بأن يعجلا عن مهم ويلزا أو لا يعطي الكاتب حقه من الجعل أو يحمل الشهيد مؤنة مجيئه من بلد وقرأ الحسن ( ولا يضار ) بالكسر
) وإن تفعلوا (
وإن تضاروا
) فإنه (
فإن الضرار
) فسوق بكم (
وقيل وإن تفعلوا شيئا مما نهيتم عنه
) على سفر (
مسافرين
وقرأ

" صفحة رقم 355 "
ابن عباس وأبي رضي الله عنهما ( كتابا ) وقال ابن عباس أرأيت إن وجدت الكاتب ولم تجد الصحيفة والدواة
وقرأ أبو العالية ( كتبا ) وقرأ الحسن ( كتابا ) جمع كاتب
) فرهان (
فالذي يستوثق به رهن وقرىء ( فرهن ) بضم الهاء وسكونها وهو جمع رهن كسقف وسقف و فرهان )
فإن قلت لم شرط السفر في الارتهان ولا يختص به سفر دون حضر وقد
154 رهن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) درعه في غير سفر
قلت ليس الغرض تجويز الارتهان في السفر خاصة ولكن السفر لما كان مظنة لاعواز الكتب والإشهاد امر على سبيل الإرشاد إلى حفظ المال من كان على سفر بأن يقيم التوثق بالارتهان مقام التوثق بالكتب والإشهاد
وعن مجاهد والضحاك انهما لم يجوزاه الا في حال السفر أخذا بظاهر

" صفحة رقم 356 "
الآية واما القبض فلا بد من اعتباره
وعند مالك يصح الارتهان بالإيجاب والقبول بدون القبض
) فإن أمن بعضكم بعضا (
فإن أمن بعض الدائنين بعض المديونين لحسن ظنه به
وقرأ أبي ( فإن أومن ) أي آمنه الناس ووصفوا المديون بالأمانة والوفاء والاستغناء عن الارتهان من مثله
" فليؤد الذي اوتمن أمانته "
حث المديون على أن يكون عند ظن الدائن به وامنه منه وائتمانه له وان يؤدي اليه الحق الذي ائتمنه عليه فلم يرتهن منه
وسمي الدين امانة وهو مضمون لائتمانه عليه بترك الارتهان منه
والقراءة ان تنطق بهمزة ساكنة بعد الذال أو ياء فتقول الذي اؤتمن أو الذي تمن وعن عاصم انه قرأ ( الذي اتمن ) بإدغام الياء في التاء قياسا على اتسر في الافتعال من اليسر وليس بصحيح
لأن الياء منقلبة عن الهمزة فهي في حكم الهمزة واتزر ) عامي وكذلك ريا في رؤيا ( ءاثم )
خبر ان و
) قلبه (
رفع بآثم على الفاعلية كانه قيل فإنه يأثم قلبه
ويجوز ان يرتفع قلبه بالابتداء وآثم خبر مقدم والجملة خبر إن فإن قلت هلا اقتصر

" صفحة رقم 357 "
على قوله
" فإنه ءاثم "
وما فائدة ذكر القلب والجملة هي الآثمة لا القلب وحده قلت كتمان الشهادة هو ان يضمرها ولا يتكلم بها فلما كان إثما مقترفا بالقلب أسند اليه لأن إسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ
ألا تراك تقول اذا اردت التوكيد هذا مما أبصرته عيني ومما سمعته أذني ومما عرفه قلبي ولأن القلب هو رئيس الأعضاء والمضغة التى ان صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله فكانه قيل فقد تمكن الإثم في أصل نفسه وملك أشرف مكان فيه
ولئلا يظن ان كتمان الشهادة من الآثام المتعلقة باللسان فقط وليعلم ان القلب أصل متعلقة ومعدن اقترافه واللسان ترجمان عنه
ولأن أفعال القلوب أعظم من أفعال سائر الجوارح وهي لها كالأصول التى تتشعب منها
ألا ترى ان أصل الحسنات والسيآت الإيمان والكفر وهما من افعال القلوب فإذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلوب فقد شهد له بانه من معاظم الذنوب
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أكبر الكبائر الاشراك بالله لقوله تعالى
) فقد حرم الله عليه الجنة ( المائدة 72 وشهادة الزور وكتمان الشهادة وقرىء ( قلبه ) بالنصب كقوله
) سفه نفسه ( البقرة 130 وقرأ ابن أبي عبلة ( أثم قلبه ) أي جعله إثما
لله ما في السماوات وما فى الأرض 284
البقرة : ( 284 ) لله ما في . . . . .
" وان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشآء ويعذب من يشآء والله على كل شيء قدير ءامن الرسول بمآ أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل ءامن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير وإن تبدوا ما في انفسكم أو تخفوه "
يعني من السوء يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء لمن استوجب المغفرة بالتوبة مما أظهر منه أو أضمره
) ويعذب من يشاء (
ممن استوجب العقوبة بالإصرار
ولا يدخل فيما يخفيه الانسان الوساوس وحديث النفس لأن ذلك مما ليس في وسعه الخلو منه ولكن ما اعتقده وعزم عليه
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما انه تلاها فقال لئن آخذنا الله بهذا لنهلكن ثم بكى حتى سمع نشيجه فذكر لابن عباس فقال يغفر الله لأبي عبد الرحمن
قد وجد المسلمون منها مثل ما وجد فنزل
) لا يكلف الله (
وقرىء ( فيغفر ) ويعذب ) مجزومين عطفا على جواب الشرط ومرفوعين على فهو يغفر ويعذب
فإن قلت كيف يقرأ الجازم قلت يظهر الراء ويدغم الباء
ومدغم الراء في اللام لاحن مخطىء خطأ فاحشا وراويه عن

" صفحة رقم 358 "
أبي عمرو ومخطىء مرتين لأنه يلحن وينسب إلى اعلم الناس بالعربية ما يؤذن بجهل عظيم
والسبب في نحو هذه الروايات قلة ضبط الرواة والسبب في قلة الضبط قلة الدراية ولا يضبط نحو هذا الا اهل النحو وقرا الأعمش ( يغفر ) بغير فاء مجزوما على البدل من يحاسبكم كقوله
( متى تاتنا تلمم بنا في ديارنا تجد حطبا جزلا ونارا تأججا )
ومعنى هذا البدل التفصيل لجملة الحساب لأن التفصيل اوضح من المفصل فهو جار مجرى بدل البعض من الكل أو بدل الاشتمال كقولك ضربت زيدا رأسه واحب زيدا عقله وهذا البدل واقع في الأفعال وقوعه في الأسماء لحاجة القبيلين إلى البيان
البقرة 285
البقرة : ( 285 ) آمن الرسول بما . . . . .
) والمؤمنون (
إن عطف على الرسول كان الضمير الذي التنوين نائب عنه في كل راجعا إلى الرسول والمؤمنين أي كلهم آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله من المذكورين ووقف عليه
وإن كان مبتدأ كان الضمير للمؤمنين ووحد ضمير كل من آمن على معنى كل واحد منهم آمن وكان يجوز ان يجمع كقوله
) وكل أتوه داخرين ( النمل 87 وقرا ابن عباس ( وكتابه ) يريد القرآن أو الجنس وعنه الكتاب أكثر من الكتب فإن قلت كيف يكون الواحد أكثر من الجمع قلت لأنه اذا أريد بالواحد الجنس والجنسية قائمة في وحدان الجنس كلها لم يخرج منه شيء فأما الجمع فلا يدخل تحته الا ما فيه الجنسية من الجموع
) لا نفرق (
يقولون لا نفرق وعن أبي عمرو ( يفرق ) بالياء على ان الفعل لكل وقرا عبد الله ( لا يفرقون ) و
) أحد (
في معنى الجمع كقوله تعالى
) فما منكم من أحد عنه حاجزين ( الحاقة 47 ولذلك دخل عليه بين
) سمعنا (
أجبنا
) غفرانك (
منصوب بإضمار فعله يقال غفرانك لا كفرانك أي نستغفرك ولا نكفرك وقرىء ( وكتبه ورسله ) بالسكون
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنآ إن نسينآ أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينآ إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنآ أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين 286
البقرة : ( 286 ) لا يكلف الله . . . . .

" صفحة رقم 359 "
الوسع ما يسع الانسان ولا يضيق عليه ولا يحرج فيه أي لا يكلفها الا ما يتسع فيه طوقه ويتيسر عليه دون مدى الطاقة والمجهود
وهذا إخبار عن عدله ورحمته كقوله تعالى
) يريد الله بكم اليسر ( الكهف 185 لأنه كان في إمكان الانسان وطاقته ان يصلي أكثر من الخمس ويصوم أكثر من الشهر ويحج اكثر من حجة
وقرأ ابن أبي عبلة ( وسعها ) بالفتح
) لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ( ينفعها ما كسبت من خير ويضرها ما اكتسبت من شر لا يؤاخذ بذنبها غيرها ولا يثاب غيرها بطاعتها فإن قلت لم خص الخير بالكسب والشر بالاكتساب قلت في الاكتساب اعتمال فلما كان الشر مما تشتهيه النفس وهي منجذبة اليه وامارة به كانت في تحصيله اعمل واجد فجعلت لذلك مكتسبة فيه ولما لم تكن كذلك في باب الخير وصفت بما لا دلالة فيه على الاعتمال
أي لا تؤاخذنا بالنسيان أو الخطأ ان فرط منا
فإن قلت النسيان والخطأ متجاوز عنهما فما معنى الدعاء بترك المؤاخذة بهما قلت ذكر النسيان والخطأ والمراد بهما ما هما مسببان عنه من التفريط والاغفال
ألا ترى إلى قوله
) وما أنسانيه إلا الشيطان ( الكهف 63 والشيطان لا يقدر على فعل النسيان وإنما يوسوس فتكون وسوسته سببا للتفريط الذي منه النسيان ولأنهم كانوا متقين الله حق تقاته فما كانت تفرط منهم فرطة الا على وجه النسيان والخطأ فكان وصفهم بالدعاء بذلك ايذانا ببراءة ساحتهم عما يؤاخذون به كانه قيل إن كان النسيان والخطأ مما يؤاخذ به فما فيهم سبب مؤاخذة الا الخطأ والنسيان ويجوز ان يدعو الانسان بما علم أنه حاصل له قبل الدعاء من فضل الله لاستدامته والاعتداد بالنعمة فيه
والإصر العبء الذي يأصر حامله أي يحبسه مكانه لا يستقل به لثقله استعير للتكليف الشاق من نحو قتل الأنفس وقطع موضع النجاسة من الجلد والثوب وغير

" صفحة رقم 360 "
ذلك وقرىء ( آصارا ) على الجمع وفي قراءة أبي ( ولا تحمل ) علينا بالتشديد فإن قلت أي فرق بين هذه التشديدة والتي في
) ولا تحملنا (
قلت هذه للمبالغة في حمل عليه وتلك لنقل حمله من مفعول واحد إلى مفعولين
) ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به (
من العقوبات النازلة بمن قبلنا طلبوا الإعفاء عن التكليفات الشاقة التى كلفها من قبلهم ثم عما نزل عليهم من العقوبات على تفريطهم في المحافظة عليها
وقيل المراد به الشاق الذي لا يكاد يستطاع من التكاليف
وهذا تكرير لقوله
) ) ولا تحمل علينا إصرا (
) مولانا (
سيدنا ونحن عبيدك أو ناصرنا أو متولي امورنا
) فانصرنا (
فمن حق المولى ان ينصر عبيده أو فإن ذلك عادتك أو فإن ذلك من امورنا التي عليك توليها وعن ابن عباس
155 ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما دعا بهذه الدعوات قيل له عند كل كلمة قد فعلت )
وعنه عليه الصلاة والسلام
156 ( من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه )
وعنه عليه الصلاة والسلام
157 ( أوتيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يؤتهن نبي قبلي )
وعنه عليه السلام

" صفحة رقم 361 "
158 ( أنزل الله آيتين من كنوز الجنة كتبهما الرحمن بيده قبل ان يخلق الخلق بألفي سنة من قرأهما بعد العشاء الآخرة أجزأتاه عن قيام الليل )
فإن قلت هل يجوز ان يقال قرأت سورة البقرة أو قرأت البقرة قلت لا بأس بذلك وقد جاء في حديث النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( من آخر سورة البقرة ) و خواتيم سورة البقرة ) و خواتيم البقرة )
وعن علي رضي الله عنه ( خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش ) وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما انه رمى الجمرة ثم قال ( من ههنا والذي لا اله غيره رمي الذي انزلت عليه سورة البقرة ) ولا فرق بين هذا وبين قولك سورة الزخرف وسورة الممتحنة وسورة المجادلة
واذا قيل قرأت البقرة لم يشكل ان المراد سورة البقرة كقوله
) واسأل القرية ( يوسف 82 وعن بعضهم انه كره ذلك وقال يقال قرأت السورة التي تذكر فيه البقرة
عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) 159 ( السورة التي تذكر فيها البقرة فسطاط القرآن فتعلموها فإن تعلمها بركة وتركها حسرة ولن تستطيعها البطلة قيل وما البطلة قال السحرة )
4841

" صفحة رقم 362 "
سورة آل عمران

" صفحة رقم 363 "
سورة آل عمران
مدنية وهي مائتا آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الم الله لا إلاه إلا هو الحى القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بأيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام 1 - 4 ( م
آل عمران : ( 1 ) الم
حقها ان يوقف عليها كما وقف على الف ولام وان يبدأ ما بعدها كما تقول واحد اثنان وهي قراءة عاصم واما فتحها فهي حركة الهمزة ألقيت عليها حين أسقطت للتخفيف
فإن قلت كيف جاز إلقاء حركتها عليها وهي همزة وصل لا تثبت في درج الكلام فلا تثبت حركتها لأن ثبات حركتها كثباتها قلت هذا ليس بدرج لأن ( م ) في حكم الوقف والسكون والهمزة في حكم الثابت
وإنما حذفت تخفيفا وألقيت حركتها على الساكن قبلها ليدل عليها ونظيره قولهم واحد اثنان بإلقاء حركة الهمزة على الدال
فإن قلت هلا زعمت انها حركة لالتقاء الساكنين قلت لأن التقاء الساكنين لا يبالى به في باب الوقف وذلك قولك هذا إبراهيم وداود واسحاق ولو كان التقاء الساكنين في حال الوقف يوجب التحريك لحرك الميمين في الف لام ميم لالتقاء الساكنين ولما انتظر ساكن آخر
فإن قلت إنما لم يحركوا لالتقاء الساكنين في ميم لأنهم أرادوا الوقف وامكنهم النطق بساكنين فإذا جاء ساكن ثالث لم يمكن الا التحريك فحركوا قلت الدليل على ان الحركة ليست لملاقاة الساكن انه كان يمكنهم ان يقولوا واحد اثنان بسكون الدال مع طرح الهمزة فيجمعوا بين ساكنين كما قالوا أصيم ومديق
فلما حركوا الدال علم ان حركتها هي حركة الهمزة الساقطة لا غير وليست لالتقاء الساكنين
فإن قلت فما وجه قراءة عمرو بن عبيد بالكسر قلت هذه القراءة على توهم التحريك لالتقاء الساكنين وما هي بمقولة و
) التوراة والإنجيل ( اسمان أعجميان
وتكلف اشتقاقهما من الورى والنجل ووزنهما بتفعلة وأفعيل إنما يصح بعد

" صفحة رقم 364 "
كونهما عربيين
وقرا الحسن ( الأنجيل ) بفتح الهمزة وهو دليل على العجمة لأن أفعيل بفتح الهمزة عديم في اوزان العرب
فإن قلت لم قيل ( نزل الكتاب )
) وأنزل التوراة والإنجيل (
قلت لأن القرآن نزل منجما ونزل الكتابان جملة
وقرا الأعمش ( نزل عليك الكتاب ) بالتخفيف ورفع الكتاب
) هدى للناس (
أي لقوم موسى وعيسى
ومن قال نحن متعبدون بشرائع من قبلنا فسره على العموم
فإن قلت ما المراد بالفرقان قلت جنس الكتب السماوية لأن كلها فرقان يفرق بين الحق والباطل أو الكتب التي ذكرها كأنه قال بعد ذكر الكتب الثلاثة وأنزل ما يفرق به بين الحق والباطل من كتبه أو من هذه الكتب أو أراد الكتاب الرابع وهو الزبور كما قال
" وآتينا داود وزبورا " النساء 163 وهو ظاهر
أو كرر ذكر القرآن بما هو نعت له ومدح من كونه فارقا بين الحق والباطل بعد ما ذكره باسم الجنس تعظيما لشانه وإظهارا لفضله
) بآيات الله (
من كتبه المنزلة وغيرها
) ذو انتقام (
له انتقام شديد لا يقدر على مثله منتقم
إن الله 5 - 6
"
آل عمران : ( 5 ) إن الله لا . . . . .
لا يخفى عليه شىء في الأرض ولا فى السمآء هو الذي يصوركم في الارحام كيف يشآء لا إلاه إلا هو العزيز الحكيم لا يخفى عليه شىء "
في العالم فعبر عنه بالسماء والأرض فهو مطلع على كفر من كفر وإيمان من آمن وهو مجازيهم عليه
) كيف يشاء (
من الصور المختلفة المتفاوتة وقرأ طاوس ( تصوركم ) أي صوركم لنفسه ولتعبده كقولك أثلت مالا إذا جعلته أثلة أي أصلا وتأثلته اذا أثلته لنفسك
وعن سعيد بن جبير هذا حجاج

" صفحة رقم 365 "
على من زعم ان عيسى كان ربا كانه نبه بكونه مصورا في الرحم على انه عبد كغيره وكان يخفى عليه ما لا يخفى على الله
هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغآء الفتنة وابتغآء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب
آل عمران : ( 7 ) هو الذي أنزل . . . . .
) محكمات (
أحكمت عبارتها بان حفظت من الاحتمال والاشتباه
) متشابهات (
مشتبهات محتملات
) هن أم الكتاب (
أي أصل الكتاب تحمل المتشابهات عليها وترد اليها ومثال ذلك
) لا تدركه الأبصار ( الأنعام 103
) إلى ربها ناظرة (

" صفحة رقم 366 "
القيامة 23
) لا يأمر بالفحشاء ( الأعراف 27
) أمرنا مترفيها ( الاسراء 16 فإن قلت فهلا كان القرآن كله محكما قلت لو كان كله محكما لتعلق الناس به لسهولة مأخذه ولأعرضوا عما يحتاجون فيه إلى الفحص والتأمل من النظر والاستدلال ولو فعلوا ذلك لعطلوا الطريق الذي لا يتوصل إلى معرفة الله وتوحيده الا به ولما في المتشابه من الابتلاء والتمييز بين الثابت على الحق والمتزلزل فيه ولما في تقادح العلماء وإتعابهم القرائح في استخراج معانيه ورده إلى المحكم من الفوائد الجليلة والعلوم الجمة ونيل الدرجات عند الله ولأن المؤمن المعتقد أن لا مناقضة في كلام الله ولا اختلاف إذا رأى فيه ما يتناقض في ظاهره وأهمه طلب ما يوفق بينه ويجريه على سنن واحد ففكر وراجع نفسه وغيره ففتح الله عليه وتبين مطابقة المتشابه المحكم ازداد طمانينة إلى معتقده وقوة في ايقانه
) الذين في قلوبهم زيغ (
هم اهل البدع
) فيتبعون ما تشابه منه ( فيتعلقون بالمتشابه الذي يحتمل ما يذهب اليه المبتدع مما لا يطابق المحكم ويحتمل ما يطابقه من قول أهل الحق
) ابتغاء الفتنة (
طلب ان يفتنوا الناس عن دينهم ويضلوهم
( وابتغاء تأويله )
وطلب ان يأولوه التاويل الذي يشتهونه
) وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم (
أي لا يهتدي إلى تأويله الحق الذي يجب ان يحمل عليه الا الله وعباده الذين رسخوا في العلم أي ثبتوا فيه وتمكنوا وعضوا فيه بضرس قاطع
ومنهم من يقف على قوله ( الا الله ) ويبتدىء ( والراسخون في العلم يقولون ) ويفسرون المتشابه بما استأثر الله بعلمه وبمعرفة الحكمة فيه من آياته كعدد الزبانية ونحوه والأول هو الوجه
ويقولون كلام مستأنف موضع لحال الراسخين بمعنى هؤلاء العالمون بالتاويل
" يقولون ءامنا به "
أي بالمتشابه
) كل من عند ربنا (
أي كل واحد منه ومن المحكم من عنده أو بالكتاب كل من متشابهه ومحكمه من عند الله الحكيم الذي لا يتناقض كلامه

" صفحة رقم 367 "
ولا يختلف كتابه
) وما يذكر إلا أولوا الألباب (
مدح للراسخين بإلقاء الذهن وحسن التأمل ويجوز ان يكون
) يقولون (
حالا من الراسخين وقرا عبد الله ( إن تاويله الا عند الله ) وقرأ أبي ( ويقول الراسخون )
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ربنآ إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد 8 - 9
)
آل عمران : ( 8 ) ربنا لا تزغ . . . . .
لا تزغ قلوبنا (
لا تبلنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا
) بعد إذ هديتنا (
وأرشدتنا لدينك أو لا تمنعنا الطافك بعد إذ لطفت بنا
) من لدنك رحمة (
من عندك نعمة بالتوفيق والمعونة وقرىء ( لا تزغ قلوبنا ) بالتاء والياء ورفع القلوب
) جامع الناس ليوم ( أي تجمعهم لحساب يوم أو لجزاء يوم كقوله تعالى
) يوم يجمعكم ليوم الجمع ( التباين 9 وقرىء ( جامع الناس ) على الأصل
) إن الله لا يخلف الميعاد (
معناه ان الإلهية تنافي خلف الميعاد كقولك
( إن الجواد لا يخيب سائله )
والميعاد الموعد قرأ علي رضي الله عنه ( لن تغني ) بسكون الياء وهذا من الجد في استثقال الحركة على حروف اللين
إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولائك هم وقود النار كدأب ءال فرعون والذين من قبلهم كذبوا بأياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد
آل عمران : ( 10 - 12 ) إن الذين كفروا . . . . .
" من " في قوله
) من الله (
مثله في قوله
) وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ( النجم 28 والمعنى لن تغني عنهم من رحمة الله أو من طاعة الله
) شيئا ( أي بدل رحمته وطاعته وبدل الحق ومنه
160 ( ولا ينفع ذا الجد منك الجد )

" صفحة رقم 368 "
أي لا ينفعه جده وحظه من الدنيا بذلك أي بدل طاعتك وعبادتك وما عندك وفي معناه قوله تعالى
) وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ( سبأ 37 وقرىء ( وقود ) بالضم بمعنى اهل وقودها
والمراد بالذين كفروا من كفر برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعن ابن عباس هم قريظة والنضير
الدأب مصدر دأب في العمل اذا كدح فيه فوضع موضع ما عليه الانسان من شانه وحاله والكاف مرفوع المحل تقديره دأب هؤلاء الكفرة كدأب من قبلهم من آل فرعون وغيرهم
ويجوز ان ينتصب محل الكاف بلن تغني أو بالوقود أي لن تغني عنهم مثل ما لم تغني عن اولئك أو توقد بهم النار كما توقد بهم تقول إنك لتظلم الناس كدأب أبيك تريد كظلم أبيك ومثل ما كان يظلمهم وإن فلانا لمحارف كدأب أبيه تريد كما حورف أبوه
" كذبوا بئاياتنا " تفسير لدأبهم مافعلوا وفعل بهم على انه جواب سؤال مقدر عن حالهم
) قل للذين كفروا (
هم مشركو مكة
) ستغلبون (
يعني يوم بدر وقيل هم اليهود ولما غلب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم بدر قالوا هذا والله النبي الأمي الذي بشرنا به موسى وهموا باتباعه فقال بعضهم لا تعجلوا حتى ننظر إلى وقعة أخرى فلما كان يوم أحد شكوا وقيل
161 جمعهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعد وقعة بدر في سوق بني قينقاع فقال يا معشر اليهود احذروا مثل ما نزل بقريش وأسلموا قبل ان ينزل بكم ما نزل بهم فقد عرفتم أني نبي مرسل فقالوا لا يغرنك أنك لقيت قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة لئن قاتلتنا لعلمت انا نحن الناس فنزلت وقرىء ( سيغلبون ويحشرون ) بالياء كقوله تعالى
) قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ( الأنفال 38 على قل لهم قولي لك سيغلبون فإن قلت أي فرق بين القراءتين من حيث المعنى قلت معنى القراءة بالتاء الأمر بأن يخبرهم بما سيجري عليهم من الغلبة والحشر إلى جهنم فهو إخبار بمعنى سيغلبون ويحشرون وهو الكائن من نفس المتوعد به والذي يدل عليه اللفظ ومعنى القراءة بالياء الأمر بأن يحكي لهم ما اخبره به من وعيدهم بلفظه
كأنه

" صفحة رقم 369 "
قال أد إليهم هذا القول الذي هو قولي لك سيغلبون ويحشرون
آل عمران : ( 13 ) قد كان لكم . . . . .
قد كان لكم ءاية في فئتين التقتا فئة تقاتل فى سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأى العين والله يؤيد بنصره من يشآء إن فى ذالك لعبرة لاولى الابصار 13
" قد كان لكم ءاية "
الخطاب لمشركي قريش
) في فئتين التقتا (
يوم بدر
) يرونهم مثليهم (
يرى المشركون المسلمين مثلي عدد المشركين قريبا من ألفين
أو مثلي عدد المسلمين ستمائة ونيفا وعشرين اراهم الله إياهم مع قلتهم أضعافهم ليهابوهم ويجبنوا عن قتالهم وكان ذلك مددا لهم من الله كما امدهم بالملائكة
والدليل عليه قراءة نافع ( ترونهم ) بالتاء أي ترون يا مشركي قريش المسلمين مثلي فئتكم الكافرة أو مثلي انفسهم فإن قلت فهذا مناقض لقوله في سورة الأنفال
) ويقللكم في أعينهم ( الأنفال 44
قلت قللوا اولا في اعينهم حتى اجترؤا عليهم فلما لاقوهم كثروا في أعينهم حتى غلبوا فكان التقليل والتكثير في حالين مختلفين
ونظيره من المحمول على اختلاف الأحوال قوله تعالى
" فيومئذ لا يسئل عن ذنبه انس ولا جان " الرحمن 39 وقوله تعالى
" وقفوهم إنهم مسؤولن " الصافات 24 وتقليلهم تارة وتكثيرهم أخرى في اعينهم أبلغ في القدرة وإظهار الآية
وقيل يرى المسلمون المشركين مثلي المسلمين على ما قرر عليه أمرهم من مقاومة الواحد الاثنين في قوله تعالى
) فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين ( الأنفال 66 بعد ما كلفوا أن يقاوم الواحد العشرة في قوله تعالى
) إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ( الأنفال 656 ولذلك

" صفحة رقم 370 "
وصف ضعفهم بالقلة لأنه قليل بالاضافة إلى عشرة الأضعاف وكان الكافرون ثلاثة امثالهم وقراءة نافع لا تساعد عليه وقرأ ابن مصرف ( يرونهم ) على البناء للمفعول بالياء والتاء أي يريهم الله ذلك بقدرته
وقرىء ( فئة تقاتل وأخرى كافرة ) بالجر على البدل من فئتين وبالنصب على الاختصاص أو على الحال من الضمير في ( التقتا )
) رأي العين (
يعني رؤية ظاهرة مكشوفة لا لبس فيها معاينة كسائر المعاينات
) والله يؤيد بنصره (
كما أيد اهل بدر بتكثيرهم في عين العدو
زين للناس حب الشهوات من النسآء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذالك متاع الحيواة الدنيا والله عنده حسن المأب قل أؤنبئكم بخير من ذالكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الانهار خاالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد الذين يقولون ربنآ إننآ ءامنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالاسحار 14 - 17
)
آل عمران : ( 14 ) زين للناس حب . . . . .
زين للناس (
المزين هو الله سبحانه وتعالى للابتلاء كقوله
) إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم ( الكهف 7 ويدل عليه قراءة مجاهد ( زين للناس ) على تسمية الفاعل وعن الحسن الشيطان والله زينها لهم لأنا لا نعلم أحدا أذم لها من خالقها
) حب الشهوات (
جعل الأعيان التي ذكرها شهوات مبالغة في كونها مشتهاة محروصا على الاستمتاع بها
والوجه أن يقصد تخسيسها فيسميها شهوات لأن الشهوة

" صفحة رقم 371 "
مسترذلة عند الحكماء مذموم من اتبعها شاهد على نفسه بالبهيمية وقال
) زين للناس حب الشهوات (
ثم جاء التفسير ليقرر اولا في النفوس أن المزين لهم حبه ما هو الا شهوات لا غير ثم يفسره بهذه الأجناس فيكون أقوى لتخسيسها وأدل على ذم من يستعظمها ويتهالك عليها ويرجح طلبها على طلب ما عند الله
والقنطار المال الكثير
قيل ملء مسك ثور وعن سعيد بن جبير مائة ألف دينار
ولقد جاء الإسلام يوم جاء وبمكة مائة رجل قد قنطروا و
) المقنطرة (
مبنية من لفظ القنطار للتوكيد كقولهم ألف مؤلفة وبدرة مبدرة و
) المسومة (
المعلمة من السومة وهي العلامة أو المطهمة أو المرعية من اسام الدابة وسومها
) والأنعام (
الأزواج الثمانية
) ذلك (
المذكور
" متاع الحيواة "
) للذين اتقوا عند ربهم جنات (
كلام مستأنف فيه دلالة على بيان ما هو خير من ذلكم كما تقول هل أدلك على رجل عالم عندي رجل صفته كيت وكيت
ويجوز ان يتعلق اللام بخير واختص المتقين لأنهم هم المنتفعون به
وترتفع
) جنات (
على هو جنات وتنصره قراءة من قرأ ( جنات بالجر ) على البدل من خير
) والله بصير بالعباد (
يثيب ويعاقب على الاستحقاق أو بصير بالذين اتقوا وبأحوالهم فلذلك أعد لهم الجنات
) الذين يقولون (
نصب على المدح أو رفع
ويجوز الجر صفة للمتقين أو للعباد
والواو المتوسطة بين الصفات للدلالة على كما لهم في كل واحدة منها
وقد مر الكلام في ذلك وخص الأسحار لأنهم كانوا يقدمون قيام الليل فيحسن طلب الحاجة بعده
) إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ( فاطر 10 وعن الحسن كانوا يصلون في أول الليل حتى اذا كان السحر اخذوا في الدعاء والاستغفار هذا نهارهم وهذا ليلهم
شهد الله أنه لا إلاه إلا هو والملائكة وأولوا العلم قآئما بالقسط لا إلاه إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جآءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب 18 - 19
آل عمران : ( 18 ) شهد الله أنه . . . . .
شبهت دلالته على وحدانيته بأفعاله الخاصة التي لا يقدر عليها غيره وبما اوحى من آياته الناطقة بالتوحيد كسورة الاخلاص وآية الكرسي وغيرهما بشهادة الشاهد في البيان

" صفحة رقم 372 "
والكشف وكذلك إقرار الملائكة واولي العلم بذلك واحتجاجهم عليه
) قائما بالقسط (
مقيما للعدل فيما يقسم من الأرزاق والآجال ويثيب ويعاقب وما يامر به عباده من انصاف بعضهم لبعض والعمل على السوية فيما بينهم
وانتصابه على انه حال مؤكدة منه كقوله
) وهو الحق مصدقا ( البقرة 91
فإن قلت لم جاز إفراده بنصب الحال دون المعطوفين عليه ولو قلت جاءني زيد وعمرو راكبا لم يجز قلت إنما جاز هذا لعدم الإلباس كما جاز في قوله
) ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة ( الأنبياء 72 إن انتصب نافلة حالا عن يعقوب ولو قلت جاءني زيد وهند راكبا جاز لتميزه بالذكورة أو على المدح
فإن قلت أليس من حق المنتصب على المدح ان يكون معرفة كقولك الحمد لله الحميد
162 ( إنا معشر الأنبياء لا نورث )
إنا بني نهشل لا ندعي لأب قلت قد جاء نكرة كما جاء معرفة
وانشد سيبويه فيما جاء منه نكرة قول الهذلي
( ويأوى إلى نسوة عطل وشعثا مراضيع مثل السعالي )
فإن قلت هل يجوز ان يكون صفة للمنفي كانه قيل لا اله قائما بالقسط الا هو قلت لا يبعد فقد رأيناهم يتسعون في الفصل بين الصفة والموصوف
فإن قلت قد جعلته حالا من فاعل شهد فهل يصح ان ينتصب حالا عن ( هو ) في
) لا إله إلا هو (
قلت نعم لأنها حال مؤكدة والحال المؤكدة لا تستدعي ان يكون في الجملة التي هي زيادة في فائدتها عامل فيها كقولك أنا عبد الله شجاعا
وكذلك لو قلت لا رجل الا عبد الله شجاعا
وهو اوجه من انتصابه عن فاعل شهد وكذلك انتصابه على المدح فإن قلت هل دخل قيامه بالقسط في حكم شهادة الله والملائكة واولى العلم كما دخلت الوحدانية قلت نعم اذا جعلته حالا من هو أو نصبا على المدح منه أو صفة للمنفي كانه قيل شهد الله والملائكة واولوا العلم انه لا اله الا هو وانه قائم بالقسط
وقرأ عبد الله ( القائم بالقسط ) على انه بدل من هو أو خبر مبتدأ محذوف
وقرأ أبو حنيفة ( قيما بالقسط )
) العزيز الحكيم (
صفتان مقررتان لما وصف به ذاته من الوحدانية

" صفحة رقم 373 "
والعدل يعني انه العزيز الذي لا يغالبه اله آخر الحكيم الذي لا يعدل عن العدل في أفعاله
فإن قلت ما المراد باولي العلم الذي عظمهم هذا التعظيم حيث جمعهم معه ومع الملائكة في الشهادة على وحدانيته وعدله قلت هم الذين يثبتون وحدانيته وعدله بالحجج الساطعة والبراهين القاطعة وهم علماء العدل والتوحيد
وقرىء ( أنه ) بالفتح و
) إن الدين (
بالكسر على ان الفعل واقع على انه بمعنى شهد الله على انه أو بأنه
وقوله
) إن الدين عند الله الإسلام (
جملة مستانفة مؤكدة للجملة الأولى
فإن قلت ما فائدة هذا التوكيد قلت فائدة ان قوله
) لا إله إلا هو (
توحيد وقوله
) قائما بالقسط (
تعديل فإذا أردفه قوله
) إن الدين عند الله الإسلام (
فقد آذن ان الإسلام هو العدل والتوحيد وهو الدين عند الله وما عداه فليس عنده في شيء من الدين
وفيه أن من ذهب إلى تشبيه أو ما يؤدي اليه كإجازة الرؤية أو ذهب إلى الجبر الذي هو محض الجور لم يكن على دين الله الذي هو الإسلام وهذا بين جلي كما ترى
وقرئا مفتوحين على ان الثاني بدل من الأول كانه قيل شهد الله ان الدين عند الله الإسلام والبدل هو المبدل منه في المعنى فكان بيانا صريحا لأن دين الله هو التوحيد والعدل
وقرىء الأول بالكسر والثاني بالفتح على ان الفعل واقع على ( إن ) وما بينهما اعتراض مؤكد
وهذا أيضا شاهد على ان دين الإسلام هو العدل والتوحيد فترى القراءات كلها متعاضدة على ذلك
وقرا عبد الله ( أن لا اله الا هو )
وقرأ أبي ( إن الدين عند الله للإسلام ) وهي مقوية لقراءة من فتح الأولى وكسر الثانية
وقرىء ( شهداء لله ) بالنصب على انه حال من المذكورين قبله وبالرفع على هم شهداء الله
فإن قلت فعلام عطف على هذه القراءة
" والملائكة واولوا العلم "
قلت على الضمير في شهداء وجاز لوقوع الفاصل بينهما
فإن قلت لم كرر قوله
) لا إله إلا هو (

" صفحة رقم 374 "
قلت ذكره اولا للدلالة على اختصاصه بالوحدانية وأنه لا إله الا تلك الذات المتميزة ثم ذكره ثانيا بعد ما قرن بإثبات الوحدانية إثبات العدل للدلالة على اختصاصه بالأمرين كانه قال لا اله الا هذا الموصوف بالصفتين ولذلك قرن به قوله
) العزيز الحكيم ( لتضمنهما معنى الوحدانية والعدل
) الذين أوتوا الكتاب (
أهل الكتاب من اليهود والنصارى
واختلافهم انهم تركوا الاسلام وهو التوحيد والعدل
) من بعد ما جاءهم العلم (
أنه الحق الذي لا محيد عنه فثلثت النصارى وقالت اليهود عزير ابن الله وقالوا كنا أحق بأن تكون النبوة فينا من قريش لأنهم أميون ونحن أهل الكتاب وهذا تجوير
) بغيا بينهم (
أي ما كان ذلك الاختلاف وتظاهر هؤلاء بمذهب وهؤلاء بمذهب الا حسدا بينهم وطلبا منهم للرياسة وحظوظ الدنيا واستتباع كل فريق ناسا يطؤن أعقابهم لاشبهة في الاسلام وقيل هو اختلافهم في نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) حيث آمن به بعض وكفر به بعض
وقيل هو اختلافهم في الإيمان بالأنبياء فمنهم من آمن بموسى ومنهم من آمن بعيسى وقيل هم اليهود واختلافهم ان موسى عليه السلام حين احتضر استودع التوراة سبعين حبرا من بني اسرائيل وجعلهم أمناء عليها واستخلف يوشع

" صفحة رقم 375 "
فلما مضى قرن بعد قرن واختلف أبناء السبعين بعد ما جاءهم علم التوراة بغيا بينهم وتحاسدا على حظوظ الدنيا والرياسة
وقيل هم النصارى واختلافهم في أمر عيسى بعد ما جاءهم العلم انه عبد الله ورسوله
فإن حآجوك فقل أسلمت وجهى لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والاميين ءأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد 20
)
آل عمران : ( 20 ) فإن حاجوك فقل . . . . .
فإن حاجوك (
فإن جادلوك في الدين
) فقل أسلمت وجهي لله (
أي أخلصت نفسي وجملتي لله وحده لم اجعل فيها لغيره شركا بأن أعبده وأدعوه إلها معه يعني ان ديني التوحيد وهو الدين القيم الذي ثبتت عندكم صحته كما ثبتت عندي وما جئت بشيء بديع حتى تجادلوني فيه
ونحوه
) قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ( آل عمران 64 فهو دفع للمحاجة بان ما هو عليه ومن معه من المؤمنين هو حق اليقين الذي لا لبس فيه فما معنى المحاجة فيه
) ومن اتبعن (
عطف على التاء في أسلمت وحسن للفاصل
ويجوز أن تكون الواو بمعنى مع فيكون مفعولا معه
) وقل للذين أوتوا الكتاب (
من اليهود والنصارى
) والأميين (
والذين لا كتاب لهم من مشركي العرب
" ءأسلمتم "
يعني أنه قد اتاكم من البينات ما يوجب الإسلام ويقتضي حصوله لا محالة فهل أسلمتم أم أنتم بعد على كفركم وهذا كقولك لمن لخصت له المسألة ولم تبق من طرق البيان والكشف طريقا الا سلكته
هل فهمتها لا أم لك ومنه قوله عز وعلا
) فهل أنتم منتهون ( المائدة 91 بعد ما ذكر الصوارف عن الخمر والميسر
وفي هذا الاستفهام استقصار وتعيير بالمعاندة وقلة الإنصاف لأن المنصف إذا تجلت له الحجة لم يتوقف إذعانه للحق وللمعاندة بعد تجلي الحجة ما يضرب اسدادا بينه وبين الإذعان وكذلك في هل فهمتها توبيخ بالبلادة وكلة القريحة وفي فهل أنتم منتهون المائدة بالتقاعد عن الانتهاء والحرص الشديد على تعاطي المنهي عنه
) فإن أسلموا فقد اهتدوا (
فقد نفعوا انفسهم حيث خرجوا من الضلال إلى الهدى ومن الظلمة إلى النور
) وإن تولوا (
لم يضروك فإنك رسول منبه عليك ان تبلغ الرسالة وتنبه على طريق الهدى
إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم أولائك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والاخرة وما لهم من ناصرين 21 - 22

" صفحة رقم 376 "
آل عمران : ( 21 ) إن الذين يكفرون . . . . .
قرأ الحسن ( يقتلون النبيين ) وقرا حمزة ( ويقاتلون الذين يامرون ) وقرأ عبد الله ( وقاتلوا ) وقرأ أبي ( يقتلون النبيين ) والذين يامرون وهم اهل الكتاب قتل اولوهم الأنبياء وقتلوا اتباعهم وهم راضون بما فعلوا وكانوا حول قتل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين لولا عصمة الله
وعن أبي عبيدة بن الجراح
163 قلت يا رسول الله أي الناس أشد عذابا يوم القيامة قال ( رجل قتل نبيا أو رجلا امر بمعروف ونهى عن منكر )
ثم قرأها ثم قال ( يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا من اول النهار في ساعة واحدة فقام مائة واثنا عشر رجلا من عباد بني اسرائيل فأمروا قتلتهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعا في آخر النهار )
) في الدنيا والآخرة (
لأن لهم اللعنة والخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة
فإن قلت لم دخلت الفاء في خبر ان قلت لتضمن اسمها معنى الجزاء كانه قيل الذين يكفرون فبشرهم و ( إن ) لا تغير معنى الابتداء فكأن دخولها كلا دخول ولو كان مكانها ( ليت ) أو ( لعل ) لامتنع ادخال الفاء لتغير معنى الابتداء
ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ذالك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم فى دينهم ما كانوا يفترون فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون 23 - 25
آل عمران : ( 23 - 25 ) ألم تر إلى . . . . .
) أوتوا نصيبا من الكتاب (
يريد أحبار اليهود وانهم حصلوا نصيبا وافرا من التوراة
و من ) إما للتبعيض وإما للبيان أو حصلوا من جنس الكتب المنزلة أو من اللوح التوارة وهي نصيب عظيم
) يدعون إلى كتاب الله (
وهو التوراة
) ليحكم بينهم (
وذلك

" صفحة رقم 377 "
164 ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) دخل مدارسهم فدعاهم فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد على اي دين أنت ( قال على ملة إبراهيم قالا إن إبراهيم كان يهوديا قال لهما إن بيننا وبينكم التوارة فهلموا اليها )
فأبيا وقيل نزلت في الرجم وقد اختلفوا فيه
وعن الحسن وقتادة كتاب الله القرآن لأنهم قد علموا انه كتاب الله لم يشكوا فيه
) ثم يتولى فريق منهم (
استبعاد لتوليهم بعد علمهم بان الرجوع إلى كتاب الله واجب
) وهم معرضون (
وهم قوم لا يزال الاعراض ديدنهم وقرىء ( ليحكم ) على البناء للمفعول
والوجه ان يراد ما وقع من الاختلاف والتعادي بين من أسلم من احبارهم وبين من لم يسلم وانهم دعوا إلى كتاب الله الذي لا اختلاف بينهم في صحته وهو التوراة ليحكم بين المحق والمبطل منهم ثم يتولى فريق منهم وهم الذين لم يسلموا
وذلك ان قوله
) ليحكم بينهم (
يقتضي أن يكون اختلافا واقعا فيما بينهم لا فيما بينهم وبين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ذالك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم فى دينهم ما كانوا يفترون التولي والاعراض بسبب تسهيلهم على أنفسهم امر العقاب وطمعهم في الخروج من النار بعد أيام قلائل كما طمعت المجبرة والحشوية
) وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ( من ان آباءهم هم الأنبياء يشفعون لهم كما غرت اولئك شفاعة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في كبائرهم
) فكيف إذا جمعناهم (
فكيف يصنعون فكيف تكون حالهم وهو استعظام لما أعد لهم وتهويل لهم وأنهم يقعون فيما لا حيلة لهم في دفعه والمخلص منه وان ما حدثوا به انفسهم وسهلوه عليها تعلل بباطل وتطمع بما لا يكون
وروي ان أول راية ترفع لأهل الموقف من رايات الكفار راية اليهود فيفضحهم الله على

" صفحة رقم 378 "
رؤوس الأشهاد ثم يأمر بهم إلى النار
) وهم لا يظلمون (
يرجع إلى كل نفس على المعنى لأنه في معنى كل الناس كما تقول ثلاثة أنفس تريد ثلاثة أناسي
قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشآء وتنزع الملك ممن تشآء وتعز من تشآء وتذل من تشآء بيدك الخير إنك على كل شىء قدير تولج اليل فى النهار وتولج النهار فى اليل وتخرج الحى من الميت وتخرج الميت من الحى وترزق من تشآء بغير حساب 26 - 2
آل عمران : ( 26 - 27 ) قل اللهم مالك . . . . .
الميم في
) اللهم (
عوض من يا ولذلك لا يجتمعان وهذا بعض خصائص هذا الاسم كما اختص بالتاء في القسم وبدخول حرف النداء عليه وفيه لام التعريف وبقطع همزته في يا ألله وبغير ذلك
) مالك الملك (
أي تملك جنس الملك فتتصرف فيه تصرف الملاك فيما يملكون
) تؤتي الملك من تشاء (
تعطي من تشاء النصيب الذي قسمت له واقتضته حكمتك من الملك
) وتنزع الملك ممن تشاء (
النصيب الذي أعطيته منه فالملك الأول عام شامل والملكان الآخران خاصان بعضان من الكل روى
165 ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين افتتح مكة وعد امته ملك فارس والروم فقال المنافقون واليهود هيهات هيهات من أين لمحمد ملك فارس والروم هم أعز وامنع من ذلك
وروي
166 ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما خط الخندق عام الأحزاب وقطع لكل عشرة أربعين

" صفحة رقم 379 "
ذراعا واخذوا يحفرون خرج من بطن الخندق صخرة كالتل العظيم لم تعمل فيها المعاول فوجهوا سلمان إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يخبره فأخذ المعول من سلمان فضربها ضربة صدعتها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم وكبر وكبر المسلمون وقال ( أضاءت لي منها قصور الحيرة كانها أنياب الكلاب ثم ضرب الثانية فقال أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم ثم ضرب الثالثة فقال أضاءت لي قصور صنعاء وأخبرني جبريل عليه السلام ان امتي ظاهرة على كلها فأبشروا )
فقال المنافقون ألا تعجبون يمينكم ويعدكم الباطل ويخبركم انه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وانها تفتح لكم وأنتم انما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون ان تبرزوا فنزلت
فإن قلت كيف قال
) بيدك الخير (
فذكر الخير دون الشر قلت لأن الكلام إنما وقع في الخير الذي يسوقه إلى المؤمنين وهو الذي انكرته الكفرة فقال بيدك الخير تؤتيه أولياءك على رغم من أعدائك ولأن كل أفعال الله تعالى من نافع وضار صادر عن الحكمة والمصلحة فهو خير كله كإيتاء الملك ونزعه
ثم ذكر قدرته الباهرة بذكر حال الليل والنهار في المعاقبة بينهما وحال الحي والميت في إخراج أحدهما من الآخر وعطف عليه رزقه بغير حساب دلالة على ان من قدر على تلك الأفعال العظيمة المحيرة للأفهام ثم قدر ان يرزق بغير حساب دلالة من يشاء من عباده فهو قادر على ان ينزع الملك من العجم ويذلهم ويؤتيه العرب ويعزهم وفي بعض الكتب أنا الله ملك الملوك قلوب الملوك ونواصيهم بيدي فإن العباد اطاعوني جعلتهم لهم رحمة وإن العباد عصوني جعلتهم عليهم عقوبة فلا تشتغلوا بسب الملوك ولكن توبوا الي أعطفهم عليكم وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام
167 ( كما تكونوا يولى عليكم )
لا يتخذ المؤمنون الكافرين أوليآء من دون المؤمنين ومن يفعل ذالك فليس من الله في شىء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير 28
آل عمران : ( 28 ) لا يتخذ المؤمنون . . . . .

" صفحة رقم 380 "
نهوا ان يوالوا الكافرين لقرابة بينهم أو صداقة قبل الاسلام أو غير ذلك من الاسباب التي يتصادق بها ويتعاشر وقد كرر ذلك في القرآن
) ومن يتولهم منكم فإنه منهم ( المائدة لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء " المائدة 50
" لا تجد قوما يؤمنون بالله " الآية المجادلة 22
والمحبة في الله والبغض في الله باب عظيم وأصل من أصول الايمان
" من دون المؤمنين "
يعني ان لكم في موالاة المؤمنين مندوحة عن موالاة الكافرين فلا تؤثروهم عليهم
" ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء "
ومن يوالي الكفرة فليس من ولاية الله في شيء يقع عليه اسم الولاية يعني انه منسلخ من ولاية الله رأسا وهذا أمر معقول فإن موالاة الولي وموالاة عدوه متنافيان قال
تود عدوى ثم تزعم أنني
صديقك ليس النوك عنك بعازب
" الا ان تتقوا منهم تقاته "
الا ان تخافوا من جهتهم امرا يجب اتقاؤه وقرىء ( تقية ) قيل للمتقي تقاة وتقية كقولهم ضرب الأمير لمضروبه
رخص لهم في موالاتهم اذا خافوهم والمراد بتلك الموالاة مخالفة ومعاشرة ظاهرة والقلب مطمئن بالعدواة والبغضاء وانتظار زوال المانع من قشر العصا كقول عيسى صلوات الله عليه ( كن وسطا وامش جانبا )
) ويحذركم الله نفسه (
فلا تتعرضوا لسخطه بموالاة أعدائه وهذا وعيد شديد
ويجوز ان يضمن
" تتقوا "
معنى تحذروا وتخافوا فيعدى بمن وينتصب
" تقاته "
أو تقية على المصدر كقوله تعالى
" اتقوا الله حق تقاته ) آل عمران 102
آل عمران قل 29
"
آل عمران : ( 29 ) قل إن تخفوا . . . . .
إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما فى السماوات وما فى الأرض والله على كل شىء قدير إن تخفوا ما فى صدوركم أو تبدوه "
من ولاية الكفار أو غيرها مما لا يرضي الله
) يعلمه (
ولم يخف عليه وهو الذي
) ويعلم ما في السماوات وما في الأرض (
لا يخفى عليه من شيء قط
فلا يخفى عليه سركم وعلنكم
" والله على كل شيء قدير "
فهو قادر على عقوبتكم وهذا بيان لقوله
" ويحذركم الله نفسه " آل عمران 28
لأن نفسه وهي ذاته المميزة من سائر الذوات متصفة بعلم ذاتي لا يختص بمعلوم دون معلوم

" صفحة رقم 381 "
فهي متعلقة بالمعلومات كلها وبقدرة ذاتية لا تختص بمقدور دون مقدور فهي قادرة على المقدورات كلها فكان حقها ان تحذر وتتقى فلا يجسر أحد على قبيح ولا يقصر عن واجب فإن ذلك مطلع عليه لا محالة فلاحق به العقاب ولو علم بعض عبيد السلطان انه أراد الاطلاع على احواله فوكل همه بما يورد ويصدر ونصب عليه عيونا وبث من يتجسس عن بواطن اموره لأخذ حذره وتيقظ في امره واتقى كل ما يتوقع فيه الاسترابة به فما بال من علم ان العالم الذات الذي علم السر وأخفى مهيمن عليه وهو آمن
اللهم إنا نعوذ بك من اغترارنا بسترك
30
" يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد
آل عمران : ( 30 ) يوم تجد كل . . . . .
يوم تجد منصوب بتود والضمير في بينه لليوم أي يوم القيامة حين تجد كل نفس خيرها وشرها حاضرين تتمنى لو ان بينها وبين ذلك اليوم وهو له امدا بعيدا ويجوز ان ينتصب
" يوم تجد "
بمضمر نحو اذكر ويقع على ما عملت وحده ويرتفع
" وما عملت "
على الابتداء و
" تود "
خبره أي والذي عملته من سوء تود هي لو تباعد ما بينها وبينه
ولا يصح ان تكون ما شرطية لارتفاع تود
فإن قلت فهل يصح ان تكون شرطية على قراءة عبد الله ودت قلت لا كلام في صحته ولكن الحمل على الابتداء والخبر اوقع في المعنى لأنه حكاية الكائن في ذلك اليوم وأثبت لموافقة قراءة العامة
ويجوز ان يعطف
" وما عملت ) علي ( ما عملت ) ويكون ( تود "
حالا أي يوم تجد عملها محضرا وادة تباعد ما بينها وبين اليوم أو عمل السوء محضرا كقوله تعالى
" ووجدوا ما عملوا حاضرا " الكهف 49 يعني مكتوبا في صحفهم يقرؤنه ونحوه
" فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه " المجادلة 6
والأمد المسافة كقوله تعالى
" ياليت بيني وبينك بعد المشرقين " الزخرف 38 وكرر قوله
" ويحذركم الله نفسه "
ليكون على بال منهم لا يغفلون عنه
" والله رءوف بالعباد "
يعني ان تحذيره نفسه وتعريفه حالها من العلم والقدرة من الرأفة العظيمة بالعباد لأنهم اذا عرفوه حق المعرفة وحذروه دعاهم ذلك إلى طلب رضاه واجتناب سخطه
وعن الحسن من رأفته بهم ان حذرهم نفسه
ويجوز ان يريد انه مع كونه محذورا لعلمه وقدرته مرجو لسعة=

2.

" صفحة رقم 382 "
رحمته كقوله تعالى
) إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم ( فصلت 43
آل عمران 31 - 32
آل عمران : ( 31 ) قل إن كنتم . . . . .
محبة العباد لله مجاز عن إرادة نفوسهم اختصاصه بالعبادة دون غيره ورغبتهم فيها
ومحبة الله عباده ان يرضى عنهم ويحمد فعلهم والمعنى إن كنتم مريدين لعبادة الله على الحقيقة
) فاتبعوني (
حتى يصح ما تدعونه من إرادة عبادته يرض عنكم ويغفر لكم
وعن الحسن زعم أقوام على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنهم يحبون الله فأراد ان يجعل لقولهم تصديقا من عمل فمن ادعى محبته وخالف سنة رسوله فهو كذاب وكتاب الله يكذبه واذا رأيت من يذكر محبة الله ويصفق بيديه مع ذكره ويطرب وينعر ويصعق فلا تشك في انه لا يعرف ما الله ولا يدري ما محبة الله
وما تصفيقه وطربه ونعرته وصعقته الا انه تصور في نفسه الخبيثة صورة مستملحة معشقة فسماها الله بجهله ودعارته ثم صفق وطرب ونعر وصعق تصورها وربما رأيت المني قد ملأ إزار ذلك المحب عند صعقته وحمقى العامة على حواليه قد ملؤا أدرانهم بالدموع لما رققهم من حاله
وقرىء ( تحبون ) و ( يحببكم ) و ( يحبكم ) من حبه يحبه قال
( أحب أبا ثروان من حب تمره وأعلم ان الرفق بالجار أرفق )
( ووالله لولا تمره ما حببته
ولا كان أدنى من عبيد ومشرق )
) فإن تولوا (
يحتمل ان يكون ماضيا وان يكون مضارعا بمعنى فإن تتولوا ويدخل في جملة ما يقول الرسول لهم
آل عمران 33 - 3
آل عمران : ( 33 - 37 ) إن الله اصطفى . . . . .

" صفحة رقم 383 "
" على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم فلما وضعتها قالت رب إنى وضعتهآ أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالانثى وإنى سميتها مريم وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يامريم أنى لك هاذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشآء بغير حساب إبراهيم " إسماعيل وإسحاق واولادهما
) وآل عمران (
موسى وهرون ابنا عمران بن يصهر
وقيل عيسى ومريم بنت عمران بن ماثان وبين العمرانين ألف وثمانمائة سنة
و
) ذرية (
بدل من آل إبراهيم وآل عمران
) بعضها من بعض (
يعني أن الآلين ذرية واحدة متسلسلة بعضها متشعب من بعض موسى وهرون من عمران وعمران من يصهر ويصهر من فاهث وفاهث من لاوى ولاوى من يعقوب ويعقوب من إسحاق
وكذلك عيسى ابن مريم بنت عمران بن ماثان بن سليمان بن داود بن ايشا بن يهوذا بن يعقوب بن اسحاق
وقد دخل في آل إبراهيم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل ( بعضها من بعض ) في الدين كقوله تعالى
) المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ( التوبة 67
) والله سميع عليم (
يعلم من يصلح للأصطفاء أو يعلم ان بعضهم من بعض في الدين أو ( سميع عليم ) لقول امرأة عمران ونيتها
و
) إذ (
منصوب به وقيل بإضمار اذكر
وإمرأة عمران هي امرأة عمران بن ماثان أم مريم البتول جدة عيسى عليه السلام وهي حنة بنت فاقوذ
وقوله
" إذ قالت امرأت عمران " على أثر قوله
" وءال عمران "
مما يرجح ان عمران هو عمران بن ماثان جد عيسى والقول الآخر يرجحه ان موسى يقرن بابراهيم كثيرا في الذكر
فإن قلت كانت لعمران بن يصهر بنت اسمها مريم أكبر من موسى وهرون ولعمران ابن ماثان مريم البتول فما أدراك أن عمران هذا هو أبو مريم البتول دون عمران أبي مريم التي هي أخت موسى وهرون قلت كفى بكفالة زكريا دليلا على أنه عمران أبو البتول لأن زكريا بن آذن وعمران بن ماثان كانا في عصر واحد وقد تزوج زكريا بنته ايشاع اخت مريم فكان يحيى وعيسى ابني خالة
روي انها كانت عاقرا لم تلد إلى ان عجزت فبينا هي في ظل شجرة بصرت بطائر يطعم فرخا له فتحركت نفسها للولد وتمنته فقالت اللهم ان لك علي نذرا شكرا إن رزقتني ولدا ان اتصدق به على بيت المقدس فيكون من سدنته وخدمه فحملت بمريم وهلك عمران وهي حامل
) محررا (
معتقا لخدمة بيت المقدس لا يد لي عليه ولا أستخدمه ولا أشغله بشيء وكان هذا النوع من النذر مشروعا عندهم
وروي انهم كانوا ينذرون هذا النذر فإذا بلغ الغلام خير بين ان يفعل وبين أن لا يفعل
وعن الشعبي
) محررا (
مخلصا

" صفحة رقم 384 "
للعبادة وما كان التحرير الا للغلمان وإنما بنت الأمر على التقدير أو طلبت ان ترزق ذكرا
) فلما وضعتها (
الضمير ل ما في بطني ) وإنما أنث على المعنى لأن ما في بطنها كان انثى في علم الله أو على تأويل الحبلة أو النفس أو النسمة
فإن قلت كيف جاز انتصاب
) أنثى (
حالا من الضمير في وضعتها وهو كقولك وضعت الأنثى انثى قلت الأصل وضعته أنثى وإنما أنثى لتانيث الحال لأن الحال وذا الحال لشيء واحد كما انث الاسم في
) ما كانت أمك ( لتانيث الخبر ونظيره قوله تعالى
) فإن كانتا اثنتين ( النساء 176 واما على تاويل الحبلة أو النسمة فهو ظاهر كأنه قيل إني وضعت الحبلة أو النسمة أنثى فإن قلت فلم قالت إني وضعتها أنثى وما ارادت إلى هذا القول قلت قالته تحسرا على ما رأت من خيبة رجائها وعكس تقديرها
فتحزنت إلى ربها لأنها كانت ترجو وتقدر ان تلد ذكرا ولذلك نذرته محررا للسدانة
ولتكلمها بذلك على وجه التحسر والتحزن قال الله تعالى
) والله أعلم بما وضعت (
تعظيما لموضوعها وتجهيلا لها بقدر ما وهب لها منه ومعناه والله أعلم بالشيء الذي وضعت وما علق به من عظائم الأمور وان يجعله وولده آية للعالمين وهي جاهلة بذلك لا تعلم منه شيئا
فلذلك تحسرت وفي قراءة ابن عباس ( والله اعلم بما وضعت ) على خطاب الله تعالى لها أي إنك لا تعلمين قدر هذا الموهوب وما علم الله من عظم شأنه وعلو قدره وقرىء ( وضعت ) بمعنى ولعل لله تعالى فيه سرا وحكمة ولعل هذه الأنثى خير من الذكر تسلية لنفسها
فإن قلت فما معنى قوله
) وليس الذكر كالأنثى ( قلت هو بيان لما في

" صفحة رقم 385 "
قوله
) والله أعلم بما وضعت (
من التعظيم للموضوع والرفع منه ومعناه وليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وهبت لها واللام فيهما للعهد فإن قلت علام عطف قوله
) وإني سميتها مريم (
قلت هو عطف على إني وضعتها أنثى وما بينهما جملتان معترضتان كقوله تعالى
) وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ( الواقعة 76 فإن قلت فلم ذكرت تسميتها مريم لربها قلت لأن مريم في لغتهم بمعنى العابدة فأرادت بذلك التقريب والطلب اليه أن يعصمها حتى يكون فعلها مطابقا لاسمها وان يصدق فيها ظنها بها
ألا ترى كيف أتبعته طلب الاعاذة لها ولولدها من الشيطان وإغوائه وما يروى من الحديث
168 ( ما من مولود يولد الا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان اياه الا مريم وابنها )
فالله أعلم بصحته
فإن صح فمعناه ان كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه الا مريم وابنها فإنهما كانا معصومين وكذلك كل من كان في صفتهما كقوله تعالى
) لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ( الحجر 40 - 41 واستهلاله صارخا من مسه تخييل وتصوير لطمعه فيه كأنه يمسه ويضرب بيده عليه ويقول هذا ممن أغويه ونحوه من التخييل قول ابن الرومي
( لما تؤذن الدنيا به من صروفها يكون بكاء الطفل ساعة يولد )
وأما حقيقة المس والنخس كما يتوهم أهل الحشو فكلا ولو سلط إبليس على

" صفحة رقم 386 "
الناس بنخسهم لامتلأت الدنيا صراخا وعياطا مما يبلونا به من نخسه
) فتقبلها ربها (
فرضي بها في النذر مكان الذكر
) بقبول حسن (
فيه وجهان احدهما ان يكون القبول اسم ما تقبل به الشيء كالسعوط واللدود لما يسعط به ويلد وهو اختصاصه لها بإقامتها مقام الذكر في النذر ولم يقبل قبلها أنثى في ذلك أو بأن تسلمها من امها عقيب الولادة قبل ان تنشأ وتصلح للسدانة
وروي ان حنة حين ولدت مريم لفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد ووضعتها عند الأحبار أبناء هرون وهم في بيت المقدس كالحجبة في الكعبة فقالت لهم دونكم هذه النذيرة فتنافسوا فيها لأنها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم وكانت بنو ماثان رؤوس بني إسرائيل وأحبارهم وملوكهم فقال لهم زكريا أنا أحق بها عندي خالتها فقالوا لا حتى نقترع عليها فانطلقوا وكانوا سبعة وعشرين إلى نهر فألقوا فيه أقلامهم فارتفع قلم زكريا فوق الماء ورسبت أقلامهم فتكفلها
والثاني ان يكون مصدرا على تقدير حذف المضاف بمعنى فتقبلها بذي قبول حسن أي بأمر ذي قبول حسن وهو الاختصاص
ويجوز ان يكون معنى
) فتقبلها (
فاستقبلها كقولك تعجله بمعنى استعجله وتقصاه بمعنى استقصاه وهو كثير في كلامهم من استقبل الأمر اذا أخذه بأوله وعنفوانه قال القطامي
وخير الأمر ما استقبلت منه
وليس بأن تتبعه اتباعا
ومنه المثل ( خذ الأمر بقوابله ) أي فأخذها في اول امرها حين ولدت بقبول حسن
) وأنبتها نباتا حسنا (
مجاز عن التربية الحسنة العائدة عليها بما يصلحها في جميع احوالها
وقرىء ( وكفلها زكريا ) بوزن وعملها
) وكفلها زكريا (
بتشديد الفاء ونصب زكرياء والفعل لله تعالى بمعنى وضمها اليه وجعله كافلا لها وضامنا لمصالحها
ويؤيدها قراءة أبي وأكفلها من قوله تعالى
) فقال أكفلنيها ( ص 23 وقرأ مجاهد فتقبلها ربها وأنبتها وكفلها على لفظ الأمر في الأفعال الثلاثة ونصب ربها تدعو بذلك أي فاقبلها يا ربها وربها واجعل زكريا كافلا لها قيل بنى لها زكريا محرابا في المسجد أي غرفة يصعد اليها بسلم
وقيل المحراب أشرف المجالس ومقدمها كأنها وضعت في أشرف موضع من بيت المقدس
وقيل كانت مساجدهم تسمى المحاريب وروي انه كان لا يدخل عليها الا هو وحده وكان اذا خرج غلق عليها سبعة أبواب
) وجد عندها رزقا (
كان رزقها ينزل عليها من الجنة ولم ترضع ثديا قط فكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء
) أنى لك هذا (
من أين لك هذا الرزق الذي لا يشبه أرزاق الدنيا وهو آت في غير حينه والأبواب مغلقة عليك لا

" صفحة رقم 387 "
سبيل للداخل به اليك
) قالت هو من عند الله (
فلا تستبعد قيل تكلمت وهي صغيرة كما تكلم عيسى وهو في المهد
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
169 انه جاع في زمن قحط فأهدت له فاطمة رضي الله عنها رغيفين وبضعة لحم آثرته بها فرجع بها اليها وقال هلمي يا بنية فكشفت عن الطبق فإذا هو مملوء خبزا ولحما فبهتت وعلمت انها نزلت من عند الله فقال لها ( صلى الله عليه وسلم ) أني لك هذا فقالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب
فقال عليه الصلاة والسلام ( الحمد لله الذي جعلك شبيهة سيدة نساء بني اسرائيل )
ثم جمع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) علي بن أبي طالب والحسن والحسين وجميع اهل بيته فأكلوا عليه حتى شبعوا وبقي الطعام كما هو فأوسعت فاطمة على جيرانها
) إن الله يرزق (
من جملة كلام مريم عليها السلام أو من كلام رب العزة عز من قائل
) بغير حساب (
بغير تقدير لكثرته أو تفضلا بغير محاسبة ومجازاة على عمل بحسب الاستحقاق
هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لى من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعآء فنادته الملائكة وهو قائم يصلى فى المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتى عاقر قال كذالك الله يفعل ما يشآء قال رب اجعل لىءاية قال ءايتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشى والإبكار 38 - 41
)
آل عمران : ( 38 ) هنالك دعا زكريا . . . . .
هنالك (
في ذلك المكان حيث هو قاعد عند مريم في المحراب أو في ذلك الوقت
فقد يستعار هنا وثم وحيث للزمان لما رأى حال مريم في كرامتها على الله ومنزلتها رغب في أن يكون له من إيشاع ولد مثل ولد أختها حنة في النجابة والكرامة على الله وإن كانت عاقرا عجوزا فقد كانت أختها كذلك وقيل لما رأى الفاكهة في

" صفحة رقم 388 "
غير وقتها انتبه على جواز ولادة العاقر
) ذرية (
ولدا
والذرية يقع على الواحد والجمع
) سميع الدعاء (
مجيبه قرىء ( فناداه الملائكة ) وقيل ناداه جبريل عليه السلام وإنما قيل الملائكة على قولهم فلان يركب الخيل
) أن الله يبشرك (
بالفتح على بأن الله وبالكسر على إرادة القول
أو لأن النداء نوع من القول وقرىء ( يبشرك ) ( ويبشرك ) من بشره وأبشره ( ويبشرك ) بفتح الياء من بشره
ويحيى ان كان أعجميا وهو الظاهر فمنع صرفه للتعريف والعجمة كموسى وعيسى وإن كان عربيا فللتعريف ووزن الفعل كيعمر
) مصدقا بكلمة من الله (
مصدقا بعيسى مؤمنا به
قيل هو اول من آمن به وسمي عيسى ( كلمة ) لأنه لم يوجد الا بكلمة الله وحدها وهي قوله ( كن ) من غير سبب آخر
وقيل مصدقا بكلمة من الله مؤمنا بكتاب منه وسمي الكتاب كلمة كما قيل كلمة الحويدرة لقصيدته
والسيد الذي يسود قومه أي يفوقهم في الشرف
وكان يحيى فائقا لقومه وفائقا للناس كلهم في أنه لم يركب سيئة قط ويالها من سيادة
والحصور الذي لا يقرب النساء حصرا لنفسه أي منعا لها من الشهوات
وقيل هو الذي لا يدخل مع القوم في الميسر
قال الأخطل
( وشارب مربح بالكأس نادمني لا بالحصور ولا فيها بسئار )
فاستعير لمن لا يدخل في اللعب واللهو
وقد روي أنه مر وهو طفل بصبيان فدعوه إلى اللعب فقال ما للعب خلقت
) من الصالحين (
ناشئا من الصالحين لأنه كان من أصلاب الأنبياء أو كائنا من جملة الصالحين كقوله ) وإنه في الآخرة لمن الصالحين (
البقرة 130
) أنى يكون لي غلام (
استبعاد من حيث العادة كما قالت مريم
) وقد بلغني الكبر (
كقولهم أدركته السن العالية
والمعنى أثر في الكبر فأضعفني وكانت له تسع وتسعون سنة ولامرأته ثمان وتسعون
) كذلك (
أي يفعل الله ما يشاء من الأفعال العجيبة مثل ذلك الفعل وهو خلق الولد بين الشيخ الفاني والعجوز العاقر أو كذلك الله مبتدأ وخبر أي على نحو هذه الصفة الله ويفعل ما يشاء بيان له أي يفعل ما يريد من الأفاعيل الخارقة للعادات
" ءاية "
علامة أعرف بها الحبل لأتلقى النعمة اذا جاءت بالشكر
" قال ءايتك ألا "
تقدر على تكليم الناس
) ثلاثة أيام (
وإنما خص تكليم الناس ليعلمه انه يحبس لسانه عن القدرة على تكليمهم خاصة مع ابقاء قدرته على التكلم بذكر الله ولذلك قال
) واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار (
يعني في أيام عجزك عن

" صفحة رقم 389 "
تكليم الناس وهي من الآيات الباهرة
فإن قلت لم حبس لسانه عن كلام الناس قلت ليخلص المدة لذكر الله لا يشغل لسانه بغيره توفرا منه على قضاء حق تلك النعمة الجسيمة وشكرها الذي طلب الآية من أجله كأنه لما طلب الآية من اجل الشكر قيل له آيتك ان تحبس لسانك الا عن الشكر
وأحسن الجواب واوقعه ما كان مشتقا من السؤال
ومنتزعا منه
) إلا رمزا (
إلا اشارة بيد أو رأس أو غيرهما وأصله التحرك
يقال ارتمز اذا تحرك ومنه قيل للبحر الراموز وقرأ يحيى ابن وثاب ( إلا رمزا ) بضمتين جمع رموز كرسول ورسل
وقرىء ( رمزا ) بفتحتين جمع رامز كخادم وخدم وهو حال منه ومن الناس دفعة كقوله
( متى ما تلقني فردين ترجف روانف اليتيك وتستطارا )
بمعنى الا مترامزين كما يكلم الناس الأخرس بالإشارة ويكلمهم والعشي من حين تزول الشمس إلى ان تغيب
و
) الإبكار (
من طلوع الفجر إلى وقت الضحى
وقرىء ( والابكار ) بفتح الهمزة جمع بكر كسحر وأسحار
يقال أتيته بكرا بفتحتين فإن قلت الرمز ليس من جنس الكلام فكيف استثنى منه قلت لما أدى مؤدي الكلام وفهم منه ما يفهم منه سمي كلاما
ويجوز ان يكون استثناء منقطعا
وإذ قالت الملائكة - 43
إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نسآء العالمين يامريم اقنتى لربك واسجدى واركعى مع الراكعين ابن مريم
آل عمران : ( 42 - 43 ) وإذ قالت الملائكة . . . . .
" يامريم " روي انهم كلموها شفاها معجزة لزكريا أو ارهاصا لنبوة عيسى
) اصطفاك (
أولا حين تقبلك من امك ورباك واختصك بالكرامة السنية
) وطهرك (
مما يستقذر من الأفعال ومما قرفك به اليهود
) واصطفاك (
آخرا
) على نساء العالمين (
بأن وهب لك عيسى من غير أب ولم يكن ذلك لأحد من النساء
أمرت بالصلاة بذكر القنوت والسجود لكونهما من هيآت الصلاة وأركانها ثم قيل لها
) واركعي مع الراكعين (
بمعنى ولتكن صلاتك مع المصلين اي في الجماعة أو انظمي نفسك في جملة المصلين وكوني معهم في عدادهم ولا تكوني في عداد غيرهم
ويحتمل ان يكون في زمانها من كان يقوم ويسجد في صلاته ولا يركع وفيه من يركع فأمرت بأن تركع مع الراكعين ولا تكون مع من لا يركع

" صفحة رقم 390 "
آل عمران 44
)
آل عمران : ( 44 ) ذلك من أنباء . . . . .
ذلك (
اشارة إلى ما سبق من نبإ زكريا ويحيى ومريم وعيسى عليهم السلام يعني ان ذلك من الغيوب التى لم تعرفها الا بالوحي
فإن قلت لم نفيت المشاهدة وانتفاؤها معلوم بغير شبهة وترك نفي استماع الأنباء من حفاظها وهو موهوم قلت كان معلوما عندهم علما يقينا انه ليس من اهل السماع والقراءة وكانوا منكرين للوحي فلم يبق الا المشاهدة وهي في غاية الاستبعاد والاستحالة فنفيت على سبيل التهكم بالمنكرين للوحي مع علمهم بانه لا سماع له ولا قراءة
ونحوه
) وما كنت بجانب الغربي ( القصص 44
) وما كنت بجانب الطور ( القصص 46
) وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم ( يوسف 102
) أقلامهم ( أزلامهم وهي قداحهم التى طرحوها في النهر مقترعين وقيل هي الأقلام التي كانوا يكتبون بها التوراة اختاروها للقرعة تبركا بها
) إذ يختصمون (
في شأنها تنافسا في التكفل بها
فإن قلت
) أيهم يكفل (
بم يتعلق قلت بمحذوف دل عليه يلقون أقلامهم كانه قيل يلقونها ينظرون أيهم يكفل أو ليعلموا أو يقولون
إذ قالت الملائكة يامريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والاخرة ومن المقربين ويكلم الناس فى المهد وكهلا ومن الصالحين قالت رب أنى يكون لى ولد ولم يمسسنى بشر قال كذالك الله يخلق ما يشآء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولا إلى بنى إسراءيل أنى قد جئتكم بآية من ربكم أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرىء الاكمه والابرص وأحى الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون فى بيوتكم إن في ذالك لأية لكم إن كنتم مؤمنين ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بأية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربى وربكم فاعبدوه هاذا صراط مستقيم 45 - 51
آل عمران : ( 45 - 51 ) إذ قالت الملائكة . . . . .
) المسيح (
لقب من الألقاب المشرفة كالصديق والفاروق وأصله مشيحا بالعبرانية ومعناه المبارك كقوله
" وجعلني مباركا أينما كنت " مريم 31 وكذلك
) عيسى (
معرب من أيشوع ومشتقهما من المسح والعيس كالراقم في الماء فإن قلت
) إذ قالت (
بم يتعلق قلت هو بدل من
) وإذ قالت الملائكة (
ويجوز ان يبدل من
) إذ يختصمون (
على ان الاختصام والبشارة وقعا في زمان واسع كما تقول لقيته

" صفحة رقم 391 "
سنة كذا
فإن قلت لم قيل عيسى ابن مريم والخطاب لمريم قلت لأن الأبناء ينسبون إلى الآباء لا إلى الأمهات فأعلمت بنسبته اليها أنه يولد من غير أب فلا ينسب إلا إلى امه وبذلك فضلت واصطفيت على نساء العالمين
فإن قلت لم ذكر ضمير الكلمة قلت لأن المسمى بها مذكر
فإن قلت لم قيل اسمه المسيح عيسى ابن مريم وهذه ثلاثة اشياء الاسم منها عيسى واما المسيح والابن فلقب وصفة قلت الاسم للمسمى علامة يعرف بها ويتميز من غيره فكأنه قيل الذي يعرف به ويتميز ممن سواه مجموع هذه الثلاثة
( وجيها )
حال من
) كلمه ( وكذلك قوله ( ومن المقربين ) ( ويكلم ) ( ومن الصالحين ) أي يبشرك به موصوفا بهذه الصفات
وصح انتصاب الحال من النكرة لكونها موصوفة والوجاهة في الدنيا النبوة والتقدم على الناس
وفي الآخرة الشفاعة وعلو الدرجة في الجنة
وكونه
) من المقربين (
رفعه إلى السماء وصحبته للملائكة
والمهد ما يمهد للصبي من مضجعه سمي بالمصدر و
) في المهد (
في محل النصب على الحال
) وكهلا (
عطف عليه بمعنى ويكلم الناس طفلا وكهلا
ومعناه يكلم الناس في هاتين الحالتين كلام الأنبياء من غير تفاوت بين حال الطفولة وحال الكهولة التي يستحكم فيها العقل ويستنبأ فيها الأنبياء
ومن بدع التفاسير ان قولها رب نداء لجبريل عليه السلام بمعنى يا سيدي
" ونعلمه "
عطف على يبشرك أو على وجيها أو على يخلق أو هو كلام مبتدأ وقرأ عاصم ونافع ( ويعلمه ) بالياء
فإن قلت علام تحمل ورسولا ومصدقا من المنصوبات المتقدمة وقوله
) أني قد جئتكم ( و
) لما بين يديه (
يأبى حمله عليها قلت هو من المضائق وفيه وجهان احدهما ان يضمر له ( وأرسلت ) على إرادة القول تقديره ونعلمه الكتاب والحكمة ويقول أرسلت رسولا بأني قد جئتكم ومصدقا لما بين يدي
والثاني أن الرسول والمصدق فيهما معنى النطق فكأنه

" صفحة رقم 392 "
قيل وناطقا بأني قد جئتكم وناطقا بأني أصدق ما بين يدي وقرأ اليزيدي ورسول عطفا على كلمة
) أني قد جئتكم (
أصله أرسلت بأني قد جئتكم فحذف الجار وانتصب بالفعل و
) أني أخلق (
نصب بدل من
) أني قد جئتكم (
أو جر بدل من آية أو رفع على هي أني اخلق لكم وقرىء ( إني ) بالكسر على الاستئناف أي أقدر لكم شيئا مثل صورة الطير
) فأنفخ فيه (
الضمير للكاف أي في ذلك الشيء المماثل لهيئة الطير
) فيكون طيرا (
فيصير طيرا كسائر الطيور حيا طيارا وقرأ عبد الله ( فأنفخها ) قال
( كالهبرقي تنحى ينفخ الفحما )
وقيل لم يخلق غير الخفاش
) الأكمه (
الذي ولد أعمى وقيل هو الممسوح العين ويقال لم يكن في هذه الأمة أكمه غير قتادة بن دعامة السدوسي صاحب التفسير
وروي انه ربما اجتمع عليه خمسون ألفا من المرضى من اطاق منهم اتاه ومن لم يطق اتاه عيسى وما كانت مداواته الا بالدعاء وحده
وكرر
) بإذن الله (
دفعا لوهم من توهم فيه اللاهوتية وروي أنه أحيا سام بن نوح وهم ينظرون فقالوا هذا سحر فأرنا آية فقال يا فلان أكلت كذا ويا فلان خبىء لك كذا
وقرىء ( تذخرون ) بالذال والتخفيف ( ولأحل )
رد على قوله
) بآية من ربكم (
أي جئتكم بآية من ربكم ولأحل لكم ويجوز ان يكون
) مصدقا (
مردودا عليه أيضا أي جئتكم بآية وجئتكم مصدقا
وما حرم الله عليهم في شريعة موسى الشحوم والثروب ولحوم الإبل والسمك وكل ذي ظفر فأحل لهم عيسى بعض ذلك
قيل أحل لهم من السمك والطير ما لا صيصية له
واختلفوا في إحلاله لهم السبت وقرىء ( حرم عليكم ) على تسمية الفاعل وهو ما بين يدي من التوراة أو الله عز وجل أو موسى عليه السلام لأن ذكر التوراة دل عليه ولأنه كان معلوما عندهم وقرىء ( حرم ) بوزن كرم
) وجئتكم بآية من ربكم (
شاهدة على صحة رسالتي وهي قوله
) إن الله ربي وربكم (
لأن جميع الرسل كانوا على هذا القول لم يختلفوا فيه وقرىء بالفتح على البدل من
) أيه (
وقوله
) فاتقوا الله وأطيعون (
اعتراض فإن قلت كيف جعل هذا القول آية من ربه قلت لأن الله تعالى جعله له علامة يعرف بها انه رسول كسائر الرسل حيث هداه للنظر

" صفحة رقم 393 "
في أدلة العقل والاستدلال
ويجوز ان يكون تكريرا لقوله
" جئتكم بآية من ربكم أي "
جئتكم بآية بعد أخرى مما ذكرت لكم من خلق الطير والإبراء والإحياء والإنباء بالخفايا وبغيره من ولادتي بغير أب ومن كلامي في المهد ومن سائر ذلك
وقرأ عبد الله ( وجئتكم بآيات من ربكم ) فاتقوا الله لما جئتكم به من الآيات وأطيعوني فيما أدعوكم اليه
ثم ابتدأ فقال
) إن الله ربي وربكم (
ومعنى قراءة من فتح ولأن الله ربي وربكم فاعبدوه كقوله
) لإيلاف قريش ( ( 1 ) 00 فليعبدوا ) قريش 1 - 3 ويجوز ان يكون المعنى وجئتكم بآية على ان الله ربي وربكم وما بينهما اعتراض
فلمآ أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصارى إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله ءامنا بالله واشهد بأنا مسلمون ربنآ ءامنا بمآ أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين - 54
)
آل عمران : ( 52 ) فلما أحس عيسى . . . . .
فلما أحس (
فلما علم منهم
) الكفر (
علما لا شبهة فيه كعلم ما يدرك بالحواس
و
) وإلى الله (
من صلة أنصاري مضمنا معنى الاضافة كانه قيل من الذين يضيفون أنفسهم إلى الله ينصرونني كما ينصرني أو يتعلق بمحذوف حالا من الياء أي من أنصاري ذاهبا إلى الله ملتجئا اليه
) نحن أنصار الله (
أي أنصار دينه ورسوله وحواري الرجل صفوته وخالصته ومنه قيل للحضريات الحواريات لخلوص ألوانهن ونظافتهن قال
( فقل للحواريات يبكين غيرنا ولا تبكنا الا الكلاب النوابح )
وفي وزنه الحوالي وهو الكثير الحيلة وإنما طلبوا شهادته باسلامهم تاكيدا لإيمانهم لأن الرسل يشهدون يوم القيامة لقومهم وعليهم
) مع الشاهدين ( مع الأنبياء الذين يشهدون لأممهم أو مع الذين يشهدون بالوحدانية
وقيل مع امة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) لأنهم شهداء على الناس
) ومكروا (
الواو لكفار بني إسرائيل الذين أحس منهم الكفر ومكرهم انهم وكلوا به من يقتله غيلة ومكر الله أن رفع عيسى إلى السماء وألقى شبهه على من أراد اغتياله حتى قتل
) والله خير الماكرين (
أقواهم مكرا وأنفذهم كيدا وأقدرهم على العقاب من حيث لا يشعر المعاقب
إذ قال الله ياعيسى إني متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والاخرة وما لهم من ناصرين وأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين - 5
آل عمران : ( 55 - 57 ) إذ قال الله . . . . .

" صفحة رقم 394 "
) إذ قال الله ( ظرف لخير الماكرين أو لمكر الله
) إني متوفيك (
أي مستوفي أجلك
معناه إني عاصمك من ان يقتلك الكفار ومؤخرك إلى اجل كتبته لك ومميتك حتف انفك لا قتيلا بأيديهم
) ورافعك إلي (
إلى سمائي ومقر ملائكتي
) ومطهرك من الذين كفروا (
من سوء جوارهم وخبث صحبتهم
وقيل متوفيك قابضك من الأرض من توفيت مالي على فلان اذا استوفيته وقيل مميتك في وقتك بعد النزول من السماء ورافعك الآن وقيل متوفي نفسك بالنوم من قوله
) والتي لم تمت في منامها ( الزمر 42 ورافعك وأنت نائم حتى لا يلحقك خوف وتستيقظ وانت في السماء آمن مقرب
) فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة (
يعلونهم بالحجة وفي أكثر الأحوال بها وبالسيف ومتبعوه هم المسلمون لأنهم متبعوه في أصل الاسلام وان اختلفت الشرائع دون الذين كذبوه وكذبوا عليه من اليهود والنصارى
) فأحكم بينكم (
تفسير الحكم قوله
" فأعذبهم فنوفيهم أجزرهم "
وقرىء ( فيوفيهم ) بالياء
آل عمران 58
)
آل عمران : ( 58 ) ذلك نتلوه عليك . . . . .
ذلك (
إشارة إلى ما سبق من نبأ عيسى وغيره وهو مبتدأ خبره
) نتلوه ( و
) من الآيات (
خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف
ويجوز ان يكون ذلك بمعنى الذي ونتلوه صلته
( ومن الآيات ) الخبر ويجوز ان ينتصب ذلك بمضمر يفسره ( نتلوه )
) والذكر الحكيم (
القرآن وصف بصفة من هو سببه أو كانه ينطق بالحكمة لكثرة حكمه
آال عمران 59
آل عمران : ( 59 ) إن مثل عيسى . . . . .
) إن مثل عيسى (
إن شأن عيسى وحاله الغريبة كشأن آدم
وقوله
) خلقه من تراب (
جملة مفسرة لما له شبه عيسى بآدم أي خلق آدم من تراب ولم يكن ثمة أب ولا أم وكذلك حال عيسى
فإن قلت كيف شبه به وقد وجد هو من غير أب ووجد آدم من غير أب وأم قلت هو مثيله في احدى الطرفين فلا يمنع اختصاصه دونه بالطرف الاخر من تشبيهه به لأن المماثلة مشاركة في بعض الأوصاف ولأنه شبه به في أنه وجد وجودا خارجا عن العادة المستمرة وهما في ذلك نظيران ولأن الوجود من غير أب وأم أغرب وأخرق للعادة من الوجود بغير أب فشبه الغريب بالأغرب ليكون أقطع

" صفحة رقم 395 "
للخصم وأحسم لمادة شبهته اذا نظر فيما هو أغرب مما استغربه وعن بعض العلماء انه أسر بالروم فقال لهم لم تعبدون عيسى قالوا لأنه لا أب له قال فآدم أولى لأنه لا أبوين له
قالوا كان يحيي الموتى قال فحزقيل اولى لأن عيسى أحيا أربعة نفر وأحيا حزقيل ثمانية آلاف
قالوا كان يبرىء الأكمه والأبرص قال فجرجيس أولى لأنه طبخ وأحرق ثم قام سالما
) خلقه من تراب (
قدره جسدا من طين
) ثم قال له كن (
أي أنشأه بشرا كقوله
) ثم أنشأناه خلقا آخر ( المؤمنون 14
) فيكون (
حكاية حال ماضية الحق من ربك فلا تكن من الممترين
آل عمران : ( 60 ) الحق من ربك . . . . .
) الحق من ربك فلا تكن من الممترين (
خبر مبتدأ محذوف أي هو الحق كقول اهل خيبر محمد والخميس ونهيه عن الامتراء وجل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ان يكون ممتريا من باب التهييج لزيادة الثبات والطمأنينة وأن يكون لطفا لغيره
فمن حآجك فيه من بعد ما جآءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنآءنا وأبنآءكم ونسآءنا ونسآءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين 61
)
آل عمران : ( 61 ) فمن حاجك فيه . . . . .
فمن حاجك (
من النصارى
) فيه (
في عيسى
) من بعد ما جاءك من العلم (
أي من البينات الموجبة للعلم
) تعالوا (
هلموا والمراد المجيء بالرأي والعزم كما تقول تعال نفكر في هذه المسألة
) ندع أبناءنا وأبناءكم (
أي يدع كل مني ومنكم ابناءه ونساءه ونفسه إلى المباهلة
) ثم نبتهل (
ثم نتباهل بأن نقول بهلة الله على الكاذب منا ومنكم
والبهلة بالفتح والضم اللعنة وبهله الله لعنه وأبعده من رحمته من قولك ( أبهله ) اذا أهمله وناقة باهل لاصرار عليها وأصل الابتهال هذا ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه وإن لم يكن التعانا وروي

" صفحة رقم 396 "
170 ( أنهم لما دعاهم إلى المباهلة قالوا حتى نرجع وننظر فلما تخالوا قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم يا عبد المسيح ما ترى فقال والله لقد عرفتم يا معشر النصارى ان محمدا نبي مرسل وقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم والله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لتهلكن فإن أبيتم الا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم فأتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقد غدا محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي وعلي خلفها وهو يقول ( اذا انا دعوت فأمنوا فقال أسقف نجران يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو شاء الله ان يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة فقالوا يا أبا القاسم رأينا ان لا نباهلك وان نقرك على دينك ونثبت على ديننا قال ( فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم ) فأبوا قال ( فإني أناجزكم ) فقالوا ما لنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على ان لا تغزونا ولا تخيفنا ولا ترددنا عن ديننا على ان نؤدي اليك كل عام ألفي حلة ألف في صفر وألف في رجب وثلاثين درعا عادية من حديد فصالحهم على ذلك وقال ( والذي نفسي بيده ان الهلاك قد تدلى على اهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي نارا ولاستأصل الله نجران واهله حتى الطير على رؤوس الشجر ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا )
وعن عائشة رضي الله عنها
171 أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خرج وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم فاطمة ثم علي ثم قال
) إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ( الأحزاب 33
فإن قلت ما كان دعاؤه الى

" صفحة رقم 397 "
المباهلة الا ليتبين الكاذب منه ومن خصمه وذلك امر يختص به وبمن يكاذبه فما معنى ضم الأبناء والنساء قلت ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه حيث استجرأ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده وأحب الناس إليه لذلك ولم يقتصر على تعريض نفسه له وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع احبته وأعزته هلاك الاستئصال إن تمت المباهلة
وخص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب وربما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى يقتل
ومن ثمة كانوا يسوقون مع انفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب ويسمون الذادة عنها بارواحهم حماة الحقائق
وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم وليؤذن بانهم مقدمون على الأنفس مفدون بها
وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام
وفيه برهان واضح على صحة نبوة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأنه لم يرو أحد من موافق ولا مخالف انهم أجابوا إلى ذلك
آل عمران 62 - 63
)
آل عمران : ( 62 ) إن هذا لهو . . . . .
إن هذا (
الذي قص عليك من نبأ عيسى
) لهو القصص الحق (
قرىء بتحريك الهاء على الأصل وبالسكون لأن اللام تنزل من
" هو "
منزلة بعضه فخفف كما خفف عضد وهو إما فصل بين اسم إن وخبرها وإما مبتدأ والقصص الحق خبره
والجملة خبر إن فإن قلت لم جاز دخول اللام على الفصل قلت إذا جاز دخولها على الخبر كان دخولها على الفصل اجوز لأنه أقرب إلى المبتدأ منه وأصلها ان تدخل على المبتدأ ومن ) في قوله
) وما من إله إلا الله (
بمنزلة البناء على الفتح في ( لا اله الا الله ) في إفادة معنى الاستغراق والمراد الرد على النصارى في تثليثهم
) فإن الله عليم بالمفسدين (
وعيد لهم بالعذاب المذكور في قوله
) زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون ( النحل 88
آل عمران 64 - 68
آل عمران : ( 64 - 68 ) قل يا أهل . . . . .

" صفحة رقم 398 "
) يا أهل الكتاب (
قيل هم اهل الكتابين وقيل وفد نجران وقيل يهود المدينة
) سواء بيننا وبينكم (
مستوية بيننا وبينكم لا يختلف فيها القرآن والتوراة والانجيل
وتفسير الكلمة قوله
) ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله (
يعني تعالوا إليها حتى لا نقول عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله لأن كل واحد منهما بعضنا بشر مثلنا ولا نطيع احبارنا فيما أحدثوا من التحريم والتحليل من غير رجوع إلى ما شرع الله كقوله تعالى
) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا ( التوبة 31 وعن عدي بن حاتم
172 ما كنا نعبدهم يا رسول الله قال ( أليس كانوا يحلون لكم ويحرمون فتأخذون بقولهم قال نعم قال هو ذاك )
وعن الفضيل لا أبالي أطعت مخلوقا في معصية الخالق أو صليت لغير القبلة
وقرىء ( كلمة ) بسكون اللام وقرأ الحسن ( سواء ) بالنصب بمعنى استوت استواء ) فإن تولوا (
عن التوحيد
) فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون (
أي لزمتكم الحجة فوجب عليكم أن تعترفوا وتسلموا بأنا مسلمون دونكم كما يقول الغالب للمغلوب في جدال أو صراع أو غيرهما اعترف بأني أنا الغالب وسلم لي الغلبة ويجوز ان يكون من باب التعريض ومعناه اشهدوا واعترفوا بأنكم كافرون حيث توليتم عن الحق بعد ظهوره
زعم كل فريق من اليهود والنصارى ان إبراهيم كان منهم وجادلوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين فيه فقيل لهم إن اليهودية إنما حدثت بعد نزول التوراة والنصرانية بعد نزول الإنجيل وبين إبراهيم وموسى ألف سنة وبينه وبين عيسى ألفان فكيف يكون إبراهيم على دين لم يحدث الا بعد عهده بازمنة متطاولة
) أفلا تعقلون (
حتى لا تجادلوا مثل هذا الجدال المحال
" هأنتم هؤلاء "
ها للتنبيه وأنتم مبتدأ وهؤلاء خبره و
) حاججتم (
جملة مستأنفة مبينة للجملة الأولى يعني أنتم هؤلاء الأشخاص الحمقى وبيان حماقتكم وقلة عقولكم أنكم جادلتم
) ) فيما لكم به علم (
مما نطق به التوراة والانجيل
) فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم (
ولا ذكر له في كتابيكم من دين إبراهيم
وعن الأخفش ها أنتم هو آأنتم على الاستفهام فقلبت الهمزة هاء ومعنى الاستفهام التعجب من حماقتهم وقيل
) هؤلاء (
بمعنى اللذين و
) حاججتم (
صلته
) والله يعلم (
علم ما حاججتم فيه
) وأنتم (
جاهلون به ثم أعلمهم بأنه برىء من دينكم وما كان الا
) حنيفا مسلما وما كان من المشركين (
كما لم يكن منكم أو أراد

" صفحة رقم 399 "
بالمشركين اليهود والنصارى لإشراكهم به عزيرا والمسيح
) إن أولى الناس بإبراهيم (
إن أخصهم به وأقربهم منه من الولي وهو القرب
) للذين اتبعوه (
في زمانه وبعده
) وهذا النبي (
خصوصا
) والذين آمنوا (
من امته وقرىء ( وهذا النبي ) بالنصب عطفا على الهاء في اتبعوه أي اتبعوه واتبعوا هذا النبي وبالجر عطفا على إبراهيم
آل عمران 69 - 71
)
آل عمران : ( 69 ) ودت طائفة من . . . . .
ودت طائفة (
هم اليهود دعوا حذيفة وعمارا ومعاذا إلى اليهودية
) وما يضلون إلا أنفسهم (
وما يعود وبال الاضلال الا عليهم لأن العذاب يضاعف لهم بضلالهم وإضلالهم
أو وما يقدرون على إضلال المسلمين وانما يضلون أمثالهم من أشياعهم
) بآيات الله (
بالتوراة والانجيل وكفرهم بها انهم لا يؤمنون بما نطقت به من صحة نبوة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وغيرها
وشهادتهم اعترافهم بأنها آيات الله
أو تكفرون بالقرآن ودلائل نبوة الرسول
) وأنتم تشهدون (
نعته في الكتابين أو تكفرون بآيات الله جميعا وأنتم تعلمون انها حق
قرىء ( تلبسون ) بالتشديد وقرا يحيى بن وثاب ( تلبسون ) بفتح الباء أي تلبسون الحق مع الباطل كقوله
173 ( كلابس ثوبي زور )
وقوله
( إذا هو بالمجد ارتدى وتازرا )
آل عمران 73 - 74
آل عمران : ( 73 - 74 ) ولا تؤمنوا إلا . . . . .

" صفحة رقم 400 "
) وجه النهار (
أوله قال
من كان مسرورا بمقتل مالك
فليأت نسوتنا بوجه نهار
والمعنى أظهروا الايمان بما انزل على المسلمين في اول النهار
) واكفروا (
به في آخره لعلهم يشكون في دينهم ويقولون ما رجعوا وهم اهل كتاب وعلم الا لأمر قد تبين لهم فيرجعون برجوعكم وقيل تواطأ اثنا عشر من احبار يهود خيبر وقال بعضهم لبعض ادخلوا في دين محمد اول النهار من غير اعتقاد واكفروا به آخر النهار وقولوا إنا نظرنا في كتبنا وشاورنا علماءنا فوجدنا محمدا ليس بذلك المنعوت وظهر لنا كذبه وبطلان دينه فإذا فعلتم ذلك شك أصحابه في دينهم
وقيل هذا في شأن القبلة لما صرفت إلى الكعبة قال كعب بن الأشرف لأصحابه آمنوا بما انزل عليهم من الصلاة إلى الكعبة وصلوا اليها في اول النهار ثم اكفروا به في آخره وصلوا إلى الصخرة ولعلهم يقولون هم اعلم منا وقد رجعوا فيرجعون
) ولا تؤمنوا (
متعلق بقوله
) أن يؤتى أحد (
وما بينهما اعتراض أي ولا تظهروا ايمانكم بان يؤتى أحد مثل ما اوتيتم الا لأهل دينكم دون غيرهم
أرادوا اسروا تصديقكم بان المسلمين قد أوتوا من كتب الله مثل ما اوتيتم ولا تفشوه الا إلى أشياعكم وحدهم دون المسلمين لئلا يزيدهم ثباتا ودون المشركين لئلا يدعوهم إلى الاسلام
) أو يحاجوكم عند ربكم (
عطف على ان يؤتى والضمير في يحاجوكم لأحد لأنه في معنى الجمع بمعنى ولا تؤمنوا لغير أتباعكم أن المسلمين يحاجونكم يوم القيامة بالحق ويغالبونكم عند الله تعالى بالحجة
فإن قلت فما معنى الاعتراض قلت معناه ان الهدى هدى الله من شاء ان يلطف به حتى يسلم

" صفحة رقم 401 "
أو يزيد ثباته على الاسلام كان ذلك ولم ينفع كيدكم وحيلكم وزيكم تصديقكم عن المسلمين والمشركين وكذلك قوله تعالى
) قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء (
يريد الهداية والتوفيق
أو يتم الكلام عند قوله
) إلا لمن تبع دينكم (
على معنى ولا تؤمنوا هذا الإيمان الظاهر وهو إيمانهم وجه النهار إلا لمن تبع دينكم الا لمن كانوا تابعين لدينكم ممن أسلموا منكم لأن رجوعهم كان أرجى عندهم من رجوع من سواهم ولأن إسلامهم كان أغيظ لهم وقوله
) أن يؤتى (
معناه لأن يؤتى أحد مثل ما اوتيتم قلتم ذلك ودبرتموه لا لشيء آخر يعني ان ما بكم من الحسد والبغي
أن يؤتى أحد مثل ما اوتيتم من فضل العلم والكتاب دعاكم إلى ان قلتم ما قلتم والدليل عليه قراءة ابن كثير أأن يؤتى أحد بزيادة همزة الاستفهام للتقرير والتوبيخ بمعنى الا ان يؤتى أحد فإن قلت فما معنى قوله
) أو يحاجوكم (
على هذا قلت معناه دبرتم ما دبرتم لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ولما يتصل به عند كفركم به من محاجتهم لكم عند ربكم
ويجوز ان يكون
) هدى الله (
بدلا من الهدى و
) أن يؤتى أحد (
خبر إن على معنى قل ان هدى الله ان يؤتى أحد مثل ما اوتيتم أو يحاجوكم حتى يحاجوكم عند ربكم فيقرعوا باطلكم بحقهم ويدحضوا حجتكم
وقرىء ( إن يؤتى أحد ) على إن النافية وهو متصل بكلام أهل الكتاب
أي ولا تؤمنوا الا لمن تبع دينكم وقولوا لهم ما يؤتى أحد مثل ما اوتيتم حتى يحاجوكم عند ربكم يعني ما يؤتون مثله فلا يحاجونكم ويجوز ان ينتصب
) أن يؤتى ( بفعل مضمر يدل عليه قوله
) ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم (
كأنه قيل قل إن الهدى هدى الله فلا تنكروا ان يؤتى أحد مثل ما اوتيتم لأن قولهم
) ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم (
إنكار لأن يؤتى أحد مثل ما اتوا
آل عمران 75 - 76
آل عمران : ( 75 ) ومن أهل الكتاب . . . . .
عن ابن عباس
) من إن تأمنه بقنطار (
هو عبد الله بن سلام استودعه رجل من قريش الفا ومائتي أوقية ذهبا فأداه اليه و
" من إن تامنه بدينار "
فنحاص بن عازوراء استودعه رجل من قريش دينارا فجحده وخانه وقيل المأمونون على الكثير النصارى لغلبة الأمانة عليهم
) إلا ما دمت عليه قائما (
الا مدة دوامك عليه يا صاحب الحق قائما على رأسه متوكلا عليه بالمطالبة والتعنيف أو بالرفع إلى الحاكم واقامة البينة عليه وقرىء ( يؤده ) بكسر الهاء والوصل

" صفحة رقم 402 "
وبكسرها بغير وصل وبسكونها
وقرأ يحيى بن وثاب ( تئمنه ) بكسر التاء ودمت بكسر الدال من دام يدام
) ذلك (
إشارة إلى ترك الاداء الذي دل عليه لم يؤده أي تركهم أداء الحقوق بسبب قولهم
) ليس علينا في الأميين سبيل (
أي لا يتطرق علينا عتاب وذم في شأن الأمييين يعنون الذين ليسوا من أهل الكتاب وما فعلنا بهم من حبس اموالهم والاضرار بهم لأنهم ليسوا على ديننا وكانوا يستحلون ظلم من خالفهم ويقولون لم يجعل لهم في كتابنا حرمة
وقيل بايع اليهود رجالا من قريش فلما أسلموا تقاضوهم فقالوا ليس لكم علينا حق حيث تركتم دينكم وادعوا انهم وجدوا ذلك في كتابهم
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال عند نزولها
174 ( كذب اعداء الله ما من شيء في الجاهلية الا وهو تحت قدمي الا الأمانة فإنها مؤداة إلى البر والفاجر )
وعن ابن عباس أنه سأله رجل فقال إنا نصيب في الغزو من اموال أهل الذمة الدجاجة والشاة قال فتقولون ماذا قال نقول ليس علينا في ذلك بأس قال هذا كما قال اهل الكتاب ليس علينا في الأميين سبيل
إنهم اذا أدوا الجزية لم يحل لكم أكل اموالهم الا بطيبة انفسهم
) ويقولون على الله الكذب (
بادعائهم أن ذلك في كتابهم
) وهم يعلمون (
أنهم كاذبون
) بلي (
إثبات لما نفوه من السبيل عليهم في الأميين أي بلى عليهم سبيل فيهم وقوله
) من أوفى بعهده (
جملة مستأنفة مقررة للجملة التى سدت بلى مسدها والضمير في بعهده راجع إلى من اوفى على أن كل من اوفى بما عاهد عليه واتقى الله في ترك الخيانة والغدر فإن الله يحبه
فإن قلت فهذا عام يخيل أنه لو وفي اهل الكتاب بعهودهم وتركوا الخيانة لكسبوا محبة الله قلت أجل لأنهم اذا وفوا بالعهود وفوا اول شيء بالعهد الأعظم وهو ما أخذ عليهم في كتابهم من الإيمان برسول مصدق لما معهم ولو اتقوا الله في ترك الخيانة لاتقوه في ترك الكذب على الله وتحريف كلمه
ويجوز ان يرجع الضمير إلى الله تعالى على ان كل من وفى بعهد الله واتقاه فإن الله يحبه ويدخل في ذلك الايمان وغيره من الصالحات وما وجب اتقاؤه من الكفر وأعمال السوء
فإن قلت فأين الضمير الراجع من الجزاء إلى من قلت عموم المتقين قام مقام رجوع الضمير وعن ابن عباس نزلت في عبد الله بن سلام وبحيرا الراهب ونظرائهما من مسلمة اهل الكتاب

" صفحة رقم 403 "
آل عمران 77 - 78
آل عمران : ( 77 - 78 ) إن الذين يشترون . . . . .
) يشترون (
يستبدلون
) بعهد الله (
بما عاهدوه عليه من الايمان بالرسول المصدق لما معهم
) وأيمانهم (
وبما حلفوا به من قولهم والله لنؤمنن به ولننصرنه
) ثمنا قليلا (
متاع الدنيا من الترؤس والارتشاء ونحو ذلك
وقيل نزلت في أبي رافع ولبابة بن أبي الحقيق وحيي بن اخطب حرفوا التوراة وبدلوا صفة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخذوا الرشوة على ذلك
وقيل جاءت جماعة من اليهود إلى كعب بن الأشرف في سنة أصابتهم ممتارين فقال لهم هل تعلمون ان هذا الرجل رسول الله قالوا نعم قال لقد هممت ان أميركم واكسوكم فحرمكم الله خيرا كثيرا
فقالوا لعله شبه علينا فرويدا حتى نلقاه
فانطلقوا فكتبوا صفة غير صفته ثم رجعوا اليه وقالوا قد غلطنا وليس هو بالنعت الذي نعت لنا ففرح ومارهم
وعن الأشعث بن قيس
175 نزلت في كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر فاختصمنا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ( شاهداك أو يمينه ) فقلت إذن يحلف ولا يبالي فقال ( من حلف على يمين يستحق بها ما لا هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان )
وقيل نزلت في رجل أقام سلعة في السوق فحلف لقد أعطى بها ما لم يعطه
والوجه ان نزولها في اهل الكتاب
وقوله
) بعهد الله (
يقوي رجوع الضمير في بعهده إلى الله
) ولا ينظر إليهم (
مجاز عن الاستهانة بهم والسخط عليهم تقول فلان لا ينظر إلى فلان تريد نفي

" صفحة رقم 404 "
اعتداده به وإحسانه اليه
) ولا يزكيهم (
ولا يثنى عليهم فإن قلت أي فرق بين استعماله فيمن يجوز عليه النظر وفيمن لا يجوز عليه قلت أصله فيمن يجوز عليه النظر الكناية لأن من اعتد بالإنسان التفت اليه واعاره نظر عينيه ثم كثر حتى صار عبارة عن الاعتداد والإحسان وإن لم يكن ثم نظر ثم جاء فيمن لا يجوز عليه النظر مجردا لمعنى الإحسان مجازا عما وقع كناية عنه فيمن يجوز عليه النظر
) لفريقا (
هم كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وحيي بن أخطب وغيرهم
) يلوون ألسنتهم بالكتاب (
يفتلونها بقراءته عن الصحيح إلى المحرف وقرا اهل المدينة ( يلوون ) بالتشديد كقوله
) لووا رؤوسهم ( المنافقون 5
وعن مجاهد وابن كثير يلون ووجهه انهما قلبا الواو المضمومة همزة ثم خففوها بحذفها وإلقاء حركتها على الساكن قبلها فإن قلت الام يرجع الضمير في
) لتحسبوه (
قلت إلى ما دل عليه يلوون ألسنتهم بالكتاب وهو المحرف ويجوز ان يراد يعطفون ألسنتهم بشبه الكتاب لتحسبوا ذلك الشبه من الكتاب وقرىء ( ليحسبوه ) بالياء بمعنى يفعلون ذلك ليحسبه المسلمون من الكتاب
) ويقولون هو من عند الله (
تأكيد لقوله هو من الكتاب وزيادة تشنيع عليهم وتسجيل بالكذب ودلالة على انهم لا يعرضون ولا يورون وإنما يصرحون بأنه في التوراة هكذا وقد انزله الله تعالى على موسى كذلك لفرط جراءتهم على الله وقساوة قلوبهم ويأسهم من الآخرة
وعن ابن عباس هم اليهود الذين قدموا على كعب بن الأشرف غيروا التوراة وكتبوا كتابا بدلوا فيه صفة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم أخذت قريظة ما كتبوه فخلطوه بالكتاب الذي عندهم
آل عمران 79 - 80
)
آل عمران : ( 79 ) ما كان لبشر . . . . .
ما كان لبشر (
تكذيب لمن اعتقد عبادة عيسى وقيل
176 إن أبا رافع القرظي والسيد من نصارى نجران قالا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أتريد ان نعبدك ونتخذك ربا فقال معاذ الله ان نعبد غير الله أو ان نامر بعبادة غير الله فما بذلك بعثني ولا بذلك امرني فنزلت
وقيل

" صفحة رقم 405 "
177 قال رجل يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك ( قال لا ينبغي ان يسجد لأحد من دون الله ولكن اكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله )
) والحكم (
والحكمة وهي السنة
) ولكن كونوا ربانيين (
ولكن يقول كونوا
والرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون كما يقال رقباني ولحياني وهو الشديد التمسك بدين الله وطاعته وعن محمد ابن الحنفية أنه قال حين مات ابن عباس اليوم مات رباني هذه الأمة
وعن الحسن ربانيين علماء فقهاء وقيل علماء معلمين وكانوا يقولون الشارع الرباني العالم العامل المعلم
) بما كنتم (
بسبب كونكم عالمين وبسبب كونكم دارسين للعلم اوجب ان تكون الربانية التي هي قوة التمسك بطاعة الله مسببة عن العلم والدراسة وكفى به دليلا على خيبة سعي من جهد نفسه وكد روحه في جمع العلم ثم لم يجعله ذريعة إلى العمل فكان مثله مثل من غرس شجرة حسناء تونقه بمنظرها ولا تنفعه بثمرها
وقرىء ( تعلمون ) من التعليم ( وتعلمون ) من التعلم
) تدرسون (
تقرؤن وقرىء ( تدرسون ) من التدريس
وتدرسون على ان أدرس بمعنى درس كاكرم وكرم وانزل ونزل ( وتدرسون ) من التدرس ويجوز أن يكون معناه ومعنى تدرسون بالتخفيف تدرسونه على الناس كقوله
) لتقرأه على الناس ( الاسراء 106 فيكون معناهما معنى تدرسون من التدريس
وفيه ان من علم ودرس العلم ولم يعمل به فليس من الله في شيء وان السبب بينه وبين ربه منقطع حيث لم يثبت النسبة اليه الا للمتمسكين بطاعته وقرىء ( ولا يأمركم ) بالنصب عطفا على
) ثم يقول (
وفيه وجهان أحدهما ان تجعل ( لا ) مزيدة لتأكيد معنى النفي في قوله
) ما كان لبشر (
والمعنى ما كان لبشر ان يستنبئه الله وينصبه للدعاء إلى اختصاص الله بالعبادة وترك الأنداد ثم يأمر الناس بأن يكونوا عبادا له ويأمركم
) أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا (
كما تقول ما كان لزيد ان أكرمه ثم يهينني ولا يستخف بي
والثاني أن تجعل ( لا ) غير مزيدة والمعنى ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان ينهى قريشا عن عبادة الملائكة واليهود والنصارى عن عبادة عزير والمسيح
فلما قالوا له انتخذك ربا قيل لهم ما كان لبشر ان يستنبئه الله ثم يأمر الناس بعبادته وينهاكم عن عبادة الملائكة والأنبياء
والقراءة بالرفع على ابتداء الكلام أظهر وتنصرها قراءة عبد الله ( ولن يأمركم ) والضمير

" صفحة رقم 406 "
في
) ولا يأمركم ( و
) أيأمركم (
لبشر وقيل الله والهمزة في أيأمركم للإنكار
) بعد إذ أنتم مسلمون (
دليل على أن المخاطبين كانوا مسلمين وهم الذين استأذنوه ان يسجدوا له
آل عمران 81 - 83
آل عمران : ( 81 - 83 ) وإذ أخذ الله . . . . .
) ميثاق النبيين (
فيه غير وجه أحدها ان يكون على ظاهره من اخذ الميثاق على النبيين بذلك
والثاني أن يضيف الميثاق إلى النبيين اضافته إلى الموثق لا إلى الموثق عليه كما تقول ميثاق الله وعهد الله كانه قيل وإذ أخذ الله الميثاق الذي وثقه الأنبياء على اممهم والثالث ان يراد ميثاق اولاد النبيين وهم بنو اسرائيل على حذف المضاف
والرابع ان يراد اهل الكتاب وان يرد على زعمهم تهكما بهم لأنهم كانوا يقولون نحن اولى بالنبوة من محمد لأنا اهل الكتاب ومنا كان النبيون
وتدل عليه قراءة أبي وابن مسعود ( واذا اخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ) واللام في
" لما ءاتيتكم "
لام التوطئة لأن أخذ الميثاق في معنى الاستحلاف وفي لتؤمنن لام جواب القسم و ما ) يحتمل ان تكون المتضمنة لمعنى الشرط ولتؤمنن ساد مسدجواب القسم والشرط جميعا وان تكون موصولة بمعنى للذي آتيتكموه لتؤمنن به
وقرىء ( لما آتيناكم ) وقرأ حمزة ( لما آتيتكم ) بكسر اللام ومعناه لأجل ايتائي اياكم بعض الكتاب والحكمة ثم لمجيء رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به
على ان ( ما ) مصدرية والفعلان معها اعني ( آتيتكم ) و جاءكم ) في معنى المصدرين واللام داخلة للتعليل على معنى أخذ الله ميثاقهم لتؤمنن بالرسول ولتنصرنه لأجل أني آتيتكم الحكمة وان الرسول الذي آمركم بالإيمان به ونصرته موافق لكم غير مخالف
ويجوز ان تكون ( ما ) موصوله فإن قلت كيف يجوز ذلك والعطف على آتيتكم وهو قوله
) ثم جاءكم (
لا يجوز ان يدخل تحت حكم الصفة لأنك لا تقول للذي جاءكم رسول مصدق لما معكم قلت بلى لأن

" صفحة رقم 407 "
ما معكم في معنى ما آتيتكم فكأنه قيل للذي آتيكموه وجاءكم رسول مصدق له وقرأ سعيد بن جبير ( لما ) بالتشديد بمعنى حين آتيتكم بعض الكتاب والحكمة
ثم جاءكم رسول مصدق له وجب عليكم الايمان به ونصرته وقيل أصله لمن ما قاستثقلوا اجتماع ثلاث ميمات وهي الميمان والنون المنقلبة ميما بإدغامها في الميم فحذفوا أحداها فصارت لما ومعناه لمن أجل ما آتيتكم لتؤمنن به وهذا نحو من قراءة حمزة في المعنى
) اصري ( عهدي وقرىء ( أصرى ) بالضم
وسمي إصرا لأنه مما يؤصر أي يشد ويعقد ومنه الإصار الذي يعقد به
ويجوز أن يكون المضموم لغة في اصر كعبر وعبر وان يكون جمع اصار
) فاشهدوا (
فليشهد بعضكم على بعض بالإقرار
) وأنا على ذلكم (
من اقراركم وتشاهدكم
) من الشاهدين (
وهذا توكيد عليهم وتحذير من الرجوع اذا علموا بشهادة الله وشهادة بعضهم على بعض
وقيل الخطاب للملائكة
) فمن تولى بعد ذلك (
الميثاق والتوكيد
) فأولئك هم الفاسقون (
أي المتمردون من الكفار دخلت همزة الانكار على الفاء العاطفة جملة على جملة
والمعنى فأولئك هم الفاسقون فغير دين الله يبغون ثم توسطت الهمزة بينهما
ويجوز أن يعطف على محذوف تقديره
( أ
يتولون
) فغير دين الله يبغون (
وقدم المفعول الذي هو غير دين الله على فعله لأنه اهم من حيث ان الإنكار الذي هو معنى الهمزة متوجه إلى المعبود بالباطل وروي
178 ان اهل الكتاب اختصموا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيما اختلفوا فيه من دين إبراهيم عليه السلام وكل واحد من الفريقين ادعى انه اولى به فقال ( صلى الله عليه وسلم ) ( كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم ) فقالوا ما نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك فنزلت
وقرىء ( يبغون ) بالياء ( وترجعون ) بالتاء وهي قراءة أبي عمرو لأن الباغين هم المتولون والراجعون جميع الناس وقرئا بالياء معا وبالتاء معا
) طوعا (
بالنظر في الأدلة والإنصاف من نفسه
) وكرها (
بالسيف أو بمعاينة ما يلجىء إلى الإسلام كنتق الجبل على بني اسرائيل وإدراك الغرق فرعون والإشفاء على الموت
) فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده ( غافر 84 وانتصب طوعا وكرها على الحال بمعنى طائعين ومكرهين قل ءامنا بالله ومآ أنزل علينا ومآ أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والاسباط وما أوتى موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الاخرة من الخاسرين 84 - 85
آل عمران : ( 84 ) قل آمنا بالله . . . . .

" صفحة رقم 408 "
أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يخبر عن نفسه وعمن معه بالإيمان فلذلك وحد الضمير في
) قل (
وجمع في
" ءامنا "
ويجوز ان يؤمر بان يتكلم عن نفسه كما يتكلم الملوك اجلالا من الله لقدر نبيه
فإن قلت لم عدى انزل في هذه الآية بحرف الاستعلاء وفيما تقدم من مثلها بحرف الانتهاء قلت لوجود المعنيين جميعا لأن الوحي ينزل من فوق وينتهي إلى الرسل فجاء تارة بأحد المعنيين وأخرى بالآخر
ومن قال إنما قيل
) علينا ( لقوله
) قل ( و
) إلينا ( لقوله
) قولوا ( البقرة 136 تفرقة بين الرسول والمؤمنين لأن الرسول يأتيه الوحي على طريق الاستعلاء وياتيهم على وجه الانتهاء فقد تعسف
ألا ترى إلى قوله
" بما انزل إليك المائدة وأنزلنا إليك الكتاب النساء وإلى قوله وقالت طائفة من أهل الكتاب ءامنوا "
) ونحن له مسلمون (
موحدون مخلصون انفسنا له لا نجعل له شريكا في عبادتها ثم قال
) ومن يبتغ غير الإسلام (
يعني التوحيد وإسلام الوجه لله تعالى
) دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين (
من الذين وقعوا في الخسران مطلقا من غير تقييد للشياع وقرىء ( ومن يبتغ غير الإسلام ) بالإدغام
آل عمران 86 - 89
آل عمران : ( 86 - 89 ) كيف يهدي الله . . . . .
) كيف يهدي الله قوما (
كيف يلطف بهم وليسوا من اهل اللطف لما علم الله من تصميمهم على كفرهم ودل على تصميمهم بأنهم كفروا بعد إيمانهم وبعد ما شهدوا بأن الرسول حق وبعدما جاءتهم الشواهد من القرآن وسائر المعجزات التى تثبت بمثلها النبوة وهم اليهود كفروا بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعد ان كانوا مؤمنين به وذلك حين عاينوا ما يوجب قوة إيمانهم من البينات
وقيل نزلت في رهط كانوا أسلموا ثم رجعوا عن الاسلام ولحقوا بمكة منهم طعمة بن أبيرق ووحوح بن الأسلت والحرث بن سويد بن الصامت
فإن قلت علام عطف قوله
) وشهدوا (
قلت فيه وجهان أن يعطف على ما في إيمانهم من معنى الفعل لأن معناه بعد ان آمنوا كقوله تعالى
) فأصدق وأكن ( المنافقين وقول الشاعر

" صفحة رقم 409 "
ليسوا مصلحين عشيرة
ولا ناعب 000
ويجوز ان تكون الواو للحال بإضمار ( قد ) بمعنى كفروا وقد شهدوا ان الرسول حق
) والله لا يهدي (
لا يلطف بالقوم الظالمين المعاندين الذين علم ان اللطف لا ينفعهم
) إلا الذين تابوا من بعد ذلك (
الكفر العظيم والارتداد
) وأصلحوا (
ما أفسدوا أو ودخلوا في الصلاح وقيل نزلت في الحرث بن سويد بعد ان ندم على ردته وأرسل إلى قومه ان سلوا هل لي من توبة فأرسل اليه اخوه الجلاس بالآية
فأقبل إلى المدينة فتاب وقبل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) توبته
آل عمران 90 - 91
آل عمران : ( 90 - 91 ) إن الذين كفروا . . . . .
) ثم ازدادوا كفرا (
هم اليهود كفروا بعيسى والإنجيل بعد إيمانهم بموسى والتوراة ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد والقرآن
أو كفروا برسول الله بعدما كانوا به مؤمنين قبل مبعثه ثم ازدادوا كفرا بإصرارهم على ذلك وطنعهم في كل وقت وعداوتهم له ونقضهم ميثاقه وفتنتهم للمؤمنين وصدهم عن الإيمان به وسخريتهم بكل آية تنزل
وقيل نزلت في الذين ارتدوا ولحقوا بمكة ازديادهم الكفر ان قالوا نقيم بمكة نتربص بمحمد ريب المنون وإن أردنا الرجعة نافقنا بإظهار التوبة
فإن قلت قد علم ان المرتد كيفما ازداد كفرا فإنه مقبول التوبة اذا تاب فما معنى
) لن تقبل توبتهم (
قلت جعلت عبارة عن الموت على الكفر لأن الذي لا تقبل توبته من الكفار هو الذي يموت على الكفر كانه قيل إن اليهود أو المرتدين الذين فعلوا ما فعلوا مائتون على الكفر داخلون في جملة من لا تقبل توبتهم
فإن قلت فلم قيل في احدى الآيتين
) لن تقبل (
بغير فاء وفي الأخرى
) فلن يقبل (
قلت قد أوذن بالفاء ان الكلام بني على الشرط والجزاء وان سبب امتناع قبول الفدية هو الموت على الكفر وبترك الفاء ان الكلام مبتدأ وخبر ولا دليل فيه على التسبيب
كما تقول الذي جاءني له درهم لم تجعل المجيء سببا في استحقاق الدرهم بخلاف قولك فله درهم
فإن قلت فحين كان المعنى
) لن تقبل توبتهم (
بمعنى الموت على الكفر فهلا جعل الموت على الكفر

" صفحة رقم 410 "
مسببا عن ارتدادهم وازديادهم الكفر لما في ذلك من قساوة القلوب وركوب الرين وجره إلى الموت على الكفر قلت لأنه كم من مرتد مزداد للكفر يرجع إلى الإسلام ولا يموت على الكفر
فإن قلت فأي فائدة في هذه الكناية أعني ان كنى عن الموت على الكفر بامتناع قبول التوبة قلت الفائدة فيها جليلة وهي التغليظ في شأن أولئك الفريق من الكفار وإبراز حالهم في صورة حالة الآيسين من الرحمة التي هي أغلظ الأحوال وأشدها ألا ترى ان الموت على الكفر إنما يخاف من أجل اليأس من الرحمة
) ذهبا (
نصب على التمييز
وقرأ الأعمش ( ذهب ) بالرفع ردا على ملء كما يقال عندي عشرون نفسا رجال
فإن قلت كيف موقع قوله
) ولو افتدى به (
قلت هو كلام

" صفحة رقم 411 "
محمول على المعنى كانه قيل فلن تقبل من احدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهبا
ويجوز ان يراد ولو افتدى بمثله كقوله
) ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه ( الزمر 47 والمثل يحذف كثيرا في كلامهم كقولك ضربته ضرب زيد تريد مثل ضربه
وأبو يوسف أبو حنيفة تريد مثله ( ولا هيثم الليلة للمطي ) وقضية ولا أبا حسن لها تريد ولا مثل هيثم ولا مثل أبي حسن كما انه يراد في نحو قولهم مثلك لا يفعل كذا تريد انت
وذلك ان المثلين يسد احدهما مسد الآخر فكانا في حكم شيء واحد وان يراد فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا كان قد تصدق به ولو افتدى به أيضا لم يقبل منه وقرىء فلن يقبل من احدهم ملء الأرض ذهبا على البناء للفاعل وهو الله عز وعلا ونصب ملء ومل لرض بتخفيف الهمزتين
آل عمران 92
آل عمران : ( 92 ) لن تنالوا البر . . . . .
) لن تنالوا البر (
لن تبلغوا حقيقة البر ولن تكونوا أبرارا
وقيل لن تنالوا بر الله وهو ثوابه
) حتى تنفقوا مما تحبون (
حتى تكون نفقتكم من اموالكم التي تحبونها وتؤثرونها
" كقوله أنفقوا من طيبات ما كسبتم " البقرة 267 وكان السلف رحمهم الله اذا احبوا شيئا جعلوه لله
وروي
179 أنها لما نزلت جاء أبو طلحة فقال يا رسول الله إن احب اموالي الي بيرحاء فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( بخ بخ ذاك مال رابح أو مال رائح وإني أرى ان تجعلها في الأقربين )
فقال أبو طلحة أفعل يا رسول الله فقسمها في اقاربه

" صفحة رقم 412 "
180 وجاء زيد بن حارثة بفرس له كان يحبها فقال هذه في سبيل الله فحمل عليها رسول الله أسامة بن زيد فكأن زيدا وجد في نفسه وقال إنما أردت ان اتصدق به فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أما إن الله تعالى قد قبلها منك )
وكتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري ان يبتاع له جارية من سبي جلولاء يوم فتحت مدائن كسرى فلما جاءت أعجبته فقال ان الله تعالى يقول
) لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ( فأعتقها
ونزل بأبي ذر ضيف فقال للراعي ائتني بخير إبلي فجاء بناقة مهزولة فقال خنتني قال وجدت خير الإبل فحلها فذكرت يوم حاجتكم اليه فقال ان يوم حاجتي اليه ليوم اوضع في حفرتي
وقرأ عبد الله ( حتى تنفقوا بعض ما تحبون ) وهذا دليل على أن ( من ) في
) مما تحبون (
للتبعيض ونحوه أخذت من المال
ومن في
" من شيء "
لتبيين ما تنفقوا أي من أي شيء كان طيبا تحبونه أو خبيثا تكرهونه
) فإن الله (
عليم بكل شيء تنفقونه فمجازيكم بحسبه
آل عمران 93 - 94
آل عمران : ( 93 - 94 ) كل الطعام كان . . . . .
" كل طعام "
كل المطعومات أو كل انواع الطعام والحل مصدر يقال حل الشيء حلا كقولك ذلت الدابة ذلا وعز الرجل عزا وفي حديث عائشة رضي الله عنها
181 كنت أطيبه لحله وحرمه
ولذلك استوى في الوصف به المذكر والمؤنث والواحد والجمع قال الله تعالى
" لهن حل لهم " الممتحنة 10 والذي حرم إسرائيل وهو يعقوب عليه السلام على نفسه لحوم الإبل وألبانها وقيل العروق
كان به عرق النسا فنذر إن شفي ان يحرم على نفسه احب الطعام اليه وكان ذلك أحبه اليه

" صفحة رقم 413 "
فحرمه
وقيل أشارت عليه الأطباء باجتنابه ففعل ذلك بإذن من الله فهو كتحريم الله ابتداء والمعنى ان المطاعم كلها لم تزل حلالا لبني اسرائيل من قبل إنزال التوراة وتحريم ما حرم عليهم منها لظلمهم وبغيهم لم يحرم منها شيء قبل ذلك غير المطعوم الواحد الذي حرمه ابوهم إسرائيل على نفسه فتبعوه على تحريمه وهو رد على اليهود وتكذيب لهم حيث أرادوا براءة ساحتهم مما نعى عليهم في قوله تعالى
) فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ( النساء 16 إلى قوله تعالى
) عذابا أليما ( النساء 18 وفي قوله
) وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما ( الأنعام 146 إلى قوله
) ذلك جزيناهم ببغيهم ( الأنعام 146 وجحود ما غاظهم واشمازوا منه وامتعضوا مما نطق به القرآن من تحريم الطيبات عليهم لبغيهم وظلمهم فقالوا لسنا بأول من حرمت عليه وما هو إلا تحريم قديم كانت محرمة على نوح وعلى إبراهيم ومن بعده من بني إسرائيل وهلم جرا إلى أن انتهى التحريم الينا فحرمت علينا كما حرمت على من قبلنا
وغرضهم تكذيب شهادة الله عليهم بالبغي والظلم والصد عن سبيل الله واكل الربا وأخذ اموال الناس بالباطل وما عدد من مساويهم التى كلما ارتكبوا منها كبيرة حرم عليهم نوع من الطيبات عقوبة لهم
) قل فأتوا بالتوراة فاتلوها (
أمر بأن يحاجهم بكتابهم ويبكتهم مما هو ناطق به من ان تحريم ما حرم عليهم تحريم حادث بسبب ظلمهم وبغيهم لا تحريم قديم كما يدعونه فروي انهم لم يجسروا على إخراج التوراة وبهتوا وانقلبوا صاغرين وفي ذلك الحجة البينة على صدق النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعلى جواز النسخ الذي ينكرونه
) فمن افترى على الله الكذب (
بزعمه أن ذلك كان محرما على بني اسرائيل قبل انزال التوراة من بعد ما لزمهم من الحجة القاطعة
) فأولئك هم الظالمون (
المكابرون الذين لا ينصفون من انفسهم ولا يلتفتون إلى البينات
آل عمران 95
آل عمران : ( 95 ) قل صدق الله . . . . .
) قل صدق الله (
تعريض بكذبهم كقوله
) ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون ( الأنعام 146 أي ثبت ان الله صادق فيما انزل وأنتم الكاذبون
) فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا (
وهي ملة الإسلام التى عليها محمد ومن آمن معه حتى تتخلصوا من اليهودية التى ورطتكم في فساد دينكم ودنياكم حيث اضطرتكم إلى تحريف كتاب الله لتسوية أغراضكم وألزمتكم تحريم الطيبات التى احلها الله لإبراهيم ولمن تبعه

" صفحة رقم 414 "
آل عمران 96 - 97
)
آل عمران : ( 96 ) إن أول بيت . . . . .
وضع للناس (
صفة لبيت والواضع هو الله عز وجل تدل عليه قراءة من قرأ ( وضع للناس ) بتسمية الفاعل وهو الله
ومعنى وضع الله بيتا للناس أنه جعله متعبدا لهم فكأنه قال إن أول متعبد للناس الكعبة
وعن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه سئل عن أول مسجد وضع للناس فقال
182 ( المسجد الحرام ثم بيت المقدس وسئل كم بينهما قال ( أربعون سنة )
وعن علي رضي الله عنه أن رجلا قال له أهو اول بيت قال لا قد كان قبله بيوت ولكنه اول بيت وضع للناس مباركا فيه الهدى والرحمة والبركة
واول من بناه إبراهيم ثم بناه قوم من العرب من جرهم ثم هدم فبنته العمالقة ثم هدم فبناه قريش
وعن ابن عباس هو أول بيت حج بعد الطوفان
وقيل هو اول بيت ظهر على وجه الماء عند خلق السماء والأرض خلقه قبل الأرض بألفي عام وكان زبدة بيضاء على الماء فدحيت الأرض تحته
وقيل هو اول بيت بناه آدم في الأرض
وقيل لما هبط آدم قالت له الملائكة طف حول هذا البيت فلقد طفنا قبلك بألفي عام وكان في موضعه قبل آدم بيت يقال له الضراح فرفع في الطوفان إلى السماء الرابعة تطوف به ملائكة السموات
) للذي ببكة (
البيت الذي ببكة وهي علم للبلد الحرام ومكة وبكة لغتان فيه نحو قولهم النبيط والنميط في اسم موضع بالدهناء ونحوه من الاعتقاب أمر راتب وراتم وحمى مغمطة ومغبطة وقيل مكة البلد وبكة موضع المسجد وقيل اشتقاقها من ( بكه ) اذا زحمه لازدحام الناس فيها
وعن قتادة يبك الناس بعضهم بعضا الرجال والنساء يصلي بعضهم بين يدي بعض لا يصلح ذلك الا بمكة كانها سميت ببكة وهي الزحمة
قال

" صفحة رقم 415 "
اذا الشريب أخذته الأكه
فخله حتى يبك بكه
وقيل تبك اعناق الجبابرة أي تدقها
لم يقصدها جبار الا قصمه الله تعالى
) مباركا (
كثير الخير لما يحصل لمن حجه واعتمره وعكف عنده وطاف حوله من الثواب وتكفير الذنوب وانتصابه على الحال من المستكن في الظرف لأن التقدير للذي ببكة هو والعامل فيه المقدر في الظرف من فعل الاستقرار
) وهدى للعالمين (
لأنه قبلتهم ومتعبدهم
) مقام إبراهيم (
عطف بيان لقوله
" ءايات بينات "
فإن قلت كيف صح بيان الجماعة بالواحد قلت فيه وجهان أحدهما ان يجعل وحده بمنزلة آيات كثيرة لظهور شأنه وقوة دلالته على قدرة الله ونبوة إبراهيم من تأثير قدمه في حجر صلد كقوله تعالى
) إن إبراهيم كان أمة ( النحل 120 والثاني اشتماله على آيات لأن أثر القدم في الصخرة الصماء آية وغوصه فيها إلى الكعبين آية والانة بعض الصخر دون بعض آية وابقاؤه دون سائر آيات الأنبياء عليهم السلام آية لإبراهيم خاصة وحفظه مع كثرة أعدائه من المشركين وأهل الكتاب والملاحدة ألوف سنة آية
ويجوز ان يراد فيه آيات بينات مقام إبراهيم وامن من دخله لأن الاثنين نوع من الجمع كالثلاثة والأربعة
ويجوز ان تذكر هاتان الآيتان ويطوى ذكر غيرهما دلالة على تكاثر الآيات كانه قيل فيه آيات بينات مقام إبراهيم وامن من دخله وكثير سواهما ونحوه في طي الذكر قول جرير
كانت حنيفة أثلاثا فثلثهمو
من العبيد وثلث من مواليها

" صفحة رقم 416 "
ومنه قوله عليه الصلاة والسلام
183 ( حبب الي من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة )
وقرا ابن عباس وابي ومجاهد وأبو جعفر المدني في رواية قتيبة ( آية بينة ) على التوحيد
وفيها دليل على ان مقام إبراهيم واقع وحده عطف بيان
فإن قلت كيف أجزت ان يكون مقام إبراهيم والأمن عطف بيان للآيات وقوله
" ومن دخله كان ءامنا "
جملة مستانفة اما ابتدائية وإما شرطية قلت أجزت ذلك من حيث المعنى لأن قوله
" ومن دخله كان ءامنا "
دل على أمن داخله فكانه قيل فيه آيات بينات مقام إبراهيم وامن داخله ألا ترى انك لو قلت فيه آية بينة من دخله كان آمنا صح لأنه في معنى قولك فيه آية بينة امن من دخله
فإن قلت كيف كان سبب هذا الأثر قلت فيه قولان أحدهما انه لما ارتفع بنيان الكعبة وضعف إبراهيم عن رفع الحجارة قام على هذا الحجر فغاصت فيه قدماه وقيل إنه جاء زائرا من الشام إلى مكة فقالت له امرأة إسماعيل انزل حتى يغسل رأسك فلم ينزل فجاءته بهذا الحجر فوضعته على شقه الأيمن فوضع قدمه عليه حتى غسلت شق رأسه ثم حولته إلى شقه الأيسر حتى غسلت الشق الآخر فبقي أثر قدميه عليه
ومعنى
" ومن دخله كان ءامنا "
معنى قوله
" أو لم يروا انا جعلنا حرما ءامنا ويتخطف الناس من حولهم " العنكبوت 67 وذلك بدعوة إبراهيم عليه السلام
) رب اجعل هذا البلد آمنا ( البقرة 126 وكان الرجل لو جر كل جريرة ثم لجأ إلى الحرم لم يطلب
وعن عمر رضي الله عنه ( لو ظفرت فيه بقاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه ) وعند أبي حنيفة من لزمه القتل في الحل بقصاص أوردة أو زنى فالتجأ إلى الحرم لم يتعرض له الا انه لا يؤوى ولا يطعم ولا يسقى ولا يبايع حتى يضطر إلى الخروج وقيل آمنا من النار وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
184 ( من مات في أحد الحرمين بعث يوم القيامة آمنا )
1 389 وعنه عليه الصلاة والسلام

" صفحة رقم 417 "
185 ( الحجون والبقيع يؤخذ بأطرافهما وينثران في الجنة )
وهما مقبرتا مكة والمدينة وعن ابن مسعود
186 وقف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم على ثنية الحجون وليس بها يومئذ مقبرة فقال ( يبعث الله من هذه البقعة ومن هذا الحرم كله سبعين ألفا وجوههم كالقمر ليلة البدر يدخلون الجنة بغير حساب يشفع كل واحد منهم في سبعين الفا وجوههم كالقمر ليلة البدر )
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
187 ( من صبر على حر مكة ساعة من نهار تباعدت منه جهنم مسيرة مائتي عام )
) من استطاع (
بدل من الناس وروي
188 ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فسر الاستطاعة بالزاد والراحلة
وكذا عن ابن عباس

" صفحة رقم 418 "
وابن عمر وعليه أكثر العلماء
وعن ابن الزبير هو على قدر القوة ومذهب مالك ان الرجل اذا وثق بقوته لزمه وعنه ذلك على قدر الطاقة وقد يجد الزاد والراحلة من لا يقدر على السفر وقد يقدر عليه من لا زاد له ولا راحلة وعن الضحاك اذا قدر أن يؤجر نفسه فهو مستطيع وقيل له في ذلك فقال ان كان لبعضهم ميراث بمكة اكان يتركه بل كان ينطلق اليه ولو حبوا فكذلك يجب عليه الحج
والضمير في
) إليه (
للبيت أو للحج
وكل مأتى إلى الشيء فهو سبيل اليه وفي هذا الكلام أنواع من التوكيد والتشديد ومنها قوله
) ولله على الناس حج البيت (
يعني أنه حق واجب لله في رقاب الناس لا ينفكون عن ادائه والخروج من عهدته
ومنها أنه ذكر الناس ثم أبدل عنه من استطاع اليه سبيلا وفيه ضربان من التأكيد أحدهما ان الابدال تثنيه للمراد وتكرير له والثاني أن الايضاح بعد الابهام والتفصيل بعد الإجمال ايراد له في صورتين مختلفتين
ومنها قوله
) ومن كفر (
مكان ومن لم يحج تغليظا على تارك الحج ولذلك قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
189 ( من مات ولم يحج فليمت ان شاء يهوديا أو نصرانيا )
ونحوه من التغليط

" صفحة رقم 419 "
190 ( من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر )
ومنها ذكر الاستغناء عنه وذلك مما يدل على المقت والسخط والخذلان ومنها قوله
) عن العالمين (
وان لم يقل عنه وما فيه من الدلالة على الاستغناء عنه ببرهان لأنه اذا استغنى عن العالمين تناوله الاستغناء لا محالة ولأنه يدل على الاستغناء الكامل فكان أدل على عظم السخط الذي وقع عبارة عنه وعن سعيد بن المسيب نزلت في اليهود فإنهم قالوا الحج إلى مكة غير واجب وروى
191 أنه لما نزل قوله تعالى
) ولله على الناس حج البيت (
جمع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أهل الأديان كلهم فخطبهم فقال ( إن الله كتب عليكم الحج فحجوا )
فآمنت به ملة واحدة وهم المسلمون وكفرت به خمس ملل قالوا لا نؤمن به ولا نصلي اليه ولا نحجه فنزل
) ومن كفر (
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
192 ( حجوا قبل ان لا تحجوا فإنه قد هدم البيت مرتين ويرفع في الثالثة )
وروي

" صفحة رقم 420 "
193 ( حجوا قبل ان لا تحجوا حجوا قبل ان يمنع البر جانبه )
وعن ابن مسعود حجوا هذا البيت قبل ان تنبت في البادية شجرة لا تأكل منها دابة الا نفقت
وعن عمر رضي الله عنه لو ترك الناس الحج عاما واحدا ما نوظروا وقرىء ( حج البيت ) بالكسر

" صفحة رقم 421 "
آل عمران 98 - 99
آل عمران : ( 98 - 99 ) قل يا أهل . . . . .
) والله شهيد (
الواو للحال
والمعنى لم تكفرون بآيات الله التى دلتكم على صدق محمد ( صلى الله عليه وسلم ) والحال ان الله شهيد على اعمالكم فمجازيكم عليها وهذه الحال توجب ان لا تجسروا على الكفر بآياته
قرأ الحسن ( تصدون ) من أصده
) عن سبيل الله (
عن دين حق علم انه سبيل الله التى امر بسلوكها وهو الإسلام وكانوا يفتنون المؤمنين ويحتالون لصدهم عنه ويمنعون من اراد الدخول فيه بجهدهم وقيل أتت اليهود الأوس والخزرج فذكروهم ما كان بينهم في الجاهلية من العداوات والحروب ليعودوا لمثله
) تبغونها عوجا (
تطلبون لها اعوجاجا وميلا عن القصد والاستقامة
فإن قلت كيف تبغونها عوجا وهو محال قلت فيه معنيان أحدهما أنكم تلبسون على الناس حتى توهموهم ان فيها عوجا بقولكم إن شريعة موسى لا تنسخ وبتغييركم صفة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن وجهها ونحو ذلك
والثاني أنكم تتبعون انفسكم في إخفاء الحق وابتغاء ما لا يتأتى لكم من وجود العوج فيما هو أقوم من كل مستقيم
) وأنتم شهداء (
أنها سبيل الله التى لا يصد عنها الا ضال مضل أو وأنتم شهداء بين اهل دينكم عدول يثقون بأقوالكم ويستشهدونكم في عظائم امورهم وهم الأحبار
) وما الله بغافل (
وعيد ومحل تبغونها نصب على الحال
آل عمران 100
آل عمران : ( 100 ) يا أيها الذين . . . . .
قيل
194 ( مر ) ( شاس ) بن قيس اليهودي وكان عظيم الكفر شديد الطعن على

" صفحة رقم 422 "
المسلمين شديد الحسد لهم على نفر من الأنصار من الأوس والخزرج في مجلس لهم يتحدثون فغاظه ذلك حيث تألفوا واجتمعوا بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة وقال ما لنا معهم اذا اجتمعوا من قرار فأمر شابا من اليهود ان يجلس اليهم ويذكرهم يوم بعاث وينشدهم بعض ما قيل فيه من الأشعار وكان يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس
ففعل فتنازع القوم عند ذلك وتفاخروا وتغاضبوا وقالوا السلاح السلاح فبلغ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فخرج اليهم فيمن معه من المهاجرين والأنصار فقال ( أتدعون الجاهلية وانا بين أظهركم بعد اذ أكرمكم الله بالاسلام وقطع به عنكم امر الجاهلية وألف بينكم )
فعرف القوم انها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم فألقوا السلاح وبكوا وعانق بعضهم بعضا ثم انصرفوا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فما كان يوم أقبح اولا وأحسن آخرا من ذلك اليوم
آل عمران 101
)
آل عمران : ( 101 ) وكيف تكفرون وأنتم . . . . .
وكيف تكفرون (
معنى الاستفهام فيه الانكار والتعجيب والمعنى من أين يتطرق اليكم الكفر والحال ان آيات الله وهي القرآن المعجز
) تتلى عليكم (
على لسان الرسول غضة طرية وبين اظهركم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ينبهكم ويعظكم ويزيح شبهكم
) ومن يعتصم بالله (
ومن يتمسك بدينه
ويجوز ان يكون حثا لهم على الالتجاء اليه في دفع شرور الكفار ومكايدهم
) فقد هدي (
فقد حصل له الهدى لا محالة كما تقول اذا جئت فلانا فقد أفلحت كأن الهدى قد حصل فهو يخبر عنه حاصلا
ومعنى التوقع في
) قد (
ظاهر لأن المعتصم بالله متوقع للهدى كما ان قاصد الكريم متوقع للفلاح عنده
آل عمران 102 - 103
)
آل عمران : ( 102 ) يا أيها الذين . . . . .
حق تقاته (
واجب تقواه وما يحق منها وهو القيام بالمواجب واجتناب المحارم ونحوه
) فاتقوا الله ما استطعتم ( التغابن 16 يريد بالغوا في التقوى حتى لا تتركوا من المستطاع منها شيئا
وعن عبد الله

" صفحة رقم 423 "
195 هو ان يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر ويذكر فلا ينسى
وروي مرفوعا وقيل هو ان لا تاخذه في الله لومة لائم ويقوم بالقسط ولو على نفسه أو ابنه أو أبيه وقيل لا يتقي الله عبد حق تقاته حتى يخزن لسانه والتقاة من اتقى كالتؤدة من اتأد
) ولا تموتن (
معناه ولا تكونن على حال سوى حال الاسلام اذا أدرككم الموت كما تقول لمن تستعين به على لقاء العدو لا تأتني الا وأنت على حصان فلا تنهاه عن الإتيان ولكنك تنهاه عن خلاف الحال التى شرطت عليه في وقت الاتيان
قولهم اعتصمت بحبله يجوز ان يكون تمثيلا لاستظهاره به ووثوقه بحمايته بامتساك المتدلي من مكان مرتفع بحبل وثيق يأمن انقطاعه وان يكون الحبل استعارة لعهده والاعتصام لوثوقه بالعهد أو ترشيحا لاستعارة الحبل بما يناسبه
والمعنى واجتمعوا على استعانتكم بالله ووثوقكم به ولا تفرقوا عنه أو واجتمعوا على التمسك بعهده إلى عباده وهو الايمان والطاعة أو بكتابة لقول النبي ( صلى الله عليه وسلم )
196 ( القرآن حبل الله المتين لا تنقضي عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد من قال به صدق ومن عمل به رشد ومن اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم )
) ولا تفرقوا (
ولا تتفرقوا عن الحق بوقوع الاختلاف بينكم كما اختلفت اليهود والنصارى أو كما كنتم متفرقين في الجاهلية متدابرين يعادي بعضكم بعضا ويحاربه أو ولا تحدثوا ما يكون عنه التفرق ويزول معه الاجتماع والألفة التي أنتم عليها مما يأباه جامعكم والمؤلف

" صفحة رقم 424 "
بينكم وهو اتباع الحق والتمسك بالإسلام
كانوا في الجاهلية بينهم الاحن والعداوات والحروب المتواصلة فألف الله بين قلوبهم بالإسلام
وقذف فيها المحبة فتحابوا وتوافقوا وصاروا
) إخوانا (
متراحمين متناصحين مجتمعين على امر واحد قد نظم بينهم وازال الاختلاف وهو الأخوة في الله وقيل هم الأوس والخزرج كانا أخوين لأب وأم فوقعت بينهما العداوة وتطاولت الحروب مائة وعشرين سنة إلى ان أطفأ الله ذلك بالإسلام وألف بينهم برسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
) وكنتم على شفا حفرة من النار (
وكنتم مشفين على ان تقعوا في نار جهنم لما كنتم عليه من الكفر
" فأنقذكم منها بالاسلام
والضمير للحفرة أو للنار أو للشفا وإنما أنث لإضافته إلى الحفرة وهو منها كما قال
كما شرقت صدر القناة من الدم
"
وشفا الحفرة وشفتها حرفها بالتذكير والتانيث ولامها واو الا انها في المذكر مقلوبة وفي المؤنث محذوفة ونحو الشفا والشفة الجانب والجانبة
فإن قلت كيف جعلوا على حرف حفرة من النار قلت لو ماتوا على ما كانوا عليه وقعوا في النار فمثلت حياتهم التى يتوقع بعدها الوقوع في النار بالقعود على حرفها مشفين على الوقوع فيها
) كذلك (
مثل ذلك البيان البليغ
" يبين الله لكم ءاياته لعلكم تهتدون "
إرادة ان تزدادوا هدى
آل عمران 104
آل عمران : ( 104
ولتكن منكم أمة . . . . .

" صفحة رقم 425 "
) ولتكن منكم أمة (
( من ) للتبعيض لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفايات ولأنه لا يصلح له الا من علم المعروف والمنكر وعلم كيف يرتب الأمر في إقامته وكيف يباشر فإن الجاهل ربما نهى عن معروف وامر بمنكر وربما عرف الحكم في مذهبه وجهله في مذهب صاحبه فنهاه عن غير منكر وقد يغلظ في موضع اللين ويلين في موضع الغلظة وينكر على من لا يزيده إنكاره الا تماديا أو على من الانكار عليه عبث كالإنكار على أصحاب المآصر والجلادين وأضرابهم
وقيل ( من ) للتبيين بمعنى وكونوا امة تأمرون كقوله تعالى
) كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون ( آل عمران وأولائك هم المفلحون "
هم الاخصاء بالفلاح دون غيرهم
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه سئل وهو على المنبر
197 من خير الناس قال ( آمرهم بالمعروف وانهاهم عن المنكر وأتقاهم لله واوصلهم )
وعنه عليه الصلاة والسلام
198 ( من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسوله وخليفة كتابه )
وعن علي رضي الله عنه
199 أفضل الجهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن

" صفحة رقم 426 "
شنىء الفاسقين وغضب لله غضب الله له
وعن حذيفة يأتى على الناس زمان تكون فيهم جيفة الحمار أحب اليهم من مؤمن يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر وعن سفيان الثوري اذا كان الرجل محببا في جيرانه محمودا عند اخوانه فاعلم أنه مداهن
والأمر بالمعروف تابع للمأمور به ان كان واجبا فواجب وان كان ندبا فندب
واما النهي عن المنكر فواجب كله لأن جميع المنكر تركه واجب لاتصافه بالقبح
فإن قلت ما طريق الوجوب قلت قد اختلف فيه الشيخان فعند أبي علي السمع والعقل وعند أبي هاشم السمع وحده
فإن قلت ما شرائط النهي قلت ان يعلم الناهي ان ما ينكره قبيح لأنه اذا لم يعلم لم يأمن أن ينكر الحسن وان لا يكون ما ينهي عنه واقعا لأن الواقع لا يحسن النهي عنه وإنما يحسن الذم عليه والنهي عن أمثاله وان لا يغلب على ظنه أن المنهي يزيد في منكراته وان لا يغلب على ظنه أن نهيه لا يؤثر لأنه عبث فإن قلت فما شروط الوجوب قلت أن يغلب على ظنه وقوع المعصية نحو ان يري الشارب قد تهيأ لشرب الخمر بإعداد آلاته وان لا يغلب على ظنه انه إن أنكر لحقته مضرة عظيمة
فإن قلت كيف يباشر الانكار قلت يبتدىء بالسهل فإن لم ينفع ترقى إلى الصعب لأن الغرض كف المنكر قال الله تعالى
) فأصلحوا بينهما (
ثم قال ( فقاتلوا ) النساء 76
فإن قلت فمن يباشره قلت كل مسلم تمكن منه واختص بشرائطه وقد اجمعوا ان من راى غيره تاركا للصلاة وجب عليه الإنكار لأنه معلوم قبحه لكل أحد
واما الإنكار الذي بالقتال فالإمام وخلفاؤه أولى لأنهم أعلم بالسياسة ومعهم عدتها فإن قلت فمن يؤمر وينهى قلت كل مكلف وغير المكلف اذا هم بضرر غيره منع كالصبيان والمجانين وينهى الصبيان عن المحرمات حتى لا يتعودوها كما يؤخذون بالصلاة ليمرنوا عليها
فإن قلت هل يجب على مرتكب المنكر ان ينهى عما يرتكبه قلت نعم يجب عليه لأن ترك ارتكابه وإنكاره واجبان عليه فبتركه أحد الواجبين لا يسقط عنه الواجب الاخر
وعن السلف مروا بالخير وان لم تفعلوا
وعن الحسن انه سمع مطرف بن عبد الله يقول لا اقول ما لا أفعل فقال وأينا يفعل ما يقول ود الشيطان لو ظفر بهذه منكم فلا يأمر أحد بمعروف ولا ينهى عن منكر
فإن

" صفحة رقم 427 "
قلت كيف قيل
) يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف (
قلت الدعاء إلى الخير عام في التكاليف من الأفعال والتروك والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاص فجيء بالعام ثم عطف عليه الخاص ايذانا بفضله كقوله
) والصلاة الوسطى ( البقرة 238
آل عمران 105 - 10
آل عمران : ( 105 - 107 ) ولا تكونوا كالذين . . . . .
) كالذين تفرقوا واختلفوا (
وهم اليهود والنصارى
) من بعد ما جاءهم البينات (
الموجبة للاتفاق على كلمة واحدة وهي كلمة الحق وقيل هم مبتدعو هذه الأمة وهم المشبهة والمجبرة والحشوية وأشباههم
) يوم تبيض وجوه (
نصب بالظرف وهو لهم أو بإضمار اذكر وقرىء ( تبيض وتسود ) بكسر حرف المضارعة ( وتبياض وتسواد ) والبياض من النور والسواد من الظلمة فمن كان من اهل نور الحق وسم ببياض اللون واسفاره واشراقه وابيضت صحيفته وأشرقت
وسعى النور بين يديه وبيمينه
ومن كان من اهل ظلمة الباطل وسم بسواد اللون وكسوفه وكمده واسودت صحيفته واظلمت واحاطت به الظلمة من كل جانب
نعوذ بالله وبسعة رحمته من ظلمات الباطل وأهله
) أكفرتم (
قيقال لهم أكفرتم والهمزة للتوبيخ والتعجيب من حالهم
والظاهر أنهم اهل الكتاب
وكفرهم بعد الايمان تكذيبهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعد اعترافهم به قبل مجيئه

" صفحة رقم 428 "
وعن عطاء تبيض وجوه المهاجرين والأنصار وتسود وجوه بني قريظة والنضير وقيل هم المرتدون وقيل أهل البدع والأهواء وعن أبي امامة
200 هم الخوارج ولما رآهم على درج دمشق دمعت عيناه ثم قال كلاب النار هؤلاء شر قتلى تحت اديم السماء
وخير قتلى تحت اديم السماء الذين قتلهم هؤلاء فقال له أبو غالب أشيء تقوله برأيك أم شيء سمعته من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال بل سمعته من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) غير مرة قال فما شأنك دمعت عيناك قال رحمة لهم كانوا من اهل الاسلام فكفروا ثم قرأ هذه الآية ثم اخذ بيده فقال ان بأرضك منهم كثيرا فأعاذك الله منهم
وقيل هم جميع الكفار لإعراضهم عما اوجبه الاقرار حين اشهدهم على انفسهم ألست بربكم قالوا بلى
) ففي رحمة الله (
ففي نعمته وهي الثواب المخلد فإن قلت كيف موقع قوله
) هم فيها خالدون ( بعد قوله
) ففي رحمة الله (
قلت موقع الاستئناف كأنه قيل كيف يكونون فيها فقيل هم فيها خالدون لا يظعنون عنها ولا يموتون
آل عمران 108 - 109
آل عمران : ( 108 - 109 ) تلك آيات الله . . . . .
" تلك ءايت الله "
الواردة في الوعد والوعيد
) نتلوها عليك (
ملتبسة
( بالحق )
والعدل من جزاء المحسن والمسيء بما يستوجبانه
) وما الله يريد ظلما (
فيأخذ أحدا بغير جرم أو يزيد في عقاب مجرم أو ثواب محسن ونكر ظلما وقال
) للعالمين (
على معنى ما يريد شيئا من الظلم لأحد من خلقه فسبحان من يحلم عمن يصفه بارادة القبائح والرضا بها

" صفحة رقم 429 "
آل عمران 110 - 111
(
آل عمران : ( 110 ) كنتم خير أمة . . . . .
كان ) عبارة عن وجود الشيء في زمان ماض على سبيل الابهام وليس فيه دليل على عدم سابق عدم ولا على انقطاع طارىء ومنه قوله تعالى
) وكان الله غفورا رحيما ( النساء 96 ومنه قوله تعالى
) كنتم خير أمة (
كأنه قيل وجدتم خير أمة وقيل كنتم في علم الله خير امة وقيل كنتم في الأمم قبلكم مذكورين بأنكم خير امة موصوفين به
) أخرجت (
أظهرت وقوله
) تأمرون (
كلام مستانف بين به كونهم خير امة كما تقول زيد كريم يطعم الناس ويكسوهم ويقوم بما يصلحهم
) وتؤمنون بالله (
جعل الايمان بكل ما يجب الايمان به إيمانا بالله لأن من آمن ببعض ما يجب الإيمان به من رسول أو كتاب أو بعث أو حساب أو عقاب أو ثواب أو غير ذلك لم يعتد بإيمانه فكانه غير مؤمن بالله
) ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا ( النساء 150 والدليل عليه قوله تعالى
" ولو ءامن أهل الكتاب " مع إيمانهم بالله
) لكان خيرا لهم (
لكان الإيمان خيرا لهم مما هم عليه لأنهم إنما آثروا دينهم على دين الاسلام حبا للرياسة واستتباع العوام ولو آمنوا لكان لهم من الرياسة والأتباع وحظوظ الدنيا ما هو خير مما آثروا دين الباطل لأجله مع الفوز بما وعدوه على الإيمان من إيتاء الأجر مرتين
) منهم المؤمنون (
كعبد الله بن سلام وأصحابه
) وأكثرهم الفاسقون (
المتمردون في الكفر
) لن يضروكم إلا أذى (
الا ضررا مقتصرا على أذى بقول من طعن في الدين أو تهديد أو نحو ذلك
) وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار (
منهزمين ولا يضروكم بقتل أو أسر
) ثم لا ينصرون (
ثم لا يكون لهم نصر من أحد ولا يمنعون منكم
وفيه تثبيت لمن أسلم منهم لأنهم كانوا يؤذنونهم بالتلهي بهم وتوبيخهم وتضليلهم وتهديدهم بأنهم لا يقدرون ان يتجاوزوا الاذى بالقول إلى ضرر يبالى به مع انه وعدهم الغلبه عليهم والانتقام منهم وأن عاقبة امرهم الخذلان والذل
فإن قلت هلا جزم

" صفحة رقم 430 "
المعطوف في قوله
) ثم لا ينصرون (
قلت عدل به عن حكم الجزاء إلى حكم الإخبار ابتداء كانه قيل ثم اخبركم انهم لا ينصرون
فإن قلت فأي فرق بين رفعه وجزمه في المعنى قلت لو جزم لكان نفي النصر مقيدا بمقاتلتهم كتولية الأدبار
وحين رفع كان نفي النصر وعدا مطلقا كانه قال ثم شأنهم وقصتهم التي اخبركم عنها وأبشركم بها بعد التولية أنهم مخذولون منتف عنهم النصر والقوة لا ينهضون بعدها بجناح ولا يستقيم لهم أمر وكان كما اخبر من حال بني قريظة والنضير وبني قينقاع ويهود خيبر
فإن قلت فما الذي عطف عليه هذا الخبر قلت جملة الشرط والجزاء كانه قيل أخبركم أنهم إن يقاتلوكم ينهزموا ثم أخبركم انهم لا ينصرون
فإن قلت فما معنى التراخي في ثم قلت التراخي في المرتبة لأن الإخبار بتسليط الخذلان عليهم اعظم من الإخبار بتوليتهم الأدبار
فإن قلت ما موقع الجملتين أعني
) منهم المؤمنون ( و
) لن يضروكم (
قلت هما كلامان واردان على طريق الاستطراد عند اجراء ذكر أهل الكتاب كما يقول القائل وعلى ذكر فلان فإن من شأنه كيت وكيت ولذلك جاء من غير عاطف
آل عمران 112
آل عمران : ( 112 ) ضربت عليهم الذلة . . . . .
) بحبل من الله (
في محل النصب على الحال بتقدير الا معتصمين أو متمسكين أو متلبسين بحبل من الله وهو استثناء من اعم عام الأحوال
والمعنى ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال الا في حال اعتصامهم بحبل الله وحبل الناس يعني ذمة الله وذمة المسلمين أي لاعز لهم قط الا هذه الواحدة وهي التجاؤهم إلى الذمة لما قبلوه من الجزية
" وباءوا بغضب من الله "
استوجبوه
) وضربت عليهم المسكنة (
كما يضرب البيت على اهله فهم ساكنون في المسكنة غير ظاعنين عنها وهم اليهود عليهم لعنة الله وغضبه
) ذلك (
إشارة إلى ما ذكر من ضرب الذلة والمسكنة والبواء بغضب الله أي ذلك كائن بسبب كفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء ثم قال
) ذلك بما عصوا (
أي ذلك كائن بسبب عصيانهم لله واعتدائهم لحدوده ليعلم ان الكفر وحده ليس بسبب في

" صفحة رقم 431 "
استحقاق سخط الله وأن سخط الله يستحق بركوب المعاصي كما يستحق بالكفر ونحوه
" مما خطيآتهم أغرقوا " نوح 25
) وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل ( النساء 161
آل عمران 113 - 116
آل عمران : ( 113 ) ليسوا سواء من . . . . .
الضمير في
) ليسوا (
لأهل الكتاب أي ليس أهل الكتاب مستوين وقوله
) من أهل الكتاب أمة قائمة (
كلام مستانف لبيان قوله
) ليسوا سواء (
كما وقع قوله
) تأمرون بالمعروف ( آل عمران 110 بيانا لقوله
) كنتم خير أمة (
) أمة قائمة (
مستقيمة عادلة من قولك أقمت العود فقام بمعنى استقام وهم الذين أسلموا منهم
وعبر عن تهجدهم بتلاوة القرآن في ساعات الليل مع السجود لأنه أبين لما يفعلون وأدل على حسن صورة امرهم
وقيل عنى صلاة العشاء لأن اهل الكتاب لا يصلونها وعن ابن مسعود رضي الله عنه
201 أخر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال ( أما إنه ليس من اهل الأديان أحد يذكر الله في هذه الساعة غيركم وقرأ هذه الآية )
وقوله
) ) يتلون ( و
) يؤمنون (
في محل الرفع صفتان لأمة أي أمة قائمة تالون مؤمنون وصفهم بخصائص ما كانت في اليهود من تلاوة آيات الله بالليل
ساجدين ومن الإيمان بالله لأن إيمانهم به كلا إيمان لإشراكهم به عزيرا وكفرهم ببعض الكتب والرسل دون بعض
ومن الإيمان باليوم الآخر لأنهم يصفونه

" صفحة رقم 432 "
بخلاف صفته
ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنهم كانوا مداهنين
ومن المسارعة في الخيرات لأنهم كانوا متباطئين عنها غير راغبين فيها
والمسارعة في الخير فرط الرغبة فيه لأن من رغب في الأمر سارع في توليه والقيام به وآثر الفور على التراخي
) وأولئك (
الموصوفون بما وصفوا به
" من " جملة
) الصالحين (
الذين صلحت احوالهم عند الله ورضيهم واستحقوا ثناءه عليهم
ويجوز ان يريد بالصالحين المسلمين
" فلن تكفروه "
لما جاء وصف الله عز وعلا بالشكر في قوله
) والله شكور حليم (
التغابن 17 في معنى توفيه الثواب نفي عنه نقيض ذلك
فإن قلت لم عدى إلى مفعولين وشكر وكفر لا يتعديان الا إلى واحد تقول شكر النعمة وكفرها قلت ضمن معنى الحرمان فكأنه قيل فلن تحرموه بمعنى فلن تحرموا جزاءه
وقرىء ( يفعلوا ) ( ويكفروه ) بالياء والتاء
) والله عليم بالمتقين (
بشارة للمتقين بجزيل الثواب ودلالة على أنه لا يفوز عنده الا اهل التقوى
آل عمران 117
آل عمران : ( 117 ) مثل ما ينفقون . . . . .
الصر الريح الباردة نحو الصرصر قال
( لا تعدلن أتاويين تضربهم نكباء صر بأصحاب المحلات )
كما قالت ليلى الأخيلية
( ولم يغلب الخصم الألد ويملأ ال جفان
سديفا يوم نكباء صرصر )
فإن قلت فما معنى قوله
) كمثل ريح فيها صر (
قلت فيه اوجه أحدهما أن

" صفحة رقم 433 "
الصر في صفة الريح بمعنى الباردة فوصف بها القرة بمعنى فيها قره صر كما تقول برد بارد على المبالغة والثاني ان يكون الصر مصدرا في الأصل بمعنى البرد فجيء به على أصله
والثالث ان يكون من قوله تعالى
) لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ( الأحزاب 21 ومن قولك ان ضيعني فلان ففي الله كاف وكافل قال
وفي الرحمن للضعفاء كافي
شبه ما كانوا ينفقون من اموالهم في المكارم والمفاخر وكسب الثناء وحسن الذكر بين الناس لا يبتغون به وجه الله بالزرع الذي حسه البرد فذهب حطاما
وقيل هو ما كانوا يتقربون به إلى الله مع كفرهم وقيل ما أنفقوا في عداوة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فضاع عنهم لأنهم لم يبلغوا بإنفاقه ما انفقوه لأجله وشبه بحرث
) قوم ظلموا أنفسهم (
فأهلك عقوبة لهم على معاصيهم لأن الهلاك عن سخط أشد وأبلغ
فإن قلت الغرض تشبيه ما أنفقوا في قلة جدواه وضياعه بالحرث الذي ضربته الصر والكلام غير

" صفحة رقم 434 "
مطابق للغرض حيث جعل ما ينفقون ممثلا بالريح
قلت هو من التشبيه المركب الذي مر في تفسير قوله
) كمثل الذي استوقد نارا (
البقرة 17 ويجوز ان يراد مثل اهلاك ما ينفقون مثل إهلاك ريح أو مثل ما ينفقون كمثل مهلك ريح وهو الحرث وقرىء ( تنفقون بالتاء )
) وما ظلمهم الله (
الضمير للمنفقين على معنى وما ظلمهم الله بان لم يقبل نفقاتهم ولكنهم ظلموا انفسهم حيث لم يأتوا بها مستحقة للقبول أو لأصحاب الحرث الذين ظلموا انفسهم أي وما ظلمهم الله باهلاك حرثهم ولكن ظلموا انفسهم بارتكاب ما استحقوا به العقوبة وقرىء ( ولكن ) بالتشديد بمعنى ولكن انفسهم يظلمونها هم ولا يجوز ان يراد ولكن انفسهم يظلمون على اسقاط ضمير الشأن لأنه انما يجوز في الشعر
آل عمران 118 - 119
آل عمران : ( 118 - 119 ) يا أيها الذين . . . . .
بطانة الرجل ووليجته خصيصه وصفيه الذي يفضي اليه بشقوره ثقة به شبه ببطانة الثوب كما يقال فلان شعاري وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
202 ( الأنصارى شعار والناس دثار
) من دونكم (
من دون أبناء جنسكم وهم المسلمون ويجوز تعلقه بلا تتخذوا وببطانة على الوصف أي بطانة كائنة من دونكم مجاوزة لكم
) لا يألونكم خبالا (
يقال ألا في الأمر يألو اذا قصر فيه ثم استعمل معدى إلى مفعولين في قولهم لا الوك نصحا ولا الوك جهدا على التضمين والمعنى لا امنعك نصحا ولا أنقصكه
والخبال الفساد
) ودوا ما عنتم (
ودوا عنتكم على ان ( ما ) مصدرية والعنت شدة الضرر والمشقة وأصله انهياض العظم بعد جبره اي تمنوا ان يضروكم في دينكم ودنياكم أشد الضرر وأبلغه
) قد بدت البغضاء من أفواههم (
لأنهم لا يتمالكون مع ضبطهم أنفسهم وتحاملهم عليها ان ينفلت من ألسنتهم ما يعلم به بغضهم للمسلمين
وعن قتادة قد بدت البغضاء لأوليائهم من المنافقين والكفار

" صفحة رقم 435 "
لإطلاع بعضهم بعضا على ذلك وفي قراءة عبد الله ( قد بدأ البغضاء )
) قد بينا لكم الآيات (
الدالة على وجوب الاخلاص في الدين وموالاة اولياء الله ومعاداة اعدائه
) إن كنتم تعقلون (
ما بين لكم فعملتم به
فإن قلت كيف موقع هذه الجمل قلت يجوز ان يكون
) لا يألونكم (
صفة للبطانة وكذلك
) قد بدت البغضاء (
كانه قيل بطانة غير آليكم خبالا بادية بغضاؤهم
وأما
) قد بينا (
فكلام مبتدأ وأحسن منه وأبلغ أن تكون مستأنفات كلها على وجه التعليل للنهي عن اتخاذهم بطانة
) ها (
للتنبيه
و
) أنتم (
مبتدأ و
) أولاء (
خبره
أي أنتم اولاء الخاطئون في موالاة منافقي اهل الكتاب
وقوله
) تحبونهم ولا يحبونكم (
بيان لخطئهم في موالاتهم حيث يبذلون محبتهم لأهل البغضاء
وقيل
) أولاء ( موصول
) تحبونهم ( صلته
والواو في
) وتؤمنون (
للحال وانتصابها من لا يحبونكم اي لا يحبونكم والحال انكم تؤمنون بكتابهم كله وهم مع ذلك يبغضونكم فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون بشيء من كتابكم
وفيه توبيخ شديد بأنهم في باطلهم أصلب منكم في حقكم
ونحوه
" فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون " النساء 104 ويوصف المغتاظ والنادم بعض الأنامل والبنان والابهام قال الحرث بن ظالم المري
( فاقتل اقواما لئاما أذلة يعضون من غيظ رؤوس الأباهم )
) قل موتوا بغيظكم (
دعاء عليهم بان يزداد غيظهم حتى يهلكوا به والمراد بزيادة الغيظ زيادة ما يغيظهم من قوة الاسلام وعز اهله وما لهم في ذلك من الذل والخزي والتبار
) إن الله عليم بذات الصدور (
فهو يعلم ما في صدور المنافقين من الحنق والبغضاء وما يكون منهم في حال خلو بعضهم ببعض وهو كلام داخل في جملة المقول أو خارج منها فإن قلت فكيف معناه على الوجهين قلت إذا كان داخلا في جملة المقول فمعناه أخبرهم بما يسرونه من عضهم الأنامل غيظا اذا خلوا وقل لهم إن الله عليم بما هو اخفى مما تسرونه بينكم وهو مضمرات الصدور فلا تظنوا ان شيئا من أسراركم يخفي عليه
واذا كان خارجا فمعناه قل لهم ذلك يا محمد ولا تتعجب من إطلاعي اياك على ما يسرون فإني اعلم ما هو اخفى من ذلك وهو ما أضمروه في صدورهم ولم يظهروه بألسنتهم
ويجوز ان لا يكون ثم قول وان يكون قوله
) قل موتوا بغيظكم ( آل عمران 119 امرا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بطيب النفس وقوة الرجاء والاستبشار بوعد الله ان يهلكوا غيظا باعزاز الاسلام وإذلالهم به كانه قيل حدث نفسك بذلك
آل عمران 120
آل عمران : ( 120 ) إن تمسسكم حسنة . . . . .

" صفحة رقم 436 "
الحسنة الرخاء والخصب والنصرة والغنيمة ونحوها من المنافع
والسيئة ما كان ضد ذلك وهذا بيان لفرط معاداتهم حيث يحسدونهم على ما نالهم من الخير ويشمتون بهم فيما اصابهم من الشدة
فإن قلت كيف وصفت الحسنة بالمس والسيئة بالإصابة قلت المس مستعار لمعنى الإصابة فكان المعنى واحدا الا ترى إلى قوله
) إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة ( التوبة 50
) ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك (
) إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا ( المعارج 20 - 21
) وإن تصبروا (
على عداوتهم
) وتتقوا (
ما نهيتم عنه من موالاتهم
أو وإن تصبروا على تكاليف الدين ومشاقه وتتقوا الله في اجتنابكم محارمه كنتم في كنف الله فلا يضركم كيدهم
وقرىء ( لا يضركم ) من ضاره يضيره
ويضركم على ان ضمة الراء لاتباع ضمة الضاد كقولك مد يا هذا وروى المفضل عن عاصم ( لا يضركم ) بفتح الراء وهذا تعليم من الله وارشاد إلى ان يستعان على كيد العدو بالصبر والتقوى وقد قال الحكماء اذا اردت ان تكبت من يحسدك فازدد فضلا في نفسك
) إن الله بما تعملون (
من الصبر والتقوى وغيرهما
) محيط (
ففاعل بكم ما أنتم أهله وقرىء بالياء بمعنى انه عالم بما يعملون في عداوتكم فمعاقبهم عليه
آل عمران 121 - 122
آل عمران : ( 121 - 122 ) وإذ غدوت من . . . . .
" و " اذكر
) إذ غدوت من أهلك (
بالمدينة وهو غدوه إلى أحد من حجرة عائشة رضي الله عنها روي
203 ان المشركين نزلوا بأحد يوم الأربعاء فاستشار النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أصحابه ودعا

" صفحة رقم 437 "
عبد الله بن أبي ابن سلول ولم يدعه قط قبلها فاستشاره فقال عبد الله وأكثر الأنصار يا رسول الله أقم بالمدينة ولا تخرج اليهم فوالله ما خرجنا منها إلى عدو قط الا اصاب منا ولادخلها علينا الا أصبنا منه فكيف وانت فينا فدعهم فإن أقاموا أقاموا بشر محبس وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة وإن رجعوا رجعوا خائبين وقال بعضهم يا رسول الله اخرج بنا إلى هؤلاء الأكلب لا يرون انا قد جبنا عنهم فقال ( صلى الله عليه وسلم ) إني قد رأيت في منامي بقرا مذبحة حولي فأولتها خيرا ورأيت في ذباب سيفي ثلما فاولته هزيمة ورأيت كاني أدخلت يدي في درع حصينة فاولتها المدينة فإن رأيتم ان تقيموا بالمدينة وتدعوهم
فقال رجال من المسلمين قد فاتتهم بدر واكرمهم الله بالشهادة يوم أحد
أخرج بنا إلى اعدائنا فلم يزالوا به حتى دخل فلبس لأمته فلما رأوه قد لبس لأمته ندموا وقالوا بئسما صنعنا نشير على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والوحي يأتيه وقالوا اصنع يا رسول الله ما رأيت فقال لا ينبغي لنبي ان يلبس لأمته فيضعها حتى يقاتل فخرج يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة وأصبح بالشعب من أحد يوم السبت للنصف من شوال فمشى على رجليه فجعل يصف أصحابه للقتال كأنما يقوم بهم القدح
إن رأى صدرا خارجا قال تأخر وكان نزوله في عدوة الوادي وجعل ظهره وعسكره إلى أحد وأمر عبد الله بن جبير على الرماة وقال لهم ( انضحوا عنا بالنبل لا ياتونا من ورائنا )
) تبوئ المؤمنين (
تنزلهم
وقرأ عبد الله ( للمؤمنين ) بمعنى تسوى لهم وتهيء
) مقاعد للقتال (
مواطن ومواقف
وقد اتسع في قعد وقام حتى أجريا مجرى صار واستعمل المقعد والمقام في معنى المكان
ومنه قوله تعالى
) في مقعد صدق ( القمر 55
) قبل أن تقوم من مقامك ( النمل 39 من مجلسك وموضع حكمك
) والله سميع (
لأقوالكم عليم بنياتكم وضمائركم
) إذ همت (
بدل من
) إذ غدوت (
أو عمل فيه معنى
) سميع عليم (
والطائفتان حيان من الأنصار بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس وهما الجناحان
خرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في ألف وقيل في تسعمائة وخمسين والمشركون في ثلاثة آلاف ووعدهم الفتح ان صبروا فانخزل عبد الله بن أبي بثلث الناس وقال يا قوم علام نقتل انفسنا واولادنا فتبعهم عمرو بن حزم الأنصاري فقال انشدكم الله في نبيكم وانفسكم فقال عبد الله لو نعلم

" صفحة رقم 438 "
قتالا لاتبعناكم فهم الحيان باتباع عبد الله فعصمهم الله فمضوا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
وعن ابن عباس رضي الله عنه أضمروا ان يرجعوا فعزم الله لهم على الرشد فثبتوا والظاهر انها ما كانت الا همة وحديث نفس وكما لا تخلو النفس عند الشدة من بعض الهلع ثم يردها صاحبها إلى الثبات والصبر ويوطنها على احتمال المكروه كما قال عمرو بن الأطنابة
أقول لها اذا جشأت وجاشت
مكانك تحمدي أو تستريحي
حتى قال معاوية عليكم بحفظ الشعر فقد كدت أضع رجلي في الركاب يوم صفين فما ثبت مني الا قول عمرو ابن الأطنابة ولو كانت عزيمة لما ثبتت معها الولاية والله تعالى يقول
) والله وليهما (
ويجوز ان يراد والله ناصرهما ومتولي امرهما فما لهما تفشلان ولا تتوكلان على الله فإن قلت فما معنى ما روي من قول بعضهم عند نزول الآية
204 والله ما يسرنا انا لم نهم بالذي هممنا به وقد اخبرنا الله بأنه ولينا قلت معنى ذلك فرط الاستبشار بما حصل لهم من الشرف بثناء الله وإنزاله فيهم آية ناطقة بصحة الولاية وان تلك الهمة غير المأخوذ بها لأنها لم تكن عن عزيمة وتصميم كانت سببا لنزولهما
والفشل الجبن والخور وقرأ عبد الله ( والله وليهم ) كقوله
) وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ( الحجرات 9
آال عمران 123 - 12
آل عمران : ( 123 ) ولقد نصركم الله . . . . .

" صفحة رقم 439 "
أمرهم بألا يتوكلوا الا عليه ولا يفوضوا أمورهم الا إليه ثم ذكرهم ما يوجب عليهم التوكل مما يسر لهم من الفتح يوم بدر وهم في حالة قلة وذلة
والأذلة جمع قلة والذلان جمع الكثرة وجاء بجمع القلة ليدل على انهم على ذلتهم كانوا قليلا وذلتهم ما كان بهم من ضعف الحال وقلة السلاح والمال والمركوب وذلك انهم خرجوا على النواضح يعتقب النفر منهم على البعير الواحد وما كان معهم الا فرس واحد
وقلتهم أنهم كانوا ثلثمائة وبضعة عشر وكان عدوهم في حال كثرة زهاء الف مقاتل ومعهم مائة فرس والشكة والشوكة وبدر اسم ماء بين مكة والمدينة كان لرجل يسمى بدرا فسمي به
) فاتقوا الله (
في الثبات مع رسوله
) لعلكم تشكرون (
بتقواكم ما انعم به عليكم من نصرته أو لعلكم ينعم الله عليكم نعمة اخرى تشكرونها فوضع الشكر موضع الإنعام لأنه سبب له
) إذ تقول (
ظرف لنصركم على ان يقول لهم ذلك يوم بدر أو بدل ثان من
) وإذ غدوت (
على ان يقوله لهم يوم أحد فإن قلت كيف يصح ان يقول لهم يوم أحد ولم تنزل فيه الملائكة قلت قاله لهم مع اشتراط الصبر والتقوى فلم يصبروا عن الغنائم ولم يتقوا حيث خالفوا أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلذلك لم تنزل الملائكة ولو تموا على ما شرط عليهم لنزلت
وإنما قدم لهم الوعد بنزول الملائكة لتقوى قلوبهم ويعزموا على الثبات ويثقوا بنصر الله ومعنى
) ألن يكفيكم (
إنكار ان لا يكفيهم الامداد بثلاثة آلاف من الملائكة
وإنما جيء بلن الذي هو لتاكيد النفي للإشعار بأنهم كانوا لقلتهم وضعفهم وكثرة عدوهم وشوكته كالآيسين من النصر و
) بلي (
ايجاب لما بعد لن بمعنى بل يكفيكم الامداد بهم فأوجب الكفاية ثم قال
) وإن تصبروا وتتقوا (
يمددكم بأكثر من ذلك العدد مسومين للقتال
) ويأتوكم (
يعني المشركين
) من فورهم هذا (
من قولك قفل من غزوته وخرج من فوره إلى غزوة أخرى وجاء فلان ورجع من فوره ومنه قول أبي حنيفة رحمه الله الامر على الفور لا على التراخي وهو مصدر من فارت القدر إذا غلت فاستعير للسرعة ثم سميت به الحالة التي لا ريث فيها ولا تعريج على شيء من صاحبها فقيل خرج من فوره كما تقول خرج من ساعته لم يلبث والمعنى انهم إن يأتوكم من ساعتهم هذه
) يمددكم ربكم (
بالملائكة في حال اتيانهم لا يتأخر نزولهم عن إتيانهم يريد ان الله يعجل نصرتكم وييسر فتحكم ان صبرتم واتقيتم وقرىء ( منزلين ) بالتشديد ( ومنزلين ) بكسر الزاي بمعنى منزلين

" صفحة رقم 440 "
النصر و
) مسومين ( بفتح الواو وكسرها بمعنى معلمين ومعلمين انفسهم أو خيلهم قال الكلبي معلمين بعمائم صفر مرخاة على اكتافهم
وعن الضحاك معلمين بالصوف الأبيض في نواصي الدواب وأذنابها وعن مجاهد مجزوزة أذناب خيلهم وعن قتادة كانوا على خيل بلق
وعن عروة بن الزبير كانت عمامة الزبير يوم بدر صفراء فنزلت الملائكة كذلك وعن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال لأصحابه
205 ( تسوموا فإن الملائكة قد تسومت )
) وما جعله الله (
الهاء لأن يمدكم أي وما جعل الله امدادكم بالملائكة الا بشارة لكم بأنكم تنصرون
) ولتطمئن قلوبكم به (
كما كانت السكينة لبني اسرائيل بشارة بالنصر وطمانينة لقلوبهم
" وما النصر الا من عند الله لا من عند المقاتلة إذا تكاثروا ولا من عند الملائكة والسكينة ولكن ذلك مما يقوي به الله رجاء النصرة والطمع في الرحمة ويربط به على قلوب المجاهدين
" العزيز "
الذي لا يغالب في حكمه
" الحكيم "
الذي يعطي النصر ويمنعه لما يرى من المصلحة
" ليقطع طرفا من الذين كفروا "
ليهلك طائفة منهم بالقتل والأسر وهو ما كان يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين من رؤساء قريش وصناديدهم
" أو يكبتهم "
أو يخزيهم ويغيظهم بالهزيمة
" فينقلبوا خائبين "
غير ظافرين بمبتغاهم
ونحوه
" ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا " الأحزاب 25 ويقال كبته بمعنى كبده اذا ضرب كبده بالغيظ والحرقة وقيل في قول أبي الطيب
( لأكبت حاسدا وأرى عدوا )
هو من الكبد والرئة واللام متعلقة بقوله
" ولقد نصركم الله "
أو بقوله
" وما النصر الا من عند الله "
آل عمران 128 - 129
آل عمران : ( 128 - 129 ) ليس لك من . . . . .
" أو يتوب " عطف على ما قبله
و
" ليس لك من الأمر شيء "
اعتراض والمعنى ان الله مالك امرهم فإما يهلكهم أو يهزمهم أو يتوب عليهم إن أسلموا أو يعذبهم إن أصروا على الكفر وليس لك من امرهم شيء إنما أنت عبد مبعوث لانذارهم ومجاهدتهم وقيل ان
" يتوب "
منصوب

" صفحة رقم 441 "
بإضمار ( أن ) و ( ان يتوب ) في حكم اسم معطوف باو على الأمر أو علي شيء أي ليس لك من امرهم شيء أو من التوبة عليهم أو من تعذيبهم أو ليس لك من امرهم شيء أو التوبة عليهم أو تعذيبهم وقيل ( أو ) بمعنى ( إلا ان ) كقولك لألزمنك أو تعطيني حقي على معنى ليس لك من امرهم شيء الا ان يتوب الله عليهم فتفرح بحالهم أو يعذبهم فتتشفى منهم وقيل
206 شجه عتبة بن أبي وقاص يوم أحد وكسر رباعيته فجعل يمسح الدم عن وجهه وسالم مولى أبي حذيفة يغسل عن وجهه الدم وهو يقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم فنزلت
وقيل اراد ان يدعو الله عليهم فنهاه الله تعالى لعلمه ان فيهم من يؤمن
وعن الحسن
) يغفر لمن يشاء ( بالتوبة ولا يشاء ان يغفر الا للتائبين
) ويعذب من يشاء (
ولا يشاء ان يعذب الا المستوجبين للعذاب وعن عطاء يغفر لمن يتوب اليه ويعذب من لقيه ظالما واتباعه
قوله
) أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون (

" صفحة رقم 442 "
تفسير بين لمن يشاء وانهم المتوب عليهم أو الظالمون ولكن اهل الأهواء والبدع يتصامون ويتعامون عن آيات الله فيخبطون خبط عشواء ويطيبون انفسهم بما يفترون على ابن عباس من قولهم يهب الذنب الكبير لمن يشاء ويعذب من يشاء على الذنب الصغير
آل عمران 130 - 132
آل عمران : ( 130 - 132 ) يا أيها الذين . . . . .
) لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة (
نهي عن الربا مع توبيخ بما كانوا عليه من تضعيفه كان الرجل منهم اذا بلغ الدين محله زاد في الأجل فاستغرق بالشيء الطفيف مال المديون
) واتقوا النار التي أعدت للكافرين (
كان أبو حنيفة رحمه الله يقول هي أخوف آية في القرآن حيث اوعد الله المؤمنين بالنار المعدة للكافرين ان لم يتقوه في اجتناب محارمه
وقد امد ذلك بما اتبعه من تعليق رجاء المؤمنين برحمته بتوفرهم على طاعته وطاعة رسوله
ومن تامل هذه الآية وامثالها لم يحدث نفسه بالأطماع الفارغة والتمني على الله تعالى وفي ذكره تعالى ( لعل ) و عسى ) في نحو هذه المواضع وإن قال الناس ما قالوا ما لا يخفى على العارف الفطن من دقة مسلك التقوى وصعوبة اصابة رضا الله وعزة التوصل إلى رحمته وثوابه
آل عمران 133 - 137
آل عمران : ( 133 ) وسارعوا إلى مغفرة . . . . .
في مصاحف اهل المدينة والشام ( سارعوا ) بغير واو
وقرأ الباقون بالواو وتنصره قراءة أبي وعبد الله وسابقوا ومعنى المسارعة إلى المغفرة والجنة الإقبال على ما يستحقان به
) عرضها السماوات والأرض ( 1 أي عرضها عرض السموات والأرض كقوله
) عرضها كعرض السماء والأرض (
والمراد وصفها بالسعة والبسطة فشبهت باوسع ما علمه الناس من خلقه وأبسطه
وخص العرض لأنه في العادة أدنى من الطول للمبالغة كقوله
) بطائنها من إستبرق ( الرحمن 54
وعن ابن عباس رضي الله عنه كسبع سموات وسبع أرضين لو وصل بعضها ببعض
) في السراء والضراء (
في

" صفحة رقم 443 "
حال الرخاء واليسر وحال الضيقة والعسر لا يخلون بأن ينفقوا في كلتا الحالتين ما قدروا عليه من كثير أو قليل كما حكى عن بعض السلف انه ربما تصدق ببصلة وعن عائشة رضي الله عنها انها تصدقت بحبة عنب أو في جميع الأحوال لأنها لا تخلو من حال مسرة ومضرة لا تمنعهم حال فرح وسرور ولا حال محنة وبلاء من المعروف وسواء عليهم كان الواحد منهم في عرس أو في حبس فإنه لا يدع الإحسان
وافتتح بذكر الانفاق لأنه أشق شيء على النفس وأدله على الاخلاص ولأنه كان في ذلك الوقت أعظم الأعمال للحاجة اليه في مجاهدة العدو ومواساة فقراء المسلمين
كظم القربة اذا ملأها وشد فاها وكظم البعير اذا لم يجتر ومنه كظم الغيظ وهو ان يمسك على ما في نفسه منه بالصبر ولا يظهر له أثرا وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
207 ( من كظم غيظا وهو يقدر على انفاذه ملأ الله قلبه أمنا وايمانا )
وعن عائشة رضي الله عنها ان خادما لها غاظها فقالت لله در التقوى ما تركت لذي غيظ شفاء
) والعافين عن الناس (
اذا جنى عليهم أحد لم يؤاخذوه وروي
208 ( ينادي مناد يوم القيامة أين الذين كانت أجورهم على الله فلا يقوم الا من عفا )
وعن ابن عيينة أنه رواه للرشيد وقد غضب على رجل فخلاه وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
209 ( إن هؤلاء في امتي قليل الا من عصم الله وقد كانوا كثيرا في الأمم التى مضت )

" صفحة رقم 444 "
) والله يحب المحسنين (
يجوز أن تكون اللام للجنس فيتناول كل محسن ويدخل تحته هؤلاء المذكورين
وان تكون للعهد فتكون اشارة إلى هؤلاء
) والذين (
عطف على المتقين أي أعدت للمتقين وللتائبين
وقوله
) وأولئك (
إشارة إلى الفريقين
ويجوز أن يكون والذين مبتدأ خبره اولئك
) فاحشة (
فعله متزايدة القبح
) أو ظلموا أنفسهم (
أو اذنبوا أي ذنب كان مما يؤاخذون به
وقيل الفاحشة الزنا
وظلم النفس ما دونه من القبلة واللمسة ونحوهما وقيل الفاحشة الكبيرة وظلم النفس الصغيرة
) ذكروا الله ( تذكروا عقابه أو وعيده أو نهيه أو حقه العظيم وجلاله الموجب للخشية والحياء منه
) فاستغفروا لذنوبهم (
فتابوا عنها لقبحها نادمين عازمين
) ومن يغفر الذنوب إلا الله (
وصف لذاته بسعة الرحمة وقرب المغفرة وإن التائب من الذنب عنده كمن لا ذنب له وانه لا مفزع للمذنبين الا فضله وكرمه وان عدله يوجب المغفرة للتائب لأن العبد اذا جاء في الاعتذار والتنصل بأقصى ما يقدر عليه وجب العفو والتجاوز وفيه تطييب لنفوس العباد وتنشيط للتوبة وبعث عليها وردع عن اليأس والقنوط وان الذنوب وإن جلت فإن عفوه أجل وكرمه اعظم
والمعنى انه وحده معه مصححات المغفرة وهذه جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه
) ولم يصروا (
ولم يقيموا على قبيح فعلهم غير مستغفرين
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
210 ( ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة )
وروي
211 ( لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الاصرار )
) وهم يعلمون (
حال

" صفحة رقم 445 "
من فعل الاصرار وحرف النفي منصب عليهما معا
والمعنى وليسوا ممن يصرون على الذنوب وهم عالمون بقبحها وبالنهي عنها وبالوعيد عليها لأنه قد يعذر من لا يعلم قبح القبيح
وفي هذه الآيات بيان قاطع ان الذين آمنوا على ثلاث طبقات متقون وتائبون ومصرون
وان الجنة للمتقين والتائبين منهم دون المصرين
ومن خالف في ذلك فقد كابر عقله وعاند ربه قال
) أجر العاملين (
بعد قوله
) جزاؤهم ( آل عمران 87 لأنهما في معنى واحد
وإنما خالف بين اللفظين لزيادة التنبيه على ان ذلك جزاء واجب على عمل وأجر مستحق عليه لا كما يقول المبطلون
وروي ان الله عز وجل اوحى إلى موسى ما أقل حياء من يطمع في جنتي بغير عمل كيف اجود برحمتي على من يبخل بطاعتي
وعن شهر بن حوشب طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب وانتظار الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور وارتجاء الرحمة ممن لا يطاع حمق وجهالة
وعن الحسن رضي الله عنه يقول الله تعالى يوم القيامة ( جوزوا الصراط بعفوي وادخلوا الجنة برحمتي واقتسموها باعمالكم ) وعن رابعة البصرية رضي الله عنها انها كانت تنشد
( ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ان السفينة لا تجرى على اليبس )
والمخصوص بالمدح محذوف تقديره ونعم اجر العاملين ذلك يعني المغفرة والجنات
) قد خلت من قبلكم سنن (
يريد ما سنه الله في الأمم المكذبين من وقائعه وكقوله
) وقتلوا تقتيلا سنة الله في الذين خلوا من قبل ( الأحزاب 61
) ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا ( الفتح 2
) سنة الله التي قد خلت من قبل ( الفتح 23
آل عمران 138 - 139
)
آل عمران : ( 138 ) هذا بيان للناس . . . . .
هذا بيان للناس (
ايضاح لسوء عاقبة ما هم عليه من التكذيب يعني حثهم على النظر في سوء عواقب المكذبين قبلهم والاعتبار بما يعاينون من آثار هلاكهم
) وهدى وموعظة للمتقين (
يعني انه مع كونه بيانا وتنبيها للمكذبين فهو زيادة تثبيت وموعظة

" صفحة رقم 446 "
للذين اتقوا من المؤمنين ويجوز ان يكون قوله
) قد خلت (
جملة معترضة للبعث على الايمان وما يستحق به ما ذكر من أجر العاملين ويكون قوله
) هذا بيان (
اشارة إلى ما لخص وبين من امر المتقين والتائبين والمصرين
) ولا تهنوا ولا تحزنوا (
تسلية من الله سبحانه لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) وللمؤمنين عما أصابهم يوم أحد وتقوية من قلوبهم يعني ولا تضعفوا عن الجهاد لما أصابكم أي لا يورثنكم ذلك وهنا وجبنا ولا تبالوا به ولا تحزنوا على من قتل منكم وجرح
) وأنتم الأعلون (
وحالكم انكم اعلى منهم وأغلب لأنكم أصبتم منهم يوم بدر اكثر مما أصابوا منكم يوم أحد
أو وأنتم الأعلون شأنا لأن قتالكم لله ولإعلاء كلمته وقتالهم للشيطان لإعلاء كلمة الكفر ولأن قتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار
أو هي بشارة لهم بالعلو والغلبة أي وأنتم الأعلون في العاقبة
) وإن جندنا لهم الغالبون ( الصافات 173
) إن كنتم مؤمنين (
متعلق بالنهي بمعنى ولا تهنوا إن صح إيمانكم على ان صحة الإيمان توجب قوة القلب والثقة بصنع الله وقلة المبالاة بأعدائه أو بالأعلون أي إن كنتم مصدقين بما يعدكم الله ويبشركم به من الغلبة
آل عمران 140 - 141
آل عمران : ( 140 ) إن يمسسكم قرح . . . . .
قرىء ( قرح ) بفتح القاف وضمها وهما لغتان كالضعف والضعف
وقيل هو بالفتح الجراح وبالضم ألمها
وقرأ أبو السمال ( قرح ) بفتحتين وقيل القرح والقرح كالطرد والطرد
والمعنى إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منهم قبله يوم بدر ثم لم يضعف ذلك قلوبهم ولم يثبطهم عن معاودتكم بالقتال
فأنتم أولى أن لا تضعفوا
ونحوه
) فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون ( النساء 104 وقيل كان ذلك يوم أحد فقد نالوا منهم قبل ان يخالفوا أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
فإن قلت كيف قيل
) قرح مثله (
وما كان قرحهم يوم أحد مثل قرح المشركين قلت بلى كان مثله ولقد قتل يومئذ خلق من الكفار
ألا ترى إلى قوله تعالى
" ولقد صدقكم الله وعده اذ تحسونهم بإذنه حتى اذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد من أراكم ما تحبون " آل عمران 75
) وتلك الأيام (
تلك مبتدأ والأيام صفته و
) نداولها (
خبره ويجوز ان يكون
) تلك الأيام (
مبتدأ وخبرا كما تقول هي الأيام تبلي كل جديد
والمراد بالأيام اوقات الظفر والغلبة نداولها نصرفها بين الناس نديل تارة لهؤلاء وتارة

" صفحة رقم 447 "
لهؤلاء كقوله وهو من ابيات الكتاب
فيوما علينا ويوما لنا
ويوما نساء ويوما نسر
ومن امثال العرب الحرب سجال وعن أبي سفيان
212 انه صعد الجبل يوم أحد فمكث ساعة ثم قال أين ابن أبي كبشة أين ابن أبي قحافة اين ابن الخطاب
فقال عمر هذا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهذا أبو بكر وها انا عمر
فقال أبو سفيان يوم بيوم والأيام دول والحرب سجال
فقال عمر رضي الله عنه لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار
فقال إنكم تزعمون ذلك فقد خبنا اذن وخسرنا والمداولة مثل المعاورة
وقال
يرد المياه فلا يزال مداولا
في الناس بين تمثل وسماع
يقال داولت بينهم الشيء فتداولوه
" وليعلم الله الذين ءامنوا "
فيه وجهان احدهما ان يكون المعلل محذوفا معناه وليتميز الثابتون على الإيمان منكم من الذين على حرف فعلنا ذلك وهو من باب التمثيل بمعنى فعلنا ذلك فعل من يريد ان يعلم من الثابت على الإيمان منكم من غير الثابت وإلا فالله عز وجل لم يزل عالما بالأشياء قبل كونها وقيل معناه وليعلمهم علما يتعلق به الجزاء وهو ان يعلمهم موجودا منهم الثبات والثاني ان تكون العلة محذوفة وهذا عطف عليه معناه وفعلنا ذلك ليكون كيت وكيت وليعلم الله
وإنما حذف للإيذان بان المصلحة فيما فعل ليست بواحدة ليسليهم عما جرى عليهم وليبصرهم ان العبد يسوءه ما يجري عليه من المصائب ولا يشعر ان لله في ذلك من المصالح ما هو غافل عنه
) ويتخذ منكم شهداء (
وليكرم ناسا منكم بالشهادة يريد المستشهدين يوم أحد
أو وليتخذ منكم من يصلح للشهادة على الأمم يوم القيامة بما يبتلى به صبركم من الشدائد من قوله تعالى
) لتكونوا شهداء على الناس ( البقرة 143
) والله لا يحب الظالمين (
اعتراض بين بعض التعليل وبعض ومعناه والله لا يحب من ليس من هؤلاء الثابتين على الايمان المجاهدين في سبيل الله الممحصين من الذنوب
والتمحيص التطهير والتصفية
) ويمحق الكافرين (
ويهلكهم

" صفحة رقم 448 "
يعني إن كانت الدولة على المؤمنين فللتمييز والاستشهاد والتمحيص وغير ذلك مما هو أصلح لهم وإن كانت على الكافرين فلمحقهم ومحو آثارهم
آل عمران 142
)
آل عمران : ( 142 ) أم حسبتم أن . . . . .
أم (
منقطعة ومعنى الهمزة فيها الإنكار
) ولما يعلم الله (
بمعنى ولما تجاهدوا لأن العلم متعلق بالمعلوم فنزل نفي العلم منزلة نفي متعلقة لأنه منتف بانتفائه
يقول الرجل ما علم الله في فلان خيرا يريد ما فيه خير حتى يعلمه
ولما بمعنى لم الا ان فيها ضربا من التوقع فدل على نفي الجهاد فيما مضى وعلى توقعه فيما يستقبل
وتقول وعدني ان يفعل كذا ولما تريد ولم يفعل وانا اتوقع فعله
وقرىء ( ولما يعلم الله ) بفتح الميم وقيل أراد النون الخفيفة ولما يعلمن فحذفها
) ويعلم الصابرين (
نصب بإضمار أن والواو بمعنى الجمع كقولك لا تاكل السمك وتشرب اللبن
وقرأ الحسن بالجزم على العطف وروى عبد الوارث عن أبي عمرو ( ويعلم ) بالرفع على ان الواو للحال كانه قيل ولما تجاهدوا وأنتم صابرون ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون 143
آل عمران : ( 143 ) ولقد كنتم تمنون . . . . .
) ولقد كنتم تمنون الموت (
خوطب به الذين لم يشهدوا بدرا وكانوا يتمنون أن يحضروا مشهدا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليصيبوا من كرامة الشهادة ما نال شهداء بدر
وهم الذين ألحوا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في الخروج إلى المشركين وكان رأيه في الاقامة بالمدينة يعني وكنتم تمنون الموت قبل ان تشاهدوه وتعرفوا شدته وصعوبة مقاساته

" صفحة رقم 449 "
) فقد رأيتموه وأنتم تنظرون (
أي رأيتموه معاينين مشاهدين له حين قتل بين ايديكم من قتل اخوانكم وأقاربكم وشارفتم ان تقتلوا
وهذا توبيخ لهم على تمنيهم الموت وعلى ما تسببوا له من خروج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بإلحاحهم عليه ثم انهزامهم عنه وقلة ثباتهم عنده
فإن قلت كيف يجوز تمني الشهادة وفي تمنيها تمني غلبة الكافر المسلم قلت قصد متمني الشهادة إلى نيل كرامة الشهداء لا غير ولا يذهب وهمه إلى ذلك المتضمن كما ان من يشرب دواء الطبيب النصراني قاصد إلى حصول المأمول من الشفاء ولا يخطر بباله ان فيه جر منفعة وإحسان إلى عدو الله وتنفيقا لصناعته
ولقد قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه حين نهض إلى مؤتة وقيل له ردكم الله
لكنني أسأل الرحمن مغفرة
وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة
بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقولوا اذا مروا على جدثي
أرشدك الله من غاز وقد رشدا
آل عمران 144
213
آل عمران : ( 144 ) وما محمد إلا . . . . .
لما رمى عبد الله بن قمئة الحارثي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بحجر فكسر رباعيته وشج وجهه أقبل يريد قتله فذب عنه ( صلى الله عليه وسلم ) مصعب بن عمير وهو صاحب الراية يوم بدر ويوم أحد حتى قتله ابن قمئة وهو يرى انه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال قد قتلت محمدا
وصرخ صارخ الا ان محمدا قد قتل وقيل كان الصارخ الشيطان ففشا في الناس خبر قتله فانكفؤا فجعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يدعو ( الي عباد الله ) حتى انحازت اليه طائفة من أصحابه فلامهم على هربهم فقالوا يا رسول الله فديناك بآبائنا وامهاتنا أتانا خبر قتلك فرعبت قلوبنا فولينا مدبرين فنزلت
7942 وروي
214 أنه لما صرخ الصارخ قال بعض المسلمين ليت عبد الله بن أبي يأخذ لنا أمانا من أبي سفيان وقال ناس من المنافقين لو كان نبيا لما قتل ارجعوا إلى إخوانكم

" صفحة رقم 450 "
وإلى دينكم فقال أنس بن النضر عم انس بن مالك يا قوم إن كان قتل محمد فإن رب محمد حي لا يموت وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقاتلوا على ما قاتل عليه وموتوا على ما مات عليه ثم قال اللهم اني أعتذر اليك مما يقول هؤلاء وأبرأ اليك مما جاء به هؤلاء ثم شد بسيفه فقاتل حتى قتل
وعن بعض المهاجرين أنه مر بانصاري يتشحط في دمه فقال يا فلان أشعرت ان محمدا قد قتل فقال ان كان قتل فقد بلغ قاتلوا على دينكم والمعنى
) وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل (
فسيخلو كما خلوا وكما ان اتباعهم بقوا متمسكين بدينهم بعد خلوهم فعليكم أن تتمسكوا بدينه بعد خلوه لأن الغرض من بعثة الرسل تبليغ الرسالة والزام الحجة لا وجوده بين أظهر قومه
" أفإين مات "
الفاء معلقة للجملة الشرطية بالجملة قبلها على معنى التسبيب والهمزة لإنكار ان يجعلوا ان خلو الرسل قبله وبقاء دينهم متمسكا به يجب أن يجعل سببا للتمسك بدين محمد ( صلى الله عليه وسلم ) لا للإنقلاب عنه
فإن قلت لم ذكر القتل وقد علم انه لا يقتل قلت لكونه مجوزا عند المخاطبين
فإن قلت اما علموه من ناحية قوله
) والله يعصمك من الناس ( المائدة 67 قلت هذا مما يختص بالعلماء منهم وذوي البصيرة ألا ترى أنهم سمعوا بخبر قتله فهربوا على أنه يحتمل العصمة من فتنة الناس وإذلالهم والانقلاب على الأعقاب الإدبار عما كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقوم به من امر الجهاد وغيره وقيل الارتداد وما ارتد أحد من المسلمين ذلك اليوم الا ما كان من قول المنافقين ويجوز ان يكون على وجه التغليظ عليهم فيما كان منهم من الفرار والانكشاف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإسلامه
) فلن يضر الله شيئا (
فما ضر الا نفسه لأن الله تعالى لا يجوز عليه المضار والمنافع
) وسيجزي الله الشاكرين (
الذي لم ينقلبوا كأنس بن النضر وأضرابه
وسماهم شاكرين لأنهم شكروا نعمة الاسلام فيما فعلوا المعنى ان موت الأنفس محال أن يكون الا بمشيئة الله فأخرجه مخرج فعل لا ينبغي لأحد ان يقدم عليه الا أن يأذن الله له فيه تمثيلا ولأن ملك الموت هو الموكل بذلك فليس له ان يقبض نفسا الا بإذن من الله وهو على معنيين أحدهما تحريضهم على الجهاد وتشجيعهم على لقاء العدو بإعلامهم ان الحذر لا ينفع وأن أحدا

" صفحة رقم 451 "
لا يموت قبل بلوغ أجله وإن خوض المهالك واقتحم المعارك
والثاني ذكر ما صنع الله برسوله عند غلبة االعدو والتفافهم عليه وإسلام قومه له نهزة للمختلس من الحفظ والكلاءة وتاخير الأجل
آل عمران 145
آل عمران : ( 145 ) وما كان لنفس . . . . .
) كتابا (
مصدر مؤكد لأن المعنى كتب الموت كتابا
) مؤجلا (
مؤقتا له اجل معلوم لا يتقدم ولا يتأخر
) ومن يرد ثواب الدنيا (
تعريض بالذين شغلتهم الغنائم يوم أحد
) نؤته منها (
أي من ثوابها
) وسنجزي (
الجزاء المبهم الذين شكروا نعمة الله فلم يشغلهم شيء عن الجهاد
وقرىء ( يؤته ) و سيجزي ) بالياء فيهما
آل عمران 146 - 148
آل عمران : ( 146 ) وكأين من نبي . . . . .
قرىء ( قاتل ) و ( قتل ) و ( قتل ) بالتشديد والفاعل ربيون أو ضمير النبي و (
" معه ربيون )
حال عنه بمعنى قتل كائنا معه ربيون والقراءة بالتشديد تنصر الوجه الأول وعن سعيد بن جبيبر رحمه الله ما سمعنا بنبي قتل في القتال
والربيون الربانيون وقرىء بالحركات الثلاث فالفتح على القياس والضم والكسر من تغييرات النسب
وقرىء ( فما وهنوا ) بكسر الهاء والمعنى فما وهنوا عند قتل النبي
" وما ضعفوا "
عن الجهاد بعده
" وما استكانوا "
للعدو وهذا تعريض بما أصابهم من الوهن والانكسار عند الإرجاف بقتل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وبضعفهم عند ذلك عن مجاهدة المشركين واستكانتهم لهم
حين أرادوا ان يعتضدوا بالمنافق عبد الله بن أبي في طلب الأمان من أبي سفيان
" وما كان قولهم إلا "
هذا القول وهو إضافة الذنوب والاسراف إلى انفسهم مع كونهم ربانيين هضما لها واستقصارا
والدعاء بالاستغفار منها مقدما على طلب تثبيت الأقدام في مواطن الحرب والنصرة على العدو ليكون طلبهم إلى ربهم عن زكاة وطهارة وخضوع وأقرب إلى الاستجابة
" فأتاهم الله ثواب الدنيا "
من النصرة والغنيمة والعز وطيب الذكر
وخص ثواب الآخرة بالحسن دلالة على فضله وتقدمه وانه هو المعتد به عنده
" تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة " الأنفال 67

" صفحة رقم 452 "
آل عمران 149 - 151
آل عمران : ( 149 - 151 ) يا أيها الذين . . . . .
) إن تطيعوا الذين كفروا (
قال علي رضي الله عنه نزلت في قول المنافقين للمؤمنين عند الهزيمة ارجعوا إلى إخوانكم وادخلوا في دينهم
وعن الحسن رضي الله عنه ان تستنصحوا اليهود والنصارى وتقبلوا منهم لأنهم كانوا يستغوونهم ويوقعون لهم الشبه في الدين ويقولون لو كان نبيا حقا لما غلب ولما أصابه وأصحابه ما أصابهم وإنما هو رجل حاله كحال غيره من الناس يوما له ويوما عليه
وعن السدي ان تستكينوا لأبي سفيان وأصحابه وتستامنوهم
) يردوكم (
إلى دينهم
وقيل هو عام في جميع الكفار وإن على المؤمنين ان يجانبوهم ولا يطيعوهم في شيء ولا ينزلوا على حكمهم ولا على مشورتهم حتى لا يستجروهم إلى موافقتهم
) بل الله مولاكم ( أي ناصركم لا تحتاجون معه إلى نصرة أحد وولايته
وقرىء بالنصب على بل اطيعوا الله مولاكم
) سنلقي ( قرىء بالنون والياء
والرعب بسكون العين وضمها قيل قذف الله في قلوب المشركين الخوف يوم أحد فانهزموا إلى مكة من غير سبب ولهم القوة والغلبة
وقيل ذهبوا إلى مكة فلما كانوا ببعض الطريق قالوا ما صنعنا شيئا قتلنا منهم ثم تركناهم ونحن قاهرون ارجعوا فاستأصلوهم فلما عزموا على ذلك ألقى الله الرعب في قلوبهم فأمسكوا بما أشركوا بسبب إشراكهم أي كان السبب في إلقاء الله الرعب في قلوبهم إشراكهم به
) ما لم ينزل به سلطانا (
آلهة لم ينزل الله بإشراكها حجة
فإن قلت كان هناك حجة حتى ينزلها الله فيصح لهم الاشراك قلت لم

" صفحة رقم 453 "
يعن ان هناك حجة الا انها لم تنزل عليهم لأن الشرك لا يستقيم ان يقوم عليه حجة وانما المراد نفي الحجة ونزولها جيمعا كقوله
ولا ترى الضب بها ينجحر
آل عمران 152 - 154
آل عمران : ( 153 - 154 ) إذ تصعدون ولا . . . . .
) ولقد صدقكم الله وعده (
وعدهم الله النصر بشرط الصبر والتقوى في قوله تعالى
) إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ( آل عمران 125 ويجوز ان يكون الوعد قوله تعالى
) سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب (
فلما فشلوا وتنازعوا لم يرعبهم وقيل لما رجعوا إلى المدينة قال ناس من المؤمنين من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر فنزلت
وذلك ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جعل احدا خلف ظهره واستقبل المدينة وأقام الرماة عند الجبل وامرهم أن يثبتوا في مكانهم ولا يبرحوا كانت الدولة للمسلمين أو عليهم فلما اقبل المشركون جعل الرماة يرشقون خيلهم والباقون يضربونهم بالسيوف حتى انهزموا والمسلمون على آثارهم
يحسونهم اي يقتلونهم قتلا ذريعا
حتى اذا فشلوا والفشل الجبن وضعف الرأي وتنازعوا فقال بعضهم قد

" صفحة رقم 454 "
انهزم المشركون فما موقفنا ههنا وقال بعضهم لا نخالف أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فممن ثبت مكانه عبد الله بن جبير أمير الرماة في نفر دون العشرة وهم المعنيون بقوله
) ومنكم من يريد الآخرة ( ونفر اعقابهم ينهبون وهم الذين ارادوا الدنيا فكر المشركون على الرماة وقتلوا عبد الله بن جبير رضي الله عنه وأقبلوا على المسلمين وحالت الريح دبورا وكانت صبا حتى هزموهم وقتلوا من قتلوا وهو قوله
) ثم صرفكم عنهم ليبتليكم (
ليمتحن صبركم على المصائب وثباتكم على الإيمان عندها
) ولقد عفا عنكم (
لما علم من ندمكم على فرط منكم من عصيان امر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
) والله ذو فضل على المؤمنين (
يتفضل عليهم بالعفو أو هو متفضل عليهم في جميع الأحوال سواء أديل لهم أو أديل عليهم لأن الابتلاء رحمة كما ان النصرة رحمة
فإن قلت أين متعلق
) حتى إذا (
قلت محذوف تقديره حتى اذا فشلتم منعكم نصره ويجوز ان يكون المعنى صدقكم الله وعده إلى وقت فشلكم
) إذ تصعدون (
نصب بصرفكم أو بقوله
" " ليبتليكم "
أو باضمار ( اذكر ) والاصعاد الذهاب في الأرض والإبعاد فيه
يقال صعد في الجبل وأصعد في الأرض يقال أصعدنا من مكة إلى المدينة وقرأ الحسن رضي الله عنه ( تصعدون ) يعني في الجبل
وتعضد الأولى قراءة أبي ( إذ تصعدون في الوادي ) وقرا أبو حيوة ( تصعدون ) بفتح التاء وتشديد العين من تصعد فى السلم وقرا الحسن رضي الله عنه ( تلون ) بواو واحدة وقد ذكرنا وجهها
وقرىء ( يصعدون ) ( ويلوون ) بالياء
" والرسول يدعوكم "
كان يقول ( الي عباد الله ) الي عباد الله انا رسول الله من يكر فله الجنة )
" في أخراكم "
في ساقتكم وجماعتكم الأخرى وهي المتأخرة يقال جئت في آخر الناس واخراهم كما تقول في أولهم واولاهم بتاويل مقدمتهم وجماعتهم الأولى
" فأثابكم "
عطف على صرفكم أي فجازاكم الله
" غما "
حين صرفكم عنهم وابتلاكم
" ب ) سبب ( غم " أذقتموه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعصيانكم له أو غما مضاعفا غما بعد غم وغما متصلا بغم من الاغتمام بما أرجف به من قتل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والجرح والقتل وظفر المشركين وفوت الغنيمة والنصر
" لكيلا تحزنوا "
لتتمرنوا على تجرع الغموم وتضروا باحتمال الشدائد فلا تحزنوا فيما بعد على فائت من المنافع ولا على مصيب من المضار ويجوز أن يكون الضمير في
" فأثابكم "
للرسول أي فآساكم في الاغتمام وكما غمكم ما نزل به من كسر الرباعية والشجة وغيرهما غمه ما نزل بكم فأثابكم غما اغتمه لأجلكم بسبب غم اغتممتموه لأجله ولم يثربكم على عصيانكم ومخالفتكم لأمره وانما فعل ذلك ليسليكم وينفس عنكم لئلا تحزنوا على ما فاتكم من نصر الله ولا على ما أصابكم

" صفحة رقم 455 "
من غلبة العدو
وانزل الله الأمن على المؤمنين وأزال عنهم الخوف الذي كان بهم حتى نعسوا وغلبهم النوم
وعن أبي طلحة رضي الله عنه غشينا النعاس ونحن في مصافنا فكان السيف يسقط من يد أحدنا فيأخذه ثم يسقط فيأخذه وما أحد الا ويميل تحت حجفته
وعن الزبير رضي الله عنه لقد رأيتني مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين اشتد علينا الخوف فأرسل الله علينا النوم
والله اني لأسمع قول معتب بن قشير والنعاس يغشاني لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا
والأمنة الأمن وقرىء ( أمنة ) بسكون الميم كأنها المرة من الأمن و
" تعاسا "
بدل من أمنة
ويجوز ان يكون هو المفعول وامنة حالا منه مقدمة عليه كقولك رأيت راكبا رجلا أو مفعولا له بمعنى نعستم امنة
ويجوز ان يكون حالا من المخاطبين بمعنى ذوي امنة أو على أنه جمع آمن كبار وبررة
) يغشى (
قرىء بالياء والتاء ردا على النعاس أو على الأمنة
) طائفة منكم (
هم اهل الصدق واليقين
) وطائفة (
هم المنافقون
) قد أهمتهم أنفسهم (
ما بهم الا هم انفسهم لا هم الدين ولا هم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) والمسلمين أو قد اوقعتهم أنفسهم وما حل بهم في الهموم والأشجان فهم في التشاكي والتباث
) غير الحق (
في حكم المصدر
ومعناه يظنون بالله غير الظن الحق الذي يجب ان يظن به و
) ظن الجاهلية (
بدل منه ويجوز ان يكون المعنى يظنون بالله ظن الجاهلية وغير الحق تاكيد ليظنون كقولك هذا القول غير ما تقول وهذا القول لا قولك وظن الجاهلية كقولك حاتم الجود ورجل صدق يريد الظن المختص بالملة الجاهلية
ويجوز ان يراد ظن اهل الجاهلية أي لا يظن مثل ذلك الظن الا اهل الشرك الجاهلون بالله
) يقولون (
لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يسألونه
" هل لنا من الأمر من شيء "
معناه هل لنا معاشر المسلمين من امر الله نصيب قط يعنون النصر والإظهار على العدو
) قل إن الأمر كله لله ( ولأوليائه المؤمنين وهو النصر والغلبة
) كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ( المجادلة 21
) وإن جندنا لهم الغالبون ( الصافات 173
) يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك (
معناه يقولون لك فيما يظهرون هل لنا من الأمر من شيء سؤال المؤمنين

" صفحة رقم 456 "
المسترشدين وهم فيما يبطنون على النفاق يقولون في انفسهم أو بعضهم لبعض منكرين لقولك لهم إن الأمر كله لله
" لو كان لنا من الأمر شيء "
اي لو كان الأمر كما قال محمد إن الأمر كله لله ولأوليائه وانهم الغالبون لما غلبنا قط
ولما قتل من المسلمين من قتل في هذه المعركة
) قل لو كنتم في بيوتكم (
يعني من علم الله منه انه يقتل ويصرع في هذه المصارع وكتب ذلك في اللوح لم يكن بد من وجوده فلو قعدتم في بيوتكم
) لبرز (
من بينكم
) الذين (
علم الله انهم يقتلون
) إلى مضاجعهم (
وهي مصارعهم ليكون ما علم الله أنه يكون
والمعنى ان الله كتب في اللوح قتل من يقتل من المؤمنين وكتب مع ذلك أنهم الغالبون لعلمه ان العاقبة في الغلبة لهم وان دين الإسلام يظهر على الدين كله وان ما ينكبون به في بعض الأوقات تمحيص لهم وترغيب في الشهادة وحرصهم على الشهادة مما يحرضهم على الجهاد فتحصل الغلبة
وقيل معناه هل لنا من التدبير من شيء يعنون لم نملك شيئا من التدبير حيث خرجنا من المدينة إلى أحد وكان علينا ان نقيم ولا نبرح كما كان رأي عبد الله بن أبي وغيره ولو ملكنا من التدبير شيئا لما قتلنا في هذه المعركة قل إن التدبير كله لله يريد ان الله عز وجل قد دبر الأمر كما جرى ولو أقمتم بالمدينة ولم تخرجوا من بيوتكم لما نجا من القتل من قتل منكم وقرىء ( كتب عليهم القتال ) ( وكتب عليهم القتل ) على البناء للفاعل ولبرز بالتشديد وضم الباء
) وليبتلي الله (
وليمتحن ما في صدور المؤمنين من الإخلاص ويمحص ما في قلوبهم من وساوس الشيطان
فعل ذلك أو فعل ذلك لمصالح جمة وللابتلاء والتمحيص
فإن قلت كيف مواقع الجمل التي بعد قوله وطائفة قلت
) قد أهمتهم (
صفة لطائفة و
) يظنون (
صفة اخرى أو حال بمعنى قد أهمتهم انفسهم ظانين أو استئناف على وجه البيان للجملة قبلها و
) يقولون (
بدل من يظنون فإن قلت كيف صح ان يقع ما هو مسألة عن الأمر بدلا من الإخبار بالظن قلت كانت مسألتهم صادرة عن الظن فلذلك جاز ابداله منه
ويخفون حال من يقولون و
) قل إن الأمر كله لله ( آل عمران 154 اعتراض بين الحال وذوي الحال و
) يقولون (
بدل من

" صفحة رقم 457 "
) يخفون (
والأجود ان يكون استئنافا
آل عمران 155
آل عمران : ( 155 ) إن الذين تولوا . . . . .
" استنزلهم "
طلب منهم الزلل ودعاهم اليه
) ببعض ما كسبوا (
من ذنوبهم ومعناه ان الذين انهزموا يوم أحد كان السبب في توليهم انهم كانوا أطاعوا الشيطان فاقترفوا ذنوبا فلذلك منعتهم التأييد وتقوية القلوب حتى تولوا
وقيل استزلال الشيطان إياهم هو التولي وإنما دعاهم اليه بذنوب قد تقدمت لهم لأن الذنب يجر إلى الذنب كما ان الطاعة تجر إلى الطاعة وتكون لطفا فيها
وقال الحسن رضي الله عنه استزلهم بقبول ما زين لهم من الهزيمة
وقيل
) ببعض ما كسبوا (
هو تركهم المركز الذي أمرهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالثبات فيه
فجرهم ذلك إلى الهزيمة وقيل ذكرهم تلك الخطايا فكرهوا لقاء الله معها فأخروا الجهاد حتى يصلحوا أمرهم ويجاهدوا على حال مرضية
فإن قلت لم قيل
) ببعض ما كسبوا (
قلت هو كقوله تعالى
) ويعفو عن كثير ( المائدة 15
) ولقد عفا الله عنهم (
لتوبتهم واعتذارهم
) إن الله غفور (
للذنوب
) حليم (
لا يعاجل بالعقوبة
ياأيها الذين ءامنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا فى الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذالك حسرة فى قلوبهم والله يحيى ويميت والله بما تعملون بصير ولئن قتلتم فى سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون
آل عمران : ( 156 - 158 ) يا أيها الذين . . . . .
وقالوا لاخوانهم "
أي لأجل اخوانهم كقوله تعالى
" وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا اليه " الأحقاف 11 ومعنى الأخوة اتفاق الجنس أو النسب
" اذا ضربوا في الأرض "
اذا سافروا فيها وأبعدوا للتجارة أو غيرها
" أو كانوا اغزى "
جمع غاز كعاف وعفى كقوله عفى الحياض أجون
وقرىء بتخفيف الزاي على حذف التاء من غزاة فإن قلت كيف قييل
" اذا ضربوا ) مع ( قالوا "
قلت هو على حكاية الحال الماضية كقولك حين يضربون في الأرض فإن قلت ما متعلق ليجعل قلت قالوا اي قالوا ذلك واعتقدوه ليكون
" حسرة في قلوبهم "
على ان اللام

" صفحة رقم 458 "
مثلها في
) ليكون لهم عدوا وحزنا ( القصص 8 أو لا تكونوا بمعنى لا تكونوا مثلهم في النطق بذلك القول واعتقاده ليجعله الله حسرة في قلوبهم خاصة ويصون منها قلوبكم
فإن قلت ما معنى اسناد الفعل إلى الله تعالى قلت معناه أن الله عز وجل عند اعتقادهم ذلك المعتقد الفاسد يضع الغم والحسرة في قلوبهم ويضيق صدورهم عقوبة فاعتقاده فعلهم وما يكون عنده من الغم والحسرة وضيق الصدور فعل الله عز وجل كقوله
) يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ( الأنعام 125 ويجوز ان يكون ذلك اشارة إلى ما دل عليه النهي أي لا تكونوا مثلهم ليجعل الله انتفاء كونكم مثلهم حسرة في قلوبهم لأن مخالفتهم فيما يقولون ويعتقدون ومضادتهم مما يغمهم ويغيظهم
" والله يحىء ويميت "
رد لقولهم أي الأمر بيده قد يحيي المسافر والغازي ويميت المقيم والقاعد كما يشاء
وعن خالد بن الوليد رضي الله عنه انه قال عند موته مافي موضع شبر الا وفيه ضربة أو طعنة وها أناذا اموت كما يموت العير فلا نامت اعين الجبناء
) والله بما تعملون بصير (
فلا تكونوا مثلهم
وقرى بالياء يعني الذين كفروا
) لمغفرة (
جواب القسم وهو ساد مسد جواب الشرط وكذلك
) لإلى الله تحشرون (
كذب الكافرين أو لا في زعمهم ان من سافر من إخوانهم أو غزا لو كان في المدينة لما مات ونهى المسلمين عن ذلك لأنه سبب التقاعد عن الجهاد ثم قال لهم ولئن تم عليكم ما تخافونه من الهلاك بالموت والقتل في سبيل الله فإن ما تنالونه من المغفرة والرحمة بالموت في سبيل الله خير مما تجمعون من الدنيا ومنافعها لو لم تموتوا
وعن ابن عباس رضي الله عنهما خير من طلاع الأرض ذهبة حمراء
وقرىء بالياء أي يجمع الكفار
) لإلى الله تحشرون (
لإلى الله الرحيم الواسع الرحمة المثيب العظيم الثواب تحشرون ولوقوع اسم الله تعالى هذا الموقع مع تقديمه وإدخال اللام على الحرف المتصل به شأن ليس بالخفي قرىء ( متم ) بضم الميم وكسرها من مات يموت ومات يمات
آل عمران 159
(
آل عمران : ( 159 ) فبما رحمة من . . . . .
ما ) مزيدة للتوكيد والدلالة على ان لينه لهم ما كان الا برحمة من الله ونحوه
) فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم ( المائدة 13 ومعنى الرحمة ربطه على جأشه وتوفيقه للرفق والتلطف بهم حتى أثابهم غما بغم وآساهم بالمباثة بعد ما خالفوه وعصوا امره

" صفحة رقم 459 "
وانهزموا وتركوه
) ولو كنت فظا (
جافيا
) غليظ القلب (
قاسيه
) لانفضوا من حولك (
لتفرقوا عنك حتى لا يبقى حولك أحد منهم
) فاعف عنهم (
فيما يختص بك
) واستغفر لهم (
فيما يختص بحق الله اتماما للشفقة عليهم
) وشاورهم في الأمر (
يعني في امر الحرب ونحوه مما لم ينزل عليك فيه وحي لتستظهر برأيهم ولما فيه من تطييب نفوسهم والرفع من أقدارهم
وعن الحسن رضي الله عنه قد علم الله انه ما به إليهم حاجة ولكنه أراد ان يستن به من بعده
وعن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
215 ( ما تشاور قوم قط الا هدوا لأرشد امرهم )
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ما رأيت أحدا اكثر مشاورة من أصحاب الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل كان سادات العرب إذا لم يشاوروا في الأمر شق عليهم فأمر الله رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بمشاورة أصحابه لئلا يثقل عليهم استبداده بالرأي دونهم
وقرىء ( وشاورهم في بعض الأمر )
) فإذا عزمت (
فإذا قطعت الرأي على شيء بعد الشورى
) فتوكل على الله (
في امضاء امرك على الأرشد الأصلح فإن ما هو أصلح لك لا يعلمه الا الله لا انت ولا من تشاور
وقرىء ( فإذا عزمت ) بضم التاء بمعنى فاذا عزمت لك على شيء وأرشدتك اليه فتوكل علي ولا تشاور بعد ذلك أحدا
آ ل عمران 160 - 162
آل عمران : ( 160 - 162 ) إن ينصركم الله . . . . .
) إن ينصركم الله (
كما نصركم يوم بدر فلا أحد يغلبكم
) وإن يخذلكم ( كما خذلكم يوم أحد
) فمن ذا الذي ينصركم (
فهذا تنبيه على ان الأمر كله لله وعلى وجوب التوكل عليه
ونحوه
) ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده ( فاطر 2

" صفحة رقم 460 "
) من بعده (
من بعد خذلانه
أو هو من قولك ليس لك من يحسن اليك من بعد فلان تريد اذا جاوزته وقرأ عبيد بن عمير ( وإن يخذلكم ) من أخذله اذا جعله مخذولا
وفيه ترغيب في الطاعة وفيما يستحقون به النصر من الله تعالى والتأييد وتحذير من المعصية ومما يستوجبون به العقوبة بالخذلان
) وعلى الله (
وليخص المؤمنون ربهم بالتوكل والتفويض اليه لعلمهم انه لا ناصر سواه ولأن ايمانهم يوجب ذلك ويقتضيه
يقال غل شيئا من المغنم غلولا وأغل اغلالا اذا أخذه في خفية
يقال أغل الجازر اذا سرق من اللحم شيئا مع الجلد والغل الحقد الكامن في الصدر ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم )
216 ( من بعثناه على عمل فغل شيئا جاء يوم القيامه يحمله على عنقه )
وقوله ( صلى الله عليه وسلم )
217 ( هدايا الولاة غلول ) وعنه
218 ( ليس على المستعير غير المغل ضمان )
وعنه

" صفحة رقم 461 "
219 ( لا اغلال ولا إسلال )
ويقال أغله اذا وجده غالا كقولك أبخلته وأفحمته ومعنى
) وما كان لنبي أن يغل (
وما صح له ذلك يعني ان النبوة تنافي الغلول وكذلك من قرأ على البناء للمفعول فهو راجع إلى معنى الأول لأن معناه وما صح له ان يوجد غالا ولا يوجد غالا الا اذا كان غالا
وفيه وجهان أحدهما ان يبرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من ذلك وينزه وينبه على عصمته بأن النبوة والغلول متنافيان لئلا يظن به ظان شيئا منه وألا يستريب به أحد كما روى
220 أن قطيفة حمراء فقدت يوم بدر فقال بعض المنافقين لعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أخذها
وروي
221 انها نزلت في غنائم أحد حين ترك الرماة المركز وطلبوا الغنيمة وقالوا نخشى ان يقول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من اخذ شيئا فهو له وان لا يقسم الغنائم كما لم يقسم يوم بدر فقال لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( ألم أعهد اليكم ان لا تتركوا المركز حتى يأتيكم امري فقالوا تركنا بقية إخواننا وقوفا فقال ( صلى الله عليه وسلم ) بل ظنتم انا نغل ولا نقسم لكم )
والثاني أن يكون مبالغة في النهي لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على ما روي انه بعث طلائع فغنمت غنائم

" صفحة رقم 462 "
فقسمها ولم يقسم للطلائع فنزلت
يعني وما كان لنبي أن يعطي قوما ويمنع آخرين بل عليه ان يقسم بالسوية
وسمى حرمان بعض الغزاة ( غلولا ) تغليظا وتقبيحا لصورة الأمر ولو قرىء ( أن يغل ) من اغل بمعنى غل لجاز
) يأت بما غل يوم القيامة (
يأت بالشيء الذي غله بعينه يحمله كما جاء في الحديث
222 ( جاء يوم القيامة يحمله على عنقه )
وروي
223 ( ألا لا أعرفن أحدكم يأتي ببعير له رغاء وببقرة لها خوار وبشاة لها ثغاء فينادي يا محمد يا محمد فأقول لا أملك لك من الله شيئا فقد بلغتك )
وعن بعض جفاة العرب انه سرق نافجة مسك فتليت عليه الآية فقال اذا احملها طيبة الريح خفيفة المحمل
ويجوز ان يراد يأتي بما احتمل من وباله وتبعته وإثمه فإن قلت هلا قيل ثم يوفى ما كسب ليتصل به قلت جيء بعام دخل تحته كل كاسب من الغال وغيره فاتصل به من حيث المعنى وهو ابلغ وأثبت لأنه اذا علم الغال ان كل كاسب خيرا أو شرا مجزي فموفى جزاءه علم انه غير متخلص من بينهم مع عظم ما اكتسب
) وهم لا يظلمون (
أي يعدل بينهم في الجزاء كل جزاؤه على قدر كسبه
هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم ءاياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين 163 - 164
آل عمران : ( 163 - 164 ) هم درجات عند . . . . .
) هم درجات (
أي هم متفاوتون كما تتفاوت الدرجات كقوله
( أنصب للمنية تعتريهم رجالي أم همو درج السيول )
وقيل ذوو درجات والمعنى تفاوت منازل المثابين منهم ومنازل المعاقبين أو

" صفحة رقم 463 "
التفاوت بين الثواب والعقاب
) والله بصير بما يعملون (
عالم بأعمالهم ودرجاتها فمجازيهم على حسبها
) لقد من الله على المؤمنين (
على من آمن مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قومه
وخص المؤمنين منهم لأنهم هم المنتفعون بمبعثه
) من أنفسهم (
من جنسهم عربيا مثلهم
وقيل من ولد اسماعيل كما انه من ولده فإن قلت مما وجه المنة عليهم في ان كان من انفسهم قلت اذا كان منهم كان اللسان واحدا فسهل اخذ ما يجب عليهم اخذه عنه وكانوا واقفين على احواله في الصدق والأمانة فكان ذلك أقرب لهم إلى تصديقه والوثوق به وفي كونه من أنفسهم شرف لهم كقوله
) وإنه لذكر لك ولقومك ( الزخرف 44 وفي قراءة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقراءة فاطمة رضي الله عنها من ( أنفسهم ) اي من أشرفهم
لأن عدنان ذروة ولد اسماعيل ومضر ذروة نزار بن معد بن عدنان وخندف ذروة مضر ومدركة ذروة خندف وقريش ذروة مدركة وذروة قريش محمد ( صلى الله عليه وسلم )
وفيما خطب به أبو طالب في تزويج خديجة رضي الله عنها وقد حضر معه بنو هاشم ورؤساء مضر الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع اسماعيل وضئضىء معد وعنصر مضر وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا وجعلنا الحكام على الناس ثم إن ابن اخي هذا محمد بن عبد الله من لا يوزن به فتى من قريش الا رجح به وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل
وقرىء ( لمن من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم )
وفيه وجهان ان يراد في محل الرفع كإذا في قولك أخطب ما يكون الأمير اذا كان قائما بمعنى لمن من الله على المؤمنين وقت بعثه
" يتلوا عليهم ءاياته "
بعد ما كانوا اهل جاهلية لم يطرق اسماعهم شيء من الوحي
) ويزكيهم (
ويطهرهم من دنس القلوب بالكفر ونجاسة سائر الجوارح بملابسة المحرمات وسائر الخبائث
وقيل ويأخذ منهم الزكاة
) ويعلمهم الكتاب والحكمة (
القرآن والسنة بعدما كانوا أجهل الناس وأبعدهم من دراسة العلوم
) وإن كانوا من قبل (
من قبل بعثة الرسول
) لفي ضلال (
ان هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة بينها وبين النافية
وتقديره وإن الشأن والحديث كانوا من قبل في ضلال
) مبين (
ظاهر لا شبهة فيه

" صفحة رقم 464 "
آل عمران 165 -
آل عمران : ( 165 - 168 ) أو لما أصابتكم . . . . .
168
) أصابتكم مصيبة (
يريد ما اصابهم يوم أحد من قتل سبعين منهم
) قد أصبتم مثليها (
يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين و
) لما (
نصب بقلتم و
) أصابتكم (
في محل الجر بإضافة
) لما (
اليه وتقديره أقلتم حين أصابتكم و
) أنى هذا (
نصب لأنه مقول والهمزة للتقرير والتقريع
فإن قلت علام عطفت الواو هذه الجملة قلت على ما مضى من قصة أحد من قوله
) ولقد صدقكم الله وعده (
ويجوز ان تكون معطوفة على محذوف كانه قيل أفعلتم كذا وقلتم حينئذ كذا أنى هذا من أين هذا
كقوله تعالى
) أنى لك هذا ( آل عمران 7 لقوله
) من عند أنفسكم ( وقوله
) من عند الله (
والمعنى أنتم السبب فيما أصابكم لاختياركم الخروج من المدينة أو لتخليتكم المركز
وعن علي رضي الله عنه لأخذكم الفداء من أسارى بدر قبل أن يؤذن لكم
" ان الله على كل شيء قدير "
فهو قادر على النصر وعلى منعه وعلى ان يصيب بكم تارة ويصيب منكم اخرى
) وما أصابكم (
يوم أحد يوم التقى جمعكم وجمع المشركين
) ف ( هو كائن بالخيرات
) بإذن الله (
أي بتخليته استعار الاذن لتخليته الكفار وانه لم يمنعهم منهم ليبتليهم لأن الآذن مخل بين المأذون له ومراده
) وليعلم (
وهو كائن ليتميز المؤمنون والمنافقون وليظهر إيمان هؤلاء ونفاق هؤلاء
) وقيل لهم (
من جملة الصلة عطف على نافقوا وإنما لم يقل فقالوا لأنه جواب لسؤال اقتضاه دعاء المؤمنين لهم إلى القتال كانه قيل فماذا قالوا لهم فقيل قالوا لو نعلم
ويجوز أن تقتصر الصلة على
) نافقوا (
ويكون
) وقيل لهم (
كلاما مبتدأ قسم الأمر عليهم بين ان يقاتلوا للآخرة كما يقاتل المؤمنون وبين ان يقاتلوا ان لم يكن بهم غم الآخرة دفعا عن انفسهم واهليهم واموالهم فأبوا القتال وجحدوا القدرة عليه رأسا لنفاقهم ودغلهم وذلك ما روى ان عبد الله بن أبي انخذل مع حلفائه فقيل له فقال ذلك وقيل
) أو ادفعوا (

" صفحة رقم 465 "
العدو بتكثيركم سواد المجاهدين وإن لم تقاتلوا لأن كثرة السواد مما يروع العدو ويكسر منه
وعن سهل بن سعد الساعدي وقد كف بصره لو امكنني لبعت داري ولحقت بثغر من ثغور المسلمين فكنت بينهم وبين عدوهم
قيل وكيف وقد ذهب بصرك قال لقوله
) أو ادفعوا (
أراد كثروا سوادهم ووجه آخر وهو ان يكون معنى قولهم
) لو نعلم قتالا (
لو نعلم ما يصح ان يسمى قتالا
) لاتبعناكم (
يعنون ان ما أنتم فيه لخطأ رأيكم وزللكم عن الصواب ليس بشيء ولا يقال لمثله قتال إنما هو إلقاء بالأنفس إلى التهلكة لأن رأي عبد الله كان في الإقامة بالمدينة وما كان يستصوب الخروج
) هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان (
يعني انهم قبل ذلك اليوم كانوا يتظاهرون بالإيمان وما ظهرت منهم أمارة تؤذن بكفرهم فلما انخذلوا عن عسكر المؤمنين وقالوا ما قالوا تباعدوا بذلك عن الايمان المظنون بهم واقتربوا من الكفر
وقيل هم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الايمان لأن تقليلهم سواد المسلمين بالانخذال تقوية للمشركين
) يقولون بأفواههم (
لا يتجاوز ايمانهم أفواههم ومخارج الحروف منهم ولا تعي قلوبهم منه شيئا
وذكر الأفواه مع القلوب تصوير لنفاقهم وأن ايمانهم موجود في افواههم معدوم في قلوبهم خلاف صفة المؤمنين في مواطأة قلوبهم لأفواههم
) والله أعلم بما يكتمون (
من النفاق
وبما يجري بعضهم مع بعض من ذم المؤمنين وتجهيلهم وتخطئة رأيهم والشماتة بهم وغير ذلك لأنكم تعلمون بعض ذلك علما مجملا بأمارات وانا أعلم كله علم احاطة بتفاصيله وكيفياته
) الذين قالوا (
في إعرابه اوجه ان يكون نصبا على الذم أو على الرد على الذين نافقوا أو رفعا على هم الذين قالوا أو على الابدال من واو يكتمون
ويجوز ان يكون مجرورا بدلا من الضمير في بأفواههم أو قلوبهم كقوله
على جوده لضن بالماء حاتم
) لإخوانهم (
لأجل إخوانهم من جنس المنافقين المقتولين يوم أحد أو إخوانهم في النسب وفي سكنى الدار
) وقعدوا (
أي قالوا وقد قعدوا على القتال لو اطاعنا اخواننا فيما أمرناهم به من القعود ووافقونا فيه لما قتلوا كما لم نقتل
" قل فادرؤا عن انفسكم الموت ان كنتم صادقين "
معناه قل إن كنتم صادقين في انكم وجدتم إلى دفع القتل سبيلا وهو القعود عن القتال فجحدوا إلى دفع الموت سبيلا يعني ان ذلك الدفع غير

" صفحة رقم 466 "
مغن عنكم لأنكم ان دفعتم القتل الذي هو أحد أسباب الموت لم تقدروا على دفع سائر اسبابه المبثوثة ولا بد لكم من أن يتعلق بكم بعضها
وروي انه مات يوم قالوا هذه المقالة سبعون منافقا
فإن قلت فقد كانوا صادقين في انهم دفعوا القتل عن أنفسهم بالقعود فما معنى قوله
) إن كنتم صادقين (
قلت معناه ان النجاة من القتل يجوز ان يكون سببها القعود عن القتال وان يكون غيره لأن أسباب النجاة كثيرة وقد يكون قتال الرجل سبب نجاته ولو لم يقاتل لقتل فما يدريكم ان سبب نجاتكم القعود وانكم صادقون في مقالتكم وما انكرتم ان يكون السبب غيره
ووجه آخر إن كنتم صادقين في قولكم لو اطاعونا وقعدوا ما قتلوا يعني انهم لو اطاعوكم وقعدوا لقتلوا قاعدين كما قتلوا مقاتلين وقوله
) فادرؤوا عن أنفسكم الموت (
استهزاء بهم أي ان كنتم رجالا دفاعين لأسباب الموت فادرؤا جميع أسبابه حتى لا تموتوا
آل عمران 169 - 171
)
آل عمران : ( 169 ) ولا تحسبن الذين . . . . .
ولا تحسبن (
الخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل أحد
وقرىء بالياء على ولا يحسبن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو ولا يحسبن حاسب
ويجوز ان يكون
) الذين قتلوا (
فاعلا ويكون التقدير ولا يحسبنهم الذين قتلوا امواتا اي لا يحسبن الذين قتلوا انفسهم

" صفحة رقم 467 "
امواتا فإن قلت كيف جاز حذف المفعول الأول قلت هو في الأصل مبتدأ فحذف كما حذف المبتدأ في قوله
) أحياء (
والمعنى هم احياء لدلالة الكلام عليهما
وقرىء ( ولا تحسبن ) بفتح السين ( وقتلوا ) بالتشديد ( وأحياء ) بالنصب على معنى بل أحسبهم أحياء
) عند ربهم (
مقربون عنده ذو وزلفى كقوله
) فالذين عند ربك ( فصلت 38
) يرزقون (
مثل ما يرزق سائر الأحياء ياكلون ويشربون
وهو تاكيد لكونهم احياء ووصف لحالهم التى هم عليها من التنعم برزق الله
" فرحين بما ءاتاهم الله من فضله "
وهو التوفيق في الشهادة وما ساق اليهم من الكرامة والتفضيل على غيرهم من كونهم احياء مقربين معجلا لهم رزق الجنة ونعيمها
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
224 ( لما اصيب اخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في اجواف طير خضر تدور في انهار الجنة وتأكل من ثمارها وتاوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش )
) ويستبشرون ب (
إخوانهم المجاهدين
) الذين لم يلحقوا بهم (
أي لم يقتلوا فيلحقوا بهم
) من خلفهم (
يريد الذين من خلفهم قد بقوا بعدهم وهم قد تقدموهم وقيل لم يلحقوا بهم لم يدركوا فضلهم ومنزلتهم
) ألا خوف عليهم (
بدل من الذين والمعنى ويستبشرون بما تبين لهم من حال من تركوا خلفهم من المؤمنين وهو انهم يبعثون آمنين يوم القيامة
بشرهم الله بذلك فهم مستبشرون به
وفي ذكر حال الشهداء واستبشارهم بمن خلفهم بعث للباقين بعدهم على ازدياد الطاعة والجد في الجهاد والرغبة في نيل منازل الشهداء واصابة فضلهم واحماد لحال من يرى نفسه في خير فيتمنى مثله لإخوانه في الله وبشرى للمؤمنين بالفوز في المآب
وكرر
) يستبشرون (
ليعلق به ما هو بيان لقوله
) ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون (
من ذكر النعمة والفضل وان ذلك أجر لهم على إيمانهم يجب في عدل الله وحكمته أن يحصل لهم ولا يضيع وقرىء ( وان الله ) بالفتح عطفا على النعمة والفضل
وبالكسر على الابتداء وعلى ان الجملة اعتراض وهي قراءة الكسائي وتعضدها قراءة عبد الله ( والله لا يضيع )

" صفحة رقم 468 "
آل عمران 172 - 174
آل عمران : ( 172 - 174 ) الذين استجابوا لله . . . . .
) الذين استجابوا (
مبتدأ خبره
) للذين أحسنوا (
أو صفة للمؤمنين أو نصب على المدح روي
225 أن أبا سفيان وأصحابه لما انصرفوا من أحد فبلغوا الروحاء ندموا وهموا بالرجوع فبلغ ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأراد ان يرهبهم ويريهم من نفسه وأصحابه قوة فندب أصحابه للخروج في طلب أبي سفيان وقال لا يخرجن معنا أحد الا من حضر يومنا بالأمس فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مع جماعة حتى بلغوا حمراء الأسد وهي من المدينة على ثمانية اميال وكان بأصحابه القرح فتحاملوا على انفسهم حتى لا يفوتهم الأجر وألقى الله الرعب في قلوب المشركين فذهبوا فنزلت
ومن ) في
) للذين أحسنوا منهم (
للتبيين مثلها في قوله تعالى
) وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة ( الفتح 29 لأن الذين استجابوا لله والرسول قد احسنوا كلهم واتقوا لا بعضهم
وعن عروة بن الزبير قالت لي عائشة رضي الله عنها ( إن أبويك لمن الذين استجابوا لله والرسول ) تعني أبا بكر والزبير
) الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم ( روي
226 أن أبا سفيان نادى عند انصرافه من أحد يا محمد موعدنا موسم بدر القابل إن شئت فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إن شاء الله فلما كان القابل خرج أبو سفيان في اهل مكة حتى نزل مر الظهران
فألقى الله الرعب في قلبه فبدا له ان يرجع فلقي نعيم بن

" صفحة رقم 469 "
مسعود الأشجعي وقد قدم معتمرا فقال يا نعيم إني واعدت محمدا ان نلتقي بموسم بدر وان هذا عام جدب ولا يصلحنا الا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن وقد بدا لي ولكن ان خرج محمد ولم اخرج زاده ذلك جراءة فالحق بالمدينة فثبطهم ولك عندي عشر من الإبل فخرج نعيم فوجد المسلمين يتجهزون فقال لهم ما هذا بالرأي
أتوكم في دياركم وقراركم فلم يفلت منكم أحد الا شريدا فتريدون ان تخرجوا وقد جمعوا لكم عند الموسم فوالله لا يفلت منكم أحد
وقيل
227 مر بأبي سفيان ركب من عبد القيس يريدون المدينة للميرة فجعل لهم حمل بعير من زبيب إن ثبطوهم فكره المسلمون الخروج
فقال ( صلى الله عليه وسلم ) والذي نفسي بيده لأخرجن ولو لم يخرج معي أحد فخرج في سبعين راكبا وهم يقولون حسبنا الله ونعم الوكيل
وقيل هي الكلمة التى قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار حتى وافوا بدرا وأقاموا بها ثماني ليال وكانت معهم تجارات فباعوها وأصابوا خيرا ثم انصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين ورجع أبو سفيان إلى مكة فسمى اهل مكة جيشه جيش السويق قالوا إنما خرجتم لتشربوا السويق
فالناس الأولون المثبطون والآخرون أبو سفيان وأصحابه
فإن قلت كيف قيل
) الناس (
إن كان نعيم هو المثبط وحده قلت قيل ذلك لأنه من جنس الناس كما يقال فلان يركب الخيل ويلبس البرود وماله الا فرس واحد وبرد فرد أو لأنه حين قال ذلك لم يخل من ناس من اهل المدينة يضامونه ويصلون جناح كلامه ويثبطون مثل تثبيطه
فإن قلت إلام يرجع المستكن في
) فزادهم (
قلت إلى المقول الذي هو
) إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم (
كأنه قيل قالوا لهم هذا الكلام فزادهم ايمانا أو إلى مصدر قالوا كقولك من صدق كان خيرا له أو إلى الناس اذا أريد به نعيم وحده
فإن قلت كيف زادهم نعيم أو مقوله ايمانا قلت لما لم يسمعوا قوله وأخلصوا عنده النية والعزم على الجهاد واظهروا حمية الاسلام كان ذلك أثبت ليقينهم وأقوى لاعتقادهم كما يزداد الايقان بتناصر الحجج ولأن خروجهم على أثر تثبيطه إلى وجهة العدو طاعة عظيمة والطاعات من جملة الإيمان لأن الإيمان اعتقاد وإقرار وعمل
وعن ابن عمر

" صفحة رقم 470 "
228 قلنا يا رسول الله ان الإيمان يزيد وينقص قال ( نعم يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة وينقص حتى يدخل صاحبه النار )
وعن عمر رضي الله عنه انه كان يأخذ بيد الرجل فيقول قم بنا نزدد ايمانا وعنه
229 لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمة لرجح به
) حسبنا الله (
محسبنا أي كافينا يقال احسبه الشيء اذا كفاه والدليل على انه بمعنى المحسب أنك تقول هذا رجل حسبك فتصف به النكرة لأن اضافته لكونه في معنى اسم الفاعل غير حقيقة
) ونعم الوكيل (
ونعم الموكول إليه هو
) فانقلبوا (
فرجعوا من بدر
) بنعمة من الله (
وهي السلامة وحذر العدو منهم
) فضل (
وهو الربح في التجارة كقوله
) ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ( البقرة 198
) لم يمسسهم سوء (
لم يلقوا ما يسوءهم من كيد عدو
) واتبعوا رضوان الله (
بجرأتهم وخروجهم
) والله ذو فضل عظيم (
قد تفضل عليهم بالتوفيق فيما فعلوا
وفي ذلك تحسير لمن تخلف عنهم وإظهار لخطأ رأيهم حيث حرموا انفسهم ما فاز به هؤلاء
وروي انهم قالوا هل يكون هذا غزوا فأعطاهم الله ثواب الغزو ورضي عنهم
آل عمران
آل عمران : ( 175 ) إنما ذلكم الشيطان . . . . .
175
) الشيطان (
خبر ذلكم بمعنى انما ذلكم المثبط هو الشيطان ويخوف أولياءه جملة مستانفة بيان لشيطنته أو الشيطان صفة لاسم الإشارة ويخوف الخبر والمراد بالشيطان نعيم أو أبو سفيان ويجوز ان يكون على تقدير حذف المضاف بمعنى إنما

" صفحة رقم 471 "
ذلكم قول الشيطان أي قول ابليس لعنه الله
) يخوف أولياءه (
يخوفكم أولياءه الذين هم أبو سفيان وأصحابه وتدل عليه قراءة ابن عباس وابن مسعود ( يخوفكم اولياءه )
وقوله فلا تخافوهم وقيل يخوف أولياءه القاعدين عن الخروج مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
فإن قلت فإلام رجع الضمير في
) فلا تخافوهم ( على هذا التفسير قلت إلى الناس في قوله
) إن الناس قد جمعوا لكم ( آل عمران 183 فلا تخافوهم فتقعدوا عن القتال وتجبنوا
) وخافون (
فجاهدوا مع رسولي وسارعوا إلى ما يأمركم به
) إن كنتم مؤمنين ( يعني ان الإيمان يقتضي ان تؤثروا خوف الله على خوف الناس
) ولا يخشون أحدا إلا الله ( الأحزاب 39
آل عمران 176 - 178
آل عمران : ( 176 - 178 ) ولا يحزنك الذين . . . . .
" يسارعون فى الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا فى الاخرة ولهم عذاب عظيم إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خير لانفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين يسارعون فى الكفر "
يقعون فيه سريعا ويرغبون فيه أشد رغبة وهم الذين نافقوا من المتخلفين
وقيل هم قوم ارتدوا عن الاسلام
فإن قلت فما معنى قوله
( ) " ولا يحزنك )
ومن حق الرسول ان يحزن لنفاق من نافق وارتداد من ارتد قلت معناه لا يحزنوك لخوف ان يضروك ويعينوا عليك
ألا ترى إلى قوله
" إنهم لن يضروا الله شيئا "
يعني انهم لا يضرون بمسارعتهم في الكفر غير انفسهم وما وبال ذلك عائدا على غيرهم
ثم بين كيف يعود وباله عليهم بقوله
" يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة "
أي نصيبا من الثواب
" ولهم "
بدل الثواب
" عذاب عظيم "
وذلك أبلغ ما ضر به الانسان نفسه
فإن قلت هلا قيل لا يجعل الله لهم حظا في الآخرة وأي فائدة في ذكر الارادة قلت فائدته الإشعار بان الداعي إلى حرمانهم وتعذيبهم قد خلص خلوصا لم يبق معه صارف قط حين سارعوا في الكفر تنبيها على تماديهم في الطغيان وبلوغهم الغاية فيه حتى إن أرحم الراحمين يريد ان لا يرحمهم
" إن الذين اشتروا الكفر بالايمان "
إما ان يكون تكريرا لذكرهم للتأكيد والتسجيل عليهم بما اضاف إليهم
وإما ان يكون عاما للكفار والأول خاصا فيمن نافق من المتخلفين
أو ارتد عن الاسلام أو على العكس و
" شيئا "
نصب على المصدر لأن المعنى شيئا من الضرر وبعض الضرر
" الذين كفروا "
فيمن قرأ بالتاء نصب
" و أنما نملى لهم خير لأنفسهم "
بدل منه أي ولا تحسبن ان ما نملي للكافرين خير لهم و أن ) مع ما في حيزه ينوب عن المفعولين

" صفحة رقم 472 "
كقوله
) أم تحسب أن أكثرهم يسمعون ( الفرقان 44 وما مصدرية بمعنى ولا تحسبن ان املاءنا خير وكان حقها في قياس علم الخط ان تكتب مفصولة
ولكنها وقعت في الامام متصلة فلا يخالف وتتبع سنة الإمام في خط المصاحف
فإن قلت كيف صح مجيء البدل ولم يذكر الا أحد المفعولين ولا يجوز الاقتصار بفعل الحسبان على مفعول واحد قلت صح ذلك من حيث أن التعويل على البدل والمبدل منه في حكم المنحى الا تراك تقول جعلت متاعك بعضه فوق بعض مع امتناع سكوتك على متاعك
ويجوز ان يقدر مضاف محذوف على ولا تحسبن الذين كفروا أصحاب أن الاملاء خير لأنفسهم
أو ولا تحسبن حال الذين كفروا ان الإملاء خير لأنفسهم
وهو فيمن قرأ بالياء رفع والفعل متعلق بان وما في حيزه والاملاء لهم تخليتهم وشأنهم مستعار من املى لفرسه اذا أرخى له الطول ليرعى كيف شاء
وقيل هو إمهالهم وإطالة عمرهم
والمعنى ولا تحسبن ان الاملاء خير لهم من منعهم أو قطع آجالهم
) أنما نملي لهم (
( ما ) هذه حقها ان تكتب متصلة لأنها كافة دون الأولى وهذه جملة مستانفة تعليل للجملة قبلها كانه قيل ما بالهم لا يحسبون الاملاء خيرا لهم فقيل إنما نملي لهم ليزدادوا إثما
فإن قلت كيف جاز ان يكون ازديار الإثم غرضا لله تعالى في إملائه لهم قلت هو علة للإملاء وما كل علة بغرض ألا تراك تقول قعدت عن الغزو للعجز والفاقة وخرجت من البلد لمخافة الشر وليس شيء منها بغرض لك
وإنما هي علل وأسباب فكذلك ازدياد الاثم جعل علة للإمهال وسببا فيه فإن قلت كيف يكون ازدياد الإثم علة للإملاء كما كان العجز علة للقعود عن الحرب قلت لما كان في علم الله المحيط بكل شيء انهم مزدادون اثما فكأن الاملاء وقع من اجله وبسببه على طريق المجاز
وقرا يحيى بن وثاب بكسر الأولى وفتح الثانية
ولا يحسبن بالياء على معنى ولا يحسبن الذين كفروا ان املاءنا لازدياد الإثم كما يفعلون وإنما هو ليتوبوا ويدخلوا في الإيمان وقوله
) أنما نملي لهم خير لأنفسهم (
اعتراض بين الفعل ومعموله
ومعناه أن املاءنا خير لأنفسهم ان عملوا فيه وعرفوا إنعام الله عليهم بتفسيح

" صفحة رقم 473 "
المدة وترك المعاجلة بالعقوبة
فإن قلت فما معنى قوله
) ولهم عذاب مهين (
على هذه القراءة قلت معناه ولا تحسبوا ان املاءنا لزيادة الاثم وللتعذيب والواو للحال كانه قيل ليزداودا اثما معدا لهم عذاب مهين
آل عمران 179
آل عمران : ( 179 ) ما كان الله . . . . .
اللام لتأكيد النفي
) على ما أنتم عليه (
من اختلاط المؤمنين الخلص والمنافقين
) حتى يميز الخبيث من الطيب (
حتى يعزل المنافق عن المخلص
وقرىء ( يميز ) من ميز وفي رواية عن ابن كثير ( يميز ) من اماز بمعنى ميز
فإن قلت لمن الخطاب في
) أنتم (
قلت للمصدقين جميعا من أهل الاخلاص والنفاق كانه قيل ما كان الله ليذر المخلصين منكم على الحال التى أنتم عليها من اختلاط بعضكم ببعض وانه لا يعرف مخلصكم من منافقكم لاتفاقكم على التصديق جميعا حتى يميزهم منكم بالوحي إلى نبيه وإخباره باحوالكم ثم قال
) وما كان الله ليطلعكم على الغيب (
أي وما كان الله ليؤتي احدا منكم علم الغيوب فلا تتوهموا عند إخبار الرسول عليه الصلاة والسلام بنفاق الرجل واخلاص الآخر انه يطلع على ما في القلوب اطلاع الله فيخبر عن كفرها وإيمانها
) ولكن الله ( يرسل الرسول فيوحي اليه ويخبره بان في الغيب كذا وان فلانا في قلبه النفاق وفلانا في قلبه الاخلاص فيعلم ذلك من جهة إخبار الله لا من جهة اطلاعه على المغيبات
ويجوز أن يراد لا يترككم مختلطين حتى يميز الخبيث من الطيب بان يكلفكم التكاليف الصعبة التى لا يصبر عليها الا الخلص الذي امتحن الله قلوبهم
كبذل الأرواح في الجهاد وإنفاق الأموال في سبيل الله فيجعل ذلك عيارا على عقائدكم وشاهدا بضمائركم حتى يعلم بعضكم ما في قلب بعض من طريق الاستدلال لا من جهة الوقوف على ذات الصدور والاطلاع عليها فإن ذلك مما استأثر الله به وما كان الله ليطلع أحدا منكم على الغيب ومضمرات القلوب حتى يعرف صحيحها من فاسدها مطلعا عليها
) ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ( فيخبره ببعض المغيبات
) فآمنوا بالله ورسله (
بأن تقدروه حق قدره وتعلموه وحده مطلعا على الغيوب وأن تنزلوهم منازلهم بان تعلموهم عبادا مجتبين لا يعلمون الا ما علمهم الله ولا يخبرون الا بما أخبرهم الله به من الغيوب وليسوا من علم الغيب في شيء وعن السدي قال الكافرون إن كان محمد صادقا فليخبرنا من يؤمن منا ومن يكفر فنزلت

" صفحة رقم 474 "
آل عمران 180
)
آل عمران : ( 180 ) ولا يحسبن الذين . . . . .
ولا تحسبن (
من قرأ بالتاء قدر مضافا محذوفا أي ولا تحسبن بخل الذين يبخلون هو خيرا لهم
وكذلك من قرأ بالياء وجعل فاعل يحسبن ضمير رسول الله أو ضمير أحد
ومن جعل فاعله الذين يبخلون كان المفعول الأول عنده محذوفا تقديره ولا يحسبن الذين يبخلون بخلهم
) هو خيرا لهم (
والذي سوغ حذفه دلالة
) يبخلون (
عليه وهو فصل وقرأ الأعمش بغير هو
) سيطوقون (
تفسير لقوله
) هو شر لهم (
أي سيلزمون وبال ما بخلوا به الزام الطوق
وفي امثالهم تقلدها طوق الحمامة إذا جاء بهنة يسب به ويذم وقيل يجعل ما بخل من الزكاة حية يطوقها في عنقه يوم القيامة تنهشه من قرنه إلى قدمه وتنقر رأسه وتقول انا مالك وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في مانع الزكاة
230 ( يطوق بشجاع أقرع )
وروي ( بشجاع أسود )
وعن النخعي سيطوقون بطوق من نار
) ولله ميراث السماوات والأرض (
أي وله ما فيها مما يتوارثه أهلها من مال وغيره فمالهم يبخلون عليه بملكه ولا ينفقونه في سبيله
ونحوه قوله
) وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه (
الحديد 7 وقرىء ( بما تعملون ) بالتاء والياء فالتاء على طريقة الالتفات وهي أبلغ في الوعيد والياء على الظاهر
آل عمران 181 - 182
آل عمران : ( 181 ) لقد سمع الله . . . . .

" صفحة رقم 475 "
قال ذلك اليهود حين سمعوا قول الله تعالى
) من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا (
فلا يخلو إما ان يقولوه عن اعتقاد لذلك أو عن استهزاء بالقرآن وأيهما كان فالكلمة عظيمة لا تصدر الا عن متمردين في كفرهم
ومعنى سماع الله له انه لم يخف عليه وانه أعد له كفاءة من العقاب
) سنكتب ما قالوا (
في صحائف الحفظة أو سنحفظه ونثبته في علمنا لا ننساه كما يثبت المكتوب فإن قلت كيف قال
) لقد سمع الله ( ثم قال
) سنكتب (
وهلا قيل ولقد كتبنا قلت ذكر وجود السماع اولا مؤكدا بالقسم ثم قال سنكتب على جهة الوعيد بمعنى لن يفوتنا ابدا إثباته وتدوينه كما لن يفوتنا قتلهم الأنبياء
وجعل قتلهم الأنبياء قرينة له ايذانا بانهما في العظم اخوان وبان هذا ليس بأول ما ركبوه من العظائم وانهم اصلاء في الكفر ولهم فيه سوابق وان من قتل الأنبياء لم يستبعد منه الاجتراء على مثل هذا القول
وروي
231 ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كتب مع أبي بكر رضي الله عنه إلى يهود بني قينقاع يدعوهم إلى الاسلام والى إقام الصلاة وايتاء الزكاة وان يقرضوا الله قرضا حسنا فقال فنحاص اليهودي إن الله فقير حين سألنا القرض فلطمه أبو بكر في وجهه وقال لولا الذي بيننا وبينكم من العهد لضربت عنقك فشكاه إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وجحد ما قاله فنزلت
ونحوه قولهم
) يد الله مغلولة ( المائدة
) ونقول ( لهم
) ذوقوا (
وننتقم منهم بان نقول لهم يوم القيامة ذوقوا
) عذاب الحريق (
كما أذقتم المسلمين الغصص يقال للمنتقم منه احس وذق وقال أبو سفيان لحمزة رضي الله عنه ذق عقق وقرأ حمزة ( سيكتب ) بالياء على البناء للمفعول ( ويقول ) بالياء
وقرأ الحسن والأعرج ( سيكتب ) بالياء وتسمية الفاعل وقرا ابن مسعود ( ويقال ذوقوا )
) ذلك ( إشارة إلى ما تقدم من عقابهم وذكر الأيدي لأن اكثر الأعمال تزاول بهن فجعل كل عمل كالواقع بالأيدي على سبيل التغليب فإن قلت فلم عطف قوله
) وأن الله ليس بظلام للعبيد ( على
) ما قدمت أيديكم (
وكيف جعل كونه غير ظلام للعبيد شريكا لاجتراحهم السيئات في استحقاق التعذيب قلت معنى كونه غير ظلام للعبيد انه عادل عليهم ومن العدل ان يعاقب المسيء منهم ويثيب المحسن

" صفحة رقم 476 "
آل عمران 183 - 184
)
آل عمران : ( 183 ) الذين قالوا إن . . . . .
عهد إلينا (
أمرنا في التوراة واوصانا بان لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بهذه الاية الخاصة وهو ان يرينا قربانا تنزل نار من السماء فتأكله كما كان انبياء بني اسرائيل تلك آيتهم كان يقرب بالقربان فيقوم النبي فيدعو فتنزل نار من السماء فتأكله وهذه دعوى باطلة وافتراء على الله لأن أكل النار القربان لم يوجب الايمان للرسول الآتي به الا لكونه آية ومعجزة فهو إذن وسائر الآيات سواء فلا يجوز أن يعينه الله تعالى من بين الآيات
وقد ألزمهم الله ان انبياءهم جاؤهم بالبينات الكثيرة التى اوجبت عليهم التصديق وجاؤهم أيضا بهذه الآية التى اقترحوها فلم قتلوهم ان كانوا صادقين ان الايمان يلزمهم باتيانها وقرىء ( بقربان ) بضمتين
ونظيره السلطان فإن قلت ما معنى قوله
) وبالذي قلتم (
قلت معناه وبمعنى الذي قلتموه من قولكم قربان تاكله النار ومؤداه كقوله
) ثم يعودون لما قالوا ( المجادلة 3 أي لمعنى ما قالوا في مصاحف أهل الشام ( وبالزبر ) وهي الصحف
) والكتاب المنير (
التوراة والانجيل والزبور
وهذه تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من تكذيب قومه وتكذيب اليهود
آل عمران 185
آل عمران : ( 185 ) كل نفس ذائقة . . . . .
وقرأ اليزيدي ( ذائقة الموت ) على الأصل وقرأ الأعمش ( ذائقة الموت ) بطرح التنوين مع النصب كقوله
( ولا ذاكر الله الا قليلا )
فإن قلت كيف اتصل به قوله
) وإنما توفون أجوركم (
قلت اتصاله به على ان كلكم تموتون ولا بد لكم من الموت ولا توفون أجوركم على طاعاتكم ومعاصيكم عقيب موتكم وإنما توفونها يوم قيامكم من القبور
فإن قلت فهذا يوهم نفي ما يروى ان
232 ( القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار )
قلت كلمة التوفية

" صفحة رقم 477 "
تزيل هذا الوهم لأن المعنى ان توفيه الأجور وتكميلها يكون ذلك اليوم وما يكون قبل ذلك فبعض الأجور
الزحزحزة التنحية والابعاد تكرير الزح وهو الجذب بعجلة
) فقد فاز ( فقد حصل له الفوز المطلق المتناول لكل ما يفاز به ولا غاية للفوز وراء النجاة من سخط الله والعذاب السرمد ونيل رضوان الله والنعيم المخلد
اللهم وفقنا لما ندرك به عندك الفوز في المآب
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
233 ( من احب ان يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو مؤمن بالله واليوم الآخر ويأتي إلى الناس ما يحب ان يؤتى اليه )
وهذا شامل للمحافظة على حقوق الله وحقوق العباد
شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه ثم يتبين له فساده ورداءته
والشيطان هو المدلس الغرور وعن سعيد بن جبير إنما هذا لمن آثرها على الآخرة فأما من طلب الاخرة بها فانها متاع بلاغ خوطب المؤمنون بذلك ليوطنوا انفسهم على احتمال ما سيلقون من الأذى والشدائد والصبر عليها حتى اذا لقوها وهم مستعدون لايرهقهم ما يرهق من يصيبه الشدة بغتة فينكرها وتشمئز منها نفسه
آل عمران 186
آل عمران : ( 186 ) لتبلون في أموالكم . . . . .
والبلاء في الأنفس القتل والأسر والجراح وما يرد عليها من انواع المخاوف والمصائب
وفي الأموال الانفاق في سبيل الخير وما يقع فيها من الآفات
وما يسمعون

" صفحة رقم 478 "
من اهل الكتاب المطاعن في الدين الحنيف وصد من اراد الايمان وتخطئه من آمن
وما كان من كعب بن الأشرف من هجائه لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتحريض المشركين ومن فنحاص ومن بني قريظة والنضير
) فإن ذلك (
فإن الصبر والتقوى
) من عزم الأمور (
من معزومات الأمور أي مما يجب العزم عليه من الأمور أو مما عزم الله ان يكون يعني ان ذلك عزمه من عزمات الله لا بد لكم أن تصبروا وتتقوا
آل عمران 18
آل عمران : ( 187 ) وإذ أخذ الله . . . . .
) وإذ أخذ الله (
واذكر وقت اخذ الله ميثاق اهل الكتاب
) لتبيننه (
الضمير للكتاب أكد عليهم ايجاب بيان الكتاب واجتناب كتمانه كما يؤكد على الرجل اذا عزم عليه
وقيل له آلله لتفعلن
) فنبذوه وراء ظهورهم (
فنبذوا الميثاق وتاكيده عليهم يعني لم يراعوه ولم يلتفتوا اليه
والنبذ وراء الظهر مثل في الطرح وترك الاعتداد
ونقيضه جعله نصب عينيه والقاه بين عينيه وكفي به دليلا على أنه مأخوذ على العلماء ان يبينوا الحق للناس وما علموه وان لا يكتموا منه شيئا لغرض فاسد من تسهيل على الظلمة وتطيب لنفوسهم واستجلاب لمسارهم أو لجر منفعة وحطام دنيا أو لتقية مما لا دليل عليه ولا إمارة أو لبخل بالعلم وغيره ان ينسب اليه غيرهم
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
234 ( من كتم علما عن اهله ألجم بلجام من نار )
وعن طاوس انه قال لوهب

" صفحة رقم 479 "
إني أرى الله سوف يعذبك بهذه الكتب
وقال والله لو كنت نبيا فكتمت العلم كما تكتمه لرأيت ان الله سيعذبك وعن محمد بن كعب لا يحل لأحد من العلماء ان يسكت على علمه ولا يحل لجاهل ان يسكت على جهله حتى يسأل
وعن علي رضي الله عنه ما اخذ الله على اهل الجهل ان يتعلموا حتى اخذ على اهل العلم أن يعلموا
وقرىء ( ليبيننه ) ولا ( يكتمونه ) بالياء لأنهم غيب وبالتاء على حكاية مخاطبتهم كقوله
) وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن ( الاسراء 4
آل عمران 188
)
آل عمران : ( 188 ) لا تحسبن الذين . . . . .
لا تحسبن (
خطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) واحد المفعولين
) الذين يفرحون ( والثاني
) بمفازة ( وقوله
) فلا تحسبنهم (
تأكيد تقديره لا تحسبنهم فلا تحسبنهم فائزين
وقرىء ( لا تحسبن ) ( فلا تحسبنهم ) بضم الياء على خطاب المؤمنين ( ولا يحسبن ) فلا ( يحسبنهم ) بالياء وفتح الباء فيهما على ان الفعل للرسول
وقرأ أبو عمرو بالياء وفتح الباء في الأول وضمها في الثاني على ان الفعل للذين يفرحون والمفعول الأول محذوف على لا يحسبنهم الذين يفرحون بمفازة بمعنى لا يحسبن انفسهم الذين يفرحون فائزين وفلا يحسبنهم تأكيد
ومعنى
) بما أوتوا (
بما فعلوا وأتى وجاء يستعملان بمعنى فعل قال الله تعالى
) إنه كان وعده مأتيا ( مريم 61
) لقد جئت شيئا فريا ( مريم 27 ويدل عليه قراءة أبي ( يفرحون بما فعلوا ) وقرىء ( آتوا ) بمعنى أعطوا
وعن علي رضي الله عنه ( بما أوتوا )
ومعنى
) بمفازة من العذاب (
بمنجاة منه روي
235 أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سأل اليهود عن شيء مما في التوراة فكتموا الحق وأخبروه بخلافه وأروه أنهم قد صدقوه واستحمدوا اليه وفرحوا بما فعلوا فأطلع الله رسوله على ذلك وسلأه بما انزل من وعيدهم أي لا تحسبن اليهود الذين يفرحون بما

" صفحة رقم 480 "
فعلوا من تدليسهم عليك ويحبون ان تحمدهم بما لم يفعلوا من إخبارك بالصدق عما سألتهم عنه ناجين من العذاب
ومعنى
) فرحين (
بما أوتوه من علم التوراة وقيل يفرحون بما فعلوا من كتمان نعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا من اتباع دين إبراهيم حيث ادعوا أن إبراهيم كان على اليهودية وانهم على دينه
وقيل هم قوم تخلفوا عن الغزو مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلما قفل اعتذروا اليه بانهم رأوا المصلحة في التخلف واستحمدوا اليه بترك الخروج وقيل هم المنافقون يفرحون بما اتوا من إظهار الايمان للمسلمين ومنافقتهم وتوصلهم بذلك إلى أغراضهم ويستحمدون اليهم بالإيمان الذي لم يفعلوه على الحقيقة لابطانهم الكفر
ويجوز ان يكون شاملا لكل من يأتي بحسنه فيفرح بها فرح إعجاب
ويحب ان يحمده الناس ويثنوا عليه بالديانة والزهد وبما ليس فيه
آل عمران 189 - 191
آل عمران : ( 189 - 191 ) ولله ملك السماوات . . . . .
) ولله ملك السماوات والأرض (
فهو يملك امرهم وهو على كل شيء قدير فهو يقدر على عقابهم
) لآيات ( لأدلة واضحة على الصانع وعظيم قدرته وباهر حكمته
) لأولي الألباب (
للذين يفتحون بصائرهم للنظر والاستدلال والاعتبار
ولا ينظرون اليها نظر البهائم غافلين عما فيها من عجائب الفطر وفي النصائح الصغار املأ عينيك من زينة هذه الكواكب وأجلهما في جملة هذه العجائب متفكرا في قدرة مقدرها متدبرا حكمة مدبرها قبل ان يسافر بك القدر ويحال بينك وبين النظر
وعن ابن عمر رضي الله عنهما
236 قلت لعائشة رضي الله عنها أخبريني بأعجب ما رأيت من

" صفحة رقم 481 "
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فبكت وأطالت ثم قالت كل امره عجب أتاني في ليلتي فدخل في لحافي حتى ألصق جلده بجلدي ثم قال يا عائشة هل لك ان تأذني لي الليلة في عبادة ربي فقلت يا رسول الله إني لأحب قربك وأحب هواك قد أذنت لك
فقام إلى قربة من ماء في البيت
فتوضأ ولم يكثر من صب الماء ثم قام يصلي فقرأ من القرآن فجعل يبكي حتى بلغ الدموع حقويه ثم جلس فحمد الله وأثنى عليه وجعل يبكي ثم رفع يديه فجعل يبكي حتى رأيت دموعه قد بلت الأرض فأتاه بلال يؤذنه بصلاة الغداة فرآه يبكي فقال له يا رسول الله أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال يا بلال أفلا اكون عبدا شكورا ثم قال ( وما لي لا أبكي وقد أنزل الله علي في هذه الليلة
) إن في خلق السماوات والأرض ( ثم قال ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها )
وروي
237 ( ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتاملها )
وعن علي رضي الله عنه
238 ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان إذا قام من الليل يتسوك ثم ينظر إلى السماء ثم يقول

" صفحة رقم 482 "
) إن في خلق السماوات والأرض (
وحكي ان الرجل من بني اسرائيل كان إذا عبد الله ثلاثين سنة أظلته سحابة فعبدها فتى من فتيانهم فلم تظله فقالت له امه لعل فرطة فرطت منك في مدتك فقال ما أذكر قالت لعلك نظرت مرة إلى السماء ولم تعتبر قال لعل قالت فما أتيت الا من ذاك
) الذين يذكرون الله (
ذكرا دائبا على أي حال كانوا من قيام وقعود واضطجاع لا يخلون بالذكر في اغلب احوالهم
وعن ابن عمر وعروة بن الزبير وجماعة انهم خرجوا يوم العيد إلى المصلى فجعلوا يذكرون الله فقال بعضهم أما قال الله تعالى
) يذكرون الله قياما وقعودا (
فقاموا يذكرون الله على أقدامهم
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
239 ( من احب ان يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله )
وقيل معناه يصلون في هذه الأحوال على حسب استطاعتهم قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لعمران بن الحصين
240 ( صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب تومىء ايماء )
وهذه حجة للشافعي رحمه الله في اضجاع المريض على جنبه كما في اللحد
وعند أبي حنيفة رحمه الله انه يستلقي حتى اذا وجد خفة قعد
ومحل
) على جنوبهم (
نصب على الحال عطفا على ما قبله كانه قيل قياما وقعودا ومضطجعين
) ويتفكرون في خلق السماوات والأرض (
وما يدل عليه اختراع هذه الأجرام العظام وإبداع صنعتها وما دبر فيها بما تكل الأفهام عن إدراك بعض عجائبه على عظم شأن الصانع وكبرياء سلطانه
وعن سفيان الثوري أنه صلى خلف المقام ركعتين ثم رفع رأسه إلى السماء فلما رأى الكواكب غشي عليه وكان يبول الدم من طول حزنه وفكرته
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )

" صفحة رقم 483 "
241 ( بينما رجل مستلق على فراشه اذ رفع رأسه فنظر إلى النجوم والى السماء فقال أشهد ان لك ربا وخالقا اللهم اغفر لي فنظر الله اليه فغفر له )
وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم )
242 ( لا عبادة كالتفكر )
وقيل الفكرة تذهب الغفلة وتحدث للقلب الخشبية كما يحدث الماء للزرع النبات
وما جليت القلوب بمثل الأحزان ولا استنارت بمثل الفكرة
وروي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
243 ( لا تفضلوني على يونس بن متى فإنه كان يرفع له في كل يوم مثل عمل اهل الأرض )
قالوا وانما كان ذلك التفكر في أمر الله الذي هو عمل القلب لأن احدا لا يقدر أن يعمل بجوارحه في اليوم مثل عمل أهل الأرض
) ما خلقت هذا باطلا (
على ارادة القول
أي يقولون ذلك وهو في محل الحال بمعنى يتفكرون قائلين والمعنى ما خلقته خلقا باطلا بغير حكمة بل خلقته لداعي حكمة عظيمة وهو ان تجعلها مساكن للمكلفين وادلة لهم على معرفتك ووجوب طاعتك واجتناب معصيتك ولذلك وصل به قوله
) فقنا عذاب النار (
لأنه جزاء من عصى ولم يطع
فإن قلت هذا اشارة إلى ماذا قلت إلى الخلق على ان المراد به المخلوق كانه قيل ويتفكرون في مخلوق السموات والأرض أي فيما خلق منها
ويجوز أن يكون اشارة إلى السموات والأرض لأنها في معنى المخلوق كانه قيل ما خلقت هذا المخلوق العجيب باطلا
وفي هذا ضرب من التعظيم كقوله
) إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ( الاسراء 90 ويجوز ان يكون ( باطلا ) حالا من هذا
وسبحانك اعتراض للتنزيه من العبث وان يخلق شيئا بغير حكمة
ربنآ إنك 192 - 194
آل عمران : ( 192 - 194 ) ربنا إنك من . . . . .

" صفحة رقم 484 "
) قد أخزيته (
فقد ابلغت في اخزائه
وهو نظير قوله ( فقد فاز ) ونحوه في كلامهم من ادرك مرعى الصمان فقد أدرك ومن سبق فلانا فقد سبق
) وما للظالمين (
اللام اشارة إلى من يدخل النار وإعلام بان من يدخل النار فلا ناصر له بشفاعة ولا غيرها
تقول سمعت رجلا يقول كذا وسمعت زيدا يتكلم فتوقع الفعل على الرجل وتحذف المسموع لأنك وصفته بما يسمع أو جعلته حالا عنه فأغناك عن ذكره ولولا الوصف أو الحال لم يكن منه بد وان يقال سمعت كلام فلان أو قوله فإن قلت فأي فائدة في الجمع بين المنادى وينادي قلت ذكر النداء مطلقا ثم مقيدا بالايمان تفخيما لشأن المنادي لأنه لا منادي أعظم من مناد ينادي للإيمان
ونحوه قولك مررت بهاد يهدي للاسلام وذلك ان المنادي اذا اطلق ذهب الوهم إلى مناد للحرب أو لإطفاء النائرة أو لإغاثة المكروب أو لكفاية بعض النوازل أو لبعض المنافع وكذلك الهادي قد يطلق على من يهدي للطريق ويهدي لسداد الرأي وغير ذلك فإذا قلت ينادي للايمان ويهدي للإسلام فقد رفعت من شأن المنادي والهادي وفخمته
ويقال دعاه لكذا والى كذا وندبه له واليه وناداه له واليه ونحوه هداه للطريق وإليه وذلك أن معنى انتهاء الغاية ومعنى الاختصاص واقعان جميعا والمنادي هو الرسول
" أدعوا إلى الله " يوسف 108 و
) ادع إلى سبيل ربك ( النحل 125 وعن محمد بن كعب القرآن
) إن آمنوا ( أي آمنوا أو بأن آمنوا
) ذنوبنا (
كبائرنا
) سيئاتنا (
صغائرنا
) مع الأبرار (
مخصوصين بصحبتهم معدودين في جملتهم
والأبرار جمع بر أو بار كرب وأرباب وصاحب وأصحاب
) على رسلك (
على هذه صلة للوعد كما في قولك وعد الله الجنة على الطاعة
والمعنى ما وعدتنا على تصديق رسلك ألا تراه كيف اتبع ذكر المنادي للإيمان وهو الرسول وقوله آمنا وهو التصديق ويجوزأن يكون متعلقا بمحذوف أي ما وعدتنا منزلا على رسلك أو محمولا على رسلك لأن الرسل محملون ذلك
) فإنما عليه ما حمل ( النور 54 وقيل على ألسنة رسلك
والموعود هو الثواب وقيل النصرة على الأعداء
فإن قلت كيف دعوا الله بانجاز ما وعد الله لا يخلف الميعاد قلت معناه طلب التوفيق فيما يحفظ عليهم أسباب انجاز الميعاد أو هو باب من اللجأ إلى الله والخضوع له كما كان الأنبياء عليهم

" صفحة رقم 485 "
الصلاة والسلام يستغفرون مع علمهم انهم مغفور لهم يقصدون بذلك التذلل لربهم والتضرع اليه واللجأ الذي هو سيما العبودية
آل عمران 195
آل عمران : ( 195 ) فاستجاب لهم ربهم . . . . .
يقال استجاب له واستجابه
( فلم يستجبه عند ذاك مجيب )
) أني لا أضيع (
قرىء بالفتح على حذف الياء وبالكسر على إرادة القول
وقرىء ( لا أضيع ) بالتشديد
) من ذكر أو أنثى (
بيان لعامل
) بعضكم من بعض (
أي يجمع ذكوركم وإناثكم أصل واحد فكل واحد منكم من الآخر أي من اصله أو كانه منه لفرط اتصالكم واتحادكم
وقيل المراد وصلة الاسلام وهذه جملة معترضة بينت بها شركة النساء مع الرجال فيما وعد الله عباده العاملين وروي
244 أن أم سلمة قالت يا رسول الله إني اسمع الله تعالى يذكر الرجال في الهجرة ولا يذكر النساء
فنزلت
) فالذين هاجروا (
تفصيل لعمل العامل منهم على سبيل التعظيم له والتفخيم كانه قال فالذين عملوا هذه الأعمال السنية الفائقة وهي المهاجرة عن اوطانهم فارين إلى الله بدينهم من دار الفتنة واضطروا إلى الخروج من ديارهم التي ولدوا فيها ونشؤا بما سامهم المشركون من الخسف
) وأوذوا في سبيلي (
من اجله وبسببه يريد سبيل الدين
) وقاتلوا وقتلوا (
وغزوا المشركين واستشهدوا
وقرىء ( وقتلوا ) بالتشديد ( وقتلوا وقاتلوا ) على التقديم بالتخفيف والتشديد ( وقتلوا

" صفحة رقم 486 "
وقتلوا على بناء الأول للفاعل والثاني للمفعول ( وقتلوا ) ( وقاتلوا ) على بنائهما للفاعل
) ثوابا (
في موضع المصدر المؤكد بمعنى إثابة أو تثويبا
) من عند الله (
لأن قوله
" لأكفرن عنهم ولادخلنهم "
في معنى لأثيبنهم
) وعنده (
مثل ان يختص به وبقدرته وفضله لا يثيبه غيره ولا يقدر عليه كما يقول الرجل عندي ما تريد يريد اختصاصه به وبملكه وان لم يكن بحضرته
وهذا تعليم من الله كيف يدعى وكيف يبتهل اليه ويتضرع
وتكرير
) ربنا (
من باب الابتهال وإعلام بما يوجب حسن الإجابة وحسن الإثابة من احتمال المشاق في دين الله والصبر على صعوبة تكاليفه وقطع لأطماع الكسالى المتمنين عليه وتسجيل على من لا يرى الثواب موصولا اليه بالعمل بالجهل والغباوة
وروي عن جعفر الصادق رضي الله عنه من حزبه امر فقال خمس مرات
) ربنا ( أنجاه الله مما يخاف وأعطاه ما اراد وقرا هذه الآية
وعن الحسن حكى الله عنهم انهم قالوا خمس مرات
) ربنا ( ثم أخبر انه استجاب لهم إلا انه اتبع ذلك رافع الدعاء وما يستجاب به فلا بد من تقديمه بين يدي الدعاء
آل عمران 196 - 197
)
آل عمران : ( 196 ) لا يغرنك تقلب . . . . .
لا يغرنك (
الخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل أحد أي لا تنظر إلى ما هم عليه من سعة الرزق والمضطرب ودرك العاجل وإصابة حظوظ الدنيا ولا تغتر بظاهر ما ترى من تبسطهم في الأرض وتصرفهم في البلاد يتكسبون ويتجرون ويتدهقنون
عن ابن عباس هم اهل مكة
وقيل هم اليهود وروي ان اناسا من المؤمنين كانوا يرون ما كانوا فيه من الخصب والرخاء ولين العيش فيقولون إن اعداء الله فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهد
فإن قلت كيف جاز ان يغتر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك حتى ينهي عن الاغترار به قلت فيه وجهان احدهما ان مدرة القوم ومتقدمهم يخاطب بشيء فيقوم خطابه مقام خطابهم جميعا فكانه قيل لا يغرنكم والثاني ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان غير مغرور بحالهم فأكد عليه ما كان عليه وثبت على التزامه كقوله
) ولا تكن مع الكافرين ( هود 42

" صفحة رقم 487 "
) ولا تكونن من المشركين ( الأنعام 14
" فلا تطع المكذبين 8 وهذا في النهي نظير قوله في الأمر
" اهدنا الصراط المستقيم " الفاتحة 6
" يا أيها الذين ءامنوا ءامنوا النساء وقد جعل النهي في الظاهر للتقلب وهو في المعنى للمخاطب وهذا من تنزيل السبب منزلة المسبب لأن التقلب لو غره لاغتر به فمنع السبب ليمتنع المسبب وقرىء ( لا يغرنك ) بالنون الخفيفة
) متاع قليل (
خبر مبتدأ محذوف أي ذلك متاع قليل وهو التقلب في البلاد أراد قلته في جنب ما فاتهم من نعيم الاخرة أو في جنب ما اعد الله للمؤمنين من الثواب أو اراد انه قليل في نفسه لانقضائه وكل زائل قليل
قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
245 ( ما الدنيا في الاخرة الا مثل ما يجعل احدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع )
) وبئس المهاد (
وساء ما مهدوا لأنفسهم
لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار 198
آل عمران : ( 198 ) لكن الذين اتقوا . . . . .
النزل والنزل ما يقام للنازل وقال أبو الشعراء الضبي
( وكنا اذا الجبار بالجيش ضافنا جعلنا القنا والمرهفات له نزلا )
وانتصابه اما على الحال من جنات لتخصصها بالوصف والعامل اللام ويجوز أن يكون بمعنى مصدر مؤكد كانه قيل زرقاء أو عطاء
) من عند الله وما عند الله (
من الكثير الدائم
) خير للأبرار (
مما يتقلب فيه الفجار من القليل الزائل وقرأ مسلمة بن محارب والأعمش
) نزلا (
بالسكون وقرا يزيد بن القعقاع ( لكن الذين اتقوا ) بالتشديد
199
آل عمران : ( 199 ) وإن من أهل . . . . .
" وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله ومآ أنزل إليكم ومآ أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بأايات الله ثمنا قليلا أولائك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب وإن من اهل الكتاب "
عن مجاهد نزلت في عبد الله بن سلام وغيره من مسلمة اهل الكتاب وقيل في أربعين من اهل نجران واثنين وثلاثين من الحبشة

" صفحة رقم 488 "
وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى عليه السلام فأسلموا وقيل في أصحمة النجاشي ملك الحبشة ومعنى أصحمة ( عطية ) بالعربية وذلك انه
246 لما مات نعاه جبريل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اخرجوا فصلوا على اخ لكم مات بغير أرضكم فخرج إلى البقيع ونظر إلى أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشى وصلى عليه واستغفر له فقال المنافقون انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني لم يره قط وليس على دينه فنزلت
ودخلت لام الابتداء على اسم ( ان ) لفصل الظرف بينهما كقوله
) وإن منكم لمن ليبطئن ( النساء 72
) وما أنزل إليكم (
من القرآن
) وما أنزل إليهم (
من الكتابين
) خاشعين لله (
حال من فاعل يؤمن لأن من يؤمن في معنى الجمع
) لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا (
كما يفعل من لم يسلم من احبارهم وكبارهم
) أولئك لهم أجرهم عند ربهم (
أي ما يختص بهم من الأجر وهو ما وعدوه في قوله
) أولئك يؤتون أجرهم مرتين ( القصص 54
) يؤتكم كفلين من رحمته ( القصص
) إن الله سريع الحساب (
لنفوذ علمه في كل شيء فهو عالم بما يستوجبه كل عامل من الأجر ويجوز ان يراد إنما توعدون لآت قريب بعد ذكر الموعد
آل عمران 200
آل عمران : ( 200 ) يا أيها الذين . . . . .
اصبروا على الدين وتكاليفه
) وصابروا (
أعداء الله في الجهاد أي غالبوهم في

" صفحة رقم 489 "
الصبر على شدائد الحرب لا تكونوا أقل صبرا منهم وثباتا والمصابرة باب من الصبر ذكر بعد الصبر على ما يجب الصبر عليه تخصيصا لشدته وصعوبته
) ورابطوا (
وأقيموا في الثغور رابطين خيلكم فيها مترصدين مستعدين للغزو قال الله عز وجل
) ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ( الأنفال 60 وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
247 ( من رابط يوما وليلة في سبيل الله كان كعدل صيام شهر وقيامه لا يفطر ولا ينفتل عن صلاته الا لحاجة )
وعن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
248 ( من قرأ سورة آل عمران أعطى بكل آية منها امانا على جسر جهنم )
وعنه عليه الصلاة والسلام
249 ( من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلي الله عليه وملائكته حتى تحجب الشمس )

" صفحة رقم 490 "
سورة النساء

" صفحة رقم 491 "
سورة النساء
مدنية وهي مائة وست وسبعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
النساء
النساء : ( 1 ) يا أيها الناس . . . . .
) يا أيها الناس (
يابني آدم
) خلقكم من نفس واحدة (
فرعكم من اصل واحد وهو نفس آدم أبيكم
فإن قلت علام عطف قوله
) وخلق منها زوجها (
قلت فيه وجهان احدهما ان يعطف على محذوف كانه قيل من نفس واحدة انشأها أو ابتدأها وخلق منها زوجها
وإنما حذف لدلالة المعنى عليه والمعنى شعبكم من نفس واحدة هذه صفتها وهي انه انشاها من تراب وخلق زوجها حواء من ضلع من أضلاعها
) وبث منهما (
نوعي جنس الإنس وهما الذكور والاناث فوصفها بصفة هي بيان وتفصيل بكيفية خلقهم منها
والثاني ان يعطف على خلقكم ويكون الخطاب فى
) يا أيها الناس (
للذين بعث اليهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى خلقكم من نفس آدم لأنهم من جملة الجنس المفرع منه وخلق منها امكم حواء وبث منهما
) رجالا كثيرا ونساء (
غيركم من الأمم الفائتة للحصر
فإن قلت الذي يقتضيه سداد نظم الكلام وجزالته ان يجاء عقيب الأمر بالتقوى بما يوجبها أو يدعوا اليها ويبحث عليها فكيف كان خلقه إياهم من نفس واحدة على التفصيل الذي ذكره موجبا للتقوى وداعيا اليها قلت لأن ذلك مما يدل على القدرة العظيمة
ومن قدر على نحوه كان قادرا على كل شيء ومن المقدورات عقاب

" صفحة رقم 492 "
العصاة فالنظر فيه يؤدي إلى ان يتقي القادر عليه ويخشي عقابه ولأنه يدل على النعمة السابغة عليهم فحقهم ان يتقوه في كفرانها والتفريط فيما يلزمهم من القيام بشكرها
أو أراد بالتقوى تقوى خاصة وهي ان يتقوه فيما يتصل بحفظ الحقوق بينهم فلا يقطعوا ما يجب عليهم وصله فقيل اتقوا ربكم الذي وصل بينكم حيث جعلكم صنوانا مفرعة من أرومة واحدة
فيما يجب على بعضكم لبعض فحافظوا عليه ولا تغفلوا عنه
وهذا المعنى مطابق لمعاني السورة وقرىء ( وخالق منها زوجها وباث منهما ) بلفظ اسم الفاعل وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره وهو خالق
) تساءلون به (
تتساءلون به فأدغمت التاء في السين
وقرىء ( تساءلون ) بطرح التاء الثانية أي يسأل بعضكم بعضا بالله وبالرحم
فيقول بالله وبالرحم أفعل كذا على سبيل الاستعطاف
واناشدك الله والرحم
أو تسالون غيركم بالله والرحم فقيل ( تفاعلون ) موضع ( تفعلون ) للجمع كقولك رأيت الهلال وتراءيناه وتنصره قراءة من قرأ ( تسلون به ) مهموز أو غير مهموز
وقرىء ( والأرحام ) بالحركات الثلاث فالنصب على وجهين إما على واتقوا الله والأرحام أو ان يعطف على محل الجار والمجرور كقولك مررت بزيد وعمرا
وينصره قراءة ابن مسعود ( تسألون به وبالأرحام ) والجر على عطف الظاهر على المضمر وليس بسديد لأن الضمير المتصل متصل كاسمه والجار والمجرور كشيء واحد فكانا في قولك ( مررت به وزيد ) و ( هذا غلامه وزيد شديدي الاتصال فلما اشتد الاتصال لتكرره أشبه العطف على بعض الكلمة فلم يجز ووجب تكرير العامل كقولك مررت به وبزيد و هذا غلامه وغلام زيد ) ألا ترى إلى صحة قولك ( رأيتك وزيدا ) و ( مررت بزيد وعمرو ) لما لم يقو الاتصال لأنه لم يتكرر وقد تمحل لصحة هذه القراءة بانها على تقدير تكرير الجار ونظيرها
( فاذهب فما بك والأيام من عجب )
والرفع على انه مبتدأ خبره محذوف كانه قيل والأرحام كذلك على معنى والأرحام مما يتقى أو والأرحام مما يساءل به
والمعنى أنهم كانوا يقرون بان لهم خالقا وكانوا يتساءلون بذكر الله والرحم فقيل لهم اتقوا الله الذي خلقكم واتقوا الذي تتناشدون به واتقوا الأرحام فلا تقطعوها أو واتقوا الله الذي تتعاطفون بإذكاره وبإذكار

" صفحة رقم 493 "
الرحم
وقد آذن عز وجل اذ قرن الأرحام باسمه ان صلتها منه بمكان كما قال
" أن لا تعبدوا الا اياه وبالوالدين إحسانا " الإسراء وعن الحسن إذا سألك بالله فأعطه واذا سألك بالرحم فأعطه وللرحم حجنه عند العرش ومعناه ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه الرحم معلقة بالعرش فإذا اتاها الواصل بشت به وكلمته
وإذا أتاها القاطع احتجبت منه
وسئل ابن عيينة عن قوله عليه الصلاة والسلام
250 ( تخيروا لنطفكم )
فقال يقول لأولادكم وذلك ان يضع ولده في الحلال
ألم تسمع قوله تعالى
) واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام (
واول صلته ان يختار له الموضع الحلال فلا يقطع رحمه ولا نسبه فإنما للعاهر الحجر ثم يختار الصحة ويجتنب الدعر ولا يضعه

" صفحة رقم 494 "
موضع سوء يتبع شهوته وهواه بغير هدى من الله
النساء 2
النساء : ( 2 ) وآتوا اليتامى أموالهم . . . . .
) اليتامى (
الذين مات آباؤهم فانفردوا عنهم واليتم الانفراد ومنه الرملة اليتيمة والدرة اليتيمة
وقيل اليتم في الأناسي من قبل الآباء
وفي البهائم من قبل الأمهات
فإن قلت كيف جمع اليتيم وهو فعيل كمريض على يتامى قلت فيه وجهان أن يجمع على يتمى كأسرى لأن اليتم من وادي الآفات والأوجاع ثم يجمع فعلى على فعالى كأسارى
ويجوز ان يجمع على فعائل لجري اليتم مجرى الأسماء نحو صاحب وفارس فيقال يتائم ثم يتامى على القلب
وحق هذا الاسم ان يقع على الصغار والكبار لبقاء معنى الانفراد عن الآباء الا انه قد غلب ان يسموا به قبل ان يبلغوا مبلغ الرجال فاذا استغنوا بأنفسهم عن كافل وقائم عليهم وانتصبوا كفاة يكفلون غيرهم ويقومون عليهم زال عنهم هذا الاسم وكانت قريش تقول لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتيم أبي طالب إما على القياس واما حكاية للحال التي كان عليها صغيرا ناشئا في حجر عمه توضيعا له وأما قوله عليه السلام
251 ( لا يتم بعد الحلم )

" صفحة رقم 495 "
فما هو الا تعليم شريعة لا لغة يعني انه اذا احتلم لم تجر عليه احكام الصغار
فإن قلت فما معنى قوله
" وءاتوا اليتامي اموالهم "
قلت إما ان يراد باليتامى الصغار وبإتيانهم الأموال ان لا يطمع فيها الأولياء والأوصياء وولاة السوء وقضاته ويكفوا عنها أيديهم الخاطفة حتى تاتي اليتامى اذا بلغوا سالمة غير محذوفة وإما ان يراد الكبار تسمية لهم يتامى على القياس أو لقرب عهدهم اذا بلغوا بالصغر كما تسمى الناقة عشراء بعد وضعها
على ان فيه اشارة إلى ان لا يؤخر دفع اموالهم اليهم عن حد البلوغ ولا يمطلوا ان اونس منهم الرشد وان يؤتوها قبل ان يزول عنهم اسم اليتامى والصغار
252 وقيل هي في رجل من غطفان كان معه مال كثير لابن اخ له يتيم فلما بلغ طلب المال فمنعه عمه فترافعا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت فلما سمعها العم قال أطعنا الله وأطعنا الرسول نعوذ بالله من الحوب الكبير فدفع ماله اليه فقال النبي عليه السلام ( ومن يوق شح نفسه ويطع ربه هكذا فإنه يحل داره يعني جنته فلما قبض ألفوا ماله أنفقه في سبيل الله فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( ثبت الأجر ثبت الأجر وبقي الوزر ) قالوا يا رسول الله قد عرفنا انه ثبت الأجر كيف بقي الوزر وهو ينفق في سبيل الله فقال ( ثبت أجر الغلام وبقي الوزر على والده
) ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب (
ولا تستبدلوا الحرام وهو مال اليتامى بالحلال وهو مالكم وما ابيح لكم من المكاسب ورزق الله المبثوث في الأرض فتأكلوه مكانه
أو لا تستبدلوا الأمر الخبيث وهو اختزال اموال اليتامى بالأمر الطيب وهو حفظها والتورع منها والتفعل بمعنى الاستفعال غير عزيز
منه التعجل بمعنى الاستعجال والتأخر بمعنى الاستئخار قال ذو الرمة
( فيا كرم السكن الذين تحملوا عن الدار والمستخلف المتبدل )

" صفحة رقم 496 "
اراد ويا لؤم ما استخلفته الدال واستبدلته وقيل هو ان يعطي رديئا ويأخذ جيدا
وعن السدي ان يجعل شاة مهزولة مكان سمينة وهذا ليس بتبدل وانما هو تبديل الا ان يكارم صديقا له فيأخذ منه عجفاء مكان سمينة من مال الصبي
) ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم (
ولا تنفقوها معها
وحقيقتها ولا تضموها اليها في الانفاق حتى

" صفحة رقم 497 "
لا تفرقوا بين أموالكم وأموالهم قلة مبالاة بما لا يحل لكم
وتسوية بينه وبين الحلال
فإن قلت قد حرم عليهم أكل مال اليتامى وحده ومع أموالهم فلم ورد النهي عن أكله معها قلت لأنهم اذا كانوا مستغنين عن اموال اليتامى بما رزقهم الله من مال حلال
وهم على ذلك يطمعون فيها
كان القبح أبلغ والذم احق ولأنهم كانوا يفعلون كذلك قنعى عليهم فعلهم وسمع بهم ليكون أزجر لهم والحوب الذنب العظيم ومنه قوله عليه السلام
253 ( إن طلاق أم ايوب لحوب )
فكانه قيل انه كان ذنبا كبيرا
وقرأ الحسن ( حوبا ) بفتح الحاء وهو مصدر حاب حوبا
وقرىء ( حابا ) ونظير الحوب والحاب القول والقال والطرد والطرد
النساء 3
النساء : ( 3 ) وإن خفتم ألا . . . . .
ولما نزلت الآية في اليتامى وما في اكل أموالهم من الحوب الكبير خاف الأولياء ان يلحقهم الحوب بترك الاقساط في حقوق اليتامى وأخذوا يتحرجون من

" صفحة رقم 498 "
ولايتهم وكان الرجل منهم ربما كان تحته العشر من الأزواج والثمان والست فلا يقوم بحقوقهن ولا يعدل بينهن فقيل لهم ان خفتم ترك العدل في حقوق اليتامى فتحرجتم منها فخافوا ايضا ترك العدل بين النساء فقللوا عدد المنكوحات لأن من تحرج من ذنب أو تاب عنه وهو مرتكب مثله فهو غير متحرج ولا تائب لأنه انما وجب ان يتحرج من الذنب ويتاب منه لقبحه والقبح قائم في كل ذنب وقيل كانوا لا يتحرجون من الزنا وهم يتحرجون من ولاية اليتامى فقيل ان خفتم الجور في حق اليتامى فخافوا الزنا فانكحوا ما حل لكم من النساء ولا تحوموا حول المحرمات
وقيل كان الرجل يجد اليتيمة لها مال وجمال أو يكون وليها فيتزوجها ضنا بها عن غيره فربما اجتمعت عنده عشر منهن فيخاف لضعفهن وفقد من يغضب لهن ان يظلمهن حقوقهن ويفرط فيما يجب لهن فقيل لهم ان خفتم أن لا تقسطوا في يتامى النساء فانكحوا من غيرهن ما طاب لكم
ويقال للإناث اليتامى كما يقال للذكور وهو جمع يتيمة على القلب كما قيل أيامى والأصل ايائم ويتائم
وقرأ النخعي ( تقسطوا ) بفتح التاء على ان لا مزيدة مثلها في
) لئلا يعلم ( الحديد 29 يريد وإن خفتم ان تجوروا
) ما طاب (
ما حل
) لكم من النساء (
لأن منهن ما حرم كاللاتي في آية التحريم
وقيل ( ما ) ذهابا إلى الصفة ولأن الإناث من العقلاء يجرين مجرى غير العقلاء
ومنه قوله تعالى
) أو ما ملكت أيمانكم (
) مثنى وثلاث ورباع (
معدولة عن اعداد مكررة وانما منعت الصرف لما فيها من العدلين عدلها عن صيغها وعدلها عن تكررها وهي نكرات يعرفن بلام التعريف تقول فلان ينكح المثني والثلاث والرباع ومحلهن النصب على الحال مما طاب تقديره فانكحوا الطيبات لكم معدودات هذا العدد ثنتين ثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا اربعا
فإن قلت الذي أطلق للناكح في الجمع أن يجمع بين ثنتين أو ثلاث أو اربع فما معنى التكرير في مثنى وثلاث ورباع
قلت الخطاب للجميع فوجب التكرير ليصيب كل ناكح يريد الجمع ما اراد من العدد الذي اطلق له كما تقول للجماعة اقتسموا هذا المال وهو الف درهم درهمين درهمين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة ولو أفردت لم يكن له معنى فإن قلت فلم جاء

" صفحة رقم 499 "
العطف بالواو دون أو قلت كما جاء بالواو في المثال الذي حذوته لك ولو ذهبت تقول اقتسموا هذا المال درهمين درهمين أو ثلاثة ثلاثة أو اربعة أربعة أعلمت انه لا يسوغ لهم ان يقتسموه الا على أحد انواع هذه القسمة وليس لهم ان يجمعوا بينها فيجعلوا بعض القسم على تثنية وبعضه على تثليث وبعضه على تربيع
وذهب معنى تجويز الجمع بين انواع القسمة الذي دلت عليه الواو وتحريره أن الواو دلت على إطلاق ان يأخذ الناكحون من ارادوا نكاحها من النساء على طريق الجمع إن شاؤؤا مختلفين في تلك الأعداد وإن شاؤوا متفقين فيها محظورا عليهم ما وراء ذلك
وقرا إبراهيم وثلث وربع على القصر من ثلاث ورباع
) فإن خفتم ألا تعدلوا (
بين هذه الأعداد كما خفتم ترك العدل فيما فوقها
) فواحدة (
فالزموا أو فاختاروا واحدة وذروا الجمع راسا
فإن الأمر كله يدور مع العدل فأينما وجدتم العدل فعليكم به وقرىء ( فواحدة ) بالرفع على فالمقنع واحدة أو فكفت واحدة أو فحسبكم واحدة
) أو ما ملكت أيمانكم ( سوى في السهولة واليسر بين الحرة الواحدة وبين الإماء من غير حصر ولا توقيت عدد
ولعمري انهن اقل تبعة وأقصر شغبا وأخف مؤنة من المهائر لا عليك أكثرت منهن أم أقللت عدلت بينهن في القسم أم لم تعدل عزلت عنهن أم لم تعزل وقرأ ابن أبي عبلة ( من ملكت )
) ذلك ( اشارة إلى اختيار الواحدة والتسرى
) أدنى ألا تعولوا (
أقرب من ان لا تميلوا من قولهم عال الميزان عولا اذا مال
وميزان فلان عائل وعال الحاكم في حكمه اذا جار وروي ان اعرابيا حكم عليه حاكم فقال له أتعول علي وقد روت عائشة رضي الله عنها عن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
254 ( ألا تعولوا ان لا تجوروا )
والذي يحكى عن الشافعي رحمه الله أنه فسر ( ان لا تعولوا ) ان لا تكثر عيالكم فوجهه ان يجعل من قولك عال الرجل عياله يعولهم كقولهم مانهم يمونهم اذا انفق عليهم لأن من كثر عياله لزمه ان يعولهم
وفي ذلك ما يصعب عليه المحافظة على حدود الورع وكسب الحلال والرزق الطيب

" صفحة رقم 500 "
وكلام مثله من اعلام العلم وأئمة الشرع ورؤوس المجتهدين حقيقي بالحمل على الصحة والسداد وان لا يظن به تحريف تعيلوا إلى تعولوا فقد روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا تظنن بكلمة خرجت من في اخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا
وكفى بكتابنا المترجم بكتاب ( شافي العي من كلام الشافعي ) شاهدا بانه كان اعلى كعبا واطول باعا في علم كلام العرب من ان يخفى عليه مثل هذا ولكن للعلماء طرقا وأساليب
فسلك في تفسير هذه الكلمة طريقة الكنايات
فإن قلت كيف يقال عيال من تسرى وفي السراري نحو ما في المهائر قلت ليس كذلك لأن الغرض بالتزوج التوالد والتناسل بخلاف التسري ولذلك جاز العزل عن السراري بغير اذنهن فكان التسري مظنة لقلة الولد بالإضافة إلى التزوج كتزوج الواحدة بالاضافة إلى تزوج الأربع وقرأ طاوس ( ان لا تعيلوا ) من اعال الرجل اذا كثر عياله
وهذه القراءة تعضد تفسير الشافعي رحمه الله من حيث المعنى الذي قصده
النساء 4
النساء : ( 4 ) وآتوا النساء صدقاتهن . . . . .
) صدقاتهن (
مهورهن وفي حديث شريح قضى ابن عباس لها بالصدقة وقرىء ( صدقاتهن ) بفتح الصاد وسكون الدال على تخفيف صدقاتهن
و ( صدقاتهن ) بضم الصاد وسكون الدال جمع صدقة بوزن غرفة وقرىء ( صدقتهن ) بضم الصاد والدال على التوحيد وهو تثقيل صدقة كقولك في ظلمة ظلمة
) نحلة (
من نحله كذا اذا أعطاه اياه ووهبه له عن طيبة من نفسه نحلة ونحلا ومنه
255 حديث أبي بكر رضي الله عنه اني كنت نحلتك جداد عشرين وسقا بالعالية
وانتصابها على المصدر لأن النحلة والايتاء بمعنى الإعطاء فكانه قيل وانحلوا

" صفحة رقم 501 "
النساء صدقاتهن نحلة اي اعطوهن مهورهن عن طيبة انفسكم أو على الحال من المخاطبين أي آتوهن صدقاتهن ناحلين طيبي النفوس بالاعطاء أو من الصدقات أي منحولة معطاة عن طيبة الأنفس
وقيل نحلة من الله عطية من عنده وتفضلا منه عليهن وقيل النحلة الملة ونحلة الاسلام خير النحل
وفلان ينتحل كذا أي يدين به والمعنى آتوهن مهورهن ديانة على انها مفعول لها ويجوز ان يكون حالا من الصدقات آي دينا من الله شرعه وفرضه والخطاب للأزواج وقيل للأولياء لأنهم كانوا يأخذون مهور بناتهم وكانوا يقولون هنيئا لك النافجة لمن تولد له بنت يعنون تأخذ مهرها فتنفج به مالك اي تعظمه
الضمير في ( منه ) جار مجرى اسم الاشارة كانه قيل عن شيء من ذلك كما قال الله تعالى
" قل أونبئكم بخير من ذالكم " آل عمران 15 بعد ذكر الشهوات ومن الحجج المسموعة من أفواه العرب ما روى عن رؤبة انه قيل له في قوله
( كانه في الجلد توليع البهق )
فقال أردت كان ذاك أو يرجع إلى ما هو في معنى الصدقات وهو الصداق لأنك لو قلت وآتوا النساء صداقهن لم تخل بالمعنى فهو نحو قوله
) فأصدق وأكن من الصالحين ( المنافقون 12 كانه قيل أصدق و
) نفسا (
تمييز وتوحيدها لأن الغرض بيان الجنس والواحد يدل عليه
والمعنى فإن وهبن لكم شيئا من الصداق وتجافت عنه نفوسهن طيبات غير مخبثات بما يضطرهن إلى الهبة من شكاسة اخلاقكم وسوء معاشرتكم
) فكلوه (
فأنفقوه قالوا فإن وهبت له ثم طلبت منه بعد الهبة علم انها لم تطب منه نفسا وعن الشعبي ان رجلا اتى مع امرأته شريحا في عطية أعطتها اياه وهي تطلب ان ترجع فقال شريح رد عليها فقال الرجل أليس قد قال الله تعالى
) فإن طبن لكم (
قال لو طابت نفسها عنه لما رجعت فيه
وعنه أقيلها فيما وهبت ولا أقيله لأنهن يخدعن
وحكى ان رجلا من آل معيط اعطته امراته الف دينار صداقا كان لها عليه فلبث شهرا ثم طلقها فخاصمته إلى عبد الملك بن مروان فقال الرجل اعطتني طيبة بها نفسها فقال عبد الملك فأين الآية التى بعدها فلا تاخذوا منه شيئا اردد عليها
وعن عمر رضي الله عنه انه كتب إلى قضاته ان النساء يعطين رغبة ورهبة فأيما امرأة أعطت ثم أرادت ان ترجع فذلك لها وعن ابن عباس

" صفحة رقم 502 "
256 ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سئل عن هذه الاية فقال ( اذا جادت لزوجها بالعطية طائعة غير مكرهة لا يقضى به عليكم سلطان ولا يؤاخذكم الله به في الاخرة )
وروي ان اناسا كانوا يتأثمون ان يرجع أحد منهم في شيء مما ساق إلى امراته فقال الله تعالى ان طابت نفس واحدة من غير إكراه ولا خديعة فكلوه سائغا هنيئا
وفي الآية دليل على ضيق المسلك في ذلك ووجوب الاحتياط حيث بني الشرط على طيب النفس فقيل فإن طبن ولم يقل فإن وهبن أو سمحن اعلاما بان المراعى هو تجافي نفسها عن الموهوب طيبة
وقيل فإن طبن لكم عن شيء منه ولم يقل فإن طبن لكم عنها بعثا لهن على تقليل الموهوب وعن الليث بن سعد لا يجوز تبرعها الا باليسير وعن الأوزاعي لا يجوز تبرعها ما لم تلد أو تقم في بيت زوجها سنة
ويجوز ان يكون تذكير الضمير لينصرف إلى الصداق الواحد فيكون متناولا بعضه ولو انث لتناول ظاهره هبة الصداق كله لأن بعض الصدقات واحدة منها فصاعدا
الهنيء والمريء صفتان من هنؤ الطعام ومرؤ اذا كان سائغا لا تنغيص فيه وقيل الهنيء ما يلذه الآكل والمريء ما يحمد عاقبته
وقيل هو ما ينساغ في مجراه وقيل لمدخل الطعام من الحلقوم إلى فم المعدة ( المريء ) لمروء الطعام فيه وهو انسياغه وهما وصف للمصدر اي أكلا هنيئا مريئا أو حال من الضمير أي كلوه وهو هنيء مريء وقد يوقف على فكلوه ويبتدأ هنيئا مريئا على الدعاء وعلى انهما صفتان اقيمتا مقام المصدرين كانه قيل هنأ مرأ وهذه عبارة عن التحليل والمبالغة في الاباحة وإزالة التبعة
النساء 5
)
النساء : ( 5 ) ولا تؤتوا السفهاء . . . . .
السفهاء ( المبذرون اموالهم الذين ينفقونها فيما لا ينبغى ولا يد لهم باصلاحها وتثميرها والتصرف فيها والخطاب للأولياء
وأضاف الأموال اليهم لأنها من جنس ما يقيم به الناس معايشهم كما قال
) ولا تقتلوا أنفسكم ( النساء 79
" فمما ملكت ايمانكم من فتياتكم المؤمنات " النساء 25 والدليل على انه خطاب للأولياء في اموال

" صفحة رقم 503 "
اليتامى قوله
) وارزقوهم فيها واكسوهم (
) جعل الله لكم قياما (
أي تقومون بها وتنتعشون ولو ضيعتموها لضعتم فكانها في انفسها قيامكم وانتعاشكم
وقرىء ( قيما ) بمعنى قياما كما جاء عوذا بمعنى عياذا
وقرأ عبد الله بن عمر ( قواما ) بالواو وقوام الشيء ما يقام به كقولك هو ملاك الأمر لما يملك به
وكان السلف يقولون المال سلاح المؤمن ولأن اترك ما لا يحاسبني الله عليه خير من ان احتاج إلى الناس
وعن سفيان وكانت له بضاعة يقلبها لولاها لتمندل بي بنو العباس وعن غيره وقيل له انها تدنيك من الدنيا لئن أدنتني من الدنيا لقد صانتني عنها
وكانوا يقولون اتجروا واكتسبوا فإنكم في زمان اذا احتاج أحدكم كان اول ما يأكل دينه وربما رأوا رجلا في جنازة فقالوا له اذهب إلى دكانك
) وارزقوهم فيها (
واجعلوها مكانا لرزقهم بان تتجروا فيها وتتربحوا حتى تكون نفقتهم من الأرباح لا من صلب المال فلا ياكلها الانفاق
وقيل هو امر لكل أحد ان لا يخرج ماله إلى أحد من السفهاء قريب أو اجنبي رجل أو امرأة يعلم انه يضعه فيما لا ينبغي ويفسده
) قولا معروفا (
قال ابن جريج عدة جميلة ان صلحتم ورشدتم سلمنا اليكم اموالكم
وعن عطاء اذا ربحت أعطيتك وإن غنمت في غزاتي جعلت لك حظا
وقيل ان لم يكن ممن وجبت عليك نفقته فقل عافانا الله وإياك بارك الله فيك
وكل ما سكنت اليه النفس واحبته لحسنه عقلا أو شرعا من قول أو عمل فهو معروف وما انكرته ونفرت منه لقبحه فهو منكر
النساء 6
النساء : ( 6 ) وابتلوا اليتامى حتى . . . . .
) وابتلوا اليتامى (
واختبروا عقولهم وذوقوا احوالهم ومعرفتهم بالتصرف قبل

" صفحة رقم 504 "
البلوغ حتى اذا تبينتم منهم رشدا أي هداية دفعتم اليهم اموالهم من غير تأخير عن حد البلوغ وبلوغ النكاح ان يحتلم لأنه يصلح للنكاح عنده ولطلب ما هو مقصود به وهو التوالد والتناسل والايناس الاستيضاح فاستعير للتبيين
واختلف في الابتلاء والرشد فالابتلاء عند أبي حنيفة وأصحابه ان يدفع اليه ما يتصرف فيه حتى يستبين حاله فيما يجيء منه
والرشد التهدي إلى وجوه التصرف
وعن ابن عباس الصلاح في العقل والحفظ للمال
وعند مالك والشافعي الابتلاء أن يتتبع أحواله وتصرفه في الأخذ والاعطاء ويتبصر مخايله وميله إلى الدين
والرشد الصلاح في الدين لأن الفسق مفسدة للمال
فإن قلت فإن لم يؤنس منه رشد إلى حد البلوغ قلت عند أبي حنيفة رحمه الله ينتظر إلى خمس وعشرين سنة لأن مدة بلوغ الذكر عنده بالسن ثماني عشرة سنة فإذا زادت عليها سبع سنين وهي مدة معتبرة في تغير احوال الإنسان لقوله عليه الصلاة والسلام
257 ( مروهم بالصلاة لسبع )
دفع اليه ماله أونس منه الرشد أو لم يؤنس
وعند

" صفحة رقم 505 "
أصحابه لا يدفع اليه ابدا الا بإيناس الرشد
فإن قلت ما معنى تنكير الرشد قلت معناه نوعا من الرشد وهو الرشد في التصرف والتجارة أو طرفا من الرشد ومخيلة من مخايلة حتى لا ينتظر به تمام الرشد
فإن قلت كيف نظم هذا الكلام قلت ما بعد
) حتى ( إلى
) فادفعوا إليهم أموالهم (
جعل غاية للإبتلاء وهي ( حتى ) التي تقع بعدها الجمل كالتي في قوله
( فما زالت القتلى تمج دماءها بدجلة حتى ماء دجلة أشكل )
والجملة الواقعة بعدها جملة شرطية لأن اذا متضمنة معنى الشرط وفعل الشرط بلغوا النكاح وقوله
" فإن ءانستم منهم رشدا فادفعوا اليهم اموالهم "
جمله من شرط وجزاء واقعة جوابا للشرط الأول الذي هو اذا بلغوا النكاح فكأنه قيل وابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغهم فاستحقاقهم دفع اموالهم اليهم بشرط ايناس الرشد منهم وقرا ابن مسعود ( فإن أحسيتم ) بمعنى أحسستم قال
( أحسن به فهن اليه شوس
)
وقرىء ( رشدا ) بفتحتين ( ورشدا ) بضمتين
) إسرافا وبدارا (
مسرفين ومبادرين كبرهم أو لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم تفرطون في إنفاقها وتقولون ننفق كما نشتهي قبل ان يكبر اليتامى فينتزعوها من ايدينا
ثم قسم الأمر بين أن يكون الوصي غنيا وبين ان يكون فقيرا فالغني يستعف من اكلها ولا يطمع ويقتنع بما رزقه الله من الغنى اشفاقا على اليتيم وابقاء على ماله
والفقير ياكل قوتا مقدرا محتاطا في تقديره على وجه الاجرة أو استقراضا على ما في ذلك من الاختلاف ولفظ الأكل بالمعروف

" صفحة رقم 506 "
والاستعفاف مما يدل على ان للوصي حقا لقيامه عليها وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
258 ان رجلا قال له ان في حجري يتيما آفأكل من ماله قال ( بالمعروف غير متأثل مالا ولا واق مالك بماله فقال أفأضربه قال مما كنت ضاربا منه ولدك )
وعن ابن عباس أن ولي اليتيم قال له أفأشرب من لبن ابله قال ان كنت تبغي ضالتها وتلوط حوضها وتهنأ جرباها وتسقيها يوم وردها فاشرب غير مضر بنسل ولا ناهك في الحلب وعنه يضرب بيده مع أيديهم فليأكل بالمعروف ولا يلبس عمامة فما فوقها
وعن إبراهيم لا يلبس الكتان والحلل
ولكن ما سد الجوعة ووارى العورة
وعن محمد بن كعب يتقرم تقرم البهيمة وينزل نفسه منزلة الأجير فيما لا بد منه
وعن الشعبي يأكل من ماله بقدر ما يعين فيه وعنه كالميتة يتناول عند الضرورة ويقضي
وعن مجاهد يستسلف فاذا أيسر أدى وعن سعيد بن جبير إن

" صفحة رقم 507 "
شاء شرب فضل اللبن وركب الظهر ولبس ما يستره من الثياب وأخذ القوت ولا يجاوزه فإن أيسر قضاه وإن أعسر فهو في حل
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إني انزلت نفسي من مال الله منزلة والي اليتيم ان استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف وإذا أيسرت قضيت واستعف أبلغ من عف كانه طالب زيادة العفة
) فأشهدوا عليهم (
بانهم تسلموها وقبضوها وبرئت عنها ذممكم وذلك ابعد من التخاصم والتجاحد وادخل في الأمانة وبراءة الساحة
ألا ترى انه اذا لم يشهد فادعى عليه صدق مع اليمين عند أبي حنيفة وأصحابه
وعند مالك والشافعي لا يصدق الا بالبينة فكان في الاشهاد الاستحراز من توجه الحلف المفضي إلى التهمة أو من وجوب الضمان اذا لم يقم البينة
) وكفى بالله حسيبا (
أي كافيا في الشهادة عليكم بالدفع والقبض أو محاسبا
فعليكم بالتصادق واياكم والتكاذب
النساء 7 - 8
النساء : ( 7 - 8 ) للرجال نصيب مما . . . . .
" والأقربون "
هم المتوارثون من ذوي القرابة دون غيرهم
) مما قل منه أو كثر (
بدل مما ترك بتكرير العامل و
) نصيبا مفروضا (
نصب على الاختصاص بمعنى اعني نصيبا مفروضا مقطوعا واجبا لا بد لهم من ان يحوزوه ولا يستأثر به
ويجوز ان ينتصب انتصاب المصدر المؤكد كقوله
) فريضة من الله ( النساء 11 كانه قيل قسمة مفروضة
259 وروي ان اوس بن ثابت الأنصاري ترك امرأته أم كجة وثلاث بنات

" صفحة رقم 508 "
فزوى ابنا عمه سويد وعرفطة أو قتادة وعرفجة ميراثه عنهن وكان اهل الجاهلية لا يورثون النساء والأطفال ويقولون لا يرث الا من طاعن بالرماح وذاد عن الحوزة وحاز الغنيمة فجاءت أم كجة إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في مسجد الفضيخ فشكت اليه فقال ( ارجعي حتى انظر ما يحدث الله ) فنزلت
فبعث اليهما لا تفرقا من مال اوس شيئا فإن الله قد جعل لهن نصيبا ولم يبين حتى يبين فنزلت
) يوصيكم الله ( النساء 11 فأعطى أم كحة الثمن والبنات الثلثين والباقي ابني العم
) وإذا حضر القسمة (
اي قسمة التركة
( أولوا القربى )
ممن لا يرث
) فارزقوهم منه (
الضمير لما ترك الوالدان والأقربون وهو امر على الندب قال الحسن كان المؤمنون يفعلون ذلك اذا اجتمعت الورثة حضرهم هؤلاء فرضخوا لهم بالشيء من رثة المتاع
فحضهم الله على ذلك تأديبا من غير ان يكون فريضة قالوا ولو كان فريضة لضرب له حد ومقدار كما لغيره من الحقوق وروى ان عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه قسم ميراث أبيه وعائشة رضي الله عنها حية فلم يدع في الدار احدا الا اعطاه وتلا هذه الآية وقيل هو على الوجوب
وقيل هو منسوخ بآيات الميراث كالوصية
وعن سعيد بن جبير ان ناسا يقولون نسخت ووالله ما نسخت ولكنها مما تهاونت به الناس
والقول المعروف أن يلطفوا لهم القول ويقولوا خذوا بارك الله عليكم ويعتذروا اليهم ويستقلوا ما أعطوهم ولا يستكثروه ولا يمنوا عليهم
وعن الحسن والنخعي ادركنا الناس وهم يقسمون على القرابات والمساكين واليتامى من العين يعنيان الورق والذهب
فإذا قسم الورق والذهب وصارت القسمة إلى الأرضين والرقيق وما أشبه ذلك قالوا لهم قولا معروفا كانوا يقولون لهم بورك فيكم
النساء 9
(
النساء : ( 9 ) وليخش الذين لو . . . . .
لو ) مع ما في حيزه صلة للذين والمراد بهم الأوصياء امروا بان يخشوا الله

" صفحة رقم 509 "
فيخافوا على من في حجورهم من اليتامى ويشفقوا عليهم خوفهم على ذريتهم لو تركوهم ضعافا وشفقتهم عليهم وان يقدروا ذلك في انفسهم ويصوروه حتى لا يجسروا على خلاف الشفقة والرحمة
ويجوز ان يكون المعنى وليخشوا على اليتامى من الضياع
وقيل هم الذين يجلسون إلى المريض فيقولون إن ذريتك لا يغنون عنك من الله شيئا فقدم مالك فيستغرقه بالوصايا فامروا بان يخشوا ربهم أو يخشوا على اولاد المريض ويشفقوا عليهم شفقتهم على أولاد أنفسهم لو كانوا
ويجوز ان يتصل بما قبله وان يكون امرا بالشفقة للورثة على الذين يحضرون القسمة من ضعفاء أقاربهم واليتامى والمساكين وان يتصوروا انهم لو كانوا اولادهم بقوا خلفهم ضائعين محتاجين
هل كانوا يخافون عليهم الحرمان والخيبة فإن قلت ما معنى وقوع
) لو تركوا (
وجوابه صلة للذين قلت معناه وليخش الذين صفتهم وحالهم انهم لو شارفوا ان يتركوا خلفهم ذرية ضعافا وذلك عند احتضارهم خافوا عليهم الضياع بعدهم لذهاب كافلهم وكاسبهم كما قال القائل
لقد زاد الحياة الي حبا
بناتي انهن من الضعاف
أحاذر ان يرين البؤس بعدي
وان يشربن رنقا بعد صافي
وقرىء ( ضعفاء ) ( وضعافي ) ( وضعافي ) نحو سكارى وسكارى والقول السديد من الأوصياء ان لا يؤذوا اليتامى ويكلموهم كما يكلمون اولادهم بالأدب الحسن والترحيب ويدعوهم بيا بني ويا ولدي ومن الجالسين إلى المريض ان يقولوا له اذا اراد الوصية لا تسرف في وصيتك فتجحف باولادك مثل قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لسعد
260 ( إنك ان تترك ولدك اغنياء خير من ان تدعهم عالة يتكففون الناس )
وكان الصحابة رضي الله عنهم يستحبون ان لا تبلغ الوصية الثلث وان الخمس أفضل من الربع والربع افضل من الثلث
ومن المتقاسمين ميراثهم ان يلطفوا القول ويجملوه للحاضرين

" صفحة رقم 510 "
ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا
(
النساء : ( 10 ) إن الذين يأكلون . . . . .
ظلما )
ظالمين أو على وجه الظلم من اولياء السوء وقضاته
) في بطونهم (
ملء بطونهم يقال اكل فلان في بطنه وفي بعض بطنه قال
( كلوا في بعض بطنكموا تعفوا )
ومعنى ياكلون نارا ما يجر إلى النار فكأنه نار في الحقيقة وروي
261 ( أنه يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة والدخان يخرج من قبره ومن فيه وانفه وأذنيه وعينيه فيعرف الناس انه كان يأكل مال اليتيم في الدنيا )
وقرىء ( وسيصلون ) بضم الياء وتخفيف اللام وتشديدها
) سعيرا (
نارا من النيران مبهمة الوصف
النساء 11
النساء : ( 11 ) يوصيكم الله في . . . . .
) يوصيكم الله (
يعهد اليكم ويامركم
) في أولادكم (
في شأن ميراثهم بما هو العدل والمصلحة
وهذا اجمال تفصيله
) للذكر مثل حظ الأنثيين (
فإن قلت هلا قيل

" صفحة رقم 511 "
للأنثيين مثل حظ الذكر أو للأنثى نصف حظ الذكر قلت ليبدأ ببيان حظ الذكر لفضله كما ضوعف حظه لذلك ولأن قوله
) للذكر مثل حظ الأنثيين ( قصد إلى بيان فضل الذكر
وقولك للأنثيين مثل حظ الذكر قصد إلى بيان نقص الأنثى وما كان قصدا إلى بيان فضله كان ادل على فضله من القصد إلى بيان نقص غيره عنه ولأنهم كانوا يورثون الذكور دون الاناث وهو السبب لورود الآية فقيل كفى الذكور أن ضوعف لهم نصيب الاناث فلا يتمادى في حظهن حتى يحرمن مع ادلائهن من القرابة بمثل ما يدلون به
فإن قلت فإن حظ الانثيين الثلثان فكانه قيل للذكر الثلثان
قلت اريد حال الاجتماع لا الانفراد اي اذا اجتمع الذكر والأنثيان كان له سهمان كما ان لهما سهمين
واما في حال الانفراد فالابن يأخذ المال كله والبنتان يأخذان الثلثين
والدليل على ان الغرض حكم الاجتماع انه اتبعه حكم الانفراد وهو قوله
) فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك (
والمعنى للذكر منهم اي من اولادكم فحذف الراجع اليه لانه مفهوم كقولهم السمن منوان بدرهم
) فإن كن نساء (
فإن كانت البنات أو المولودات نساء خلصا
ليس معهن رجل يعني بنات ليس معهن ابن
) فوق اثنتين (
يجوز ان يكون خبرا ثانيا لكان وان يكون صفة لنساء اي نساء زائدات على اثنتين
) وإن كانت واحدة (
وإن كانت البنت أو المولودة منفردة فذة ليس معها اخرى
) فلها النصف (
وقرىء ( واحدة ) بالرفع على كان التامة والقراءة بالنصب اوفق لقوله
) فإن كن نساء (
وقرأ زيد بن ثابت ( النصف ) بالضم والضمير في
) ترك (
للميت لأن الآية لما كانت في الميراث علم ان التارك هو الميت
فإن قلت قوله
) للذكر مثل حظ الأنثيين (
كلام مسوق لبيان حظ الذكر من الأولاد لا لبيان حظ الانثيين فكيف صح ان يردف قوله
) فإن كن نساء (
وهو لبيان حظ الاناث قلت وان كان

" صفحة رقم 512 "
مسوقا لبيان حظ الذكر الا أنه لما فقه منه وتبين حظ الأنثيين مع اخيهما كان كانه مسوق للأمرين جميعا
فلذلك صح ان يقال
) فإن كن نساء (
فإن قلت هل يصح ان يكون الضميران في ( كن ) و كانت ) مبهمين ويكون ( نساء ) و واحدة ) تفسيرا لهما على ان كان تامة قلت لا أبعد ذلك
فإن قلت لم قيل
) فإن كن نساء ( ولم يقل وان كانت امراة قلت لأن الغرض ثمة خلوصهن اناثا لا ذكر فيهن ليميز بين ما ذكر من اجتماعهن مع الذكور في قوله
) للذكر مثل حظ الأنثيين (
وبين انفرادهن
وأريد ههنا ان يميز بين كون البنت مع غيرها وبين كونها وحدها لا قرينة لها
فإن قلت قد ذكر حكم البنتين في حال اجتماعهما مع الابن وحكم البنات والبنت في حال الانفراد ولم يذكر حكم البنتين في حال الانفراد فما حكمهما وما باله لم يذكر قلت اما حكمهما فمختلف فيه فابن عباس ابى تنزيلهما منزلة الجماعة
لقوله تعالى
) فإن كن نساء فوق اثنتين (
فأعطاهما حكم الواحدة وهو ظاهر مكشوف واما سائر الصحابة فقد أعطوهما حكم الجماعة والذي يعلل به قولهم أن قوله
) للذكر مثل حظ الأنثيين ( )
قد دل على ان حكم الانثيين حكم الذكر وذلك ان الذكر كما يحوز الثلثين مع الواحدة فالأنثيان كذلك يحوزان الثلثين فلما ذكر ما دل على حكم الأنثيين قيل
) فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك (
على معنى فإن كن جماعة بالغات ما بلغن من العدد فلهن ما للأنثيين وهو الثلثان لا يتجاوزنه لكثرتهن ليعلم ان حكم الجماعة حكم الثنتين بغير تفاوت
وقيل ان الثنتين امس رحما بالميت من الأختين فأوجبوا لهما ما اوجب الله للأختين
ولم يروا ان يقصروا بهما عن حظ من هو أبعد رحما منهما وقيل ان البنت

" صفحة رقم 513 "
لما وجب لها مع أخيها الثلث كانت أحرى ان يجب لها الثلث اذا كانت مع اخت مثلها
ويكون لأختها معها مثل ما كان يجب لها أيضا مع اخيها لو انفردت معه فوجب لهما الثلثان
) ولأبويه (
الضمير للميت و
) لكل واحد منهما (
بدل من
) ولأبويه (
بتكرير العامل
وفائدة هذا البدل انه لو قيل ولأبويه السدس لكان ظاهره اشتراكهما فيه
ولو قيل ولأبويه السدسان لأوهم قسمة السدسين عليها على التسوية وعلى خلافها
فإن قلت فهلا قيل ولكل واحد من ابويه السدس وأى فائدة في ذكر الأبوين أولا ثم في الابدال منهما قلت لأن في الابدال والتفصيل بعد الاجمال تأكيدا وتشديدا كالذي تراه في الجمع بين المفسر والتفسير
والسدس مبتدا وخبره لأبويه والبدل متوسط بينهما للبيان
وقرأ الحسن ونعيم بن ميسرة ( السدس ) بالتخفيف وكذلك الثلث والربع والثمن
والولد يقع على الذكر والأنثى ويختلف حكم الأب في ذلك
فإن كان ذكرا اقتصر بالأب على السدس وإن كانت أنثى عصب مع اعطاء السدس
فإن قلت قد بين حكم الأبوين في الإرث مع

" صفحة رقم 514 "
الولد ثم حكمهما مع عدمه فهلا قيل فإن لم يكن له ولد فلأمه الثلث
وأي فائدة في قوله
" وورثاه أبواه "
قلت معناه فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فحسب فلأمه الثلث مما ترك كما قال
) لكل واحد منهما السدس مما ترك (
لأنه اذا ورثه أبواه مع أحد الزوجين كان للأم ثلث ما بقي بعد إخراج نصيب الزوج لا ثلث ما ترك الا عند ابن عباس
والمعنى ان الأبوين اذا خلصا تقاسما الميراث
للذكر مثل حظ الانثيين فإن قلت ما العلة في ان كان لها ثلث ما بقي دون ثلث المال قلت فيه وجهان أحدهما ان الزوج انما استحق ما يسهم له بحق العقد لا بالقرابة
فأشبه الوصية في قسمة ما وراءه
والثاني ان الأب أقوى في الارث من الأم بدليل انه يضعف عليها اذا خلصا ويكون صاحب فرض وعصبة وجامعا بين الأمرين فلو ضرب لها الثلث كملا لأدى إلى حط نصيبه عن نصيبها
ألا ترى ان امرأة لو تركت زوجا وأبوين فصار للزوج النصف وللأم الثلث والباقي للأب حازت الأم سهمين والأب سهما واحدا فينقلب الحكم إلى أن يكون للأنثى مثل حظ الذكرين
) فإن كان له إخوة فلأمه السدس (
الإخوة يحجبون الأم عن الثلث وإن كانوا لا يرثون مع الاب فيكون لها السدس وللأب خمسة الأسداس ويستوي في الحجب الاثنان فصاعدا الا عند ابن عباس
وعنه أنهم يأخذون السدس الذي حجبوا عنه الأم
فإن قلت فكيف صح ان يتناول الإخوة الأخوين والجمع خلاف التثنية قلت الإخوة تفيد معنى الجمعية المطلقة بغير كمية والتثنية كالتثليث والتربيع في إفادة الكمية وهذا موضع الدلالة على الجمع المطلق فدل بالإخوة عليه
وقرىء ( فلإمه ) بكسر الهمزة اتباعا للجرة
الا تراها لا تكسر في قوله
) وجعلنا ابن مريم وأمه آية ( المؤمنون 50
) من بعد وصية (
متعلق بما تقدمه من قسمة المواريث كلها لا بما يليه وحده كانه قيل قسمة هذه الأنصبة من بعد وصية يوصى بها وقرىء ( يوصي بها ) بالتخفيف والتشديد
وويوصى بها ) على البناء للمفعول مخففا فإن قلت ما معنى أو قلت معناها الاباحة وأنه ان كان احدهما أو كلاهما

" صفحة رقم 515 "
قدم على قسمة الميراث كقولك جالس الحسن أو ابن سيرين فإن قلت لم قدمت الوصية على الدين والدين مقدم عليها في الشريعة قلت لما كانت الوصية مشبهة للميراث في كونها ماخوذة من غير عوض كان إخراجها مما يشق على الورثة ويتعاظمهم ولا تطيب انفسهم بها فكان أداؤها مظنة للتفريط بخلاف الدين فإن نفوسهم مطمئنة إلى ادائه فلذلك قدمت على الدين بعثا على وجوبها والمسارعة إلى إخراجها مع الدين ولذلك جيء بكلمة ( أو ) للتسوية بينهما في الوجوب ثم اكد ذلك ورغب فيه بقوله
) وأبناؤكم لا (
أي لا تدرون من انفع لكم من آبائكم وأبنائكم الذين يموتون أمن اوصى منهم أمن لم يوص يعنى ان من اوصى ببعض ماله فعرضكم لثواب الآخرة بإمضاء وصيته فهو أقرب لكم نفعا واحضر جدوى ممن ترك الوصية فوفر عليكم عرض الدنيا وجعل ثواب الاخرة أقرب وأحضر من عرض الدنيا ذهابا إلى حقيقة الأمر لأن عرض الدنيا وان كان عاجلا قريبا في الصورة الا انه فان فهو في الحقيقة الأبعد الأقصى وثواب الآخرة وإن كان آجلا إلا أنه باق فهو في الحقيقة الأقرب الأدنى
وقيل إن الابن ان كان أرفع درجة من أبيه في الجنة سأل ان يرفع أبوه اليه فيرفع
وكذلك الأب إن كان أرفع درجة من ابنه سأل ان يرفع اليه ابنه فأنتم لا تدرون في الدنيا أيهم أقرب لكم نفعا
وقيل قد فرض الله الفرائض على ما هو عنده حكمة
ولو وكل ذلك إليكم لم تعلموا أيهم لكم انفع فوضعتم أنتم الأموال على غير حكمة وقيل الأب يجب عليه النفقة على الابن اذا احتاج وكذلك الابن اذا كان محتاجا فهما في النفع بالنفقة لا يدري ايهما أقرب نفعا
وليس شيء من هذه الأقاويل بملائم للمعنى ولا مجاوب له لأن هذه الجملة اعتراضية
ومن حق الاعتراضي أن يؤكد ما اعترض بينه ويناسبه

" صفحة رقم 516 "
والقول ما تقدم
) فريضة (
نصبت نصب المصدر المؤكد أي فرض ذلك فرضا
) إن الله كان عليما (
بمصالح خلقه
) حكيما (
في كل ما فرض وقسم من المواريث وغيرها
النساء 12
)
النساء : ( 12 ) ولكم نصف ما . . . . .
فإن كان لهن ولد (
منكم أو من غيركم جعلت المراة على النصف من الرجل بحق الزواج كما جعلت كذلك بحق النسب والواحدة والجماعة سواء في الربع والثمن
) وإن كان رجل (
يعني الميت
و
) يورث (
من ورث أي يورث منه وهو صفة لرجل و
) كلالة (
خبر كان أي وان كان رجل موروث منه كلالة أو يجعل يورث خبر كان وكلالة حالا من الضمير في يورث وقرىء ( يورث ) و ( يورث ) بالتخفيف والتشديد على البناء للفاعل وكلالة حال أو مفعول به
فإن قلت ما الكلالة قلت ينطلق على ثلاثة على من لم يخلف ولدا ولا والدا وعلى من ليس بولد ولا والد من المخلفين وعلى القرابة من غير جهة الولد والوالد ومنه قولهم ما ورث المجد عن كلالة كما تقول ما صمت عن عي وما كف عن جبن
والكلالة في الأصل مصدر بمعنى الكلال وهو ذهاب القوة من الاعياء قال الأعشى
( فآليت لا أرثي لها من كلالة )
فاستعيرت للقرابة من غير جهة الولد والوالد لأنها بالاضافة إلى قرابتها كألة ضعيفة واذا جعل صفة للموروث أو الوارث فبمعنى ذي كلالة كما تقول فلان من قرابتي تريد من ذوي قرابتي
ويجوز ان تكون صفة كالهجاجة والفقاقة للأحمق
فإن قلت فإن جعلتها اسما للقرابة في الآية فعلام تنصبها قلت على انها مفعول له أي يورث لأجل الكلالة أو يورث غيره لأجلها فإن قلت فإن جعلت يورث على البناء

" صفحة رقم 517 "
للمفعول من اورث فما وجهه قلت الرجل حينئذ هو الوارث لا الموروث
فإن قلت فالضمير في قوله
) فلكل واحد منهما (
إلى من يرجع حيئنئذ قلت إلى الرجل والى أخيه أو أخته وعلى الأول اليهما
فإن قلت اذا رجع الضمير اليهما أفاد استواءهما في حيازة السدس من غير مفاضلة الذكر الأنثى فهل تبقى هذه الفائدة قائمة في هذا الوجه قلت نعم لأنك اذا قلت السدس له أو لواحد من الأخ أو الأخت على التخيير فقد سويت بين الذكر والأنثى
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه انه سئل عن الكلالة فقال أقول فيه برأيي فإن كان صوابا فمن الله وان كان خطأ فمني ومن الشيطان والله منه برىء
الكلالة ما خلا الولد والوالد
وعن عطاء والضحاك أن الكلالة هو الموروث
وعن سعيد بن جبير هو الوارث وقد اجمعوا على ان المراد أولاد الأم وتدل عليه قراءة أبي ( وله أخ أو اخت من الام )
وقراءة سعد بن أبي وقاص ( وله أخ أو أخت من أم )
وقيل انما استدل على ان الكلالة ههنا الإخوة للأم خاصة بما ذكر في آخر السورة من ان للأختين الثلثين وان للأخوة كل المال فعلم ههنا لما جعل للواحد السدس وللاثنين الثلث ولم يزادوا على الثلث شيئا انه يعني بهم الإخوة للأم والا فالكلالة عامة لمن عدا الولد والوالد من سائر الاخوة الأخياف والأعيان واولاد العلات وغيرهم
) غير مضار (
حال اي يوصى بها وهو غير مضار لورثته وذلك ان يوصى بزيادة على الثلث أو يوصي بالثلث فما دونه ونيته مضارة ورثته ومغاضبتهم لا وجه الله تعالى
وعن قتادة كره الله الضرار في الحياة وعند الممات ونهى عنه
وعن الحسن المضارة في الدين أن يوصي بدين ليس عليه ومعناه الاقرار
) وصية من الله (
مصدر مؤكد اي يوصيكم بذلك وصية كقوله
) فريضة من الله ( النساء 11 ويجوز ان تكون منصوبة بغير مضار اي لا يضار وصية من الله وهو الثلث فما دونه بزيادته على الثلث أو وصية من الله بالأولاد وان لا يدعهم عالة باسرافه في الوصية وينصر هذا الوجه قراءة الحسن ( غير مضار وصية من الله ) بالاضافة
) والله عليم (
بمن جار أو عدل في وصيته
) حليم (
عن الجائر لا يعالجه وهذا وعيد فإن قلت في
) يوصي (
ضمير الرجل اذا جعلته الموروث فكيف تعمل اذا جعلته الوارث قلت كما

" صفحة رقم 518 "
علمت في قوله تعالى
) فلهن ثلثا ما ترك ( النساء 11 لأنه علم ان التارك والموصي هو الميت فإن قلت فأين ذو الحال فيمن قرأ ( يوصى بها ) على ما لم يسم فاعله قلت يضمر ( يوصى ) فينتصب عن فاعله لأنه لما قيل
) يوصي بها (
علم ان ثم موصيا كما قال
) يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال ( النور 36 على ما لم يسم فاعله فعلم أن ثم مسبحا فأضمر يسبح فكما كان ( رجال ) فاعل يدل عليه يسبح كان غير مضار حالا عما يدل عليه يوصى بها
النساء 13 - 14
)
النساء : ( 13 ) تلك حدود الله . . . . .
تلك (
اشارة إلى الأحكام التى ذكرت في باب اليتامى والوصايا والمواريث
وسماها حدودا لأن الشرائع كالحدود المضروبة الموقتة للمكلفين لا يجوز لهم ان يتجاوزها ويتخطوها إلى ما ليس لهم بحق
) يدخله (
قرىء بالياء والنون وكذلك
) يدخله نارا (
وقيل يدخله وخالدين حملا على لفظ ( من ) ومعناه
وانتصب خالدين وخالدا على الحال فإن قلت هل يجوز أن يكونا صفتين لجنات ونارا قلت لا لأنهما جريا على غير من هما له
فلا بد من الضمير وهو قولك خالدين هم فيها وخالدا هو فيها
النساء 15 - 16
النساء : ( 15 - 16 ) واللاتي يأتين الفاحشة . . . . .
) يأتين الفاحشة (
يرهقنها يقال أتى الفاحشة وجاءها وغشيها ورهقها بمعنى
وفي قراءة ابن مسعود ( يأتين بالفاحشة ) والفاحشة الزنا لزيادتها في القبح على كثير من القبائح
) فأمسكوهن في البيوت (
قيل معناه فخلدوهن محبوسات في بيوتكم وكان ذلك عقوبتهن في اول الإسلام
ثم نسخ بقوله تعالى
" الزانية والزاني 00 " الآية النور 2 ويجوز ان تكون غير منسوخة بان يترك ذكر الحد لكونه معلوما بالكتاب والسنة ويوصي بامساكهن في البيوت بعد ان يحددن صيانة لهن عن مثل ما جرى عليهن بسبب الخروج من البيوت والتعرض للرجال
) أو يجعل الله لهن سبيلا (
هو النكاح الذي يستغنين به عن السفاح وقيل السبيل هو الحد لأنه لم يكن مشروعا ذلك الوقت فإن قلت ما معنى يتوفاهن الموت والتوفي والموت بمعنى واحد كأنه قيل

" صفحة رقم 519 "
حتى يميتهن الموت قلت يجوز ان يراد حتى يتوفاهن ملائكة الموت كقوله
) الذين تتوفاهم الملائكة ( النحل 28
) إن الذين توفاهم الملائكة ( النساء 97
) قل يتوفاكم ملك الموت ( السجدة 11 أو حتى يأخذهن الموت ويستوفي ارواحهن
) واللذان يأتيانها منكم (
يريد الزاني والزانية
) فآذوهما (
فوبخوهما وذموهما وقولوا لهما اما استحييتما اما خفتما الله
) فإن تابا وأصلحا (
وغيرا الحال
) فأعرضوا عنهما (
وأقطعوا التوبيخ والمذمة فإن التوبة تمنع استحقاق الذم والعقاب ويحتمل ان يكون خطابا للشهود العاثرين على سرهما ويراد بالإيذاء ذمهما وتعنيفهما وتهديدهما بالرفع إلى الامام والحد فإن تابا قبل الرفع إلى الإمام فأعرضوا عنهما ولا تتعرضوا لهما وقيل نزلت الأولى في السحاقات وهذه في اللواطين
وقرىء ( واللذان ) بتشديد النون ( واللذأن ) بالهمزة وتشديد النون
النساء 17 - 18
)
النساء : ( 17 ) إنما التوبة على . . . . .
التوبة (
من تاب الله عليه اذا قبل توبته وغفر له يعني انما القبول والغفران واجب على الله تعالى لهؤلاء
) بجهالة ( في موضع الحال أي يعملون السوء جاهلين

" صفحة رقم 520 "
سفهاء لأن ارتكاب القبيح مما يدعو اليه السفه والشهوة لا مما تدعو اليه الحكمة والعقل وعند مجاهد من عصى الله فهو جاهل حتى ينزع عن جهالته
) من قريب (
من زمان قريب
والزمان القريب ما قبل حضرة الموت
ألا ترى إلى قوله
) حتى إذا حضر أحدهم الموت (
فبين ان وقت الاحتضار وهو الوقت الذي لا تقبل فيه التوبة فبقي ما وراء ذلك في حكم القريب
وعن ابن عباس قبل ان ينزل به سلطان الموت
وعن الضحاك كل توبة قبل الموت فهو قريب وعن النخعي ما لم يؤخذ بكظمه
وروى أبو ايوب عن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
262 ( إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر )
وعن عطاء ولا قبل موته بفواق ناقة
وعن الحسن
263 أن إبليس قال حين أهبط إلى الأرض وعزتك لا أفارق ابن آدم ما دام

" صفحة رقم 521 "
روحه في جسده
فقال تعالى وعزتي لا أغلق عليه باب التوبة ما لم يغرغر
1 489
فإن قلت ما معنى
" من " في قوله
) من قريب (
قلت معناه التبعيض اي يتوبون بعض زمان قريب كانه سمى ما بين وجود المعصية وبين حضرة الموت زمانا قريبا ففي أي جزء تاب من اجزاء هذا الزمان فهو تائب من قريب والا فهو تائب من بعيد
فإن قلت ما فائدة قوله
) فأولئك يتوب الله عليهم (
بعد قوله ( انما التوبة على الله ) لهم قلت قوله
) إنما التوبة على الله (
إعلام بوجوبها عليه كما يجب على العبد بعض الطاعات وقوله فأولئك يتوب عليهم عدة بأنه يفي بما وجب عليه وإعلام بان الغفران كائن لا محالة كما يعد العبد الوفاء بالواجب
) ولا الذين يموتون (
عطف على الذين يعملون السيئات
سوى بين الذين سوفوا توبتهم إلى حضرة الموت وبين الذين ماتوا على الكفر في انه لا توبة لهم لأن حضرة الموت اول احوال الآخرة فكما ان المائت على الكفر قد فاتته التوبة على اليقين فكذلك المسوف إلى حضرة الموت لمجاوزة كل واحد منهما اوان التكليف والاختيار
) أولئك أعتدنا لهم (
في الوعيد نظير قوله
) فأولئك يتوب الله عليهم (
في الوعد ليتبين ان الأمرين كائنان لا محالة
فإن قلت من المراد بالذين يعملون السيئات
أهم الفساق من اهل القبلة أم الكفار قلت فيه وجهان أحدهما أن يراد الكفار لظاهر قوله
) وهم كفار (
وان يراد الفساق لأن الكلام انما وقع في الزانيين والإعراض عنهما ان تابا وأصلحا ويكون قوله ) وهم كفار (
واردا على سبيل التغليظ كقوله
) ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ( آل عمران 97 وقوله ( فليمت ان شاء الله يهوديا أو نصرانيا ) ( من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر ) لأن من كان مصدقا ومات وهو لم يحدث نفسه بالتوبة حاله قريبة من حال الكافر لأنه لا يجترىء على ذلك الا قلب مصمت
النساء 19
النساء : ( 19 ) يا أيها الذين . . . . .

" صفحة رقم 522 "
كانوا يلون النساء بضروب من البلايا ويظلمونهن بانواع من الظلم فزجروا عن ذلك كان الرجل اذا مات له قريب من اب أو اخ أو حميم عن امرأة ألقى ثوبه عليها وقال انا احق بها من كل أحد
فقيل
) لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها (
أي ان تأخذوهن على سبيل الارث كما تحاز المواريث وهن كارهات لذلك أو مكرهات
وقيل كان يمسكها حتى تموت
فقيل لا يحل لكم ان تمسكوهن حتى ترثوا منهن وهن غير راضيات بإمساككم
وكان الرجل اذا تزوج امرأة ولم تكن من حاجته حبسها مع سوء العشرة والقهر
لتفتدي منه بمالها وتختلع فقيل ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن
والعضل الحبس والتضييق ومنه عضلت المراة بولدها اذا اختنقت رحمها به فخرج بعضه وبقي بعضه
) إلا أن يأتين بفاحشة مبينة (
وهي النشوز وشكاسة الخلق وايذاء الزوج واهله بالبذاء والسلاطة أي الا ان يكون سوء العشرة من جهتهن فقد عذرتم في طلب الخلع
ويدل عليه قراءة أبي ( الا ان يفحشن عليكم ) وعن الحسن الفاحشة الزنا فإن فعلت حل لزوجها ان يسالها الخلع
وقيل كانوا اذا اصابت امرأته فاحشة اخذ منها ما ساق إليها وأخرجها
وعن أبي قلابة ومحمد بن سيرين لا يحل الخلع حتى يوجد رجل على بطنها
وعن قتادة لا يحل له ان يحبسها ضرارا حتى تفتدي منه يعنى وان زنت وقيل نسخ ذلك بالحدود وكانوا يسيئون معاشرة النساء فقيل لهم
) وعاشروهن بالمعروف (
وهو النصفة في المبيت والنفقة والإجمال في القول
) فإن كرهتموهن (
فلا تفارقوهن لكراهة الأنفس وحدها فربما كرهت النفس ما هو أصلح في الدين واحمد وأدنى إلى الخير واحبت ما هو بضد ذلك ولكن للنظر في اسباب الصلاح
النساء 20 - 21
النساء : ( 20 ) وإن أردتم استبدال . . . . .

" صفحة رقم 523 "
وكان الرجل اذا طمحت عينه إلى استطراف امرأة بهت التى تحته ورماها بفاحشة حتى يلجئها إلى الافتداء منه بما اعطاها ليصرفه إلى تزوج غيرها فقيل
) وإن أردتم استبدال زوج (
الآية والقنطار المال العظيم من قنطرت الشيء اذا رفعته ومنه القنطرة لأنها بناء مشيد
قال
كقنطرة الرومي أقسم ربها
لتكتنفن حتى تشاد بقرمد
وعن عمر رضي الله عنه انه قام خطيبا فقال أيها الناس لا تغالوا بصدق النساء فلو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان اولاكم بها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما اصدق امراة من نسائه اكثر من اثني عشر اوقية فقامت اليه امرأة فقالت له يا امير المؤمنين لم تمنعنا حقا جعله الله لنا والله يقول
" وءاتيتم احداهن قنطارا "
فقال عمر كل أحد اعلم من عمر ثم قال لأصحابه تسمعونني أقول مثل هذا القول فلا تنكرونه علي حتى ترد علي امراة ليست من اعلم النساء والبهتان ان تستقبل الرجل بأمر قبيح تقذفه به وهو برىء منه لأنه يبهت عند ذلك أي يتحير وانتصب
) بهتانا (
على الحال أي باهتين وآثمين أو على انه مفعول له وإن لم يكن غرضا كقولك قعد عن القتال جبنا
والميثاق الغليظ حق الصحبة والمضاجعة كانه قيل وأخذن به منكم ميثاقا غليظا أي بافضاء بعضكم إلى بعض ووصفه بالغلظ لقوته وعظمه فقد قالوا صحبة عشرين يوما قرابة فكيف بما يجري بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج وقيل هو قول الولي عند العقد أنكحتك على ما في كتاب الله من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )

" صفحة رقم 524 "
264 ( استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان في أيديكم أخذتموهن بامانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله )
ولا تنكحوا ما نكح ءاباؤكم من النسآء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وسآء سبيلا حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الاخ وبنات الاخت وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسآئكم وربائبكم اللاتى في الكبرى 9169
النساء 22
النساء : ( 22 ) ولا تنكحوا ما . . . . .
وكانوا ينكحون روابهم وناس منهم يمقتونه من ذي مروآتهم ويسمونه نكاح المقت
وكان المولود عليه يقال له المقتي
ومن ثم قيل
) ومقتا (
كانه قيل هو فاحشة في دين الله بالغة في القبح قبيح ممقوت في المروءة ولا مزيد على ما يجمع القبحين
وقرىء ( لا تحل لكم ) بالتاء على ان ترثوا بمعنى الوراثة
وكرها بالفتح والضم من الكراهة والإكراه وقرىء
) بفاحشة مبينة ( النساء من ابانت بمعنى

" صفحة رقم 525 "
تبينت أو بينت
كما قرىء ( مبينة ) بكسر الياء وفتحها و
) يجعل الله (
بالرفع على انه في موضع الحال
" وءاتيتهم احداهن "
بوصل همزة احداهن كما قرىء ( فلا اثم عليه ) البقرة 173
فإن قلت تعضلوهن ما وجه اعرابه قلت النصب عطفا على ان ترثوا و ( لا ) لتأكيد النفي أي لا يحل لكم ان ترثوا النساء ولا ان تعضلوهن
فإن قلت أي فرق بين تعدية ذهب بالباء وبينها بالهمزة قلت اذا عدي بالباء فمعناه الأخذ والاستصحاب كقوله تعالى
) فلما ذهبوا به ( يوسف ذ 5 واما الإذهاب فكالإزالة
فإن قلت
) إلا أن يأتين ( النساء 19 ما هذا الاستثناء قلت هو استثناء من أعم عام الظرف أو المفعول له كانه قيل ولا تعضلوهن في جميع الأوقات الا وقت ان يأتين بفاحشة أو ولا تعضلوهن لعلة من العلل الا لأن ياتين بفاحشة
فإن قلت من أي وجه صح قوله
) فعسى أن تكرهوا ( جزاء للشرط قلت من حيث ان المعنى فإن كرهتموهن فاصبروا عليهن مع الكراهة فلعل لكم فيما تكرهونه خيرا كثيرا ليس فيما تحبونه فإن قلت كيف استثنى ما قد سلف مما نكح آباؤكم قلت كما استثنى ( غير ان سيوفهم ) من قوله ( ولا عيب فيهم ) يعني ان امكنكم ان تنكحوا ما قد سلف فانكحوه فلا يحل لكم غيره وذلك غير ممكن والغرض المبالغة في تحريمه وسد الطريق إلى اباحته كما يعلق بالمحال في التأييد نحو قولهم حتى يبيض القار وحتى يلج الجمل في سم الخياط
النساء 23
النساء : ( 23 ) حرمت عليكم أمهاتكم . . . . .
معنى
) حرمت عليكم أمهاتكم (
تحريم نكاحهن لقوله
" ولا تنكحوا ما نكح آباءؤكم من النساء " النساء 22 ولأن تحريم نكاحهن هو الذي يفهم من تحريمهن كما يفهم من تحريم الخمر تحريم شربها ومن تحريم لحم الخنزير تحريم أكله
وقرىء ( وبنات الأخت ) بتخفيف الهمزة وقد نزل الله الرضاعة منزلة النسب حتى سمى المرضعة اما للرضيع والمراضعة أختا وكذلك زوج المرضعة أبوه وابواه جداه

" صفحة رقم 526 "
واخته عمته وكل ولد ولد له من غير المرضعة قبل الرضاع وبعده فهم اخوته واخواته لأبيه
وام المرضعة جدته وأختها خالته وكل من ولد لها من هذا الزوج فهم اخوته وأخواته لأبيه وامه ومن ولد لها من غيره فهم اخوته واخواته لأمه ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم )
265 ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب )
وقالوا تحريم الرضاع كتحريم النسب الا في مسألتين احداهما انه لا يجوز للرجل ان يتزوج اخت ابنه من النسب ويجوز ان يتزوج أخت ابنه من الرضاع لأن المانع في النسب وطؤه امها
وهذا المعنى غير موجود في الرضاع
والثانية لا يجوز أن يتزوج أم اخيه من النسب ويجوز في الرضاع لأن المانع في النسب وطء الأب اياها وهذا المعنى غير موجود في الرضاع
) من نسائكم (
متعلق بربائبكم
ومعناه أن الربيبة من المرأة المدخول بها محرمة على الرجل حلال له اذا لم يدخل بها
فإن قلت هل يصح ان يتعلق بقوله
) وأمهات نسائكم (
قلت لا يخلو اما ان يتعلق بهن وبالربائب فتكون حرمتهن وحرمة الربائب غير مبهمتين جميعا وإما ان يتعلق بهن دون الربائب فتكون حرمتهن غير مبهمة وحرمة الربائب مبهمة فلا يجوز الأول لأن معنى ( من ) مع أحد المتعلقين خلاف معناه مع الآخر
ألا تراك انك اذا قلت وامهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فقد جعلت ( من ) لبيان النساء
وتمييز المدخول بهن من غير المدخول بهن واذا قلت وربائبكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإنك جاعل ( من ) لابتداء الغاية كما تقول بنات رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من خديجة وليس بصحيح ان يعني بالكلمة الواحدة في خطاب واحد معنيان مختلفان
ولا يجوز الثاني لأن ما يليه هو الذي يستوجب التعليق به ما لم يعترض أمر لا يرد الا ان تقول اعلقه بالنساء والربائب وأجعل ( من ) للاتصال كقوله تعالى
) المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ( التوبة 67 فإني لست منك ولست مني ما انا من دد ولا الدد مني وامهات النساء متصلات بالنساء لأنهن امهاتهن كما

" صفحة رقم 527 "
ان الربائب متصلات بامهاتهن لأنهن بناتهن
هذا وقد اتفقوا على أن تحريم امهات النساء مبهم دون تحريم الربائب على ما عليه ظاهر كلام الله تعالى
266 وقد روى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في رجل تزوج امراة ثم طلقها قبل ان يدخل بها انه قال ( لا بأس ان يتزوج ابنتها ولا يحل له ان يتزوج أمها )
وعن عمر وعمران بن الحصين رضي الله عنهما ان الأم تحرم بنفس العقد وعن مسروق هي مرسلة فأرسلوا ما أرسل الله وعن ابن عباس أبهموا ما أبهم الله الا ما روي عن علي وابن عباس وزيد وابن عمر وابن الزبير
انهم قرءوا ( وأمهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن )
وكان ابن عباس يقول والله ما نزل الا هكذا وعن جابر روايتان وعن سعيد بن المسيب عن زيد اذا ماتت عنده فأخذ ميراثها كره ان يخلف على امها
وإذا طلقها قبل ان يدخل بها فإن شاء فعل أقام الموت مقام الدخول في ذلك كما قام مقامه في باب المهر
وسمى ولد المرأة من غير زوجها ربيبا وربيبة لأنه يربهما كما يرب ولده في غالب الأمر ثم اتسع فيه فسميا بذلك وان لم يربهما
فإن قلت ما فائدة قوله في

" صفحة رقم 528 "
حجوركم قلت فائدته التعليل للتحريم وانهن لاحتضانكم لهن أو لكونهن بصدد احتضانكم وفي حكم التقلب في حجوركم اذا دخلتم بامهاتهن وتمكن بدخولكم حكم الزواج وثبتت الخلطة والألفة وجعل الله بينكم المودة والرحمة وكانت الحال خليقة بأن تجروا أولادهن مجرى اولادكم كانكم في العقد على بناتهن عاقدون على بناتكم
وعن على رضي الله عنه انه شرط ذلك في التحريم وبه اخذ داود
فإن قلت ما معنى
) دخلتم بهن ( قلت هي كناية عن الجماع كقولهم بني عليها وضرب عليها الحجاب يعني أدخلتموهن الستر
والباء للتعدية واللمس ونحوه يقوم مقام الدخول عند أبي حنيفة
وعن عمر رضي الله عنه أنه خلا بجارية فجردها فاستوهبها ابن له فقال إنها لا تحل لك
وعن مسروق أنه امر ان تباع جاريته بعد موته وقال اما إني لم اصب منها الا ما يحرمها على ولدي من اللمس والنظر
وعن الحسن في الرجل يملك الأمة فيغمزها لشهوة أو يقبلها أو يكشفها أنها لا تحل لولده بحال وعن عطاء وحماد بن أبي سليمان اذا نظر إلى فرج امرأة فلا ينكح امها ولا بنتها
وعن الأوزاعي اذا دخل بالأم فعراها ولمسها بيده وأغلق الباب وأرخى الستر فلا يحل له نكاح ابنتها
وعن ابن عباس وطاوس وعمرو بن دينار ان التحريم لا يقع الا بالجماع وحده
) الذين من أصلابكم (
دون من تبنيتم
267 وقد تزوج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) زينب بنت جحش الاسدية بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب حين فارقها زيد بن حارثة
وقال عز وجل
" لكيلا يكون على المؤمنين حرج في ازواج أدعيائهم " الأحزاب 37
) وأن تجمعوا (
في موضع الرفع عطف على المحرمات أي وحرم عليكم الجمع بين الأختين
والمراد حرمة النكاح لأن التحريم في الاية تحريم النكاح واما الجمع بينهما في ملك اليمين فعن عثمان وعلي رضي الله عنهما أنهما قالا أحلتهما آية وحرمتهما آية يعنيان هذه الآية وقوله
) أو ما ملكت أيمانكم ( النساء 3 فرجح على التحريم وعثمان التحليل
) إلا ما قد سلف ( ولكن ما مضى مغفور بدليل قوله
) إن الله كان غفورا رحيما (

" صفحة رقم 529 "
النساء 24
) والمحصنات (
القراءة بفتح الصاد
وعن طلحة بن مصرف انه قرأ بكسر الصاد وهن ذوات الأزواج
لأنهن أحصن فروجهن بالتزويج فهن محصنات ومحصنات
) إلا ما ملكت أيمانكم (
يريد ما ملكت أيمانهم من اللاتي سبين ولهن أزواج في دار الكفر فهن حلال لغزاة المسلمين وان كن محصنات
وفي معناه قول الفرزدق
وذات حليل أنكحتها رماحنا
حلال لمن يبني بها لم تطلق
) كتاب الله عليكم (
مصدر مؤكد أي كتب الله ذلك عليكم كتابا وفرضه فرضا وهو تحريم ما حرم
فإن قلت علام عطف قوله
) وأحل لكم (
قلت على الفعل المضمر الذي نصب
) كتاب الله (
أي كتب الله عليكم تحريم ذلك واحل لكم ما وراء ذلكم
ويدل عليه قراءة اليماني ( كتب الله عليكم ) ( وأحل لكم ) وروى عن اليماني ( كتب الله عليكم ) على الجمع والرفع أي هذه فرائض الله عليكم
ومن قرأ ( وأحل لكم ) على البناء للمفعول فقد عطفه على حرمت
) أن تبتغوا (
مفعول له بمعنى بين لكم ما يحل مما يحرم ارادة ان يكون ابتغاؤكم
) بأموالكم (
التى جعل الله لكم قياما في حال كونكم محصنين غير مسافحين لئلا تضيعوا أموالكم وتفقروا أنفسكم فيما لا يحل لكم فتخسروا دنياكم ودينكم ولا مفسدة أعظم مما يجمع بين الخسرانين
والإحصان العفة وتحصين النفس من الوقوع في الحرام والأموال المهور وما يخرج في المناكح
فإن قلت اين مفعول تبتغوا قلت يجوز ان يكون مقدرا وهو النساء
والأجود ان لا يقدر وكانه قيل ان تخرجوا اموالكم
ويجوز أن يكون
) أن تبتغوا ( بدلا من
) وراء ذلك (
والمسافح الزاني من السفح وهو صب المني
وكان الفاجر يقول للفاجرة سافحيني وماذيني من المذي
) فما استمتعتم به منهن (
فما استمتعتم به من

" صفحة رقم 530 "
المنكوحات من جماع أو خلوة صحيحة أو عقد عليهن
) فآتوهن أجورهن (
عليه فأسقط الراجع إلى ( ما ) لأنه لا يلبس كقوله
) إن ذلك من عزم الأمور ( لقمان 17 بإسقاط منه
ويجوز ان تكون ( ما ) في معنى النساء و ( من ) للتبعيض أو البيان ويرجع الضمير اليه على اللفظ في به وعلى المعنى في ( فآتوهن )
واجورهن مهورهن لأن المهر ثواب على البضع
) فريضة (
حال من الأجور بمعنى مفروضة أو وضعت موضع ايتاء لأن الايتاء مفروض أو مصدر مؤكد
أي فرض ذلك فريضة
) فيما تراضيتم به من بعد الفريضة (
فيما تحط عنه من المهر أو تهب له من كله أو يزيد لها على مقداره
وقيل فيما تراضيا به من مقام أو فراق وقيل نزلت في المتعة التى كانت ثلاثة أيام حين فتح الله مكة على رسوله عليه الصلاة والسلام ثم نسخت كان الرجل ينكح المراة وقتا معلوما ليلة أو ليلتين أو أسبوعا بثوب أو غير ذلك ويقضي منها وطره ثم يسرحها سميت متعة لاستمتاعه بها أو لتمتيعه لها بما يعطيها
وعن عمر لا اوتى برجل تزوج امرأة إلى اجل الا رجمتهما بالحجارة
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه أباحها ثم أصبح يقول
268 ( يا ايها الناس إني كنت أمرتكم بالاستمتاع من هذه النساء الا ان الله حرم ذلك إلى يوم القيامة )
وقيل أبيح مرتين وحرم مرتين
وعن ابن عباس هي محكمة يعني لم تنسخ وكان يقرأ ( فما استمتعتم به منهن إلى اجل مسمى ) ويروى انه رجع عن ذلك عند موته وقال اللهم إني أتوب اليك من قولي بالمتعة وقولي في الصرف
النساء : ( 25 ) ومن لم يستطع . . . . .
الطول الفضل يقال لفلان على فلان طول أي زيادة وفضل وقد طاله طولا فهو طائل قال

" صفحة رقم 531 "
لقد زادني حبا لنفسي أنني
بغيض إلى كل امرىء غير طائل
ومنه قولهم ما حلا منه بطائل أي بشيء يعتد به مما له فضل وخطر
ومنه الطول في الجسم لأنه زيادة فيه كما ان القصر قصور فيه ونقصان
والمعنى ومن لم يستطع زيادة في المال وسعة يبلغ بها نكاح الحرة فلينكح أمة
قال ابن عباس من ملك ثلاثمائة درهم فقد وجب عليه الحج وحرم عليه نكاح الإماء
وهو الظاهر وعليه مذهب الشافعي رحمه الله واما أبو حنيفة رحمه الله فيقول الغني والفقير سواء في جواز نكاح الأمة ويفسر الآية بان من لم يملك فراش الحرة على أن النكاح هو الوطء فله أن ينكح امة
وفي رواية عن ابن عباس انه قال ومما وسع الله على هذه الأمة نكاح الأمة واليهودية والنصرانية وان كان موسرا
وكذلك قوله
) من فتياتكم المؤمنات (
الظاهر انه لا يجوز نكاح الأمة الكتابية وهو مذهب أهل الحجاز
وعند اهل العراق يجوز نكاحها ونكاح الأمة المؤمنة أفضل فحملوه على الفضل لا على الوجوب واستشهدوا على أن الإيمان ليس بشرط بوصف الحرائر به مع علمنا انه ليس بشرط فيهن على الاتفاق ولكنه افضل
فإن قلت لم كان نكاح الأمة منحطا عن نكاح الحرة قلت لما فيه من اتباع الولد الأم في الرق ولثبوت حق المولى فيها وفي استخدامها ولأنها ممتهنة مبتذلة خراجة ولاجة وذلك كله نقصان راجع إلى الناكح ومهانة والعزة من صفات المؤمنين
وقوله
) من فتياتكم (
أي من فتيات المسلمين لا من فتيات غيركم وهم المخالفون في الدين
فإن قلت فما معنى قوله
) والله أعلم بإيمانكم (
قلت معناه ان الله أعلم بتفاضل ما بينكم وبين ارقائكم في الإيمان ورجحانه ونقصانه فيهم وفيكم وربما كان ايمان الأمة أرجح من إيمان الحرة والمراة افضل في الإيمان من الرجل وحق المؤمنين ان لا يعتبروا الا فضل الايمان لا فضل الأحساب والأنساب وهذا تأنيس بنكاح الإماء وترك الاستنكاف منه
) بعضكم من بعض (
أي أنتم وأرقاؤكم متواصلون متناسبون لاشتراككم في الايمان لا يفضل حر عبدا الا برجحان فيه
) بإذن أهلهن (
اشتراط

" صفحة رقم 532 "
لإذن الموالي في نكاحهن ويحتج به لقول أبي حنيفة إن لهن ان يباشرن العقد بانفسهن لأنه اعتبر اذن الموالي لا عقدهم
" وءاتوهن اجورهن بالمعروف "
وادوا اليهن مهورهن بغير مطل وضرار وإحواج إلى الاقتضاء واللز
فإن قلت الموالي هم ملاك مهورهن لا هن والواجب أداؤها اليهم لا إليهن فلم قيل ( وآتوهن ) قلت لأنهن وما في ايديهن مال الموالي فكان أداؤها اليهن أداء إلى الموالي
أو على ان أصله فآتوا مواليهن فحذف المضاف
) المحصنات (
عفائف والأخدان
الأخلاء في السر كانه قيل غير مجاهرات بالسفاح ولا مسرات له
) فإذا أحصن (
بالتزويج وقرىء ( أحصن )
) نصف ما على المحصنات (
أي الحرائر
) من العذاب (
من الحد كقوله
) وليشهد عذابهما ( النور 2
" ويدرء عنها العذاب " النور 8 ولا رجم عليهن لأن الرجم لا يتنصف ذالك "
اشارة إلى نكاح الإماء
" لمن خشى العنت "
لمن خاف الإثم الذي يؤدي اليه غلبة الشهوة
وأصل العنت انكسار العظم بعد الجبر فاستعير لكل مشقة وضرر ولا ضرر اعظم من مواقعة المآثم وقيل أريد به الحد لأنه اذا هويها خشي ان يواقعها فيحد فيتزوجها
" وان تصبروا "
في محل الرفع على الابتداء أي وصبركم عن نكاح الاماء متعففين
" خير لكم " وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
269 ( الحرائر صلاح البيت والإماء هلاك البيت )
يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا 26 - 28
النساء : ( 26 - 28 ) يريد الله ليبين . . . . .

" صفحة رقم 533 "
) يريد الله ليبين لكم (
أصله يريد الله ان يبين لكم فزيدت اللام مؤكدة لإرادة التبين كما زيدت في لا أبالك لتاكيد اضافة الأب والمعنى يريد الله ان يبين لكم ما هو خفي عنكم من مصالحكم وأفاضل اعمالكم وان يهديكم مناهج من كان قبلكم من الأنبياء والصالحين والطرق التى سلكوها في دينهم لتقتدوا بهم
) ويتوب عليكم (
ويرشدكم إلى طاعات ان قمتم بها كانت كفارات لسيآتكم فيتوب عليكم ويكفر لكم
) والله يريد أن يتوب عليكم (
أن تفعلوا ما تستوجبون به ان يتوب عليكم
) ويريد (
الفجرة
) الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما (
وهو الميل عن القصد والحق ولا ميل اعظم منه بمساعدتهم وموافقتهم على اتباع الشهوات
وقيل هم اليهود وقيل المجوس كانوا يحلون نكاح الأخوات من الأب وبنات الأخ وبنات الأخت فلما حرمهن الله قالوا فإنكم تحلون بنت الخالة والعمة والخالة والعمة عليكم حرام فانكحوا بنات الأخ والأخت فنزلت يقول تعالى يريدون ان تكونوا زناة مثلهم ( يريد الله ان يخفف عنكم ) بإحلال نكاح الأمة وغيره من الرخص
) وخلق الإنسان ضعيفا (
لا يصبر عن الشهوات وعلى مشاق الطاعات
وعن سعيد بن المسيب ما أيس الشيطان من بني آدم قط الا اتاهم من قبل النساء فقد اتى علي ثمانون سنة وذهبت احدى عيني وانا أعشو بالأخرى وإن أخوف ما اخاف علي فتنة النساء
وقرىء ( أن يميلوا ) بالياء والضمير للذين يتبعون الشهوات
وقرأ ابن عباس ( وخلق الإنسان ) على البناء للفاعل ونصب الإنسان وعنه رضي الله عنه ثمان آيات في سورة النساء هي خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت
) يريد الله ليبين لكم (
) والله يريد أن يتوب عليكم (
) يريد الله أن يخفف عنكم (
) إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ( النساء 48
) إن الله لا يغفر أن يشرك به ( النساء 40
) إن الله لا يظلم مثقال ذرة ( النساء و من يعمل سوءا أو يظلم نفسه " النساء ما يفعل الله بعذابكم " النساء 147
النساء 29 - 30
النساء : ( 29 - 30 ) يا أيها الذين . . . . .
) بالباطل (
بما لم تبحه الشريعة من نحو السرقة والخيانة والغصب والقمار وعقود الربا
) إلا أن تكون تجارة (
الا ان تقع تجارة وقرىء ( تجارة ) على الا أن تكون التجارة تجارة
) عن تراض منكم (
والاستثناء منقطع معناه ولكن اقصدوا كون تجارة عن تراض منكم
أو ولكن كون تجارة عن تراض غير منهى عنه وقوله ( عن تراض )

" صفحة رقم 534 "
صفة لتجارة أي تجارة صادرة عن تراض
وخص التجارة بالذكر لأن أسباب الرزق أكثرها متعلق بها والتراضي رضا المتبايعين بما تعاقدا عليه في حال البيع وقت الايجاب والقبول وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى
وعند الشافعي رحمه الله تفرقهما عن مجلس العقد متراضيين
) ولا تقتلوا أنفسكم (
من كان من جنسكم من المؤمنين وعن الحسن لا تقتلوا إخوانكم أو لا يقتل الرجل نفسه كما يفعله بعض الجهلة
270 وعن عمرو بن العاص انه تأوله في التيمم لخوف البرد فلم ينكر عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقرأ علي رضي الله عنه ( ولا تقتلوا ) بالتشديد
) إن الله كان بكم رحيما (
ما نهاكم عما يضركم الا لرحمته عليكم
وقيل معناه انه امر بني اسرائيل بقتلهم أنفسهم ليكون توبة لهم وتمحيصا لخطاياهم وكان بكم يا أمة محمد رحيما حيث لم يكلفكم تلك التكاليف الصعبة
) ذلك (
اشارة إلى القتل أي ومن يقدم على قتل الأنفس
) عدوانا وظلما (
لا خطأ ولا اقتصاصا
وقرىء ( عدوانا ) بالكسر ( ونصليه ) بتخفيف اللام وتشديدها ( ونصليه ) بفتح النون من صلاة يصليه ومنه شاة مصلية ( ويصليه ) بالياء والضمير لله تعالى أو لذلك لكونه سببا للصلي
) نارا (
أي نارا مخصوصة شديدة العذاب
) وكان ذلك على الله يسيرا (
لأن الحكمة تدعو اليه ولا صارف عنه من ظلم أو نحوه
النساء 31
)
النساء : ( 31 ) إن تجتنبوا كبائر . . . . .
كبائر ما تنهون عنه (
وقرىء ( كبير ما تنهون عنه )
أي ما كبر من المعاصي التي ينهاكم الله عنها والرسول
) نكفر عنكم سيئاتكم (
نمط ما تستحقونه من العقاب في كل وقت على صغائركم ونجعلها كان لم تكن لزيادة الثواب المستحق على اجتنابكم الكبائر وصبركم عنها على عقاب السيئات والكبيرة والصغيرة إنما وصفتا

" صفحة رقم 535 "
بالكبر والصغر بإضافتهما اما إلى طاعة أو معصية أو ثواب فاعلهما
والتكفير اماطة المستحق من العقاب بثواب أزيد أو بتوبة والإحباط نقيضه وهو إماطة الثواب المستحق بعقاب أزيد أو بندم على الطاعة
وعن علي رضي الله عنه الكبائر سبع الشرك والقتل والقذف والزنا واكل مال اليتيم والفرار من الزحف والتعرب بعد الهجرة
وزار ابن عمر السحر واستحلال البيت الحرام وعن ابن عباس ان رجلا قال له الكبائر سبع فقال هي إلى سبعمائة أقرب لأنه لا صغيرة مع الاصرار ولا كبيرة مع الاستغفار وروى إلى سبعين وقرىء ( يكفر ) بالياء ( ومدخلا ) بضم الميم وفتحها بمعنى المكان والمصدر فيهما
النساء 32
)
النساء : ( 32 ) ولا تتمنوا ما . . . . .
ولا تتمنوا (
نهوا عن التحاسد وعن تمني ما فضل الله به بعض الناس على بعض من الجاه والمال لأن ذلك التفضيل قسمة من الله صادرة عن حكمة وتدبير وعلم باحوال العباد وبما يصلح المقسوم له من بسط في الرزق أو قبض
) ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ( الشورى 27 فعلى كل أحد ان يرضى بما قسم له علما بأن ما قسم له هو مصلحته ولو كان خلافه لكان مفسدة له ولا يحسد اخاه على حظه
) للرجال نصيب مما اكتسبوا (
جعل ما قسم لكل من الرجال والنساء على حسب ما عرف الله من حاله الموجبة للبسط أو القبض كسبا له
" وسئلوا الله من فضله "
ولا تتمنوا انصباء غيركم من الفضل ولكن سلوا الله من خزائنه التى لا تنفد وقيل كان الرجال قالوا ان الله فضلنا على النساء في الدنيا لنا سهمان ولهن سهم واحد فنرجو ان يكون لنا أجران في الآخرة على الأعمال ولهن اجر واحد فقالت أم سلمة ونسوة معها ليت الله كتب علينا الجهاد كما كتبه على الرجال فيكون لنا من الأجر مثل ما لهم فنزلت
النساء 33
)
النساء : ( 33 ) ولكل جعلنا موالي . . . . .
مما ترك (
تبيين لكل أي ولكل شيء مما ترك
) الوالدان والأقربون (
من المال

" صفحة رقم 536 "
جعلنا موالي وراثا يلونه ويحرزونه أو ولكل قوم جعلناهم موالي نصيب مما ترك الوالدان والأقربون على أن
) جعلنا موالي (
صفة لكل والضمير الراجع إلى كل محذوف والكلام مبتدا وخبر كما تقول لكل من خلقه الله إنسانا من رزق الله أي حظ من رزق الله أو ولكل أحد جعلنا موالي مما ترك أي وراثا مما ترك على ان ( من ) صلة موالي لأنهم في معنى الوراث وفي ( ترك ) ضمير كل ثم فسر الموالي بقوله
) الوالدان والأقربون ( كانه قيل من هم فقيل الوالدان والأقربون
) والذين عقدت أيمانكم (
مبتدأ ضمن معنى الشرط فوقع خبره مع الفاء وهو قوله
) فآتوهم نصيبهم (
ويجوز ان يكون منصوبا على قولك زيدا فاضربه ويجوز ان يعطف على الوالدان ويكون المضمر في ( فآتوهم ) للموالي والمراد بالذين عاقدت أيمانكم موالي الموالاة كان الرجل يعاقد الرجل فيقول دمي دمك وهدمي هدمك وثأري ثأرك وحربي حربك وسلمي سلمك وترثني وأرثك وتطلب بي واطلب بك وتعقل عني واعقل عنك فيكون للحليف السدس من ميراث الحليف فنسخ
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه خطب يوم الفتح فقال
271 ( ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به فإنه لم يزده الاسلام الا شدة ولا تحدثوا حلفا في الإسلام )
18 865 وعند أبي حنيفة لو أسلم رجل على يد رجل وتعاقدا على ان يتعاقلا ويتوارثا صح عنده وورث بحق الموالاة خلافا للشافعي وقيل المعاقدة التبني ومعنى عاقدت أيمانكم عاقدتهم أيديكم وما سحتموهم وقرىء ( عقدت ) بالتشديد والتخفيف بمعنى عقدت عهودهم أيمانكم

" صفحة رقم 537 "
النساء 34
النساء : ( 34 ) الرجال قوامون على . . . . .
) قوامون على النساء (
يقومون عليهن آمرين ناهين كما يقوم الولاة على الرعايا وسموا قواما لذلك والضمير في
) بعضهم (
للرجال والنساء جميعا يعني انما كانوا مسيطرين عليهن بسبب تفضيل الله بعضهم وهم الرجال على بعض وهم النساء وفيه دليل على ان الولاية انما تستحق بالفضل لا بالتغلب والاستطالة والقهر وقد ذكروا في فضل الرجال العقل والحزم والعزم والقوة والكتابة في الغالب والفروسية والرمي وان منهم الأنبياء والعلماء وفيهم الإمامة الكبرى والصغرى والجهاد والأذان والخطبة والاعتكاف وتكبيرات التشريق عند أبي حنيفة والشهادة في الحدود والقصاص وزيادة السهم والتعصيب في الميراث والحمالة والقسامة والولاية في النكاح والطلاق والرجعة وعدد الأزواج واليهم الانتساب وهم أصحاب اللحى والعمائم
) وبما أنفقوا (
وبسبب ما اخرجوا في نكاحهن من اموالهم في المهور والنفقات وروي
272 أن سعد بن الربيع وكان نقيبا من نقباء الأنصار نشزت عليه امراته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير فلطمها فانطلق بها ابوها إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال أفرشته كريمتي فلطمها فقال ( لتقتص منه ) فنزلت
ذكره الواحدي في اسبابه 310 عن مقاتل بلا سند بهذا اللفظ فقال ( صلى الله عليه وسلم ) أردنا امرا وأراد الله أمرا والذي أراد الله خير ورفع القصاص واختلف في ذلك فقيل لا قصاص بين الرجل وامراته فيما دون النفس ولو شجها ولكن يجب العقل وقيل لا قصاص الا في الجرح والقتل واما اللطمة ونحوها فلا
) قانتات (
مطيعات قائمات بما عليهن للأزواج
) حافظات للغيب (
الغيب خلاف الشهادة اي حافظات لمواجب الغيب اذا كان الأزواج

" صفحة رقم 538 "
غير شاهدين لهن حفظهن ما يجب عليهن حفظه في حال الغيبة من الفروج والبيوت والأموال وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
273 ( خير النساء امرأة ان نظرت اليها سرتك وإن امرتها اطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في مالها ونفسها )
حسن وتلا الآية وقيل
) للغيب ( لأسرارهم
) بما حفظ الله (
بما حفظهن الله حين اوصى بهن الأزواج في كتابه وامر رسوله عليه الصلاة والسلام فقال
274 ( استوصوا بالنساء خيرا )
تقدم آنفا أو بما حفظهن الله وعصمهن ووفقهن لحفظ الغيب أو بما حفظهن حين وعدهن الثواب العظيم على حفظ الغيب واوعدهن بالعذاب الشديد على الخيانة
و ( ما ) مصدرية وقرىء ( بما حفظ الله ) بالنصب على ان ما موصولة أي حافظات للغيب بالأمر الذي يحفظ حق الله وامانة الله وهو التعفف والتحصن والشفقة على الرجال والنصيحة لهم
وقرا ابن مسعود ( فالصوالح قوانت حوافظ للغيب بما حفظ الله فأصلحوا اليهن ) نشوزها ونشوصها ان تعصى زوجها ولا تطمئن اليه وأصله الانزعاج
) في المضاجع (
في المراقد اي لا تدخلوهن تحت اللحف أو هي كناية عن الجماع وقيل هو ان يوليها ظهره في المضجع وقيل في المضاجع في بيوتهن التى يبتن فيها أي لا تبايتوهن وقرىء ( في المضجع ) و في المضطجع )

" صفحة رقم 539 "
وذلك لتعرف أحوالهن وتحقق أمرهن في النشوز أمر بوعظهن اولا ثم هجرانهن في المضاجع ثم بالضرب ان لم ينجع فيهن الوعظ والهجران
وقيل معناه اكرهوهن على الجماع واربطوهن من هجر البعير اذا شده بالهجار
وهذا من تفسير الثقلاء وقالوا يجب ان يكون ضربا غير مبرح لا يجرحها ولا يكسر لها عظما ويجتنب الوجه
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
275 ( علق سوطك حيث يراه اهلك )
أخرجه الطبراني في الكبير 10671 من حديث ابن عباس وفيه سلام بن سليمان ليس بالقوى وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما كنت رابعة أربع نسوة عند الزبير بن العوام فإذا غضب على احدانا ضربها بعود المشجب حتى يكسره عليها
ويروي عن الزبير أبيات منها
( ولولا بنوها حولها لخبطتها )
) فلا تبغوا عليهن سبيلا (
فأزيلوا عنهن التعرض بالأذى والتوبيخ والتجني وتوبوا عليهن واجعلوا ما كان منهن كأن لم يكن بعد رجوعهن إلى الطاعة والانقياد وترك النشوز

" صفحة رقم 540 "
) إن الله كان عليا كبيرا (
فاحذروه واعلموا ان قدرته عليكم اعظم من قدرتكم على من تحت ايديكم
ويروى
276 ان أبا مسعود الأنصاري رفع سوطه ليضرب غلاما له فبصر به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فصاح به ( أبا مسعود لله اقدر عليك منك عليه )
صحيح فرمى بالسوط واعتق الغلام
أو ان الله كان عليا كبيرا وإنكم تعصونه على علو شانه وكبرياء سلطانه ثم تتوبون فيتوب عليكم فأنتم احق بالعفو عمن يجني عليكم اذا رجع
النساء 35
)
النساء : ( 35 ) وإن خفتم شقاق . . . . .
شقاق بينهما (
أصله شقاقا بينهما فأضيف الشقاق إلى الظرف على طريق الاتساع كقوله
) بل مكر الليل والنهار ( سبأ 33 وأصله بل مكر في الليل والنهار أو على ان جعل البين مشاقا والليل والنهار ماكرين على قولهم نهارك صائم
والضمير للزوجين ولم يجر ذكرهما لجري ذكر ما يدل عليهما وهو الرجال والنساء
) حكما من أهله (
رجلا مقنعا رضيا يصلح لحكومة العدل والاصلاح بينهما وإنما كان بعث الحكمين من اهلهما لأن الأقارب اعرف ببواطن الأحوال واطلب للصلاح وإنما تسكن اليهم نفوس الزوجين ويبرز اليهم ما في ضمائرهما من الحب والبغض وإرادة الصحبة والفرقة وموجبات ذلك ومقتضياته وما يزويانه عن الأجانب ولا يحبان ان يطلعوا عليه
فإن قلت فهل يليان الجمع بينهما والتفريق إن رأيا ذلك قلت قد اختلف فيه فقيل ليس اليهما ذلك الا بإذن الزوجين
وقيل ذلك إليهما وما جعلا حكمين إلا وإليهما بناء الأمر على ما يقتضيه اجتهادهما
وعن عبيدة السلماني شهدت عليا رضي الله عنه وقد جاءته امراة وزوجها ومع كل واحد منهما فئام من الناس فأخرج هؤلاء حكما وهؤلاء حكما
فقال علي رضي الله عنه للحكمين اتدريان ما عليكما ان عليكما ان رأيتما ان تفرقا فرقتما وإن رأيتما ان تجمعا جمعتما فقال الزوج أما الفرقة فلا فقال علي كذب والله لا تبرح حتى ترضى بكتاب الله لك وعليك
فقالت المرأة رضيت بكتاب الله لي وعلي
وعن الحسن يجمعان ولا يفرقان وعن الشعبي ما قضي

" صفحة رقم 541 "
الحكمان جاز
والألف في
) إن يريدا إصلاحا (
للحكمين
وفي
) يوفق الله بينهما (
للزوجين اي إن قصدا اصلاح ذات البين وكانت نيتهما صحيحة وقلوبهما ناصحة لوجه الله بورك في وساطتهما واوقع الله بطيب نفسهما وحسن سعيهما بين الزوجين الوفاق والألفة وألقى في نفوسهما المودة والرحمة
وقيل الضميران للحكمين أي ان قصدا إصلاح ذات البين والنصيحة للزوجين يوفق الله بينهما فيتفقان على الكلمة الواحدة ويتساندان في طلب الوفاق حتى يحصل الغرض ويتم المراد
وقيل الضميران للزوجين
أي إن يريدا إصلاح ما بينهما وطلبا الخير وان يزول عنهما الشقاق يطرح الله بينهما الألفة وأبدلهما بالشقاق وفاقا وبالبغضاء مودة
) إن الله كان عليما خبيرا (
يعلم كيف يوفق بين المختلفين ويجمع بين المفترقين
) لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ( الأنفال 63
النساء 36
النساء : ( 36 ) واعبدوا الله ولا . . . . .
) وبالوالدين إحسانا (
واحسنوا بهما احسانا
) وبذي القربى (
وبكل ما بينكم وبينه قربى من اخ أو عم أو غيرهما
) والجار ذي القربى (
الذي قرب جواره
) والجار الجنب (
الذي جواره بعيد وقيل الجار القريب النسب والجار الجنب الأجنبي وأنشد لبلعاء بن قيس
( لا يجتوينا مجاور أبدا ذو رحم أو مجاور جنب )
وقرىء ( والجار ذا القربى ) نصبا على الاختصاص كما قرىء
) حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ( البقرة 238 تنبيها على عظم حقه لإدلائه بحق الجوار والقربى
) والصاحب بالجنب (
هو الذي صحبك بأن حصل بجنبك إما رفيقا في سفر وإما جارا ملاصقا وإما شريكا في تعلم علم أو حرفة
وإما قاعدا إلى جنبك في مجلس أو مسجد أو غير ذلك من ادنى صحبة التأمت بينك وبينه فعليك ان ترعى ذلك الحق ولا تنساه وتجعله ذريعة إلى الإحسان وقيل الصاحب بالجنب المراة
) وابن السبيل (
المسافر المنقطع به وقيل الضيف والمختال التياه الجهول الذي يتكبر عن إكرام أقاربه

" صفحة رقم 542 "
وأصحابه ومماليكه فلا يتحفى بهم ولا يلتفت اليهم وقرىء ( والجار الجنب ) بفتح الجيم وسكون النون
النساء 37
)
النساء : ( 37 ) الذين يبخلون ويأمرون . . . . .
الذين يبخلون (
بدل من قوله
) من كان مختالا فخورا (
أو نصب على الذم ويجوز ان يكون رفعا عليه وان يكون مبتدأ خبره محذوف كانه قيل الذين يبخلون ويفعلون ويصنعون أحقاء لكل ملامة وقرىء ( بالبخل ) بضم الباء وفتحها
وبفتحتين وبضمتين أي يبخلون بذات أيديهم وبما في أيدي غيرهم فيامرونهم بأن يبخلوا به مقتا للسخاء ممن وجد وفي امثال العرب أبخل من الضنين بنائل غيره
قال
( وإن امرءا ضنت يداه على امرىء بنيل يد من غيره لبخيل )
ولقد رأينا ممن بلى بداء البخل من اذا طرق سمعه ان أحدا جاد على أحد شخص به وحل حبوته واضطرب ودارت عيناه في رأسه كأنما نهب رحله وكسرت خزانته ضجرا من ذلك وحسرة على وجوده
وقيل هم اليهود كانوا ياتون رجالا من الأنصار يتنصحون لهم ويقولون لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر ولا تدرون ما يكون
وقد عابهم الله بكتمان نعمة الله وما آتاهم من فضل الغنى والتفاقر إلى الناس وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
277 ( إذا انعم الله على عبد نعمة احب ان ترى نعمته على عبده )
جيد وبنى عامل

" صفحة رقم 543 "
للرشيد قصرا حذاء قصره فنم به عنده
فقال الرجل يا أمير المؤمنين إن الكريم يسره ان يرى أثر نعمته فأحببت ان أسرك بالنظر إلى آثار نعمتك فأعجبه كلامه
وقيل نزلت في شأن اليهود الذين كتموا صفة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
النساء 38 - 39
النساء : ( 38 - 39 ) والذين ينفقون أموالهم . . . . .
) رئاء الناس (
للفخار وليقال ما أسخاهم وما أجودهما لا ابتغاء وجه الله
وقيل نزلت في مشركي مكة المنفقين اموالهم في عداوة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( فساء قرينا )
حيث حملهم على البخل والرياء وكل شر
ويجوز ان يكون وعيدا لهم بأن الشيطان يقرن بهم في النار
) وماذا عليهم (
وأي تبعة ووبال عليهم في الإيمان والإنفاق في سبيل الله والمراد الذم والتوبيخ وإلا فكل منفعة ومفلحة في ذلك
وهذا كما يقال للمنتقم ما ضرك لو عفوت وللعاق ما كان يرزؤك لو كنت بارا 3 وقد علم انه لا مضرة ولا مرزأة في العفو والبر 3 ولكنه ولكنه ذم وتوبيخ وتجهيل بمكان المنفعة
) وكان الله بهم عليما (
وعيد
النساء 40 - 42
النساء : ( 40 ) إن الله لا . . . . .
الذرة النملة الصغيرة وفي قراءة عبد الله ( مثقال نملة ) وعن ابن عباس انه أدخل يده في التراب فرفعه ثم نفخ فيه فقال كل واحدة من هؤلاء ذرة
وقيل كل جزء من اجزاء الهباء في الكوة ذرة
وفيه دليل على انه لو نقص من الأجر أدنى شيء وأصغره أو زاد في العقاب لكان ظلما وانه لا يفعله لاستحالته في الحكمة لا لاستحالته في القدرة
) وإن تك حسنة (
وإن يكن مثقال ذرة حسنة وإنما أنث ضمير المثقال لكونه مضافا إلى مؤنث وقرىء بالرفع على كان التامة
) يضاعفها (

" صفحة رقم 544 "
يضاعف ثوابها لاستحقاقها عنده الثواب في كل وقت من الأوقات المستقبلة غير المتناهية وعن أبي عثمان النهدي انه قال لأبي هريرة
278 بلغني عنك انك تقول سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( إن الله تعالى يعطي عبده المؤمن بالحسنة ألف ألف حسنة )
ضعيف قال أبو هريرة لا بل سمعته يقول ان الله تعالى يعطيه ألفي الف حسنة ثم تلا هذه الآية
والمراد الكثرة لا التحديد
) ويؤت من لدنه أجرا عظيما (
ويعط صاحبها من عنده على سبيل التفضل عطاء عظيما سماه ( أجرا ) لأنه تابع للأجر لا يثبت إلا بثباته
وقرىء ( يضعفها ) بالتشديد والتخفيف من اضعف وضعف
وقرأ ابن هرمز ( تضاعفها ) بالنون
) فكيف (
يصنع هؤلاء الكفرة من اليهود وغيرهم
) إذا جئنا من كل أمة بشهيد (
يشهد عليهم بما فعلوا وهو نبيهم كقوله
) وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ( المائدة 117
) وجئنا بك على هؤلاء (
المكذبين
) شهيدا ( وعن ابن مسعود
279 انه قرا سورة النساء على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى بلغ قوله
) وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ( فبكى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال ( حسبنا )
صحيح
) لو تسوى بهم الأرض (
لو يدفنون فتسوى بهم الأرض كما تسوى بالموتى
وقيل يودون انهم لم يبعثوا وانهم كانوا والأرض سواء وقيل تصير البهائم ترابا فيودون حالها
) ولا يكتمون الله حديثا (
ولا يقدرون على كتمانه لأن جوارحهم تشهد عليهم
وقيل الواو للحال أي يودون ان يدفنوا تحت الأرض وانهم لا يكتمون الله حديثا ولا يكذبون في قولهم
) والله ربنا ما كنا مشركين ( الأنعام 23 لأنهم اذا قالوا ذلك وجحدوا شركهم ختم الله على أفواههم

" صفحة رقم 545 "
عند ذلك وتكلمت ايديهم وأرجلهم بتكذيبهم والشهادة عليهم بالشرك فلشدة الأمر عليهم يتمنون ان تسوى بهم الأرض وقرىء ( تسوى ) بحذف التاء من تتسوى يقال سويته فتسوى نحو لويته فتلوى وتسوى بإدغام التاء في السين كقوله
) يسمعون ( الصافت 8 وماضيه أسوى كازكى
النساء 43
النساء : ( 43 ) يا أيها الذين . . . . .
روي
280 ان عبد الرحمن بن عوف صنع طعاما وشرابا فدعا نفرا من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين كانت الخمر مباحة فاكلوا وشربوا فلما ثملوا وجاء وقت صلاة المغرب قدموا احدهم ليصلي بهم فقرأ أعبد ما تعبدون وأنتم عابدون ما اعبد فنزلت
حسن فكانوا لا يشربون في اوقات الصلوات فإذا صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون الا وقد ذهب عنهم السكر وعلموا ما يقولون
ثم نزل تحريمها
ومعنى
) لا تقربوا الصلاة (
لا تغشوها ولا تقوموا اليها واجتنبوها
كقوله
" ولا تقربوا الزنا " الاسراء 32
) ولا تقربوا الفواحش ( الأنعام 51 وقيل معناه ولا تقربوا مواضعها وهي المساجد لقوله عليه الصلاة والسلام
281 ( جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم )
اسناد ضعيف وقيل هو سكر النعاس وغلبة

" صفحة رقم 546 "
النوم كقوله ورانوا
بسكر سناتهم كل الريون
وقرىء ( سكارى ) بفتح السين ( وسكرى ) على أن يكون جمعا نحو هلكى وجوعى لأن السكر علة تلحق العقل أو مفردا بمعنى وأنتم جماعة سكرى كقولك امرأة سكرى وسكرى بضم السين كحبلى
على ان تكون صفة للجماعة وحكى جناح بن حبيش كسلى وكسلى بالفتح والضم
) ولا جنبا (
عطف على قوله
) وأنتم سكارى (
لأن محل الجملة مع الواو النصب على الحال كانه قيل لا تقربوا الصلاة سكارى ولا جنبا
والجنب يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث لأنه اسم جرى مجرى المصدر الذي هو الإجناب
) إلا عابري سبيل (
استثناء من عامة احوال المخاطبين وانتصابه على الحال
فإن قلت كيف جمع بين هذه الحال والحال التى قبلها قلت كانه قيل لا تقربوا الصلاة في حال الجنابة الا ومعكم حال أخرى تعذرون فيها وهي حال السفر وعبور السبيل عبارة عنه
ويجوز أن لا يكون حالا ولكن صفة لقوله ( جنبا ) أي ولا تقربوا الصلاة جنبا غير عابري سبيل أي جنبا مقيمين غير معذورين فإن قلت كيف تصح صلاتهم على الجنابة لعذر السفر قلت اريد بالجنب الذين لم يغتسلوا كأنه قيل لا تقربوا الصلاة غير مغتسلين حتى تغتسلوا الا أن تكونوا مسافرين وقال من فسر الصلاة بالمسجد معناه لا تقربوا المسجد جنبا الا مجتازين فيه اذا كان الطريق فيه إلى الماء أو كان الماء فيه أو احتلمتم فيه وقيل ان رجالا من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد فتصيبهم الجنابة ولا يجدون ممرا الا في المسجد فرخص لهم وروي لأن السكر على تلحق العقل أو مفردا بمعنى وأنتم جماعة سكرى كقولك امرأة سكرى وسكرى بضم السين كحبلى
على ان تكون صفة للجماعة وحكى جناح بن حبيش كسلى وكسلى بالفتح والضم
) ولا جنبا (
عطف على قوله
) وأنتم سكارى (
لأن محل الجملة مع الواو النصب على الحال كانه قيل لا تقربوا الصلاة سكارى ولا جنبا
والجنب يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث لأنه اسم جرى مجرى المصدر الذي هو الإجناب
) إلا عابري سبيل (
استثناء من عامة احوال المخاطبين وانتصابه على الحال
فإذا قلت كيف جمع بين هذه الحال والحال التى قبلها قلت كانه قيل لا تقربوا الصلاة في حال الجنابة الا ومعكم حال أخرى تعذرون فيها وهي حال السفر وعبور السبيل عبارة عنه
ويجوز أن لا يكون حالا ولكن صفة لقوله ( جنبا ) أي ولا تقربوا الصلاة جنبا غير عابري سبيل أي جنبا مقيمين غير معذورين فإن قلت كيف تصح صلاتهم على الجنابة لعذر الفر قلت اريد بالجنب الذي لم يغتسلوا كأنه قيل لا تقربوا الصلاة غير مغتسلين حتى تغتسلوا الا أن تكونوا مسافرين وقال من فسر الصلاة بالمسجد معناه لا تقربوا المسجد جنبا الا مجتازين فيه اذا كان الطريق فيه إلى الماء أو كان الماء فيه أو احتلمتم فيه وقيل ان رجالا من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد فتصيبهم الجنابة ولا يجدون ممرا الا في المسجد فرخص لهم وروي
282 ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لم يأذن لأحد ان يجلس في المسجد أو يمر فيه وهو

" صفحة رقم 547 "
جنب الا لعلي رضي الله عنه
ضعيف لأن بيته كان في المسجد فإن قلت أدخل في حكم الشرط أربعة وهم المرضى والمسافرون والمحدثون واهل الجنابة فيمن تعلق الجزاء الذي هو الأمر بالتيمم عند عدم الماء منهم
قلت الظاهر انه تعلق بهم جميعا وأن المرضى اذا عدموا الماء لضعف حركتهم وعجزهم عن الوصول اليه فلهم ان يتيمموا
وكذلك السفر اذا عدموه لبعده والمحدثون واهل الجنابة كذلك اذا لم يجدوه لبعض الأسباب
وقال الزجاج الصعيد وجه الأرض ترابا كان أو غيره
وإن كان صخرا لا تراب عليه لو ضرب المتيمم يده عليه ومسح
لكان ذلك طهوره
وهو مذهب أبي حنيفة رحمة الله عليه
فإن قلت فما يصنع بقوله تعالى في سورة المائدة
) فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ( المائدة 6 أي بعضه وهذا لا يتاتى في الصخر الذي لا تراب عليه قلت قالوا إن ( من ) لابتداء الغاية
فإن قلت قولهم إنها لابتداء الغاية قول متعسف ولا يفهم أحد من العرب من قول القائل مسحت برأسه من الدهن ومن الماء ومن التراب إلا معنى التبعيض
قلت هو كما تقول والإذعان للحق أحق من المراء
) إن الله كان عفوا غفورا (
كناية عن الترخيص والتيسير
لأن من كانت عادته ان يعفو عن الخطائين ويغفر لهم آثر ان يكون ميسرا غير معسر
فإن قلت كيف نظم في سلك واحد بين المرضى والمسافرين وبين المحدثين والمجنبين والمرض والسفر سببان من أسباب الرخصة والحدث سبب لوجوب الوضوء
والجنابة سبب لوجوب الغسل
قلت أراد سبحانه ان يرخص للذين وجب عليهم التطهر وهم عادمون الماء في التيمم

" صفحة رقم 548 "
بالتراب فخص اول من بينهم مرضاهم وسفرهم لأنهم متقدمون في استحقاق بيان الرخصة لهم بكثرة المرض والسفر وغلبتهما على سائر الأسباب الموجبة للرخصة ثم عم كل من وجب عليه التطهر وأعوزه الماء لخوف عدو أو سبع أو عدم آلة استقاء أو إرهاق في مكان لا ماء فيه وغير ذلك مما لا يكثر كثرة المرض والسفر
وقرىء ( من غيط ) قيل هو تخفيف غيط كهين في هين والغيط بمعنى الغائط
النساء 44 - 45
)
النساء : ( 44 ) ألم تر إلى . . . . .
ألم تر (
من رؤية القلب وعدى بإلى على معنى الم ينته علمك اليهم أو بمعنى ألم تنظر إليهم
) أوتوا نصيبا من الكتاب (
حظا من علم التوراة وهم احبار اليهود
) يشترون الضلالة (
يستبدلونها بالهدى وهو البقاء على اليهودية
بعد وضوح الآيات لهم على صحة نبوة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وانه هو النبي العربي المبشر به في التوراة والأنجيل
) ويريدون أن تضلوا (
أنتم أيها المؤمنون سبيل الحق كما ضلوه وتنخرطوا في سلكهم لا تكفيهم ضلالتهم بل يحبون ان يضل معهم غيرهم
وقرىء ( ان يضلوا ) بالياء بفتح الضاد وكسرها
) والله أعلم (
منكم
) بأعدائكم (
وقد اخبركم بعداوة هؤلاء وأطلعكم على احوالهم وما يريدون بكم فاحذروهم ولا تستنصحوهم في اموركم ولا تستشيروهم
) وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا (
فثقوا بولايته ونصرته دونهم أو لا تبالوا بهم فإن الله ينصركم عليهم ويكفيكم مكرهم
النساء 46
النساء : ( 46 ) من الذين هادوا . . . . .
) من الذين هادوا (
بيان للذين اوتوا نصيبا من الكتاب لأنهم يهود ونصارى
وقوله
) والله أعلم (
) وكفى بالله (
) وكفى بالله (
جمل توسطت بين البيان والمبين على سبيل الاعتراض أو بيان لأعدائكم وما بينهما اعتراض أو صلة لنصيرا أي ينصركم من الذين هادوا كقوله
) ونصرناه من القوم الذين كذبوا ( الأنبياء 77 ويجوز ان يكون كلاما مبتدأ على ان
) يحرفون (
صفة مبتدأ محذوف تقديره من الذين هادوا قوم يحرفون كقوله

" صفحة رقم 549 "
وما الدهر الا تارتان فمنهما
أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح
أي فمنهما تارة اموت فيها
) ) يحرفون الكلم عن مواضعه (
يميلونه عنها ويزيلونه لأنهم اذا بدلوه ووضعوا مكانه كلما غيره فقد أمالوه عن مواضعه التى وضعها الله فيها وازالوه عنها وذلك نحو تحريفهم ( أسمر ربعة ) عن موضعه في التوراة بوضعهم ( آدم طوال ) مكانه ونحو تحريفهم ( الرجم ) بوضعهم ( الحد ) بدله فإن قلت كيف قيل ههنا ( عن مواضعه ) وفي المائدة
) من بعد مواضعه ( المائدة 41 قلت اما ( عن مواضعه ) فعلى ما فسرناه من إزالته عن مواضعه التى أوجبت حكمة الله وضعه فيها بما اقتضت شهواتهم من إبدال غيره مكانه
واما
) من بعد مواضعه ( فالمعنى أنه كانت له مواضع هو قمن بأن يكون فيها فحين حرفوه تركوه كالغريب الذي لا موضع له بعد مواضعه ومقاره والمعنيان متقاربان
وقرىء ) ( يحرفون الكلام )
والكلم بكسر الكاف وسكون اللام جمع كلمة تخفيف كلمة قولهم
) غير مسمع ( حال من المخاطب أي اسمع وانت غير مسمع وهو قول ذو وجهين يحتمل الذم اي اسمع منا مدعوا عليك بلا سمعت لأنه لو أجيبت دعوتهم عليه لم يسمع فكان أصم غير مسمع قالوا ذلك اتكالا على ان قولهم لا سمعت دعوة مستجابة أو اسمع غير مجاب إلى ما تدعو اليه
ومعناه

" صفحة رقم 550 "
غير مسمع جوابا يوافقك فكانك لم تسمع شيئا
أو اسمع غير مسمع كلاما ترضاه فسمعك عنه ناب
ويجوز على هذا ان يكون ( غير مسمع ) مفعول اسمع اي اسمع كلاما غير مسمع إياك لأن أذنك لا تعيه نبوا عنه
ويحتمل المدح أي اسمع غير مسمع مكروها من قولك أسمع فلان فلانا إذا سبه
وكذلك قولهم
) راعنا (
يحتمل راعنا نكلمك أي ارقبنا وانتظرنا
ويحتمل شبه كلمة عبرانية أو سريانية كانوا يتسابون بها وهي راعينا فكانوا سخرية بالدين وهزؤا برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يكلمونه بكلام محتمل ينوون به الشتيمة والاهانة ويظهرون به التوقير والاكرام
( ليا بألسنتهم )
فتلا بها وتحريفا أي يفتلون بألسنتهم الحق إلى الباطل حيث يضعون ( راعنا ) موضع ( انظرنا ) و ( غير مسمع ) موضع لا أسمعت مكروها أو يفتلون بألسنتهم ما يضمرونه من الشتم إلى ما يظهرونه من التوقير نفاقا فإن قلت كيف جاؤوا بالقول المحتمل ذي الوجهين بعد ما صرحوا وقالوا سمعنا وعصينا قلت جميع الكفرة كانوا يواجهونه بالكفر والعصيان
ولا يواجهونه بالسب ودعاء السوء ويجوز ان يقولوه فيما بينهم
ويجوز ان لا ينطقوا بذلك ولكنهم لما لم يؤمنوا جعلوا كانهم نطقوا به وقرأ أبي ( وأنظرنا ) من الإنظار وهو الإمهال فإن قلت إلام يرجع الضمير في قوله ( لكان خيرا لهم )
قلت إلى ( أنهم قالوا ) لأن المعنى ولو ثبت قولهم سمعنا واطعنا لكان قولهم ذلك خيرا لهم
) وأقوم (
واعدل وأسد
) ولكن لعنهم الله بكفرهم (
أي خذلهم بسبب كفرهم وأبعدهم عن الطافه
) فلا يؤمنون إلا (
ايمانا
) قليلا (
اي ضعيفا ركيكا لا يعبأ به وهو إيمانهم بمن خلقهم مع كفرهم بغيره أو اراد بالقلة العدم كقوله
( قليل التشكي للمهم يصيبه )
أي عديم التشكي أو الا قليلا منهم قد آمنوا
النساء 47
)
النساء : ( 47 ) يا أيها الذين . . . . .
أن نطمس وجوها (
أي نمحو تخطيط صورها من عين وحاجب وانف وفم
) فنردها على أدبارها (
فنجعلها على هيئة ادبارها وهي الأقفاء مطموسة مثلها ولقاء للتسبيب وإن جعلتها للتعقيب على انهم توعدوا بعقابين أحدهما عقيب الاخر ردها

" صفحة رقم 551 "
على ادبارها بعد طمسها فالمعنى ان نطمس وجوها فننكسها الوجوه إلى خلف والإقفاء إلى قدام
ووجه آخر وهو ان يراد بالطمس القلب والتغيير كما طمس اموال القبط فقلبها حجارة
وبالوجوه رؤوسهم ووجهاؤهم أي من قبل ان نغير أحوال وجهائهم فنسلبهم إقبالهم ووجاهتهم ونكسوهم صغارهم وادبارهم أو نردهم إلى حيث جاؤا منه
وهي أذرعات الشام يريد اجلاء بني النضير فإن قلت لمن الراجع في قوله ( أو نلعنهم ) قلت للوجوه إن أريد الوجهاء أو لأصحاب الوجوه
لأن المعنى من قبل ان نطمس وجوه قوم أو يرجع إلى ( الذين أوتوا الكتاب ) على طريقة الالتفات
) أو نلعنهم (
أو نجزيهم بالمسخ كما مسخنا أصحاب السبت
فإن قلت فأين وقوع الوعيد قلت هو مشروط بالإيمان
وقد آمن منهم ناس وقيل هو منتظر ولا بد من طمس ومسخ لليهود قبل يوم القيامة ولأن الله عز وجل اوعدهم باحد الأمرين بطمس وجوه منهم أو بلعنهم فإن الطمس تبديل احوال رؤسائهم أو إجلائهم إلى الشام فقد كان أحد الأمرين وإن كان غيره فقد حصل اللعن
فإنهم ملعونون بكل لسان والظاهر اللعن المتعارف دون المسخ الا ترى إلى قوله تعالى
" قل هل انبئكم بشر من ذاك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير " المائدة 60
) وكان أمر الله مفعولا (
فلا بد ان يقع أحد الأمرين إن لم يؤمنوا
النساء 48
النساء : ( 48 ) إن الله لا . . . . .
فإن قلت قد ثبت ان الله عز وجل يغفر الشرك لمن تاب منه وانه لا يغفر ما

" صفحة رقم 552 "
دون الشرك من الكبائر الا بالتوبة فما وجه قول الله تعالى
) إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء (
قلت الوجه ان يكون الفعل المنفي والمثبت جميعا موجهين إلى قوله تعالى
) لمن يشاء (
كانه قيل ان الله لا يغفر لمن يشاء الشرك ويغفر لمن يشاء ما دون الشرك على ان المراد بالأول من لم يتب وبالثاني من تاب
ونظيره قولك إن الأمير لا يبذل الدينار ويبذل القنطار لمن يشاء
تريد لا يبذل الدينار لمن لا يستأهله ويبذل القنطار لمن يستأهله
) فقد افترى إثما (
اى ارتكبه وهو مفتر مفتعل ما لا يصح كونه
النساء 49 - 50
)
النساء : ( 49 ) ألم تر إلى . . . . .
الذين يزكون أنفسهم (
اليهود والنصارى قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا أو نصارى وقيل
283 جاء رجال من اليهود إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بأطفالهم فقالوا هل على هؤلاء ذنب قال ( لا ) قالوا والله ما نحن الا كهيئتهم ما عملناه بالنهار كفر عنا بالليل وما عملناه بالليل كفر عنا بالنهار فنزلت
ذكره الواحدي في أسبابه 319 عن الكلبي بلا سند والكلبي متهم بالكذب وعزاه الحافظ ويدخل فيها كل من زكى نفسه ووصفها بزكاء العمل وزيادة الطاعة والتقوى والزلفى عند الله فإن قلت اما قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
284 ( والله إني لأمين في السماء امين في الأرض )
الحديث الذي أشار اليه المصنف هو حديث أبي سعيبد الخدري في ذكر صفة الخوارج قلت إنما قال ذلك

" صفحة رقم 553 "
حين قال له المنافقون اعدل في القسمة إكذابا لهم اذ وصفوه بخلاف ما وصفه به ربه وشتان من شهد الله له بالتزكية ومن شهد لنفسه أو شهد له من لا يعلم
) بل الله يزكي من يشاء (
اعلام بان تزكية الله هي التي يعتد بها
لا تزكية غيره لأنه هو العالم بمن هو أهل للتزكية
ومعنى يزكي من يشاء يزكي المرتضين من عباده الذين عرف منهم الزكاء فوصفهم به
) ولا يظلمون فتيلا (
أي الذين يزكون انفسهم يعاقبون على تزكيتهم أنفسهم حق جزائهم أو من يشاء يثابون على زكائهم ولا ينقص من ثوابهم
ونحوه
) فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ( النجم 32
) كيف يفترون على الله الكذب (
في زعمهم أنهم عند الله أزكياء
) وكفى (
بزعمهم هذا
) إثما مبينا (
من بين سائر آثامهم
النساء 51 - 52
النساء : ( 51 ) ألم تر إلى . . . . .
الجبت الأصنام وكل ما عبد من دون الله والطاغوت الشيطان وذلك ان حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف اليهوديين خرجا إلى مكة مع جماعة من اليهود يحالفون قريشا على محاربة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا أنتم أهل كتاب وأنتم أقرب إلى محمد منكم الينا فلا نامن مكركم فاسجدوا لآلهتنا حتى نطمئن إليكم ففعلوا فهذا إيمانهم
) بالجبت والطاغوت ( لأنهم سجدوا للأصنام واطاعوا إبليس فيما فعلوا
وقال أبو سفيان انحن أهدى سبيلا أم محمد فقال كعب ماذا يقول محمد قالوا يامر بعبادة الله وحده وينهي عن الشرك قال وما دينكم قالوا نحن ولاة البيت ونسقي الحاج ونقري الضيف ونفك العاني وذكروا أفعالهم فقال أنتم أهدى سبيلا

" صفحة رقم 554 "
النساء 53 - 55
النساء : ( 53 ) أم لهم نصيب . . . . .
وصف اليهود بالبخل والحسد وهما شر خصلتين يمنعون ما أوتوا من النعمة ويتمنون ان تكون لهم نعمة غيرهم فقال
) أم لهم نصيب من الملك (
على ان أم منقطعة ومعنى الهمزة لإنكار ان يكون لهم نصيب من الملك ثم قال
) فإذا لا يؤتون (
أي لو كان لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون أحدا مقدار نقير لفرط بخلهم والنقير النقرة في ظهر النواة وهو مثل في القلة كالفتيل والقطمير
والمراد بالملك إما ملك أهل الدنيا واما ملك الله كقوله تعالى
) قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق ( الاسراء 100 وهذا اوصف لهم بالشح وأحسن لطباقه نظيره من القرآن ويجوز ان يكون معنى الهمزة في أم لإنكار انهم قد أوتوا نصيبا من الملك وكانوا أصحاب اموال وبساتين وقصور مشيدة كما تكون احوال الملوك
وانهم لا يؤتون أحدا مما يملكون شيئا
وقرأ ابن مسعود ( فإذا لا يؤتوا ) على إعمال اذا عملها الذي هو النصب وهي ملغاة في قراءة العامة كانه قيل فلا يؤتون الناس نقيرا اذا
) أم يحسدون الناس (
بل أيحسدون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين على إنكار الحسد واستقباحه
وكانوا يحسدونهم على ما آتاهم الله من النصرة والغلبة وازدياد العز والتقدم كل يوم
" فقد ءاتينا " إلزام لهم بما عرفوه من إيتاء الله الكتاب والحكمة
" ءال إبراهيم الكتاب "
الذين هم أسلاف محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وانه ليس ببدع ان يؤتيه الله مثل ما آتى أسلافه
وعن ابن عباس الملك في آل إبراهيم ملك يوسف وداود وسليمان
وقيل استكثروا نساءه فقيل لهم كيف استكثرتم له التسع وقد كان لداود مائة ولسليمان ثلثمائة مهيرة وسبعمائة سرية
) فمنهم (
فمن اليهود
" من ءامن به "
أي بما ذكر من حديث آل إبراهيم
) ومنهم من صد عنه (
وأنكره مع علمه بصحته أو من اليهود من آمن برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومنهم من انكر نبوته أو من آل إبراهيم من آمن بابراهيم ومنهم من كفر كقوله
) فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ( الحديد 26
النساء 56
النساء : ( 56 ) إن الذين كفروا . . . . .
) بدلناهم جلودا غيرها (
أبدلناهم إياها فإن قلت كيف نعذب مكان الجلود العاصية جلود لم تعص قلت العذاب للجملة الحساسة وهي التي عصت لا للجلد وعن

" صفحة رقم 555 "
فضيل يجعل النضيج غير نضيج وعن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
( 285 ) ( تبدّل جلودهم كل يوم سبع مرّات ) ، وعن الحسن : سبعين مرة يبدّلون جلوداً بيضاء كالقراطيس ) لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ ( ليدوم لهم ذوقه ولا ينقطع . كقولك للعزيز : أعزّك الله ، أي أدامك على عزّك وزادك فيه ) عَزِيزاً ( لا يمتنع عليه شيء مما يريده بالمجرمين ) حَكِيماً ( لا يعذب إلا بعدل من يستحقه .
) وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاٌّ نْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الاحَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً (
)
النساء : ( 57 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . .
ظَلِيلاً ( صفة مشتقة من لفظ الظلّ لتأكيد معناه . كما يقال : ليل أليل . ويوم أيوم ، وما أشبه ذلك . وهو ما كان فينانا لا جوب فيه ، ودائماً لا تنسخه الشمس ، وسجسجاً لا حرّ فيه ولا برد ، وليس ذلك إلا ظل الجنة . رزقنا الله بتوفيقه لما يزلف إليه التفيؤ تحت ذلك الظل . وفي قراءة عبد الله : ( سيدخلهم ) بالياء ) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ ( الخطاب عام لكل أحد في كل أمانة . وقيل نزلت في عثمان بن طلحة بن عبد الدار وكان سادن الكعبة . وذلك :
( 286 ) أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين دخل مكة يوم الفتح أغلق عثمان باب الكعبة وصعد السطح ، وأبى أن يدفع المفتاح إليه ، وقال : لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه ، فلوى علي بن أبي طالب رضي الله عنه يده . وأخذه منه وفتح ، ودخل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وصلى ركعتين . فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح ويجمع له السقاية والسدانة .

" صفحة رقم 556 "
فنزلت فأمر عليا ان يرده إلى عثمان ويعتذر اليه فقال عثمان لعلي أكرهت وآذيت ثم جئت ترفق فقال لقد أنزل الله في شأنك قرآنا وقرا عليه الآية فقال عثمان أشهد ان لا اله الا الله وأشهد ان محمدا رسول الله فهبط جبريل وأخبر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ان السدانة في اولاد عثمان ابدا
وقيل هو خطاب للولاة بأداء الأمانات والحكم بالعدل وقرىء ( الأمانة ) على التوحيد
) نعما يعظكم به (
( ما ) إما ان تكون منصوبة موصوفة بيعظكم به وإما ان تكون مرفوعة موصولة به كانه قيل نعم شيئا يعظكم به
أو نعم الشيء الذي يعظكم به والمخصوص بالمدح محذوف أي نعما يعظكم به ذاك وهو المأمور به من أداء الأمانات والعدل في الحكم وقرىء ( نعما ) بفتح النون
النساء 59
النساء : ( 59 ) يا أيها الذين . . . . .
لما امر الولاة بأداء الأمانات إلى أهلها وان يحكموا بالعدل امر الناس بأن يطيعوهم وينزلوا على قضاياهم والمراد بأولى الأمر منكم امراء الحق لأن امراء الجور الله ورسوله بريئان منهم فلا يعطفون على الله ورسوله في وجوب الطاعة لهم وإنما يجمع بين الله ورسوله والأمراء الموافقين لهما في ايثار العدل واختيار الحق والأمر بهما والنهي عن أضدادهما كالخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان
وكان الخلفاء يقولون أطيعوني ما عدلت فيكم فإن خالفت فلا طاعة لي عليكم وعن أبي حازم ان مسلمة بن عبد الملك قال له ألستم أمرتم بطاعتنا في قوله
) وأولي الأمر منكم ( قال أليس قد نزعت عنكم اذا خالفتم الحق بقوله
" فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول "
وقيل هم امراء السرايا وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
287 ( من اطاعني فقد اطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع أميري فقد اطاعني ومن يعص اميري فقد عصاني )
صحيح وقيل هم العلماء الدينون الذين يعلمون الناس الدين ويامرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر
" فإن تنازعتم في شيء "
فإن اختلفتم أنتم واولوا الأمر منكم في شيء من امور الدين فردوه إلى الله ورسوله أي ارجعوا فيه إلى الكتاب والسنة
وكيف تلزم طاعة أمراء الجور وقد جنح الله الأمر بطاعة اولي الأمر بما لا يبقى معه شك وهو ان امرهم أولا باداء الأمانات وبالعدل في الحكم

" صفحة رقم 557 "
وأمرهم آخرا بالرجوع إلى الكتاب والسنة فيما أشكل وامراء الجور لا يؤدون أمانة ولا يحكمون بعدل ولا يردون شيئا إلى كتاب الله ولا إلى سنة إنما يتبعون شهواتهم حيث ذهبت بهم فهم منسلخون عن صفات الذين هم اولو الأمر عند الله ورسوله وأحق أسمائهم اللصوص المتغلبة
) ذلك (
إشارة إلى الرد إلى الكتاب والسنة
) خير (
لكم وأصلح
) وأحسن تأويلا (
واحسن عاقبة وقيل أحسن تاويلا من تاويلكم أنتم
ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم ءامنوا بمآ أنزل إليك ومآ أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى مآ أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا فكيف إذآ أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جآءوك يحلفون بالله إن أردنآ إلا إحسانا وتوفيقا أولائك الذين يعلم الله ما فى قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم فى أنفسهم قولا بليغا 60 - 63
النساء : ( 60 ) ألم تر إلى . . . . .
روي
288 ان بشرا المنافق خاصم يهوديا فدعاه اليهودي إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف ثم إنهما احتكما إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقضى لليهودي فلم يرض المنافق وقال تعال نتحاكم إلى عمر بن الخطاب
فقال اليهودي لعمر قضى لنا رسول الله فلم يرض بقضائه فقال للمنافق أكذلك قال نعم فقال عمر مكانكما حتى اخرج اليكما فدخل عمر فاشتمل على سيفه ثم خرج فضرب به عنق المنافق حتى برد ثم قال هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله ورسوله فنزلت
وقال جبريل إن عمر فرق بين الحق والباطل فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أنت الفاروق )
والطاغوت كعب بن الأشرف سماه الله طاغوتا لإفراطه في الطغيان وعداوة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو على التشبيه بالشيطان والتسمية باسمه أو جعل اختيار التحاكم إلى غير رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على التحاكم اليه تحاكما إلى الشيطان بدليل قوله
" وقد امروا ان يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم النساء "

" صفحة رقم 558 "
وقرىء
" بما أنزل وما انزل النساء "
على البناء للفاعل وقرا عباس بن الفضل ( أن يكفروا بها ) ذهابا بالطاغوت إلى الجمع كقوله
) أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم ( 257 وقرا الحسن ( تعالوا ) بضم اللام على أنه حذف اللام من تعاليت تخفيفا كما قالوا ما باليت به بالة وأصلها بالية كعافية وكما قال الكسائي في آية إن أصلها أيية فاعلة فحذفت اللام فلما حذفت وقعت واو الجمع بعد اللام من تعال فضمت فصار ( تعالوا ) نحو تقدموا ومنه قول اهل مكة تعالي بكسر اللام للمرأة وفي شعر الحمداني
( تعالي أقاسمك الهموم تعالي )
والوجه فتح اللام
) فكيف (
يكون حالهم وكيف يصنعون يعني انهم يعجزون عند ذلك فلا يصدرون أمرا ولا يوردونه
) إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم (
من التحاكم إلى غيرك واتهامهم لك في الحكم
" ثم "
حين يصابون فيعتذرون اليك
) كافرون ويحلفون (
ما اردنا بتحاكمنا إلى غيرك
) إلا إحسانا (
لا اساءة
) وتوفيقا (
بين الخصمين ولم نرد مخالفة لك ولا تسخطا لحكمك ففرج عنا بدعائك وهذا وعيد لهم على فعلهم وانهم سيندمون عليه حين لا ينفعهم الندم
ولا يغني عنهم الاعتذار عند حلول بأس الله
وقيل جاء أولياء المنافق يطلبون بدمه وقد اهدره الله فقالوا ما اردنا بالتحاكم إلى عمر الا ان يحسن إلى صاحبنا بحكومة العدل والتوفيق بينه وبين خصمه وما خطر ببالنا انه يحكم له بما حكم به
) فأعرض عنها (
لا تعاقبهم لمصلحة في استبقائهم ولا تزد على كفهم بالموعظة والنصيحة عما هم عليه
) وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا (
بالغ في وعظهم بالتخفيف والإنذار
فإن قلت بم تعلق قوله

" صفحة رقم 559 "
) في أنفسهم (
قلت بقوله ( بليغا ) أي قل لهم قولا بليغا في انفسهم مؤثرا في قلوبهم يغتمون به اغتماما ويستشعرون منه الخوف استشعارا وهو التوعد بالقتل والاستئصال ان نجم منهم النفاق وأطلع قرنه واخبرهم ان ما في نفوسهم من الدغل والنفاق معلوم عند الله وانه لا فرق بينكم وبين المشركين وما هذه المكافة الا لإظهاركم الإيمان واسراركم الكفر وإضماره فإن فعلتم ما تكشفون به غطاءكم لم يبق الا السيف
أو يتعلق بقوله
) قل لهم (
أي قل لهم في معنى انفسهم الخبيثة وقلوبهم المطوية على النفاق قولا بليغا وان الله يعلم ما في قلوبكم لا يخفى عليه فلا يغني عنكم إبطانه فأصلحوا انفسكم وطهروا قلوبكم وداووها من مرض النفاق والا انزل الله بكم ما انزل بالمجاهرين بالشرك من انتقامه وشرا من ذلك وأغلظ
أو قل لهم في انفسهم خاليا بهم ليس معهم غيرهم مسارا لهم بالنصيحة لأنه في السر أنجع وفي الامحاض ادخل
) قولا بليغا (
يبلغ منهم ويؤثر فيهم
ومآ أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جآءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما 64 - 65
)
النساء : ( 64 ) وما أرسلنا من . . . . .
وما أرسلنا من رسول (
وما أرسلنا رسولا قط
) إلا ليطاع بإذن الله (
بسبب اذن الله في طاعته وبانه امر المبعوث اليهم بان يطيعوه ويتبعوه لأنه مؤد عن الله فطاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله ومن يطع الرسول فقد اطاع الله ويجوز ان يراد بتيسير الله وتوفيقه في طاعته
) ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم (
بالتحاكم إلى الطاغوت
) جاؤوك (
تائبين من النفاق متنصلين عما ارتكبوا جاءوك
) فاستغفروا الله (
من ذلك بالاخلاص وبالغوا في الاعتذار اليك من إيذائك برد قضائك حتى انتصبت شفيعا لهم إلى الله ومستغفرا
) لوجدوا الله توابا (
لعلموه توابا أي لتاب عليهم ولم يقل واستغفرت لهم وعدل عنه إلى طريقة الالتفات تفخيما لشأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتعظيما لاستغفاره

" صفحة رقم 560 "
وتنبيها على أن شفاعة من اسمه الرسول من الله بمكان
) فلا وربك (
معناه فوربك كقوله تعالى
" فوربك لنسئلنهم 92 ( و لا ) مزيدة لتاكيد معنى القسم كما زيدت فى
" لئلا يعلم " الحديد 29 لتاكيد وجود العلم
و
" لا يؤمنون "
جواب القسم فإن قلت هلا زعمت أنها زيدت لتظاهر ( لا ) في ( لا يؤمنون ) قلت يأبى ذلك استواء النفي والاثبات فيه وذلك قوله
" فلا اقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم " التكوير
" فيما شجر بينهم "
فيما اختلف بينهم واختلط ومنه الشجر لتداخل أغصانه
" حرجا "
ضيقا أي لا تضيق صدورهم من حكمك وقيل شكا لأن الشاك في ضيق من امره حتى يلوح له اليقين ويسلموا "
وينقادوا ويذعنوا لما تاتي به

" صفحة رقم 561 "
من قضائك لا يعارضوه بشيء من قولك سلم الأمر لله وأسلم له وحقيقة سلم نفسه وأسلمها اذا جعلها سالمة له خالصة و
) تسليما (
تاكيد للفعل بمنزلة تكريره كانه قيل وينقادوا لحكمه انقيادا لا شبهة فيه بظاهرهم وباطنهم قيل نزلت في شان المنافق واليهودي
وقيل
289 في شان الزبير وحاطب بن أبي بلتعة وذلك انهما اختصما إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في شراج من الحرة كانا يسقيان بها النخل فقال ( اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك ) فغضب حاطب وقال لأن كان ابن عمتك فتغير وجه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم قال ( اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر واستوف حقك ثم ارسله إلى جارك ) كان قد أشار على الزبير برأي فيه السعة له ولخصمه فلما أحفظ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) استوعب للزبير حقه في صريح الحكم ثم خرجا فمرا على المقداد فقال لمن كان القضاء فقال الأنصاري قضى لابن عمته ولوى شدقه ففطن يهودي كان مع المقداد فقال قاتل الله هؤلاء يشهدون أنه رسول الله ثم يتهمونه في قضاء يقضي بينهم وايم الله لقد أذنبنا ذنبا مرة في حياة موسى فدعانا إلى التوبة منه وقال اقتلوا انفسكم ففعلنا فبلغ قتلانا سبعين ألفا في طاعة ربنا حتى رضى عنا
فقال

" صفحة رقم 562 "
ثابت بن قيس بن شماس أما والله إن الله ليعلم مني الصدق لو امرني محمد ان اقتل نفسي لقتلتها
289 وروى انه قال ذلك ثابت وابن مسعود وعمار بن ياسر فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( والذي نفسي بيده إن من امتي رجالا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي )
وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال والله لو أمرنا ربنا لفعلنا والحمد لله الذي لم يفعل بنا ذلك فنزلت الآية في شأن حاطب ونزلت في شان هؤلاء
- 68
"
النساء : ( 66 ) ولو أنا كتبنا . . . . .
ولو انا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وإذا لاتيناهم من لدنآ أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما ولو أنا كتبنا عليهم ان اقتلوا انفسكم "
أي لو اوجبنا عليهم مثل ما أوجبنا على بني إسرائيل من قتلهم انفسهم أو خروجهم من ديارهم حين استتيبوا من عبادة العجل
) ما فعلوه إلا (
ناس
) قليل منهم (
وهذا توبيخ عظيم والرفع على البدل من الواو في ( فعلوه ) وقرىء ( إلا قليلا ) بالنصب على أصل الاستثناء أو على الا فعلا قليلا
) ما يوعظون به (
من اتباع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وطاعته والانقياد لما يراه ويحكم به لأنه الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى
) لكان خيرا لهم (
في عاجلهم وآجلهم
) وأشد تثبيتا (
لايمانهم وأبعد من الاضطراب فيه
) وإذا (
جواب لسؤال مقدر كانه قيل وماذا يكون لهم أيضا بعد التثبيت فقيل وإذا لو ثبتوا
) لآتيناهم (
لأن اذا جواب وجزاء
" من لدنا أجرا عظيما النساء " كقوله
) ويؤت من لدنه أجرا عظيما ( 40 في ان لمراد العطاء المتفضل به من عنده وتسميته أجرا لأنه تابع للأجر لا يثبت الا بثباته
) ولهديناهم (
وللطفنا بهم ووفقناهم لازدياد الخيرات
ومن يطع الله والرسول فأولائك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهدآء والصالحين وحسن أولائك رفيقا ذالك الفضل من الله وكفى بالله عليما - 70
النساء : ( 69 ) ومن يطع الله . . . . .
الصديقون أفاضل صحابة الأنبياء الذين تقدموا في تصديقهم كابي بكر الصديق رضي الله عنه وصدقوا في أقوالهم وأفعالهم وهذا ترغيب للمؤمنين في الطاعة حيث

" صفحة رقم 563 "
وعدوا مرافقة أقرب عباد الله إلى الله وأرفعهم درجات عنده
) وحسن أولئك رفيقا (
فيه معنى التعجب كانه قيل وماأحسن أولئك رفيقا لاستقلاله بمعنى التعجب قرىء ( وحسن ) بسكون السين يقول المتعجب حسن الوجه وجهكا وحسن الوجه وجهك بالفتح والضم مع التسكين والرفيق كالصديق والخليط في استواء الواحد والجمع فيه ويجوز ان يكون مفردا بين به الجنس في باب التمييز وروي
290 أن ثوبان مولى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان شديد الحب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قليل الصبر عنه فأتاه يوما وقد تغير وجهه ونحل جسمه وعرف الحزن في وجهه فسأله رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن حاله فقال يا رسول الله ما بي من وجع غير إني اذا لم أرك اشتقت اليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك فذكرت الآخرة فخفت ان لا اراك هناك لأني عرفت أنك ترفع مع النبيين وان أدخلت الجنة كنت في منزل دون منزلك وإن لم ادخل فذاك حين لا أراك أبدا فنزلت فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى اكون احب اليه من نفسه وأبويه واهله وولده والناس اجمعين )
وحكى ذلك عن جماعة من الصحابة
) ذلك ( مبتدأ و
) الفضل (
صفته و
) من الله (
الخبر ويجوز ان يكون ( ذلك ) مبتدأ ( والفضل من الله ) خبره والمعنى أن ما اعطي

" صفحة رقم 564 "
المطيعون من الأجر العظيم ومرافقة المنعم عليهم من الله لأنه تفضل به عليهم تبعا لثوابهم
) وكفى بالله عليما (
بجزاء من اطاعه أو اراد ان فضل المنعم عليهم ومزيتهم من الله لأنهم اكتسبوه بتمكينه وتوفيقه وكفي بالله عليما بعباده فهو يوفقهم على حسب أحوالهم
ياأيها الذين ءامنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا
)
النساء : ( 71 ) يا أيها الذين . . . . .
خذوا حذركم (
الحذر والحذر بمعنى كالإثر والأثر يقال اخذ حذره اذا تيقظ واحترز من المخوف كانه جعل الحذر آلته التي يقي بها نفسه ويعصم بها روحه
والمعنى احذروا واحترزوا من العدو ولا تمكنوه من انفسكم
) فانفروا (
إذا نفرتم إلى العدو إما ( ثبات )
جماعات متفرقة سرية بعد سرية وإما
) جميعا (
أي مجتمعين كوكبة واحدة ولا تتخاذلوا فتلقوا بانفسكم إلى التهلكة وقرىء ( فانفروا ) بضم الفاء
وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله على إذ لم أكن معهم شهيدا ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة ياليتنى كنت معهم فأفوز فوزا عظيما 72 - 73
النساء : ( 72 ) وإن منكم لمن . . . . .
اللام في ( لمن ) للابتداء بمنزلتها في قوله
) إن الله لغفور ( النحل 18 وفي
) ليبطئن (
جواب قسم محذوف تقديره وإن منكم لمن أقسم بالله ليبطئن والقسم وجوابه صلة من والضمير الراجع منها اليه ما استكن في
) ليبطئن (
والخطاب لعسكر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمبطئون منهم المنافقون لأنهم كانوا يغزون معهم نفاقا
ومعنى ( ليبطئن ) ليتثاقلن وليتخلفن عن الجهاد وبطا بمعنى أبطأ كغتم بمعنى أغتم اذا أبطأ وقرىء ( ليبطئن ) بالتخفيف يقال بطأ علي فلان وأبطأ علي وبطؤ نحو ثقل ويقال ما بطأ بك فيعدى بالباء ويجوز ان يكون منقولا من بطؤ نحو ثقل من ثقل فيراد ليبطئن

" صفحة رقم 565 "
غيره وليثبطنه عن الغزو وكان هذا ديدن المنافق عبد الله بن أبي وهو الذي ثبط الناس يوم أحد
) فإن أصابتكم مصيبة (
من قتل أو هزيمة
) فضل من الله (
من فتح أو غنيمة
) ليقولن (
وقرأ الحسن ( ليقولون ) بضم اللام اعادة للضمير إلى معنى ( من ) لأن قوله ( لمن ليبطئن ) في معنى الجماعة وقوله
) كأن لم تكن بينكم وبينه مودة (
اعتراض بين الفعل الذي هو ( ليقولن ) وبين مفعوله وهو
" ياويلتا ليتنى "
والمعنى كأن لم تتقدم له معكم موادة لأن المنافقين كانوا يوادون المؤمنين ويصادقونهم في الظاهر وإن كانوا يبغون لهم الغوائل في الباطن والظاهر انه تهكم لأنهم كانوا أعدى عدو للمؤمنين وأشدهم حسدا لهم فكيف يوصفون بالمودة الا على وجه العكس تهكما بحالهم
وقرىء ( فأفوز ) بالرفع عطفا على ( كنت معهم ) لينتظم الكون معهم والفوز معنى التمنى فيكونا متمنيين جميعا ويجوز ان يكون خبر مبتدأ محذوف بمعنى فأنا أفوز في ذلك الوقت
فليقاتل فى سبيل الله الذين يشرون الحيواة الدنيا بالاخرة ومن يقاتل فى سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنسآء والولدان الذين يقولون ربنآ أخرجنا من هاذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا الذين ءامنوا يقاتلون فى سبيل الله والذين كفروا يقاتلون فى سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا 74 - 76
)
النساء : ( 74 ) فليقاتل في سبيل . . . . .
يشرون (
بمعنى يشترون ويبيعون قال ابن مفرغ
( وشريت بردا ليتني من بعد برد كنت هامة )
فالذين يشترون الحياة الدنيا بالآخرة هم المبطئون وعظوا بأن يغيروا ما بهم من النفاق ويخلصوا الإيمان بالله ورسوله ويجاهدوا من سبيل الله حق الجهاد والذين يبيعون هم المؤمنون الذين يستحبون الآجلة على العاجلة ويستبدلونها بها والمعنى إن صد الذين مرضت قلوبهم وضعفت نياتهم عن القتال فليقاتل الثابتون المخلصون في ووعد المقاتل في سبيل الله ظافرا أو مظفورا به إيتاء الأجر العظيم على اجتهاده في إعزاز دين الله

" صفحة رقم 566 "
) والمستضعفين (
فيه وجهان ان يكون مجرورا عطفا على سبيل الله أي في سبيل الله وفي خلاص المستضعفين ومنصوبا على اختصاص يعني واختص من سبيل الله خلاص المستضعفين لأن سبيل الله عام في كل خير وخلاص المستضعفين من المسلمين من أيدي الكفار من اعظم الخير واخصه والمستضعفون هم الذين أسلموا بمكة وصدهم المشركون عن الهجرة فبقوا بين أظهرهم مستذلين مستضعفين يلقون منهم الأذى الشديد وكانوا يدعون الله بالخلاص ويستنصرونه فيسر الله لبعضهم الخروج إلى المدينة وبقي بعضهم إلى الفتح حتى جعل الله لهم من لدنه خير ولي وناصر وهو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فتولاهم أحسن التولي ونصرهم أقوى النصر ولما خرج استعمل على اهل مكة عتاب بن أسيد فرأوا منه الولاية والنصرة كما أرادوا قال ابن عباس كان ينصر الضعيف من القوي حتى كانوا أعز بها من الظلمة
فإن قلت لم ذكر الولدان قلت تسجيلا بافراط ظلمهم حيث بلغ أذاهم الولدان غير المكلفين ارغاما لآبائهم وامهاتهم ومبغضة لهم لمكانهم ولأن المستضعفين كانوا يشركون صبيانهم في دعائهم استنزالا لرحمة الله بدعاء صغارهم الذين لم يذنبوا كما فعل قوم يونس وكما وردت السنة بإخراجهم في الاستسقاء وعن ابن عباس كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان ويجوز ان يراد بالرجال والنساء الأحرار والحرائر وبالولدان العبيد والإماء لأن العبد والأمة يقال لهما الوليد والوليدة وقيل للولدان والولائد ( الولدان ) لتغليب الذكور على الاناث كما يقال الآباء والإخوة
فإن قلت لم ذكر الظالم وموصوفه مؤنث قلت وهو وصف للقرية الا انه مسند إلى اهلها فأعطي اعراب القرية لأنه صفتها وذكر لإسناده إلى الأهل كما تقول من هذه القرية التي ظلم اهلها ولو انث فقيل الظالمة اهلها لجاز لا لتانيث الموصوف ولكن لأن الأهل يذكر ويؤنث فإن قلت هل يجوز من هذه القرية الظالمين

" صفحة رقم 567 "
أهلها قلت نعم كما تقول التي ظلموا اهلها على لغة من يقول أكلوني البراغيث
ومنه
) وأسروا النجوى الذين ظلموا ( الأنبياء 3 رغب الله المؤمنين ترغيبا وشجعهم تشجيعا بإخبارهم انهم انما يقاتلون في سبيل الله فهو وليهم وناصرهم واعداؤهم يقاتلون في سبيل الشيطان فلا ولي لهم الا الشيطان وكيد الشيطان للمؤمنين إلى جنب كيد الله للكافرين أضعف شيء واوهنه
ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلواة وءاتوا الزكواة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والاخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا 77
)
النساء : ( 77 ) ألم تر إلى . . . . .
كفوا أيديكم (
أي كفوها عن القتال وذلك ان المسلمين كانوا مكفوفين عن مقاتلة الكفار ما داموا بمكة وكانوا يتمنون ان يؤذن لهم فيه
) فلما كتب عليهم القتال (
بالمدينة كع فريق منهم لا شكا في الدين ولا رغبة عنه ولكن نفورا من الإخطار بالأرواح وخوفا من الموت
) كخشية الله ( من اضافة المصدر إلى المفعول فإن قلت ما محل ( كخشية الله ) من الاعراب قلت محله النصب على الحال من الضمير في

" صفحة رقم 568 "
( يخشون ) أي يخشون الناس مثل اهل خشية الله أي مشبهين لأهل خشية الله
) أو أشد خشية (
بمعنى أو أشد خشية من اهل خشية الله وأشد معطوف على الحال فإن قلت لم عدلت عن الظاهر وهو كونه صفة للمصدر ولم تقدر يخشون خشية مثل خشية الله بمعنى مثل ما يخشى الله قلت ابى ذلك قوله
) أو أشد خشية (
لأنه وما عطف عليه في حكم واحد ولو قلت يخشون الناس أشد خشية لم يكن الا حال عن ضمير الفريق ولم ينتصب انتصاب المصدر لأنك لا تقول خشي فلان أشد خشية فتنصب خشية وانت تريد المصدر إنما تقول أشد خشية فتجرها واذا نصبتها لم يكن أشد خشية الا عبارة عن الفاعل حالا منه اللهم إلا ان تجعل الخشية خاشية وذات خشية على قولهم جد جده فتزعم ان معناه يخشون الناس خشية مثل خشية الله أو خشية أشد خشية من خشية الله ويجوز على هذا ان يكون محل ( أشد ) مجرورا عطفا على ( خشية الله ) تريد كخشية الله أو كخشية أشد خشية منها
( ) " لولا أخرتنا إلى أجل قريب )
استزادة في مدة الكف واستمهال إلى وقت آخر كقوله
" لولا اخرتني إلى اجل قريب فأصدق " المنافقون 15
" ولا تظلمون فتيلا "
ولا تنقصون أدنى شيء من اجوركم على مشاق القتال فلا ترغبوا عنه وقرىء ( ولا يظلمون ) بالياء
أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم فى بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هاذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هاذه من عندك قل كل من عند الله فما لهاؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا مآ أصابك من حسنة فمن الله ومآ أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا 78 - 79
النساء : ( 78 ) أينما تكونوا يدرككم . . . . .
قرىء ( يدرككم ) بالرفع وقيل هو على حذف الفاء كانه قيل فيدرككم

" صفحة رقم 569 "
الموت وشبه بقول القائل
من يفعل الحسنات الله يشكرها
ويجوز ان يقال حمل على ما يقع موقع
) أينما تكونوا (
وهو أينما كنتم كما حمل ( ولا ناعب ) على ما يقع موقع ( ليسوا مصلحين ) وهو ليسوا بمصلحين فرفع كما رفع زهير
( يقول لا غائب مالي ولا حرم )
وهو قول نحوي سيبوي ويجوز ان يتصل بقوله
) ولا تظلمون فتيلا (
أي ولا تنقصون شيئا مما كتب من آجالكم
أينما تكونوا في ملاحم حروب أو غيرها ثم ابتدأ قوله
) يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة (
والوقوف على هذا الوجه على ( أينما تكونوا )
والبروج الحصون مشيدة مرفعة وقرىء ( مشيدة ) من شاد القصر اذا رفعه أو طلاه بالشيد وهو الجص وقرا نعيم بن ميسرة ( مشيدة ) بكسر الياء وصفا لها بفعل فاعلها مجازا كما قالوا قصيدة شاعرة وانما الشاعر قارضها
السيئة تقع على البلية والمعصية
والحسنة على النعمة والطاعة قال الله تعالى
) وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون ( الأعراف 198 وقال
" إن الحسنات يذهبن السيآت " هود 114 والمعنى وان تصبهم نعمة من خصب ورخاء نسبوها إلى الله وإن تصبهم بلية من قحط وشدة أضافوها اليك وقالوا هي من عندك وما كانت الا بشؤمك كما حكى الله عن قوم موسى
) وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ( الأعراف 131 وعن قوم

" صفحة رقم 570 "
صالح
) ) قالوا اطيرنا بك وبمن معك ( النمل 47 وروي عن اليهود لعنت انها تشاءمت برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا منذ دخل المدينة نقصت ثمارها وغلت اسعارها فرد الله عليهم
) قل كل من عند الله (
يبسط الأرزاق ويقبضها على حسب المصالح
) لا يكادون يفقهون حديثا (
فيعلموا ان الله هو الباسط القابض وكل ذلك صادر عن حكمة وصواب ثم قال
) ما أصابك (
يا إنسان خطابا عاما
) من حسنة (
أي من نعمة وإحسان
) فمن الله (
تفضلا منه وإحسانا وامتنانا وامتحانا
) وما أصابك من سيئة (
من بلية ومصيبة
) فمن عندك (
لأنك السبب فيها بما اكتسبت يداك
" وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير " الشورى 30 وعن عائشة رضي الله عنها ما من مسلم يصيبه وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها وحتى انقطاع شسع نعله الا بذنب وما يعفو الله أكثر
) وأرسلناك للناس رسولا (
أي رسولا للناس جميعا لست برسول العرب وحدهم أنت رسول العرب والعجم كقوله
) وما أرسلناك إلا كافة للناس ( سبأ 28
) قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ( الأعراف 158
) وكفى بالله شهيدا (
على ذلك فما ينبغي لأحد ان يخرج عن طاعتك واتباعك
النساء 80
" ومن تولى فمآ أرسلناك عليهم حفيظا من يطع الرسول فقد اطاع الله "
لأنه لا يأمر الا بما أمر الله به ولا ينهى الا عما نهي الله عنه فكانت طاعته في امتثال ما أمر به والانتهاء عما نهى عنه طاعة الله وروي أنه قال
291 ( من أحبني فقد أحب الله ومن اطاعني فقد اطاع الله )
لم اجد له اسنادا وقال الحافظ في تخريجه 1 539 فقال المنافقون ألا تسمعون إلى ما يقول هذا الرجل لقد قارف الشرك وهو ينهى ان يعبد غير الله ما يريد هذا الرجل الا ان نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى فنزلت
) ومن تولى (
عن الطاعة فأعرض عنه
) فما أرسلناك (
الا نذيرا لا حفيظا ومهيمنا عليهم تحفظ عليهم اعمالهم وتحاسبهم عليها وتعاقبهم كقوله
) وما أنت عليهم بوكيل ( الأنعام 107
النساء 81
)
النساء : ( 81 ) ويقولون طاعة فإذا . . . . .
ويقولون (
إذا امرتهم بشيء
) طاعة (
بالرفع اي امرنا وشاننا طاعة ويجوز

" صفحة رقم 571 "
النصب بمعنى أطعناك طاعة وهذا من قول المرتسم سمعا وطاعة وسمع وطاعة ونحوه قول سيبويه وسمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقال له كيف أصبحت فيقول حمد الله وثناء عليه كانه قال أمري وشأني حمد الله
ولو نصب حمد الله وثناء عليه كان على الفعل والرفع يدل على ثبات الطاعة واستقرارها
) بيت طائفة (
زورت طائفة وسوت
) غير الذي تقول (
خلاف ما قلت وما امرت به أو خلاف ما قالت وما ضمنت من الطاعة لأنهم أبطلوا الرد لا القبول والعصيان لا الطاعة
وإنما ينافقون بما يقولون ويظهرون والتبييت اما من البيتوتة لأنه قضاء الأمر وتدبيره بالليل يقال هذا امر بيت بليل وإما من ابيات الشعر لأن الشاعر يدبرها ويسويها
) والله يكتب ما يبيتون (
يثبته في صحائف أعمالهم ويجازيهم عليه على سبيل الوعيد
أو يكتبه في جملة ما يوحى اليك فيطلعك على أسرارهم فلا يحسبوا ان ابطانهم يغني عنهم
) فأعرض عنهم (
ولا تحدث نفسك بالانتقام منهم
) وتوكل على الله (
في شأنهم فإن الله يكفيك معرتهم وينتقم لك منهم اذا قوي أمر الإسلام وعز انصاره وقرىء ( بيت طائفة ) بالإدغام وتذكير الفعل لأن تأنيث الطائفة غير حقيقي ولأنها في معنى الفريق والفوج
النساء 82
النساء : ( 82 ) أفلا يتدبرون القرآن . . . . .
تدبر الأمر تامله والنظر في ادباره وما يؤول اليه في عاقبته ومنتهاه ثم استعمل في كل تأمل فمعنى تدبر القرآن تأمل معانيه وتبصر ما فيه
) لوجدوا فيه اختلافا كثيرا (
لكان الكثير منه مختلفا متناقضا قد تفاوت نظمه وبلاغته ومعانيه فكان بعضه بالغا حد الاعجاز وبعضه قاصرا عنه يمكن معارضته وبعضه إخبارا بغيب قد وافق المخبر عنه وبعضه إخبارا مخالفا للمخبر عنه وبعضه دالا على معنى صحيح عند علماء المعاني وبعضه دالا على معنى فاسد غير ملتئم فلما تجاوب كله بلاغة معجزة فائتة لقوى البلغاء وتناصر صحة معان وصدق اخبار علم انه ليس الا من عند قادر على ما لا يقدر عليه غيره عالم بما لا يعلمه أحد سواه فإن قلت أليس نحو قوله
) فإذا هي ثعبان مبين ( الأعراف 107
) كأنها جان ( النمل 10
) فوربك لنسألنهم أجمعين ( الحجر 92
" فيومئذ لا يسئل عن ذنبه انس ولا جان " الرحمن 39 من الاختلاف قلت ليس باختلاف عند المتدبرين
النساء 83 - 84
النساء : ( 83 ) وإذا جاءهم أمر . . . . .

" صفحة رقم 572 "
هم ناس من ضعفة المسلمين الذين لم تكن فيهم خبرة بالأحوال ولا استبطان للأمور
كانوا اذا بلغهم خبر عن سرايا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من امن وسلامة أو خوف وخلل
) أذاعوا به (
وكانت إذاعتهم مفسدة ولو ردوا ذلك الخبر إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وإلى أولي الأمر منهم وهم كبراء الصحابة البصراء بالأمور أو الذين كانوا يؤمرون منهم
) لعلمه (
لعلم تدبير ما اخبروا به
) الذين يستنبطونه (
الذين يستخرجون تدبيره بفطنهم وتجاربهم ومعرفتهم بأمور الحرب ومكايدها
وقيل كانوا يقفون من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) واولى الأمر على أمن ووثوق بالظهور على بعض الاعداء أو على خوف واستشعار فيذيعونه فينتشر فيبلغ الاعداء فتعود إذاعتهم مفسدة
ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر وفوضوه اليهم وكانوا كان لم يسمعوا لعلم الذين يستنبطون تدبيره كيف يدبرونه وما ياتون ويذرون فيه
وقيل كانوا يسمعون من أفواه المنافقين شيئا من الخبر عن السرايا مظنونا غير معلوم الصحة فيذيعونه فيعود ذلك وبالا على المؤمنين ولو ردوه إلى الرسول والى اولى الامر وقالوا نسكت حتى نسمعه منهم ونعلم هل هو مما يذاع أو لا يذاع لعلمه الذين يستنبطونه منهم لعلم صحته وهل هو مما يذاع أو لا يذاع أو المذيعون وهم الذين يستنبطونه من الرسول وأولى الأمر أي يتلقونه منهم ويستخرجون علمه من جهتهم يقال أذاع السر وأذاع به
قال
أذاع به في الناس حتى كانه
بعلياء نار أوقدت بثقوب
ويجوز ان يكون المعنى فعلوا به الإذاعة وهو أبلغ من اذاعوه وقرىء ( لعلمه )

" صفحة رقم 573 "
بإسكان اللام كقوله
فإن أهجه يضجر كما ضجر بازل
من الادم دبرت صفحتاه وغاربه
والنبط الماء يخرج من البئر اول ما تحفر وإنباطه واستنباطه إخراجه واستخراجه فاستعير لما يستخرجه الرجل بفضل ذهنه من المعاني والتدابير فيما يعضل ويهم
) ولولا فضل الله عليكم ورحمته ( وهو ارسال الرسول وإنزال الكتاب والتوفيق
) لاتبعتم الشيطان (
لبقيتم على الكفر
) إلا قليلا (
منكم أو الا اتباعا قليلا

" صفحة رقم 574 "
لما ذكر في الآي قبلها وتثبطهم عن القتال وإظهارهم الطاعة وإضمارهم خلافها قال
) فقاتل في سبيل الله (
إن أفردوك وتركوك وحدك
) لا تكلف إلا نفسك (
غير نفسك وحدها أن تقدمها إلى الجهاد فإن الله هو ناصرك لا الجنود فإن شاء نصرك وحدك كما ينصرك وحولك الألوف
وقيل دعا الناس في بدر الصغرى إلى الخروج وكان أبو سفيان واعد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اللقاء فيها فكره بعض الناس أن يخرجوا فنزلت فخرج وما معه الا سبعون لم يلو على أحد ولو لم يتبعه أحد لخرج وحده وقرىء
) لا تكلف ( بالجزم على النهي ( ولا نكلف )
بالنون وكسر اللام أي لا نكلف نحن الا نفسك وحدها
) وحرض المؤمنين (
وما عليك في شانهم الا التحريض فحسب لا التعنيف بهم
) عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا (
وهم قريش وقد كف بأسهم فقد بدا لأبي سفيان وقال هذا عام مجدب وما كان معهم زاد الا السويق ولا يلقون الا في عام مخصب فرجع بهم
) والله أشد بأسا (
من قريش
) وأشد تنكيلا (
تعذيبا
النساء 85
النساء : ( 85 ) من يشفع شفاعة . . . . .
الشفاعة الحسنة هي التي روعي بها حق مسلم ودفع بها عنه شر أو جلب اليه خير وابتغي بها وجه الله ولم تؤخذ عليها رشوة وكانت في امر جائز لا في حد من حدود الله ولا في حق من الحقوق
والسيئة ما كان بخلاف ذلك
وعن مسروق أنه شفع شفاعة فأهدى إليه المشفوع جارية فغضب وردها وقال لو علمت ما في قلبك لما تكلمت في حاجتك ولا أتكلم فيما بقي منها وقيل الشفاعة الحسنة هي الدعوة للمسلم لأنها في معنى الشفاعة إلى الله وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
292 ( من دعا لأخيه المسلم بظهر الغيب استجيب له قال له الملك ولك مثل ذلك فذلك النصيب )
صحيح والدعوة على المسلم بضد ذلك
) مقيتا (
شهيدا حفيظا وقيل مقتدرا وأقات على الشيء قال الزبير بن عبد المطلب
( وذي ضغن نفيت السوء عنه وكنت على إساءته مقيتا )

" صفحة رقم 575 "
وقال السموأل
ألي الفضل أم علي إذا حوسبت
إني على الحساب مقيت
واشتقاقه من القوت لأنه يمسك النفس ويحفظها
النساء 86
النساء : ( 86 ) وإذا حييتم بتحية . . . . .
الأحسن منها ان تقول ( وعليكم السلام ورحمة الله ) إذا قال ( السلام عليكم ) وأن تزيد ( وبركاته إذا قال ) ( ورحمة الله ) وروي
293 أن رجلا قال لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) السلام عليك فقال ( وعليك السلام ورحمة الله ) وقال آخر السلام عليك ورحمة الله فقال ( وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ) وقال آخر السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال ( وعليك ) فقال الرجل نقصتني فأين ما قال الله وتلا الآية فقال ( إنك لم تترك لي فضلا فرددت عليك مثله )
ضعيف
) أو ردوها (
أو اجيبوها بمثلها
ورد السلام ورجعه جوابه بمثله لأن المجيب يرد قول المسلم ويكرره وجواب التسليمة واجب والتخيير إنما وقع بين الزيادة وتركها
وعن أبي يوسف رحمه الله من قال لآخر أقرىء فلانا السلام وجب عليه ان يفعل
وعن النخعي السلام سنة والرد فريضة
وعن ابن عباس الرد واجب
وما من رجل يمر على قوم مسلمين فيسلم عليهم ولا يردون عليه الا نزع عنهم روح القدس وردت عليه الملائكة
ولا يرد السلام في الخطبة وقراءة القرآن جهرا ورواية الحديث وعند

" صفحة رقم 576 "
مذاكرة العلم والأذان والإقامة وعن أبي يوسف لا يسلم على لاعب النرد والشطرنج والمغني والقاعد لحاجته ومطير الحمام والعاري من غير عذر في حمام أو غيره وذكر الطحاوي ان المستحب رد السلام على طهارة وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
294 انه تيمم لرد السلام
يشير المصنف لحديث عمر مولى ابن عباس قال أقبلت انا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج
قالوا ويسلم الرجل اذا دخل على امرأته ولا يسلم على أجنبية
ويسلم الماشي على القاعد والراكب على الماشي وراكب الفرس على راكب الحمار والصغير على الكبير والأقل على الأكثر
وإذا التقيا ابتدرا وعن أبي حنيفة لا تجهر بالرد يعني الجهر الكثير
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
295 ( إذا سلم عليكم اهل الكتاب فقولوا وعليكم )
صحيح أي وعليكم ما قلتم لأنهم كانوا يقولون السام عليكم
وروي
296 ( لا تبتدىء اليهودي بالسلام وإن بداك فقل وعليك )
صحيح وعن الحسن يجوز ان تقول للكافر وعليك السلام ولا تقل ورحمة الله فإنها استغفار
وعن الشعبي انه قال لنصراني سلم عليه وعليك السلام ورحمة الله
فقيل له في ذلك فقال أليس في رحمة الله يعيش وقد رخص بعض العلماء في أن يبدأ اهل الذمة بالسلام إذا دعت إلى ذلك حادثة تحوج إليهم وروى ذلك عن النخعي وعن أبي حنيفة لا تبدأه بسلام في كتاب ولا غيره
وعن أبي يوسف لا تسلم عليهم ولا تصافحهم وإذا دخلت

" صفحة رقم 577 "
فقل السلام على من اتبع الهدى
ولا بأس بالدعاء له بما يصلحه في دنياه
" على كل شيء حسيبا "
أي يحاسبكم على كل شيء من التحية وغيرها
النساء 87
)
النساء : ( 87 ) الله لا إله . . . . .
لا إله إلا هو (
إما خبر مبتدأ وإما اعتراض والخبر
) ليجمعنكم (
ومعناه الله والله ليجمعنكم إلى يوم القيامة "
أي ليحشرنكم إليه
والقيامة والقيام كالطلابة والطلاب وهي قيامهم من القبور أو قيامهم للحساب
قال الله تعالى
" يوم يقوم الناس لرب العالمين " المطففين 6
" ومن أصدق من الله حديثا "
لأنه عز وعلا صادق لا يجوز عليه الكذب
وذلك ان الكذب مستقل بصارف عن الإقدام عليه وهو قبحه
ووجه قبحه الذي هو كونه كذبا وإخبارا عن الشيء بخلاف ما هو عليه فمن كذب لم يكذب الا لأنه محتاج إلى ان يكذب ليجر منفعة أو يدفع مضرة
أو هو غني عنه الا انه يجهل غناه أو هو جاهل بقبحه أو هو سفيه لا يفرق بين الصدق والكذب في إخباره ولا يبالي بأيهما نطق وربما كان الكذب احلى على حنكه من الصدق
وعن بعض السفهاء انه عوتب على الكذب فقال لو غرغرت لهواتك به ما فارقته
وقيل لكذاب هل صدقت قط فقال لولا اني صادق في قولي لا لقلتها
فكان الحكيم الغني الذي لا يجوز عليه الحاجات العالم بكل معلوم منزها عنه كما هو منزه عن سائر القبائح
النساء 88
النساء : ( 88 ) فما لكم في . . . . .
" فئتين "
نصب على الحال كقولك مالك قائما روى ان قوما من المنافقين استأذنوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في الخروج إلى البدو معتلين باجتواء المدينة فلما خرجوا لم يزالوا راحلين مرحلة مرحلة حتى لحقوا بالمشركين فاختلف المسلمون فيهم فقال بعضهم هم كفار وقال بعضهم هم مسلمون وقيل كانوا قوما هاجروا من مكة ثم بدا لهم فرجعوا وكتبوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إنا على دينك وما أخرجنا إلا اجتواء المدينة والاشتياق إلى بلدنا
وقيل هم قوم خرجوا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم أحد ثم رجعوا وقيل هم العرنيون الذين اغاروا على السرح وقتلوا يسارا
وقيل هم قوم أظهروا الاسلام وقعدوا عن الهجرة
ومعناه ما لكم اختلفتم في شأن قوم نافقوا نفاقا

" صفحة رقم 578 "
ظاهرا وتفرقتم فيه فرقتين وما لكم لم تبتوا القول بكفرهم
) والله أركسهم (
أي ردهم في حكم المشركين كما كانوا
) بما كسبوا (
من ارتدادهم ولحوقهم بالمشركين واحتيالهم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
أو أركسهم في الكفر بان خذلهم حتى أركسوا فيه
لما علم من مرض قلوبهم
) أتريدون أن تهدوا (
أن تجعلوا من جملة المهتدين
) من أضل الله (
من جعله من جملة الضلال وحكم عليه بذلك أو خذله حتى ضل
وقرىء ( ركسهم ) و ركسوا فيها )
النساء 89 - 91
)
النساء : ( 89 ) ودوا لو تكفرون . . . . .
فتكونون (
عطف على
) تكفرون (
ولو نصب على جواب التمني لجاز
والمعنى ودوا كفركم فكونكم معهم شرعا واحدا فيما هم عليه من الضلال واتباع دين الآباء
فلا تتولوهم وإن آمنوا حتى يظاهروا إيمانهم بهجرة صحيحة هي لله ولرسوله لا لغرض من اغراض الدنيا مستقيمة ليس بعدها بداء ولا تعرب
) فإن تولوا (
عن الإيمان المظاهر بالهجرة الصحيحة المستقيمة فحكمهم حكم سائر المشركين يقتلون حيث وجدوا في الحل والحرم وجانبوهم مجانبة كلية وإن بذلوا لكم الولاية والنصرة فلا تقبلوا منهم
) إلا الذين يصلون (
استثناء من قوله
) فخذوهم واقتلوهم (
ومعنى
) يصلون إلى قوم (
ينتهون اليهم ويتصلون بهم
وعن أبي عبيدة هو من الانتساب وصلت إلى فلان واتصلت به إذا انتميت اليه وقيل إن الانتساب لا أثر له في منع القتال فقد قاتل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بمن معه هو من انسابهم والقوم هم الأسلميون كان بينهم وبين

" صفحة رقم 579 "
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عهد وذلك انه وادع وقت خروجه إلى مكة هلال بن عويمر الأسلمي على ان لا يعينه ولا يعين عليه وعلى ان من وصل إلى هلال ولجا اليه فله من الجوار مثل الذي لهلال
وقيل القوم بنو بكر بن زيد مناه كانوا في الصلح
" أو جاءوكم "
لا يخلو من ان يكون معطوفا على صفة قوم كانه قيل الا الذين يصلون إلى قوم معاهدين أو قوم ممسكين عن القتال لا لكم ولا عليكم أو على صلة الذين كانه قيل الا الذين يتصلون بالمعاهدين أو الذين لا يقاتلونكم والوجه العطف على الصلة لقوله
) فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ( بعد قوله
) فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم (
فقرر ان كفهم عن القتال أحد سببي استحقاقهم لنفي التعرض عنهم وترك الايقاع بهم
فإن قلت كل واحد من الاتصالين له تأثير في صحة الاستثناء واستحقاق إزالة التعرض الاتصال بالمعاهدين والاتصال بالمكافين لأن الاتصال بهؤلاء أو هؤلاء دخول في حكمهم فهلا جوزت ان يكون العطف على صفة قوم ويكون قوله
) فإن اعتزلوكم (
تقريرا لحكم اتصالهم بالمكافين واختلاطهم بهم وجريهم على سنتهم قلت هو جائز ولكن الأول أظهر وأجرى على أسلوب الكلام
وفي قراءة أبي ( بينكم وبينهم ميثاق جاؤكم حصرت صدورهم ) بغير أو ووجهه ان يكون ( جاؤكم ) بيانا ليصلون أو بدلا أو استئنافا أو صفة بعد صفة لقوم
حصرت صدورهم في موضع الحال بإضمار قد والدليل عليه قراءة من قرأ ( حصرة صدورهم ) و ( حصرات صدورهم ) و ( حاصرات صدورهم ) وجعله المبرد صفة لموصوف محذوف على أو جاؤكم قوما حصرت صدورهم وقيل هو بيان لجاؤكم وهم بنو مدلج جاؤوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) غير مقاتلين والحصر الضيق والانقباض
" ان يقتلوكم "
عن ان يقاتلوكم أو كراهة أن يقاتلوكم فإن قلت كيف يجوز ان يسلط الله الكفرة على المؤمنين قلت ما كانت مكافتهم الا لقذف الله الرعب في قلوبهم ولو شاء لمصلحة يراها من ابتلاء ونحوه لم يقذفه فكانوا متسلطين مقاتلين غير مكافين فذلك معنى التسليط وقرىء ( فلقتلوكم ) بالتخفيف والتشديد
) فإن اعتزلوكم (
فإن لم يتعرضوا لكم
) وألقوا إليكم السلم (
أي الانقياد والاستسلام وقرىء بسكون اللام مع فتح السين
) فما جعل الله لكم عليهم سبيلا (
فما أذن لكم في اخذهم وقتلهم
" ستجدون ءاخرين "
هم قوم من بني أسد وغطفان وكانوا اذا اتوا المدينة أسلموا وعاهدوا ليأمنوا المسلمين فإذا رجعوا إلى قومهم كفروا ونكثوا عهودهم
" كلما ردوا إلى الفتنة "
كلما دعاهم قومهم إلى قتال المسلمين
) أركسوا فيها (
قلبوا فيها أقبح قلب وأشنعه وكانوا شرا فيها من كل عدو
) حيث ثقفتموهم (
حيث تمكنتم منهم
) سلطانا مبينا (
حجة

" صفحة رقم 580 "
واضحة لظهور عداوتهم وانكشاف حالهم في الكفر والغدر وإضرارهم بأهل الإسلام أو تسلطا ظاهرا حيث أذنا لكم في قتلهم
النساء 92 - 93
النساء : ( 92 - 93 ) وما كان لمؤمن . . . . .
" " وما كان لمؤمن "
وما صح له ولا استقام ولا لاق بحاله كقوله
" وما كان لنبي ان يغل " آل عمران 161
" وما يكون لنا ان نعود فيها " الأعراف 89
" أن يقتل مؤمنا "
ابتداء غير قصاص
" الا خطئا "
الا على وجه الخطأ
فإن قلت بم انتصب خطأ قلت بانه مفعول له اي ما ينبغي له ان يقتله لعلة من العلل الا للخطأ وحده ويجوز ان يكون حالا بمعنى لا يقتله في حال من الأحوال الا في حال الخطأ
وان يكون صفة للمصدر الا قتلا خطأ
والمعنى ان من شأن المؤمن ان ينتفي عنه وجود قتل المؤمن ابتداء البتة الا اذا وجد منه خطأ من غير قصد بأن يرمي كافرا فيصيب مسلما أو يرمي شخصا على انه كافر فإذا هو مسلم وقرىء ( خطاء ) بالمد وخطا ) بوزن عمى بتخفيف الهمزة وروي
297 ان عياش بن أبي ربيعة وكان اخا أبي جهل لأمه أسلم وهاجر خوفا من قومه إلى المدينة وذلك قبل هجرة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأقسمت امه لا تأكل ولا تشرب ولا يؤويها سقف حتى يرجع
فخرج أبو جهل ومعه الحرث بن زيد بن أبي أنيسة فأتياه وهو في أطم فقتل منه أبو جهل في الذروة والغارب وقال أليس محمد يحثك على صلة الرحم انصرف وبر أمك وأنت على دينك حتى نزل وذهب معهما فلما

" صفحة رقم 581 "
فسحا عن المدينة كتفاه وجلده كل واحد مائة جلدة فقال للحارث هذا اخي فمن انت يا حارث لله علي إن وجدتك خاليا أن أقتلك وقدما به على امه فحلفت لا يحل كتافه أو يرتد
ففعل ثم هاجر بعد ذلك وأسلم وأسلم الحارث وهاجر فلقيه عياش بظهر قباء ولم يشعر بإسلامه فأنحى عليه فقتله ثم اخبر بإسلامه فأتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال قتلته ولم أشعر بإسلامه فنزلت
) فتحرير رقبة (
فعليه تحرير رقبة والتحرير الإعتاق والحر والعتيق الكريم لأن الكرم في الأحرار كما ان اللؤم في العبيد
ومنه عتاق الخيل وعتاق الطير لكرامها وحر الوجه أكرم موضع منه وقولهم للئيم عبد
وفلان عبد الفعل أي لئيم الفعل والرقبة عبارة عن النسمة كما عبر عنها بالرأس في قولهم فلان يملك كذا رأسا من الرقيق
والمراد برقبة مؤمنة كل رقبة كانت على حكم الإسلام عند عامة العلماء 3 وعن الحسن لا تجزىء الا رقبة قد صلت وصامت ولا تجزىء الصغيرة
وقاس عليها الشافعي كفارة الظهار فاشترط الإيمان
وقيل لما اخرج نفسا مؤمنة عن جملة الأحياء لزمه ان يدخل نفسا مثلها في جملة الأحرار لأن اطلاقها من قيد الرق كإحيائها من قبل ان الرقيق ممنوع من تصرف الأحرار
) مسلمة إلى أهله (
مؤداة إلى ورثته يقتسمونها كما يقتسمون الميراث لا فرق بينها وبين سائر التركة في كل شيء يقضي منها الدين وتنفذ الوصية وان لم يبق وارثا فهي لبيت المال لأن المسلمين يقومون مقام الورثة كما قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
298 ( أنا وارث من لا وارث له )
حسن
وعن عمر رضي الله عنه
299 أنه قضى بدية المقتول فجاءت امرأته تطلب ميراثها من عقله فقال لا اعلم لك شيئا إنما الدية للعصبة الذين يعقلون عنه
حسن
فقام الضحاك بن سفيان الكلابي

" صفحة رقم 582 "
فقال كتب الي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يأمرني ان اورث امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها أشيم فورثها عمر وعن ابن مسعود يرث كل وارث من الدية غير القاتل
وعن شريك لا يقضى من الدية دين ولا تنفذ وصية وعن ربيعة الغرة لأم الجنين وحدها وذلك خلاف قول الجماعة
فإن قلت على من تجب الرقبة والدية قلت على القاتل الا ان الرقبة في ماله والدية تتحملها عنه العاقلة فإن لم تكن له عاقلة فهي في بيت المال فإن لم يكن ففي ماله
) إلا أن يصدقوا (
إلا أن يتصدقوا عليه بالدية ومعناه العفو كقوله
) إلا أن يعفون ( البقرة 237 ونحوه
) وأن تصدقوا خير لكم ( البقرة 280 وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
300 ( كل معروف صدقة )
صحيح وقرأ أبي ( الا ان يتصدقوا ) فإن قلت بم تعلق ان يصدقوا وما محله قلت تعلق بعليه أو بمسلمة كانه قيل وتجب عليه الدية أو يسلمها الا حين يتصدقون عليه
ومحلها النصب على الظرف بتقدير حذف الزمان كقولهم أجلس ما دام زيد جالسا ويجوز ان يكون حالا من اهله بمعنى الا متصدقين
) من قوم عدو لكم (
من قوم كفار أهل الحرب وذلك نحو رجل أسلم في قومه الكفار وهو بين أظهرهم لم يفارقهم فعلى قاتلة الكفارة اذا قتله خطأ وليس على عاقلته لأهله شيء
لأنهم كفار محاربون وقيل كان الرجل يسلم ثم يأتي قومه وهم مشركون فيغزوهم جيش المسلمين فيقتل فيهم خطأ لأنهم يظنونه كافرا مثلهم
) وإن كان من قوم (
كفرة لهم ذمة كالمشركين الذين عاهدوا المسلمين واهل الذمة من الكتابيين فحكمه حكم مسلم من مسلمين
) فمن لم يجد (
رقبة بمعنى لم يملكها ولا ما يتوصل به اليه
) ف ( عليه
) صيام شهرين متتابعين توبة من الله (
قبولا من الله

" صفحة رقم 583 "
ورحمة منه من تاب الله عليه إذا قبل توبته يعني شرع ذلك توبة منه أو نقلكم من الرقبة إلى الصوم توبة منه
هذه الآية فيها من التهديد والإيعاد والإبراق والإرعاد امر عظيم وخطب غليظ
ومن ثم روى عن ابن عباس ما روى من ان توبة قاتل المؤمن عمدا غير مقبولة
وعن سفيان كان اهل العلم اذا سئلوا قالوا لا توبة له وذلك محمول منهم على الاقتداء بسنة الله في التغليظ والتشديد والا فكل ذنب ممحو بالتوبة وناهيك بمحو الشرك دليلا
وفي الحديث
301 ( لزوال الدنيا أهون على الله من قتل امرىء مسلم )
حسن وفيه
302 ( لو ان رجلا قتل بالمشرق وآخر رضي بالمغرب لأشرك في دمه )
لم اجد له اصلا وقال ابن حجر في تخريجه 1 151 لم أجده وفيه
303 ( إن هذا الإنسان بنيان الله ملعون من هدم بنيانه )
لم اجده ولم يتعرض له الحافظ في تخريجه 1 551
304 ( من اعان على قتل مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله )
ضعيف جدا

" صفحة رقم 584 "
والعجب من قوم يقرؤون هذه الآية ويرون ما فيها ويسمعون هذه الأحاديث العظيمة وقول ابن عباس بمنع التوبة
ثم لا تدعهم أشعبيتهم وطماعيتهم الفارغة واتباعهم هواهم وما يخيل اليهم مناهم ان يطمعوا في العفو عن قاتل المؤمن بغير توبة
) أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ( محمد 24 ثم ذكر الله سبحانه وتعالى التوبة في قتل الخطأ لما عسى يقع من نوع تفريط فيما يجب من الاحتياط والتحفظ فيه حسم للأطماع وأي حسم ولكن لا حياة لمن تنادي
فإن قلت هل فيها دليل على خلود من لم يتب من اهل الكبائر قلت ما ابين الدليل وهو تناول قوله
) ومن يقاتل (
أي قاتل كان من مسلم أو كافر تائب أو غير تائب الا ان التائب أخرجه الدليل
فمن ادعى إخراج المسلم غير التائب فليأت بدليل مثله
النساء 94
)
النساء : ( 94 ) يا أيها الذين . . . . .
فتبينوا (
وقرىء ( فتثبتوا ) وهما التفعل بمعنى الاستفعال أي اطلبوا بيان الأمر وثباته ولا تتهوكوا فيه من غير روية وقرىء ( السلم ) والسلام ) وهما الاستسلام
وقيل الإسلام وقيل التسليم الذي هو تحية اهل الإسلام
) لست مؤمنا ( وقرىء ( مؤمنا ) بفتح الميم من آمنه أي لا نؤمنك وأصله
305 ان مرداس بن نهيك رجلا من اهل فدك أسلم ولم يسلم من قومه غيره

" صفحة رقم 585 "
فغزتهم سرية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان عليها غالب بن فضالة الليثي فهربوا وبقي مرداس لثقته بإسلامه فلما راى الخيل الجأ غنمه إلى عاقول من الجبل وصعد فلما تلاحقوا وكبروا كبر ونزل وقال لا إله الا الله محمد رسول الله السلام عليكم فقتله أسامة بن زيد واستاق غنمه فأخبروا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فوجد وجدا شديدا وقال ( قتلتموه إرادة ما معه ) ثم قرأ الآية على أسامة فقال يا رسول الله استغفر لي قال ( فكيف بلا إله إلا الله ) قال اسامة فما زال يعيدها حتى وددت ان لم اكن أسلمت الا يومئذ ثم استغفر لي وقال ( أعتق رقبة )
غريب
" تبتغون عرض الحيواة الدنيا "
تطلبون الغنيمة التي هي حطام سريع النفاذ فهو الذي يدعوكم إلى ترك التثبت وقلة البحث عن حال من تقتلونه
) فعند الله مغانم كثيرة (
يغنمكموها تغنيكم عن قتل رجل يظهر الاسلام ويتعوذ به من التعرض له لتأخذوا ماله
) كذلك كنتم من قبل (
أول ما دخلتم في الإسلام سمعت من افواهكم كلمة الشهادة فحصنت دماؤكم واموالكم من غير انتظار الاطلاع على مواطأة قلوبكم لألسنتكم
) فمن الله عليكم (
بالاستقامة والاشتهار بالإيمان والتقدم وإن صرتم اعلاما فعليكم ان تفعلوا بالداخلين في الإسلام كما فعل بكم وان تعتبروا ظاهر الاسلام في المكافة ولا تقولوا إن تهليل هذا لاتقاء القتل لا لصدق النية فتجعلوه سلما إلى استباحة دمه وماله وقد حرمهما الله وقوله
) فتبينوا (
تكرير للأمر بالتبين ليؤكد عليهم
) إن الله كان بما تعملون خبيرا (
فلا تتهافتوا في القتل وكونوا محترزين محتاطين في ذلك
النساء 95 - 96
النساء : ( 95 - 96 ) لا يستوي القاعدون . . . . .
) غير أولي الضرر (
قرىء بالحركات الثلاث فالرفع صفة للقاعدون والنصب استثناء منهم أو حال عنهم والجر صفة للمؤمنين والضرر المرض أو العاهة من عمى أو عرج أو زمانة أو نحوها
وعن زيد بن ثابت
306 كنت إلى جنب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فغشيته السكينة فوقعت فخذه على فخذي

" صفحة رقم 586 "
حتى خشيت ان ترضها ثم سرى عنه فقال اكتب فكتبت في كتف
) لا يستوي القاعدون من المؤمنين (
) والمجاهدون ( فقال ابن أم مكتوم وكان اعمى يا رسول الله وكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين
فغشيته السكينة كذلك ثم قال اقرأ يا زيد فقرأت
) لا يستوي القاعدون من المؤمنين ( فقال ( غير أولي الضرر ) قال زيد أنزلها الله وحدها فألحقتها والذي نفسي بيده لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع في الكتف
صحيح
وعن ابن عباس لا يستوي القاعدون عن بدر والخارجون اليها وعن مقاتل إلى تبوك
فإن قلت معلوم أن القاعد بغير عذر والمجاهد لا يستويان فما فائدة نفي الاستواء قلت معناه الإذكار بما بينهما من التفاوت العظيم والبون البعيد ليانف القاعد ويترفع بنفسه عن انحطاط منزلته فيهتز للجهاد ويرغب فيه وفي ارتفاع طبقته ونحوه
) هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ( الزمر 9 أريد به التحريك من حمية الجاهل وانفته ليهاب به إلى التعلم ولينهض بنفسه عن صفة الجهل إلى شرف العلم
) فضل الله المجاهدين (
جملة موضحة لما نفي من استواء القاعدين والمجاهدين كانه قيل ما لهم لا يستوون فأجيب بذلك والمعنى على المتقاعدين والمجاهدين كانه قيل ما لهم لا يستوون فأجيب بذلك
والمعنى على القاعدين غير اولى الضرر لكون الجملة بيانا للجملة الأولى المتضمنة لهذا الوصف
) وكلا (
وكل فريق من القاعدين والمجاهدين
) وعد الله الحسنى (
أي المثوبة الحسنى وهي الجنة وإن كان المجاهدون مفضلين على القاعدين درجة وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
307 ( لقد خلفتم بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا الا كانوا معكم )
صحيح وهم الذين صحت نياتهم ونصحت جيوبهم وكانت أفئدتهم تهوى إلى الجهاد وبهم ما يمنعهم من المسير من ضرر أو غيره
فإن قلت قد ذكر الله تعالى مفضلين درجة ومفضلين درجات فمن هم قلت اما المفضلون درجة واحدة فهم الذين فضلوا على القاعدين الأضراء واما المفضلون درجات فالذين فضلوا على القاعدين الذين أذن لهم في التخلف اكتفاء بغيرهم لأن الغزو فرض كفاية
فإن قلت لم نصب ( درجة ) و ( أجرا ) و ( درجات ) قلت نصب قوله ( درجة ) لوقوعها موقع المرة من التفضيل كانه قيل

" صفحة رقم 587 "
فضلهم تفضيلة واحدة
ونظيره قولك ضربه سوطا بمعنى ضربه ضربة واما ( أجرا ) فقد انتصب بفضل لأنه في معنى اجرهم أجرا ودرجات ومغفرة ورحمة بدل من ( أجرا ) ويجوز ان ينتصب ( درجات ) نصب درجة كما تقول ضربه أسواطا بمعنى ضربات كأنه قيل وفضله تفضيلات ونصب
) أجرا عظيما (
على انه حال عن النكرة التي هي درجات مقدمة عليها وانتصب مغفرة ورحمة بإضمار فعلها بمعنى وغفر لهم ورحمهم مغفرة ورحمة
النساء 97 - 99
النساء : ( 97 - 99 ) إن الذين توفاهم . . . . .
) توفاهم (
يجوز ان يكون ماضيا كقراءة من قرأ ( توفتهم ) ومضارعا بمعنى تتوفاهم كقراءة من قرأ ( توفاهم ) على مضارع وفيت بمعنى ان الله يوفى الملائكة انفسهم فيتوفونها
أي يمكنهم من استيفائها فيستوفونها
) ظالمي أنفسهم (
في حال ظلمهم أنفسهم
) قالوا (
قال الملائكة للمتوفين
) فيم كنتم (
في أي شيء كنتم من امر دينكم
وهم ناس من اهل مكة اسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرة فريضة فإن قلت كيف صح وقوع قوله
) كنا مستضعفين في الأرض (
جوابا عن قولهم
) فيم كنتم ( وكان حق الجواب ان يقولوا كنا في كذا أو لم نكن في شيء قلت معنى
) فيم كنتم (
للتوبيخ بانهم لم يكونوا في شيء من الدين حيث قدروا على المهاجرة ولم يهاجروا فقالوا كنا مستضعفين اعتذارا مما وبخوا به واعتلالا بالاستضعاف وانهم لم يتمكنوا من الهجرة حتى يكونوا في شيء فبكتتهم الملائكة بقوله
) ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها (
أرادوا أنكم كنتم قادرين على الخروج من مكة إلى بعض البلاد التى لا تمنعون فيها من إظهار دينكم ومن الهجرة إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كما فعل المهاجرون إلى أرض الحبشة وهذا دليل على ان الرجل اذا كان في بلد لا يتمكن فيه من إقامة أمر دينه كما يجب لبعض الأسباب والعوائق عن إقامة الدين لا تنحصر أو علم انه في غير بلده أقوم بحق الله وادوم على العبادة حقت عليه الهجرة
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
308 ( من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا من الأرض استوجبت له

" صفحة رقم 588 "
الجنة وكان رفيق أبيه إبراهيم ونبيه محمد عليهما الصلاة والسلام )
ضعيف جدا
اللهم إن كنت تعلم ان هجرتي إليك لم تكن الا للفرار بديني فاجعلها سببا في خاتمة الخير ودرك المرجو من فضلك والمبتغى من رحمتك وصل جواري لك بعكوفي عند بيتك بجوارك في دار كرامتك يا واسع المغفرة ثم استثنى من اهل الوعيد المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة في الخروج لفقرهم وعجزهم ولا معرفة لهم بالمسالك
وروي
309 ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعث بهذه الآية إلى مسلمي مكة فقال جندب بن ضمرة أو ضمرة بن جندب لبنيه احملوني فإني لست من المستضعفين وإني لأهتدي الطريق والله لا أبيت الليلة بمكة
فحملوه على سرير متوجها إلى المدينة وكان شيخا كبيرا فمات بالتنعيم
ضعيف
فإن قلت كيف ادخل الولدان في جملة المستثنين من اهل الوعيد كأنهم كانوا يستحقون الوعيد مع الرجال والنساء لو استطاعوا حيلة واهتدوا سبيلا قلت الرجال والنساء قد يكونون مستطيعين مهتدين وقد لا يكونون كذلك
واما الولدان فلا يكونون الا عاجزين عن ذلك فلا يتوجه عليهم وعيد لأن سبب خروج الرجال والنساء من جملة اهل الوعيد إنما هو كونهم عاجزين فإذا كان العجز متمكنا في الولدان لا ينفكون عنه

" صفحة رقم 589 "
كانوا خارجين من جملتهم ضرورة
هذا إذا أريد بالولدان الأطفال ويجوز ان يراد المراهقون منهم الذين عقلوا ما يعقل الرجال والنساء فيلحقوا بهم في التكليف
وإن أريد بهم العبيد والإماء البالغون فلا سؤال
فإن قلت الجملة التي هي
) لا يستطيعون (
ما موقعها قلت هي صفة للمستضعفين أو للرجال والنساء والولدان
وإنما جاز ذلك والجمل نكرات لأن الموصوف وان كان فيه حرف التعريف فليس لشيء بعينه كقوله
ولقد أمر على اللئيم يسبني
فإن قلت لم قيل
) عسى الله أن يعفو عنهم (
بكلمة الإطماع قلت للدلالة على ان ترك الهجرة امر مضيق لا توسعة فيه حتى ان المضطر البين الاضطرار من حقه ان يقول عسى الله ان يعفو عني فكيف بغيره
النساء 100
النساء : ( 100 ) ومن يهاجر في . . . . .
" مرغما "
مهاجرا وطريقا يراغم بسلوكه قومه اي يفارقهم على رغم انوفهم
والرغم الذل والهوان وأصله لصوق الانف بالرغام وهو التراب يقال راغمت الرجل اذا فارقته وهو يكره مفارقتك لمذلة تلحقه بذلك قال النابغة الجعدي
( كطود يلاذ بأركانه عزيز المراغم والمذهب )
وقرىء ( مرغما )
وقرىء
) ثم يدركه الموت (
بالرفع على انه خبر مبتدأ محذوف وقيل رفع الكاف منقول من الهاء كانه أراد ان يقف عليها ثم نقل حركة الهاء الى

" صفحة رقم 590 "
الكاف كقوله
من عنزي سبني لم أضربه
وقرىء ( يدركه ) بالنصب على إضمار ان كقوله
( وألحق بالحجاز فاستريحا )
) فقد وقع أجره على الله (
فقد وجب ثوابه عليه وحقيقة الوجوب الوقوع والسقوط
) فإذا وجبت جنوبها ( الحج 36 ووجبت الشمس سقط قرصها
والمعنى فقد علم الله كيف يثيبه وذلك واجب عليه
وروى في قصة جندب بن ضمره انه لما أدركه الموت أخذ يصفق بيمينه على شماله ثم قال اللهم هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعك عليه رسولك
فمات حميدا فبلغ خبره أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا لو توفي بالمدينة لكان اتم أجرا وقال المشركون وهم يضحكون ما ادرك هذا ما طلب فنزلت
وقالوا كل هجرة لغرض ديني من طلب علم أو حج أو جهاد أو فرار إلى بلد يزداد فيه طاعة أو قناعة وزهدا في الدنيا أو ابتغاء رزق طيب فهي هجرة إلى الله ورسوله وإن ادركه الموت في طريقه فأجره واقع على الله
النساء 101
النساء : ( 101 ) وإذا ضربتم في . . . . .
الضرب في الأرض هو السفر وأدنى مدة السفر الذي يجوز فيه القصر عند أبي حنيفة مسيرة ثلاثة ايام ولياليهن سير الإبل ومشي الأقدام على القصد ولا اعتبار بإبطاء الضارب وإسراعه فلو سار مسيرة ثلاثة أيام ولياليهن في يوم قصر ولو سار مسيرة يوم في ثلاثة ايام لم يقصر
وعند الشافعي أدنى مدة السفر أربعة برد مسيرة يومين وقوله
) فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة (
ظاهرة التخيير بين القصر والإتمام وان الإتمام أفضل وإلى التخيير ذهب الشافعي وروي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
310 أنه أتم في السفر
جاء في سنن البيهقي 3 141 والدارقطني 2 189 من طريق عطاء عن عائشة ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعن عائشة رضي الله عنها

" صفحة رقم 591 "
311 اعتمرت مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من المدينة إلى مكة حتى اذا قدمت مكة قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي قصرت واتممت وصمت وأفطرت
فقال ( أحسنت يا عائشة ) وما عاب علي
حسن
وكان عثمان رضي الله عنه يتم ويقصر
وعند أبي حنيفة رحمه الله القصر في السفر عزيمة غير رخصة لا يجوز غيره
وعن عمر رضي الله عنه
312 صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم
صحيح
وعن عائشة رضي الله عنها
313 اول ما فرضت الصلاة فرضت ركعتين ركعتين فأقرت في السفر وزيدت في الحضر
صحيح
فإن قلت فما تصنع بقوله
) فليس عليكم جناح أن تقصروا (
قلت كانهم ألفوا الإتمام فكانوا مظنة لأن يخطر ببالهم ان عليهم نقصانا في القصر فنفى عنهم

" صفحة رقم 592 "
الجناح لتطيب أنفسهم بالقصر ويطمئنوا اليه وقرىء ( تقصروا ) من اقصر وجاء في الحديث
314 إقصار الخطبة بمعنى تقصيرها وقرأ الزهري ( تقصروا ) بالتشديد والقصر ثابت بنص الكتاب في حال الخوف خاصة وهو قوله
) إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا (
واما في حال الأمن فبالسنة وفي قراءة عبد الله ( من الصلاة ان يفتنكم ) ليس فيها
) إن خفتم (
على انه مفعول له بمعنى كراهة ان يفتنكم والمراد بالفتنة القتال والتعرض بما يكره
النساء 102 - 103
)
النساء : ( 102 ) وإذا كنت فيهم . . . . .
وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة (
يتعلق بظاهرة من لا يرى صلاة الخوف بعد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حيث شرط كونه فيهم وقال من رآها بعده إن الأئمة نواب عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في كل عصر قوام بما كان يقوم به فكان الخطاب له متناولا لكل إمام يكون حاضرا الجماعة في حال الخوف عليه ان يؤمهم كما أم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الجماعات التي كان يحضرها
والضمير في ( فيهم ) للخائفين
) فلتقم طائفة منهم معك (
فاجعلهم طائفتين فلتقم احداهما معك فصل بهم
) وليأخذوا أسلحتهم ( الضمير إما للمصلين وإما

" صفحة رقم 593 "
لغيرهم فإن كان للمصلين فقالوا يأخذون من السلاح ما لا يشغلهم عن الصلاة كالسيف والخنجر ونحوهما
وان كان لغيرهم فلا كلام فيه
) فإذا سجدوا فليكونوا ( يعني غير المصلين
) من ورائكم (
يحرسونكم وصفة صلاة الخوف عند أبي حنيفة ان يصلي الإمام بإحدى الطائفتين ركعة إن كانت الصلاة ركعتين والأخرى بإزاء العدو ثم تقف هذه الطائفة بإزاء العدو وتاتي الأخرى فيصلي بها ركعة ويتم صلاته
ثم تقف بإزاء العدو وتاتي الأولى فتؤدي الركعة بغير قراءة وتتم صلاتها ثم تحرس وتاتي الأخرى فتؤدي الركعة بقراءة وتتم صلاتها
والسجود على ظاهره عند أبي حنيفة
وعند مالك بمعنى الصلاة لأن الإمام يصلي عنده بطائفة ركعة ويقف قائما حتى تتم صلاتها وتسلم وتذهب ثم يصلي بالثانية ركعة ويقف قاعدا حتى تتم صلاتها
ويسلم بهم ويعضده
) ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك (
وقرىء ( وامتعاتكم )
فإن قلت كيف جمع بين الأسلحة وبين الحذر في الأخذ قلت جعل الحذر وهو التحرز والتيقظ آلة يستعملها الغازي فلذلك جمع بينه وبين الأسلحة في الأخذ وجعلا ماخوذين
ونحوه قوله تعالى
" والذين تبوءوا الدار والإيمان " الحشر 9 جعل الايمان مستقرا لهم ومتبوأ لتمكنهم فيه فلذلك جمع بينه وبين الدار في التبوء
) فيميلون عليكم (
فيشدون عليكم شدة واحدة ورخص لهم في وضع الأسلحة إن ثقل عليهم حملها بسبب ما يبلهم

" صفحة رقم 594 "
في مطر أو يضعفهم من مرض وامرهم مع ذلك باخذ الحذر لئلا يغفلوا فيهجم عليهم العدو
فإن قلت كيف طابق الأمر بالحذر قوله
) إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا (
قلت الأمر بالحذر من العدو يوهم توقع غلبته واعتزازه
فنفى عنهم ذلك الإيهام بإخبارهم ان الله يهين عدوهم ويخذله وينصرهم عليه لتقوى قلوبهم وليعلموا ان الأمر بالحذر ليس لذلك وإنما هو تعبد من الله كما قال
) ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ( البقرة 165
) فإذا قضيتم الصلاة (
فإذا صليتم في حال الخوف والقتال
) فاذكروا الله ( فصلوها
) قياما (
مسايفين ومقارعين
) وقعودا (
جاثين على الركب مرامين
) وعلى جنوبكم (
مثخنين بالجراح
) فإذا اطمأننتم (
حين تضع الحرب أوزارها وامنتم
) فإذا قضيتم (
فاقضوا ما صليتم في تلك الأحوال التي هي احوال القلق والانزعاج
" فإذا قضيتم الصلواة فاذكروا الله قياما وقعودا "
محدودا باوقات لا يجوز إخراجها عن اوقاتها على اي حال كنتم خوف أو امن
وهذا ظاهر على مذهب الشافعي رحمه الله في إيجابه الصلاة على المحارب في حاله المسابقة والمشي والاضطراب في المعركة اذا حضر وقتها فإذا اطمأن فعليه القضاء
واما عند أبي حنيفة رحمه الله فهو معذور في تركها إلى ان يطمئن وقيل معناه فإذا قضيتم صلاة الخوف فأديموا ذكر الله مهللين مكبرين مسبحين داعين بالنصرة والتأييد في كافة أحوالكم من قيام وقعود واضطجاع فإن ما أنتم فيه من خوف وحرب جدير بذكر الله ودعائه واللجأ اليه
) فإذا اطمأننتم (
فإذا أقمتم
) فأقيموا الصلاة (
فأتموها
النساء 104
)
النساء : ( 104 ) ولا تهنوا في . . . . .
ولا تهنوا (
ولا تضعفوا ولا تتوانوا
) في ابتغاء القوم (
في طلب الكفار بالقتال والتعرض به لهم ثم ألزمهم الحجة بقوله
) إن تكونوا تألمون (
أي ليس ما تكابدون من الألم بالجرح والقتل ومختصا بكم إنما هو امر مشترك بينكم وبينهم ويصيبهم كما يصيبكم ثم إنهم يصبرون عليه ويتشجعون
فما لكم لا تصبرون مثل صبرهم مع انكم أولى منهم بالصبر لأنكم
) ترجون من الله ما لا يرجون (
من إظهار دينكم على سائر الأديان ومن الثواب العظيم في الآخرة
وقرأ الأعرج ( أن تكونوا تألمون ) بفتح الهمزة بمعنى ولا تهنوا لأن تكونوا تألمون وقوله
) فإنهم يألمون كما تألمون ( تعليل وقرىء ( فإنهم يبلون كما تبلون ) وروي ان هذا في بدر الصغرى كان بهم

" صفحة رقم 595 "
جراح فتواكلوا
) وكان الله عليما حكيما (
لا يكلفكم شيئا ولا يأمركم ولا ينهاكم إلا لما هو عالم به مما يصلحكم
النساء 105 - 106
النساء : ( 105 ) إنا أنزلنا إليك . . . . .
روي
315 ان طعمة بن أبيرق أحد بني ظفر سرق درعا من جار له اسمه قتادة بن النعمان في جراب دقيق فجعل الدقيق ينتثر من خرق فيه وخبأها عند زيد بن السمين رجل من اليهود فالتمست الدرع عند طعمه فلم توجد وحلف ما اخذها وما له بها علم فتركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهى إلى منزل اليهودي فأخذوها فقال دفعها الي طعمة وشهد له ناس من اليهود
فقالت بنو ظفر انطلقوا بنا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فسألوه ان يجادل عن صاحبهم وقالوا إن لم تفعل هلك وافتضح وبرىء اليهودي فهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ان يفعل وان يعاقب اليهودي
وقيل هم ان يقطع يده فنزلت
ذكره الثعلبي من رواية أبي صالح عن الكلبي عن ابن عباس ونقله الواحدي في الاسباب عن المفسرين
وروي ان طعمة هرب إلى مكة وارتد ونقب حائطا بمكة ليسرق اهله فسقط الحائط عليه فقتله
) بما أراك الله (
بما عرفك واوحى به اليك
وعن عمر رضي الله عنه لا يقولن احدكم قضيت بما اراني الله فإن الله لم يجعل ذلك الا لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ولكن ليجتهد رأيه لأن الرأي من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان مصيبا لأن الله كان يريه اياه وهو منا الظن والتكلف
) ولا تكن للخائنين خصيما (
ولا تكن لأجل الخائنين مخاصما للبراء يعني لا تخاصم اليهود لأجل بني ظفر
) واستغفر الله (
مما هممت به من عقاب اليهودي
النساء 107 - 110
النساء : ( 107 - 110 ) ولا تجادل عن . . . . .
" بختانون انفسهم "
يخونونها بالمعصية كقوله
) علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم ( البقرة 187

" صفحة رقم 596 "
جعلت معصية العصاة خيانة منهم لأنفسهم كما جعلت ظلما لها لأن الضرر راجع اليهم
فإن قلت لم قيل
) للخائنين ( و
) يختانون أنفسهم (
وكان السارق طعمة وحده قلت لوجهين احدهما ان بني ظفر شهدوا له بالبراءة ونصروه فكانوا شركاء له في الاثم والثاني انه جمع ليتناول طعمة وكل من خان خيانته فلا تخاصم لخائن قط ولا تجادل عنه
فإن قلت لم قيل
) خوانا أثيما (
على المبالغة قلت كان الله عالما من طعمة بالإفراط في الخيانة وركوب المآثم ومن كانت تلك خاتمة امره لم يشك في حاله
وقيل اذا عثرت من رجل على سيئة فاعلم ان لها أخوات
وعن عمر رضي الله عنه أنه امر بقطع يد سارق فجاءت أمه تبكي وتقول هذه أول سرقة سرقها فاعف عنه فقال كذبت ان الله لا يؤاخذ عبده في اول مرة
) يستخفون (
يستترون
) من الناس (
حياء منهم وخوفا من ضررهم
) ولا يستخفون من الله (
ولا يستحيون منه
) وهو معهم (
وهو عالم بهم مطلع عليهم لا يخفى عليهم خاف من سرهم وكفي بهذه الآية ناعية على الناس ما هم من قلة الحياء والخشية من ربهم مع علمهم إن كانوا مؤمنين أنهم في حضرته لا سترة ولا غفلة ولا غيبة وليس الا الكشف الصريح والافتضاح
) يبيتون (
يدبرون ويزورون وأصله ان يكون بالليل
) ما لا يرضى من القول (
وهو تدبير طعمة ان يرمي بالدرع في دار زيد ليسرق دونه ويحلف ببراءته
فإن قلت كيف سمى التدبير قولا وإنما هو معنى في النفس قلت لما حدث بذلك نفسه سمي قولا على المجاز ويجوز ان يراد بالقول الحلف الكاذب الذي حلف به بعد ان بيته وتوريكه الذنب على اليهودي
" هاأنتم هؤلاء "
ها للتنبيه في أنتم واولاء وهما مبتدأ وخبر و
) جادلتم (
جملة مبينة لوقوع أولاء خبرا كما تقول لبعض الأسخياء انت حاتم تجود بمالك وتؤثر على نفسك ويجوز ان يكون ( أولاء ) اسما موصولا بمعنى الذين وجادلتم صلته والمعنى هبوا انكم خاصمتم عن طعمة وقومه في الدنيا فمن يخاصم عنهم في الآخرة اذا أخذهم الله بعذابه وقرا عبد الله ( عنه ) أي عن طعمة
) وكيلا (
حافظا ومحاميا من بأس الله وانتقامه
) ومن يعمل سوءا (
قبيحا متعديا يسوء به غيره كما فعل طعمة بقتادة واليهودي
) أو يظلم نفسه (
بما يختص به

" صفحة رقم 597 "
كالحلف الكاذب
وقيل ومن يعمل سوءا من ذنب دون الشرك
أو يظلم نفسه بالشرك
وهذا بعث لطعمة على الاستغفار والتوبة لتلزمه الحجة مع العلم بما يكون منه أو لقومه لما فرط منهم من نصرته والذنب عنه
النساء 111 - 112
)
النساء : ( 111 ) ومن يكسب إثما . . . . .
فإنما يكسبه على نفسه (
أي لا يتعداه ضرره إلى غيره فليبق على نفسه من كسب السوء
) خطيئة (
صغيرة
) أو إثما (
أو كبيرة
) ثم يرم به بريئا (
كما رمى طعمة زيدا
) فقد احتمل بهتانا وإثما (
لأنه بكسب الإثم ( آثم ) وبرمي البريء ( باهت ) فهو جامع بين الأمرين
وقرأ معاذ بن جبل رضي الله عنه ( ومن يكسب ) بكسر الكاف والسين المشددة وأصله يكتسب
النساء 113
النساء : ( 113 ) ولولا فضل الله . . . . .
" ولولا فضل عليك ورحمته "
أي عصمته وألطافه وما اوحى اليك من الاطلاع على سرهم
) لهمت طائفة منهم (
من بني ظفر
) أن يضلوك (
عن القضاء بالحق وتوخي طريق العدل مع علمهم أن الجاني هو صاحبهم فقد روي ان ناسا منهم كانوا يعلمون كنه القصة
) وما يضلون إلا أنفسهم (
لأن وباله عليهم
" وما يضرونك من شيء "
لأنك انما عملت بظاهر الحال وما كان يخطر ببالك ان الحقيقة على خلاف ذلك
) وعلمك ما لم تكن تعلم (
من خفيات الأمور وضمائر القلوب أو من امور الدين والشرائع ويجوز ان يراد بالطائفة بنو ظفر ويرجع الضمير في ( منهم ) إلى الناس وقيل الآية في المنافقين
النساء 114
)
النساء : ( 114 ) لا خير في . . . . .
لا خير في كثير من نجواهم (
من تناجي الناس
) إلا من أمر بصدقة (
إلا نجوى من امر على انه مجرور بدل من كثير كما تقول لا خير في قيامهم الا قيام زيد
ويجوز ان يكون منصوبا على الانقطاع بمعنى ولكن من امر بصدقة ففي نجواه الخير وقيل المعروف القرض وقيل اغاثة الملهوف وقيل هو عام في كل جميل

" صفحة رقم 598 "
ويجوز ان يراد بالصدقة الواجب وبالمعروف ما يتصدق به علي سبيل التطوع
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
316 ( كلام ابن آدم كله عليه لا له الا ما كان من امر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله )
أخرجه الترمذي 2414 وابن ماجه 3974 وابن السني في اليوم والليلة 5 وابو يعلى وسمع سفيان رجلا يقول ما اشد هذا الحديث فقال ألم تسمع الله يقول
) لا خير في كثير من نجواهم (
فهو هذا بعينه أو ما سمعته يقول
) والعصر إن الإنسان لفي خسر ( العصر 102 فهذا هو بعينه
وشرط في استيجاب الجر العظيم ان ينوي فاعل الخير عبادة الله والتقرب به اليه وان يبتغي به وجهه خالصا لأن الأعمال بالنيات
فإن قلت كيف قال
) إلا من أمر ( ثم قال
) ومن يفعل ذلك (
قلت قد ذكر الأمر بالخير ليدل به على فاعله لأنه اذا دخل الآمر به في زمرة الخيرين كان الفاعل فيهم ادخل
ثم قال
) ومن يفعل ذلك (
فذكر الفاعل وقرن به الوعد بالأجر العظيم ويجوز ان يراد ومن يامر بذلك فعبر عن الأمر بالفعل كما يعبر به عن سائر الأفعال وقرىء ( يؤتيه ) بالياء
النساء 115 - 121
النساء : ( 115 - 121 ) ومن يشاقق الرسول . . . . .
) ويتبع غير سبيل المؤمنين (
وهو السبيل الذي هم عليه من الدين الحنيفي القيم وهو دليل على إن الإجماع حجة لا تجوز مخالفتها كما لا تجوز مخالفة الكتاب

" صفحة رقم 599 "
والسنة لأن الله عز وعلا جمع بين اتباع سبيل غير المؤمنين وبين مشاقة الرسول في الشرط وجعل جزاءه الوعيد الشديد فكان اتباعهم واجبا كموالاة الرسول عليه الصلاة والسلام قوله
) نوله ما تولى (
نجعله واليا لما تولى من الضلال بان نخذله ونخلي بينه وبين ما اختاره ونصله جهنم "
وقرىء ( ونصله ) بفتح النون من صلاه وقيل هي في طعمة وارتداده وخروجه إلى مكة
" إن الله لا يغفر ان يشرك به "
تكرير للتاكيد وقيل كرر لقصة طعمة وروي انه مات مشركا وقيل
317 جائ شيخ من العرب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أني شيخ منهمك في الذنوب الا إني لم أشرك بالله شيئا منذ عرفته وآمنت به ولم أتخذ من دونه وليا ولم اوقع المعاصي جرأة على الله ولا مكابرة له وما توهمت طرفة عين أني أعجز الله هربا وإني لنادم تائب مستغفر فما ترى حالي عند الله فنزلت
واه بمرة قال ابن حجر في تخريجه 1 566 هذا منقطع ا ه وذكره القرطبي في تفسير
وهذا الحديث ينصر قول من فسر
" من يشاء النساء "
بالتائب من ذنبه
" إلا إناثا "
هي اللات والعزى ومناة
وعن الحسن لم يكن حي من احياء العرب الا ولهم صنم يعبدونه يسمونه أنثى بني فلان
وقيل كانوا يقولون في اصنامهم هن بنات الله
وقيل المراد الملائكة لقولهم الملائكة بنات الله
وقرىء ( أنثا ) جمع انيث أو أناث ( ووثنا ) ( وأثنا ) بالتخفيف والتثقيل جمع وثن كقولك أسد وأسد وأسد وقلب الواو الفا نحو ( أجوه ) في وجوه
وقرأت عائشة رضي الله عنها ( أوثانا )
" وان يدعون "
وإن يعبدون بعبادة الأصنام
" الا شيطانا "
لأنه هو الذي أغراهم على عبادتها فأطاعوه فجعلت طاعتهم له عبادة و
" لعنة الله وقال لأتخذن "
صفتان بمعنى شيطانا مريدا جامعا بين لعنة الله وهذا القول الشنيع
" نصيبا مفروضا "
مقطوعا واجبا فرضته لنفسي من قولهم فرض له في العطاء وفرض الجند رزقه
قال الحسن من كل ألف تسعمائة وتسعين إلى النار
" ولأمنيتهم " الأماني

" صفحة رقم 600 "
الباطلة من طول الأعمار وبلوغ الآمال ورحمة الله للمجرمين بغير توبة والخروج من النار بعد دخولها بالشفاعة ونحو ذلك
وتبتيكهم الآذان فعلهم بالبحائر كانوا يشقون أذن الناقة اذا ولدت خمسة ابطن وجاء الخامس ذكرا وحرموا على انفسهم الانتفاع بها
وتغييرهم خلق الله فقء عين الحامي واعفاؤه عن الركوب
وقيل الخصاء وهو في قول عامة العلماء مباح في البهائم
واما في بني آدم فمحظور
وعند أبي حنيفة يكره شراء الخصيان وإمساكهم واستخدامهم لأن الرغبة فيهم تدعو إلى خصائهم
وقيل فطرة الله التي هي دين الإسلام وقيل للحسن إن عكرمة يقول هو الخصاء فقال كذب عكرمة هو دين الله وعن ابن مسعود هو الوشم وعنه
318 ( لعن الله الواشرات والمتنمصات والمستوشمات المغيرات خلق الله )
أخرجه البخاري 4886 و 4887 و 5943 ومسلم 2125 والترمذي 2782 وقيل التخنث
النساء 122
النساء : ( 122 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . .
) وعد الله حقا (
مصدران الأول مؤكد لنفسه والثاني مؤكد لغيره
) ومن أصدق من الله قيلا (
توكيد ثالث بليغ
فإن قلت ما فائدة هذه التوكيدات قلت معارضة مواعيد الشيطان الكاذبة وامانيه الباطلة لقرنائه بوعد الله الصادق لأوليائه ترغيبا للعباد في ايثار ما يستحقون به تنجز وعد الله على ما يتجرعون في عاقبته غصص اخلاف مواعيد الشيطان
النساء 123 - 124
النساء : ( 123 ) ليس بأمانيكم ولا . . . . .
في
) ليس (
ضمير وعد الله اي ليس ينال ما وعد الله من الثواب
) بأمانيكم ولا (

" صفحة رقم 601 "
ب
) أماني أهل الكتاب (
والخطاب للمسلمين لأنه لا يتمنى وعد الله الا من آمن به وكذلك ذكر اهل الكتاب معهم لمشاركتهم لهم في الإيمان بوعد الله
وعن مسروق والسدي هي في المسلمين وعن الحسن ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل إن قوما ألهتهم اماني المغفرة حتى خرجوا في الدنيا ولا حسنة لهم وقالوا نحسن الظن بالله وكذبوا لو احسنوا الظن بالله لأحسنوا العمل له وقيل إن المسلمين واهل الكتاب افتخروا فقال اهل الكتاب نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم وقال المسلمون نحن اولى منكم نبينا خاتم النبيين وكتابنا يقضي على الكتب التى كانت قبله فنزلت
ويحتمل ان يكون الخطاب للمشركين لقولهم إن كان الأمر كما يزعم هؤلاء لنكونن خيرا منهم واحسن حالا
) لأوتين مالا وولدا ( مريم 77
) إن لي عنده للحسنى ( فصلت 50 وكان اهل الكتاب يقولون نحن أبناء الله واحباؤه
لن تمسنا النار الا أياما معدودة ويعضده تقدم ذكر اهل الشرك قبله
وعن مجاهد إن الخطاب للمشركين
قوله
) من يعمل سوءا يجز به ( وقوله
) ومن يعمل من الصالحات (
بعد ذكر تمني اهل الكتاب نحو من قوله
) بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته ( البقرة 81 وقوله
) والذين آمنوا وعملوا الصالحات (
عقيب قوله
) وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ( البقرة 80 واذا أبطل الله الأماني وأثبت ان الأمر كله معقود بالعمل وان من اصلح عمله فهو الفائز
ومن اساء عمله فهو الهالك تبين الأمر ووضح ووجب قطع الأماني وحسم المطامع والإقبال على العمل الصالح
ولكنه فصيح لا تعيه الآذان ولا تلقى اليه الأذهان
فإن قلت ما الفرق بين ( من ) الأولى والثانية قلت الأولى للتبعض أراد ومن يعمل بعض الصالحات لأن كلا لا يتمكن من عمل كل الصالحات لاختلاف الأحوال وإنما يعمل منها ما هو تكليفه وفي وسعه وكم من مكلف لا حج عليه ولا جهاد ولا زكاة وتسقط عنه الصلاة في بعض الأحوال
والثانية لتبيين الإبهام في
) من يعمل (
فإن قلت كيف خص

" صفحة رقم 602 "
الصالحون بانهم لا يظلمون وغيرهم مثلهم في ذلك قلت فيه وجهان أحدهما ان يكون الراجع في ( ولا يظلمون ) لعمال السوء وعمال الصالحات جميعا
والثاني ان يكون ذكره عند أحد الفريقين دالا على ذكره عند الآخر لأن كلا الفريقين مجزيون باعمالهم لا تفاوت بينهم ولأن ظلم المسيء ان يزاد في عقابه وأرحم الراحمين معلوم انه لا يزيد في عقاب المجرم فكان ذكره مستغنى عنه واما المحسن فله ثواب وتوابع للثواب من فضل الله هي في حكم الثواب فجاز أن ينقص من الفضل لأنه ليس بواجب
فكان نفي الظلم دلالة على انه لا يقع نقصان في الفضل
النساء 125
)
النساء : ( 125 ) ومن أحسن دينا . . . . .
أسلم وجهه لله (
أخلص نفسه لله وجعلها سالمة له لا تعرف لها ربا ولا معبودا سواه
) وهو محسن (
وهو عامل للحسنات تارك للسيئات
) حنيفا (
حال من المتبع أو من إبراهيم كقوله
) بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ( البقرة 135 وهو الذي تحنف اي مال عن الأديان كلها إلى دين الإسلام
) واتخذ الله إبراهيم خليلا (
مجاز عن اصطفائه واختصاصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله
والخليل المخال وهو الذي يخالك أي يوافقك في خلالك أو يسايرك في طريقك من الخل وهو الطريق في الرمل أو يسد خللك كما تسد خلله أو يداخلك خلال منازلك وحجبك
فإن قلت ما موقع هذه الجملة قلت هي جملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب كنحو ما يجيء في الشعر من قولهم
( والحوادث جمة )
فائدتها تاكيد وجوب اتباع ملته لأن من بلغ من الزلفى عند الله ان اتخذه خليلا

" صفحة رقم 603 "
كان جديرا بأن تتبع ملته وطريقته
ولو جعلتها معطوفة على الجملة قبلها لم يكن لها معنى
وقيل إن إبراهيم عليه السلام بعث إلى خليل له بمصر في ازمة أصابت الناس يمتار منه فقال خليله لو كان إبراهيم يطلب الميرة لنفسه لفعلت ولكنه يريدها للأضياف فاجتاز غلمانه ببطحاء لينة فملؤا منها الغرائر حياء من الناس
فلما اخبروا إبراهيم عليه السلام ساءه الخبر فحملته عيناه وعمدت امراته إلى غرارة منها فاخرجت أحسن حوارى واختبزت واستنبه إبراهيم عليه السلام فاشتم رائحة الخبز فقال من اين لكم فقالت امرأته من خليلك المصري فقال بل من عند خليلي الله عز وجل فسماه الله خليلا
النساء 126
النساء : ( 126 ) ولله ما في . . . . .
) ولله ما في السماوات وما في الأرض (
متصل بذكر العمال الصالحين والطالحين معناه ان له ملك أهل السموات والأرض فطاعته واجبة عليهم
" وكان الله بكل شىء محيطا "
فكان عالما بأعمالهم فمجازيهم على خيرها وشرها
فعليهم ان يختاروا لأنفسهم ما هو أصلح لها ويستفتونك فى
النساء 127
)
النساء : ( 127 ) ويستفتونك في النساء . . . . .
ما يتلى (
في محل الرفع أي الله يفتيكم والمتلو
) في الكتاب (
في معنى اليتامى يعني قوله
" وإن خفتم ان لا تقسطوا في اليتامى " النساء 3 وهو من قولك أعجبني زيد وكرمة ويجوز ان يكون
) ما يتلى عليكم ( مبتدأ و
) في الكتاب (
خبره على انها جملة معترضة والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ تعظيما للمتلو عليهم وان العدل والنصفة في حقوق اليتامى من عظائم الأمور المرفوعة الدرجات عند الله التى تجب مراعاتها والمحافظة عليها والمخل بها ظالم متهاون بما عظمه الله
ونحوه في تعظيم القرآن
) وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ( الزخرف 4 ويجوز ان يكون مجرورا على القسم كانه قيل قل الله يفتيكم فيهن وأقسم بما يتلى عليكم في الكتاب والقسم ايضا لمعنى التعظيم وليس بسديد ان يعطف على المجرور في ( فيهن ) لاختلاله من حيث اللفظ والمعنى فإن قلت بم تعلق قوله
" في يتامى النساء
قلت في الوجه الأول هو صلة ( يتلى " أي يتلى عليكم في معناهن
ويجوز ان يكون ( في يتامى النساء ) بدلا من ( فيهن ) واما في الوجهين الآخرين فبدل لا غير
فإن قلت

" صفحة رقم 604 "
الإضافة في ( يتامى النساء ) ما هي قلت اضافة بمعنى ( من ) كقولك عندي سحق عمامة
وقرىء ( في ييامي النساء ) بياءين على قلب همزة أيامي ياء
) لا تؤتونهن ما كتب لهن (
وقرىء ( ما كتب الله لهن )
أي ما فرض لهن من الميراث
وكان الرجل منهم يضم اليتيمة إلى نفسه وما لها فإن كانت جميلة تزوجها وأكل المال وإن كانت دميمة عضلها عن التزوج حتى تموت فيرثها
) وترغبون أن تنكحوهن (
يحتمل في أن تنكحوهن لجمالهن وعن ان تنكحوهن لدمامتهن
وروى ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان اذا جاءه ولي اليتيمة نظر فإن كانت جميلة غنية قال زوجها غيرك والتمس لها من هو خير منك وإن كانت دميمة ولا مال لها قال تزوجها فأنت احق بها
) ) والمستضعفين (
مجرور معطوف على يتامي النساء وكانوا في الجاهلية إنما يورثون الرجال القوام بالأمور دون الأطفال والنساء
ويجوز ان يكون خطابا للأوصياء كقوله
) ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ( النساء 2
) وأن تقوموا (
مجرور كالمستضعفين بمعنى يفتيكم في يتامى النساء وفي المستضعفين وفي ان تقوموا ويجوز ان يكون منصوبا بمعنى ويامركم ان تقوموا وهو خطاب للأئمة في ان ينظروا لهم ويستوفوا لهم حقوقهم ولا يخلوا احدا يهتضمهم
النساء 128
النساء : ( 128 ) وإن امرأة خافت . . . . .
) خافت من بعلها (
توقعت منه ذلك لما لاح لها مخايله وأماراته
والنشوز أن يتجافى عنها بان يمنعها نفسه ونفقته والمودة والرحمة التي بين الرجل والمرأة وان يؤذيها بسب أو ضرب والإعراض ان يعرض عنها بان يقل محادثتها ومؤانستها وذلك لبعض الأسباب من طعن في سن أو دمامة أو شيء في خلق أو خلق أو ملال أو طموح عين إلى اخرى أو غير ذلك فلا بأس بهما في أن يصلحا بينهما
وقرىء يصالحا ويصالحا بمعنى يتصالحا ويصطلحا
ونحو أصلح اصبر في اصطبر
) صلحا (
في معنى مصدر كل واحد من الأفعال الثلاثة ومعنى الصلح ان يتصالحا على ان تطيب له نفسا عن القسمة أو عن بعضها
319 كما فعلت سودة بنت زمعة حين كرهت ان يفارقها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعرفت

" صفحة رقم 605 "
مكان عائشة من قلبه فوهبت لها يومها
يشير المصنف لحديث عائشة عند البخاري 5212 ومسلم 1463 وابي داود 2135 والبيهقي
كما روى ان امرأة أراد زوجها ان يطلقها لرغبته عنها وكان لها منه ولد فقالت لا تطلقني ودعني أقوم على ولدي وتقسم لي في كل شهرين فقال إن في هذا يصلح فهو احب الي فأقرها
أو تهب له بعض المهر أو كله أو النفقة فإن لم تفعل فليس له الا ان يمسكها بإحسان أو يسرحها
) والصلح خير (
من الفرقة أو من النشوز والإعراض وسوء العشرة
أو هو خير من الخصومة في كل شيء أو الصلح خير من الخيور كما ان الخصومة شر من الشرور وهذه الجملة اعتراض وكذلك قوله
) وأحضرت الأنفس الشح (
ومعنى إحضار الأنفس الشح ان الشح جعل حاضرا لها لا يغيب عنها أبدا ولا تنفك عنه يعني انها مطبوعة عليه والغرض أن المرأة لا تكاد تسمح بقسمتها وبغير قسمتها والرجل لا تكاد نفسه تسمح بان يقسم لها وان يمسكها اذا رغب عنها وأحب غيرها
) وإن تحسنوا (
بالإقامة على نسائكم وإن كرهتموهن واحببتم غيرهن وتصبروا على ذلك مراعاة لحق الصحبة
) وتتقوا (
النشوز والإعراض وما يؤدي إلى الأذى والخصومة
) فإن الله كان بما تعملون (
من الاحسان والتقوى
) خبيرا (
وهو يثيبكم عليه
وكان عمران بن حطان الخارجي من أدم بني آدم وامرأته من اجملهم فأجالت في وجهه نظرها يوما ثم تابعت الحمد لله فقال مالك قالت حمدت الله على أني وإياك من اهل الجنة قال وكيف قالت لأنك رزقت مثلي فشكرت ورزقت مثلك فصبرت وقد وعد الله الجنة عباده الشاكرين والصابرين ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين
النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما 129
)
النساء : ( 129 ) ولن تستطيعوا أن . . . . .
ولن تستطيعوا (
ومحال ان تستطيعوا العدل
) بين النساء (
والتسوية حتى لا يقع ميل البتة ولا زيادة ولا نقصان فيما يجب لهن فرفع لذلك عنكم تمام العدل وغايته وما كلفتم منه الا ما تستطيعون بشرط ان تبذلوا فيه وسعكم وطاقتكم لأن تكليف ما لا يستطاع داخل في حد الظلم
) وما ربك بظلام للعبيد ( فصلت 46 وقيل معناه أن تعدلوا في المحبة
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
320 انه كان يقسم بين نسائه فيعدل ويقول ( هذه قسمتي فيما املك فلا

" صفحة رقم 606 "
تواخذني فيما تملك ولا املك )
أخرجه أبو داود 2134 والنسائي 7 64 والترمذي 1140 وابن ماجه 1971 والبيهقي يعني المحبة لأن عائشة رضي الله عنها كانت احب اليه
وقيل إن العدل بينهن امر صعب بالغ من الصعوبة حدا يوهم أنه غير مستطاع لأنه يجب ان يسوي بينهن في القسمة والنفقة والتعهد والنظر والإقبال والممالحة والمفاكهة والمؤانسة وغيرها مما لا يكاد الحصر ياتي من ورائه فهو كالخارج من حد الاستطاعة
هذا اذا كن محبوبات كلهن فكيف اذا مال القلب مع بعضهن
) فلا تميلوا كل الميل (
فلا تجوروا على المرغوب عنها كل الجور فتمنعوها قسمتها من غير رضا منها يعني ان اجتناب كل الميل مما هو في حد اليسر والسعة فلا تفرطوا فيه ان وقع منكم التفريط في العدل كله
وفيه ضرب من التوبيخ
) فتذروها كالمعلقة (
وهي التي ليست بذات بعل ولا مطلقة قال
هل هي الا حظة أو تطليق
أو صلف أو بين ذاك تعليق
وفي قراءة أبي فتذروها كالمسجونة وفي الحديث
321 ( من كانت له امراتان يميل مع احداهما جاء يوم القيامة واحد شقيه مائل )
حسن
وروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث إلى ازواج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بمال فقالت عائشة رضي الله عنها أإلي كل ازواج رسول الله بعث عمر مثل هذا قالوا لا بعث إلى القرشيات بمثل هذا والى غيرهن بغيره فقالت أرفع رأسك فإن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )

" صفحة رقم 607 "
كان يعدل بيننا في القسمة بماله ونفسه
فرجع الرسول فأخبره فأتم لهن جميعا وكان لمعاذ امرأتان فإذا كان عند احداهما لم يتوضأ في بيت الأخرى فماتتا بالطاعون فدفنهما في قبر واحد
) وإن تصلحوا (
ما مضى من ميلكم وتتداركوه بالتوبة
) وتتقوا (
فيما يستقبل غفر الله لكم
النساء 130
النساء : ( 130 ) وإن يتفرقا يغن . . . . .
وقرىء ( وإن يتفارقا ) بمعنى وإن يفارق كل واحد منهما صاحبه
) يغن الله كلا (
يرزقه زوجا خيرا من زوجه وعيشا اهنأ من عيشه والسعة الغني والمقدرة والواسع الغني المقتدر
النساء 131 - 133
)
النساء : ( 131 ) ولله ما في . . . . .
من قبلكم (
متعلق بوصينا أو بأوتوا
) وإياكم ( عطف على الذين اوتوا
) الكتاب (
اسم للجنس يتناول الكتب السماوية
) أن اتقوا (
بأن تتقوا
وتكون ان المفسرة لأن التوصية في معنى القول وقوله
" وإن تكفروا فإن الله "
عطف على اتقوا لأن المعنى امرناهم وامرناكم بالتقوى وقلنا لهم ولكم أن تكفروا فإن لله والمعنى ان لله الخلق كله وهو خالقهم ومالكهم والمنعم عليهم بأصناف النعم كلها فحقه ان يكون مطاعا في خلقه غير معصي
يتقون عقابه ويرجون ثوابه
ولقد وصينا الذين اوتوا الكتاب من الأمم السالفة ووصيناكم ان اتقوا الله يعني انها وصية قديمة ما زال يوصي الله بها عباده لستم بها مخصوصين لأنهم بالتقوى يسعدون عنده وبها ينالون النجاة في العاقبة وقلنا لهم ولكم وإن تكفروا فإن لله في سمواته وارضه من الملائكة والثقلين من يوحده ويعبده ويتقيه
) وكان الله (
مع ذلك
) غنيا (
عن خلقه وعن عبادتهم جميعها مستحقا لأن يحمد لكثرة نعمه وإن لم يحمده أحد منهم وتكرير قوله
) لله ما في السماوات وما في الأرض (
تقرير لما هو موجب تقواه ليتقوه فيطيعوه ولا يعصوه لأن الخشية والتقوى أصل الخير كله
) إن يشأ يذهبكم (
يفنكم ويعدمكم كما أوجدكم وأنشأكم
) ويأت بآخرين (
ويوجد إنسا آخرين مكانكم أو خلقا آخرين غير الإنس
) وكان الله على ذلك (
من الإعدام والإيجاد
) قديرا (
بليغ القدرة لا يمتنع عليه شيء اراده وهذا غضب عليهم وتخويف وبيان لاقتداره وقيل هو خطاب لمن كان

" صفحة رقم 608 "
يعادي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من العرب أي إن يشأ يمتكم ويأت باناس آخرين يوالونه
ويروي
322 أنها لما نزلت ضرب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بيده على ظهر سلمان وقال ( إنهم قوم هذا )
أخرجه الطبري 10681 من حديث أبي هريرة وفي اسناده عبد العزيز بن محمد الداراوردي صدوق يريد أبناء فارس 134
)
النساء : ( 134 ) من كان يريد . . . . .
من كان يريد ثواب الدنيا (
كالمجاهد يريد بجهاده الغنيمة
) فعند الله ثواب الدنيا والآخرة (
فماله يطلب احدهما دون الآخر والذي يطلبه اخسهما لأن من جاهد لله خالصا لم تخطئه الغنيمة وله من ثواب الاخرة ما الغنيمة إلى جنبه كلا شيء
والمعنى فعند الله ثواب الدنيا والآخرة له إن أراده حتى يتعلق الجزاء بالشرط
النساء 135
النساء : ( 135 ) يا أيها الذين . . . . .
) قوامين بالقسط (
مجتهدين في إقامة العدل حتى لا تجوروا
) شهداء لله (
تقيمون شهاداتكم لوجه الله كما امرتم بإقامتها
) ولو على أنفسكم (
ولو كانت الشهادة على انفسكم أو آبائكم أو أقاربكم
فإن قلت الشهادة على الوالدين والأقربين ان تقول أشهد ان لفلان على والدي كذا أو على أقاربي
فما معنى الشهادة على نفسه قلت هي الإقرار على نفسه لأنه في معنى الشهادة عليها بإلزام الحق لها
ويجوز ان يكون المعنى وإن كانت الشهادة وبالا على انفسكم أو على آبائكم وأقاربكم وذلك ان يشهد على من يتوقع ضرره من سلطان ظالم أو غيره
) إن يكن (
إن يكن المشهود عليه
) غنيا (
فلا تمنع الشهادة عليه لغناه طلبا لرضاه
) أو فقيرا (
فلا تمنعها ترحما عليه
) فالله أولى بهما (
بالغني والفقير أي بالنظر لهما وإرادة مصلحتهما ولولا ان الشهادة

" صفحة رقم 609 "
عليهما مصلحة لهما لما شرعها لأنه أنظر لعباده من كل ناظر
فإن قلت لم ثنى الضمير في ( أولى بهما ) وكان حقه ان يوحد لأن قوله
) إن يكن غنيا أو فقيرا (
في معنى إن يكن أحد هذين قلت قد رجع الضمير إلى ما دل عليه قوله
) إن يكن غنيا أو فقيرا (
لا إلى المذكور فلذلك ثنى ولم يفرد وهو جنس الغني وجنس الفقير كانه قيل فالله اولى بجنسي الغني والفقير أي بالأغنياء والفقراء وفي قراءة أبي فالله اولى بهم وهي شاهدة على ذلك وقرا عبد الله ( إن يكن غني أو فقير ) على كان التامة
) أن تعدلوا (
يحتمل العدل والعدول كانه قيل فلا تتبعوا الهوى كراهة ان تعدلوا بين الناس أو ارادة ان تعدلوا عن الحق
) وإن تلووا أو تعرضوا ( وإن تلووا ألسنتكم عن شهادة الحق أو حكومة العدل أو تعرضوا عن الشهادة بما عندكم وتمنعوها
وقرىء ( وإن تلوا أو تعرضوا ) بمعنى وإن وليتم إقامة الشهادة أو اعرضتم عن إقامتها
) فإن الله كان بما تعملون خبيرا (
وبمجازاتكم عليه
النساء 136
النساء : ( 136 ) يا أيها الذين . . . . .
" يا أيها الذين ءامنوا "
خطاب للمسلمين ومعنى
" ءامنوا "
أثبتوا على الايمان وداوموا عليه وازدادوه
) والكتاب الذي أنزل من قبل (
المراد به جنس ما انزل على الأنبياء قبله من الكتب والدليل عليه قوله
) وكتبه ( وقرىء ( وكتابه ) على إرادة الجنس وقرىء ( نزل ) ( وأنزل ) على البناء للفاعل وقيل الخطاب لأهل الكتاب لأنهم آمنوا ببعض الكتب والرسل وكفروا ببعض وروي
323 أنه لعبد الله بن سلام وأسد وأسيد ابني كعب وثعلبة بن قيس وسلام بن اخت عبد الله بن سلام وسلمة ابن أخيه ويامين بن يامين اتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقالوا يا رسول الله إنا نؤمن بك وبكتابك وموسى والتوراة وعزيز ونكفر بما سواه من الكتب والرسل فقال عليه السلام ( بل آمنوا بالله ورسوله محمد وكتابه القرآن وبكل كتاب كان قبله فقالوا لا نفعل فنزلت فآمنوا كلهم
قال ابن حجر في تخريج الكشاف 1 576 ذكره الثعلبي من رواية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس
وقيل هو للمنافقين كانه قيل يا ايها الذين آمنوا نفاقا آمنوا إخلاصا
فإن قلت كيف قيل لأهل

" صفحة رقم 610 "
الكتاب
) والكتاب الذي أنزل من قبل (
وكانوا مؤمنين بالتوراة والإنجيل قلت كانوا مؤمنين بهما فحسب وما كانوا مؤمنين بكل ما انزل من الكتب فامروا ان يؤمنوا بالجنس كله ولأن إيمانهم ببعض الكتب لا يصح إيمانا به لأن طريق الإيمان به هو المعجزة ولا اختصاص لها ببعض الكتب دون بعض فلو كان إيمانهم بما آمنوا به لأجل المعجزة لآمنوا به كله فحين آمنوا ببعضه علم أنهم لم يعتبروا المعجزة فلم يكن إيمانهم إيمانا
وهذا الذي اراد عز وجل في قوله
) ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا ( النساء 150
فإن قلت لم قيل ( نزل على رسوله ) و ( أنزل من قبل ) قلت لأن القرآن نزل مفرقا منجما في عشرين سنة بخلاف الكتب قبله ومعنى قوله
) ومن يكفر بالله (
الآية ومن يكفر بشيء من ذلك
) فقد ضل (
لأن الكفر ببعضه كفر بكله ألا ترى كيف قدم الأمر بالإيمان به جميعا
النساء 13
النساء : ( 137 ) إن الذين آمنوا . . . . .
) لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا (
نفي للغفران والهداية وهي اللطف على سبيل المبالغة التي تعطيها اللام والمراد بنفيهما نفي ما يقتضيهما وهو الإيمان الخالص الثابت
والمعنى إن الذين تكرر منهم الارتداد وعهد منهم ازدياد الكفر والإصرار عليه يستبعد منهم ان يحدثوا ما يستحقون به المغفرة ويستوجبون اللطف من إيمان صحيح ثابت يرضاه الله لأن قلوب اولئك الذين هذا ديدنهم قلوب قد ضربت بالكفر ومرنت على الردة وكان الإيمان أهون شيء عنده وأدونه حيث يبدو لهم فيه كره بعد اخرى

" صفحة رقم 611 "
وليس المعنى انهم لو اخلصوا الايمان بعد تكرار الردة ونصحت توبتهم لم يقبل منهم ولم يغفر لهم لأن ذلك مقبول من حيث هو بذل للطاقة واستفراغ للوسع ولكنه استبعاد له واستغراب وانه امر لا يكاد يكون وهكذا ترى الفاسق الذي يتوب ثم يرجع ثم يتوب ثم يرجع لا يكاد يرجي منه الثبات
والغالب انه يموت على شر حال وأسمج صورة
وقيل هم اليهود آمنوا بالتوراة وبموسى ثم كفروا بالإنجيل وبعيسى
ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد ( صلى الله عليه وسلم )
النساء 138 - 139
النساء : ( 138 - 139 ) بشر المنافقين بأن . . . . .
) بشر المنافقين (
وضع ( بشر ) مكان اخبر تهكما بهم و
) الذين (
نصب على الذم أو رفع بمعنى أريد الذين أو هم الذين وكانوا يمايلون الكفرة ويوالونهم ويقول بعضهم لبعض لا يتم امر محمد فتولوا اليهود
) فإن العزة لله جميعا (
يريد لأوليائه الذين كتب لهم العز والغلبة على اليهود وغيرهم وقال
) ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ( المنافقون 8
النساء 140 - 141
)
النساء : ( 140 ) وقد نزل عليكم . . . . .
أن إذا سمعتم ( هي ان المخففة من الثقيلة
والمعنى انه اذا سمعتم أي نزل عليكم ان الشان كذا والشأن ما أفادته الجملة بشرطها وجزائها ( ان ) مع ما في حيزها في موضع الرفع ب نزل ) أو في موضع النصب بنزل ) فيمن قرأ به والمنزل عليهم في الكتاب هو ما نزل عليهم بمكة من قوله
) وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ( الأنعام 68 وذلك ان المشركين كانوا يخوضون في ذكر القرآن في مجالسهم فيستهزؤون به فنهى المسلمون عن القعود معهم ما داموا خائضين فيه
وكان أحبار اليهود بالمدينة يفعلون نحو فعل المشركين فنهوا ان

" صفحة رقم 612 "
يقعدوا معهم كما نهوا عن مجالسة المشركين بمكة
وكان الذين يقاعدون الخائضين في القرآن من الأحبار هم المنافقون فقيل لهم إنكم اذا مثل الأحبار في الكفر
) إن الله جامع المنافقين والكافرين (
يعني القاعدون والمقعود معهم
فإن قلت الضمير في قوله
) فلا تقعدوا معهم (
إلى من يرجع قلت إلى من دل عليه
) يكفر بها ويستهزأ بها (
كأنه قيل فلا تقعدوا مع الكافرين بها والمستهزئين بها
فإن قلت لم يكونوا مثلهم بالمجالسة اليهم في وقت الخوض قلت لأنهم اذا لم ينكروا عليهم كانوا راضين
والراضي بالكفر كافر
فإن قلت فهلا كان المسلمون بمكة حين كانوا يجالسون الخائضين من المشركين منافقين قلت لأنهم كانوا لا ينكرون لعجزهم وهؤلاء لم ينكروا مع قدرتهم فكان ترك الإنكار لرضاهم
) الذين يتربصون (
إما بدل من الذين يتخذون وإما صفة للمنافقين أو نصب على الذم منهم
) يتربصون بكم (
أي ينتظرون بكم ما يتجدد لكم من ظفر أو إخفاق
) ألم نكن معكم (
مظاهرين فأسهموا لنا في الغنيمة
) ألم نستحوذ عليكم (
ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم وأسركم فأبقينا عليكم
) ونمنعكم من المؤمنين (
بأن ثبطناهم عنكم
وخيلنا لهم ما ضعفت به قلوبكم ومرضوا في قتالكم وتوانينا في مظاهرتهم عليكم فهاتوا نصيبا لنا بما اصبتم وقرىء ( ونمنعكم ) بالنصب بإضمار أن قال الحطيئة
( ألم أك جاركم ويكون بيني وبينكم المودة والإخاء )
فإن قلت لم سمى ظفر المسلمين فتحا وظفر الكافرين نصيبا قلت تعظيما لشأن المسلمين وتخسيسا لحظ الكافرين لأن ظفر المسلمين امر عظيم تفتح لهم أبواب السماء حتى ينزل على اوليائه واما ظفر الكافرين فما هو الا حظ دني ولمظة من الدنيا يصيبونها

" صفحة رقم 613 "
النساء 142 - 143
النساء : ( 142 - 143 ) إن المنافقين يخادعون . . . . .
) يخادعون الله (
يفعلون ما يفعل المخادع من إظهار الإيمان وإبطان الكفر
) وهو خادعهم (
وهو فاعل بهم ما يفعل الغالب في الخداع حيث تركهم معصومي الدماء والأموال في الدنيا وأعد لهم الدرك الأسفل من النار في الآخرة ولم يخلهم في العاجل من فضيحة وإحلال بأس ونقمة ورعب دائم
والخادع اسم فاعل من خادعته فخدعته اذا غلبته وكنت اخدع منه وقيل يعطون على الصراط نورا كما يعطى المؤمنون فيمضون بنورهم ثم يطفأ نورهم ويبقى نور المؤمنين فينادون انظرونا نقتبس من نوركم
) كسالى (
قرىء بضم الكاف وفتحها جمع كسلان كسكارى في سكران أي يقومون متثاقلين متقاعسين كما ترى من يفعل شيئا على كره لا عن طيبة نفس ورغبة
" يراءون الناس "
يقصدون بصلاتهم الرياء والسمعة
) ولا يذكرون الله إلا قليلا (
ولا يصلون الا قليلا لأنهم لا يصلون قط غائبين عن عيون الناس الا ما يجاهرون به وما يجاهرون به قليل ايضا لأنهم ما وجدوا مندوحة من تكلف ما ليس في قلوبهم لم يتكلفوه
أو ولا يذكرون الله بالتسبيح والتهليل الا ذكرا قليلا في الندرة وهكذا ترى كثيرا من المتظاهرين بالإسلام لو صحبته الأيام والليالي لم تسمع منه تهليلة ولا تسبيحة ولا تحميدة ولكن حديث الدنيا يستغرق به أوقاته لا يفتر عنه
ويجوز ان يراد بالقلة العدم
فإن قلت ما معنى المراءاة وهي مفاعلة من الرؤية قلت فيها وجهان أحدهما ان المرائي يريهم عمله وهم يرونه استحسانه
والثاني ان يكون من المفاعلة بمعنى التفعيل فيقال راءى الناس يعني رآهم كقولك نعمة وناعمة وفنقه وفانقة وعيش مفانق روى أبو زيد

" صفحة رقم 614 "
رأت المراة المرأة الرجل اذا امسكتها لترى وجهه ويدل عليه قراءة ابن أبي إسحاق يرأونهم بهمزة مشددة مثل يرعونهم اي يبصرونهم اعمالهم ويراؤونهم كذلك
) مذبذبين (
إما حال نحو قوله ( ولا يذكرون ) عن واو يراؤن اي يراؤنهم غير ذاكرين مذبذبين أو منصوب على الذم
ومعنى ( مذبذبين ) ذبذبهم الشيطان والهوى بين الإيمان والكفر فهم مترددون بينهما متحيرون وحقيقة المذبذب الذي يذب عن كلا الجانبين أي يذاد ويدفع فلا يقر في جانب واحد كما قيل فلان يرمى به الرحوان الا ان الذبذبة فيها تكرير ليس في الذب كان المعنى كلما مال إلى جانب ذب عنه
وقرا ابن عباس ( مذبذبين ) بكسر الذال بمعنى يذبذبون قلوبهم أو دينهم أو رأيهم
أو بمعنى يتذبذبون كما جاء صلصل وتصلصل بمعنى وفي مصحف عبد الله متذبذبين
وعن أبي جعفر ( مدبدبين ) بالدال غير المعجمة وكان المعنى أخذ بهم تارة في دبة وتارة في دبة فليسوا بماضين على دبة واحدة والدبة الطريقة ومنها دبة قريش و
) ذلك (
إشارة إلى الكفر والإيمان
) لا إلى هؤلاء (
لا منسوبين إلى هؤلاء فيكونون مؤمنين
) ولا إلى هؤلاء (
ولا منسوبين إلى هؤلاء فيسمون مشركين
النساء 144
النساء : ( 144 ) يا أيها الذين . . . . .
" ولا تتخذوا الكافرين أولياء "
لا تتشبهوا بالمنافقين في اتخاذهم اليهود وغيرهم من اعداء الاسلام أولياء
) سلطانا (
حجة بينة يعني ان موالاة الكافرين بينة على النفاق وعن صعصعة بن صوحان انه قال لابن اخ له خالص المؤمن وخالق الكافر والفاجر فإن الفاجر يرضي منك بالخلق الحسن وإنه يحق عليك ان تخالص المؤمن
النساء 145 - 146
النساء : ( 145 - 146 ) إن المنافقين في . . . . .
) الدرك الأسفل (
الطبق الذي في قعر جهنم والنار سبع دركات سميت بذلك لأنها متداركة متتابعة بعضها فوق بعض وقرىء بسكون الراء والوجه التحريك لقولهم أدراك جهنم
فإن قلت لم كان المنافق أشد عذابا من الكافر قلت لأنه مثله

" صفحة رقم 615 "
في الكفر وضم إلى كفره الاستهزاء بالإسلام وأهله ومداجاتهم
) وأصلحوا (
ما افسدوا من أسرارهم وأحوالهم في حال النفاق
) واعتصموا بالله (
ووثقوا به كما يثق المؤمنون الخلص
) وأخلصوا دينهم لله (
لا يبتغون بطاعتهم الا وجهه
) فأولئك مع المؤمنين (
فهم أصحاب المؤمنين ورفقاؤهم في الدارين
) وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما (
فيشاركونهم فيه ويساهمونهم
فإن قلت من المنافق قلت هو في الشريعة من اظهر الإيمان وأبطن الكفر
واما تسمية من ارتكب ما يفسق به بالمنافق فللتغليظ كقوله
324 ( من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر )
تقدم في سورة البقرة ومنه قوله عليه الصلاة والسلام
325 ( ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى وزعم انه مسلم من إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا ائتمن خان )
صحيح وقيل لحذيفة رضي الله عنه من المنافق فقال الذي يصف الإسلام ولا يعمل به
وقيل لإبن عمر ندخل على السلطان ونتكلم بكلام فإذا خرجنا تكلمنا بخلافه فقال كنا نعده من النفاق
وعن الحسن أتى على النفاق زمان وهو مقروع فيه فأصبح وقد عمم وقلد وأعطى سيفا يعني الحجاج
النساء 14
النساء : ( 147 ) ما يفعل الله . . . . .
) ما يفعل الله بعذابكم (
أيتشفى به من الغيظ أم يدرك به الثأر أم يستجلب به نفعا أم يستدفع به ضررا كما يفعل الملوك بعذابهم وهو الغني الذي لا يجوز عليه شيء من ذلك
وإنما هو امر أوجبته الحكمة ان يعاقب المسيء فإن قمتم بشكر نعمته وآمنتم به فقد أبعدتم عن انفسكم استحقاق العذاب
) وكان الله شاكرا (
مثيبا موفيا أجوركم
) عليما (
بحق شكركم وإيمانكم
فإن قلت لم قدم الشكر على الايمان

" صفحة رقم 616 "
قلت لأن العاقل ينظر إلى ما عليه من النعمة العظيمة في خلقه وتعريضه للمنافع فيشكر شكرا مبهما فإذا انتهى به النظر إلى معرفة المنعم آمن به ثم شكر شكرا مفصلا فكان الشكر متقدما على الإيمان وكأنه أصل التكليف ومداره
النساء 148 - 149
)
النساء : ( 148 ) لا يحب الله . . . . .
إلا من ظلم (
إلا من جهر من ظلم استثنى من الجهر الذي لا يحبه الله جهر المظلوم
وهو ان يدعو على الظالم ويذكره بما فيه من السوء
وقيل هو ان يبدأ بالشتيمة فيرد على الشاتم
) ولمن انتصر بعد ظلمه ( الشورى 41 وقيل ضاف رجل قوما فلم يطعموه فأصبح شاكيا فعوتب على الشكاية فنزلت وقرىء ( إلا من ظلم ) على البناء للفاعل للانقطاع
أي ولكن الظالم راكب ما لا يحبه الله فيجهر بالسوء
ويجوز ان يكون ( من ظلم ) مرفوعا كانه قيل بمعنى ما جاءني زيد إلا عمرو بمعنى ما جاءني الا عمرو
ومنه
) لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ( النمل 65 ثم حث على العفو وان لا يجهر أحد لأحد بسوء وإن كان على وجه الانتصار بعد ما اطلق الجهر به وجعله محبوبا حثا على الأحب إليه والأفضل عنده والأدخل في الكرم والتخشع والعبودية وذكر إبداء الخير واخفاءه تنبيها للعفو ثم عطفه عليهما اعتدادا به وتنبيها على منزلته وان له مكانا في باب الخير وسيطا والدليل على ان العفو هو الغرض المقصود بذكر ابداء الخير وإخفائه قوله
) فإن الله كان عفوا قديرا (
أي يعفو عن الجانين مع قدرته على الانتقام فعليكم ان تقتدوا بسنة الله
النساء15 - 151
النساء : ( 150 ) إن الذين يكفرون . . . . .

" صفحة رقم 617 "
جعل الذين آمنوا بالله وكفروا برسله أو آمنوا بالله وببعض رسله وكفروا ببعض كافرين بالله ورسله جميعا لما ذكرنا من العلة ومعنى اتخاذهم بين ذلك سبيلا أن يتخذوا دينا وسطا بين الإيمان والكفر كقوله
) ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ( الإسراء 110 أي طريقا وسطا في القراءة وهو ما بين الجهر والمخافتة
وقد أخطؤوا فإنه لا واسطة بين الكفر والإيمان ولذلك قال
) أولئك هم الكافرون حقا (
أي هم الكاملون في الكفر و ( حقا ) تأكيد لمضمون الجملة كقولك هو عبد الله حقا اي حق ذلك حقا وهو كونهم كاملين في الكفر أو هو صفة لمصدر الكافرين أي هم الذين كفروا كفرا حقا ثابتا ويقينا لا شك فيه
النساء 152
النساء : ( 152 ) والذين آمنوا بالله . . . . .
فإن قلت كيف جاز دخول
) بين ( على
) أحد ( وهو يقتضي شيئين فصاعدا قلت إن أحدا عام في الواحد المذكر والمؤنث وتثنيتهما وجمعهما تقول ما رأيت أحدا فتقصد العموم الا تراك تقول الا بني فلان والا بنات فلان فالمعنى ولم يفرقوا بين إثنين منهم أو بين جماعة ومنه قوله تعالى
) لستن كأحد من النساء ( الأحزاب 32
) سوف يؤتيهم أجورهم (
معناه ان إيتاءها كائن لا محالة وإن تأخر فالغرض به توكيد الوعد وتثبيته لا كونه متاخرا
النساء 153 - 159
النساء : ( 153 ) يسألك أهل الكتاب . . . . .

" صفحة رقم 618 "
روي
326 أن كعب بن الأشرف وفنحاص بن عازورا وغيرهما قالوا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن كنت نبيا صادقا فآتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى به موسى
قال الحافظ 1 584 لم أجده هكذا ا ه وهو في تفسير الطبرى 10773 من طريق أسابط عن فنزلت
وقيل كتابا إلى فلان وكتابا إلى فلان انك رسول الله وقيل كتابا نعاينه حين ينزل
وإنما اقترحوا ذلك على سبيل التعنت
قال الحسن ولو سألوه لكي يتبينوا الحق لأعطاهم وفيما آتاهم كفاية
) فقد سألوا موسى ( جواب لشرط مقدر
معناه إن استكبرت ما سألوه منك فقد سألوا موسى
) أكبر من ذلك (
وإنما أسند السؤال اليهم وإن وجد من آبائهم في أيام موسى وهم النقباء السبعون لأنهم كانوا على مذهبهم وراضين بسؤالهم ومضاهين لهم في التعنت
) جهرة (
عيانا بمعنى أرناه جهرة
) بظلمهم (
بسبب سؤالهم الرؤية
ولو طلبوا امرا جائزا لما سموا ظالمين ولما اخذتهم الصاعقة كما سأل إبراهيم عليه السلام ان يريه إحياء الموتى فلم يسمه ظالما ولا رماه بالصاعقة فتبا للمشبهة ورميا بالصواعق
" وءاتينا موسى الكتاب سلطانا مبينا "
تسلطا واستيلاء ظاهرا عليهم حين أمرهم بأن يقتلوا

" صفحة رقم 619 "
أنفسهم حتى يتاب عليهم فاطاعوه واحتبوا بأفنيتهم والسيوف تتساقط عليهم فيالك من سلطان مبين
) بميثاقهم (
بسبب ميثاقهم ليخافوا فلا ينقضوه
) وقلنا لهم (
والطور مطل عليهم
) ادخلوا الباب سجدا ( ولا تعدوا في السبت وقد أخذ منهم الميثاق على ذلك وقولهم سمعنا وأطعنا ومعاهدتهم على ان يتموا عليه ثم نقضوه بعد
وقرىء ( لا تعتدوا ) ( ولا تعدوا ) بادغام التاء في الدال
) فبما نقضهم (
فبنقضهم و ( ما ) مزيدة للتوكيد
فإن قلت بم تعلقت الباء وما معنى التوكيد قلت إما ان يتعلق بمحذوف كأنه قيل فبما نقضهم ميثاقهم فعلنا بهم ما فعلنا وإما ان يتعلق بقوله
) حرمنا عليهم ( على ان قوله
) فبظلم من الذين هادوا ( النساء 160 بدل من قوله
) فبما نقضهم ميثاقهم (
واما التوكيد فمعناه تحقيق ان العقاب أو تحريم الطيبات لم يكن الا بنقض العهد وما عطف عليه من الكفر وقتل الأنبياء وغير ذلك
فإن قلت هلا زعمت ان المحذوف الذي تعلقت به الباء ما دل عليه قوله
) بل طبع الله عليها (
فيكون التقدير فبما نقضهم ميثاقهم طبع الله على قلوبهم بل طبع الله عليها بكفرهم قلت لم يصح هذا التقدير لأن قوله
) بل طبع الله عليها بكفرهم (
رد وإنكار لقولهم
) قلوبنا غلف (
فكان متعلقا به وذلك أنهم ارادوا بقولهم ( قلوبنا غلف ) أن الله خلق قلوبنا غلفا أي في اكنة لا يتوصل اليها شيء من الذكر والموعظة كما حكى الله عن المشركين وقالوا
) لو شاء الرحمن ما عبدناهم ( الزخرف 20 وكمذهب المجبرة اخزاهم الله فقيل لهم بل خذلها الله ومنعها الألطاف بسبب كفرهم فصارت كالمطبوع عليها لا ان تخلق غلفا غير قابلة للذكر ولا متمكنة من قبوله
فإن قلت علام عطف قوله
) وبكفرهم (
قلت الوجه ان يعطف على ( فبما نقضهم ) ويجعل قوله
) بل طبع الله عليها بكفرهم ( كلاما تبع قوله
) وقالوا قلوبنا غلف (
على وجه الاستطراد يجوز عطفه على ما يليه من قوله ( بكفرهم )
فإن قلت ما معنى المجيء بالكفر معطوفا على ما فيه

" صفحة رقم 620 "
ذكره سواء عطف على ما قبل حرف الإضراب أو على ما بعده وهو قوله
) وكفرهم بآيات الله ( وقوله
" يكفرهم "
قلت قد تكرر منهم الكفر لأنهم كفروا بموسى ثم بعيسى ثم بمحمد صلوات الله عليهم فعطف بعض كفرهم على بعض أو عطف مجموع المعطوف على مجموع المعطوف عليه كانه قيل فبجمعهم بين نقض الميثاق والكفر بآيات الله وقتل الأنبياء وقولهم قلوبنا غلف وجمعهم بين كفرهم وبهتهم مريم وافتخارهم بقتل عيسى عاقبناهم
أو بل طبع الله عليها بكفرهم وجمعهم بين كفرهم وكذا وكذا
والبهتان العظيم هو التنزيه فإن قلت كانوا كافرين بعيسى عليه السلام أعداء له عامدين لقتله يسمونه الساحر بن الساحرة والفاعل بن الفاعلة فكيف قالوا ( إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ) قلت قالوه على وجه الاستهزاء كقول فرعون
) إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ( الشعراء 27 ويجوز ان يضع الله الذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح في الحكاية عنهم رفعا لعيسى عما كانوا يذكرونه به وتعظيما لما أرادوا بمثله كقوله
) ليقولن خلقهن العزيز العليم الذي جعل لكم الأرض مهدا ( الزخرف 9 روي ان رهطا من اليهود سبوه وسبوا امه فدعا عليهم ( اللهم انت ربي وبكلمتك خلقتني اللهم العن من سبني وسب والدتي ) فمسخ الله من سبهما قردة وخنازير فأجمعت اليهود على قتله فأخبره الله بانه يرفعه إلى السماء ويطهره من صحبة اليهود فقال لأصحابه أيكم يرضى ان يلقى عليه شبهي فيقتل ويصلب ويدخل الجنة فقال رجل منهم أنا فألقي عليه شبهه فقتل وصلب وقيل كان رجلا ينافق عيسى فلما أرادوا قتله قال انا ادلكم عليه فدخل بيت عيسى فرفع عيسى وألقى شبهه على المنافق فدخلوا عليه فقتلوه وهم يظنون انه عيسى ثم اختلفوا فقال بعضهم انه إله لا يصح قتله
وقال بعضهم إنه قتل وصلب
وقال بعضهم إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى وقال بعضهم رفع إلى السماء وقال بعضهم الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا
فإن قلت
) شبه (
مسند إلى ماذا إن جعلته مسندا إلى المسيح فالمسيح مشبه به وليس بمشبه وإن أسندته إلى المقتول فالمقتول لم يجر له ذكر قلت هو مسند إلى الجار والمجرور وهو ( من ) كقولك خيل إليه كانه قيل ولكن وقع لهم التشبيه
ويجوز ان يسند إلى ضمير المقتول لأن قوله إنا قتلنا يدل عليه كأنه قيل ولكن شبه لهم من قتلوه
) إلا اتباع الظن (

" صفحة رقم 621 "
استثناء منقطع لأن اتباع الظن ليس من جنس العلم يعني ولكنهم يتبعون الظن
فإن قلت قد وصفوا بالشك والشك ان لا يترجح أحد الجائزين ثم وصفوا بالظن والظن ان يترجح احدهما فكيف يكونون شاكين ظانين قلت أريد انهم شاكون ما لهم من علم قط ولكن إن لاحت لهم إمارة فظنوا فذاك
) وما قتلوه يقينا (
وما قتلوه قتلا يقينا
أو ما قتلوه متيقنين كما ادعوا ذلك في قولهم ( إنا قتلنا المسيح ) أو يجعل ( يقينا ) تأكيدا لقوله
) وما قتلوه (
كقولك ما قتلوه حقا أي حق انتفاء قتله حقا
وقيل هو من قولهم قتلت الشيء علما ونحرته علما اذا تبالغ فيه علمك
وفيه تهكم لأنه اذا نفي عنهم العلم نفيا كليا بحرف الاستغراق ثم قيل وما علموه علم يقين وإحاطة لم يكن الا تهكما بهم
) ليؤمنن به (
جملة قسمية واقعة صفة لموصوف محذوف تقديره
وإن من اهل الكتاب أحد الا ليؤمنن به
ونحوه
) وما منا إلا له مقام معلوم ( الصافات 164
) وإن منكم إلا واردها ( مريم والمعنى وما من اليهود والنصارى أحد الا ليؤمنن قبل موته بعيسى وبانه عبد الله ورسوله يعني إذا عاين قبل ان تزهق روحه حين لا ينفعه إيمانه لانقطاع وقت التكليف
وعن شهر ابن حوشب قال لي الحجاج آية ما قراتها الا تخالج في نفسي شيء منها يعني هذه الآية وقال إني أوتى بالأسير من اليهود والنصارى فأضرب عنقه فلا أسمع منه ذلك فقلت إن اليهودي إذا حضره الموت ضربت الملائكة دبره ووجهه وقالوا يا عدو الله اتاك موسى نبيا فكذبت به فيقول آمنت انه عبد نبي
وتقول للنصراني أتاك عيسى نبيا فزعمت انه الله أو ابن الله فيؤمن أنه عبد الله ورسوله حيث لا ينفعه إيمانه
قال وكان متكئا فاستوى جالسا فنظر الي وقال ممن قلت حدثني محمد بن علي ابن الحنفية

" صفحة رقم 622 "
فأخذ ينكت الأرض بقضيبه ثم قال لقد أخذتها من عين صافية أو من معدنها
قال الكلبي فقلت له ما اردت إلى ان تقول حدثني محمد بن علي ابن الحنفية
قال أردت ان اغيظه يعني بزيادة اسم علي لأنه مشهور بابن الحنفية
وعن ابن عباس أنه فسره كذلك فقال له عكرمة فإن اتاه رجل فضرب عنقه قال لا تخرج نفسه حتى يحرك بها شفتيه
قال وإن خر من فوق بيت أو احترق أو اكله سبع قال يتكلم بها في الهواء ولا تخرج روحه حتى يؤمن به
وتدل عليه قراءة أبي ( إلا ليؤمنن به قبل موتهم ) بضم النون على معنى وإن منهم أحد الا سيؤمنون به قبل موتهم لأن أحدا يصلح للجمع
فإن قلت ما فائدة الإخبار بإيمانهم بعيسى قبل موتهم قلت فائدته الوعيد وليكون علمهم بأنهم لا بد لهم من الإيمان به عن قريب عند المعاينة وان ذلك لا ينفعهم بعثا لهم وتنبيها على معالجة الإيمان به في أوان الانتفاع به وليكون إلزاما للحجة عليهم وكذلك قوله
" " ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا "
يشهد على اليهود بأنهم كذبوه وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن الله
وقيل الضميران لعيسى بمعنى وإن منهم أحد إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى وهم أهل الكتاب الذين يكونون في زمان نزوله روي
327 أنه ينزل من السماء في آخر الزمان فلا يبقى أحد من أهل الكتاب الا يؤمن به حتى تكون الملة واحدة وهي ملة الإسلام ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال وتقع الأمنة حتى ترتع الأسود مع الإبل والنمور مع البقر والذئاب مع الغنم

" صفحة رقم 623 "
ويلعب الصبيان بالحيات ويلبث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه
ويجوز ان يراد أنه لا يبقى أحد من جميع اهل الكتاب الا ليؤمنن به على أن الله يحييهم في قبورهم في ذلك الزمان ويعلمهم نزوله وما انزل له ويؤمنون به حين لا ينفعهم إيمانهم وقيل الضمير في ( به ) يرجع إلى الله تعالى
وقيل إلى محمد ( صلى الله عليه وسلم )
النساء 160 - 162
النساء : ( 160 - 162 ) فبظلم من الذين . . . . .
" فيظلم من الذين هادوا "
فبأي ظلم منهم والمعنى ما حرمنا عليهم الطيبات الا لظلم عظيم ارتكبوه
وهو ما عدد لهم من الكفر والكبائر العظيمة
والطيبات التى حرمت عليهم ما ذكره في قوله
) وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ( الأنعام 146 وحرمت عليهم الألبان وكلما أذنبوا ذنبا صغيرا أو كبيرا حرم عليهم بعض الطيبات في المطاعم وغيرها
) وبصدهم عن سبيل الله كثيرا (
ناسا كثيرا أو صدا كثيرا
) بالباطل (
بالرشوة التي كانوا يأخذونها من سفلتهم في تحريف الكتاب
" لاكن الراسخون "
يريد من آمن منهم كعبد الله بن سلام وأضرابه والراسخون في العلم الثابتون فيه المتقنون المستبصرون
) والمؤمنون (
يعني المؤمنين منهم أو المؤمنون من المهاجرين والأنصار وارتفع الراسخون على الابتداء و
) يؤمنون (
خبره و
) المقيمين (
نصب على المدح لبيان فضل الصلاة وهو باب واسع وقد كسره سيبويه على امثلة وشواهد
ولا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحنا في خط المصحف
وربما التفت اليه من لم ينظر في الكتاب ولم يعرف مذاهب العرب وما لهم في النصب على الاختصاص من الافتنان وغبي عليه ان السابقين الأولين الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كانوا أبعد همة في الغيرة على الإسلام وذب المطاعن عنه من ان يتركوا في كتاب الله ثلمة ليسدها من بعدهم وخرقا يرفوه من يلحق بهم
وقيل هو عطف على يشهد
) بما أنزل إليك (
أي يؤمنون بالكتاب وبالمقيمين الصلاة وهم الأنبياء
وفي مصحف عبد الله ( والمقيمون ) بالواو وهي قراءة مالك بن دينار والجحدري وعيسى الثقفي
النساء 163 - 166
النساء : ( 163 ) إنا أوحينا إليك . . . . .

" صفحة رقم 624 "
) إنا أوحينا إليك (
جواب لأهل الكتاب عن سؤالهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ان ينزل عليهم كتابا من السماء
واحتجاج عليهم بأن شأنه في الوحي اليه كشأن سائر الأنبياء الذين سلفوا
وقرىء ( زبورا ) بضم الزاي جمع زبر وهو الكتاب
) ورسلا (
نصب بمضمر في معنى أوحينا اليك وهو أرسلنا ونبأنا وما أشبه ذلك
أو بما فسره قصصناهم وفي قراءة أبي ( ورسل قد قصصناهم عليك من قبل ورسل لم نقصصهم ) وعن إبراهيم ويحيى بن وثاب أنهما قرآ
) وكلم الله (
بالنصب ومن بدع التفاسير انه من الكلم وان معناه وجرح الله موسى بأظفار المحن ومخالب الفتن
) رسلا مبشرين ومنذرين (
الأوجه ان ينتصب على المدح ويجوز انتصابه على التكرير
فإن قلت

" صفحة رقم 625 "
كيف يكون للناس على الله حجة قبل الرسل وهم محجوجون بما نصبه الله من الأدلة التى النظر فيها موصل إلى المعرفة والرسل في أنفسهم لم يتوصلوا إلى المعرفة إلا بالنظر في تلك الأدلة ولا عرف انهم رسل الله الا بالنظر فيها قلت الرسل منبهون عن الغفلة وباعثون على النظر كما ترى علماء أهل العدل والتوحيد مع تبليغ ما حملوه من تفضيل أمور الدين وبيان أحوال التكليف وتعليم الشرائع فكان إرسالهم إزاحة للعلة وتتميما لإلزام الحجة لئلا يقولوا لولا أرسلت إلينا رسولا فيوقظنا من سنة الغفلة وينبهنا لما وجب الانتباه له
وقرا السلمي لكن الله يشهد بالتشديد
فإن قلت الاستدراك لا بد له من مستدرك فما هو قوله
" لاكن الله يشهد "
قلت لما سأل أهل الكتاب إنزال الكتاب من السماء وتعنتوا بذلك واحتج عليهم بقوله
) إنا أوحينا إليك (
قالوا ما نشهد لك بهذا فنزل
" لاكن الله يشهد "
ومعنى شهادة الله بما انزل اليه إثباته لصحته بإظهار المعجزات كما تثبت الدعاوى بالبينات
وشهادة الملائكة شهادتهم بانه حق وصدق فإن قلت بم يجاوبون لو قالوا بم يعلم ان الملائكة يشهدون بذلك قلت يجابون بأنه يعلم بشهادة الله لأنه لما علم بإظهار المعجزات أنه شاهد بصحته علم ان الملائكة يشهدون بصحة ما شهد بصحته لأن شهادتهم تبع لشهادته
فإن قلت ما معنى قوله
) أنزله بعلمه (
وما موقعه من الجملة التى قبله قلت معناه أنزله ملتبسا بعلمه الخاص الذي لا يعلمه غيره وهو تأليفه على نظم وأسلوب يعجز عنه كل بليغ وصاحب بيان وموقعه مما قبله موقع الجملة المفسرة لأنه بيان للشهادة وأن شهادته بصحته انه انزله بالنظم المعجز الفائت للقدرة
وقيل انزله وهو عالم بأنك أهل لإنزاله اليك وأنك مبلغه وقيل أنزله بما علم من مصالح العباد مشتملا عليه ويحتمل أنه أنزل وهو عالم به رقيب عليه حافظ له من الشياطين برصد من الملائكة والملائكة يشهدون بذلك كما قال في آخر سورة الجن
ألا ترى إلى قوله تعالى
) وأحاط بما لديهم ( الجن 8 والإحاطة بمعنى العلم
) وكفى بالله شهيدا (
وإن لم يشهد غيره لأن التصديق بالمعجزة هو الشهادة حقا
" قل اي شيء اكبر شهادة قل الله " الأنعام 19

" صفحة رقم 626 "
النساء 167 - 169
النساء : ( 167 ) إن الذين كفروا . . . . .
) كفروا وظلموا (
جمعوا بين الكفر والمعاصي وكان بعضهم كافرين وبعضهم ظالمين أصحاب كبائر لأنه لا فرق بين الفريقين في أنه لا يغفر لهما الا بالتوبة
) ولا ليهديهم طريقا (
لا يلطف بهم فيسلكون الطريق الموصل إلى جهنم
أو لا يهديهم يوم القيامة طريقا إلا طريقها
) يسيرا (
أي لا صارف له عنه
النساء 170 - 171
النساء : ( 170 - 171 ) يا أيها الناس . . . . .
) فآمنوا خيرا لكم ( وكذلك
) انتهوا خيرا لكم (
انتصابه بمضمر وذلك انه لما بعثهم على الإيمان وعلى الانتهاء عن التثليث علم انه يحملهم على أمر فقال
) خيرا لكم (
أي اقصدوا أو ائتوا امرا خيرا لكم مما أنتم فيه من الكفر والتثليث
وهو الإيمان والتوحيد
) لا تغلوا في دينكم (
غلت اليهود في حط المسيح عن منزلته حيث جعلته مولودا لغير رشدة
وغلت النصارى في رفعه عن مقداره حيث جعلوه إلها
) ولا تقولوا على الله إلا الحق (
وهو تنزيهه عن الشريك والولد
وقرأ جعفر بن محمد ( إنما المسيح ) بوزن السكيت
وقيل لعيسى ( كلمه الله ) ( وكلمة منه ) لأنه وجد بكلمته وامره لا غير من غير واسطة أب ولا نطفة وقيل له روح الله وروح منه لذلك لأنه ذو روح وجد من غير جزء من ذي روح كالنطفة المنفصلة من الأب الحي وإنما اخترع اختراعا من

" صفحة رقم 627 "
عند الله وقدرته خالصة
ومعنى
) ألقاها إلى مريم (
اوصلها اليها وحصلها فيها
) ثلاثة (
خبر مبتدأ محذوف فإن صحت الحكاية عنهم انهم يقولون هو جوهر واحد ثلاثة أقانيم أقنوم الأب وأقنوم الابن وأقنوم روح القدس
وانهم يريدون بأقنوم الأب الذات وبأقنوم الإبن العلم وبأقنوم روح القدس الحياة فتقديره الله ثلاثة وإلا فتقديره الآلهة ثلاثة
والذي يدل عليه القرآن التصريح منهم بان الله والمسيح ومريم ثلاثة آلهة وان المسيح ولد الله من مريم الا ترى إلى قوله
" ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " المائدة 116
" وقلت للنصارى المسيح ابن الله " التوبة 30 والمشهور المستفيض عنهم انهم يقولون في المسيح لاهوتية وناسوتية من جهة الأب والأم
ويدل عليه قوله
) إنما المسيح عيسى ابن مريم (
فأثبت انه ولد لمريم اتصل بها اتصال الأولاد بامهاتها وان إتصاله بالله تعالى من حيث أنه رسوله وأنه موجود بامره وابتداعه جسدا حيا من غير أب فنفى ان يتصل به اتصال الأبناء بالآباء
وقوله
) سبحانه أن يكون له ولد ( وحكاية الله اوثق من حكاية غيره
ومعنى
) سبحانه أن يكون له ولد (
سبحه تسبيحا من ان يكون له ولد
وقرا الحسن ( إن يكون )
بكسر الهمزة ورفع النون اي سبحانه ما يكون له ولد
على ان الكلام جملتان
) له ما في السماوات وما في الأرض (
بيان لتنزهه عما نسب اليه يعني ان كل ما فيهما خلقه وملكه فكيف يكون بعض ملكه جزأ منه على ان الجزء إنما يصح في الأجسام وهو متعال عن صفات الأجسام والأعراض
) وكفى بالله وكيلا (
يكل اليه الخلق كلهم أمورهم فهو الغني عنهم وهم الفقراء اليه
النساء 172
النساء : ( 172 ) لن يستنكف المسيح . . . . .
) لن يستنكف المسيح (
لن يأنف ولن يذهب بنفسه عزة من نكفت الدمع إذا

" صفحة رقم 628 "
نحيته عن خدك بأصابعك
) ولا الملائكة المقربون (
ولا من هو اعلى منه قدرا وأعظم منه

" صفحة رقم 629 "
خطرا وهم الملائكة الكروبيون الذين حول العرش كجبريل وميكائيل واسرافيل ومن في طبقتهم
فإن قلت من أين دل قوله
) ولا الملائكة المقربون (
على ان المعنى ولا

" صفحة رقم 630 "
من فوقه قلت من حيث ان علم المعاني لا يقتضي غير ذلك
وذلك ان الكلام إنما سيق لرد مذهب النصارى وغلوهم في رفع المسيح عن منزلة العبودية فوجب ان يقال لهم لن يترفع عيسى عن العبودية ولا من هو أرفع منه درجة كانه قيل لن يستنكف الملائكة المقربون من العبودية فكيف بالمسيح ويدل عليه دلالة ظاهرة بينة تخصيص المقربين لكونهم أرفع الملائكة درجة وأعلاهم منزلة
ومثاله قول القائل
وما مثله ممن يجاود حاتم
ولا البحر ذو الأمواج يلتج زاخره
لا شبهة في انه قصد بالبحر ذي الأمواج ما هو فوق حاتم في الجود ومن كان له ذوق فليذق مع هذه الآية قوله
) ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى ( البقرة 120 حتى يعترف بالفرق البين وقرأ علي رضي الله عنه ( عبيدا لله ) على التصغير
وروي
328 ان وفد نجران قالوا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لم تعيب صاحبنا قال ( ومن صاحبكم ) قالوا عيسى قال ( وأي شيء اقول ) قالوا تقول إنه عبد الله ورسوله قال ( إنه ليس بعار ان يكون عبدا لله ) قالوا بلى
لا أصل له فنزلت اي لا يستنكف عيسى من ذلك فلا تستنكفوا له منه فلو كان موضع استنكاف لكان هو أولى بأن يستنكف لأن العار ألصق به
فإن قلت علام عطف قوله
) ولا الملائكة (
قلت لا يخلو إما أن يعطف على المسيح أو على اسم ( يكون ) أو على المستتر في ( عبدا ) لما فيه من معنى الوصف لدلالته على معنى العبادة كقولك مررت برجل عبد أبوه فالعطف على المسيح هو الظاهر لأداء غيره إلى ما فيه بعض انحراف عن الغرض وهو ان المسيح لا يأنف ان يكون هو ولا من فوقه موصوفين بالعبودية أو ان يعبد الله هو ومن فوقه فإن قلت قد جعلت الملائكة وهم جماعة عبدا لله في هذا العطف فما وجهه قلت فيه وجهان احدهما ان يراد ولا كل واحد من الملائكة أو ولا الملائكة المقربون أن يكونوا عبادا لله فحذف ذلك لدلالة ( عبد الله ) عليه ايجازا واما اذا عطفتهم على الضمير في ( عبدا ) فقد طاح هذا السؤال
قرىء ( فسيحشرهم ) بضم الشين وكسرها وبالنون
النساء 173 - 175
النساء : ( 173 ) فأما الذين آمنوا . . . . .

" صفحة رقم 631 "
فإن قلت التفصيل غير مطابق للمفصل لأنه اشتمل على الفريقين والمفصل على فريق واحد
قلت هو مثل قولك جمع الإمام الخوارج فمن لم يخرج عليه كساه وحمله ومن خرج عليه نكل به وصحة ذلك لوجهين أحدهما ان يحذف ذكر أحد الفريقين لدلالة التفصيل عليه ولأن ذكر احدهما يدل على ذكر الثاني كما حذف أحدهما في التفصيل في قوله عقيب هذا
" فأما الذين بالله واعتصموا به " والثاني وهو ان الإحسان إلى غيرهم مما يغمهم فكان داخلا في جملة التنكيل بهم فكأنه قيل ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيعذب بالحسرة اذا رأى اجور العاملين وبما يصيبه من عذاب الله البرهان والنور المبين القرآن أو اراد بالبرهان دين الحق أو رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
وبالنور المبين ما يبينه ويصدقه من الكتاب المعجز
) في رحمة منه وفضل (
في ثواب مستحق وتفضل
) ويهديهم إليه (
إلى عبادته
) صراطا مستقيما (
وهو طريق الإسلام
والمعنى توفيقهم وتثبيتهم
النساء 176
النساء : ( 176 ) يستفتونك قل الله . . . . .
روي انه آخر ما نزل من الأحكام
329 كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في طريق مكة عام حجة الوداع فأتاه جابر بن عبد الله فقال ان لي أختا فكم آخذ من ميراثها إن ماتت
قال ابن حجر في تخريجه 1 598 أخرجه الثعلبي من رواية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وقيل

" صفحة رقم 632 "
330 كان مريضا فعاده رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إني كلالة فكيف أصنع في مالي
صحيح
فنزلت
) إن امرؤ هلك (
ارتفع امرؤ بمضمر يفسره الظاهر
ومحل
) ليس له ولد (
الرفع على الصفة لا النصب على الحال أي إن هلك امرؤ غير ذي ولد
والمراد بالولد الابن وهو اسم مشترك يجوز ايقاعه على الذكر وعلى الأنثى لأن الابن يسقط الأخت ولا تسقطها البنت إلا في مذهب ابن عباس وبالأخت التي هي لأب وأم دون التي لأم لأن الله تعالى فرض لها النصف وجعل اخاها عصبة وقال
) للذكر مثل حظ الأنثيين (
واما الأخت للأم فلها السدس في آية المواريث مسوى بينها وبين اخيها
) وهو يرثها (
وأخوها يرثها إن قدر الأمر على العكس من موتها وبقائه بعدها
) إن لم يكن لها ولد (
أي ابن لأن الابن يسقط الأخ دون البنت
فإن قلت الابن لا يسقط الأخ وحده فإن الأب نظيره في الإسقاط فلم اقتصر على نفي الولد قلت بين حكم انتفاء الولد ووكل حكم انتفاء الوالد إلى بيان السنة وهو قوله عليه السلام
331 ( ألحقوا الفرائض باهلها فما بقي فلأولى عصبة ذكر )
صحيح والأب أولى من الأخ وليسا باول حكمين بين احدهما بالكتاب والآخر بالسنة
ويجوز ان يدل حكم انتفاء الولد على حكم انتفاء الوالد لأن الولد أقرب إلى الميت من الوالد فإذا ورث الأخ عند انتفاء الأقرب فأولى ان يرث عند انتفاء الأبعد ولأن الكلالة تتناول انتفاء الوالد والولد جميعا فكان ذكر انتفاء أحدهما دالا على انتفاء الآخر
فإن قلت إلى من يرجع ضمير التثنية والجمع في قوله
) فإن كانتا اثنتين (
) وإن كانوا إخوة ( قلت

" صفحة رقم 633 "
أصله
فإن كان من يرث بالأخوة اثنتين وإن كان من يرث بالأخوة ذكورا واناثا
وإنما قيل فإن كانتا وإن كانوا كما قيل من كانت أمك
فكما انث ضمير ( من ) لمكان تأنيث الخبر كذلك ثنى وجمع ضمير من يرث في كانتا وكانوا لمكان تثنية الخبر وجمعه والمراد بالإخوة الإخوة والأخوات تغليبا لحكم الذكورة
) أن تضلوا (
مفعول له ومعناه كراهة أن تضلوا
عن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
332 ( من قرأ سورة النساء فكانما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة ورث ميراثا وأعطي من الأجر كمن اشترى محررا وبرىء من الشرك وكان في مشيئة الله من الذين يتجاوز عنهم )
موضوع

" صفحة رقم 634 "
سورة المائدة

" صفحة رقم 635 "
سورة المائدة
مدنية إلا آية فنزلت بعرفات في حجة الوداع
وهي مائة وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
المائدة 1
المائدة : ( 1 ) يا أيها الذين . . . . .
يقال وفى بالعهد واوفى به ومنه
) والموفون بعهدهم ( البقرة 177
والعقد العهد الموثق شبه بعقد الحبل ونحوه قال الحطيئة
( قوم اذا عقدوا عقدا لجارهم شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا )
وهي عقود الله التى عقدها على عباده والزمها اياهم من مواجب التكليف
وقيل هي ما يعقدون بينهم من عقود الأمانات ويتحالفون عليه ويتماسحون من المبايعات ونحوها
والظاهر انها عقود الله عليهم في دينه من تحليل حلاله وتحريم حرامه وأنه كلام قدم مجملا ثم عقب بالتفصيل وهو قوله
) أحلت لكم (
وما بعده
البهيمة كل ذات أربع في البر والبحر وإضافتها إلى الأنعام للبيان وهي الإضافة التي بمعنى ( من ) كخاتم فضة
ومعناه البهيمة من الأنعام
) إلا ما يتلى عليكم (
إلا محرم ما يتلى عليكم من القرآن من نحو قوله
) حرمت عليكم الميتة (
وإلا ما يتلى عليكم آية تحريمه
والأنعام الأزواج الثمانية
وقيل ( بهمية الأنعام ) الظباء وبقر الوحش ونحوها كأنهم

" صفحة رقم 636 "
أرادوا ما يماثل الأنعام ويدانيها من جنس البهائم في الاجترار وعدم الأنياب فأضيفت إلى الأنعام لملابسة الشبه
) غير محلي الصيد (
نصب على الحال من الضمير في ( لكم ) أي أحلت لكم هذه الأشياء لا محلين الصيد
وعن الأخفش ان انتصابه عن قوله
) أوفوا بالعقود ( وقوله
) وأنتم حرم (
حال عن محلي الصيد كانه قيل أحللنا لكم بعض الأنعام في حال امتناعكم من الصيد وأنتم محرمون لئلا نحرج عليكم
) إن الله يحكم ما يريد (
من الأحكام ويعلم أنه حكمة ومصلحة
والحرم جمع حرام وهو المحرم
المائدة 2
المائدة : ( 2 ) يا أيها الذين . . . . .
الشعائر جمع شعيرة وهي اسم ما اشعر أي جعل شعارا وعلما للنسك من مواقف الحج ومرامي الجمار والمطاف والمسعى والأفعال التي هي علامات الحج يعرف بها من الإحرام والطواف والسعي والحلق والنحر
والشهر الحرام شهر الحج
والهدي ما اهدي إلى البيت وتقرب به إلى الله من النسائك
وهو جمع هدية كما يقال جدي في جمع جدية السرج والقلائد جمع قلادة وهي ما قلد به الهدي من نعل أو عروة مزادة أو لحاء شجر أوغيره وآمو المسجد الحرام قاصدوه وهم الحجاج والعمار
وإحلال هذه الأشياء ان يتهاون بحرمة الشعائر وان يحال بينها وبين المتنسكين بها وان يحدثوا في أشهر الحج ما يصدون به الناس عن الحج وان يتعرض للهدي بالغضب أو بالمنع من بلوغ محله
واما القلائد ففيها وجهان أحدهما ان يراد بها ذوات القلائد من الهدي وهي البدن وتعطف على الهدي للاختصاص وزيادة التوصية بها لأنها أشرف الهدي كقوله
) وجبريل وميكال ( البقرة 98 كانه قيل والقلائد منها خصوصا
والثاني ان ينهي عن التعرض لقلائد الهدي مبالغة في النهي عن التعرض للهدي على معنى ولا تحلوا قلائدها فضلا ان تحلوها كما قال
) ولا يبدين زينتهن ( النور 31 فنهي عن إبداء الزينة مبالغة في النهي عن إبداء مواقعها
) ولا الشهر (
ولا تحلوا قوما قاصدين المسجد الحرام
) يبتغون فضلا من ربهم (
وهو الثواب

" صفحة رقم 637 "
) ورضوانا (
وان يرضى عنهم أي لا تتعرضوا لقوم هذه صفتهم تعظيما لهم واستنكارا ان يتعرض لمثلهم قيل هي محكمة
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
333 ( المائدة من آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها )
مرسل وقال الحسن ليس فيها منسوخ وعن أبي ميسرة فيها ثماني عشرة فريضة وليس فيها منسوخ وقيل هي منسوخة
وعن ابن عباس كان المسلمون والمشركون يحجون جميعا فنهى الله المسلمين ان يمنعوا احدا عن حج البيت بقوله
) لا تحلوا ( ثم نزل بعد ذلك
) إنما المشركون نجس ( التوبة 28
" وما كان للمشركين ان يعمروا مساجد الله " التوبة 17 وقال مجاهد والشعبي
) لا تحلوا ( نسخ بقوله
) واقتلوهم حيث وجدتموهم ( النساء 89
وفسر ابتغاء الفضل بالتجارة وابتغاء الرضوان بان المشركين كانوا يظنون في انفسهم أنهم على سداد من دينهم وان الحج يقربهم إلى الله فوصفهم الله بظنهم
وقرأ عبد الله ( ولا أمي البيت الحرام ) على الاضافة
وقرأ حميد بن قيس والأعرج ( تبتغون ) بالتاء على خطاب المؤمنين
) فاصطادوا (
إباحة للاصطياد بعد حظره عليهم كانه قيل وإذا حللتم فلا جناح عليكم ان تصطادوا
وقرىء بكسر الفاء وقيل هو بدل من كسر الهمزة عند الابتداء
وقرىء ( إذا أحللتم ) يقال حل المحرم وأحل
( جرم ) يجري مجرى ( كسب ) في تعديه إلى مفعول واحد واثنين تقول جرم ذنبا نحو كسبه وجرمته ذنبا نحو كسبته اياه
ويقال أجرمته ذنبا على نقل المتعدي إلى مفعول بالهمزة إلى مفعولين كقولهم أكسبته ذنبا وعليه قراءة عبد الله ( ولا يجرمنكم ) بضم الياء واول المفعولين على القراءتين ضمير المخاطبين
والثاني
) أن تعتدوا ( و
) أن صدوكم (
بفتح الهمزة متعلق بالشنآن بمعنى العلة والشنآن شدة البغض وقرىء بسكون النون والمعنى ولا يكسبنكم بغض قوم لأن صدوكم الاعتداء ولا يحملنكم عليه
وقرىء ( إن صدوكم ) على ( إن ) الشرطية وفي قراءة عبد الله ( إن يصدوكم )
ومعنى صدهم إياهم عن المسجد الحرام منع اهل مكة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين يوم الحديبية عن العمرة ومعنى الاعتداء الانتقام منهم بإلحاق مكروه بهم
) وتعاونوا على البر والتقوى (
على العفو والإغضاء
) ولا تعاونوا على الإثم والعدوان (
على الانتقام والتشفي
ويجوز ان يراد العموم لكل بر وتقوى وكل إثم وعدوان فيتناول بعمومه العفو والانتصار صطادوا )
إباحة للاصطياد بعد حظره عليهم كانه قيل وإذا حللتم فلا جناح عليكم ان تصطادوا
وقرىء بكسر الفاء وقيل هو بدل من كسر الهمزة عند الابتداء
وقرىء ( إذا أحللتم ) يقال حل المحرم وأحل
( جرم ) يجري مجرى ( كسب ) في تعديه إلى مفعول واحد واثنين تقول جرم ذنبا نحو كسبه وجرمته ذنبا نحو كسبته اياه
ويقال أجرمته ذنبا على نقل المتعدي إلى مفعول بالهمزة إلى مفعولين كقولهم أكسبته ذنبا وعليه قراءة عبد الله ( ولا يجرمنكم ) بضم الياء واول المفعولين على القراءتين ضمير المخاطبين
والثاني
) أن تعتدوا ( و
) أن صدوكم (
بفتح الهمزة متعلق بالشنآن بمعنى العلة والشنآن شدة البغض وقرىء بسكون النون والمعنى ولا يكسبنكم بغض قوم لأن صدوكم الاعتداء ولا يحملنكم عليه
وقرىء ( إن صدوكم ) على ( إن ) الشرطية وفي قراءة عبد الله ( إن يصدوكم )
ومعنى صدهم عن المسجد الحرام منع اهل مكة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين يوم الحديبية عن العمرة ومعنى الاعتداء الانتقام منهم بإلحاق مكره بهم
) وتعاونوا على البر والتقوى (
على العفو والإغضاء
) ولا تعاونوا على الإثم والعدوان (
على الانتقام والتشفي
ويجوز ان يراد العموم لكل بر وتقوى وكل إثم وعدوان فيتناول بعمومه العفو والانتصار

" صفحة رقم 638 "
المائدة 3
المائدة : ( 3 ) حرمت عليكم الميتة . . . . .
كان اهل الجاهلية يأكلون هذه المحرمات البهيمة التى تموت حتف انفها والفصيد وهو الدم في المباعر يشوونا ويقولون لم يحرم من فزد له
) وما أهل لغير الله به (
أي رفع الصوت به لغير الله وهو قولهم باسم اللات والعزى عند ذبحه
) والمنخنقة (
التى خنقوها حتى ماتت أو إنخنقت بسبب
) والموقوذة (
التى أثخنوها ضربا بعصا أو حجر حتى ماتت
) والمتردية (
التى تردت من جبل أو في بئر فماتت
) والنطيحة (
التي نطحتها اخرى فماتت بالنطح
) وما أكل السبع (
بعضه
) إلا ما ذكيتم (
إلا ما أدركتم ذكاته وهو يضطرب اضطراب المذبوح وتشخب أوداجه
وقرأ عبد الله ( والمنطوحة )
وفي رواية عن أبي عمرو ( السبع ) بسكون الباء وقرا ابن عباس ( وأكيل السبع )
) وما ذبح على النصب (
كانت لهم حجارة منصوبة حول البيت يذبحون عليها ويشرحون اللحم عليها ويعظمونها بذلك ويتقربون به إليها تسمى الأنصاب والنصب واحد
قال الأعشى
( وذا النصب المنصوب لا تعبدنه لعاقبة والله ربك فاعبدا )
وقيل هو جمع والواحد نصاب وقرىء ( النصب ) بسكون الصاد
) وأن تستقسموا بالأزلام (
وحرم عليكم الاستقسام بالأزلام أي بالقداح كان احدهم اذا أراد سفرا أو غزوا أو تجارة أو نكاحا أو أمرا من معاظم الأمور ضرب بالقداح وهي مكتوب على بعضها نهاني ربي وعلى بعضها امرني ربي وبعضها غفل فإن خرج الأمر مضى لطيته وإن خرج الناهي امسك وإن خرج الغفل أجالها عودا
فمعنى الاستقسام بالأزلام طلب معرفة ما قسم له مما لم يقسم له بالأزلام
وقيل هو الميسر

" صفحة رقم 639 "
وقسمتهم الجزور على الأنصباء المعلومة
" ذالكم فسق "
الإشارة إلى الاستقسام أو إلى تناول ما حرم عليهم لأن المعنى حرم عليكم تناوله الميتة وكذا وكذا
فإن قلت لم كان استقسام المسافر وغيره بالآزلام لتعرف الحال فسقا قلت لأنه دخول في علم الغيب الذي استأثر به علام الغيوم وقال
" لا يعلم ما في السموات والأرض الغيب الا الله " النمل 65 واعتقاد ان اليه طريقا وإلى استنباطه وقوله أمرني ربي ونهاني ربي افتراء على الله
وما يدريه انه امره أو نهاه
والكهنة والمنجمون بهذه المثابة
وإن كان أراد بالرب الصنم فقد روي انهم كانوا يجيلونها عند اصنامهم فأمره ظاهر
) اليوم (
لم يرد به يوما بعينه وإنما اراد به الزمان الحاضر وما يتصل به ويدانيه من الأزمنة الماضية والآتية كقولك كنت بالأمس شابا وانت اليوم أشيب فلا تريد بالأمس اليوم الذي قبل يومك ولا باليوم يومك ونحوه ( الآن ) في قوله
( الان لما ابيض مسربتي وعضضت من نابي على جذم )
وقيل أريد يوم نزولها وقد نزلت يوم الجمعة وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع
) يئس الذين كفروا من دينكم (
يئسوا منه ان يبطلوه وان ترجعوا محللين لهذه الخبائث بعد ما حرمت عليكم
وقيل يئسوا من دينكم أن يغلبوه لأن الله عز وجل وفى بوعده من إظهاره على الدين كله
) فلا تخشوهم (
بعد إظهار الدين وزوال الخوف من الكفار وانقلابهم مغلوبين مقهورين بعدما كانوا غالبين
) واخشوني (
واخلصوا لي الخشية
) أكملت لكم دينكم (
كفيتكم أمر عدوكم وجعلت اليد العليا لكم كما تقول الملوك اليوم كمل لنا الملك وكمل لنا ما نريد اذا كفوا من ينازعهم الملك ووصلوا إلى أغراضهم ومباغيهم
أو اكملت لكم ما تحتاجون إليه في تكليفكم من تعليم الحلال والحرام والتوقيف على الشرائع وقوانين القياس وأصول الاجتهاد
) وأتممت عليكم نعمتي (
بفتح مكة ودخولها آمنين ظاهرين وهدم منار الجاهلية ومناسكهم وان لم يحج معكم مشرك ولم يطف بالبيت عريان
أو أتممت عليكم بإكمال أمر الدين والشرائع كانه قال اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي بذلك لأنه لا نعمة أتم من نعمة الإسلام
" ورضيت لكم الإسلام دينا يعني اخترته لكم من بين الأديان وآذنتكم بأنه هو الدين المرضي وحده
" ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه " آل عمران 85
( إن هذه امتكم امة واحدة " الأنبياء 92
فإن قلت بم اتصل قوله
) فمن اضطر (

" صفحة رقم 640 "
قلت بذكر المحرمات وقوله
" ذالكم فسق "
اعتراض اكد به معنى التحريم وكذلك ما بعده لأن تحريم هذه الخبائث من جملة الدين الكامل والنعمة التامة والإسلام المنعوت بالرضا دون غيره من الملل
ومعناه فمن اضطر إلى الميتة أو إلى غيرها
) في مخمصة (
في مجاعة
) غير متجانف لإثم (
غير منحرف اليه كقوله
) غير باغ ولا عاد ( البقرة 173
) فإن الله غفور (
لا يؤاخذه بذلك
يسألونك ماذآ أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا ممآ أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب 4
المائدة : ( 4 ) يسألونك ماذا أحل . . . . .
في السؤال معنى القول فلذلك وقع بعده
) ماذا أحل لهم (
كأنه قيل يقولون لك ماذا احل لهم وإنما لم يقل ماذا احل لنا حكاية لما قالوه لأن يسألونك بلفظ الغيبة كما تقول أقسم زيد ليفعلن ولو قيل لأفعلن وأحل لنا لكان صوابا و ( ماذا ) مبتدأ وأحل لهم ) خبره كقولك أي شيء احل لهم ومعناه ماذا احل لهم من المطاعم كانهم حين تلا عليهم ما حرم عليهم من خبيثات المآكل سألوا عما احل لهم منها فقيل
) أحل لكم الطيبات (
أي ما ليس بخبيث منها وهو كل ما لم يات تحريمه في كتاب أو سنة أو قياس مجتهد
) وما علمتم من الجوارح (
عطف على الطيبات أي أحل لكم الطيبات وصيد ما علمتم فحذف المضاف
أو تجعل ( ما ) شرطية وجوابها ( فكلوا ) والجوارح الكواسب من سباع البهائم والطير كالكلب والفهد والنمر والعقاب والصقر والبازي والشاهين
والمكلب مؤدب الجوارح ومضربها بالصيد لصاحبها ورائضها لذلك بما علم من الحيل وطرق التأديب والتثقيف واشتقاقه من الكلب لأن التأديب أكثر ما يكون في الكلاب فاشتق من لفظه لكثرته من جنسه
أو لأن السبع يسمى كلبا
ومنه قوله عليه السلام
334 ( اللهم سلط عليه كلبا من كلابك )
فأكله الأسد أو من الكلب الذي هو بمعنى الضراوة
يقال هو كلب بكذا اذا كان ضاريا به وانتصاب
) مكلبين (
على الحال من علمتم
فإن قلت ما فائدة هذه الحال وقد استغنى عنها بعلمتم قلت

" صفحة رقم 641 "
فائدتها ان يكون من يعلم الجوارح نحريرا في علمه مدربا فيه موصوفا بالتكليب
و
) تعلمونهن ( حال ثانية أو استئناف
وفيه فائدة جليلة وهي ان على كل آخذ علما ان لا يأخذه الا من أقتل اهله علما وانحرهم دراية وأغوصهم على لطائفه وحقائقه وإن احتاج إلى ان يضرب إليه اكباد الإبل فكم من آخذ عن غيره متقن قد ضيع أيامه وعض عند لقاء النحارير انامله
) مما علمكم الله (
من علم التكليب لأنه الهام من الله ومكتسب بالعقل
أو مما عرفكم ان تعلموه من اتباع الصيد بإرسال صاحبه وانزجاره بزجره وانصرافه بدعائه وإمساك الصيد عليه وان لا يأكل منه
وقرىء ( مكلبين ) بالتخفيف وأفعل وفعل يشتركان كثيرا والإمساك على صاحبه ان لا ياكل منه لقوله عليه الصلاة والسلام لعدي بن حاتم
335 ( وإن اكل منه فلا تاكل إنما امسك على نفسه )
صحيح وعن علي رضي الله عنه إذا اكل البازي فلا تاكل
وفرق العلماء فاشترطوا في سباع البهائم ترك الأكل لأنها تؤدب بالضرب ولم يشترطوه في سباع الطير
ومنهم من لم يعتبر ترك الأكل أصلا ولم يفرق بين إمساك الكل والبعض
وعن سلمان وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة رضي الله عنهم اذا اكل الكلب ثلثيه وبقي ثلثه وذكرت اسم الله عليه فكل
فإن قلت إلام رجع الضمير في قوله
) واذكروا اسم الله عليه (
قلت إما ان يرجع إلى ما أمسكن على معنى وسموا عليه إذا ادركتم ذكاته أو إلى ما علمتم من الجوارح
أي سموا عليه عند إرساله
المائدة 5
المائدة : ( 5 ) اليوم أحل لكم . . . . .
) وطعام الذين أوتوا الكتاب (
قيل هو ذبائحهم وقيل هو جميع مطاعمهم ويستوي في ذلك جميع النصارى وعن علي رضي الله عنه أنه استثنى نصارى بني

" صفحة رقم 642 "
تغلب وقال ليسوا على النصرانية ولم يأخذوا منها الا شرب الخمر وبه اخذ الشافعي
وعن ابن عباس انه سئل عن ذبائح نصارى العرب فقال لا باس
وهو قول عامة التابعين وبه أخذ أبو حنيفة وأصحابه
وحكم الصابئين حكم اهل الكتاب عند أبي حنيفة وقال صاحباه هم صنفان صنف يقرؤن الزبور ويعبدون الملائكة وصنف لا يقرؤن كتابا ويعبدون النجوم فهؤلاء ليسوا من اهل الكتاب
واما المجوس فقد سن بهم سنة اهل الكتاب في اخذ الجزية منهم دون اكل ذبائحهم ونكاح نسائهم
وقد روى عن ابن المسيب انه قال إذا كان المسلم مريضا فامر المجوسي ان يذكر اسم الله ويذبح فلا بأس
وقال أبو ثور وإن امره بذلك في الصحة فلا بأس وقد أساء
) وطعامكم حل لهم ( فلا عليكم ان تطعموهم لأنه لو كان حراما عليهم طعام المؤمنين لما ساغ لهم إطعامهم
) والمحصنات (
الحرائر أو العفائف وتخصيصهن بعث على تخير المؤمنين لنطفهم والإماء من المسلمات يصح نكاحهن بالاتفاق وكذلك نكاح غير العفائف منهن واما الإماء الكتابيات فعند أبي حنيفة هن كالمسلمات وخالفه الشافعي وكان ابن عمر لا يرى نكاح الكتابيات ويحتج بقوله
) ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ( البقرة 221 ويقول لا اعلم شركا اعظم من قولها إن ربها عيسى وعن عطاء قد أكثر الله المسلمات وإنما رخص لهم يومئذ
) محصنين (
أعفاء
) ولا متخذي أخدان (
صدائق والخدن يقع على الذكر والأنثى
) ومن يكفر بالإيمان (
بشرائع الإسلام وما احل الله وحرم
المائدة 6
المائدة : ( 6 ) يا أيها الذين . . . . .

" صفحة رقم 643 "
" إذا قمتم إلى الصلواة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جآء أحد منكم من الغائط أو لامستم النسآء فلم تجدوا مآء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولاكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون يأيها الذين ءامنوا إذا " كقوله
) فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله ( النحل 98 وكقولك اذا ضربت غلامك فهون عليه في ان المراد إرادة الفعل
فإن قلت لم جاز أن يعبر عن إرادة الفعل بالفعل قلت لأن الفعل يوجد بقدرة الفاعل عليه وإرادته له وهو قصده اليه وميله وخلوص داعيه فكما عبر عن القدرة عن الفعل بالفعل في قولهم الإنسان لا يطير والأعمى لا يبصر أي لا يقدران على الطيران والإبصار
ومنه قوله تعالى
) نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ( الأنبياء 104 يعني إنا كنا قادرين على الإعادة كذلك عبر عن إرادة الفعل بالفعل وذلك لأن الفعل مسبب عن القدرة والإرادة فأقيم المسبب مقام السبب للملابسة بينهما ولإيجاز الكلام ونحوه من إقامة المسبب مقام السبب قولهم كما تدين تدان عبر عن الفعل المبتدأ الذي هو سبب الجزاء بلفظ الجزاء الذي هو مسبب عنه
وقيل معنى قمتم إلى الصلاة قصدتموها لأن من توجه إلى شيء وقام اليه كان قاصدا له لا محالة فعبر عن القصد له بالقيام اليه
فإن قلت ظاهر الآية يوجب الوضوء على كل قائم إلى الصلاة محدث وغير محدث فما وجهه قلت يحتمل ان يكون الأمر للوجوب فيكون الخطاب للمحدثين خاصة وان يكون للندب وعن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والخلفاء بعده
336 أنهم كانوا يتوضئون لكل صلاة
ورد في هذا الباب عدة احاديث منها حديث بريدة عند مسلم 277 وابي داود 172 والترمذي 61 وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )

" صفحة رقم 644 "
337 ( من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات )
ضعيف وعنه عليه السلام
338 أنه كان يتوضأ لكل صلاة فلما كان يوم الفتح مسح على خفيه فصلى الصلوات الخمس بوضوء واحد فقال له عمر صنعت شيئا لم تكن تصنعه فقال ( عمدا فعلته يا عمر )
تقدم تخريجه من حديث بريدة قبل حديث واحد يعني بيانا للجواز فإن قلت هل يجوز ان يكون الأمر شاملا للمحدثين وغيرهم لهؤلاء على وجه الإيجاب ولهؤلاء على وجه الندب قلت لا لأن تناول الكلمة لمعنيين مختلفين من باب الإلغاز والتعمية
وقيل كان الوضوء لكل صلاة واجبا اول ما فرض
ثم نسخ ( إلى ) تفيد معنى الغاية مطلقا
فإما دخولها في الحكم وخروجها فامر يدور مع الدليل فما فيه دليل على الخروج قوله
) فنظرة إلى ميسرة ( لأن الإعسار علة الانذار
وبوجود الميسرة تزول العلة ولو دخلت الميسرة فيه لكان منظرا في كلتا الحالتين معسرا وموسرا
وكذلك
) ثم أتموا الصيام إلى الليل ( البقرة 187 لو دخل الليل لوجب الوصال
ومما فيه دليل على ان الدخول قولك حفظت القرآن من اوله إلى آخره لأن الكلام مسوق لحفظ القرآن كله
ومنه قوله تعالى
) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ( الإسراء لوقوع العلم بأنه لا يسرى به إلى بيت المقدس من غير ان يدخله
وقوله
) إلى المرافق ( و
) إلى الكعبين (
لا دليل فيه على أحد الأمرين فأخذ كافة العلماء بالاحتياط فحكموا بدخولها في الغسل واخذ زفر وداود بالمتيقن فلا يدخلاها
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
339 انه كان يدير الماء على مرفقيه
يشير المصنف إلى ما أخرجه الدارقطني 1 83 والبيهقي 1 56 من طريقين عن جابر وقال
) وامسحوا برؤوسكم (
المراد الصاق

" صفحة رقم 645 "
المسح بالرأس
وماسح بعضه ومستوعبه بالمسح كلاهما ملصق للمسح برأسه فقد اخذ مالك بالاحتياط فاوجب الاستيعاب أو اكثره على اختلاف الرواية واخذ الشافعي باليقين فأوجب أقل ما يقع عليه اسم المسح وأخذ أبو حنيفة ببيان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو ما روي
340 انه مسح على ناصيته
صحيح
وقدر الناصية بربع الرأس
قرا جماعة ( وأرجلكم ) بالنصب فدل على ان الأرجل مغسولة فإن قلت فما تصنع بقراءة الجر ودخولها في حكم المسح قلت الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها فكانت مظنة للإسراف المذموم المنهى عنه فعطفت على الثالث الممسوح لا لتمسح ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها
وقيل
) إلى الكعبين (
فجيء بالغاية إماطة لظن ظآن يحسبها ممسوحة لأن المسح لم تضرب له غاية في الشريعة
وعن علي رضي الله عنه انه أشرف على فتية من قريش فرأى في وضوئهم تجوزا فقال ويل للأعقاب من النار فلما سمعوا جعلوا يغسلونها غسلا ويدلكونها دلكا وعن ابن عمر

" صفحة رقم 646 "
341 كنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فتوضأ قوم وأعقابهم بيض تلوح فقال ( ويل للأعقاب من النار )
صحيح وفي رواية جابر
342 ( ويل للعراقيب )
حسن وعن عمر انه رأى رجلا يتوضأ فترك باطن قدميه فأمره ان يعيد الوضوء وذلك للتغليظ عليه وعن عائشة رضي الله عنها لأن تقطعا احب الي من ان أمسح على القدمين بغير خفين
وعن عطاء والله ما علمت ان احدا من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مسح على القدمين
وقد ذهب بعض الناس إلى ظاهر العطف فاوجب المسح
وعن الحسن انه جمع بين الأمرين وعن الشعبي نزل القرآن بالمسح والغسل سنة وقرا الحسن وأرجلكم بالرفع بمعنى وأرجلكم مغسولة أو ممسوحة إلى الكعبين وقرىء ( فاطهروا ) أي فطهروا أبدانكم وكذلك ليطهركم
وفي قراءة عبد الله ( فأموا صعيدا )
) ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج (
في باب الطهارة حتى لا يرخص لكم في التيمم
) ولكن يريد ليطهركم (
بالتراب اذا اعوزكم التطهر بالماء
) وليتم نعمته عليكم (
وليتم برخصة إنعامه عليكم بعزائمه
) لعلكم تشكرون (
نعمته فيثيبكم
المائدة
المائدة : ( 7 ) واذكروا نعمة الله . . . . .
) واذكروا نعمة الله عليكم (
وهي نعمة الإسلام
) وميثاقه الذي واثقكم به (
أي عاقدكم به عقدا وثيقا هو الميثاق الذي أخذه على المسلمين حين بايعهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على السمع والطاعة في حال اليسر والعسر والمنشط والمكره فقبلوا وقالوا

" صفحة رقم 647 "
سمعنا واطعنا وقيل هو الميثاق ليلة العقبة وفي بيعة الرضوان
المائدة 8 - 10
المائدة : ( 8 ) يا أيها الذين . . . . .
عدى
) يجرمنكم (
بحرف الاستعلاء مضمنا معنى فعل يتعدى به كانه قيل ولا يحملنكم
ويجوز ان يكون قوله
) أن تعتدوا (
بمعنى على ان تعتدوا فحذف مع ان ونحوه قوله عليه الصلاة والسلام
343 ( من اتبع على ملىء فليتبع )
صحيح لأنه بمعنى احيل وقرىء ( شنآن ) بالسكون ونظيره في المصادر ( ليان ) والمعنى لا يحملنكم بغضكم للمشركين على ان تتركوا العدل فتعتدوا عليهم بأن تنتصروا منهم وتتشفوا بما في قلوبكم من الضغائن بارتكاب ما لا يحل لكم من مثله أو قذف أو قتل اولاد أو نساء أو نقض عهد أو ما أشبه ذلك
) اعدلوا هو أقرب للتقوى ( نهاهم أولا أن تحملهم البغضاء على ترك العدل ثم استأنف فصرح لهم بالأمر بالعدل تاكيدا وتشديدا ثم استانف فذكر لهم وجه الأمر بالعدل وهو قوله
) هو أقرب للتقوى (
أي العدل أقرب إلى التقوى وأدخل في مناسبتها
أو أقرب إلى التقوى لكونه لطفا فيها
وفيه تنبيه عظيم على ان وجوب العدل مع الكفار الذين هم أعداء الله اذا كان بهذه الصفة من القوة فما الظن بوجوبه مع المؤمنين الذين هم أولياؤه واحباؤه
) لهم مغفرة وأجر عظيم (
بيان للوعد بعد تمام الكلام قبله كانه قال قدم لهم وعدا فقيل اي شيء وعده لهم فقيل لهم مغفرة وأجر عظيم
أو يكون على إرادة القول بمعنى وعدهم وقال لهم مغفرة أو على اجراء وعد مجرى قال لأنه ضرب من القول
أو يجعل ( وعد ) واقعا على الجملة التي هي لهم مغفرة كما وقع
) تركنا ( على قوله
) سلام على نوح ( الصافات 119 كانه قيل وعدهم هذا القول وإذا وعدهم من لا يخلف الميعاد هذا القول فقد وعدهم مضمونه من المغفرة والأجر العظيم
وهذا القول يتلقون به عند الموت ويوم القيامة فيسرون به ويستروحون اليه ويهون عليهم السكرات والأهوال قبل الوصول إلى الثواب

" صفحة رقم 648 "
المائدة 11
المائدة : ( 11 ) يا أيها الذين . . . . .
روي
344 ان المشركين رأوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه قاموا إلى صلاة الظهر يصلون معا وذلك بعسفان في غزوة ذي أنمار
فلما صلوا ندموا ان لا كانوا اكبوا عليهم فقالوا إن لهم بعدها صلاة هي أحب اليهم من آبائهم وأبنائهم يعنون صلاة العصر وهموا بأن يوقعوا بهم إذا قاموا إليها
فنزل جبريل بصلاة الخوف
أخرجه الطبري 10378 والواحدي 360 من رواية النضر أبي عمر عن عكرمة عن ابن عباس وروي
345 ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اتي بني قريظة ومعه الشيخان وعلي رضي الله عنهم يستقرضهم دية مسلمين قتلهما عمرو بن أمية الضمري خطأ يحسبهما مشركين فقالوا نعم يا أبا القاسم اجلس حتى نطعمك ونقرضك فأجلسوه في صفة وهموا بالفتك به وعمد عمرو بن جحاش إلى رحا عظيمة يطرحها عليه فأمسك الله يده ونزل جبريل فأخبره فخرج
أخرجه أبو نعيم في الدلائل 2 489 490 من طريق عطاء عن ابن عباس وعن مقاتل عن الضحاك وقيل
346 نزل منزلا وتفرق الناس في العضاه يستظلون بها فعلق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سلاحه بشجرة فجاء اعرابي فسل سيف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم أقبل عليه فقال من يمنعك مني قال ( الله قالها ثلاثا ) فشام الأعرابي السيف فصاح رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بأصحابه فأخبرهم وأبي ان يعاقبه
صحيح يقال بسط اليه لسانه اذا شتمه وبسط اليه يده اذا بطش به

" صفحة رقم 649 "
) ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء ( الممتحنة ومعنى ( بسط اليد ) مدها إلى المبطوش به
الا ترى إلى قولهم فلان بسيط الباع ومديد الباع بمعنى
) فكف أيديهم عنكم (
فمنعها ان تمد إليكم
المائدة 12 - 13
المائدة : ( 12 ) ولقد أخذ الله . . . . .
لما استقر بنو إسرائيل بمصر بعد هلاك فرعون امرهم الله بالمسير إلى أريحاء أرض الشام وكان يسكنها الكنعانيون الجبابرة وقال لهم إني كتبتها لكم دارا قرارا فأخرجوا إليها وجاهدوا من فيها وإني ناصركم وامر موسى عليه السلام بان يأخذ من كل سبط نقيبا يكون كفيلا على قومه بالوفاء بما امروا به توثقة عليهم فاختار النقباء واخذ الميثاق على بني إسرائيل وتكفل لهم به النقباء وسار بهم فلما دنا من أرض كنعان بعث النقباء يتجسسون فرأوا أجراما عظيمة وقوة وشوكة فهابوا ورجعوا وحدثوا قومهم وقد نهاهم موسى عليه السلام ان يحدثوهم فنكثوا الميثاق الا كالب بن يوفنا من سبط يهوذا ويوشع بن نون من سبط أفراييم بن يوسف وكانا من النقباء
والنقيب الذي ينقب عن احوال القوم ويفتش عنها كما قيل له عريف لأنه يتعرفها
) إني معكم (
أي ناصركم ومعينكم
) وعزرتموهم (
نصرتموهم من ايدي العدو
ومنه التعزير وهو التنكيل والمنع من معاودة الفساد
وقرىء بالتخفيف يقال عزرت الرجل اذا حطته وكنفته
والتعزير والتأزير من واد واحد
ومنه لأنصرنك نصرا مؤزرا أي قويا
وقيل معناه ولقد أخذنا ميثاقهم بالإيمان والتوحيد وبعثنا منهم اثني عشر ملكا يقيمون فيهم العدل ويامرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر
واللام في
) لئن أقمتم (
موطئة للقسم وفي
) لأكفرن (
جواب له وهذا الجواب ساد مسد جواب القسم والشرط جميعا
) بعد ذلك (
بعد ذلك الشرط المؤكد المعلق بالوعد العظيم
فإن قلت من كفر قبل ذلك ايضا فقد ضل سواء السبيل
قلت أجل ولكن الضلال بعده أظهر وأعظم لأن الكفر إنما عظم قبحه لعظم النعمة المكفورة فإذا زادت النعمة زاد قبح الكفر وتمادى
) لعناهم (
طردناهم واخرجناهم من رحمتنا
وقيل مسخناهم

" صفحة رقم 650 "
وقيل ضربنا عليهم الجزية
) وجعلنا قلوبهم قاسية (
خذلناهم ومنعناهم الألطاف حتى قست قلوبهم
أو املينا لهم ولم نعاجلهم بالعقوبة حتى قست
وقرا عبد الله ( قسية ) أي ردية مغشوشة من قولهم درهم قسي وهو من القسوة لأن الذهب والفضة الخالصين فيهما لين والمغشوش فيه يبس وصلابة والقاسي والقاسح بالحاء أخوان في الدلالة على اليبس والصلابة وقرىء ( قسية ) بكسر القاف للإتباع
) يحرفون الكلم (
بيان لقسوة قلوبهم لأنه لا قسوة أشد من الافتراء على الله وتغيير وحيه
) ونسوا حظا (
وتركوا نصيبا جزيلا وقسطا وافيا
) مما ذكروا به (
من التوراة يعنى ان تركهم وإعراضهم عن التوراة اغفال حظ عظيم أو قست قلوبهم وفسدت فحرفوا التوراة وزالت أشياء منها عن حفظهم وعن ابن مسعود رضي الله عنه قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية
وتلا هذه الاية
وقيل تركوا نصيب انفسهم مما امروا به من الإيمان بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وبيان نعته
) ولا تزال تطلع (
أي هذه عادتهم وهجيراهم وكان عليها أسلافهم كانوا يخونون الرسل وهؤلاء يخونونك ينكثون عهودك ويظاهرون المشركين على حربك ويهمون بالفتك بك وان يسموك
) على خائنة (
على خيانة أو على فعلة ذات خيانة أو على نفس أو فرقة خائنة
ويقال رجل خائنة كقولهم رجل راوية للشعر للمبالغة قال
( حدثت نفسك بالوفاء ولم تكن للغدر خائنة مضل الاصبع )
وقرىء على خيانة
) منهم إلا قليلا منهم (
وهم الذين آمنوا منهم
) فاعف عنهم (
بعث على مخالفتهم وقيل هو منسوخ بآية السيف وقيل فاعف عن مؤمنيهم ولا تؤاخذهم بما سلف منهم
المائئدة 14
المائدة : ( 14 ) ومن الذين قالوا . . . . .
) أخذنا ميثاقهم (
أخذنا من النصارى ميثاق من ذكر قبلهم من قوم موسى أي مثل ميثاقهم بالإيمان بالله والرسل وبأفعال الخير وأخذنا من النصارى ميثاق أنفسهم بذلك
فإن قلت فهلا قيل من النصارى قلت لأنهم إنما سموا انفسهم بذلك

" صفحة رقم 651 "
ادعاء لنصرة الله وهم الذين قالوا لعيسى نحن انصار الله ثم اختلفوا بعد نسطورية ويعقوبية وملكانية
أنصارا للشيطان
) فأغرينا (
فألصقنا والزمنا من غري بالشيء اذا لزمه ولصق به وأغراه غيره ومنه الغراء الذي يلصق به
) بينهم (
بين فرق النصارى المختلفين
وقيل بينهم وبين اليهود ونحوه
) وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا ( الأنعام 129
) أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ( الأنعام 69
المائدة 15 - 16
المائدة : ( 15 - 16 ) يا أهل الكتاب . . . . .
) يا أهل الكتاب (
خطاب لليهود والنصارى
) مما كنتم تخفون (
من نحو صفة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومن نحو الرجم
) ويعفو عن كثير (
مما تخفونه لا يبينه اذا لم تضطر اليه مصلحة دينية ولم يكن فيه فائدة الا اقتضاء حكم وصفته مما لابد من بيانه وكذلك الرجم وما فيه إحياء شريعة وإماتة بدعة
وعن الحسن ويعفو عن كثير منكم لا يؤاخذه
) قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين (
يريد القرآن لكشفه ظلمات الشرك والشك ولإبانته ما كان خافيا عن الناس من الحق أو لأنه ظاهر الإعجاز
) من اتبع رضوانه (
من آمن به
) سبل السلام (
طرق السلامة والنجاة من عذاب الله أو سبل الله
المائدة 1
المائدة : ( 17 ) لقد كفر الذين . . . . .
قولهم
) إن الله هو المسيح (
معناه بت القول على ان حقيقة الله هو المسيح لا غير
قيل كان في النصارى قوم يقولون ذلك وقيل ما صرحوا به ولكن مذهبهم يؤدي اليه حيث اعتقدوا أنه يخلق ويحيى ويميت ويدبر أمر العالم
) فمن يملك من الله شيئا (

" صفحة رقم 652 "
فمن يمنع من قدرته ومشيئته شيئا
) ) إن أراد أن يهلك (
من دعوه إلها من المسيح وامه دلالة على ان المسيح عبد مخلوق كسائر العباد
واراد بعطف
) من في الأرض ( على
" المسيح وامه "
أنهما من جنسهم لا تفاوت بينهما وبينهم في البشرية
) يخلق ما يشاء (
أي يخلق من ذكر وأنثى ويخلق من أنثى من غير ذكر كما خلق عيسى ويخلق من غير ذكر وأنثى كما خلق آدم
أو يخلق ما يشاء كخلق الطير على يد عيسى معجزة له وكإحياء الموتى وابراء الأكمه والأبرص وغير ذلك فيجب ان ينسب اليه ولا ينسب إلى البشر المجرى على يده
المائدة 18
المائدة : ( 18 ) وقالت اليهود والنصارى . . . . .
" ابتلوا الله " أشياع ابني الله عزير والمسيح كما قيل لأشياع أبي خبيب وهو عبد الله بن الزبير ( الخبيبيون ) وكما كان يقول رهط مسيلمة نحن أنبياء الله
ويقول أقرباء الملك وذووه وحشمه نحن الملوك ولذلك قال مؤمن آل فرعون لكم الملك اليوم
) فلم يعذبكم بذنوبكم (
فإن صح انكم أبناء الله واحباؤه فلم تذنبون وتعذبون بذنوبكم فتمسخون وتمسكم النار أياما معدودات على زعمكم
ولو كنتم أبناء الله لكنتم من جنس الأب غير فاعلين للقبائح ولا مستوجبين للعقاب 3 ولو كنتم أحباءه لما عصيتموه ولما عاقبكم
) بل أنتم بشر (
من جملة من خلق من البشر
) يغفر لمن يشاء (
وهم اهل الطاعة
) ويعذب من يشاء (
وهم العصاة
المائدة 19
المائدة : ( 19 ) يا أهل الكتاب . . . . .

" صفحة رقم 653 "
) يبين لكم (
إما ان يقدر المبين وهو الدين والشرائع وحذفه لظهور ما ورد الرسول لتبيينه أو يقدر ما كنتم تخفون وحذفه لتقدم ذكره
أو لا يقدر ويكون المعني
يبذل لكم البيان ومحله النصب على الحال أي مبينا لكم
) على فترة (
متعلق بجاءكم أي جاءكم على حين فتور من إرسال الرسل وانقطاع من الوحي
( أن تقولوا )
كراهة ان تقولوا
) فقد جاءكم (
متعلق بمحذوف اي لا تعتذروا فقد جاءكم
وقيل كان بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما خمسمائة وستون سنة
وقيل ستمائة
وقيل أربعمائة ونيف وستون
وعن الكلبي كان بين موسى وعيسى الف وسبعمائة سنة وألف نبي وبين عيسى ومحمد صلوات الله عليهم أربعة انبياء ثلاث من بني اسرائيل وواحد من العرب خالد بن سنان العبسي
والمعنى الامتنان عليهم وان الرسول بعث اليهم حين انطمست آثار الوحي أحوج ما يكون اليه ليهشوا اليه ويعدوه أعظم نعمة من الله وفتح باب إلى الرحمة وتلزمهم الحجة فلا يعتلوا غدا بأنه لم يرسل اليهم من ينبههم عن غفلتهم
المائدة 20 - 24
)
المائدة : ( 20 ) وإذ قال موسى . . . . .
جعل فيكم أنبياء ( لأنه لم يبعث في أمة ما بعث في بني اسرائيل من الأنبياء

" صفحة رقم 654 "
) وجعلكم ملوكا ( لأنه ملكهم بعد فرعون ملكه وبعد الجبابرة ملكهم ولأن الملوك تكاثروا فيهم تكاثر الأنبياء
وقيل كانوا مملوكين في ايدي القبط فأنقذهم الله فسمي انقاذهم ملكا وقيل الملك من له مسكن واسع فيه ماء جار وقيل من له بيت وخدم
وقيل من له مال لا يحتاج معه إلى تكلف الأعمال وتحمل المشاق
) ما لم يؤت أحدا من العالمين (
من فلق البحر واغراق العدو وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى وغير ذلك من الأمور العظام وقيل اراد عالمي زمانهم
) الأرض المقدسة (
يعني أرض بيت المقدس وقيل الطور وما حوله وقيل الشام وقيل فلسطين ودمشق وبعض الأردن
وقيل سماها الله لإبراهيم ميراثا لولده حين رفع على الجبل فقيل له انظر فلك ما ادرك بصرك وكان بيت المقدس قرار الأنبياء ومسكن المؤمنين
) كتب الله لكم (
قسمها لكم وسماها أو خط في اللوح المحفوظ انها لكم
) ولا ترتدوا على أدباركم (
ولا تنكصوا على أعقابكم مدبرين من خوف الجبابرة جبنا وهلعا وقيل لما حدثهم النقباء بحال الجبابرة رفعوا أصواتهم بالبكاء وقالوا ليتنا متنا بمصر وقالوا تعالوا نجعل علينا رأسا ينصرف بنا إلى مصر
ويجوز ان يراد لا ترتدوا على ادباركم في دينكم بمخالفتكم امر ربكم وعصيانكم نبيكم فترجعوا خاسرين ثواب الدنيا والاخرة
الجبار ( فعال ) من جبرة على الأمر بمعنى أجبره عليه وهو العاتي الذي يجبر الناس على ما يريد
) قال رجلان (
هما كالب ويوشع
) من الذين يخافون (
من الذين يخافون الله ويخشونه كانه قيل رجلان من المتقين ويجوز ان تكون الواو لبني اسرائيل والراجع إلى الموصول محذوف تقديره من الذين يخافهم بنو إسرائيل وهم الجبارون وهما رجلان منهم
) أنعم الله عليهما ( بالإيمان فآمنا قالا لهم ان العمالقة أجسام لا قلوب فيها فلا تخافوهم وازحفوا اليهم فإنكم غالبوهم ويشجعانهم على قتالهم
وقراءة من قرأ ( يخافون ) بالضم شاهدة له وكذلك انعم الله عليهما كانه قيل من المخوفين وقيل هو من الإخافة ومعناه من الذين يخافون من الله بالتذكرة والموعظة
أو يخوفهم وعيد الله بالعقاب
فإن قلت ما محل ( أنعم الله عليهما ) قلت ان انتظم مع قوله ( من الذين يخافون ) في حكم الوصف لرجلان فمرفوع وإن جعل كلاما معترضا فلا محل له
فإن قلت من اين علما انهم غالبون قلت من جهة إخبار موسى بذلك وقوله تعالى
) كتب الله لكم (

" صفحة رقم 655 "
وقيل من جهة غلبة الظن وما تبينا من عادة الله في نصرة رسله وما عهدا من صنع الله لموسى في قهر اعدائه وما عرفا من حال الجبابرة
والباب باب قريتهم
) لن ندخلها (
نفي لدخولهم في المستقبل على وجه التأكيد المؤيس
و
) أبدا (
تعليق للنفي المؤكد بالدهر المتطاول و
) ما داموا فيها (
بيان للأبد
) فاذهب أنت وربك (
يحتمل ان لا يقصدوا حقيقة الذهاب ولكن كما تقول كلمته فذهب يجيبني تريد معنى الارادة والقصد للجواب كانهم قالوا أريد قتالهم
والظاهر انهم قالوا ذلك استهانة بالله ورسوله وقلة مبالاة بهما واستهزاء وقصدوا ذهابهما حقيقة بجهلهم وجفاهم وقسوة قلوبهم التي عبدوا بها العجل وسألوا بها رؤية الله عز وجل جهرة والدليل عليه مقابلة ذهابهما بقعودهم ويحكى ان موسى وهارون عليهما السلام خرا لوجوههما قدامهم لشدة ما ورد عليهما فهموا برجمهما
ولأمر ما قرن الله اليهود بالمشركين وقدمهم عليهم في قوله تعالى
) لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ( المائدة 82
المائدة 25 - 26
المائدة : ( 25 ) قال رب إني . . . . .
لما عصوه وتمردوا عليه وخالفوه وقالوا ما قالوا من كلمة الكفر ولم يبق معه مطيع موافق يثق له الا هارون
) قال رب إني لا أملك ( لنصرة دينك
) إلا نفسي وأخي (
وهذا من البث والحزن والشكوى إلى الله والحسرة ورقة القلب التي بمثلها تستجلب الرحمة وتستنزل النصرة ونحوه قول يعقوب عليه السلام
) إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ( يوسف 86

" صفحة رقم 656 "
وعن علي رضي الله عنه أنه كان يدعو الناس على منبر الكوفة إلى قتال البغاة فما اجابه الا رجلان فتنفس الصعداء
ودعا لهما وقال أين تقعان مما أريد وذكر في إعراب ( أخي ) وجوه أن يكون منصوبا عطفا على نفسي أو على الضمير في ( إني ) بمعنى ولا املك الا نفسي وإن اخي لا يملك الا نفسه
ومرفوعا عطفا على محل إن واسمها
كانه قيل انا لا املك الا نفسي وهارون كذلك لا يملك الا نفسه أو على الضمير في لا املك
وجاز للفصل ومجرورا عطفا على الضمير في نفسي وهو ضعيف لقبح العطف على ضمير المجرور الا بتكرير الجار
فإن قلت اما كان معه الرجلان المذكوران قلت كانه لم يثق بهما كل الوثوق ولم يطمئن إلى ثباتهما لما ذاق على طول الزمان واتصال الصحبة من احوال قومه وتلونهم وقسوة قلوبهم فلم يذكر إلا النبي المعصوم الذي لا شبهة في امره ويجوز ان يقول ذلك لفرط ضجره عندما سمع منهم تقليلا لمن يوافقه
ويجوز ان يريد ومن يؤاخيني على ديني
) فافرق (
فافصل ) بيننا (
وبينهم بان تحكم لنا بما نستحق وتحكم عليهم بما يستحقون وهو في معنى الدعاء عليهم
ولذلك وصل به قوله
) فإنها محرمة عليهم (
على وجه التسبيب أو فباعد بيننا وبينهم وخلصنا من صحبتهم كقوله
) ونجني من القوم الظالمين ( القصص 21
) فإنها (
فإن الأرض المقدسة
) محرمة عليهم (
لا يدخلونها ولا يملكونها فإن قلت كيف يوفق بين هذا وبين قوله
) التي كتب الله لكم ( المائدة 21 قلت فيه وجهان أحدهما ان يراد كتبها لكم بشرط أن تجاهدوا اهلها فلما أبوا الجهاد قيل فإنها محرمة عليهم
والثاني أن يراد فإنها محرمة عليهم أربعين سنة فإذا مضت الأربعون كان من كتب فقد روى ان موسى سار بمن بقي من بني إسرائيل وكان يوشع على مقدمته ففتح أريحاء وأقام فيها ما شاء الله ثم قبض صلوات الله عليه
وقيل لما مات موسى بعث يوشع نبيا فأخبرهم بأنه نبي الله وان الله امره بقتال الجبابرة فصدقوه وبايعوه وسار بهم إلى أريحاء وقتل الجبارين واخرجهم وصار الشام كله لبني اسرائيل وقيل لم يدخل الأرض المقدسة أحد ممن قال
) إنا لن ندخلها ( وهلكوا في التيه ونشأت نواشيء من ذرياتهم فقاتلوا الجبارين ودخلوها والعامل في الظرف إما ( محرمة ) وإما ( يتيهون ) ومعنى
) يتيهون في الأرض (
يسيرون فيها متحيرين لا يهتدون طريقا
والتيه المفازة التى يتاه فيها
روى انهم لبثوا أربعين سنة في ستة فراسخ يسيرون كل يوم جادين حتى اذا سئموا وأمسوا اذا هم بحيث ارتحلوا عنه وكان الغمام يظللهم من حر الشمس ويطلع لهم عمود من نور بالليل يضيء لهم وينزل عليهم المن والسلوى ولا تطول شعورهم واذا ولد لهم مولود كان عليه ثوب كالظفر يطول بطوله
فإن قلت فلم

" صفحة رقم 657 "
كان ينعم عليهم بتظليل الغمام وغيره وهم معاقبون قلت كما ينزل بعض النوازل على العصاة عركا لهم وعليهم مع ذلك النعمة متظاهرة
ومثل ذلك مثل الوالد المشفق يضرب ولده ويؤذيه ليتأدب ويتثقف ولا يقطع عنه معروفه وإحسانه
فإن قلت هل كان معهم في التيه موسى وهارون عليهما السلام قلت اختلف في ذلك فقيل لم يكونا معهم لأنه كان عقابا وقد طلب موسى إلى ربه ان يفرق بينهما وبينهم
وقيل كانا معهم الا انه كان ذلك روحا لهما وسلامة ولا عقوبة كالنار لإبراهيم وملائكة العذاب
وروي ان هارون مات في التيه
ومات موسى بعده فيه بسنة
ودخل يوشع أريحاء بعد موته بثلاثة أشهر
ومات النقباء في التيه بغتة الا كالب ويوشع
) فلا تأس (
فلا تحزن عليهم لأنه ندم على الدعاء عليهم فقيل إنهم أحقاء لفسقهم بالعذاب فلا تحزن ولا تندم
المائدة 27 - 32
المائدة : ( 27 ) واتل عليهم نبأ . . . . .
هما ابنا آدم لصلبه قابيل وهابيل اوحى الله إلى آدم أن يزوج كل واحد منهما توأمه الآخر وكانت توامة قابيل اجمل واسمها إقليما فحسد عليها اخاه وسخط
فقال لهما آدم قربا قربانا فمن أيكما تقبل زوجها فقبل قربان هابيل بان نزلت نار فأكلته فازداد قابيل حسدا وسخطا وتوعده بالقتل
وقيل هما رجلان من بني اسرائيل
) بالحق (
تلاوة ملتبسة بالحق والصحة
أو اتله نبأ ملتبسا بالصدق موافقا لما في كتب الأولين
أو بالغرض الصحيح وهو تقبيح الحسد لأن المشركين واهل الكتاب كلهم كانوا يحسدون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويبغون عليه
أو اتل عليهم وانت محق صادق و
) إذ قربا (
نصب بالنبأ

" صفحة رقم 658 "
أي قصتهم وحديثهم في ذلك الوقت ويجوز ان يكون بدلا من النبأ أي اتل عليهم النبأ نبأ ذلك الوقت على تقدير حذف المضاف
والقربان اسم ما يتقرب به إلى الله من نسيكة أو صدقة كما ان الحلوان اسم ما يحلى أي يعطى
يقال قرب صدقة وتقرب بها لأن تقرب مطاوع قرب قال الأصمعي تقربوا قرب القمع فيعدى بالباء حتى يكون بمعنى قرب
فإن قلت كيف كان قوله
) إنما يتقبل الله من المتقين (
جوابا لقوله
) لأقتلنك (
قلت لما كان الحسد لأخيه على تقبل قربانه هو الذي حمله على توعده بالقتل قال له إنما أتيت من قبل نفسك لانسلاخها من لباس التقوى لا من قبلي فلم تقتلني ومالك لا تعاتب نفسك ولا تحملها على تقوى الله التي هي السبب في القبول فأجابه بكلام حكيم مختصر جامع لمعان
وفيه دليل على ان الله تعالى لا يقبل طاعة الا من مؤمن متق فما أنعاه على اكثر العاملين اعمالهم
وعن عامر بن عبد الله انه بكى حين حضرته الوفاة فقيل له ما يبكيك فقد كنت وكنت قال إني أسمع الله يقول
) إنما يتقبل الله من المتقين (
) ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك (
قيل كان أقوى من القاتل وأبطش منه ولكنه تحرج عن قتل أخيه واستسلم له خوفا من الله لأن الدفع لم يكن مباحا في ذلك الوقت
قاله مجاهد وغيره
) إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك (
أن تحتمل إثم قتلي لك لو قتلتك وإثم قتلك لي
فإن قلت كيف يحمل إثم قتله له ولا تزر وازرة وزر اخرى قلت المراد بمثل إثمي على الاتساع في الكلام كما تقول قرأت قراءة فلان وكتبت كتابته تريد المثل وهو اتساع فاش مستفيض لا يكاد يستعمل غيره
ونحوه قوله عليه الصلاة والسلام
347 ( المستبان ما قالا فعلى البادي ما لم يعتد المظلوم )
صحيح على ان البادي عليه اثم سبه ومثل إثم سب صاحبه لأنه كان سببا فيه الا ان الإثم محطوط عن صاحبه معفو عنه لأنه متكافىء مدافع عن عرضه
ألا ترى إلى قوله ( ما لم يعتد المظلوم ) لأنه اذا خرج من حد المكافأة واعتدى لم يسلم
فإن قلت فحين كف هابيل عن قتل اخيه واستسلم وتحرج عما كان محظورا في شريعته من الدفع فأين الإثم حتى يتحمل اخوه مثله فيجتمع عليه الإثمان قلت هو مقدر فهو يحتمل مثل الإثم المقدر كأنه قال إني

" صفحة رقم 659 "
أريد ان تبوء بمثل إثمي لو بسطت يدي إليك
وقيل ( بإثمي ) بإثم قتلي ( وإثمك ) الذي من اجله لم يتقبل قربانك فإن قلت فكيف جاز ان يريد شقاوة أخيه وتعذيبه بالنار قلت كان ظالما وجزاء الظالم حسن جائز ان يراد
ألا ترى إلى قوله تعالى
) وذلك جزاء الظالمين (
وإذا جاز ان يريده الله جاز ان يريده العبد لأنه لا يريد الا ما هو حسن
والمراد بالإثم وبال القتل وما يجره من استحقاق العقاب فإن قلت لم جاء الشرط بلفظ الفعل والجزاء بلفظ اسم الفاعل وهو قوله
" لئن بسطت 000 ما انا بباسط "
قلت ليفيد انه لا يفعل ما يكتسب به هذا الوصف الشنيع ولذلك أكده بالباء المؤكدة للنفي
) فطوعت له نفسه قتل أخيه (
فوسعته له ويسرته من طاع له المرتع اذا اتسع وقرأ الحسن ( فطاوعت )
وفيه وجهان ان يكون مما جاء من فاعل بمعنى فعل وان يراد ان قتل اخيه كانه دعا نفسه إلى الإقدام عليه فطاوعته ولم تمتنع وله لزيادة الربط كقولك حفظت لزيد ماله وقيل قتل وهو ابن عشرين سنة وكان قتله عند عقبة حراء وقيل بالبصرة في موضع المسجد الأعظم
) فبعث الله غرابا ( روي

" صفحة رقم 660 "
أنه اول قتيل قتل على وجه الأرض من بني آدم
ولما قتله تركه بالعراء لا يدري ما يصنع به فخاف عليه السباع فحمله في جراب على ظهره سنة حتى أروح وعكفت عليه السباع فبعث الله غرابين فاقتتلا فقتل احدهما الآخر فحفر له بمنقاره ورجليه ثم ألقاه في الحفرة
" قال يا ويلتا أعجزت ان اكون مثل هذا الغراب " ويروى انه لما قتله اسود جسده وكان أبيض فسأله آدم عن اخيه فقال ما كنت عليه وكيلا فقال بل قتلته ولذلك اسود جسدك
وروي ان آدم مكث بعد قتله مائة سنة لا يضحك وانه رثاه بشعر وهو كذب بحت وما الشعر الا منحول ملحون
وقد صح أن الأنبياء عليهم السلام معصومون من الشعر
( ليريه )
ليريه الله أو ليريه الغراب أي ليعلمه لأنه لما كان سبب تعليمه فكأنه قصد تعليمه على سبيل المجاز
" سوءة أخيه "
عورة أخيه وما لا يجوز ان ينكشف من جسده والسوأة الفضيحة لقبحها
قال
( يا لقوم للسوأة السواء )
أي للفضيحة العظيمة فكنى بها عنها
) فأواري (
بالنصب على جواب الاستفهام وقرىء بالسكون على فأنا اواري أو على التسكين في موضع النصب للتخفيف
) من النادمين (
على قتله لما تعب فيه من حمله وتحيره في امره وتبين له من عجزه وتلمذه للغراب واسوداد لونه وسخط أبيه ولم يندم ندم التائبين
) من أجل ذلك (
بسبب ذلك وبعلته وقيل أصله من أجل شرا اذا جناه يأجله أجلا
ومنه قوله
( وأهل خباء صالح ذات بينهم
قد احتربوا في عاجل انا اجله )
كأنك اذا قلت من اجلك فعلت كذا أردت من ان جنيت فعله واوجبته ويدل عليه قولهم من جراك فعلته أي من ان جررته بمعنى جنيته
وذلك اشارة إلى القتل المذكور أي من ان جنى ذلك القتل الكتب وجره
) كتبنا على بني إسرائيل ( و ( من ) لابتداء الغاية أي ابتدأ الكتب ونشأ من اجل ذلك
ويقال فعلت كذا لأجل كذا وقد يقال أجل كذا بحذف الجار وإيصال الفعل قال أجل ان الله قد فضلكم وقرىء ( من اجل ذلك ) بحذف الهمزة وفتح النون لالقاء حركتها عليها
وقرأ أبو جعفر ( من اجل ذلك ) بكسر الهمزة وهي لغة فإذا خفف كسر النون ملقيا لكسرة الهمزة عليها
) بغير نفس (
بغير قتل نفس لا على وجه الاقتصاص
) أو فساد (
عطف على نفس

" صفحة رقم 661 "
بمعنى أو بغير فساد
) في الأرض (
وهو الشرك وقيل قطع الطريق
) ومن أحياها (
ومن استنقذها من بعض أسباب الهلكة قتل أو غرق أو حرق أو هدم أو غير ذلك
فإن قلت كيف شبه الواحد بالجميع وجعل حكمه كحكمهم قلت لأن كل إنسان يدلي بما يدلي به الآخر من الكرامة على الله وثبوت الحرمة فإذا قتل فقد أهين ما كرم على الله وهتكت حرمته وعلى العكس فلا فرق اذا بين الواحد والجميع في ذلك
فإن قلت فما الفائدة في ذكر ذلك قلت تعظيم قتل النفس وإحيائها في القلوب ليشمئز الناس عن الجسارة عليها ويتراغبوا في المحاماة على حرمتها لأن المتعرض لقتل النفس اذا تصور قتلها بصورة قتل الناس جميعا عظم ذلك عليه فثبطه وكذلك الذي اراد احياءها
وعن مجاهد قاتل النفس جزاؤه جهنم وغضب الله والعذاب العظيم
ولو قتل الناس جميعا لم يزد على ذلك
وعن الحسن يا ابن آدم أرأيت لو قتلت الناس جميعا اكنت تطمع ان يكون لك عمل يوازي ذلك فيغفر لك به كلا إنه شيء سولته لك نفسك والشيطان فكذلك اذا قتلت واحدا
) بعد ذلك (
بعدما كتبنا عليهم وبعد مجيء الرسل بالآيات
) لمسرفون (
يعني في القتل لا يبالون بعظمته
المائدة 33 - 34
المائدة : ( 33 - 34 ) إنما جزاء الذين . . . . .
) يحاربون الله ورسوله (
يحاربون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومحاربة المسلمين في حكم محاربته
) ويسعون في الأرض فسادا (
مفسدين أو لأن سعيهم في الأرض لما كان على طريق الفساد نزل منزلة ويفسدون في الأرض فانتصب فسادا
على المعنى ويجوز ان يكون مفعولا له أي الفساد نزلت في قوم هلال بن عويمر وكان بينه وبين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عهد وقد مر بهم قوم يريدون رسول الله فقطعوا عليهم
وقيل في العرنيين فأوحى إليه ان من جمع بين القتل واخذ المال قتل وصلب ومن أرد القتل قتل
ومن أرد أخذ المال قطعت يده لأخذ المال ورجله لإخافة السبيل
ومن أفرد الإخافة نفي من الأرض
وقيل هذا حكم كل قاطع طريق كافرا كان أو مسلما
ومعناه
) أن يقتلوا (
من غير صلب إن أفردوا القتل
) أو يصلبوا (
مع القتل إن جمعوا بين القتل والأخذ
قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله يصلب حيا ويطعن حتى يموت
) أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف (
إن اخذوا المال
) أو ينفوا من الأرض (
اذا لم يزيدوا

" صفحة رقم 662 "
على الإخافة
وعن جماعة منهم الحسن والنخعي ان الإمام مخير بين هذه العقوبات في كل قاطع طريق من غير تفضيل
والنفي الحبس عند أبي حنيفة وعند الشافعي النفي من بلد إلى بلد لا يزال يطلب وهو هارب فزعا وقيل ينفي من بلده وكانوا ينفونهم إلى ( دهلك ) وهو بلد في أقصى تهامة و ( ناصع ) وهو بلد من بلاد الحبشة
) خزي (
ذل وفضيحة
) إلا الذين تابوا (
استثناء من المعاقبين عقاب قطع الطريق خاصة
وأما حكم القتل والجراح وأخذ المال فإلى الأولياء إن شاؤا عفوا وإن شاؤا استوفوا
وعن علي رضي الله عنه ان الحرث بن بدر جاءه تائبا بعدما كان يقطع الطريق فقبل توبته ودرأ عنه العقوبة
المائدة 35
المائدة : ( 35 ) يا أيها الذين . . . . .
الوسيلة كل ما يتوسل به أي يتقرب من قرابة أو صنيعة أو غير ذلك فاستعيرت لما يتوسل به إلى الله تعالى من فعل الطاعات وترك المعاصي
وأنشد للبيد
( أرى الناس لا يدرون ما قدر لهم الا كل ذي لب إلى الله واسل )
المائدة 36 - 37
)
المائدة : ( 36 ) إن الذين كفروا . . . . .
ليفتدوا به (
ليجعلوه فدية لأنفسهم وهذا تمثيل للزوم العذاب لهم وانه لا سبيل لهم إلى النجاة منه بوجه
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
348 ( يقال للكافر يوم القيامة أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت تفتدي به فيقول نعم فيقال له قد سئلت أيسر من ذلك )
صحيح و ( لو ) مع ما في حيزه خبر ( إن ) فإن قلت لم وحد الراجع في قوله
) ليفتدوا به ( وقد ذكر شيئان قلت نحو قوله
( فإني وقيار بها لغريب
)

" صفحة رقم 663 "
أو على اجراء الضمير مجرى اسم الإشارة كأنه قيل ليفتدوا بذلك
ويجوز ان يكون الواو في ( مثله ) بمعنى مع فيتوحد المرجوع اليه
فإن قلت فبم نصب المفعول معه قلت بما يستدعيه ( لو ) من الفعل لأن التقدير لو ثبت ان لهم ما في الأرض قرا أبو واقد ( أن يخرجوا ) بضم الياء من اخرج
ويشهد لقراءة العامة قوله ( بخارجين )
وما يروى عن عكرمة أن نافع بن الأزرق قال لابن عباس يا اعمى البصر أعمى القلب تزعم ان قوما يخرجون من النار وقد قال الله تعالى
) وما هم بخارجين منها (
فقال ويحك اقرأ ما فوقها هذا للكفار فما لفقته المجبرة وليس بأول تكاذيبهم وفراهم
وكفاك بما فيه من مواجهة ابن الأزرق ابن عم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو بين أظهر أعضاده من قريش وانضاده من بني عبد المطلب وهو حبر الأمة وبحرها ومفسرها بالخطاب الذي لا يجسر على مثله أحد من اهل الدنيا وبرفعه إلى عكرمة دليلين ناصين ان الحديث فرية ما فيها مرية
المائدة 38 - 40
المائدة : ( 38 - 40 ) والسارق والسارقة فاقطعوا . . . . .
" والسارق والسرقة "
رفعهما على الابتداء والخبر محذوف عند سيبويه كانه قيل
وفيما فرض عليكم السارق والسارقة اي حكمهما ووجه آخر وهو ان يرتفعا

" صفحة رقم 664 "
بالابتداء
والخبر
) فاقطعوا أيديهما (
ودخول الفاء لتضمنهما معنى الشرط لأن المعنى والذي سرق والتى سرقت فاقطعوا أيديهما والاسم الموصول يضمن معنى الشرط
وقرأ عيسى بن عمر بالنصب وفضلها سيبويه على قراءة العامة لأجل الأمر لأن ( زيدا فاضربه ) أحسن من ( زيد فاضربه )
) أيديهما (
يديهما ونحوه
) فقد صغت قلوبكما ( التحريم 4 اكتفى بتثنية المضاف اليه عن تثنية المضاف
وأريد باليدين اليمينان بدليل قراءة عبد الله ( والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم )
والسارق في

" صفحة رقم 665 "
الشريعة من سرق من الحرز
والمقطع الرسغ وعند الخوارج المنكب والمقدار الذي يجب به القطع عشرة دراهم عند أبي حنيفة وعند مالك والشافعي رحمهما الله ربع دينار
وعن الحسن درهم وفي مواعظه احذر من قطع يدك في درهم
( ) " جزاء ) و
" نكالا "
مفعول لهما
" فمن تاب "
من السراق
" من بعد ظلمه "
من بعد سرقته
" وأصلح "
امره بالتقصي عن التبعات
" فإن الله يتوب عليه "
ويسقط عنه عقاب الآخرة
واما القطع قلا تسقطه التوبة عند أبي حنيفة وأصحابه وعند الشافعي في أحد قوليه تسقطه ( من يشاء ) من يجب في الحكمة تعذيبه والمغفرة له من المصرين والتائبين
وقيل يسقط حد الحربي اذا سرق بالتوبة ليكون أدعى له إلى الاسلام وأبعد من التنفير عنه ولا يسقطه عن المسلم لأن في اقامته الصلاح للمؤمنين والحياة
" ولكم في القصاص حياة " البقرة 179
فإن قلت لم قدم التعذيب على المغفرة قلت لأنه قوبل بذلك تقدم السرقة على التوبة
المائدة 41
المائدة : ( 41 ) يا أيها الرسول . . . . .
قرىء ( لا يحزنك ) بضم الياء ويسرعون والمعنى لا تهتم ولا تبال بمسارعة المنافقين
" في الكفر "
اي في اظهاره بما يلوح منهم من آثار الكيد للاسلام ومن موالاة المشركين فإني ناصرك عليهم وكافيك شرهم يقال أسرع فيه الشيب وأسرع فيه الفساد بمعنى وقع فيه سريعا فكذلك مسارعتهم في الكفر ووقوعهم وتهافتهم فيه أسرع شيء اذا وجدوا فرصة لم يخطئوها و
" من " مفعول قالوا و
" بأفواههم "

" صفحة رقم 666 "
متعلق بقالوا لا بآمنا
) ومن الذين هادوا (
منقطع مما قبله خبر لسماعون أي ومن اليهود قوم سماعون
ويجوز ان يعطف على ( من الذين قالوا )
ويرتفع سماعون على هم سماعون
والضمير للفريقين أو للذين هادوا
ومعنى ( سماعون للكذب )
قابلون لما يفتريه الأحبار ويفتعلونه من الكذب على الله وتحريف كتابه من قولك الملك يسمع كلام فلان
ومنه ( سمع الله لمن حمده )
" سامعون لقوم ءاخرين لم يأتوك "
يعني اليهود الذين لم يصلوا إلى مجلس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتجافوا عنه لما افرط فيهم من شدة البغضاء وتبالغ العداوة أي قابلون من الأحبار ومن اولئك المفرطين في العداوة الذين لا يقدرون ان ينظروا اليك
وقيل سماعون إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأجل ان يكذبوا عليه بأن يمسخوا ما سمعوا منه بالزيادة والنقصان والتبديل والتغيير سماعون من رسول الله لأجل قوم آخرين من اليهود وجهوهم عيونا ليبلغوهم ما سمعوا منه
وقيل السماعون بنو قريظة والقوم الآخرون يهود خيبر
) يحرفون الكلم (
يميلونه ويزيلونه
) عن مواضعه (
التي وضعه الله تعالى فيها فيهملونه بغير مواضع بعد ان كان ذا مواضع
) إن أوتيتم هذا (
المحرف المزال عن مواضعه
) فخذوه (
واعلموا انه الحق واعملوا به
) وإن لم تؤتوه (
وأفتاكم محمد بخلافه
) فاحذروا ( وإياكم وإياه فهو الباطل والضلال
وروي
349 ان شريفا من خيبر زنى بشريفة وهما محصنان وحدهما الرجم في التوراة فكرهوا رجمهما لشرفهما فبعثوا رهطا منهم إلى بني قريظة ليسألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن ذلك وقالوا إن امركم محمد بالجلد والتحميم فاقبلوا وإن يأمركم بالرجم فلا تقبلوا وأرسلوا الزانيين معهم فأمرهم بالرجم فأبوا ان يأخذوا به فقال له جبريل اجعل بينك وبينهم ابن صوريا فقال ( هل تعرفون شابا أمرد أبيض أعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا ) قالوا نعم وهو اعلم يهودي على وجه الأرض ورضوا به حكما
فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أنشدك الله الذي لا إله الا هو الذي فلق البحر لموسى ورفع فوقكم

" صفحة رقم 667 "
الطور وانجاكم وأغرق آل فرعون والذي انزل عليكم كتابه وحلاله وحرامه هل تجدون فيه الرجم على من أحصن ) قال نعم فوثب عليه سفلة اليهود فقال خفت إن كذبته ان ينزل علينا العذاب
ثم سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن أشياء كان يعرفها من اعلامه فقال أشهد ان لا إله الا الله وأنك رسول الله النبي الأمي العربي الذي بشر به المرسلون وأمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالزانيين فرجما عند باب مسجده
أخرجه أبو داود 4450 و 4451 والواحدي 392 من حديث أبي هريرة بنحوه
) ومن يرد الله فتنته ( تركه مفتونا وخذلانه
) فلن تملك له من الله شيئا (
فلن تستطيع له من لطف الله وتوفيقه شيئا
) أولئك الذين لم يرد الله (
أن يمنحهم من ألطافه ما يطهر به قلوبهم لأنهم ليسوا من اهلها لعلمه أنها لا تنفع فيهم ولا تنجع
) إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ( النحل 104
) كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم ( آل عمران 86
المائدة 42 - 43
المائدة : ( 42 - 43 ) سماعون للكذب أكالون . . . . .
" السحت "
كل ما لا يحل كسبه وهو من سحته اذا استأصله لأنه مسحوت البركة كما قال تعالى
) يمحق الله الربا ( البقرة 276 والربا باب منه وقرىء ( السحت ) بالتخفيف والتثقيل
والسحت بفتح السين على لفظ المصدر من سحته
( والسحت ) بفتحتين والسحت ) بكسر السين
وكانوا يأخذون الرشا على الأحكام وتحليل الحرام
وعن الحسن كان الحاكم في بني اسرائيل اذا أتاه احدهم برشوة جعلها في كمه فأراها إياه وتكلم بحاجته فيسمع منه ولا ينظر إلى خصمه فياكل الرشوة ويسمع

" صفحة رقم 668 "
الكذب
وحكى أن عاملا قدم من عمله فجاءه قومه فقدم اليهم العراضة وجعل يحدثهم بما جرى له في عمله فقال أعرابي من القوم نحن كما قال الله تعالى
) سماعون للكذب أكالون للسحت ( وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
350 ( كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به )
حسن قيل كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مخيرا اذا تحاكم اليه اهل الكتاب بين ان يحكم بينهم وبين ان لا يحكم
وعن عطاء والنخعي والشعبي أنهم اذا ارتفعوا إلى حكام المسلمين فإن شاءوا حكموا وان شاءوا أعرضوا
وقيل هو منسوخ بقوله
) وأن احكم بينهم بما أنزل الله ( وعند أبي حنيفة رحمه الله إن احتكموا الينا حملوا على حكم الإسلام وإن زنى منهم رجل بمسلمة أو سرق من مسلم شيئا أقيم عليه الحد
واما أهل الحجاز فإنهم لا يرون اقامة الحدود عليهم يذهبون إلى انهم قد صولحوا على شركهم وهو اعظم من الحدود
ويقولون إن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رجم اليهوديين قبل نزول الجزية
) فلن يضروك شيئا ( لأنهم كانوا لا

" صفحة رقم 669 "
يتحاكمون اليه الا لطلب الأيسر والأهون عليهم كالجلد مكان الرجم
فإذا اعرض عنهم وابي الحكومة لهم شق عليهم وتكرهوا اعراضه عنهم وكانوا خلقاء بان يعادوه ويضاروه فأمن الله سربه
) بالقسط (
بالعدل والاحتياط كما حكم بالرجم
) وكيف يحكمونك (
تعجيب من تحكيمهم لمن لا يؤمنون به وبكتابه مع ان الحكم منصوص في كتابهم الذي يدعون الايمان به
) ثم يتولون من بعد ذلك (
ثم يعرضون من بعد تحكيمك عن حكمك الموافق لما في كتابهم لا يرضون به
) وما أولئك بالمؤمنين (
بكتابهم كما يدعون
أو وما أولئك بالكاملين في الإيمان على سبيل التهكم بهم
فإن قلت
) فيها حكم الله (
ما موضعه من الإعراب قلت إما ان ينتصب حالا من التوراة وهي مبتدأ خبره عندهم وإما ان يرتفع خبرا عنها كقولك وعندهم التوراة ناطقة بحكم الله وإما أن لا يكون له محل وتكون جملة مبينة لأن عندهم ما يغنيهم عن التحكيم كما تقول عندك زيد ينصحك ويشير عليك بالصواب فما تصنع بغيره فإن قلت لم أنثت التوراة قلت لكونها نظيرة لموماة ودوداة ونحوها في كلام العرب
فإن قلت علام عطف ثم يتولون قلت على يحكمونك
المائدة 44
المائدة : ( 44 ) إنا أنزلنا التوراة . . . . .
) فيها هدى (
يهديي للحق والعدل
) ونور (
يبين ما استبهم من الأحكام
) الذين أسلموا ( صفة أجريت على النبيين على سبيل المدح كالصفات الجارية على القديم

" صفحة رقم 670 "
سبحانه لا للتفصلة والتوضيح وأريد بإجرائها التعريض باليهود وانهم بعداء من ملة الإسلام التي هي دين الأنبياء كلهم في القديم والحديث وان اليهودية بمعزل منها
وقوله
) الذين أسلموا للذين هادوا (
مناد على ذلك
) والربانيون والأحبار (
والزهاد والعلماء من ولد هارون الذين التزموا طريقة النبيين وجانبوا دين اليهود
) بما استحفظوا من كتاب الله (
بما سألهم أنبياؤهم حفظه من التوراة اي بسبب سؤال انبيائهم اياهم أن يحفظوه من التغيير والتبديل و ( من ) في ( من كتاب الله للتبيين )
) وكانوا عليه شهداء (
رقباء لئلا يبدل
والمعنى يحكم بأحكام التوراة النبييون بين موسى وعيسى وكان بينهما ألف نبي وعيس للذين هادوا يحملونهم على احكام التوراة لا يتركونهم أن يعدلوا عنها كما فعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من حملهم على حكم الرجم وارغام أنوفهم وإبائه عليهم ما اشتهوه من الجلد
وكذلك حكم الربانيون والأحبار والمسلمون بسبب ما استحفظهم أنبياؤهم من كتاب الله والقضاء بأحكامه وبسبب كونهم عليه شهداء
ويجوز ان يكون الضمير في ( استحفظوا ) للأنبياء والربانيين والأحبار جميعا ويكون الاستحفاظ من الله أي كلفهم الله حفظه وان يكونوا عليه شهداء
" فلا تخشوا الناس
نهي للحكام عن خشيتهم غير الله في حكوماتهم وإدهانهم فيها وإمضائها على خلاف ما امروا به من العدل لخشية سلطان ظالم أو خيفة أذية أحد من القرباء والأصدقاء
" ولا تشتروا " ولا

" صفحة رقم 671 "
تستبدلوا ولا تستعيضوا
) بآياتي ( واحكامه
) ثمنا قليلا ( وهو الرشوة وابتغاء الجاه ورضا الناس كما حرف أحبار اليهود كتاب الله وغيروا احكامه رغبة في الدنيا وطلبا للرياسة فهلكوا
) ومن لم يحكم بما أنزل الله (
مستهينا به
) فأولئك هم الكافرون (
والظالمون والفاسقون وصف لهم بالعتو في كفرهم حين ظلموا آيات الله بالاستهانة
وتمردوا بان حكموا بغيرها
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ان الكافرين والظالمين والفاسقين أهل الكتاب
وعنه نعم القوم أنتم ما كان من حلو فلكم وما كان من مرة فهو لأهل الكتاب من جحد حكم الله كفر ومن لم يحكم به وهو مقر فهو ظالم فاسق
وعن الشعبي هذه في اهل الاسلام والظالمون في اليهود والفاسقون في النصارى
وعن ابن مسعود هو عام في اليهود وغيرهم
وعن حذيفة أنتم أشبه الأمم سمتا ببني اسرائيل لتركبن طريقهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة غير أني لا أدري اتعبدون العجل أم لا
المائدة 45
المائدة : ( 45 ) وكتبنا عليهم فيها . . . . .
في مصحف أبي ( وانزل الله على بني إسرائيل فيها ) وفيه ( وان الجروح قصاص ) والمعطوفات كلها قرئت منصوبة ومرفوعة والرفع للعطف على محل أن النفس لأن المعنى وكتبنا عليهم النفس بالنفس إما لإجراء كتبنا مجرى قلنا وإما لأن

" صفحة رقم 672 "
معنى الجملة التي هي قولك النفس بالنفس مما يقع عليه الكتاب كما تقع عليه القراءة
تقول كتبت الحمد لله وقرأ سورة انزلناها
ولذلك قال الزجاج لو قرىء إن النفس بالنفس بالكسر لكان صحيحا أو للاستئناف
والمعنى فرضنا عليهم فيها
) أن النفس (
ماخوذة
) بالنفس (
مقتولة بها اذا قتلتها بغير حق
" و " كذلك
) العين (
مفقوءة
) بالعين والأنف (
مجدوع
) بالأنف والأذن (
مصلومة
) بالأذن والسن (
مقلوعة
) بالسن والجروح قصاص (
ذات قصاص وهو المقاصة ومعناه ما يمكن فيه القصاص وتعرف المساواة
وعن ابن عباس رضي الله عنهما كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة فنزلت
) فمن تصدق (
من أصحاب الحق
" به "
بالقصاص وعفا عنه
) فهو كفارة له (
فالتصدق به كفارة للمتصدق يكفر الله من سيآته ما تقتضيه الموازنة كسائر طاعاته وعن عبد الله بن عمرو يهدم عنه من ذنوبه بقدر ما تصدق به وقيل فهو كفارة للجاني اذا تجاوز عنه صاحب الحق سقط عنه ما لزمه وفي قراءة أبي فهو كفارة
له يعني فالمتصدق كفارته له أي الكفارة التى يستحقها له لا ينقص منها وهو تعظيم لما فعل كقوله تعالى
) فأجره على الله ( الشورى 40 وترغيب في العفو
المائدة 46 - 47
المائدة : ( 46 ) وقفينا على آثارهم . . . . .
قفيته مثل عقبته اذا اتبعته ثم يقال قفيته بفلان وعقبته به فتعديه إلى الثاني بزيادة الباء فإن قلت فأين المفعول الأول في الآية قلت هو محذوف والظرف الذي هو
) على آثارهم (
كالساد مسده لأنه إذا قفى به على أثره فقد قفى به إياه والضمير في آثارهم للنبيين في قوله
) يحكم بها النبيون الذين أسلموا (
وقرأ الحسن الأنجيل بفتح الهمزة فإن صح عنه فلأنه أعجمي خرج لعجمته عن زنات العربية كما خرج هابيل وآجر
) ومصدقا (
عطف على محل
) فيه هدى (
ومحله النصب على الحال
) وهدى وموعظة (
يجوز ان ينتصبا على الحال
كقوله
) مصدقا (
وان ينتصبا مفعولا لهما كقوله
) وليحكم (
كانه قيل وللهدى والموعظة آتيناه الإنجيل وللحكم بما انزل الله فيه من الأحكام
فإن قلت فإن نظمت هدى وموعظة في سلك مصدقا فما تصنع بقوله وليحكم قلت اصنع به ما صنعت بهدى وموعظة حين جعلتهما مفعولا لهما فأقدر وليحكم اهل الإنجيل بما انزل الله آتيناه اياه
وقرىء ( وليحكم ) على لفظ الأمر بمعنى وقلنا ليحكم وروي في قراءة أبي ( وان ليحكم ) بزيادة ( أن ) مع الأمر

" صفحة رقم 673 "
على ان ( أن ) موصولة بالامر كقولك أمرته بأن قم كانه قيل وآتيناه الأنجيل وامرنا بأن يحكم أهل الإنجيل
وقيل إن عيسى عليه السلام كان متعبدا بما في التوراة من الأحكام لأن الإنجيل مواعظ وزواجر والأحكام فيه قليلة
وظاهر قوله
) وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه (
يرد ذلك وكذلك قوله
) لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ( المائدة 48 وإن ساغ لقائل ان يقول معناه وليحكموا بما أنزل الله فيه من ايجاب العمل بأحكام التوراة
المائدة 48
المائدة : ( 48 ) وأنزلنا إليك الكتاب . . . . .
فإن قلت اي فرق بين التعريفين في قوله
) وأنزلنا إليك الكتاب ( وقوله
) لما بين يديه من الكتاب (
قلت الأول تعريف العهد لأنه عني به القرآن والثاني تعريف الجنس لأنه عنى به جنس الكتب المنزلة ويجوز ان يقال هو للعهد لأنه لم يرد به ما يقع عليه اسم الكتاب على الإطلاق وإنما أريد نوع معلوم منه وهو ما انزل من السماء سوى القرآن
) ومهيمنا (
ورقيبا على سائر الكتب لأنه يشهد لها بالصحة والثبات
وقرىء ( مهيمنا عليه ) بفتح الميم اي هومن عليه بان حفظ من التغيير والتبديل كما قال
) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ( فصلت 42 والذي هيمن الله عليه عز وجل أو الحفاظ في كل بلد لو حرف حرف منه أو حركة أو سكون لتنبه عليه كل أحد ولا شمأزوا رادين ومنكرين ضمن
) ولا تتبع (
معنى ولا تنحرف فلذلك عدي بعن كانه قيل ولا تنحرف عما جاءك من الحق متبعا اهواءهم
) لكل جعلنا منكم (
أيها الناس
) شرعة (
شريعة
وقرأ يحيى بن وثاب بفتح الشين
) ومنهاجا (
وطريقا واضحا في الدين تجرون عليه
وقيل هذا دليل على أنا غير متعبدين بشرائع من قبلنا
) لجعلكم أمة واحدة (
جماعة متفقة على شريعة واحدة أو ذوي أمة واحدة أي دين واحد لا اختلاف فيه
) ولكن (
اراد
" ليبلوكم في ما ءاتكم "
من الشرائع المختلفة هل تعلمون بها مذعنين معتقدين أنها مصالح قد اختلفت على حسب الأحوال والأوقات معترفين بأن الله لم يقصد باختلافها الا ما اقتضته الحكمة أم تتبعون الشبه وتفرطون في العمل
) فاستبقوا الخيرات (
فابتدروها وتسابقوا نحوها
) إلى الله مرجعكم (
استئناف في معنى التعليل لاستباق الخيرات
) فينبئكم ( فيخبركم بما لا تشكون معه من الجزاء الفاصل بين محقكم ومبطلكم وعاملكم ومفرطكم في العمل

" صفحة رقم 674 "
المائدة 49
المائدة : ( 49 ) وأن احكم بينهم . . . . .
فإن قلت
) وأن احكم بينهم (
معطوف على ماذا قلت على ( الكتاب ) في قوله
) وأنزلنا إليك الكتاب (
كانه قيل وانزلنا اليك ان أحكم على ان ( أن ) وصلت بالأمر لأنه فعل كسائر الأفعال ويجوز ان يكون معطوفا على ( بالحق ) أي انزلناه بالحق وبأن احكم
) أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك (
أن يضلوك عنه ويستزلوك وذلك
351 ان كعب بن أسيد وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس من احبار اليهود قالوا اذهبوا بنا إلى محمد نفتنه عن دينه فقالوا يا محمد قد عرفت ان احبار اليهود وانا إن اتبعناك اتبعتنا اليهود كلهم ولم يخالفونا وإن بيننا وبين قومنا خصومة فنتحاكم اليك فتقضي لنا عليهم ونحن نؤمن بك ونصدقك فأبى ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
ضعيف فنزلت
) فإن تولوا (
عن الحكم بما انزل الله اليك وأرادوا غيره
) فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم (
يعني بذنب التولي عن حكم الله وارادة خلافه فوضع
) ببعض ذنوبهم (
موضع ذلك وأراد ان لهم ذنوبا جمة كثيرة العدد وان هذا الذنب مع عظمه بعضها وواحد منها وهذا الإبهام لتعظيم التولى واستسرافهم في ارتكابه
ونحو البعض في هذا الكلام ما في قول لبيد
( أو يرتبط بعض النفوس حمامها )
أراد نفسه وإنما قصد تفخيم شأنها بهذا الإبهام كأنه قال نفسا كبيرة ونفسا أي نفس فكما ان التنكير يعطي معنى التكبير وهو معنى البعضية فكذلك اذا صرح بالبعض
) الفاسقون (
المتمردون في الكفر معتدون فيه يعني ان التولي عن حكم الله من التمرد العظيم والاعتداء في الكفر
المائدة 50
المائدة : ( 50 ) أفحكم الجاهلية يبغون . . . . .
) أفحكم الجاهلية يبغون (
فيه وجهان أحدهما أن قريظة والنضير طلبوا اليه أن

" صفحة رقم 675 "
يحكم بما كان يحكم به أهل الجاهلية من التفاضل بين القتلى وروي
352 ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال لهم ( القتلى بواء )
قال ابن حجر في تخريجه 1 641 لم أجده هكذا وفي ابن أبي شيبة من طريق الشعبي قال فقال بنو النضير نحن لا نرضى بذلك فنزلت والثاني أن يكون تعبيرا لليهود بأنهم أهل كتاب وعلم وهم يبغون حكم الملة الجاهلية التي هي هوى وجهل لا تصدر عن كتاب ولا ترجع إلى وحي من الله تعالى وعن الحسن هو عام في كل من يبغي غير حكم الله والحكم حكمان حكم بعلم فهو حكم الله وحكم بجهل فهو حكم الشيطان
وسئل طاوس عن الرجل يفضل بعد ولده على بعض فقرأ هذه الآية وقرىء ( تبغون ) بالتاء والياء وقرأ السلمي ( أفحكم الجاهلية يبغون ) برفع الحكم على الابتداء وإيقاع يبغون خبرا واسقاط الراجع عنه كإسقاطه عن الصلة في
) أهذا الذي بعث الله رسولا ( الفرقان 31 وعن الصفة في الناس رجلان رجل اهنت ورجل اكرمت
وعن الحال في ( مررت بهند يضرب زيد ) وقرا قتادة
) أفحكم الجاهلية ( على ان هذا الحكم الذي يبغونه إنما يحكم به أفعى نجران أو نظيره من حكام الجاهلية فأرادوا بسفههم ان يكون محمد خاتم النبيين حكما كاولئك الحكام
اللام في قوله
) لقوم يوقنون (
للبيان كاللام في ( هيت لك ) أي هذا الخطاب وهذا الاستفهام لقوم يوقنون فإنهم الذين يتيقنون ان لا أعدل من الله ولا احسن حكما منه
المائدة 51 - 53
المائدة : ( 51 ) يا أيها الذين . . . . .
لا تتخذوهم أولياء تنصرونهم وتستنصرونهم وتؤاخونهم وتصافونهم وتعاشرونهم

" صفحة رقم 676 "
معاشرة المؤمنين
ثم علل النهي بقوله
) بعضهم أولياء بعض (
أي إنما يوالي بعضهم بعضا لاتحاد ملتهم واجتماعهم في الكفر فما لمن دينه خلاف دينهم ولموالاتهم
) ومن يتولهم منكم فإنه (
من جملتهم وحكمه حكمهم
وهذا تغليظ من الله وتشديد في وجوب مجانبة المخالف في الدين واعتزاله كما قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
353 ( لا تراءى ناراهما )
أخرجه أبو داود 2645 والترمذي 1604 من حديث جرير بن عبد الله بلفظ بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومنه قول عمر رضي الله عنه لأبي موسى في كاتبه النصراني لا تكرموهم إذ اهانهم الله ولا تامنوهم إذ خونهم الله ولا تدنوهم إذ أقصاهم الله
وروي انه قال له أبو موسى لا قوام للبصرة الا به فقال مات النصراني والسلام يعني هب انه قد مات فما كنت تكون صانعا حينئذ فاصنعه الساعة وإستغن عنه بغيره
) إن الله لا يهدي القوم الظالمين (
يعني الذين ظلموا أنفسهم بموالاة الكفر يمنعهم الله ألطافه ويخذلهم مقتا لهم
) يسارعون فيهم (
ينكمشون في موالاتهم ويرغبون فيها ويعتذرون بأنهم لا يأمنون ان تصيبهم دائرة من دوائر الزمان أي صرف من صروفه ودولة من دوله فيحتاجون اليهم وإلى معونتهم وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه
354 انه قال لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن لي موالي من يهود كثيرا عددهم وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولايتهم وأوالي الله ورسوله فقال عبد الله بن أبي إني رجل اخاف الدوائر لا أبرأ من ولاية موالي وهم يهود بني قينقاع
مرسل
) فعسى الله أن يأتي بالفتح (
لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على أعدائه وإظهار المسلمين
) أو أمر من عنده (

" صفحة رقم 677 "
يقطع شأفة اليهود ويجليهم عن بلادهم فيصبح المنافقون نادمين على ما حدثوا به انفسهم
وذلك انهم كانوا يشكون في امر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويقولون ما نظن ان يتم له أمر وبالحري أن تكون الدولة والغلبة لهؤلاء
وقيل أو امر من عنده أو ان يؤمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بإظهار أسرار المنافقين وقتلهم فيندموا على نفاقهم
وقيل أو أمر من عند الله لا يكون فيه للناس فعل كبني النضير الذين طرح الله في قلوبهم الرعب
فأعطوا بأيديهم من غير أن يوجف عليهم بخيل ولا ركاب
) ويقول الذين آمنوا (
قرىء بالنصب عطفا على ان يأتي
وبالرفع على انه كلام مبتدأ أي ويقول الذين آمنوا في ذلك الوقت وقرىء ( يقول ) بغير واو وهي في مصاحف مكة والمدينة والشأم كذلك على انه جواب قائل يقول فماذا يقول المؤمنون حينئذ فقيل يقول الذين آمنوا هؤلاء الذين أقسموا
فإن قلت لمن يقولون هذا القول قلت إما ان يقوله بعضهم لبعض تعجبا من حالهم واغتباطا بما من الله عليهم من التوفيق في الاخلاص
) أهؤلاء الذين أقسموا (
لكم بأغلظ الإسمان أنهم اولياؤكم ومعاضدوكم على الكفار
وإما ان يقولوه لليهود لأنهم حلفوا لهم بالمعاضدة والنصرة
كما حكى الله عنهم
) وإن قوتلتم لننصرنكم ( الحشر 11
) حبطت أعمالهم (
من جملة قول المؤمنين اي بطلت أعمالهم التى كانوا يتكلفونها في رأي أعين الناس
وفيه معنى التعجب كانه قيل ما احبط اعمالهم فما أخسرهم أو من قول الله عز وجل شهادة لهم بحبوط الأعمال وتعجيبا من سوء حالهم
المائدة 54
المائدة : ( 54 ) يا أيها الذين . . . . .
وقرىء ( من يرتد ومن ( يرتدد ) وهو في الإمام بدالين وهو من الكائنات التي أخبر عنها في القرآن قبل كونها وقيل بل كان أهل الردة إحدى عشرة فرقة ثلاث في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
بنو مدلج ورئيسهم ذو الخمار وهو الأسود العنسي وكان كاهنا تنبأ باليمن واستولى على بلاده وأخرج عمال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فكتب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى معاذ بن جبل وإلى سادات اليمن فأهلكه الله على يد فيروز الديلمي بيته فقتله وأخبر رسول

" صفحة رقم 678 "
الله ( صلى الله عليه وسلم ) بقتله ليلة قتل فسر المسلمون وقبض رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من الغد
واتى خبره في آخر شهر ربيع الأول
وبنو حنيفة قوم مسيلمة تنبأ وكتب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله اما بعد فإن الأرض نصفها لي ونصفها لك
فأجاب عليه الصلاة والسلام ( من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب
أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) فحاربه أبو بكر رضي الله عنه بجنود المسلمين وقتل على يدي وحشي قاتل حمزة
وكان يقول قتلت خير الناس في الجاهلية وشر الناس في الإسلام أراد في جاهليتي وإسلامي
وبنو أسد قوم طليحة بن خويلد تنبأ فبعث اليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خالدا فانهزم بعد القتال إلى الشام ثم أسلم وحسن اسلامه وسبع في عهد أبي بكر رضي الله عنه فزارة قوم عيينة بن حصين وغطفان قوم قرة بن سلمة القشيري وبنو سليم قوم الفجاءة بن عبد يا ليل
وبنو يربوع قوم مالك بن نويرة وبعض تميم قوم سجاح بنت المنذر المتنبئة التي زوجت نفسها مسيلمة الكذاب وفيها يقول أبو العلاء المعري في كتاب استغفر واستغفري
( أمت سجاح ووالاها مسيلمة كذابة في بني الدنيا وكذاب )
وكندة قوم الأشعث بن قيس وبنو بكر بن وائل بالبحرين قوم الحطيم بن زيد وكفي الله امرهم على يد أبي بكر رضي الله عنه وفرقة واحدة في عهد عمر رضي الله عنه غسان قوم جبلة بن الأيهم نصرته اللطيمة وسيرته إلى بلاد الروم بعد إسلامه
) فسوف يأتي الله بقوم ( قيل
355 لما نزلت أشار رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى أبي موسى الأشعري فقال ( قوم هذا )
أخرجه الحاكم 2 313 والطبراني 17 371 وابن سعد 4 80 من حديث

" صفحة رقم 679 "
وقيل هم ألفان من النخع وخمسة آلاف من كندة وبجيلة وثلاثة آلاف من أفناء الناس جاهدوا يوم القادسية وقيل هم الأنصار وقيل
356 سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عنهم فضرب يده على عاتق سلمان وقال ( هذا وذووه )
أخرجت الاترمذي 3261 والطبري 1443 وابن حيان 7321 من حديث أبي هريرة ثم قال لو كان الإيمان معلقا بالثريا لناله رجال من ابناء فارس
) يحبهم ويحبونه (
محبة العباد لربهم طاعته وابتغاء مرضاته وان لا يفعلوا ما يوجب سخطه وعقابه 0

" صفحة رقم 680 "
ومحبة الله لعباده ان يثبهم أحسن الثواب على طاعتهم ويعظمهم ويثني عليهم ويرضى عنهم
واما ما يعتقده أجهل الناس وأعداهم للعلم واهله وامقتهم للشرع وأسوأهم طريقة وإن كانت طريقتهم عند امثالهم من الجهلة والسفهاء شيئا وهم الفرقة المفتعلة المتفعلة من الصوف وما يدينون به من المحبة والعشق والتغني على كراسيهم خربها الله وفي مراقصهم عطلها الله بأبيات الغزل المقولة في المردان الذين يسمونهم شهداء وصعقاتهم التي أين عنها صعقة موسى عند دك الطور فتعالى الله عنه علوا كبيرا ومن كلماتهم كما انه بذاته يحبهم كذلك يحبون ذاته فإن الهاء راجعة إلى الذات دون النعوت والصفات
ومنها الحب شرطه ان تلحقه سكرات المحبة فإذا لم يكن ذلك لم تكن فيه حقيقة
فإن قلت أين الراجع من الجزاء إلى الاسم المتضمن لمعنى الشرط قلت هو

" صفحة رقم 681 "
محذوف معناه فسوف ياتي الله بقوم مكانهم أو بقوم غيرهم أو ما اشبه ذلك
) أذلة (
جمع ذليل
واما ذلول فجمعه ذلل
ومن زعم انه من الذل الذي هو نقيض الصعوبة فقد غبى عنه ان ذلولا لا يجمع على أذلة
فإن قلت هلا قيل أذلة للمؤمنين أعزة على الكافرين قلت فيه وجهان أحدهما ان يضمن الذل معنى الحنو والعطف كانه قيل عاطفين عليهم على وجه التذلل والتواضع
والثاني انهم مع شرفهم وعلو طبقتهم وفضلهم على المؤمنين خافضون لهم اجنحتهم
ونحوه قوله عز وجل
) أشداء على الكفار رحماء بينهم ( الفتح 29 وقرىء أذلة وأعزة بالنصب على الحال
) ولا يخافون لومة لائم (
يحتمل ان تكون الواو للحال على أنهم يجاهدون وحالهم في المجاهدة خلاف حال المنافقين فإنهم كانوا موالين لليهود لعنت فإذا خرجوا في جيش المؤمنين خافوا أولياءهم اليهود فلا يعملون شيئا مما يعلمون انه يلحقهم فيه لوم من جهتهم
واما المؤمنون فكانوا يجاهدون لوجه الله لا يخافون لومة لائم قط وأن تكون للعطف على أن من صفتهم المجاهدة في سبيل الله وانهم صلاب في دينهم اذا شرعوا في أمر من امور الدين إنكار منكر أو أمر بمعروف مضوا فيه كالمسامير المحماة لا يرعبهم قول قائل ولا اعتراض معترض ولا لومة لائم يشق عليه جدهم في إنكارهم وصلابتهم في أمرهم
واللومة المرة من اللوم وفيها وفي التنكير مبالغتان كأنه قيل لا يخافون شيئا قط من لوم أحد من اللوام
و
) ذلك (
إشارة إلى ما وصف به القوم من المحبة والذلة والعزة والمجاهدة وانتفاء خوف اللومة
) يؤتيه (
يوفق له
) من يشاء (
ممن يعلم ان له لطفا
) واسع (
كثير الفواضل والألطاف
) عليم (
بمن هو من اهلها
المائدة 55
المائدة : ( 55 ) إنما وليكم الله . . . . .
عقب النهي عن موالاة من تجب معاداتهم ذكر من تجب موالاتهم بقوله تعالى
" أنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا "
ومعنى ( إنما ) وجوب اختصاصهم بالموالاة فإن قلت قد ذكرت جماعة فهلا قيل إنما اولياؤكم قلت أصل الكلام إنما وليكم الله فجعلت الولاية لله على طريق الأصالة ثم نظم في سلك اثباتها له إثباتها لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين على سبيل التبع ولو قيل إنما اولياؤكم الله ورسوله والذين آمنوا لم يكن في الكلام أصل وتبع وفي قراءة عبد الله ( إنما مولاكم ) فإن قلت
) الذين يقيمون (
ما محله قلت الرفع على البدل من الذين آمنوا أو على هم الذين يقيمون
أو النصب على المدح
وفيه تمييز للخلص من الذين آمنوا نفاقا أو واطأت قلوبهم ألسنتهم الا انهم مفرطون في العمل
) وهم راكعون (
الواو فيه للحال اي يعلمون ذلك في حال الركوع

" صفحة رقم 682 "
وهو الخشوع والإخبات والتواضع لله اذا صلوا وإذا زكوا
وقيل هو حال من يؤتون الزكاة بمعنى يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة و
357 أنها نزلت في علي كرم الله وجهه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه
باطل لا أصل له كأنه كان مرجا في خنصره فلم يتكلف لخلعه كثير عما تفسد بمثله صلاته فإن قلت كيف صح ان يكون لعلي رضي الله عنه واللفظ لفظ جماعة قلت جيء به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلا واحدا ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه ولينبه على ان سجية المؤمنين يجب ان تكون على هذه الغاية من الحرص على

" صفحة رقم 683 "
البر والإحسان وتفقد الفقراء حتى إن لزهم امر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخروه إلى الفراغ منه
المائدة 56
المائدة : ( 56 ) ومن يتول الله . . . . .
) فإن حزب الله (
من إقامة الظاهر مقام المضمر
ومعناه فإنهم هم الغالبون ولكنهم بذلك جعلوا اعلاما لكونهم حزب الله وأصل الحزب القوم يجتمعون لأمر حزبهم
ويحتمل أن يريد بحزب الله الرسول والمؤمنين
ويكون المعنى ومن يتولهم فقد تولى حزب الله واعتضد بمن لا يغالب
المائدة 57 - 58
المائدة : ( 57 ) يا أيها الذين . . . . .
روي ان رفاعة بن زيد وسويد بن الحرث كانا قد أظهرا الإسلام ثم نافقا وكان رجال من المسلمين يوادونهما فنزلت
يعني ان اتخاذهم دينكم هزوا ولعبا لا يصح ان يقابل باتخاذكم إياهم أولياء بل يقابل ذلك بالبغضاء والشنآن والمنابذة
وفصل المستهزئين بأهل الكتاب والكفار وإن كان اهل الكتاب من الكفار إطلاقا للكفار على المشركين خاصة
والدليل عليه قراءة عبد الله ( ومن الذين أشركوا )
وقرىء ( والكفار ) بالنصب والجر
وتعضد قراءة الجر قراءة أبي ( ومن الكفار )
) واتقوا الله (
في موالاة الكفار وغيرها
) إن كنتم مؤمنين (
حقا لأن الإيمان حقا يأبى موالاة أعداء الدين
) اتخذوها (
الضمير للصلاة أو للمناداة
قيل كان رجلا من النصارى بالمدينة اذا سمع المؤذن يقول ( أشهد ان محمدا رسول الله ) قال حرق الكاذب فدخلت خادمه بنار ذات ليلة وهو نائم فتطايرت منها شرارة في البيت فاحترق البيت واحترق هو واهله
وقيل فيه دليل على ثبوت الأذان بنص الكتاب لا بالمنام وحده
) لا يعقلون ( لأن لعبهم وهزؤهم من أفعال السفهاء والجهلة فكأنه لا عقل لهم

" صفحة رقم 684 "
المائدة 59
المائدة : ( 59 ) قل يا أهل . . . . .
قرأ الحسن ( هل تنقمون ) بفتح القاف والفصيح كسرها
والمعنى هل تعيبون منا وتنكرون إلا الإيمان بالكتب المنزلة كلها
) وأن أكثركم فاسقون (
فإن قلت علام عطف قوله
" وان اكثرهم فاسقون "
قلت فيه وجوه منها ان يعطف على ان آمنا بمعنى وما تنقمون منا الا الجمع بين إيماننا وبين تمردكم وخروجكم عن الإيمان كانه قيل وما تنكرون منا الا مخالفتكم حيث دخلنا في دين الإسلام وأنتم خارجون منه
ويجوز أن يكون على تقدير حذف المضاف أي واعتقاد انكم فاسقون ومنها ان يعطف على المجرور أي وما تنقمون منا الا الإيمان بالله وبما انزل وبأن اكثركم فاسقون
ويجوز أن تكون الواو بمعنى مع أي وما تنقمون منا الا الإيمان مع ان أكثركم فاسقون
ويجوز ان يكون تعليلا معطوفا على تعليل محذوف كانه قيل وما تنقمون منا الا الإيمان لقلة إنصافكم وفسقكم واتباعكم الشهوات
ويدل عليه تفسير الحسن بفسقكم نقمتم ذلك علينا
المائدة 60 - 61
المائدة : ( 60 ) قل هل أنبئكم . . . . .
وروي
358 أنه اتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نفر من اليهود فسالوه عمن يؤمن به من الرسل فقال ( أومن بالله وما انزل الينا إلى قوله ونحن له مسلمون ) فقالوا حين سمعوا ذكر عيسى عليه السلام ما نعلم اهل دين أقل حظا في الدنيا والآخرة منكم ولا دينا اشر من دينكم فنزلت
ضعيف
وعن نعيم بن ميسرة ( وإن أكثركم ) بالكسر
ويحتمل ان ينتصب ( وأن أكثركم ) بفعل محذوف يدل عليه هل تنقمون أي ولا تنقمون ان اكثركم فاسقون

" صفحة رقم 685 "
أو يرتفع على الابتداء والخبر محذوف أي ( و ) فسقكم ثابت معلوم عندكم لأنكم علمتم أنا على الحق وأنكم على الباطل الا ان حب الرياسة وكسب الأموال لا يدعكم فتنصفوا
) ذلك (
إشارة إلى المنقوم ولا بد من حذف مضاف قبله أو قبل ( من ) تقديره بشر من أهل ذلك أو دين من لعنة الله و
) من لعنه الله (
في محل الرفع على قولك هو من لعنه الله كقوله تعالى
) قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار (
أو في محل الجر على البدل من شر
وقرىء ( مثوبة ) ( ومثوبة ) ومثالهما مشورة ومشورة فإن قلت المثوبة مختصة بالإحسان فكيف جاءت في الإساءة قلت وضعت المثوبة موضع العقوبة على طريقة قوله
( تحية بينهم ضرب وجيع )
ومنه
) فبشرهم بعذاب أليم ( آل عمران 21
فإن قلت المعاقبون من الفريقين هم اليهود فلم شورك بينهم في العقوبة قلت كان اليهود لعنوا يزعمون أن المسلمين ضالون مستوجبون للعقاب فقيل لهم من لعنه الله شر عقوبة في الحقيقة واليقين من اهل الإسلام في زعمكم ودعواكم
) وعبد الطاغوت ( عطف على صلة ( من ) كانه قيل ومن عبد الطاغوت وفي قراءة أبي ( وعبدوا الطاغوت ) على المعنى وعن ابن مسعود ( ومن عبدوا ) وقرىء ( وعابد الطاغوت ) عطفا على القردة ( وعابدي ) ( وعباد ) ( وعبد ) ( وعبد ) ومعناه الغلو في العبودية كقولهم رجل حذر وفطن للبليغ في الحذر والفطنة قال
( ابني لبينى إن امكم
أمة وإن أباكموا عبد )

" صفحة رقم 686 "
وعبد بوزن حطم وعبيد وعبد بضمتين جمع عبيد وعبدة بوزن كفرة
وعبد واصله عبدة فحذفت التاء للإضافة أو هو كخدم في جمع خادم
وعبد وعباد واعبد وعبد الطاغوت على البناء للمفعول وحذف الراجع بمعنى وعبد الطاغوت فيهم أو بينهم وعبد الطاغوت بمعنى صار الطاغوت معبودا من دون الله كقولك ( أمر ) إذا صار اميرا
وعبد الطاغوت بالجر عطفا على
) من لعنه الله (
فإن قلت كيف جاز ان يجعل الله منهم عباد الطاغوت قلت فيه وجهان أحدهما انه خذلهم حتى عبدوه
والثاني أنه حكم عليهم بذلك ووصفهم به كقوله تعالى
) وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ( الزخرف 19 وقيل الطاغوت العجل لأنه معبود من دون الله ولأن عبادتهم للعجل مما زينه لهم الشيطان فكانت عبادتهم له عبادة للشيطان وهو الطاغوت
وعن ابن عباس رضي الله عنه أطاعوا الكهنة وكل من اطاع احدا في معصية الله فقد عبده
وقرأ الحسن ( الطواغيت )
وقيل وجعل منهم القردة أصحاب السبت والخنازير كفار أهل مائدة عيسى
وقيل كلا المسخين من أصحاب السبت فشبانهم مسخوا قردة ومشايخهم مسخوا خنازير
وروي انها لما نزلت كان المسلمون يعيرون اليهود ويقولون يا اخوة القردة والخنازير فينكسون رءوسهم ) أولئك (
الملعونون الممسوخون
) شر مكانا ( جعلت الشرارة للمكان وهي لأهله
وفيه مبالغة ليست في قولك أولئك شر وأضل لدخوله في باب الكناية التي هي أخت المجاز نزلت في ناس من اليهود كانوا يدخلون على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يظهرون له الإيمان نفاقا فأخبره الله تعالى بشأنهم وانهم يخرجون من مجلسك كما دخلوا لم يتعلق بهم شيء مما سمعوا به من تذكيرك بآيات الله ومواعظك
وقوله ( بالكفر ) و ( به ) حالان أي دخلوا كافرين وخرجوا كافرين
وتقديره ملتبسين بالكفر وكذلك قوله ( وقد دخلوا ) ( وهم قد خرجوا ) ولذلك دخلت ( قد ) تقريبا للماضي في الحال ولمعنى آخر وهو ان أمارات النفاق كانت لائحة عليهم وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) متوقعا لإظهار الله ما كتموه فدخل حرف التوقع وهو متعلق بقوله ( قالوا آمنا ) أي قالوا ذلك وهذه حالهم

" صفحة رقم 687 "
وترى كثيرا منهم يسارعون فى الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون لولا ينهاهم الربانيون والاحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون 62 - 63
المائدة : ( 62 ) وترى كثيرا منهم . . . . .
الإثم الكذب بدليل قوله تعالى عن قولهم الإثم العدوان الظلم وقيل الإثم كلمة الشرك وقولهم عزير ابن الله وقيل الإثم ما يختص بهم والعدوان ما يتعداهم إلى غيرهم والمسارعة في الشيء الشروع فيه بسرعة السحت لبئس ما كانوا يصنعون كأنهم جعلوا آثم من مرتكبي المناكير لأن كل عامل
لا يسمى صانعا ولا كل عمل يسمى صناعة حتى يتمكن فيه ويتدرب وينسب إليه وكأن المعنى في ذلك أن مواقع المعصية معه الشهوة التي تدعوه إليها وتحمله على ارتكابها وأما الذي ينهاه فلا شهوة معه في فعل غيره فإذا فرط في الإنكار كان أشد حالا من المواقع ولعمري إن هذه الآية مما يقد السامع وينعي على العلماء توانيهم وعن ابن عباس رضي الله عنهما هي أشد آية في القرآن وعن الضحاك ما في القرآن آية أخوف عندي منها وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشآء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضآء إلى يوم القيامة كلمآ أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين
المائدة : ( 64 ) وقالت اليهود يد . . . . .
غل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود ومنه قوله تعالى
) ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ( الإسراء 29 ولا يقصد من يتكلم به اثبات

" صفحة رقم 688 "
يد ولا غل ولا بسط ولا فرق عنده بين هذا الكلام وبين ما وقع مجازا عنه لأنهما كلامان متعاقبان على حقيقة واحدة حتى انه يستعمله في ملك لا يعطي عطاء قط ولا يمنعه الا بإشارته من غير استعمال يد وبسطها وقبضها ولو أعطى الأقطع إلى المنكب عطاء جزيلا لقالوا ما أبسط يده بالنوال لأن بسط اليد وقبضها عبارتان وقعتا متعاقبتين للبخل والجود وقد استعملوهما حيث لا تصح اليد كقوله
جاد الحمى بسط اليدين بوابل
شكرت نداه تلاعه ووهاده
ولقد جعل لبيد للشمال يدا في قوله
إذ أصبحت بيد الشمال زمامها
ويقال بسط اليأس كفيه في صدري فجعلت لليأس الذي هو من المعاني لا من الأعيان كفان
ومن لم ينظر في علم البيان عمى عن تبصر محجة الصواب في تأويل أمثال هذه الاية ولم يتخلص من يد الطاعن اذا عبثت به
فإن قلت قد صح ان قولهم
) يد الله مغلولة (
عبارة عن البخل فما تصنع بقوله
) غلت أيديهم (
ومن حقه ان يطابق ما تقدمه والا تنافر الكلام وزل عن سننه قلت يجوز ان يكون معناه الدعاء عليهم بالبخل والنكد ومن ثم كانوا أبخل خلق الله وانكدهم ونحوه بيت الأشتر
بقيت وفرى وانحرفت عن العلا
ولقيت أضيافي بوجه عبوس

" صفحة رقم 689 "
ويجوز ان يكون دعاء عليهم بغل الأيدي حقيقة يغللون في الدنيا أسارى وفي الآخرة معذبين بأغلال جهنم والطباق من حيث اللفظ وملاحظة أصل المجاز كما تقول سبني سب الله دابره أي قطعه لأن السب أصله القطع فإن قلت كيف جاز أن يدعو الله عليهم بما هو قبيح وهو البخل والنكد قلت المراد به الدعاء بالخذلان الذي تقسو به قلوبهم فيزيدون بخلا إلى بخلهم ونكدا إلى نكدهم أو بما هو مسبب عن البخل والنكد من لصوق العار بهم وسوء الأحدوثة التي تخزيهم وتمزق اعراضهم
فإن قلت لم ثنيت اليد في قوله تعالى
) بل يداه مبسوطتان ( وهي مفردة في
) يد الله مغلولة (
قلت ليكون رد قولهم وإنكاره أبلغ وادل على إثبات غاية السخاء له ونفي البخل عنه
وذلك أن غاية ما يبذله السخي بماله من نفسه ان يعطيه بيديه جميعا فبني المجاز على ذلك
وقرىء ( ولعنوا ) بسكون العين وفي مصحف عبد الله ( بل يداه بسطان ) يقال يده بسط بالمعروف ونحوه مشية شحح وناقة صرح
) ينفق كيف يشاء (
تأكيد للوصف بالسخاء ودلالة على أنه لا ينفق الا على مقتضى الحكمة والمصلحة روي أن الله تبارك وتعالى كان قد بسط على اليهود حتى كانوا من اكثر الناس مالا فلما عصوا الله في محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وكذبوه كف الله تعالى ما بسط عليهم من السعة فعند ذلك قال فنحاص بن عازوراء يد الله مغلولة ورضي بقوله الآخرون فاشركوا فيه
) وليزيدن ( أي يزدادون عند نزول القرآن لحسدهم تماديا في الجحود وكفروا بآيات الله
) وألقينا بينهم العداوة (
فكلمهم ابدا مختلف وقلوبهم شتى لا يقع اتفاق بينهم ولا تعاضد
) كلما أوقدوا نارا (
كلما أرادوا محاربة أحد غلبوا وقهروا ولم يقم لهم نصر من الله على أحد قط وقد أتاهم الاسلام في ملك المجوس وقيل خالفوا حكم التوراة

" صفحة رقم 690 "
فبعث الله عليهم بختنصر ثم أفسدوا فسلط الله عليهم فطرس الرومي ثم افسدوا فسلط الله عليهم المجوس ثم أفسدوا فسلط الله عليهم المسلمين
وقيل كلما حاربوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نصر عليهم
وعن قتادة رضي الله عنه لا تلقى اليهود ببلدة الا وجدتهم من أذل الناس
) ويسعون (
ويجتهدون في الكيد للإسلام ومحو ذكر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من كتبهم
المائدة 65 - 66
المائدة : ( 65 - 66 ) ولو أن أهل . . . . .
) ولو أن أهل الكتاب (
مع ما عددنا من سيآتهم
" ءامنوا "
برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وبما جاء به وقرنوا ايمانهم بالتقوى التي هي الشريطة في الفوز بالايمان
) لكفرنا عنهم (
تلك السيئات ولم نؤاخذهم بها
) ولأدخلناهم (
مع المسلمين الجنة
وفيه اعلام بعظم معاصي اليهود والنصارى وكثرة سيآتهم ودلالة على سعة رحمة الله تعالى وفتحه باب التوبة على كل عاص وان عظمت معاصيه وبلغت مبالغ سيئات اليهود والنصارى وان الإيمان لا ينجي ولا يسعد الا مشفوعا بالتقوى كما قال الحسن هذا العمود فأين الاطناب
) ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل (
أقاموا احكامهما وحدودهما وما فيهما من نعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
) وما أنزل إليهم (
من سائر كتب الله لأنهم مكلفون الايمان بجميعها فكأنها انزلت اليهم وقيل هو القرآن لوسع الله عليهم الرزق وكانوا قد قحطوا وقوله
) لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم (
عبارة عن التوسعة وفيه ثلاثة اوجه ان يفيض عليهم بركات السماء وبركات الأرض وان يكثر الأشجار المثمرة والزروع المغلة

" صفحة رقم 691 "
أن يرزقهم الجنان اليانعة الثمار يجتنون ما تهدل منها من رؤوس الشجر ويلتقطون ما تساقط على الأرض من تحت ارجلهم
) منهم أمة مقتصدة (
طائفة حالها أمم في عداوة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل هي الطائفة المؤمنة عبد الله بن سلام وأصحابه وثمانية وأربعون من النصارى و
) ساء ما يعملون (
فيه معنى التعجب كانه قيل وكثير منهم ما أسوأ عملهم وقيل هم كعب بن الأشرف وأصحابه والروم
المائدة 67
)
المائدة : ( 67 ) يا أيها الرسول . . . . .
بلغ ما أنزل إليك (
جميع ما انزل اليك وأي شيء انزل اليك غير مراقب في تبليغه أحدا ولا خائف ان ينالك مكروه
) وإن لم تفعل (
وإن لم تبلغ جميعه كما امرتك
) فما بلغت رسالته ( وقرىء ( رسالاته ) فلم تبلغ اذا ما كلفت من أداء

" صفحة رقم 692 "
الرسالات ولم تؤد منها شيئا قط وذلك ان بعضها ليس بأولى بالأداء من بعض وإن لم تؤد بعضها فكانك أغفلت أداءها جميعا كما ان من لم يؤمن ببعضها كان كمن لم يؤمن بكلها لإدلاء كل منها بما يدليه غيرها
وكونا كذلك في حكم شيء واحد
والشيء الواحد لا يكون مبلغا غير مبلغ مؤمنا به غير مؤمن به
وعن ابن عباس رضي الله عنهما إن كتمت آية لم تبلغ رسالاتي وروي عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
359 ( بعثني الله برسالاته فضقت بها ذرعا فأوحى الله إلي ان لم تبلغ رسالاتي عذبتك وضمن لي العصمة فقويت )
قال ابن حجر في تخريجه 1 659 أخرجه اسحاق في مسنده أخبرنا كلثوم بن محمد بن أبي
فإن قلت وقوع قوله
) فما بلغت رسالته (
جزاء للشرط ما وجه صحته قلت فيه وجهان احدهما انه اذا لم يمتثل أمر الله في تبيلغ الرسالات وكتمها كلها كانه لم يبعث رسولا كان امرا شنيعا لا خفاء بشناعته فقيل ان لم تبلغ منها ادنى شيء وإن كان كلمة واحدة فأنت كمن ركب الأمر الشنيع الذي هو كتمان كلها كما عظم قتل النفس بقوله
) فكأنما قتل الناس جميعا ( المائدة 32 والثاني ان يراد فإن لم تفعل فلك ما يوجبه كتمان الوحي كله من العقاب فوضع السبب موضع المسبب ويعضده قوله عليه الصلاة والسلام ( فأوحى الله الي ان لم تبلغ رسالاتي عذبتك )
) والله يعصمك (
عدة من الله بالحفظ والكلاءة والمعنى والله يضمن لك العصمة من اعدائك فما عذرك في مراقبتهم فإن قلت أين ضمان العصمة
360 وقد شج في وجهه يوم أحد وكسرت رباعيته صلوات الله عليه قلت المراد أنه يعصمه من القتل
تقدم الكلام على هذا في سورة آل عمران وفيه ان عليه أن يحتمل كل ما دون النفس في ذات الله فما أشد تكليف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقيل نزلت بعد يوم أحد والناس الكفار بدليل قوله
) إن الله لا يهدي القوم الكافرين (
ومعناه انه لا يمكنهم مما يريدون إنزاله بك من الهلاك
وعن انس
361 كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يحرس حتى نزلت فأخرج رأسه من قبة أدم وقال

" صفحة رقم 693 "
( انصرفوا يا أيها الناس فقد عصمنى الله من الناس )
أخرجه الترمذي 3046 والحاكم 2 313 والطبري 12279 لكم من حديث عائشة
المائدة 68
المائدة : ( 68 ) قل يا أهل . . . . .
" لستم على شيء "
أي على دين يعتد به حتى يسمى شيئا لفساده وبطلانه كما تقول هذا ليس بشيء تريد تحقيره وتصغير شأنه وفي امثالهم أقل من لا شيء
) فلا تأس ( فلا تتاسف عليهم لزيادة طغيانهم وكفرهم فإن ضرر ذلك راجع إليهم لا اليك وفي المؤمنين غني عنهم
المائدة 69
المائدة : ( 69 ) إن الذين آمنوا . . . . .
) والصابئون ( رفع على الابتداء وخبره محذوف والنية به التأخير عما في حيز إن من اسمها وخبرها كانه قيل ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كذا والصابئون كذلك وانشد سيبويه شاهدا له
( والا فاعلموا أنا وأنتم بغاة ما بقينا في شقاق )

" صفحة رقم 694 "
أي فاعلموا انا بغاة وأنتم كذلك فإن قلت هلا زعمت ان ارتفاعه للعطف على محل ان واسمها قلت لا يصح ذلك قبل الفراغ من الخبر لا تقول ان زيدا وعمرو منطلقان
فإن قلت لم لا يصح والنية به التأخير فكانك قلت ان زيدا منطلق وعمرو قلت لأني إذا رفعته رفعته عطفا على محل إن واسمها والعامل في محلهما هو الابتداء فيجب أن يكون هو العامل في الخبر لأن الابتداء ينتظم الجزأين في عمله كما تنتظمها ( إن ) في عملها فلو رفعت الصابئون المنوي به التأخير بالابتداء وقد رفعت الخبر بأن لأعملت فيها رافعين مختلفين
فإن قلت فقوله والصابئون معطوف لا بد له من معطوف عليه فما هو قلت هو مع خبره المحذوف جملة معطوفة على جملة قوله
" إن الذين آمنوا 000 " الخ ولا محل لها كما لا محل للتي عطفت عليها فإن قلت ما التقديم والتأخير الا لفائدة فما فائدة هذا التقديم قلت فائدته التنبيه على ان الصابئين يتاب عليهم ان صح منهم الإيمان والعمل الصالح فما الظن بغيرهم
وذلك أن الصابئين أبين هؤلاء المعدودين ضلالا وأشدهم غيا وما سموا صابئين الا لأنهم صبئوا عن الأديان كلها أي خرجوا كما ان الشاعر قدم قوله ( وأنتم ) تنبيها على ان المخاطبين اوغل في الوصف بالبغاة من قومة حيث عاجل به قبل الخبر الذي هو ( بغاة ) لئلا يدخل قومه في البغي قبلهم مع كونهم اوغل فيه منهم وأثبت قدما فإن قلت فلو قيل والصابئين وإياكم لكان التقديم حاصلا قلت لو قيل هكذا لم يكن من التقديم في شيء لأنه لا إزالة فيه عن موضعه وإنما يقال مقدم ومؤخر للمزال لا للقار في مكانه
ومجرى هذه الجملة مجرى الاعتراض في الكلام فإن قلت كيف قال
) الذين آمنوا ( ثم قال
) من آمن (
قلت فيه وجهان أحدهما ان يراد بالذين آمنوا الذين آمنوا بألسنتهم وهم المنافقون وان يراد بمن آمن من ثبت على الإيمان واستقام ولم يخالجه ريبة فيه
فإن قلت ما محل من آمن قلت اما الرفع على الابتداء وخبره
) فلا خوف عليهم (
والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط ثم الجملة كما هي خبر ان وإما النصب على البدل من اسم إن وما عطف عليه أو من المعطوف عليه فإن قلت فأين الراجع إلى اسم إن قلت هو محذوف تقديره من آمن منهم كما جاء في موضع آخر
وقرىء ( والصابيون ) بياء صريحة وهو من تخفيف الهمزة كقراءة من قرأ ( يستهزئون ) ( والصابون ) وهو من صبوت لأنهم صبوا إلى اتباع الهوى والشهوات في دينهم ولم يتبعوا أدلة العقل والسمع وفي قراءة أبي رضي الله عنه ( والصابئين ) بالنصب وبها قرأ ابن كثير وقرا عبد الله ( يا أيها الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون 695
المائدة 70
المائدة : ( 70 ) لقد أخذنا ميثاق . . . . .
) لقد أخذنا (
ميثاقهم بالتوحيد
) وأرسلنا إليهم رسلا (
ليقفوهم على ما يأتون وما يذرون في دينهم
) كلما جاءهم رسول (
جملة شرطية وقعت صفة لرسلا والراجع محذوف أي رسول منهم
( بما لا تهوى أنفسهم )
بما يخالف هواهم ويضاد شهواتهم من مشاق التكليف والعمل بالشرائع
فإن قلت أين جواب الشرط فإن قوله
) فريقا كذبوا وفريقا يقتلون (
ناب عن الجواب لأن الرسول الواحد لا يكون فريقين ولأنه يحسن ان تقول إن أكرمت أخي أخاك أكرمت قلت هو محذوف يدل عليه قوله
) فريقا كذبوا وفريقا يقتلون (
كأنه قيل كلما جاءهم رسول منهم ناصبوه وقوله
) فريقا كذبوا (
جواب مستأنف لقائل يقول كيف فعلوا برسلهم فإن قلت لم جيء بأحد الفعلين ماضيا وبالآخر مضارعا قلت جيء يقتلون على حكاية الحال الماضية استفظاعا للقتل واستحضارا لتلك الحال الشنيعة للتعجب منها
قرىء أن لا يكون بالنصب على الظاهر وبالرفع عن ( ان ) هي المخففة من الثقيلة أصله ان لا يكون فتنة فخففت ( أن ) وحذف ضمير الشان
المائدة 71
المائدة : ( 71 ) وحسبوا ألا تكون . . . . .

" صفحة رقم 695 "
صفحة فارغة

" صفحة رقم 696 "
فإن قلت كيف دخل فعل الحسبان على ( أن ) التى للتحقيق قلت نزل حسبانهم لقوته في صدورهم منزلة العلم فإن قلت فأين مفعولا حسب قلت سد ما يشتمل عليه صلة ان وان من المسند والمسند اليه مسد المفعولين والمعنى وحسب بنو إسرائيل أنه لا يصيبهم من الله فتنة أي بلاء وعذاب في الدنيا والاخرة
) فعموا (
عن الدين
) وصموا (
حين عبدوا العجل ثم تابوا عن عبادة العجل ف
) تاب الله عليهم ثم عموا وصموا (
كره ثانية بطلبهم المحال غير المعقول في صفات الله وهو الرؤية وقرىء ( عموا وصموا ) بالضم على تقدير عماهم الله وصمهم أي رماهم وضربهم بالعمى والصمم كما يقال نزكته اذا ضربته بالنيزك وركبته إذا ضربته بركبتك
) كثير منهم (
بدل من الضمير أو على قولهم اكلوني البراغيث أو هو خبر مبتدا محذوف أي اولئك كثير منهم
المائدة 72
المائدة : ( 72 ) لقد كفر الذين . . . . .
لم يفرق عيسى عليه الصلاة والسلام بينه وبينهم في انه عبد مربوب كمثلهم وهو احتجاج على النصارى
) إنه من يشرك بالله (
في عبادته أو فيما هو مختص به من صفاته أو أفعاله
) فقد حرم الله عليه الجنة (
التي هي دار الموحدين أي حرمه دخولها ومنعه منه كما يمنع المحرم من المحرم عليه
) وما للظالمين من أنصار (
من كلام الله على انهم ظلموا وعدلوا عن سبيل الحق فيما يقولوا على عيسى عليه السلام فلذلك لم يساعدهم عليه ولم ينصر قولهم رده وأنكره وإن كانوا معظمين له بذلك ورافعين من مقداره أو من قول عيسى عليه السلام على معنى ولا ينصركم أحد فيما تقولون ولا يساعدكم عليه لاستحالته وبعده عن المعقول
أو ( لا ) ينصركم ناصر في الآخرة من عذاب الله
المائدة 73 - 74
المائدة : ( 73 - 75 ) لقد كفر الذين . . . . .

" صفحة رقم 697 "
من قوله
) وما من إله إلا إله واحد (
للاستغراق وهي القدرة مع ( لا ) التي لنفي الجنس في قولك لا إله إلا الله والمعنى وما إله قط في الوجود إلا إله موصوف بالوحدانية لا ثاني له وهو الله وحده لا شريك له و ( من ) في قوله
) ليمسن الذين كفروا منهم ( للبيان كالتي في قوله تعالى
) فاجتنبوا الرجس من الأوثان ( الحج 30 فإن قلت فهلا قيل وللكافرين عذاب اليم قلت في اقامة الظاهر مقام المضمر فائدة وهي تكرير الشهادة عليهم بالكفر في قوله
) لقد كفر الذين قالوا (
وفي البيان فائدة أخرى وهي الاعلام في تفسير ( والذين كفروا منهم ) أنهم بمكان من الكفر
والمعنى ليمسن الذين كفروا من النصارى خاصة
) عذاب أليم (
أي نوع شديد الألم من العذاب كما تقول اعطني عشرين من الثياب تريد من الثياب خاصة لا من غيرها من الأجناس التي يجوز أن يتناولها عشرون ويجوز ان تكون للتبعيض على معنى ليمسن الذين بقوا على الكفر منهم لأن كثيرا منهم تابوا من النصرانية
) أفلا يتوبون (
ألا يتوبون بعد هذه الشهادة المكررة عليهم بالكفر
وهذا الوعيد الشديد مما هم عليه وفيه تعجيب من إصرارهم
) والله غفور رحيم (
يغفر لهؤلاء ان تابوا ولغيرهم
) قد خلت من قبله الرسل (
صفة لرسول اي ما هو الا رسول من جنس الرسل الذين خلوا من قبله جاء بآيات من الله كما اتوا بامثالها ان أبرأ الله الأبرص وأحيا الموتى على يده فقد أحيا العصا وجعلها حية تسعى وفلق بها البحر وطمس على يد موسى
وإن خلقه من غير ذكر فقد خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى
) وأمه صديقة (
أي وما امه أيضا الا كصديقة كبعض النساء المصدقات للأنبياء المؤمنات بهم فما منزلتهما الا منزلة بشرين أحدهما نبي والاخر صحابي
فمن اين اشتبه عليكم امرهما حتى وصفتموهما بما لم يوصف به سائر الانبياء وصحابتهم مع انه لا تميز ولا تفاوت بينهما وبينهم بوجه من الوجوه
ثم صرح ببعدهما عما نسب اليهما في قوله
) كانا يأكلان الطعام (
لأن من احتاج إلى الاغتذاء بالطعام وما يتبعه من الهضم والنفض لم يكن الا جسما مركبا من عظم ولحم وعروق وأعصاب وأخلاط وامزجة مع شهوة وقرم وغير ذلك مما يدل على انه مصنوع مؤلف مدبر كغيره من الأجسام
) كيف نبين لهم الآيات (
أي الأعلام من الأدلة الظاهرة على بطلان قولهم
) أنى يؤفكون (
كيف

" صفحة رقم 698 "
يصرفون عن استماع الحق وتأمله
فإن قلت ما معنى التراخي في قوله ثم انظر قلت معناه ما بين العجبين يعني انه بين لهم الآيات بيانا عجيبا وان أعراضهم عنها أعجب منه
المائدة 76
المائدة : ( 76 ) قل أتعبدون من . . . . .
) ما لا يملك (
هو عيسى أي شيئا لا يستطيع ان يضركم بمثل ما يضركم به الله من البلايا والمصائب في الأنفس والأموال ولا أن ينفعكم بمثل ما ينفعكم به من صحة الأبدان والسعة والخصب ولأن كل ما يستطيعه البشر من المضار والمنافع فبإقدار الله وتمكينه فكانه لا يملك منه شيئا
وهذا دليل قاطع على ان أمره مناف للربوبية حيث جعله لا يستطيع ضرا ولا نفعا
وصفة الرب ان يكون قادرا على كل شيء لا يخرج مقدور على قدرته
) والله هو السميع العليم (
متعلق ب ( أتعبدون ) أي أتشركون بالله ولا تخشونه وهو الذي يسمع ما تقولون ويعلم ما تعتقدون أو اتعبدون العاجز والله هو السميع العليم الذي يصح منه أن يسمع كل مسموع ويعلم كل معلوم ولن يكون كذلك الا وهو حي قادر
المائدة 7
المائدة : ( 77 ) قل يا أهل . . . . .
) غير الحق (
صفة للمصدر أي لا تغلوا في دينكم غلوا غير الحق أي غلوا

" صفحة رقم 699 "
باطلا لأن الغلو في الدين غلوان غلو حق وهو ان يفحص عن حقائقه ويفتش عن أباعد معانيه ويجتهد في تحصيل حججه كما يفعل المتكلمون من اهل العدل والتوحيد رضوان الله عليهم
وغلو باطل وهو ان يتجاوز الحق ويتخطاه بالإعراض عن الأدلة واتباع الشبه كما يفعل اهل الأهواء والبدع
" قد ضلوا من قبل هم أئمتهم في النصرانية كانوا على الضلال قبل مبعث النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأضلوا كثيرا "
ممن شايعهم على التثليث
) وضلوا (
لما بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
) عن سواء السبيل (
حين كذبوه وحسدوه وبغوا عليه
المائدة 78 - 81
المائدة : ( 78 ) لعن الذين كفروا . . . . .
نزل الله لعنهم في الزبور
) على لسان داود ( وفي الانجيل على لسان عيسى
وقيل ان اهل أيلة لما اعتدوا في السبت قال داود عليه السلام اللهم العنهم واجعلهم آية
فمسخوا قردة ولما كفر أصحاب عيسى عليه السلام بعد المائدة قال عيسى عليه السلام اللهم عذب من كفر بعد ما اكل من المائدة عذابا لم تعذبه أحدا من العالمين والعنهم كما لعنت أصحاب السبت فأصبحوا خنازير وكانوا خمسة آلاف رجل وما فيهم امرأة ولا صبي
) ذلك بما عصوا (
أي لم يكن ذلك اللعن الشنيع الذي كان سبب المسخ الا لأجل المعصية والاعتداء لا لشيء آخر ثم فسر المعصية والاعتداء بقوله
" كانوا لا يتناهون لا ينهى بعضهم بعضا عن منكر فعلوه ثم قال لبئس ما كانوا يفعلون "
للتعجيب من سوء فعلهم مؤكدا لذلك بالقسم فيا حسرة على المسلمين في اعراضهم عن باب التناهي عن المناكير وقله عبثهم به كأنه ليس من ملة الإسلام في شيء مع ما يتلون من كلام الله وما فيه من المبالغات في هذا الباب
فإن قلت

" صفحة رقم 700 "
كيف وقع ترك التناهي عن المنكر تفسيرا للمعصية والاعتداء قلت من قبل أن الله تعالى أمر بالتناهي فكان الإخلال به معصية وهو اعتداء لأن في التناهي حسما للفساد فكان تركه على عكسه
فإن قلت ما معنى وصف المنكر بفعلوه ولا يكون النهي بعد الفعل قلت معناه لا يتناهون عن معاودة منكر فعلوه أو عن مثل منكر فعلوه أو عن منكر أرادوا فعله كما ترى امارات الخوض في الفسق وآلاته تسوى وتهيأ فتنكر
ويجوز ان يراد لا ينتهون ولا يمتنعون عن منكر فعلوه بل يصبرون عليه ويداومون على فعله
يقال تناهى عن الأمر وانتهى عنه اذا امتنع منه وتركه
) ترى كثيرا منهم (
هم منافقو اهل الكتاب كانوا يوالون المشركين ويصافونهم
) أن سخط الله عليهم (
هو المخصوص بالذم ومحله الرفع كانه قيل لبئس زادهم إلى الآخرة سخط الله عليهم
والمعنى موجب سخط الله
) ولو كانوا يؤمنون (
إيمانا خالصا غير نفاق ما اتخذوا المشركين
) أولياء (
يعني ان موالاة المشركين كفي بها دليلا على نفاقهم وان إيمانهم ليس بإيمان
) ولكن كثيرا منهم فاسقون (
متمردون في كفرهم ونفاقهم وقيل معناه ولو كانوا يؤمنون بالله وموسى كما يدعون ما اتخذوا المشركين اولياء كما لم يوالهم المسلمون
المائدة 82 - 86
المائدة : ( 82 ) لتجدن أشد الناس . . . . .
وصف الله شدة شكيمة اليهود وصعوبة اجابتهم إلى الحق ولين عريكة النصارى

" صفحة رقم 701 "
وسهولة ارعوائهم وميلهم إلى الإسلام وجعل اليهود قرناء المشركين في شدة العداوة للمؤمنين بل نبه على تقدم قدمهم فيها بتقديمهم على الذين اشركوا وكذلك فعل في قوله
) ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا ( البقرة 96 ولعمري إنهم لكذلك وأشد
وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
362 ( ما خلا يهوديان بمسلم الا هما بقتله )
ضعيف جدا وعلل سهولة مأخذ النصارى وقرب مودتهم للمؤمنين
) بأن منهم قسيسين ورهبانا (
أي علماء وعبادا
) وأنهم (
قوم فيهم تواضع واستكانة ولا كبر فيهم واليهود على خلاف ذلك وفيه دليل بين على ان التعلم انفع شيء واهداه إلى الخير وأدله على الفوز حتى علم القسيسين وكذلك غم الاخرة والتحدث بالعاقبة وان كان في راهب والبراءة من الكبر وان كانت في نصراني
ووصفهم الله برقة القلوب وانهم يبكون عند استماع القرآن وذلك نحو ما يحكى عن النجاشي رضي الله عنه أنه قال لجعفر بن أبي طالب حين اجتمع في مجلسه المهاجرون إلى الحبشة والمشركون لعنوا وهم يغرونه عليهم ويتطلبون عنتهم عنده هل في كتابكم ذكر مريم قال جعفر فيه سورة تنسب اليها فقرأها إلى قوله
" ذالك عيسى بن مريم " مريم وقرأ سورة طه إلى قوله
) وهل أتاك حديث موسى ( طه 9 فبكى النجاشي وكذلك فعل قومه الذين وفدوا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهم سبعون رجلا حين قرأ عليهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سورة يس
فبكوا فإن قلت بم تعلقت اللام في قوله
) للذين آمنوا (
قلت بعداوة ومودة على ان عداوة اليهود التي اختصت المؤمنين أشد

" صفحة رقم 702 "
العداوات واظهرها وان مودة النصارى التى اختصت المؤمنين أقرب المودات وادناها وجودا وأسهلها حصولا
ووصف اليهود بالعداوة والنصارى بالمودة مما يؤذن بالتفاوت ثم وصف العداوة والمودة بالأشد والأقرب
فإن قلت ما معنى قوله
) تفيض من الدمع (
قلت معناه تمتلىء من الدمع حتى تفيض لأن الفيض أن يمتلىء الإناء أو غيره حتى يطلع ما فيه من جوانبه فوضع الفيض الذي هو من الامتلاء موضع الامتلاء وهو من اقامة المسبب مقام السبب أو قصدت المبالغة في وصفهم بالبكاء فجعلت أعينهم كأنها تفيض بأنفسها أي تسيل من الدمع من اجل البكاء من قولك دمعت عينه دمعا فإن قلت أي فرق بين من ومن في قوله
) مما عرفوا من الحق (
قلت الأولى لابتداء الغاية على ان فيض الدمع ابتدأ ونشأ من معرفة الحق وكان من أجله وبسببه
والثانية لتبيين الموصول الذي هو ما عرفوا
وتحتمل معنى التبعيض على انهم عرفوا بعض الحق فأبكاهم وبلغ منهم فكيف اذا عرفوه كله وقرءوا القرآن وأحاطوا بالسنة وقرىء ( ترى أعينهم ) على البناء للمفعول
" ربنا ءامنا "
المراد به انشاء الايمان والدخول فيه
) فاكتبنا مع الشاهدين (
مع امة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) الذين هم شهداء على سائر الأمم يوم القيامة لتكونوا شهداء على الناس البقرة وقالوا ذلك لأنهم وجدوا ذكرهم في الانجيل كذلك
) وما لنا لا نؤمن بالله (
إنكار استبعاد لانتفاء الإيمان مع قيام موجبه وهو الطمع في إنعام الله عليهم بصحبة الصالحين وقيل لما رجعوا إلى قومهم لاموهم فأجابوهم بذلك
أو أرادوا وما لنا لا نؤمن بالله وحده لأنهم كانوا مثلثين وذلك ليس بإيمان بالله ومحل ( لا نؤمن )
النصب على الحال بمعني غير مؤمنين كقولك مالك قائما والواو في ( ونطمع ) واو الحال
فإن قلت ما العامل في الحال

" صفحة رقم 703 "
الأولى والثانية قلت العامل في الأولى ما في اللام من معنى الفعل كانه قيل أي شيء حصل لنا غير مؤمنين وفي الثانية معنى هذا الفعل ولكن مقيدا بالحال الأولى لأنك لو أزلتها وقلت وما لنا ونطمع لم يكن كلاما
ويجوز ان يكون ( ونطمع ) حالا من لا نؤمن على انهم أنكروا على نفوسهم أنهم لا يوحدون الله ويطمعون مع ذلك ان يصحبوا الصالحين وان يكون معطوفا على لا نؤمن على معنى وما لنا نجمع بين التثليث وبين الطمع في صحبة الصالحين أو على معنى وما لنا لا نجمع بينهما بالدخول في الإسلام لأن الكافر ما ينبغي له ان يطمع في صحبة الصالحين
قرأ الحسن ( فآتاهم )
) بما قالوا (
بما تكلموا به عن اعتقاد واخلاص من قولك هذا قول فلان اي اعتقاده وما يذهب اليه
المائدة 87 - 88
المائدة : ( 87 - 88 ) يا أيها الذين . . . . .
" طيبات ما احل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذى أنتم به مؤمنون طيبات ما أحل الله لكم "
ما طاب ولذ من الحلال
ومعنى
) لا تحرموا (
لا تمنعوها انفسكم كمنع التحريم أو لا تقولوا حرمناها على انفسنا مبالغة منكم في العزم على تركها تزهدا منكم وتقشفا وروي
363 ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وصف القيامة يوما لأصحابه فبالغ وأشبع الكلام في الإنذار فرقوا واجتمعوا في بيت عثمان بن مظعون واتفقوا على ان لا يزالوا صائمين قائمين وان لا يناموا على الفرش ولا ياكلوا اللحم والودك ولا يقربوا النساء والطيب ويرفضوا الدنيا ويلبسوا المسوح ويسيحوا في الأرض ويجبوا مذاكيرهم فبلغ ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال لهم ( إني لم أومر بذلك إن لأنفسكم عليكم حقا فصوموا وأفطروا وقوموا وناموا فإني أقوم وانام وأصوم وأفطر وآكل اللحم والدسم وآتي النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني )
ذكره الواحدي في الاسباب 411 بدون سند واخردجه الطبري 12348 عن قتادة و 12349 عن ونزلت وروي
364 ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان ياكل الدجاج والفالوذ وكان يعجبه الحلواء

" صفحة رقم 704 "
والعسل
وقال ( إن المؤمن حلو يحب الحلاوة )
هو منتزع من احاديث اكل الدجاج فقد جاء في صحيح البخاري وعن ابن مسعود ان رجلا قال له اني حرمت الفراش فتلا هذه الآية وقال نم على فراشك وكفر عن يمينك
وعن الحسن انه دعي إلى طعام ومعه فرقد السنجي وأصحابه فقعدوا على المائدة وعليها الألوان من الدجاج المسمن والفالوذ وغير ذلك فاعتزل فرقد ناحية فسأل الحسن أهو صائم قالوا لا ولكنه يكره هذه الألوان
فأقبل الحسن عليه وقال يا فريقد اترى لعاب

" صفحة رقم 705 "
النحل بلباب البر بخالص السمن يعيبه مسلم
وعنه انه قيل له فلان لا يأكل الفالوذ ويقول لا أودي شكره
قال أفيشرب الماء البارد قالوا نعم قال إنه جاهل إن نعمة الله عليه في الماء البارد أكثر من نعمته عليه في الفالوذ
وعنه إن الله تعالى أدب عباده فأحسن أدبهم
قال الله تعالى
) لينفق ذو سعة من سعته (
الطلاق 7 ما عاب الله قوما وسع عليهم الدنيا فتنعموا واطاعوا ولا عذر قوما زواها عنهم فعصوه
) ولا تعتدوا (
ولا تتعدوا حدود ما احل الله لكم إلى ما حرم عليكم
أو ولا تسرفوا في تناول الطيبات أو جعل تحريم الطيبات اعتداء وظلما فنهى عن الاعتداء ليدخل تحته النهي عن تحريمها دخولا أوليا لوروده على عقبه أو أراد ولا تعتدوا بذلك
" وكلوا مما رزقكم الله أي "
من الوجوه الطيبة التى تسمى رزقا
) حلالا (
حال مما رزقكم الله
) واتقوا الله (
تأكيد للتوصية بما امر به وزاده تاكيدا بقوله
) الذي أنتم به مؤمنون (
لأن الإيمان به يوجب التقوى في الانتهاء إلى ما امر به وعما نهى عنه
المائدة 89
المائدة : ( 89 ) لا يؤاخذكم الله . . . . .
اللغو في اليمين الساقط الذي لا يتعلق به حكم واختلف فيه فعن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عنه فقالت هو قول الرجل ( لا والله بلى والله ) وهو مذهب الشافعي
وعن مجاهد هو الرجل يحلف على الشيء يرى انه كذلك وليس كما ظن وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله بما عقدتم الايمان بتعقيدكم الأيمان وهو توثيقها بالقصد والنية
وروي ان الحسن رضي الله عنه سئل عن لغو اليمين وكان عنده الفرزدق فقال يا أبا سعيد دعني اجب عنك فقال
( ولست بمأخوذ بلغو تقوله اذا لم تعمد عاقدات العزائم )

" صفحة رقم 706 "
وقرىء ( عقدتم ) بالتخفيف ( وعاقدتم )
والمعنى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم اذا حنثتم فحذف وقت المؤاخذه لأنه كان معلوما عندهم أو بنكث ما عقدتم فحذف المضاف
) فكفارته (
فكفارة نكثه
والكفارة الفعلة التى من شانها ان تكفر الخطيئة أي تسترها
) من أوسط ما تطعمون (
من أقصده لأن منهم من يسرف في اطعام أهله ومنهم من يقتر وهو عند أبي حنيفة رحمه الله نصف صاع من بر أو صاع من غيره لكل مسكين أو يغديهم ويعشيهم
وعند الشافعي رحمه الله مد لكل مسكين
وقرا جعفر بن محمد ( أهاليكم ) بسكون الياء والأهالي اسم جمع لأهل كالليالي في جمع ليلة والأراضي في جمع أرض
وقولهم ( أهلون ) كقولهم ( أرضون ) بسكون الراء
واما تسكين الياء في حال النصب فللتخفيف كما قالوا رأيت معد يكرب تشبيها للياء بالألف
) أو كسوتهم (
عطف على محل ( من اوسط ) وقرىء بضم الكاف ونحوه قدوة في قدوة وأسوة في أسوة والكسوة ثوب يغطي العورة وعن ابن عباس رضي الله عنه كانت العباءة تجزىء يومئذ وعن ابن عمر إزار أو قميص أو رداء أو كساء
وعن مجاهد ثوب جامع
وعن الحسن ثوبان أبيضان
وقرأ سعيد بن المسيب واليماني ( أو كأسوتهم ) بمعنى أو مثل ما تطعمون أهليكم اسرافا كان أو تقتيرا
لا تنقصونهم عن مقدار نفقتهم ولكن تواسون بينهم وبينهم فإن قلت ما محل الكاف قلت الرفع تقديره أو اطعامهم كأسوتهم بمعنى كمثل طعامهم ان لم يطعموهم الأوسط
) أو تحرير رقبة (
شرط الشافعي رحمه الله الإيمان قياسا على كفارة القتل
واما أبو حنيفة وأصحابه فقد جوزوا تحرير الرقبة الكافرة في كل كفارة سوى كفارة القتل
فإن قلت ما معنى أو قلت التخيير وايجاب احدي الكفارات الثلاث على الإطلاق بأيتها أخذ المكفر فقد أصاب
) فمن لم يجد (
إحداها
) فصيام ثلاثة أيام (
متتابعات عند أبي حنيفة رحمه الله تمسكا بقراءة أبي وابن مسعود رضي الله عنهما ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات )
وعن مجاهد كل صوم متتابع الا قضاء رمضان ويخير في كفارة اليمين
) ذلك (
المذكور
) كفارة أيمانكم (
ولو قيل تلك كفارة أيمانكم لكان صحيحا بمعنى تلك

" صفحة رقم 707 "
الأشياء أو لتأنيث الكفارة
والمعنى
) إذا حلفتم (
وحنثتم فترك ذكر الحنث لوقوع العلم بان الكفارة انما تجب بالحنث في الحلف لا بنفس الحلف والتكفير قبل الحنث لا يجوز عند أبي حنيفة واصحابه ويجوز عند الشافعي بالمال اذا لم يعص الحانث
) واحفظوا أيمانكم ( فبروا فيها ولا تحنثوا أراد الأيمان التي الحنث فيها معصية لأن الأيمان اسم جنس يجوز اطلاقه على بعض الجنس وعلى كله
وقيل احفظوها بان تكفروها وقيل احفظوها كيف حلفتم بها ولا تنسوها تهاونا بها
) كذلك (
مثل ذلك البيان
) يبين الله لكم آياته (
أعلام شريعته واحكامه
) لعلكم تشكرون (
نعمته فيما يعلمكم ويسهل عليكم المخرج منه
المائدة 90 - 91
المائدة : ( 90 ) يا أيها الذين . . . . .
أكد تحريم الخمر والميسر وجوها من التأكيد منها تصدير الجملة بإنما ومنها انه قرنهما بعبادة الأصنام ومنه قوله عليه الصلاة والسلام
365 ( شارب الخمر كعابد الوثن )
أخرجه البزار 2925 كشف من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وقال الهيثمي في المجمع

" صفحة رقم 708 "
) فاجتنبوا الرجس من الأوثان ( الحج 30 ومنها أنه جعلهما من عمل الشيطان والشيطان لا يأتي منه الا الشر البحت ومنها انه امر بالاجتناب
ومنها أنه جعل الاجتناب من الفلاح واذا كان الاجتناب فلاحا كان الارتكاب خيبة ومحقة
ومنها أنه ذكر ما ينتج منهما من الوبال وهو وقوع التعادي والتباغض من اصحاب الخمر والقمر وما يؤديان اليه من الصد عن ذكر الله وعن مراعاة اوقات الصلاة وقوله
) فهل أنتم منتهون (
من أبلغ ما ينهى عنه كانه قيل قد تلى عليكم ما فيهما من انواع الصوارف والموانع فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون
أم أنتم على ما كنتم عليه كان لم توعظوا ولم تزجروا فإن قلت إلام يرجع الضمير في قوله
) فاجتنبوه (
قلت إلى المضاف المحذوف كانه قيل إنما شأن الخمر والميسر أو تعاطيهما أو ما أشبه ذلك
ولذلك قال
) رجس من عمل الشيطان (
فإن قلت لم جمع الخمر والميسر مع الأنصاب والأزلام اولا ثم افردهما آخرا قلت لأن الخطاب مع المؤمنين
وإنما نهاهم عما كانوا يتعاطونه من شرب الخمر واللعب بالميسر وذكر الأنصاب والأزلام لتأكيد تحريم الخمر والميسر وإظهار أن ذلك جميعا من اعمال الجاهلية واهل الشرك فوجب اجتنابه بأسره وكانه لا مباينة بين من عبد صنما وأشرك بالله في علم الغيب وبين من شرب خمرا أو قامر ثم أفردهما بالذكر ليرى ان المقصود بالذكر الخمر والميسر
وقوله
) وعن الصلاة (
اختصاص للصلاة من بين الذكر كأنه قيل وعن الصلاة خصوصا
المائدة 92
المائدة : ( 92 ) وأطيعوا الله وأطيعوا . . . . .
) واحذروا (
فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين واحذروا وكونوا حذرين خاشين لأنهم اذا حذروا دعاهم الحذر إلى اتقاء كل سيئة وعمل كل حسنة
ويجوز أن يراد واحذروا ما عليكم في الخمر والميسر أو في

" صفحة رقم 709 "
ترك طاعة الله والرسول
) فإن توليتم فاعلموا (
أنكم لم تضروا بتوليكم الرسول لأن الرسول ما كلف الا بالبلاغ المبين بالآيات وإنما ضررتم انفسكم حين اعرضتم عما كلفتم
المائدة 93
المائدة : ( 93 ) ليس على الذين . . . . .
رفع الجناح عن المؤمنين في أي شيء طعموه من مستلذات المطاعم ومشتهياتها
) إذا ما اتقوا (
ما حرم عليهم منها
" وءامنوا "
وثبتوا على الإيمان والعمل الصالح وازدادوه
" ثم اتقوا وءامنوا "
ثم ثبتوا على التقوى والإيمان
) ثم اتقوا وأحسنوا (
ثم ثبتوا على اتقاء المعاصي واحسنوا أعمالهم أو احسنوا إلى الناس واسوهم بما رزقهم الله من الطيبات
وقيل
366 لما نزل تحريم الخمر قالت الصحابة يا رسول الله فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ويأكلون مال الميسر فنزلت
أخرجه أحمد 2 351 من حديث أبي هريرة بأتم منه وقال الهيثمي في المجمع 8075 أبو
يعني أن المؤمنين لا جناح عليهم في أي شيء طعموه من المباحات اذا ما اتقوا المحارم ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا على معنى أن أولئك كانوا على هذه الصفة ثناء عليهم وحمدا لأحوالهم في الإيمان والتقوى والإحسان
ومثاله ان يقال لك هل على زيد فيما فعل جناح فتقول وقد علمت ان ذلك أمر مباح ليس على أحد جناح في المباح إذا اتقى المحارم وكان مؤمنا محسنا تريد ان زيدا تقي مؤمن محسن وانه غير مؤاخذ بما فعل
المائدة 94
المائدة : ( 94 ) يا أيها الذين . . . . .

" صفحة رقم 710 "
نزلت عام الحديبية ابتلاهم الله بالصيد وهم محرمون وكثر عندهم حتى كان يغشاهم في رحالهم فيستمكنون من صيده أخذا بايديهم وطعنا برماحهم
) ليعلم الله من يخافه بالغيب (
ليتميز من يخاف عقاب الله وهو غائب منتظر في الآخرة فيتقي الصيد ممن لا يخافه فيقدم عليه
) فمن اعتدى (
فصاد
) بعد ذلك (
الابتلاء فالوعيد لاحق به
فإن قلت ما معنى التقليل والتصغير في قوله
" بشيء من الصيد "
قلت قلل وصغر ليعلم انه ليس بفتنة من الفتن العظام التى تدحض عندها أقدام الثابتين كالابتلاء ببذل الأرواح والأموال وإنما هو شبيه بما ابتلى به اهل أيلة من صيد السمك وانهم اذا لم يثبتوا عنده فكيف شأنهم عند ما هو اشد منه وقرأ إبراهيم يناله بالياء
المائدة 95
(
المائدة : ( 95 ) يا أيها الذين . . . . .
حرم )
محرمون جمع حرام كردح في جمع رداح والتعمد ان يقتله وهو ذاكر لاحرامه أو عالم ان ما يقتله مما يحرم عليه قتله فإن قتله وهو ناس لإحرامه أو رمى صيدا وهو يظن أنه ليس بصيد فإذا هو صيد أو قصد برميه غير صيد فعدل السهم عن رميته فاصاب صيدا فهو مخطىء فإن قلت فمحظورات الاحرام يستوي فيها العمد والخطأ فما بال التعمد مشروطا في الآية قلت لأن مورد الآية فيمن تعمد فقد روي

" صفحة رقم 711 "
أنه عن لهم في عمرة الحديبية حمار وحش فحمل عليه أبو اليسر فطعنه برمحه فقتله فقيل له انك قتلت الصيد وأنت محرم فنزلت ولأن الأصل فعل التعمد والخطا لاحق به للتغليظ
ويدل عليه قوله تعالى
) ليذوق وبال أمره (
) ومن عاد فينتقم الله منه ( وعن الزهري نزل الكتاب بالعمد ووردت السنة بالخطأ وعن سعيد بن جبير لا أرى في الخطا شيئا أخذا باشتراط العمد في الآية
وعن الحسن روايتان
) فجزاء مثل ما قتل ( برفع جزاء ومثل جميعا بمعنى فعليه جزاء يماثل ما قتل من الصيد وهو عند أبي حنيفة قيمة المصيد يقوم حيث صيد
فإن بلغت قيمته ثمن هدى تخير بين ان يهدي من النعم ما قيمته قيمة الصيد وبين ان يشترى بقيمته طعاما فيعطي كل مسكين نصف صاع من بر أو صاع من غيره وان شاء صام عن طعام كل مسكين يوما فإن فضل ما لا يبلغ طعام مسكين صام عنه يوما أو تصدق به
وعند محمد والشافعي رحمهما الله مثله نظيره من النعم فإن لم يوجد له نظير من النعم عدل إلى قول أبي حنيفة رحمه الله
فإن قلت فما يصنع من يفسر المثل بالقيمة بقوله
) من النعم (
وهو تفسير للمثل وبقوله
) هديا بالغ الكعبة ( قلت قد خير من أوجب القيمة بين ان يشتري بها هديا أو طعاما أو يصوم كما خير الله تعالى في الآية فكان قوله
) من النعم (
بيانا للهدى المشترى بالقيمة في أحد وجوه التخيير لأن من قوم الصيد واشترى بالقيمة هديا فأهداه فقد جزي بمثل ما قتل من النعم
على ان التخيير الذي هو في الآية بين ان يجزي بالهدى أو يكفر بالاطعام أو بالصوم إنما يستقيم استقامة ظاهرة بغير تعسف اذا قوم ونظر بعد التقويم اي الثلاثة يختار فاما اذا عمد إلى النظير وجعله الواجب وحده من غير تخيير فإذا كان شيئا لا نظير له قوم حينئذ ثم يخير بين الاطعام والصوم ففيه نبو عما في الآية الا ترى إلى قوله تعالى
) أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ( كيف خير بين الأشياء الثلاثة ولا سبيل إلى ذلك الا بالتقويم
وقرأ عبد الله فجزاؤه مثل ما قتل وقرىء فجزاء مثل ما قتل على الاضافة وأصله فجزاء مثل ما قتل بنصب مثل بمعنى فعليه أن يجزى مثل ما قتل ثم أضيف كما تقول عجبت من ضرب زيد وقرأ السلمي على الأصل وقرا محمد بن مقاتل فجزاء مثل ما قتل بنصبهما بمعنى فليجز جزاء مثل ما قتل
وقرا الحسن من النعم بسكون العين استثقل الحركة على حرف الحلق فسكنه
) يحكم به (
بمثل ما قتل
) ذوا عدل منكم (
حكمان عادلان من المسلمين قالوا وفيه دليل على ان المثل القيمة لأن التقويم مما يحتاج إلى النظر والاجتهاد دون الاشياء المشاهدة
وعن قبيصة انه أصاب ظبيا وهو محرم فسال عمر فشاور عبد الرحمن بن عوف ثم امره بذبح شاة فقال قبيصة لصاحبه والله ما علم أمير

" صفحة رقم 712 "
المؤمنين حتى سأل غيره فأقبل عليه ضربا بالدرة وقال أتغمص الفتيا وتقتل الصيد وانت محرم
قال الله تعالى
) يحكم به ذوا عدل منكم (
فأنا عمر وهذا عبد الرحمن
وقرأ محمد بن جعفر ( ذو عدل منكم ) أراد يحكم به من يعدل منكم ولم يرد الوحدة
وقيل أراد الامام ( هديا )
حال عن جزاء فيمن وصفه بمثل لأن الصفة خصصته فقربته من المعرفة أو بدل عن مثل فيمن نصبه أو عن محله فيمن جره
ويجوز ان ينتصب حالا عن الضمير في به
ووصف هديا ب
) بالغ الكعبة (
لأن اضافته غير حقيقية
ومعنى بلوغه الكعبة ان يذبح بالحرم فاما التصدق به فحيث شئت عند أبي حنيفة وعند الشافعي في الحرم
فإن قلت بم يرفع
) كفارة ( من ينصب جزاء قلت يجعلها خبر مبتدا محذوف كانه قيل أو الواجب عليه كفارة أو يقدر فعليه ان يجزي جزاء أو كفارة
فيعطفها على ان يجزي وقرىء أو كفارة طعام مساكين على الاضافة وهذه الإضافة مبينة كانه قيل أو كفارة من طعام مساكين كقولك خاتم فضة بمعنى خاتم من فضة
وقرا الأعرج أو كفارة طعام مسكين وانما وحد لأنه واقع موقع التبيين فاكتفى بالواحد الدال على الجنس وقرىء أو عدل ذلك بكسر العين والفرق بينهما أن عدل الشيء ما عادله من غير جنسه كالصوم والاطعام
وعدله ما عدل به في المقدار ومنه عدلا الحمل لأن كل واحد منهما عدل بالآخر حتى اعتدلا كانه المفتوح تسمية المصدر والمكسور بمعنى المفعول به كالذبح ونحوه ونحوهما الحمل والحمل
و
) ذلك (
اشارة إلى الطعام
" وصياما "
تمييز للعدل كقولك لي مثله رجلا
والخيار في ذلك إلى قاتل الصيد عند أبي حنيفة وأبي يوسف وعند محمد إلى الحكمين صياما
) ليذوق (
متعلق بقوله ( فجزاء ) أي فعليه ان يجازى أو يكفر ليذوق سوء عاقبة هتكه لحرمة الاحرام
والوبال المكروه والضرر الذي يناله في العاقبة من عمل سوء لثقله عليه كقوله تعالى
) فأخذناه أخذا وبيلا ( المزمل 16 ثقيلا
والطعام الوبيل الذي يثقل على المعدة فلا يستمرأ
) عفا الله عما سلف (
لكم من الصيد في حال الاحرام قبل أن تراجعوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتسالوه عن جوازه
وقيل عما سلف لكم في الجاهلية منه لأنهم كانوا متعبدين بشرائع من قبلهم وكان الصيد فيها محرما
) ومن عاد (
إلى قتل الصيد وهو محرم بعد نزول النهي
) فينتقم الله منه (
ينتقم خبر مبتدأ محذوف تقديره
فهو ينتقم منه ولذلك دخلت الفاء ونحوه فمن يؤمن بربه فلا يخاف الحجر يعني ينتقم منه في الآخرة واختلف في وجوب الكفارة على العائد فعن عطاء وابراهيم وسعيد بن جبير والحسن وجوبها وعليه عامة العلماء وعن ابن عباس وشريح أنه لا كفارة عليه تعلقا بالظاهر وانه لم يذكر الكفارة

" صفحة رقم 713 "
المائدة 96
المائدة : ( 96 ) أحل لكم صيد . . . . .
( صيد البحر )
مصيدات البحر مما يؤكل وما لا يؤكل
) وطعامه (
وما يطعم من صيده والمعنى احل لكم الانتفاع بجميع ما يصاد في البحر واحل لكم اكل الماكول منه وهو السمك وحده عند أبي حنيفة وعند ابن أبي ليلى جميع ما يصاد منه على ان تفسير الآية عنده احل لكم صيد حيوان البحر وان تطعموه
) متاعا لكم (
مفعول له أي احل لكم تمتيعا لكم وهو في المفعول له بمنزلة قوله تعالى
) ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة ( الأنبياء 72 في باب الحال لأن قوله
) متاعا لكم (
مفعول له مختص بالطعام كما ان نافلة الحال مختصة بيعقوب يعني احل لكم طعامه تمتيعا لتنائكم ياكلونه طريا ولسيارتكم يتزودونه قديدا كما تزود موسى عليه السلام الحوت في مسيره إلى الخضر عليهما السلام
وقرىء ( وطعمه ) وصيد البر ما صيد فيه وهو ما يفرخ فيه وان كان يعيش في الماء في بعض الأوقات كطير الماء عند أبي حنيفة واختلف فيه فمنهم من حرم على المحرم كل شيء يقع عليه اسم الصيد وهو قول عمر وابن عباس وعن أبي هريرة وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير أنهم اجازوا للمحرم اكل ما صاده الحلال وان صاده لأجله اذا لم يدل ولم يشر وكذلك ما ذبحه قبل احرامه وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه رحمه الله وعند مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله لا يباح له ما صيد لأجله
فإن قلت ما يصنع أبو حنيفة بعموم قوله صيد البر قلت قد أخذ أبو حنيفة رحمه الله بالمفهوم من قوله
) وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما (
لأن ظاهره أنه صيد المحرمين دون صيد غيرهم لأنهم هم المخاطبون فكانه قيل وحرم عليكم ما صدتم في البر فيخرج منه مصيد غيرهم ومصيدهم حين كانوا غير محرمين ويدل عليه قوله تعالى
" يا أيها الذين ءامنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم " وقرأ ابن عباس رضي الله عنه ( وحرم عليكم صيد البر ) اي الله عز وجل وقرىء ( ما دمتم ) بكسر الدال

" صفحة رقم 714 "
فيمن يقول دام يدام
المائدة 97 - 98
المائدة : ( 97 - 98 ) جعل الله الكعبة . . . . .
" البيت الحرام ) عطف بيان على جهة المدح لا على جهة التوضيح كما تجيء الصفة كذلك ( قياما للناس ) انتعاشا لهم في امر دينهم ودنياهم ونهوضا إلى أغراضهم ومقاصدهم في معاشهم ومعادهم لما يتم لهم من امر حجهم وعمرتهم وتجارتهم وانواع منافعهم
وعن عطاء بن أبي رباح لو تركوه عاما واحدا لم ينظروا ولم يؤخروا
" والشهر الحرام "
الشهر الذي يؤدي فيه الحج وهو ذو الحجة لأن لاختصاصه من بين الأشهر باقامة موسم الحج فيه شأنا قد عرفه الله تعالى وقيل عنى به جنس الأشهر الحرم
" والهدى والقلائد "
والمقلد منه خصوصا وهو البدن لأن الثواب فيه اكثر وبهاء الحج معه اظهر
" ذلك "
اشارة إلى جعل الكعبة قياما للناس أو إلى ما ذكر من حفظ حرمة الاحرام بترك الصيد وغيره
" لتعلموا ان الله يعلم "
كل شيء وهو عالم بما يصلحكم وما ينعشكم مما امركم به وكلفكم
" شديد العقاب "
لمن انتهك محارمه

" صفحة رقم 715 "
) غفور رحيم (
لمن حافظ عليها
المائدة 99
المائدة : ( 99 ) ما على الرسول . . . . .
" ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ما على الرسول الا البلاغ "
تشديد في ايجاب القيام بما امر به وان الرسول قد فرغ مما وجب عليه من التبليغ وقامت عليكم الحجة ولزمتكم الطاعة فلا عذر لكم في التفريط
المائدة 100
المائدة : ( 100 ) قل لا يستوي . . . . .
البون بين الخبيث والطيب بعيد عند الله تعالى وان كان قريبا عندكم فلا تعجبوا بكثرة الخبيث حتى تؤثروه لكثرته على القليل الطيب فإن ما تتوهمونه في الكثرة من الفضل لا يوازي النقصان في الخبيث وفوات الطيب وهو عام في حلال المال وحرامه وصالح العمل وطالحه وصحيح المذاهب وفاسدها وجيد الناس ورديهم
) فاتقوا الله (
وآثروا الطيب وان قل على الخبيث وان كثر ومن حق هذه الآية أن تكفح بها وجوه المجبرة اذا افتخروا بالكثرة كما قيل
( وكاثر بسعد ان سعدا كثيرة ولا ترج من سعد وفاءا ولا نصرا )
وكما قيل

" صفحة رقم 716 "
لا يدهمنك من دهمائهم عدد
فإن جلهم بل كلهم بقر
وقيل نزلت في حجاج اليمامة حين اراد المسلمون ان يوقعوا بهم فنهوا عن الايقاع بهم وان كانوا مشركين
المائدة 101 - 102
المائدة : ( 101 ) يا أيها الذين . . . . .
الجملة الشرطية والمعطوفة عليها اعني قوله يأيها الذين ءامنوا لا تسألوا عن أشياء
) إن تبد لكم تسؤكم وإن (
صفة للأشياء والمعنى لا تكثروا مسألة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى تسألوه عن تكاليف شاقة عليكم وإن أفتاكم بها وكلفكم اياها تغمكم وتشق عليكم وتندموا على السؤال عنها وذلك نحو ما روي
367 ان سراقة بن مالك أو عكاشة بن محصن قال يا رسول الله الحج علينا كل عام فأعرض عنه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى أعاد مسالته ثلاث مرات فقال ( صلى الله عليه وسلم ) ( ويحك ما يؤمنك ان أقول نعم والله لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما استطعتم ولو تركتم لكفرتم فاتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على انبيائهم فإذا أمرتكم بأمر فخذوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه )
لم أره بهذا السياق وجاء في صحيح مسلم 1337 وابن حيان 3704 و 3705
" وإن تسئلوا عنها حين ينزل القرآن "
وإن تسألوا عن هذه التكاليف الصعبة في زمان الوحي

" صفحة رقم 717 "
وهو ما دام الرسول بين اظهركم يوحي اليه تبد لكم
تلك التكاليف الصعبة التي تسؤكم وتؤمروا بتحملها فتعرضون انفسكم لغضب الله بالتفريط فيها
) عفا الله عنها (
عفا الله عما سلف من مسألتكم فلا تعودوا إلى مثلها
) والله غفور رحيم (
يعالجكم فيما يفرط منكم بعقوبته
فإن قلت كيف قال
) لا تسألوا عن أشياء ( ثم قال
) قد سألها (
ولم يقل قد سأل عنها قلت الضمير في
) سألها (
ليس براجع إلى أشياء حتى تجب تعديته بعن وانما هو راجع إلى المسالة التى دل عليها
) لا تسألوا (
يعني قد سأل قوم هذه المسألة من الأولين
) ثم أصبحوا بها (
أي بمرجوعها أو بسببها
) كافرين (
وذلك ان بني اسرائيل كانوا يستفتون انبيائهم عن أشياء فإذا امروا بها تركوها فهلكوا
المائدة 103
المائدة : ( 103 ) ما جعل الله . . . . .
كان اهل الجاهلية اذا نتجت الناقة خمسة ابطن آخرها ذكر بحروا أذنها أي شقوها وحرموا ركوبها ولا تطرد عن ماء ولا مرعى واذا لقيها المعي لم يركبها
واسمها البحيره وكان يقول الرجل اذا قدمت من سفري أو برئت من مرضي فناقتي سائبة
وجعلها كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها
وقيل كان الرجل اذا اعتق عبدا قال هو سائبة فلا عقل بينهما ولا ميراث
واذا ولدت الشاة انثى فهي لهم وان ولدت ذكرا فهو لآلهتهم
فإن ولدت ذكرا وأنثى قالوا وصلت اخاها فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم
واذا نتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا من حمى ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا مرعى
ومعنى
) ما جعل (
ما شرع ذلك ولا أمر بالتبحير والتسبيب وغير ذلك ولكنهم بتحريمهم ما حرموا
) يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون (
فلا ينسبون التحريم إلى الله حتى يفتروا ولكنهم يقلدون في تحريمها كبارها
وإذا قيل لهم تعالوا إلى مآ أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه ءاباءنآ
" أولو كان ءاباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون
المائدة : ( 104 ) وإذا قيل لهم . . . . .
الواو في قوله " أولو كان إباؤهم "
واو الحال قد دخلت عليها همزة الانكار وتقديره احسبهم ذلك ولو كان آباؤهم
) لا يعلمون شيئا ولا يهتدون (
والمعنى أن الاقتداء انما يصح بالعالم المهتدي وانما يعرف اهتداؤه بالحجة
المائدة 105
المائدة : ( 105 ) يا أيها الذين . . . . .

" صفحة رقم 718 "
كان المؤمنون تذهب انفسهم حسرة على اهل العتو والعناد من الكفرة يتمنون دخولهم في الاسلام فقيل لهم
) عليكم أنفسكم (
وما كلفتم من إصلاحها والمشي بها في طرق الهدى
) لا يضركم (
الضلال عن دينكم اذا كنتم مهتدين كما قال عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام
) فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ( فاطر 8 وكذلك من يتأسف على ما فيه الفسقة من الفجور والمعاصي ولا يزال يذكر معايبهم ومناكيرهم
فهو مخاطب به وليس المراد ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن من تركهما مع القدرة عليهما فليس بمهتد وإنما هو بعض الضلال الذين فصلت الآية بينهم وبينه وعن ابن مسعود أنها قرئت عنده فقال ان هذا ليس بزمانها انها اليوم مقبولة
ولكن يوشك ان ياتي زمان تامرون فلا يقبل منكم فحينئذ عليكم أنفسكم فهي على هذا تسلية لمن يأمر وينهى فلا يقبل منه وبسط لعذره وعنه ليس هذا زمان تاويلها قيل فمتى قال اذا جعل دونها السيف والسوط والسجن
وعن أبي ثعلبة الخشني
368 انه سئل عن ذلك فقال للسائل سألت عنها خبيرا سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عنها فقال ( ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى اذا ما رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة واعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك ودع امر العوام وإن من ورائكم اياما الصبر فيهن كقبض على الجمر للعامل منهم مثل اجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله )
أخرجه أبو داود 4341 والترمذي 3058 وابن ماجة 4041 وابن حيان 385 و الطبري وقيل كان الرجل اذا أسلم قالوا له سفهت آباءك ولاموه
فنزلت
) عليكم أنفسكم (
عليكم من أسماء الفعل بمعنى الزموا إصلاح انفسكم ولذلك جزم جوابه
وعن نافع عليكم انفسكم بالرفع وقرىء ( لا يضركم ) وفيه وجهان أن يكون خبرا مرفوعا وتنصره قراءة أبي حيوة ( لا يضيركم ) وان يكون جوابا للأمر مجزوما وانما ضمت الراء إتباعا لضمة الضاد المنقولة اليها من الراء المدغمة
والأصل لا يضروكم ويجوز أن يكون نهيا ولا يضركم بكسر الضاد وضمها من ضاره يضيره ويضوره

" صفحة رقم 719 "
المائدة 106 - 108
المائدة : ( 106 ) يا أيها الذين . . . . .
ارتفع اثنان على أنه خبر للمبتدأ الذي هو
( شهادة بينكم )
على تقدير شهادة بينكم شهادة اثنين أو على انه فاعل شهادة بينكم على معنى فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان وقرا الشعبي ( شهادة بينكم ) بالتنوين
وقرأ الحسن ( شهادة ) بالنصب والتنوين على ليقم شهادة اثنان
و
) إذا حضر (
ظرف للشهادة و
) حين الوصية (
بدل منه ابداله منه دليل على وجوب الوصية وأنها من الأمور اللازمة التى لا ينبغي ان يتهاون بها مسلم ويذهل عنها
وحضور الموت مشارفته وظهور أمارات بلوغ الأجل
) منكم (
من أقاربكم و
) من غيركم (
من الأجانب
" " إن أنتم ضربتم في الأرض "
يعني ان وقع الموت في السفر ولم يكن معكم أحد من عشيرتكم فاستشهدوا اجنبيين على الوصية وجعل الاقارب اولى لأنهم اعلم بأحوال الميت وما هو اصلح وهم له أنصح
وقيل
" منكم ) من المسلمين ( ومن غيركم "
من اهل الذمة وقيل هو منسوخ لا تجوز شهادة الذمي على المسلم وانما جازت في اول الاسلام لقلة المسلمين وتعذر وجودهم في حال السفر
وعن مكحول نسخها قوله تعالى
" واشهدوا ذوي عدل منكم " الطلاق 2 وروي
369 انه خرج بديل بن أبي مريم مولى عمرو بن العاص وكان من المهاجرين مع عدي بن زيد وتميم بن اوس وكانا نصرانيين تجارا إلى الشام فمرض بديل وكتب كتابا فيه ما معه وطرحه في متاعه ولم يخبر به صاحبيه وامرهما ان يدفعا متاعه الى

" صفحة رقم 720 "
أهله ومات ففتشا متاعه فأخذا إناء من فضة فيه ثلثمائة مثقال منقوشا بالذهب فغيباه فأصاب أهل بديل الصحيفة فطالبوهما بالاناء فجحدا فرفعوهما إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
أخرجه الترمذي 3059 وتالطبري 12971 من حديث ابن عباس مطولا وضعفه الترمذي فنزلت
) تحبسونهما (
تنفقونهما وتصيرونهما للحلف
) من بعد الصلاة (
من بعد صلاة العصر لأن وقت اجتماع الناس
وعن الحسن بعد صلاة العصر أو الظهر لأن اهل الحجاز كانوا يقعدون للحكومة بعدهما
وفي حديث بديل انها لما نزلت صلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) صلاة العصر ودعا بعدي وتميم فاستحلفهما عند المنبر فحلفا ثم وجد الاناء بمكة فقالوا أنا اشتريناه من تميم وعدي
وقيل هي صلاة اهل الذمة وهم يعظمون صلاة العصر
) إن ارتبتم (
اعتراض بين القسم والمقسم عليه
والمعنى أن ارتبتم في شأنهما واتهمتموهما فحلفوهما
وقيل ان أريد بهما الشاهدان فقد نسخ تحليف الشاهدين وإن أريد بهما الوصيان فليس بمنسوخ تحليفهما
وعن علي رضي الله عنه انه كان يحلف الشاهد والراوي اذا اتهمهما والضمير في
" به "
للقسم وفي
) كان (
للمقسم له يعني لا نستبدل بصحة القسم بالله عرضا من الدنيا اي لا نحلف كاذبين لأجل المال ولو كان من نقسم له قريبا لنا على معنى ان هذه عادتهم في صدقهم وامانتهم ابدا وانهم داخلون تحت قوله تعالى
) كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ( النساء 135
) شهادة الله (
اي الشهادة التى امر الله بحفظها وتعظيمها
وعن الشعبي انه وقف على شهادة ثم ابتدأ الله بالمد على طرح حرف القسم وتعويض حرف الاستفهام منه وروي عنه بغير مد على ما ذكر سيبويه ان منهم من يحذف حرف القسم ولا يعوض منه همزة الاستفهام فيقول الله لقد كان كذا
وقرىء ( لملائمين ) بحذف الهمزة وطرح حركتها على اللام وادغام نون من فيها كقوله عاد لولي فإن قلت ما موقع تحبسونهما قلت هو استئناف كلام كانه قيل بعد اشتراط العدالة فيهما فكيف نعمل ان ارتبنا بهما فقيل تحسبونهما فإن قلت كيف فسرت الصلاة بصلاة العصر وهي مطلقة قلت لما كانت معروفة عندهم بالتحليف بعدها أغنى ذلك عن التقييد كما لو قلت في بعض ائمة الفقه اذا صلى أخذ في الدرس علم انها صلاة الفجر ويجوز أن تكون اللام للجنس وان يقصد بالتحليف على اثر الصلاة ان تكون الصلاة لطفا في النطق بالصدق وناهية عن الكذب والزور
) إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ( العنكبوت 45
) فإن عثر (
فان اطلع
) على أنهما استحقا إثما (
اي فعلا ما اوجب اثما واستوجبا أن يقال إنهما لمن الآثمين
) فآخران (
فشاهدان آخران
) يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم (
اي من الذين استحق عليهم الاثم
معناه من الذين جنى عليهم وهم أهل الميت وعشيرتهم وفي قصة بديل أنه لما

" صفحة رقم 721 "
ظهرت خيانة الرجلين حلف رجلان من ورثته أنه إناء صاحبهما وان شهادتهما أحق من شهادتهما
) الأوليان (
الأحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما وارتفاعهما على هما الأوليان كانه قيل ومن هما فقيل الأوليان وقيل هما بدل من الضمير في يقومان أو من آخران
ويجوز ان يرتفعا باستحق اي من الذين استحق عليهم انتداب الأوليين منهم للشهادة لاطلاعهم على حقيقة الحال
وقرىء ( الأولين ) على انه وصف للذين استحق عليهم مجرور أو منصوب على المدح
ومعنى الأولية التقدم على الأجانب في الشهادة لكونهم احق بها
وقرىء ( الأولين ) على التثنية وانتصابه على المدح
وقرا الحسن ( الأولان ) ويحتج به من يرى رد اليمين على المدعي وأبو حنيفة وأصحابه لا يرون ذلك
فوجهه عندهم ان الورثة قد ادعوا على النصرانيين انهما قد اختانا فحلفا فلما ظهر كذبهما ادعيا الشراء فيما كتما فأنكر الورثة فكانت اليمين على الورثة لإنكارهم الشراء
فإن قلت فما وجه قراءة من قرأ استحق عليهم الأوليان على البناء للفاعل وهم علي وأبي وابن عباس قلت معناه من الورثة الذي استحق عليهم الأوليان من بينهم بالشهادة ان يجردوهما للقيام بالشهادة ويظهروا بهما كذب
" الكاذبين ذالك "
الذي تقدم من بيان الحكم
) أدنى ( ان يأتي الشهداء على نحو تلك الحادثة
) بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان (
أن تكر أيمان شهود آخرين بعد أيمانهم فيفتضحوا بظهور كذبهم كما جرى في قصة بديل
) واسمعوا (
سمع اجابة وقبول
المائدة 109 - 110
)
المائدة : ( 109 ) يوم يجمع الله . . . . .
يوم يجمع ( بدل من المنصوب في قوله ( واتقوا الله ) وهو من بدل الاشتمال كانه قيل واتقوا الله يوم جمعه أو ظرف لقوله ( لا يهدي ) اي لا يهديهم طريق

" صفحة رقم 722 "
الجنة يومئذ كما يفعل بغيرهم أو ينصب على اضمار اذكر
أو يوم يجمع الله الرسل كان كيت وكيت
و
) ماذا ( منتصب بأجبتم انتصاب مصدره على معنى اي إجابة أجبتم
ولو أريد الجواب لقيل بماذا اجبتم
فإن قلت ما معنى سؤالهم قلت توبيخ قومهم كما كان سؤال المؤودة توبيخا للوائد
فإن قلت كيف يقولون
) لا علم لنا (
وقد علموا بما اجيبوا قلت يعلمون ان الغرض بالسؤال توبيخ اعدائهم فيكلون الأمر إلى علمه واحاطته بما منوا به منهم وكابدوا من سوء اجابتهم إظهارا للتشكي واللجاء إلى ربهم في الانتقام منهم وذلك أعظم على الكفرة وأفت في اعضادهم واجلب لحسرتهم وسقوطهم في ايديهم اذا اجتمع توبيخ الله وتشكي انبيائه عليهم
ومثاله أن ينكب بعض الخوارج على السلطان خاصة من خواصه نكبة قد عرفها السلطان واطلع على كنهها وعزم على الانتصار له منه فيجمع بينهما ويقول له ما فعل بك هذا الخارجي وهو عالم بما فعل به يريد توبيخه وتبكيته فيقول له أنت أعلم بما فعل بي تفويضا للأمر إلى علم سلطانه واتكالا عليه وإظهارا للشكاية وتعظيما لما حل به منه
وقيل من هول ذلك اليوم يفزعون ويذهلون عن الجواب ثم يجيبون بعدما تثوب اليهم عقولهم بالشهادة على اممهم
وقيل معناه علمنا ساقط مع علمك ومغمور به لأنك علام الغيوب
ومن علم الخفيات لم تخف عليه الظواهر التي منها إجابه الأمم لرسلهم فكانه لا علم لنا إلى جنب علمك وقيل لا علم لنا بما كان منهم بعدنا وإنما الحكم للخاتمة
وكيف يخفى عليهم امرهم وقد رأوهم سود الوجوه زرق العيون موبخين وقرىء ( علام الغيوب ) بالنصب على ان الكلام قد تم بقوله
) إنك أنت (
أي انك الموصوف باوصافك المعروفة من العلم وغيره ثم نصب علام الغيوب على الاختصاص أو على على النداء أو هو صفة لاسم إن
) إذ قال الله ( بدل من ( يوم يجمع )

" صفحة رقم 723 "
والمعنى انه يوبخ الكافرين يومئذ بسؤال الرسل عن اجابتهم وبتعديد ما اظهر على أيديهم من الآيات العظام فكذبوهم وسموهم سحرة
أو جاوزوا حد التصديق إلى ان اتخذوهم آلهة كما قال بعض بني إسرائيل فيما اظهر على يد عيسى عليه السلام من البينات والمعجزات ( هذا سحر مبين ) الأحقاف 7 واتخذه بعضهم وامه إلهين ) أيدتك (
قويتك
وقرىء ( أيدتك ) على أفعلتك
) بروح القدس (
بالكلام الذي يحيا به الدين وأضافه إلى القدس لأنه سبب الطهر من اوضار الآثام
والدليل عليه قوله تعالى
) تكلم الناس ( و
) في المهد (
في موضع الحال لأن المعنى تكلمهم طفلا
) وكهلا (
الا ان في المهد فيه دليل على حد من الطفولة وقيل روح القدس جبريل عليه السلام أيد به لتثبيت الحجة
فإن قلت ما معنى قوله ( في المهد وكهلا ) قلت معناه تكلمهم في هاتين الحالتين من غير ان يتفاوت كلامك في حين الطفولة وحين الكهولة الذي هو وقت كمال العقل وبلوغ الأشد والحد الذي يستنبأ فيه الأنبياء
) والتوراة والإنجيل (
خصا بالذكر مما تناوله الكتاب والحكمة لأن المراد بهما جنس الكتاب والحكمة
وقيل ( الكتاب ) الخط و ( الحكمة ) الكلام المحكم الصواب
) كهيئة الطير (
هيئة مثل هيئة الطير
) بإذني (
بتسهيلي
) فتنفخ فيها (
الضمير للكاف لأنها صفة الهيئة التى كان يخلقها عيسى عليه السلام وينفخ فيها ولا يرجع إلى الهيئة المضاف إليها لأنها ليست في خلقه ولا من نفخه في شيء وكذلك الضمير في فتكون
) تخرج الموتى (
تخرجهم من القبور وتبعثهم
قيل اخرج سام بن نوح ورجلين وامرأة وجارية
" واذا كففت بني إسراءيل عنك "
يعني اليهود حين هموا بقتله
وقيل لما قال الله تعالى لعيسى
) اذكر نعمتي عليك (
كان يلبس الشعر ويأكل الشجر ولا يدخر شيئا لغد يقول مع كل يوم رزقه لم يكن له بيت فيخرب ولا ولد فيموت أينما امسى بات
المائدة 111 - 115
المائدة : ( 111 - 115 ) وإذ أوحيت إلى . . . . .
) أوحيت إلى الحواريين (
أمرتهم على ألسنة الرسل
) مسلمون (
مخلصون من اسلم وجهه لله
) عيسى (
في محل النصب على اتباع حركة الابن كقولك يا زيد بن

" صفحة رقم 724 "
عمرو وهي اللغة الفاشية ويجوز أن يكون مضموما كقولك يا زيد بن عمرو والدليل عليه قوله
" أحار بن عمرو كاني خمر ويبدو على المرء ما يأتمر "
لأن الترخيم لا يكون الا في المضموم
فان قلت كيف قالوا
) هل يستطيع ربك (
بعد إيمانهم وإخلاصهم قلت ما وصفهم الله بالإيمان والإخلاص وإنما حكى ادعاءهم لهما ثم اتبعه
" قوله إذا قالوا "
فآذن ان دعواهم كانت باطلة وانهم كانوا شاكين وقوله ( هل يستطيع ربك ) كلام لا يرد مثله عن مؤمنين معظمين لربهم وكذلك قول عيسى عليه السلام لهم معناه اتقوا الله ولا تشكوا في اقتداره واستطاعته ولا تقترحوا عليه ولا تتحكموا ما تشتهون من الآيات فتهلكوا اذا عصيتموه بعدها
) إن كنتم مؤمنين (
إن كانت دعواكم للإيمان صحيحة
وقرىء ( هل تستطيع ربك ) أي هل تستطيع سؤال ربك والمعنى هل تسأله ذلك من غير صارف يصرفك عن سؤاله
والمائدة الخوان اذا كان عليه الطعام وهي من ( مادة ) إذا أعطاه ورفده كأنها تميد

" صفحة رقم 725 "
من تقدم اليه
) ونكون عليها من الشاهدين (
نشهد عليها عند الذين لم يحضروها من بني إسرائيل أو نكون من الشاهدين لله بالوحدانية ولك وبالنبوة عاكفين عليها على ان عليها في موضع الحال وكانت دعواهم لإرادة ما ذكروا كدعواهم الايمان والإخلاص
وإنما سأل عيسى واجيب ليلزموا الحجة بكمالها ويرسل عليهم العذاب إذا خالفوا
وقرىء ( ويعلم ) بالياء على البناء للمفعول ( وتعلم ) ( وتكون ) بالتاء
والضمير للقلوب
) اللهم (
أصله يا الله فحذف حرف النداء وعوضت منه الميم و
) ربنا (
نداء ثان
) تكون لنا عيدا (
أي يكون يوم نزولها عيدا
قيل هو يوم الأحد ومن ثم اتخذه النصارى عيدا وقيل العيد السرور العائد ولذلك يقال يوم عيد
فكان معناه تكون لنا سرورا وفرحا وقرأ عبد الله ( تكون ) على جواب الأمر
ونظيرهما ( يرثني ) ( ويرثني )
) لأولنا وآخرنا (
بل من لنا بتكرير العامل أي لمن في زماننا من اهل ديننا ولمن يأتي بعدنا
وقيل يأكل منها آخر الناس كما يأكل اولهم ويجوز للمتقدمين منا والأتباع
وفي قراءة زيد ( لأولانا وأخرانا ) والتانيث بمعنى الأمة والجماعة
) عذابا (
بمعنى تعذيبا
والضمير في ( لا اعذبه ) للمصدر ولو أريد بالعذاب ما يعذب به لم يكن بد من الباء
وروي ان عيسى عليه السلام لما اراد الدعاء لبس صوفا ثم قال اللهم انزل علينا فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين غمامة فوقها وأخرى تحتها وهم ينظرون اليها حتى سقطت بين أيديهم فبكى عيسى عليه السلام وقال اللهم اجعلني من الشاكرين اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها مثلة وعقوبة وقال لهم ليقم احسنكم عملا يكشف عنها ويذكر اسم الله عليها وياكل منها
فقال شمعون رأس الحواريين أنت أولى بذلك فقام عيسى وتوضأ وصلى وبكى ثم كشف المنديل وقال باسم الله خير الرازقين فإذا سمكة مشوية بلا فلوس ولا شوك تسيل دسما
وعند رأسها ملح وعند ذنبها خل وحولها من ألوان البقول ما خلا الكراث واذا خمسة أرغفة على واحد منها زيتون وعلى الثاني عسل وعلى الثالث سمن وعلى الرابع جبن وعلى الخامس قديد
فقال شمعون يا روح الله أمن طعام الدنيا أم من طعام الآخرة فقال ليس منهما ولكنه شيء اخترعه الله بالقدرة العالية كلوا ما سألتم واشكروا الله ويزدكم من فضله فقال الحواريون يا روح الله لو أريتنا من هذه الآية آية اخرى فقال يا سمكة احيي بإذن الله فاضطربت
ثم قال لها عودي كما كنت فعادت مشوية
ثم طارت المائدة ثم عصوا بعدها فمسخوا قردة وخنازير
وروي انهم لما سمعوا بالشريطة وهي قوله تعالى
) فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه (
قالوا لا نريد فلم تنزل
وعن الحسن والله ما نزلت ولو نزلت لكان عيدا إلى يوم القيامة لقوله ( وآخرنا ) والصحيح انها نزلت

" صفحة رقم 726 "
المائدة 116
المائدة : ( 116 ) وإذ قال الله . . . . .
) سبحانك ( من ان يكون لك شريك
) ما يكون لي (
ما ينبغي لي
) أن أقول (
قولا لا يحق لي ان اقوله
) في نفسي (
في قلبي والمعنى تعلم معلومي ولا اعلم معلومك ولكنه سلك بالكلام طريق المشاكلة وهو من فصيح الكلام وبينه فقيل
) في نفسك (
لقوله في نفسي
) إنك أنت علام الغيوب (
تقرير للجملتين معا لأن ما انطوت عليه النفوس من جملة الغيوب ولأن ما يعلمه علام الغيوب لا ينتهي اليه علم أحد
المائدة 117 - 118
(
المائدة : ( 117 ) ما قلت لهم . . . . .
أن ) في قوله
) أن اعبدوا الله (
إن جعلتها مفسرة لم يكن لها بد من مفسر
والمفسر اما فعل القول وإما فعل الأمر وكلاهما لا وجه له
أما فعل القول فيحكى بعده الكلام من غير ان يتوسط بينهما حرف التفسير لا تقول ما قلت لهم الا ان اعبدوا الله
ولكن ما قلت لهم الا اعبدوا الله
واما فعل الأمر فمسند إلى ضمير الله عز وجل

" صفحة رقم 727 "
فلو فسرته باعبدوا الله ربي وربكم لم يستقم لأن الله تعالى لا يقول اعبدوا الله ربي وربكم وإن جعلتها موصولة بالفعل لم تخل من ان تكون بدلا من ما امرتني به أو من الهاء في به وكلاهما غير مستقيم لأن البدل هو الذي يقوم مقام المبدل منه ولا يقال ما قلت لهم الا ان اعبدوا الله بمعنى ما قلت لهم الا عبادته لأن العبادة لا تقال وكذلك إذا جعلته بدلا من الهاء لأنك لو أقمت ( ان اعبدوا الله ) مقام الهاء فقلت الا ما امرتني بأن اعبدوا الله لم يصح لبقاء الموصول بغير راجع اليه من صلته
فإن قلت فكيف يصنع قلت يحمل فعل القول على معناه لأن معنى ( ما قلت لهم الا ما امرتني به ) ما امرتهم الا بما امرتني به حتي يستقيم تفسيره بان اعبدوا الله ربي وربكم
ويجوز ان تكون ( أن ) موصولة عطف بيان للهاء لا بدلا
) وكنت عليهم شهيدا (

" صفحة رقم 728 "
رقيبا كالشاهد على المشهود عليه امنعهم من ان يقولوا ذلك ويتدينوا به
) فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم (
تمنعهم من القول به بما نصبت لهم من الأدلة وانزلت عليهم من البينات وأرسلت اليهم من الرسل
) إن تعذبهم فإنهم عبادك (
الذين عرفتهم عاصين جاحدين لآياتك مكذبين لأنبيائك
) وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز (
القوي القادر على الثواب والعقاب
) الحكيم (
الذي لا يثيب ولا يعاقب الا عن حكمة وصواب
فإن قلت المغفرة لا تكون للكفار فكيف قال ( وإن تغفر لهم ) قلت ما قال انك تغفر لهم ولكنه بنى الكلام على ان غفرت فقال ان عذبتهم عدلت لأنهم أحقاء بالعذاب وإن غفرت لهم مع كفرهم لم تعدم في المغفرة وجه حكمة لأن المغفرة حسنة لكل مجرم في المعقول بل متى كان الجرم أعظم جرما كان العفو عنه احسن
المائدة 119
المائدة : ( 119 ) قال الله هذا . . . . .

" صفحة رقم 729 "
قرىء ( هذا يوم ينفع ) بالرفع والإضافة
وبالنصب إما على أنه ظرف لقال وإما على ان ( هذا ) مبتدا والظرف خبر ومعناه هذا الذي ذكرنا من كلام عيسى واقع يوم ينفع
ولا يجوز أن يكون فتحا كقوله تعالى
) يوم لا تملك ( الانفطار 9 لأنه مضاف إلى متمكن
وقرأ الأعمش ( يوم ينفع ) بالتنوين كقوله تعالى
) واتقوا يوما لا تجزي نفس ( البقرة 48 فإن قلت ما معنى قوله ينفع الصادقين صدقهم إن أريد صدقهم في الآخرة فليست الآخرة بدار عمل وإن أريد صدقهم في الدنيا فليس بمطابق لما ورد فيه لأنه في معنى الشهادة لعيسى عليه السلام بالصدق فيما يجيب به يوم القيامة قلت معناه الصدق المستمر بالصادقين في دنياهم وآخرتهم
وعن قتادة متكلمان تكلما يوم القيامة اما إبليس فقال إن الله وعدكم وعد الحق فصدق يومئذ وكان قبل ذلك كاذبا فلم ينفعه صدقه
واما عيسى عليه السلام فكان صادقا في الحياة وبعد الممات فنفعه صدقه
المائدة 120
المائدة : ( 120 ) لله ملك السماوات . . . . .
فإن قلت في السموات والأرض العقلاء وغيرهم فهلا غلب العقلاء فقيل ومن فيهن قلت ( ما ) يتناول الأجناس كلها تناولا عاما
ألا تراك تقول اذا رأيت شبحا من بعيد ما هو قبل ان تعرف أعاقل هو أم غيره فكان اولى بإرادة العموم
عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
370 ( من قرأ سورة المائدة أعطى من الأجر عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات بعدد كل يهودي ونصراني يتنفس في الدنيا )
موضوع

" صفحة رقم 5 "
( سورة الأنعام )
مكية
وعن ابن عباس : غير ست آيات ، وآياتها 165
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
) الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاٌّ رْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (
)
الأنعام : ( 1 ) الحمد لله الذي . . . . .
جَعَلَ ( يتعدّى إلى مفعول واحد إذا كان بمعنى أحدث وأنشأ ، كقوله : ) وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ( وإلى مفعولين إذا كان بمعنى صير كقوله : ) وَجَعَلُواْ الْمَلَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَانِ إِنَاثاً ( ( الزخرف : 19 ) والفرق بين الخلق والجعل : أن الخلق فيه معنى التقدير ، وفي الجعل معنى التضمين ، كإنشاء شيء من شيء أو تصيير شيء شيئاً ، أو نقله من مكان إلى مكان ، ومن ذلك ) وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ( ( الأعراف : 189 ) ) وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ( ؛ لأن الظلمات من الأجرام المتكاثفة والنور من النار ) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ أَزْواجاً ( ( فاطر : 11 ) ) أَجَعَلَ الاْلِهَةَ إِلَاهاً واحِداً ( ( ص : 5 ) . فإن قلت : لم أفرد النور ؟

" صفحة رقم 6 "
قلت : للقصد إلى الجنس ، كقوله تعالى : ) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا ( ( الحاقة : 17 ) أو لأن الظلمات كثيرة ، لأنه ما من جنس من أجناس الأجرام إلاّ وله ظلّ ، وظلّه هو الظلمة ، بخلاف النور فإنه من جنس واحد وهو النار . فإن قلت : علام عطف قوله : ) ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ ( ؟ قلت : إما على قوله : ) الْحَمْدُ للَّهِ ( على معنى أن الله حقيق بالحمد على ما خلق لأنه ما خلقه إلاّ نعمة ، ثم الذين كفروا به يعدلون فيكفرون نعمته ، وإما على قوله : ) خَلَقَ السَّمَاواتِ ( على معنى أنه خلق ما خلق مما لا يقدر عليه أحد سواه ، ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شيء منه . فإن قلت : فما معنى ثم ؟ قلت : استبعاد أن يعدلوا به بعد وضوح آيات قدرته ، وكذلك ) ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ ( ( الأنعام : 2 ) استبعاد لأن يمتروا فيه بعد ما ثبت أنه محييهم ومميتهم وباعثهم .
) هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ (
)
الأنعام : ( 2 ) هو الذي خلقكم . . . . .
ثُمَّ قَضَى أَجَلاً ( أجل الموت ) وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ( أجل القيامة ، وقيل الأجل الأوّل ما بين أن يخلق إلى أن يموت ، والثاني ما بين الموت والبعث وهو البرزخ ، وقيل الأوّل النوم ، والثاني الموت . فإن قلت : المبتدأ النكرة إذا كان خبره ظرفاً وجب

" صفحة رقم 7 "
تأخيره ، فلم جاز تقديمه في قوله ) وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ( ؟ قلت : لأنه تخصص بالصفة فقارب المعرفة ، كقوله : ) وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مّن مُّشْرِكٍ ( ( البقرة : 221 ) فإن قلت : الكلام السائر أن يقال : عندي ثوب جيد ولي عبد كيس وما أشبه ذلك فما أوجب التقديم ؟ قلت : أوجبه أن المعنى : وأي أجل مسمىً عنده تعظيماً لشأن الساعة ، فلما جرى فيه هذا المعنى وجب التقديم .
) وَهُوَ اللَّهُ فِى السَّمَاوَاتِ وَفِى الاٌّ رْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ( 7 )
الأنعام : ( 3 ) وهو الله في . . . . .
) فِى السَّمَاواتِ ( متعلق بمعنى اسم الله كأنه قيل وهو المعبود فيها ومنه قوله ) وَهُوَ الَّذِى فِى السَّماء إِلَاهٌ وَفِى الاْرْضِ إِلَاهٌ ( ( الزخرف : 84 ) أو وهو المعروف بالإلاهية أو المتوحد بالإلاهية فيها أو وهو الذي يقال له فيها لا يشرك به في هذا الاسم ، ويجوز أن يكون الله ) أَنَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ ( خبر بعد خبر على معنى أنه الله وأنه في السماوات والأرض بمعنى أنه عالم بما فيهما ، لا يخفى عليه منه شيء كأن ذاته فيهما ، فإن قلت : كيف موقع قوله ) يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ ( قلت : إن أردت التوحد بالإلاهية كان تقريراً له ؛ لأن الذي استوى في علمه السر والعلانية هو الله وحده وكذلك إذا جعلت في السماوات خبراً بعد خبر ، وإلا فهو كلام مبتدأ بمعنى هو يعلم سركم وجهركم أو خبر ثالث ) وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ( من الخير والشرّ ويثيب عليه ويعاقب .
) وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ ءَايَةٍ مِّنْ ءَايَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (
)
الأنعام : ( 4 ) وما تأتيهم من . . . . .
مِّنْ في ) مِّنْ ءَايَةٍ ( للاستغراق . وفي ) مّنْ ءايَةٍ مّنْ ( للتبعيض يعني وما

" صفحة رقم 8 "
يظهر لهم دليل قط من الأدلة التي يجب فيها النظر والاستدلال والاعتبار إلا كانوا عنه معرضين تاركين للنظر لا يلتفتون إليه ولا يرفعون به رأساً لقلة خوفهم وتدبرهم للعواقب فقد كذبوا مردود على كلام محذوف كأنه قيل : إن كانوا معرضين عن الآيات فقد كذبوا بما هو أعظم آية وأكبرها وهو الحق ) لَمَّا جَاءهُمْ ( يعني القرآن الذي تحدُّوا به على تبالغهم في الفصاحة فعجزوا عنه ) فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاء ( الشيء الذي ) كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ ( وهو القرآن : أي أخباره وأحواله بمعنى سيعلمون بأي شيء استهزءوا ، وسيظهر لهم أنه لم يكن بموضع استهزاء ، وذلك عند إرسال العذاب عليهم في الدنيا و يوم القيامة أو عند ظهور الإسلام وعلوّ كلمته .
) أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِى الاٌّ رْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَآءَ عَلَيْهِم مَّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الاٌّ نْهَارَ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً ءَاخَرِينَ (
الأنعام : ( 6 ) ألم يروا كم . . . . .
مكن له في الأرض جعل له مكاناً له فيها ، ونحوه أرّض له ، ومنه قوله ، ) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى الاْرْضِ ( ( الكهف : 84 ) ) أَوَ لَمْ نُمَكّن لَّهُمْ ( ( القصص : 57 ) وأمّا مكنته في الأرض فأثبته فيها ، ومنه قوله ) وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ ( ( الأحقاف : 26 ) ولتقارب المعنيين جمع بينهما في قوله : ) مَّكَّنَّاهُمْ فِى الاْرْضِ مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ ( والمعنى : لم نعط أهل مكة نحو ما أعطينا عاداً وثمود وغيرهم من البسطة في الأجسام والسعة في الأموال والاستظهار بأسباب الدنيا والسماء المظلة لأن الماء ينزل منها إلى السحاب أو السحاب أو المطر . والمدرار المغزار . فإن قلت : أي فائدة في ذكره إنشاء قرن آخرين بعدهم قلت : الدلالة على أنه لا يتعاظمه أن يهلك قرناً ويخرب بلاده منهم ؟ فإنه قادر على أن ينشىء مكانهم آخرين يعمر بهم بلاده كقوله تعالى ) وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا ( ( الشمس : 15 ) .
) وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِى قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَاذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِىَ الاٌّ مْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ( 7 )
الأنعام : ( 7 - 9 ) ولو نزلنا عليك . . . . .
) كِتَاباً ( مكتوباً ) فِى قِرْطَاسٍ ( في ورق ) فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ ( ولم يقتصر بهم على الرؤية ، لئلا يقولوا سكرت أبصارنا ولا تبقى لهم علة لقالوا ) إِنْ هَاذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (

" صفحة رقم 9 "
تعنتاً وعناداً للحق بعد ظهوره ) قُضِىَ الاْمْرُ ( لقضي أمر هلاكهم ) ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ ( بعد نزوله طرفة عين ، إما لأنهم إذا عاينوا الملك قد نزل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في صورته وهي آية لا شيء أبين منها وأيقن ثم لا يؤمنون كما قال ) وَلَوْ أَنزَلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى ( ( الأنعام : 111 ) لم يكن بدّ من إهلاكهم كما أهلك أصحاب المائدة ، وإما لأنه يزول الاختيار الذي هو قاعدة التكليف عند نزول الملائكة ، فيجب إهلاكهم . وإما لأنهم إذا شاهدوا ملكاً في صورته زهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون ومعنى ) ثُمَّ ( بعد ما بين الأمرين : قضاء الأمر ، وعدم الإنظار . جعل عدم الإنظار أشدّ من قضاء الأمر ، لأنّ مفاجأة الشدّة أشدّ من نفس الشدّة ) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً ( ولو جعلنا الرسول ملكاً كما اقترحوا لأنهم كانوا يقولون : لولا أنزل على محمد ملك . وتارة يقولون : ) مَا هَاذَا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ ( ( المؤمنون : 33 ) ، ) وَلَوْ شَاء رَبُّنَا لاَنزَلَ مَلَائِكَةً ( ( فصلت : 14 ) ) لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً ( لأرسلناه في صورة رجل ، كما .
كان ينزل جبريل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في أعم الأحوال في صورة دحية لأنهم لا يبقون مع رؤية الملائكة في صورهم ) وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم ( ولخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حينئذ ، فإنهم يقولون : إذا رأوا الملك في صورة إنسان : هذا إنسان وليس

" صفحة رقم 10 "
بملك ، فإن قال لهم : الدليل أني ملك أني جئت بالقرآن المعجز ، وهو ناطق بأني ملك لا بشر كذبوه كما كذبوا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ، فإذا فعلوا ذلك خذلوا كما هم مخذولون الآن ، فهو لبس الله عليهم . ويجوز أن يراد : ) وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم ( حينئذ مثل ما يلبسون على أنفسهم الساعة في كفرهم بآيات الله البينة : وقرأ ابن محيصن : ( ولبسنا عليهم ) ، بلام واحدة . وقرأ الزهري : ( وللبَّسْنا عليهم ما يلبِّسُون ) ، بالتشديد .
الأنعام : ( 10 ) ولقد استهزئ برسل . . . . .
) وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (
) وَلَقَدِ اسْتُهْزِىء ( تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عما كان يلقي من قومه ) فَحَاقَ ( بهم فأحاط بهم الشيء الذي كانوا يستهزؤن به وهو الحق ، حيث أهلكوا من أجل الاستهزاء به .
) قُلْ سِيرُواْ فِى الاٌّ رْضِ ثُمَّ انْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ( 7 )
الأنعام : ( 11 ) قل سيروا في . . . . .
فإن قلت : أي فرق بين قوله ) فَانظُرُواْ ( وبين قوله : ) ثُمَّ انْظُرُواْ ( ؟ قلت : جعل النظر مسبباً السير في قوله : ) فَانظُرُواْ ( فكأنه قيل سيروا لأجل النظر ، ولا تسيروا سير الغافلين . وأما قوله : ) سِيرُواْ فِى الاْرْضِ ثُمَّ انْظُرُواْ ( فمعناه إباحة السير في الأرض للتجارة وغيرها من المنافع وإيجاب النظر في آثار الهالكين . ونبه على ذلك بثم ، لتباعد ما بين الواجب والمباح .
) قُل لِّمَن مَّا فِى السَّمَاوَاتِ وَالاٌّ رْضِ قُل للَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ( 7 )
الأنعام : ( 12 ) قل لمن ما . . . . .
) لّمَن مَّا فِى السَّمَاواتِ وَالاْرْضِ ( سؤال تبكيت ، و ) قُل لِلَّهِ ( تقرير لهم ، أي هو لله لا خلاف بيني وبينكم ، ولا تقدرون أن تضيفوا شيئاً منه إلى غيره ) كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ( أي أوجبها على ذاته في هدايتكم إلى معرفته ، ونصب الأدلة لكم على توحيده بما أنتم مقرون به من خلق السماوات الأرض ، ثم أوعدهم على إغفالهم النظر وإشراكهم به من لا يقدر على خلق شيء بقوله ) لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ( فيجازيكم على إشراككم . وقوله : ) الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم ( نصب على الذم ، أو رفع : أي أريد الذين خسروا أنفسهم ، أو أنتم الذين خسروا أنفسهم . فإن قلت : كيف جعل عدم إيمانهم مسبباً عن خسرانهم ، والأمر على العكس ؟ قلت : معناه : الذين خسروا أنفسهم في علم الله :

" صفحة رقم 11 "
لاختيارهم الكفر . فهم لا يؤمنون .
) وَلَهُ مَا سَكَنَ فِى الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (
)
الأنعام : ( 13 ) وله ما سكن . . . . .
وَلَهُ ( عطف على الله ) مَا سَكَنَ فِى الَّيْلِ وَالنَّهَارِ ( من السكنى وتعديه بفي كما في قوله : ) وَسَكَنتُمْ فِى مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ( . ) وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( يسمع كل مسموع ويعلم كل معلوم ، فلا يخفي عليه شيء مما يشتمل عليه الملوان .
) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالاٌّ رْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّى أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ قُلْ إِنِّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ( 7 )
الأنعام : ( 14 - 16 ) قل أغير الله . . . . .
أوَليّ ) غَيْرُ اللَّهِ ( ؟ همزة الاستفهام دون الفعل الذي هو ) اتَّخَذَ ( لأن الإنكار في اتخاذ غير الله ولياً ، لا في اتخاذ الولي ، فكان أولى بالتقديم . ونحوه ) أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونّى أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ ( ( الزمر : 64 ) ) اللَّهِ أَذِنَ لَكُمْ ( ( يونس : 59 ) . وقرىء ) فَاطِرَ السَّمَاواتِ ( بالجرّ صفة لله ، وبالرفع على المدح . وقرأ الزهري : ( فَطَرَ ) . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ما عرفت ما فاطر السماوات والأرض ، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما : أنا فطرتها أي ابتدعتها ) وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ ( وهو يرزُق ولا يُرْزَق ، كقوله : ) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ( ( الذاريات : 59 ) والمعنى : أن المنافع كلها من عنده ، ولا يجوز عليه الانتفاع . وقرىء : ( ولا يطعم ) ، بفتح الياء . وروى ابن المأمون عن يعقوب : ( وهو يُطْعَمُ ولا يُطْعِمُ ) ، على بناء الأول للمفعول والثاني للفاعل ، والضمير لغير الله ، وقرأ الأشهب : ( وهو يطعم ولا يطعم ) ، على بنائهما للفاعل . وفسر بأن معناه : وهو يطعم ، ولا يستطعم . وحكى الأزهري : أطعمت ، بمعنى استطعمت ، ونحوه أفدت . ويجوز أن يكون المعنى : وهو يطعم تارة ولا يطعم أخرى على حسب المصالح ، كقولك : وهو يعطي ويمنع ، ويبسط ، ويقدر ، ويغني ويفقر ) أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ( لأنّ النبي سابق أمته في الإسلام ، كقوله ) وَبِذالِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ( ( الأنعام : 163 ) وكقول موسى : ) سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ( ( الأعراف : 143 ) ) وَلاَ تَكُونَنَّ ( وقيل لي لا تكونن ) مِنَ الْمُشْرِكِينَ ( ومعناه : أمرت بالإسلام ونهيت عن الشرك . و ) مِنْ سَنُراوِدُ عَنْهُ ( العذاب ) يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ ( الله الرحمة العظمى وهي النجاة ،

" صفحة رقم 12 "
كقولك : إن أطعمت زيداً من جوعه فقد أحسنت إليه ؟ تريد : فقد أتممت الإحسان إليه أو ، فقد أدخله الجنة ، لأن من لم يعذب لم يكن له بدّ من الثواب . وقرىء : ( من يَصْرِفْ عنه ) على البناء للفاعل ، والمعنى : من يصرف الله عنه في ذلك اليوم فقد رحمه ، بمعنى : من يدفع الله عنه . ويحفظه ، وقد علم من المدفوع عنه . وترك ذكر المصروف ؛ لكونه معلوماً أو مذكوراً قبله وهو العذاب . ويجوز أن ينتصب يومئذ يصرف انتصاب المفعول به ، أي من يصرف الله عنه ذلك اليوم : أي هوله ، فقد رحمه . وينصر هذه القراءة قراءة أبيّ رضي الله عنه : من يصرف الله عنه .
) وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدُيرٌ ( 7 )
الأنعام : ( 17 ) وإن يمسسك الله . . . . .
) وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرّ ( من مرض أو فقر أو غير ذلك من بلاياه ، فلا قادر على كشفه إلا هو ) وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ ( من غنى أو صحة ) فَهُوَ عَلَى كُلّ شَىْء قَدُيرٌ ( فكان قادراً على إدامته أو إزالته .
) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (
)
الأنعام : ( 18 ) وهو القاهر فوق . . . . .
فَوْقَ عِبَادِهِ ( تصوير للقهر والعلوّ بالغلبة والقدرة ، كقوله : ) وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ( ( الأعراف : 127 ) الشيء أعم العام لوقوعه على كل ما يصح أن يعلم ويخبر عنه ، فيقع على القديم والجرم والعرض والمحال والمستقيم . ولذلك صحّ أن يقال في الله عزّ وجلّ : شيء لا كالأشياء ، كأنك قلت : معلوم لا كسائر المعلومات ، ولا يصح : جسم لا كالأجسام .
) قُلْ أَىُّ شَىْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَاذَا الْقُرْءَانُ لاٌّ نذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ

" صفحة رقم 13 "
لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَاهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِى بَرِىءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (
الأنعام : ( 19 ) قل أي شيء . . . . .
وأراد : أي شهيد ) أَكْبَرُ شَهَادةً ( فوضع شيئاً مقام شهيد ليبالغ في التعميم ) قُلِ اللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ ( يحتمل أن يكون تمام الجواب عند قوله : ) قُلِ اللَّهُ ( بمعنى الله أكبر شهادة ، ثم ابتدىء ) شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ ( أي هو شهيد بيني وبينكم ، وأن يكون ) اللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ ( هو الجواب ، لدلالته على أنّ الله عزّ وجلّ إذا كان هو الشهيد بينه وبينهم ، فأكبر شيء شهادة شهيد له ) وَمَن بَلَغَ ( عطف على ضمير المخاطبين من أهل مكة . أي : لأنذركم به وأنذر كل من بلغه القرآن من العرب والعجم . وقيل : من الثقلين . وقيل : من بلغه إلى يوم القيامة . وعن سعيد بن جبير : من بلغه القرآن فكأنما رأى محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ) أَءنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ ( تقرير لهم مع إنكار واستبعاد ) قُل لاَّ أَشْهَدُ ( شهادتكم .
) الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِأايَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ( 7 )
الأنعام : ( 20 - 21 ) الذين آتيناهم الكتاب . . . . .
) الَّذِينَ ءاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ( يعني اليهود والنصارى يعرفون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بحليته ونعته الثابت في الكتابين معرفة خالصة ) كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ ( بحلاهم ونعوتهم لا يخفون عليهم ولا يلتبسون بغيرهم . وهذا استشهاد لأهل مكة بمعرفة أهل الكتاب به وبصحة نبوّته . ثم قال : ) الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم ( من المشركين من أهل الكتاب الجاحدين ) فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ( به ، جمعوا بين أمرين متناقضين ، فكذبوا على الله بما لا حجة عليه ، وكذبوا بما ثبت بالحجة البينة ، والبرهان الصحيح ، حيث قالوا : ) لَوْ شَاء اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ ىَابَاؤُنَا ( ( الأنعام : 148 ) وقالوا : ) وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ( ( الأعراف : 28 ) وقالوا : ) الْمَلَائِكَةَ بَنَاتٍ اللَّهِ ( ( يونس : 18 ) و ) هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ( ( يونس : 18 ) ونسبوا إليه تحريم البحائر والسوائب ، وذهبوا فكذبوا القرآن والمعجزات ، وسموها سحراً ، ولم يؤمنوا بالرسول ( صلى الله عليه وسلم ) .
) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (
)
الأنعام : ( 22 ) ويوم نحشرهم جميعا . . . . .
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ ( ناصبه محذوف تقديره : ويوم نحشرهم كان كيت وكيت ، فترك ليبقى على الإبهام الذي هو داخل في التخويف ) أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ ( أي آلهتكم التي جعلتموها شركاء لله . وقوله : ) الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ( معناه تزعمونهم شركاء ، فحذف المفعولان . وقرىء : ( يحشرهم ) . ( ثم يقول ) : بالياء فيهما . وإنما يقال لهم ذلك على وجه التوبيخ ، ويجوز أن يشاهدوهم ، إلا أنهم حين لا ينفعونهم ولا يكون منهم ما رجوا من الشفاعة . فكأنهم غيب عنهم ، وأن يحال بينهم وبينهم في وقت التوبيخ ليفقدوهم في الساعة التي علقوا بهم الرجاء

=

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الشرط الأوحد للشفاعة كلها هو لمن مات يوم مات علي التوبةٍ ولو ندما وعزما علي ان يعمل الصالحات سواءا أدركوا العمل ام لم يدركونه

الشرط الأوحد للشفاعة كلها هو لمن مات يوم مات علي التوبةٍ ولو ندما وعزما علي ان يعمل الصالحات سواءا أدركوا العمل ام لم يدركونه أسْعَد...